حيدر حبّ الله([1])
تمهيد
إنّ ممّا لا شَكَّ فيه أنّ العدل مفهومٌ أساس في علم الكلام الإماميّ، وكذلك في التصوُّرات الكلاميّة لأصول الشريعة، وأنّها قائمة على العدل، غير أنّ مقولة العدل بما هي صفة للشريعة تختلف عن مقصديّة العدل؛ إذ نعني بـ «مقصديّة العدل» أنّ العدل يصبح من أصول الاجتهاد، وأنّ من وظائف المجتهد تقعيد أصل العدل بوصفه مرجعاً تُعْرَض عليه الاجتهادات لتصحيحها أو إبطالها، فتتمّ مراقبتها من قِبَله، ويتمّ تحصيل هذا الأصل من العقل تارةً أو من نصوص الكتاب والسنّة تارةً أخرى.
ومعنى ذلك أنّ الفقيه عندما يجتهد فيتوصّل إلى حكمٍ ما نتيجة إطلاقٍ ما، أو عمومٍ ما، أو نتيجة دليلٍ ظنّي معيّن، هل يمكنه أن يعرض نتيجة اجتهاده على العقل أو على الفهم العقلاني العقلائي العامّ؛ لاستنطاقه ـ فيما اذا كان هذا الفهم يعيش في بيئةٍ مؤمنة أو يأخذ بعين الاعتبار القِيَم الإيمانيّة ـ بهدف أخذ حكمه في عدالة النتيجة الاجتهاديّة التي توصَّل إليها الفقيه أو كونها ظلماً، ثم أخذ هذا الفهم أو الحكم العقلي أو العقلائي العُرْفي الميداني لقضيّة العدل والظلم بوصفه أداةً في الاجتهاد تستطيع تقييد الإطلاقات أو تخصيص العمومات أو طرح الأدلّة الظنّية مثلاً، كخبر الواحد، أو لا؟
لا يبدو أنّ لهