تمهيد
قد يكون صعباً جداً اختصار الحديث عن مشهد ثقافي وفكري إسلامي عرفه لبنان في نصف القرن الأخير، لأنّ التحوّلات كانت حادّة إلى حدّ التناقض، لكن من باب الإشارة فقط يمكن أن نفتح الحديث عن هذا الموضوع عبر محورين رئيسيين، يبدو لي إمكانية تمييز الحديث عنهما: المحور الشيعي والمحور السنّي.
وسوف يكون حديثنا مختصراً يعالج النقاط والملفات الأساسية، بعيداً عن التفاصيل التي لا حدّ لها.
1 ـ المشهد الثقافي والفكري الإسلامي في الوسط الشيعي
1 ـ 1 ـ الشيعة في النصف الأوّل من القرن العشرين، بداية الحراك الثقافي
كان الشيعة قد عرفوا في النصف الأوّل من القرن العشرين في لبنان، بدايات تحوّل، بدأت منذ مطلع القرن؛ حيث كانت الدولة العثمانية تضعف يوماً بعد آخر، وكان ذلك فسحةً للشيعة كي ينطلقوا أكثر فأكثر في بناء ذاتهم، والخروج من التاريخ القمعي الطويل الذي عرفوه في هذه المنطقة.
وقد تصاحبت هذه الأحداث مع التمدّد الغربي في العالم الإسلامي، فشهد المسلمون بعد حملات نابليون تحوّلات كبيرة في المنطقة، كانت منطلقاتها في الغالب آتيةً من مصر أو شبه القارة الهندية، ومثله مثل سائر بلدان المشرق الإسلامي.. خاض لبنان الشيعي حواراً بين أبنائه حول مجموعة من ضرورات التحديث، فانطلقت مجلة (العرفان) في صيدا، والتي كان يديرها أحمد عارف الزين، لتتحوّل إلى منبر ثقافي شيعي كبير يوازي منبر مجلة (المنار) في مصر، وعلى صفحات هذه المجلة في النصف الأول من القرن العشرين، شهد المجتمع الشيعي أهم التحوّلات الفكرية.
سعى الشيعة بأطيافهم في هذه الفترة لإثبات حضورهم في المحيط السنّي؛ فعمل السيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين وغيرهما على الدفاع عن المعتقدات الشيعية وإثبات الوجود الشيعي في الوسط السنّي، وكتبهما معروفة، لاسيما mالمراجعاتn و mأعيان الشيعةn، وأبدت مجلة العرفان التاريخَ العريق للشيعة أيضاً، لكن مع ذلك، اندلعت خلافات في الداخل الشيعي آنذاك حول محاور عديدة، أرى أنّ أبرزها كان ما يلي:
1 ـ الخلاف الذي وقع حول تأسيس المدرسة العصرية، فقد انقسم العلماء في هذا الموضوع، وفيما كان السيد محسن الأمين يدافع عن تأسيس هذه المدرسة لتوعية الجيل الصاعد، كان فريق آخر يرفض هذا الأمر، وقيل: إنّ بين الفريق الآخر السيد عبد الحسين شرف الدين، الذي ما لبث أن عدل عن رأيه ليؤسّس بنفسه مدرسة عصرية، سميت بمدرسة الجعفرية في مدينة صور.
يعكس هذا الخلاف طبيعة القراءات الثقافية والوعي الثقافي الذي كان يملكه كبار قادة المجتمع الشيعي آنذاك، في الصورة التي يحملونها عن العلوم الحديثة وعن الانفتاح على الواقع الجديد الذي بات يغزو المنطقة برمّتها، وفي الاعتراف بمرجعيات علمية ثانية، صورة مصغّرة لما بتنا نسمّيه اليوم بالعلاقة بين الحوزة والجامعة أو العلاقة بين المثقف والفقيه.
2 ـ الخلاف حول مظاهر الطقوس الدينية المذهبية، في قضية إحياء الشعائر الحسينية؛ وربما كان هذا أكبر خلاف ثقافي ديني عرفه الشيعة في النصف الأوّل من القرن العشرين، وانقسموا فيه فريقين: فريق مناصر لتصحيح الشعائر تزعّمه السيد محسن الأمين، وناصره في ذلك الكادر الذي كان يحيط بمجلة العرفان، وبعض مرجعيات النجف، في مقابل السيد عبد الحسين شرف الدين في صور، والشيخ عبد الحسين صادق في مدينة النبطية، تناصرهما في ذلك تيارات معروفة في النجف.
كان هذا الخلاف تعبيراً عن ظهور تيار التحديث الديني في الوسط الشيعي، وهو التيار الذي يدعو لنقد الموروث الديني ووضع الشيعة ضمن حركة تصحيح عام، لا تختصّ بهم بل تعمّ المنطقة أيضاً.
2 ـ 1 ـ الإمام موسى الصدر ومشروع تكوين الجماعة الشيعية
لم ينته العقد الأول من النصف الثاني من القرن العشرين، إلا وغاب الإمامان: الأمين وشرف الدين، ليدخل الوضع الشيعي في مرحلة جديدة.
كانت المشاريع الأوّلية التي أطلقها هذان الإمامان بداية لتفكير جادّ في النهوض بالواقع اللبناني الشيعي، وبغيابهما قام الإمام موسى الصدر بلعب دور الخليفة، فأكمل المشروع عبر تأسيس مجموعة من المؤسّسات التي ما لبثت أن كوّنت الوعي الثقافي الشيعي الجديد، فأطلق (أفواج المقاومة اللبنانية/أمل) لتكون جامعاً سياسياً للشيعة الذين كان شبابهم قد تفرّقوا بين الأحزاب اليسارية والفلسطينية آنذاك، وشاد مؤسّسات اجتماعية وتربوية ودينية، مثل معهد الدراسات الإسلامية في صور، وجمعية البر والإحسان و.. إلى أن أنشأ عام 1967م المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي توكل إليه مهمّة أن يُشرف على الأوقاف والقضاء الجعفريين، ويدير الشؤون الدينية للشيعة، ويدافع عن مصالح الجماعة الشيعية في لبنان، وقد دعمته في إنشائه جهات عديدة في النجف وغيرها.
وكانت الإطلالة التي تميّز بها السيد الصدر تقوم على شيء من التوعية الثقافية البسيطة للشيعة، وجعلهم يحسّون بكيانهم الديني والثقافي بشكل أكبر، دون أن ينقطعوا عن المحيط التعدّدي الذين عرفه لبنان منذ سنين طويلة، والتعايش الإسلامي ـ المسيحي كان أطلقه الصدر منذ سنين بعيدة؛ لكي يحمي الشيعة من موجات دموية جديدة قد يواجهونها داخل الوطن اللبناني.
ويقوم مشروع الصدر الثقافي والفكري على مبادئ دينية محدّدة، فلم يتأثر موسى الصدر ـ خلافاً لابن عمّه الشهيد محمد باقر الصدر ـ فيما يبدو بالحركات الإخوانية في مصر أو حزب التحرير في بلاد الشام، ولا بالتيارات الثورية الإسلامية في إيران والعراق، ولم ينادِ بإقامة نظام إسلامي في لبنان، كما لم يكن من ضمن أولوياته تأسيس أحزاب دينية بالمعنى الذي بتنا نعرفه اليوم، ولم يرَ من لبنان ما يراه السيد باقر الصدر من العراق في طريقة دعم الثورة الإسلامية في إيران، وإنّما كان نشاطه الثقافي يقتصر على شيء مبسّط من نشر الثقافة الشيعية التي تسمح بإحساس الشيعة بكيانهم؛ ليعيدوا تموضعهم وتكوين منظومتهم بوصفهم قوّة مؤثرة في الساحة، بدل التهميش الذي مورس عليهم قبل وبعد انهيار الدولة العثمانية، نعم كان هذا هو الهدف الرئيس لموسى الصدر في مشاريعه الثقافية والسياسية التي أطلقها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مع فتح شبكة علاقات دولية ومحلية هائلة، وهذا ما نجده في خطبه ومحاضراته ودروسه التفسيرية، ووضع الشيعة في لبنان ربما هو الذي فرض عليه تغييراً في رسم هذه الأولويات عن الهموم التي كان يعيشها الشيعة في مثل إيران والعراق.
يحسب السيد موسى الصدر على الخطوط المعتدلة في الساحة الشيعية بحسب التقسيم السائد في تصنيف الحركات الإسلامية، فلم يستخدم السلاح لمواجهة الخصوم في الداخل، ولم يمارس النهج الثوري في تغيير الواقع، ولم يكن راديكاليّاً دينياً في التعامل مع الحياة الشيعية في لبنان، يقال: إنّه كان مقرّباً فكرياً من تيارات في إيران تختلف بعض الشيء عن الخطّ الذي عاد وانتصر في إيران إلى اليوم، ويرى المراقبون أنّ علاقته بمثقفي مجلّة mمكتب إسلامn وبتيارات د. شريعتي وأمثاله كانت أكبر من علاقته بفكر مثل الإمام الخميني؛ لهذا نظر إليه بعض رجالات الخط الثوري الإسلامي الذي جاء فيما بعد في الثمانينيات على أنّه غير متوالم مع مشروعهم، وكانت هذه نقطة بداية لتحوّلات حادّة واختلافات في وجهات النظر في الساحة الشيعية.
وفي الحقيقة، كانت هناك أكثر من ردّة فعل على الرؤية التي قدّمها السيد موسى الصدر، أهمها:
1 ـ ردّة الفعل المتمثلة بالتيارات المدرسية أو تلك التي كانت تملك رؤية كلاسيكية نسبياً، مثل الشيخ محمد جواد مغنية والسيد هاشم معروف الحسني وأمثالهما، فلم يكن هؤلاء مرتاحين للنهج الفكري والثقافي والسياسي الذي قام به الصدر، وكانوا يفضلون طريقة أخرى في التعامل مع الأمور، ربما تكون أقرب إلى بقاء الأوضاع على ما هي عليه، مع تغييرات طفيفة تقوم على سياسات مطلبية محدودة.
2 ـ ردّة فعل متمثلة في تيارات تُحسب على الحركة الإسلامية أو اليسارية عموماً، وأبرز شخصيّتين يمكننا ذكرهما، هما: السيد محمد حسين فضل الله، والسيد محمد حسن الأمين، فقد ذهب هذا الفريق ـ الذي كان يشارك الصدر في الخطوط العامّة للمشروع النهضوي ـ إلى أنّ الصدر أخطأ في أكثر من نقطة في مشروعه الثقافي والسياسي للشيعة، من بينها أنّه اعتمد النهج الجماهيري حيث تواصل مباشرة مع جماهير الشيعة قبل بناء كوادر شيعية قادرة على الإمساك بالوضع وإدارة الأمور، وأنه ربما شعر أنّ وجوده كان ضماناً لتدارك الوضع، فلما غاب انتكس مشروعه، فيما كان يفترض به أن ينهج نهج بناء الكوادر الشيعية، ثم في مرحلة لاحقة يقوم ببث هذه الكوادر في القاعدة الجماهيرية للشيعة لتغيير وضعهم الثقافي والاجتماعي والسياسي، كما ومن بين الملاحظات التي سجّلت عليه تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إذ اعتبر هذا الفريق أنّ تأسيس المجالس المليّة يكرّس الطائفية في لبنان، والمفروض أن نعمل على تذويب الحالة الطائفية والثقافة الطائفية في هذا البلد العاجّ بالطوائف والمذاهب، فيما بيّن السيد الصدر في مؤتمر صحافي مشهور عام 1966م أوضاع الشيعة المتدهورة في لبنان ومبرّرات قيام مجلس لهم.
وبصرف النظر عن هذه الملاحظات أو تلك، طغى مشروع السيد موسى الصدر على غيره وسيطر على الساحة الشيعية في لبنان، وحكم بعقليّته التيارات كافّة، وفجأة اختفى نهاية السبعينيات، ليترك فراغاً هائلاً في حياة الشيعة اللبنانيين.
شكّل اختفاء السيد الصدر صدمة كبيرة للشيعة الذين كانوا خرجوا للتوّ من وضع حرج، وبدأ الوضع الشيعي يشهد تنافساً في مراحله الأولى بين اتجاه ينحو نحو علمنة مشروع السيد الصدر يقوده الرئيس نبيه بري، وآخر يريد أن يحفظ له ـ بقدر ما ـ صيغته الإسلامية كان من قادته الشيخ شمس الدين، لكن انتصر ـ داخل خط الصدر ـ مشروع العلمنة في نهاية المطاف، لكنّها كانت علمنة غير ملحدة، لم تكن علمنة لا دينية، صاحب ذلك انتصار الثورة الإسلامية في إيران؛ لينطلق المشروع الكبير في المنطقة على الصعيد الشيعي.
3 ـ 1 ـ ظهور التيارات الإسلامية السياسية الشيعية
تابع المثقفون الشيعة المعركة التي خاضها السيد محمد باقر الصدر مع التيارات الشيوعية في العراق، وأعجبوا بها، واستفادوا منها في مواجهة خصومهم من التيارات اليسارية والماركسية التي كانت غزت الجامعات ومختلف الطبقات في لبنان، حتى كانت الأحزاب الماركسية هي الأقوى في بداية الثمانينيات، ولمّا كان اللبنانيون الفئة الأنشط ميدانياً من حول السيد محمد باقر الصدر، ولما هجّروا نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات إلى لبنان من النجف، عاد فريقٌ منهم يحمل الأفكار التي كانت نمت في الوسط النهضوي العراقي، ومن حول السيد محمد باقر الصدر، أو على مقربة منه، دون أن يكونوا حتى الآن ـ أي بداية الثمانينيات ـ قد تأثروا بشكل جادّ بالمناخ الفكري في إيران، أو فكّروا في تحويل مرجعيتهم الدينية من النجف إلى قم.
في هذه الفترة التي بدأت تقريباً من عام 1972م، خرجت تيارات تمثل امتداداً للتيارات الفكرية السياسية الشيعية التي ظهرت في النجف، فبدأ العلامة محمد حسين فضل الله نشاطاته الفكرية في بنت جبيل وفي شرق بيروت بتشكيل (أسرة التآخي)، ومجموعة نشاطات فكرية متعدّدة، وكان هذا التيار يمتدّ عبر (اتحاد الطلبة المسلمين) الذي اتخذ من الضاحية الجنوبية لبيروت مقرّاً له، وتحلّقت حول اتحاد الطلبة وفضل الله مجموعات أولى تغايرت عقليتها تدريجياً عن الحركة التي كان يسير عليها السيد موسى الصدر ومن جاء بعده، كانت الأولويات للبعد التثقيفي الديني، ولتشكيل وعي سياسي ـ ديني، يؤمن بإقامة الحياة وفق أسس دينية، ويهتمّ بنقد الموروث الديني الراكد الذي كان يعيش الشيعة عليه في لبنان، إضافة إلى التنظير لآليات الدعوة الدينية ونشر الفكر الديني، كما اهتمّت هذه المجموعات بمطالعة الفكر الماركسي والغربي الجديد لتقديم تصوّرات دينية بديلة عنه بأسلوب الحوار واللغة الهادئة مبديةً الفكر الديني قادراً على الحضور في الساحة السياسية والاجتماعية والفكرية.
كان البعد الفكري هذه المرّة مهيمناً أكثر على نشاطات هذه المجموعة، بشكل يفوق ما كان قد حصل مع تجربة الإمام الصدر، ففي تلك التجربة لم يكن سوى العلامة محمد مهدي شمس الدين (2002م) يظهر بقوّة، عبر كتاباته التي نقد فيها الدكتور صادق جلال العظم في كتابه (نقد الفكر الديني) وغيره، مثل كتاب mالمطارحاتn وغيره، وقد شكّلت مشاركة العلامة شمس الدين حضوراً قويّاً للعلماء في ساحة المناقشات الفلسفية والفكرية الجديدة، وبلغة تختلف عن المنطق الخطابي والتعبوي.
كانت الأفكار التي نمت حول شمس الدين مشابهة كثيراً لتلك التي ظهرت مع فضل الله، مع فارق أنّ شمس الدين كان يحمل لغةً أكثر نخبوية وحضوراً أكثر رسمية بعد أن خلف الإمام موسى الصدر في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فبدت أفكاره أقرب إلى طريقة تفكير السيد موسى الصدر، فيما اقترب السيد فضل الله من طريقة تفكير التيار الإسلامي العراقي المتمثل آنذاك بحزب الدعوة الإسلامية، من هنا بدا فضل الله أقرب إلى الخطاب الثوري وإلى نظرية تطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية، وحاكمية الفقه الإسلامي، فيما ذهب شمس الدين ـ الذي كان مقرّباً في النجف، كما يقال، من أسرة الحكيم ـ إلى أنّ المفترض اتّباع سياسة سلميّة أقرب إلى المطلبية لتحسين وضع الشيعة في أوطانهم.
كانت هذه بداية الاختلاف الفكري بين مدرستي: فضل الله وشمس الدين، وفي عام 1982م اجتاحت إسرائيل لبنان، وظهرت حركات المقاومة ذات اللون الجديد، فقد انهارت المقاومة الفلسطينية التي خرجت من بيروت عبر البحر، وانهار معها مسلسل من التيارات اليسارية الذي كان على صلةٍ بها، كان لبنان الشيعي على موعد مع حركة مقاومة شيعية ممتازة، قادتها حركة أمل وعلى المستوى الثاني جماعات متفرّقة متديّنة انطلقت من البقاع اللبناني حيث كان الحرس الثوري الإيراني قد اتخذ لنفسه للتوّ مواقع ومقرّات.
كانت الثورة الإسلامية وأفكارها بدأت بالحضور مع أولى طلائع الحرس الثوري الذي وصل إلى محيط مدينة بعلبك، وبدأ ينهج في التفكير والممارسة نمطاً جديداً، يختلف تمام الاختلاف عن فكري: شمس الدين وفضل الله، الذي كان أقرب إليه من شمس الدين.
عمل هذا التيار الذي تحوّل فيما بعد إلى تنظيم mحزب اللهn على نشر ثقافة لم تكن مألوفة جداً بين الشيعة اللبنانيين من قبل، جاءت مع هذا التيار الاتجاهات العرفانية والصوفية، وظهرت مفاهيم ولاية الفقيه والنظام السياسي الإسلامي، وآمن العلماء والمجاهدون في هذا الخطّ بمشروع الدولة الإسلامية الواحدة التي يقودها الولي الفقيه في إيران، انتشرت كتب الإمام الخميني العرفانية والأخلاقية على نطاق واسع، وتعمّقت ثقافة جديدة في الفكر الجهادي تقوم على الاستشهاد وتقديس الموت في الحروب الشريفة بل الرغبة فيه، وتدريجياً كانت كتب الشهيدين: مطهري والصدر إلى جانب كتب شريعتي والطباطبائي تلقى رواجاً كبيراً في الأوساط الدينية، وتشكّل بناءً متماسكاً للفكر الديني الذي بدأ يتكوّن في لبنان، وفي هذه الفترة عمّت الحياة الشيعية موجة تثقيفية دينية ربما لا يكون لها مثيل في تاريخ الشيعة الحديث في لبنان، فامتلأت المساجد بالنشاطات الدينية وتدريس الأحكام الشرعية والأخلاق وغيرها، بعد أن كان يقتصر التعرّف على الأحكام الشرعية على عدد قليل من الناس الكبار في السنّ عادةً، وحصل إقبال كبير على دراسة العلوم الدينية، وقام mحزب اللهn وما يزال بآلاف الدورات الثقافية ذات المراحل المختلفة، وحقق إنجازات كبرى على هذا الصعيد، وقد ناصر هذا الخط الجديد الكثير جداً من العلماء الشباب الداعين للتجديد، مثل الشهيدين: الشيخ راغب حرب، والسيد عباس الموسوي، والشيخ صبحي الطفيلي، والسيد حسن نصر الله، والشيخ عباس حرب، والشيخ إسماعيل مونّس، والشيخ نعيم قاسم، والشيخ محمد يزبك، والشيخ عبد الكريم عبيد، والشيخ عفيف النابلسي، والشيخ حسين غبريس وغيرهم من العلماء.
هذا التحوّل الفكري الذي عبّر عن انتقال الثقافة الشيعية التي تهيمن على الوعي الإيراني إلى لبنان، ومثّل الحدث الذي نظر الجميع إليه… تعدّدت المواقف منه، فهناك من تحمّس له، وهناك من تشدّد في رفضه، وهناك من رأى أنّ عليه ملاحظات لكن له إيجابيات كثيرة، ويمكن تلخيص المواقف كالتالي:
أ ـ التيارات التقليدية في الحياة الشيعية، وأكثرهم من العلماء الكبار في السنّ من الجيل السابق من خرّيجي النجف، فقد رفض هؤلاء النمط الجديد في التفكير الديني لقيامه على العرفان وتسييس الفقه والتشدّد في الالتزام الديني اليومي، فلم يرحّبوا بهذا الوضع، بل انتقدوه، كما كان قسم منهم قد انتقد مسيرة السيد موسى الصدر من قبل، وقد اعتقد هؤلاء أنّ فكرة النظام الإسلامي والدولة الدينية إمّا محرّمة وإمّا غير مطلوبة في مجتمع مثل لبنان، وكانوا يقولون ـ مثل الشيخ المرجع محمد تقي الفقيه والشيخ إبراهيم سليمان والشيخ محمد حسن قبيسي و.. ـ إنّ أيّ مشروع يحمل اسم الإسلام سواء كان جمهورية إسلامية أم حزباً أم.. سيُلحق بالإسلام العار عندما يفشل وتصدر منه مواقف لا تمثل الإسلام على الإطلاق.
هذا الفريق من علماء الدين كانت له امتداداته في بعض الأوساط الشعبية، وقد كاد يتلاشى لولا الحرب الداخلية التي اندلعت بين حركة أمل وحزب الله بين عامي 1988 و 1990م، فقد استفادت تيارات من حركة أمل من التغطية الدينية التي قدّمها هؤلاء لإعادة تعويم قسمٍ منهم، وأخذت أفكارهم بالرواج وظهر إلى العلن من بعضٍ نقدٌ صريح لولاية الفقيه وبطريقة بدت عنيفة، كان منها المواقف الفكرية والسياسية التي أطلقها في تلك الفترة السيد علي الأمين، الذي كان قبل فترة قصيرة من ذاك الوقت جزءاً من تيار حزب الله.
كان من الطبيعي أن لا يتفاعل هذا الفريق مع الأطروحات الجديدة، لاسيما وأنّه كان يرى أنّ في المشروع الجديد تهميشهاً للنجف وثقافتها، لصالح مدرسة قم الثورية، وهو شيء ليس فقط لم يألفه هذا الفريق في لبنان، بل لم تألفه الكثير من ألوان الثقافة الشيعية سابقاً، تبعاً لسلسلة من النظريات التي كان لها حضور في الفكر الشيعي إلى أن جاء مثل الإمام الخميني ومارس نقداً عليها.
ب ـ التيارات التي كانت تنتمي إلى الوعي السياسي ـ الإسلامي، لكنّها لم تكن متماهية تماماً من الناحية الثقافية مع النموذج الثقافي الإيراني، وهنا برزت نماذج ثلاثة، هي: أنموذج تيار الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وأنموذج تيار السيد محمد حسين فضل الله، وأنموذج تيار السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص، وهذه التيارات الثلاثة تلتقي في الكثير من النقاط لكنّها تختلف أيضاً في نقاط عديدة، ونحن في هذا العرض نشير إلى ذلك باختصار، ونعلم ـ بدايةً ـ أنّ هذه الأسماء الثلاثة تمثل ثلاثة خطوط في التفكير، حتى لو لم تكن تنظيمات منفصلة، كما أنّ داخل مناصري هذه الخطوط يوجد تداخل.
شارك أنموذج التشيّع الرسمي الذي تمثّل في اتجاه العلامة شمس الدين ومجموعة من القضاة والعاملين في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وأنصارهم، شارك بداية الثمانينيات في إطلاق مشروع المقاومة ضدّ المحتل الإسرائيلي، حيث أطلق شمس الدين mالمقاومة المدنية الشاملةn، ودعمها بالمال والتعبئة الروحية والفكرية، لكن سرعان ما امتاز هذا التيار عن التيارات الدينية التي تتخذ من إيران مصدراً فكرياً وملهماً ثقافياً لها، وذلك منذ عام 1983م، وبدا امتيازه واضحاً عندما كان أقرب إلى حركة أمل منه إلى حزب الله، بما يمثله هذان الفريقان من نمط فكري وثقافي واجتماعي وسياسي.
أمّا أنموذج التيار الحركي الذي يمثله العلامة فضل الله، فقد اقترب كثيراً من النموذج الإيراني، بل كاد يتطابق معه في المشروع السياسي، إن لم نقل: إنّه تطابق، لكن نقاط اختلاف كانت تظهر بين الفترة والأخرى حول بعض الأبعاد الثقافية، وبعض آليات العمل السياسي والديني، إلى جانب تحديد طبيعة العلاقة بين شيعة لبنان وإيران، وكانت بعض محاضراته ومقالاته التي نشرت في مجلة mالمنطلقn في النصف الثاني من العقد الثمانيني (وهي المجلة التي كان يديرها أنصار اتحاد الطلبة المسلمين وبرز من خلالها بعض المثقفين الشيعة مثل: الدكتور حسن جابر، والدكتورة زينب شوربة، والدكتور صادق فضل الله وغيرهم)، كانت بعض هذه المحاضرات والمقالات قد أحدثت جدلاً في بعض الأوساط، لكنّه كان محدوداً نسبياً، أي مقارنة بالجدل الذي أثارته أفكار فضل الله منذ أواسط التسعينيات.
أمّا أنموذج تيار العلمانية المؤمنة الذي يمثله السيد محمد حسن الأمين، فامتاز بضعف الحضور الجماهيري المتماسك، واتسامه بطابع نخبوي جمع من حوله الكثير من النخب الشيعية اليسارية، وواكب الأطروحات النقدية والعلمانية والليبرالية في العالم العربي، وكان داعماً لمشروع المقاومة والممانعة في المنطقة.
وألخّص نقاط الجمع والاختلاف بين هذه المدارس الأربع، بما يلي:
1 ـ إشكاليّة العلاقة مع الأنظمة: فقد اعتقد الشيخ شمس الدين بضرورة مصالحة الحركات الإسلامية للأنظمة العربية، ومارس تنظيراً فقهيّاً لرفض العنف المسلّح ضد الأنظمة الفاسدة، فيما كان السائد على مستوى الحركات الشيعية في الثمانينيات، وتلك المؤيّدة لإيران، هو الجهاد ضدّ هذه الأنظمة لقلبها والإمساك بالسلطة. من هنا كانت علاقة شمس الدين بالأنظمة علاقة ممتازة في هذا الإطار وبهذا المعنى، ونحن نعرف أن الحركات والتيارات الإسلامية الشيعية عدلت ـ في أغلبها ـ عن هذا النهج الذي رفضه شمس الدين منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، بل قد دعا السيد حسن نصر الله نهاية التسعينيات صريحاً الحركاتَ الإسلامية إلى ذلك، وكان هذا تحوّلا كبيراً، يقال: إنّ سببه يرجع إلى السياسات التي انتهجها الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني إبان توليه الرئاسة الإيرانية.
في هذا الإطار، كان اتجاه السيد محمد حسن الأمين يساريّاً، لكنّه لم ينظّر للثورة على الأنظمة، أمّا العلامة فضل الله فبدا منه الميل في تلك الفترة لمواجهة الأنظمة، لكن بطريقة مدروسة وغير فوضوية، فكانت ملاحظاته ـ التي نشرها في mالمنطلقn ثم جمعت في واحد من أهم كتبه وهو كتاب mالحركة الإسلامية هموم وقضاياn ـ ذات طابع تفصيلي في الآليات والوسائل، على خلاف شمس الدين الذي كان ينحو منحى الرفض المطلق لذلك، كما يبيّن كتابه mفقه العنف المسلّح في الإسلامn.
2 ـ إشكاليّة شرعية النظام السياسي: وتنبثق النقطة السابقة من نقطة خلاف فكري جذري هنا، وهي شرعية الأنظمة العربية، فقد كان التيار الثوري في لبنان ـ ومعه فضل الله ـ يرى عدم شرعية هذه الأنظمة التي لا تتخذ الإسلام نهجاً، فيما ذهب شمس الدين إلى الاعتقاد بنظرية ولاية الأمة على نفسها، فآمن بشكل من الديمقراطية الإسلامية، حتى لو لم يكن الإسلام هو الحاكم، والفقه هو المرجع، فالمهم أن لا يمارس الحاكم الظلم على الجماهير، وبهذا اقتربت المدرسة الثورية الشيعية من فكر سيد قطب، فيما ابتعد عنه شمس الدين كليّاً، لكنّ الأهم كان العلامة الأمين إذ ذهب أبعد مما ذهب إليه شمس الدين، ورأى أنّ العلمانية المؤمنة يمكن أن تكون حلاً لمشاكل المجتمعات العربية، وهو أمرٌ نجد بعض آثاره في كتابات شمس الدين أيضاً.
3 ـ إشكاليّة صيغة النظام السياسي بين ولاية الفقيه وغيرها: والتقاء بالنقطة السابقة أخذ التيار الثوري بنظرية ولاية الفقيه العامّة، واعتقدوا أنّ الولي الفقيه في إيران له الحاكمية على أمور الشيعة في لبنان، أمّا محمد حسن الأمين فرفض وجود أيّ صيغة لنظام سياسي في الإسلام، وقال: إنّ صيغ النظام السياسي بشرية نتواضع عليها، والإسلام أراد أن تهيمن قيمه على الحياة بأيّ شكل تواضعنا عليه يحترم الإنسان ويؤمن به، وبدرجة أخفّ، ذهب شمس الدين إلى أنّ الإسلام طرح نظرية ولاية الأمّة على نفسها، مقدّماً بهذه النظرية شكلاً من أشكال الديمقراطية الإسلامية، رافضاً بشكل صريح ـ ومنذ الثمانينيات ـ نظرية ولاية الفقيه جملةً وتفصيلاً، معتقداً أنّ المطلوب توعية الأمة لكي تأخذ بالإسلام منهاجاً لها، فكأنّه والسيد الأمين يقتربان بذلك مما طرحه المفكر السوداني أبو القاسم حاج حمد في مشروعه المعروف بمشروع mالإسلامية العالمية الثانيةn الذي أطلقه عام 1979م، والذي يقول ـ فيما يقول ـ بعلمانية الدولة وعدم علمانية المجتمع.
وبدرجة أخفّ أكثر، ذهب فضل الله القريب من النموذج الإيراني إلى الأخذ بولاية الفقيه العامّة، لكنّه في نهاية الثمانينيات طرح حديثاً حول تعدّدية الولي الفقيه، وأنّ بالإمكان أوليّاً أن يكون لكل منطقة إسلامية فقيه يتولّى أمورها، وإن أقرّ بأن العنوان الثانوي يستدعى الوحدة في هذه المرحلة، لكنّ هذه النظرية عادت وتلاشت من منظومة تفكير فضل الله بعد عام 2000م، إذ رفض نظرية ولاية الفقيه، معتبراً إيّاها ثابتة في حالة توقف حفظ النظام عليها فقط، وأنّ بإمكان المسلمين أن يتواضعوا على صيغة أخرى متى أرادوا بشرط أن لا تعارض الإسلام، وبهذا يكون فضل الله اقترب كثيراً ـ مرة أخرى ـ من فكر شمس الدين.
4 ـ إشكاليّة الجهاد وأساليبه: فقد اتفقت هذه الاتجاهات الأربعة على مبدأ الجهاد ضدّ المحتلّين، وخالفها في ذلك بعض الشخصيات في الاتجاه التقليدي الذي سبق أن تحدّثنا عنه، فقد ذهب بعضهم هناك إلى أنّ اتفاق أنور السادات مع إسرائيل يلزم جميع المسلمين، على أساس قانون: mيسعى بذمتهم أدناهمn، ولهذا فلا معنى للجهاد ضدّ اليهود، لكن مع اتفاق الأغلبية الساحقة على مبدأ المقاومة، إلا أنّه ظهرت تباينات في فهم آليات الجهاد وأساليبه، ففي الوقت الذي استخدم التيار الثوري فيه العمليات الاستشهادية ضدّ إسرائيل والوجود الغربي في لبنان، فقد نسب للسيد فضل الله ذهابه إلى تحريم هذا النوع من الجهاد، وإن يبدو الآن من أبحاثه المنشورة أنّه يرى شرعية هذا العمل، وفيما كان الخطّ الثوري يستخدم أسلوب خطف الرهائن الغربيين والطائرات المدنية في بيروت طيلة فترة الثمانينيات، تحفظ كل من فضل الله وشمس الدين على هذا النهج، كما أثيرت بعض الكلمات هنا وهناك حول شرعية المقاومة التي تؤدي إلى إلحاق الكثير من الخسائر في صفوف المدنيين، وهو ما عاد وبدا واضحاً على السطح بعد حرب تموز عام 2006م من جديد في المواقف التي أطلقها مثل السيد علي الأمين وبعض الشخصيات الدينية الصغيرة الحجم.
5 ـ أزمة القيادة وإشكاليّة العلاقة مع الخارج: يميل التيار الثوري بأغلبيّته الساحقة إلى اعتبار العلاقة مع إيران علاقة أيديولوجية اعتقادية تجعل منه تابعاً للولي الفقيه، وينطلق هذا التيار في فكرته هذه من تصوّرات فقهية يبرهن عليها، ويدافع عنها بقوّة، بل يتخذ من التجربة الميدانية الناجحة له دليلاً على أنّ هذه العلاقة كانت الأفضل لحماية المصالح اللبنانية الشيعية، لكن ومنذ الثمانينيات وإلى اليوم ظلّ هناك من يضع علامات استفهام حول طبيعة هذه العلاقة ويطالب بقدر من الاستقلالية عن القرار الإيراني، فقد اتُّهم السيد فضل الله بأنّه كان يهيئ الأمور لتزعّم الشيعة اللبنانيين بوصفه وليّاً فقيهاً لهم منذ أن بدأ يطرح نظرية تعدّدية الولاية في الثمانينيات، وأنّ إعلان مرجعيّته أواسط التسعينيات يصبّ في هذا الإطار، لكنّه كان ينفي ذلك دائماً. لكنّ الشيء المؤكّد أنّ أنصار اتجاه فضل الله لا يميلون إلى مبدأ التبعية التامّة لإيران، ويطالبون بالمزيد من لبننة الخطّ الثوري الشيعي، وهناك من يعتقد أنّ واحدة من تأثيرات هذا الخلاف ظهرت مع ثورة الجياع التي أطلقها الشيخ صبحي الطفيلي أواخر التسعينيات والذي يحسب على الخط المطالب بتعديل العلاقة وإعادة التوازن لها.
وبشكل أكبر، يطالب كل من شمس الدين والعلامة الأمين بعلاقات نديّة متوازنة واستراتيجية في آن مع إيران وسوريا، وانطلاقاً من نظريّتهما السياسية والفقهية فإنّهما يصرّان على المرجعية المحليّة في القرار المصيري للشيعة اللبنانيين.
6 ـ إشكاليّة فهم الدين والمرجعيات المعرفية: تركت الثقافة الدينية الإيرانية بصماتها على الخطّ الثوري، تجلّى ذلك في: النهج العرفاني الذي قوي بعد انتصار الثورة الإسلامية وترك مفاعيله في لبنان، والنهج المذهبي الذي يتعاطى بطريقة مختلفة مع القضايا المذهبية، والنهج السياسي في الدفاع عن نظرية ولاية الفقيه.
أ ـ على مستوى القضيّة الأولى، عمّت لبنان الشيعي الثقافة العرفانية والأخلاقية، وبدأت تظهر أفكار ونظريات لشخصيات ذات حجم صغير ومتوسّط تدافع عن النهج العرفاني الفلسفي، وتروّج له، وهو ما لم يكن مألوفاً في لبنان، إذ لا توجد تيارات صوفية في لبنان ذات نفوذ مثل ما هي الحال في الشمال الإفريقي وبلاد المغرب العربي، فعلماء الشيعة كانوا في الغالب ذوي نزعات فقهية في التفكير، وقلّما راج الدرس الفلسفي والعرفاني في أوساطهم تبعاً في ذلك للمناخ الفكري الذي كان مسيطراً على حوزة النجف.
ونتيجة حداثة التعرّف على هذا المناخ الجديد، ظهرت بعض الحركات الملتبسة والتي قد لا تكون فهمت العرفان والفلسفة بدقّة، وأثار هذا الجوّ العام رفض الفرقاء الآخرين كلّهم، إذ اتفقوا على أنّ هذا اللون الفكري هو لون إيراني وأنّه بعيد عن الإسلام، أقحمه الإيرانيون في الدين الإسلامي نتيجة ثقافتهم القديمة، لكنّ mحزب اللهn الذي لا يرفض هذا الخط قام في نهاية التسعينيات وإلى اليوم بترشيد هذه الحركة الصوفية، تارةً عبر توجيه ضربات للنماذج الإفراطية لها، وفكفكة مجموعاتها، وأخرى عبر إيجاد بعض المراكز الفلسفية البديلة التي من شأنها نشر توعية عامّة تحافظ على عقلانية هذا الخطّ، وكان من ذلك تأسيس mمعهد المعارف الحكميةn في بيروت والذي يرأسه الشيخ شفيق جرادي، وقد لعبت هاتان الخطوتان دوراً جيداً في نشر ثقافة معتدلة في هذا الإطار، وتهدئة الأجواء العامّة.
ب ـ أمّا على مستوى الموضوع المذهبي، فمنذ أواسط التسعينيات ونتيجة الحرب العنيفة التي دارت بين خطّ السيد فضل الله وخطّ الشيخ جواد التبريزي وأنصارهما، انتقلت إلى لبنان أفكار مذهبية مختلفة، وظهر جدل واسع حول قضايا من نوع: الشعائر الحسينية، والولاية التكوينية، وعلم النبي والأئمة، والهجوم على دار السيدة الزهراء، وعصمة الأنبياء والأئمة، ولعن الصحابة وأمهات المؤمنين، و… كان خط فضل الله يدافع عن إجراء ما يراه إصلاحات في منظومة الاعتقاد المذهبي الشيعي وبنية الفقه الإمامي، ويرى أنّ الكثير من هذه الأفكار جاءت من إيران، وأنّ شيعة لبنان لا يعرفون هذا التطرّف المذهبي، فيما كان العلامة السيد جعفر مرتضى يخوض حرباً نقدية عنيفة ضدّ فضل الله، الذي يراه أنصار الخط المذهبي متأثراً بالأفكار السنّية والسلفية.
ظلّ التيار الرسمي الشيعي القريب من خطّ شمس الدين والمجلس الشيعي يتفرّج على المشهد وأحياناً يدعم التيارات المناهضة لفضل الله، أمّا خط أمثال السيد الأمين، فلم يشاركوا في الموضوع رغم أنّهم يتفقون تماماً أو غالباً مع مثل أفكار السيد فضل الله في هذا المضمار، أمّا الخط الثوري، فقد أعلن الحياد ورفض الحديث في هذه الموضوعات، وطالب أنصاره بأن لا يشاركوا فيها إطلاقاً، لكنّ السيد فضل الله اتهم بعض الأجنحة داخل حزب الله بمساعدة المخالفين له لتصفية حسابات معه، وهو ما ينفيه كبار رجال الخط الثوري بمن فيهم السيد حسن نصر الله، وكان ذلك سبباً لتوتر العلاقات منذ منتصف التسعينيات مع فضل الله، لتعود المياه إلى مجاريها بقوّة بعد حرب تموز 2006م نتيجة المواقف القويّة الداعمة للسيد فضل الله لنهج المقاومة.
ج ـ أمّا الملف الأخير، فدارت الخلافات الفكرية والميدانية فيه بين عدّة فرقاء، فالمجلس الشيعي وتيار الشيخ شمس الدين يذهبون إلى نفي ولاية الفقيه وإلى الدفاع عن مرجعية النجف، لهذا ما زالوا يطرحون إلى اليوم مرجعاً نجفياً ليرجعوا إليه، أمّا خط العلمانية المؤمنة فلم يكن هذا الموضوع مهماً بالنسبة إليه، ذلك أنّه لا يتفاعل كثيراً مع قضايا المرجعية الدينية، وإن كان أقرب إلى النجف منه إلى قم، من جانبه، دافع خط السيد فضل الله دائماً عن مرجعية النجف باستثناء الفترة التي طرح فيها السيد الكلبايكاني، ولما تصدّى شخص السيد فضل الله للمرجعية تحوّل الوضع إلى الداخل اللبناني، وهنا يقف الخط الثوري مختلفاً مع هذه الاتجاهات كلّها، إذ يشدّد على مرجعية قم، في جانبها الثوري، معتقداً أنّ إعادة تعويم المرجعيات غير الثورية سيساعد في نهاية المطاف على إضعاف الخط الثوري برمّته، بل ظهر داخل حزب الله تيارات وقع خلاف داخل الحزب حولها، فقد ذهب بعضهم إلى وجوب وحدة المرجعية والقيادة، ودافعوا عنها بشدّة، وذهب فريق إلى أنّ ولاية الفقيه من الأمور العقائدية، بل من أصول الدين، وخاض هؤلاء سجالات طويلة حول هذا الموضوع.
كانت هذه أبرز عناصر المشهد باختصار بين التيارات الفكرية الشيعية في لبنان، ويبقى أن أشير إلى أنّ شيعة لبنان اليوم يقتربون من بعضهم أكثر من أيّ وقت مضى، وأنّ كثيراً من هذه الخلافات خفّت أو نزلت من السطح إلى القعر، حيث اتخذ كل فريق موقعه، وحجمه الطبيعي، كما أنّ رموز كلّ تيار نجدهم في الغالب يتحلّون بوعي سياسي واجتماعي كبير جداً، الأمر الذي ساعد على تماسك الشيعة في الفترة الراهنة، والحمد لله.
2 ـ المشهد الثقافي والفكري الإسلامي في الوسط السنّي
يجب أن نعرف بدايةً ـ وبإقرار من شخصيات سنّية فكرية بارزة ـ أنّ المجتمع السنّي اللبناني، لم يعرف في النصف الثاني من القرن العشرين وإلى يومنا هذا، شخصيات فكرية بارزة كتلك التي عرفها الشيعة، فأبرز هذه الشخصيات ذات النفوذ والتأثير كان الشيخ صبحي الصالح والشيخ حسن خالد، اللذين اغتيلا في حادثين متفرّقين، وكانت اهتماماتهما بحثية صرفة واجتماعية وسياسية ميدانية، ثم بعد ذلك الشيخ فتحي يكن.
ويجب أن أشير بدايةً أيضاً، إلى أنّ الكثير من التيارات الإسلامية السنّية غيّرت من أفكارها أو انتهجت سياسة أخرى بعد اغتيال رفيق الحريري؛ إذ كان تماسك الشارع السنّي ووقوفه بقوّة لصالح mالنائب سعد الحريريn، والصدمة التي تلقاها السنّة برحيل أكبر رجل سنّي قوي عرفوه منذ عقود بعيدة، كان ذلك سبباً في اقتراب بعض الحركات الإسلامية الكبرى من خطّ التيار الرسمي السنّي المتمثل بدار الإفتاء الذي يرأسه مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، وتيار المستقبل العلماني، لهذا اتخذوا بعض المواقف التي قد لا تبدو منسجمةً مع تاريخهم الفكري والثقافي والسياسي.
شهد المجتمع السنّي ظهور تنظيمات قويّة نسبيّاً، إلى جانب تيارات اختلفت فيما بينها في طرائق التفكير ومناهج العمل، بعضها ينتمي للسلفية العلمية التقليدية، وبعضها ينتمي للسلفية الجهادية، وبعضها ذو منزع إخواني، وبعضها تقليدي اجتهادي لا يوافق لا السلفية ولا الإخوانية، وأبرز هذه التيارات:
1 ـ 2 ـ الحركات ذات النزعة الإخوانية
1 ـ 1 ـ 2 ـ الجماعة الإسلامية
تعتبر الجماعة الإسلامية، التنظيم الإسلامي الحركي الأول الذي نشأ في لبنان في خمسينيّات القرن الماضي، وذلك من رحم جماعة mعباد الرحمنn التي ولدت في مدينة طرابلس كردّ فعل على نكبة عام 1948م، وكان التأسيس الحقيقي للجماعة عام 1953م، عبر مؤتمر بحمدون في لبنان، والذي حضره كبار قادة الإخوان المسلمين في العالم، وحصلت على رخصة في العمل الحزبي في عام 1964م، وقد تبنّت هذه الجماعة فكر ونهج حركة mالإخوان المسلمينn، وأخذت إخوانيّتها من جهات عدّة، عبر رسائل حسن البنا ومجلّة الدعوة المصرية، وكذلك عبر mالإخوان السوريn وعلى رأسهم الشيخ مصطفى السباعي، لكن ورغم مشروع إقامة الدولة الإسلامية في الفكر الإخواني، إلا أنّ الجماعة الإسلامية في لبنان عملت على لبننة مشروعها، فخرجت بسرعة من إطار الجهاد القطبي، واستطاعت أن تتحوّل إلى إطار سياسي، يتحرك وفقاً لطبيعة الواقع اللبناني، وقد حملت الجماعة الإسلامية نظريّات إصلاحية؛ ولهذا ابتعدت عن نهج العنف معتمدةً الوسطية والاعتدال.
وقد برز الفكر الوسطي والاعتدالي عند الجماعة الإسلامية بقوّة عقب نشوء جماعات متشدّدة سنيّة في لبنان قامت بأعمال عنف، وقد قامت هذه المجموعات بعمليات أمنية مثل متفجرة البلمند، وأحداث الضنية، والهجمات على الجيش اللبناني، وأحداث شباط 2006، وقيام حركة mفتح الإسلامn، وقد قامت الجماعة بحملة مضادّة ضدّ هذا اللون من الفكر الإسلامي العنفي، فعقدت سلسلة من المؤتمرات ضدّ استخدام العنف في العمل السياسي، ودعت لتبنّي ميثاق إسلامي يعتمد الوسطية والاعتدال.
تتوزع الجماعة الإسلامية في معظم المناطق اللبنانية، إلا أنّ قوّتها الشعبية الكبرى تتركّز في الشمال، وتملك امتدادات فاعلة في بيروت وصيدا والعرقوب والبقاعين: الأوسط والغربي وإقليم الخروب. وما زالت الجماعة الإسلامية تعتبر التنظيم الإسلامي السنّي الأبرز، رغم ما تعرّضت له من ضغوط ومضايقات أيام الوجود السوري.
يبرز اسم الدكتور علي الشيخ عمار والشيخ فيصل المولوي، وإبراهيم المصري، كأبرز شخصيّات في الجماعة الإسلامية اليوم، التي تراجع نفوذها كثيراً نتيجة خلافات داخلية واجهتها، وصعود mتيار المستقبلn ونجم الرئيس الحريري الذي بزغ في الوسط السنّي منذ مطلع التسعينيات، إضافة إلى أن لسوريا تاريخاً صدامياً مع الإخوان المسلمين، لهذا فقد ضيّق على الجماعة في لبنان أيضاً طيلة الحقبة السورية الماضية، مما حدّ من نفوذهم وتناميهم، رغم أنّهم عقدوا مصالحة مع القيادة السورية، قيل: إنّ حركة حماس الفلسطينية كانت أحد عرّابيها، لكنّ سوريا ـ كما يرى بعضهم ـ أنشأت لمواجهة التنظيم الإخواني الأقوى في لبنان حركةً إسلامية منافسة، أطلق عليها اسم mجمعية المشاريع الخيرية أو حركة الأحباشn، وهي الحركة التي شنّت أعنف الحملات على الجماعة الإسلامية وفكرها، ورغم ذلك نجد نفوذ هذا التيار الإخواني بقوّة في الداخل السنّي، حيث نجح في بعض الفترات في إيصال عدّة أشخاص إلى البرلمان، كما أثبت حضوراً وقوّة في الانتخابات البلدية وانتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وهو أحد مجالس دار الفتوى السنّي، إلى جانب مجلس القضاء الشرعي الأعلى ومجلس المفتين، والمحاكم السنيّة والمديرية العامّة للأوقاف، وصندوق الزكاة، وأزهر لبنان وغير ذلك من مؤسسات دار الفتوى في لبنان.
تذهب الحركة إلى مبدأ المقاومة، وقد كان لها دور تأسيسي في المقاومة الإسلامية من خلال mقوات الفجرn، كما لعبت دوراً أساسياً في دحر الاحتلال من مدينة صيدا، وسقط للجماعة العشرات من الشهداء، وعلى رأسهم جمال حبال، كما اعتقل أحد قيادييها الشيخ محرم العارفي في سجن أنصار.
كان ظهور تيارات إسلامية سنّية وشيعية سبباً في تراجع نفوذ الجماعة الإسلامية، ففي الشمال ظهرت حركة التوحيد الإسلامي التي كان يتزعّمها الشيخ سعيد شعبان الذي كان مع الجماعة سابقاً، وفي بيروت والمناطق ظهرت جمعية المشاريع الخيرية، وفي التسعينيات ظهر تيار رفيق الحريري، ومنذ مطلع الثمانينيات ظهر حزب الله بوصفه أكبر قوّة إسلامية عرفها تاريخ لبنان الحديث؛ فلم تعد الجماعة ممثلاً للفكر الإسلامي؛ لهذا تراجع نفوذها كثيراً.
2 ـ 1 ـ 2 ـ جبهة العمل الإسلامي
وهي الحركة المنشقّة عن الجماعة الإسلامية، والمؤلّفة من مجموعة قوى صغيرة متفرّقة في الوسط السني، التأمت تحت هذا العنوان في مرحلة جديدة من العمل، قبل بضعة سنوات قليلة، وقد أسّسها الداعية الشيخ الدكتور فتحي يكن (مولود عام: 1933)، الذي يعدّ من مؤسّسي العمل الإسلامي والجماعة الإسلامية في الخمسينيات، وظلّ مسؤولاً عن أمانة الجماعة الإسلامية إلى عام 1992م، حيث استقال من الجماعة وتفرّغ أكثر للعمل السياسي، وأسّس مع زوجته mمنى حدادn ـ الناشطة في المجال الدعوي ـ mجامعة الجنانn في لبنان.
ويعدّ فتحي يكن من أهم الباحثين والكتّاب السنّة الذين تركت أفكارهم تأثيراً كبيراً على الإسلاميين السنّة في لبنان حوالي نصف قرن، ويعدّ أحد أهم الشخصيات المفكّرة والباحثة عندهم، ولديه أكثر من 35 كتاباً، معظمها في الفكر الإسلامي المعاصر وهموم الدعوة وفكر الحركة الإسلامية و.. وهناك من يقول: إنّ كتاباته تظهر ميلاً لفكر سيد قطب لكنّ ممارساته تبدو تنتهج نهج الاعتدال الذي عرفت به الجماعة الإسلامية في لبنان، ورغم أنّه يميل إلى فكرة الخلافة الإسلامية وعودة الخلافة العثمانية، إلا أنّه لا يضع فكرة الدولة الإسلامية في لبنان في قاموسه الإسلامي ـ السياسي، ويرفض الطائفية السياسية.
يدعو mيكنn إلى تكييف الفقه وفقاً للمناطق والجغرافيا، لهذا كان هناك فقه لدار الحرب يختلف عن فقه دار الإسلام، ويؤمن بالحوار عنواناً للفكر الديني، ويدعو لسياسة دعوية رحيمة، وينتقد رجال الدين على نزعتهم المتشدّدة الغاضبة، ويدعو لمشاريع حفاظ على الهوية، كما يؤمن بدور المرأة في العمل الاجتماعي والسياسي وعدم حبسها في البيت، ويدافع بقوّة عن النشاط النسوي، ومع ذلك يوافق بعض الشيء التيارات السلفية على حركتها التصحيحية ـ كما تسمّى ـ في العقائد والشعائر، وإن كان يعارض بشدّة نهج التكفير.
تشترك أفكاره الأساسية مع الفكر الإخواني، وبعد اغتيال رفيق الحريري، انضمّ mيكنn إلى تحالف المعارضة الذي يتزعّمه حزب الله، رغم احترامه الكبير لموقع المملكة العربية السعودية، وهو مدافع قوي عن نهج المقاومة والممانعة، ولديه علاقات شخصية ولقاءات ربطته بزعيم تنظيم القاعدة، وهو يدافع عنه، ويؤمن بأنّ العدوّ الأكبر هو أمريكا، ولا يرفض أحداث 11 أيلول، لكنّه كان يختلف كثيراً مع بعض سياسات أنصار القاعدة، لاسيما أبو مصعب الزرقاوي في قضية قطع الرؤوس وغيرها، كما يعتقد بالتقريب بين المذاهب، ويؤمن بالتعاون الوثيق بين السنّة والشيعة.
3 ـ 1 ـ 2 ـ حركة التوحيد الإسلامي
وهي الحركة التي أسّسها عام 1982م الشيخ سعيد شعبان الذي كان على علاقة طيبة بإيران في الثمانينيات، وقد شكّل شعبان قوّة عسكرية ضاربة في مدينة طرابلس، بدعم من التيارات السنيّة الدينية، وتكوّنت حركته من عدّة مجموعات إسلامية صغيرة مثل mجند اللهn و mحركة لبنان العربيn، وسيطر على مدينة طرابلس، ليعلنها إمارة إسلامية عام 1984م، لكنّ القوات السورية خاضت حرباً عنيفة ضدّه وكامل التيارات الدينية السنيّة هناك، واستطاعت السيطرة على مدينة طرابلس عام 1985م، وإبادة التيارات الإسلامية السياسية فيها إلى حدّ كبير.
تراجع نفوذ حركة التوحيد الإسلامي بعد ذلك، لكنّها عادت للظهور الخفيف على يد الشيخ بلال شعبان، ابن المؤسّس، وتعدّ اليوم قريبة من تيار حزب الله.
4 ـ 1 ـ 2 ـ حزب التحرير
وهو فرع من حزب التحرير المشهور في العالم العربي الذي أسّسه في الخمسينيات الشيخ (الفلسطيني) تقي الدين النبهاني (1979م)، وظلّ هذا الحزب ذا حضور ضعيف في السرّ، لكنّه حصل على ترخيص قانوني عام 2006م، من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وتتطابق أفكار هذا الحزب الذي أقام مؤتمره السنوي الثاني عام 2007م، بطريقة ملفتة، واتخذ من طرابلس مقرّاً له، تتطابق مع الأفكار الأساسية لحزب التحرير، أي العودة إلى دولة الخلافة، وما شابه ذلك مما هو معروف.
2 ـ 2 ـ التقليدية الاجتهادية، جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية mالأحباشn
تأسسّت هذه الجمعية عام 1980م، تحت إشراف المرشد الروحي لها الشيخ عبد الله الهرري الحبشي، فيما تزعّم إدارتها الشيخ نزار الحلبي الذي اغتيل عام 1999م، وقد لعب الحلبي دوراً في تحويلها إلى قوّة متماسكة تمتاز عن سائر التيارات السنيّة، وقد عكف هذا التيار على نقد وتفنيد كل أصول الفكر الإخواني وألّف الكثير في هذا المجال، وكان ينظر بالنقد لكلّ الأدبيات الإخوانية، لهذا كانت الجمعية تدعم مواجهة الأنظمة للحركات الإسلامية السنيّة، وترفض استخدام العنف وأسلوب الاغتيالات ضدّ رجالات الدول العربية، وهي تؤمن بالمذاهب الأربعة المعترف بها، مع تركيز على المذهب الشافعي، ولا تؤمن بالمذاهب الجديدة؛ من هنا فهي تواجه كلاً من الفكر الإخواني من جهة والفكر السلفي ـ الوهابي من جهة ثانية؛ لأنّها مذاهب حادثة.
اغتيل الحلبي عام 1999م، وتسلّم حركة الأحباش بعده الشيخ حسام الدين قراقيره، وظلّ الأحباش مدعومين من سوريا طيلة فترة وجودها في لبنان، ويقال: إنّها هي التي أنشأت هذه الحركة لمواجهة الإخوانيين.
يذهب بعضهم إلى أنّ حركة الأحباش تمتاز بأفكار عديدة، إلى جانب نزعتها الهجومية على مجمل المؤسّسات الدينية والشخصيات الإسلامية، وتعتمد تأويل النصوص الدينية منهجاً لها، وقد كانت لهم أفكار فقهية غريبة عن المجتمع السنّي مثل جواز أخذ الربا من الكفار، وجواز خروج المرأة متعطرة، وجواز سرقة غير المسلمين، ومنع الزكاة بالعملة الورقية، ويذهبون إلى الاستخفاف بفكرة تطبيق الشريعة، وإقامة دولة دينية.
3 ـ 2 ـ الحركة السلفية في لبنان
انطلقت الحركة السلفية في لبنان عام 1946م تحت اسم mشباب محمدn، ثم mالجماعة مسلمونn، في مدينة طرابلس على يد الشيخ سالم الشهال، بعد عودته من المملكة العربية السعودية، ورغم تماسكها على يد أسرة الشهال: سالم الأب، وولداه: داعي الإسلام، وراضي الإسلام، وابن عمّهم: حسن، إلا أنّها منذ مطلع التسعينيات بدأت تتفكّك، فكوّنت تحتها العشرات من المؤسّسات الدعوية والخيرية وغيرها، ليتحوّل شمال لبنان إلى معقل رئيس لها.
تعتمد الحركة السلفية التي برز اسمها بقوّة في السنوات الأربع الأخيرة، منهج الدعوة السلمية الدينية، والعمل الخيري والاجتماعي، وتنفي أن يكون لها علاقة بالنشاط السياسي أو العنفي على طريقة تنظيم القاعدة، لكنّها سبق أن شكّلت في السبعينيات، ما سمّي بنواة الجيش الإسلامي الذي عاد وحُلّ بعد دخول الجيش السوري إلى مدينة طرابلس عقب حربه مع حركة التوحيد عام 1985م.
واصلت الحركة السلفية مسيرتها في التسعينيات عبر ما سمّي بـ mجمعية الهداية والإحسانn، واهتمّت بالإصلاح الاجتماعي وبناء المساجد والمدارس وتعليم القرآن، ومعونة الفقراء.
حصلت خلافات مع الدولة اللبنانية أواسط التسعينيات حيث اتهمت الدولة هذه الحركة عموماً بالترويج للتطرّف المذهبي، وحدّت من نفوذهم ومواقعهم، لكنّها عادت بقيادة داعي الإسلام الشهال ـ ابن مؤسّس الحركة ـ إلى العمل ضمن أسماء جمعيات عديدة، وبعد اغتيال الرئيس الحريري تحالفت الحركة مع تيار المستقبل، وإن لم يخل هذا التحالف من مشاكل كتلك التي حصلت نتيجة أحداث مخيّم نهر البارد.
تقول الحركة: إنّها لا تملك فكراً ونشاطاً سياسياً، وإنّما عملها دعوي واجتماعي، لكنّ شيئاً فشيئاً دخلت العمل السياسي بعد حرب تموز بالخصوص، وحصل انقسام فيها على خلفية العلاقة مع حزب الله. وهناك نقّاد شبّان داخل الحركة، بدؤوا يظهرون نقداً لمنهجها، مثل: الشيخ محمد الخدر.
4 ـ 2 ـ السلفية الجهادية وحركات العنف
تمتاز اتجاهات السلفية القطبية المتأثرة بفكر القاعدة، بأنّها لا تؤمن بالعمل السياسي، وترى أنّ العنف سبيل جيد لتحقيق دولة الإسلام، وأنّ السرّ خير من العلن، وهذه المجموعات صغيرة ومتفرّقة، تربطها علاقات موزّعة ببعض شخصيات تؤمن بفكر القاعدة، وقسم من هذه المجموعات، مثل جند الشام وفتح الإسلام، ظلّ بعد الأحداث التي وقعت مع الدولة اللبنانية مستمراً في نهجه، فيما غيّر قسم آخر نهجه إلى العمل السياسي والسلمي مثل عصبة الأنصار.
أ ـ مجموعة الضنّية: وهي مجموعة تعدّ الأقرب إلى فكر القاعدة، وقد عملت على نقل تجربة القاعدة إلى لبنان، وقد أسّسها بسام كنج (أبو عائشة)، بعد عودته من أفغانستان، وانضمّت إليه بعض المجموعات الصغيرة من بعض الحركات الإسلامية، مثل بعض عناصر حركة التوحيد، فأراد أن يعيد تجربة الإمارة الإسلامية على طريقة الشيخ سعيد شعبان، وفي نهاية عام 1999م، خاضت المجموعة حرباً عنيفة مع الجيش اللبناني في منطقة الضنّية في الشمال اللبناني، وقتل الكثير منهم واعتقل الكثير، ثم أطلق سراحهم فيما بعد.
ب ـ عصبة الأنصار: وهي حركة لم تحمل رؤية فكرية مستقلّة، لكنّها تأثرت بالحركات الإسلامية القطبية في مصر، ودعت إلى عودة دولة الخلافة، فقد أسّسها الشيخ هشام الشريدي في مخيم عين الحلوة، في منطقة صيدا، بداية ثمانينيات القرن الماضي، وقد كان الشريدي معتقلاً في سجن mأنصارn عند الإسرائيليين، ثم أطلق سراحه. وكان الهدف من إنشاء هذه العصبة بسيطاً ومتواضعاً، ألا وهو الدفاع عن مخيم عين الحلوة ـ أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان ـ ومواجهة بعض السلوكيات الفردية المنافية للدين والأخلاق، لهذا اتهمت بتفجير محلات الخمور في صيدا ومخيم عين الحلوة، وقد تأثر الشريدي بفكر حزب التحرير، وكان كتاب mأصول الدعوةn للمفكر والقيادي الإخواني في العراق عبد الكريم زيدان، أحد الكتب التي تدرّس في أوساط هذه الجماعة، وفي عام 1991م، اغتال عنصر من حركة فتح الشريدي، ليتولّى بعده أحمد عبد الكريم السعدي المعروف بـ (أبو محجن) إمارة العصبة.
للمرّة الأولى يظهر اسم الحركة وأميرها عقب اغتيال الشيخ نزار الحلبي، رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، عام 1999م، وذلك بعد أن اعترف أعضاء المجموعة التي نفذت عملية الاغتيال بتلقي التدريب والحصول على السلاح من العصبة. ومن هناك تمّ الربط بين العصبة وبين mمجموعة الضنّيةn، وتمّ توجيه الاتهام للعصبة أيضاً بالوقوف وراء عملية اغتيال القضاة الأربعة اللبنانيين في صيدا، وبعض عمليات الاغتيال والسطو على البنوك، وإن كان مسؤولو العصبة ينفون ذلك. وفي فترة التسعينيات وما بعد لوحظ على العصبة أنّها تتأثر وتتفاعل بخطابات قادة تنظيم mالقاعدةn، لكن لا توجد مؤشرات على وجود ارتباط مباشر بينهما.
اختفى mأبو محجنn منذ أكثر من عشر سنوات، ويُقال: إنّه ذهب إلى العراق مع مجموعة من المقاتلين، الذين قتل معظمهم، وعاد عددٌ قليل منهم إلى مخيم عين الحلوة، وتولّى من بعد اختفائه مسؤولية العصبة شقيقه أبو طارق السعدي، يساعده في ذلك وفيق عقل mأبو شريفn.
ويعدّ الشيخ ماهر حمود ـ إمام مسجد القدس في صيدا وأحد الرجالات السابقين للجماعة الإسلامية ـ مقرّباً من مثل هذه الحركات في منطقة صيدا، وأحد الذين حوّلوا سياستها من العنف إلى السلم، تساعده في ذلك حركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما، ولهذا فهو يعتقد بأنّ ما تتهم به عصبة الأنصار من سطو وسرقة وما شابه ذلك، إنّما قامت به مجموعات صغيرة منشقّة عن العصبة، مثل: عصبة النور وجند الشام و..
نال وفيق عقل إجازة في العلوم الشرعية من معهد مرشد الديني، وبدأ يظهر مع سلسلة الضربات التي تلقّتها العصبة من الجيش اللبناني وغيره، وذهاب قادتها وعدد من عناصرها في العراق، بدأ يظهر تحوّل عندها، إذ باتت تركّز على الاهتمام بالجانب الدعوي والأخلاقي المباشر، مع مسحة سلفية متأثرة بسلفية الحجاز، لكنّها أخذت تعزف عن الفكر القطبي واستخدام العنف، لصالح الجهود السلمية والعمل السياسي، ولعبت دوراً في ضبط الكثير من المشاكل في منطقة صيدا، منذ خمس سنوات إلى الآن، وفتحت علاقة تنسيق مع حركة فتح، كما واجهت في المنطقة حركة جند الشام السلفية المتشدّدة.
لكن توجد حركات إلى جانب عصبة الأنصار انشقّت عنها أو كانت قريبة منها أبرزها mعصبة النورn التي أسّسها عبد الله الشريدي ابن هشام الشريدي، واتهمت بالقيام باغتيال مجموعة من عناصر وقيادات حركة فتح في لبنان.
ج ـ جند الشام: وهي كتلة من مجموعات صغيرة منشقّة تجمع داخلها جنسيات متعدّدة من ما سمّي بـ mالعرب الأفغانn تأثرت بالتجربة الأفغانية، فإحداها انشقت عن عصبة الأنصار، وثانيتها بقايا مجموعة الضنيّة، وثالثتها بعض الأفراد الإسلاميين مثل عبد الله الشريدي وموسى طحيبش، وأطلقت على نفسها هذا الاسم نسبةً لمعسكر أسّسه عام 1999م أبو مصعب الزرقاوي في أفغانستان، ويتخذ هذا التنظيم من عين الحلوة مقرّاً له، وقد أسّسه شخص يدعى mأبو يوسف شرقيةn الذي كان ينتمي سابقاً إلى جماعة mفتح ـ المجلس الثوريn الفلسطينية، ثم أبو دجانة، ويعتقدون بدولة الخلافة، وبضرورة تصفية كل من ينتمي إلى الدولة اللبنانية والجيش، وأحمد أبو عدس صاحب الشريط الذي بث بعد اغتيال الحريري يعدّ واحداً من عناصر جند الشام التي قيل: إنّها وراء اغتياله، وقد سبق أن هدّدت هذه المجموعة العديد من كبار الشخصيات الشيعية بالاغتيال، واتهمت باغتيال المسؤول في حزب الله mغالب عواليn، وإن نفت ذلك، وقد خاضت هذه المجموعات اشتباكات عنيفة مع الفصائل الفلسطينية في مخيمات عين الحلوة إلى أن ضعفت.
د ـ فتح الإسلام: تنظيم أسّسه شاكر العبسي، وهو فلسطيني ـ أردني، مقرّب من أبي مصعب الزرقاوي، ومحكوم بالإعدام في الأردن، خرج من العراق بعد مقتل الزرقاوي، واتجه عبر الأردن ثم سوريا إلى لبنان، ، وقد كوّن أثناء حرب تموز عام 2006م تنظيم فتح الإسلام، لفتح جبهة ضدّ أميركا من لبنان، وحمايةً للتيارات الإسلامية داخل المخيمات مما قيل: إنّه مشروع عربي أميركي لتصفيتها بعد حرب تموز، استخدم هذا التيار نهج التفجيرات وأعمال العنف ضدّ المدنيين، على طريقة القاعدة، وكان العبسي على علاقة بمنظمة mفتح ـ الانتفاضةn الفلسطينية، ثم كوّن تنظيماً داخل مخيم نهر البارد، عام 2006م؛ لينقلب على mفتح ـ الانتفاضةn ويسيطر على قسم كبير من المخيم. وهذه هي المنظمة التي خاض معها الجيش اللبناني الحرب المعروفة بحرب نهر البارد، وهي تضمّ مجموعات من جنسيات مختلفة.
هذه نظرة عابرة موجزة جداً للمشهد الإسلامي في لبنان، ربما تعطي القارئ صورة مبسّطة عن طبيعة الاتجاهات والآراء والمواقف والأفكار.
التيارات الإسلامية، ملاحظات ومقترحات
ويمكن أن أبدي بعض الملاحظات والمقترحات العامّة على التيارات الإسلامية، ضمن ما يلي:
1 ـ تعاني التيارات الإسلامية السنيّة في الغالب من فقدان القيادة المفكّرة والمنظرين الفكريين والثقافيين، ويغلب على القيادات إمّا أن تكون شخصيات شبابية مناضلة وعسكرية، أو رجالات دعوية ناشطة في مجال التبليغ الديني، ويندر أن نجد مفكّرين ومنظرين وفقهاء، ولعلّ أبرز شخصية هي الداعية فتحي يكن، فهناك غياب للزعامة العلمائية والفكرية، على العكس تماماً من التيارات الإسلامية الشيعية؛ ولهذا السبب، نجد حركات كثيرة صغيرة في الوسط السنّي ونموّاً للفكر السلفي والجهادية القطبية، وهو أمر غير مألوف وغير مستساغ في بلد مثل لبنان، ولهذا أيضاً نجد ضعفاً تنظيميّاً كبيراً وانشقاقات لا حدود لها في التيارات السنيّة.
2 ـ يأخذ بعضهم على التيار الثوري الشيعي أنّه لا يملك كادراً مفكّراً يمكنه أن يملأ الفراغ على صعيد الفكر الإسلامي، نعم لديه بعض المثقفين والأساتذة الحوزويين، مثل الشيخ شفيق جرادي، والشيخ مالك وهبي، وقد أدّى الضعف العلمي الملحوظ والمسبّب عن هيمنة فكرة استهلاك المنتج الإيراني، إلى تنامي التيارات التقليدية المذهبية داخل هذا التيار أو على مقربة منه، وهو ما ينذر في المستقبل بافتقاد هذا التيار لشرعية دينية في الداخل اللبناني، الأمر الذي قد لا يلاحظ الآن بسبب القوّة السياسية والعسكرية والإعلامية التي يملكها هذا التيار؛ من هنا يُقترح على هذا التيار أن لا تغيب عنه الساحة الفكرية، لاسيما الحوزويّة، ولا يتركها تحت هذه الحجّة أو تلك، بل يحاول ـ بما يملك من نفوذ ـ أن يظلّ حاضراً في مواجهة تيارات تدعو للعودة إلى الوراء، مواجهةً تقوم على الحوار والاختلاف الإيجابيين، وليس بالمعنى العنفي للكلمة، وأن لا يكرّر ما حصل مع أكثر من تجربة سنّية فُتّت من طرف الفكر السلفي وتراجع مشروعها النهضوي إلى الوراء.
3 ـ يلاحظ بعضهم على التيارين الشيعيين: الثوري والحركي غلبة الشخصانية، بمعنى الدوران حول أشخاص، على المستوى الفكري والثقافي، بدل بناء مؤسّسات فكرية راسخة قادرة على مواجهة أيّ وضع فكري أو ثقافي في البلد.
4 ـ يلاحظ على أغلب ـ إن لم نقل جميع ـ التيارات الإسلامية السنّية والشيعية، تقلّص فرص النقد وحرية الرأي فيها، بما في ذلك التيارات التي ترفع حرية الفكر شعاراً، فهامش النقد محدود على المستوى الفكري والثقافي قياساً للنظريات التي يؤمن بها كلّ فريق.
5 ـ يلاحظ على مجمل التيارات افتقارها إلى سياسة استراتيجية ثقافية وفكرية، فلا يحضرني ما يشير إلى وضع مثل هذه السياسات، وربما يكون سبب تراجع المشروع الثقافي الإنتاجي غلبة السياسة على الحياة اللبنانية، فكل شيء في لبنان مسيّس وخاضع للوضع الاقتصادي أيضاً.
ومن نماذج ما نقول، أنّ الأغلبية الساحقة من علماء الدين المسلمين لا تعرف شيئاً عن المذاهب المسيحية التي يبلغ عددها حوالي نصف الشعب اللبناني.
6 ـ يلاحظ على التيارات الفكرية الشيعية انقطاعها عن التجربة الفكرية السنيّة الإخوانية وغيرها، ففي هذه التجربة منذ نصف قرن إلى اليوم الكثير من الفوائد التي يمكنها أن تدفع تجربة الشيعة لتفادي بعض المشكلات أو الطوارئ، لأنّ التجربة السنيّة سابقة زماناً على التجربة الشيعية في هذا المجال، كما يلاحظ على التجربة السنّية أنّها تتعامل بقلق وحذر مع الفكر الشيعي، وكثيرون من رجالها يفضلون النزعة المذهبية على النزعة الإسلامية العامّة، كما لا نجد بينهم الكثير ممّن يحاول الاستفادة من عناصر النجاح التي تمتعت بها التجربة الشيعية.
7 ـ يلاحظ على التيارات السنّية أنّها كثيراً ما تسعى للنهي عن المنكر على المستوى الاجتماعي والفردي والمحلّي، فيما تغيب على المستوى السياسي، وعلى العكس من ذلك نجد نشاطاً قويّاً للتيارات الإسلامية الشيعية على مستوى النهي عن المنكر السياسي، فيما نجد ضعفاً واضحاً على صعيد التثقيف الديني والإرشاد الديني، إذ في أغلبه مجرّد اكتفاء بالصعود على المنابر وإلقاء خطب الجمعة أو إقامة المجالس الحسينية، وإقامة صلوات الجماعة في المساجد وغيرها، كما هو الإسلام الرسمي، لهذا فالمفترض تنشيط جميع أبعاد فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الجميع.
المصدر: موقع الشيخ حيدر حب الله www.hobbollah.com
_________________________________________________
[i] ـ الورقة التي قدّمت وألقي مختصرها في ندوة التيارات الإسلامية في العالم الإسلامي، عام 2007م، في كلية الإمام الخميني في جامعة المصطفى العالميّة في إيران.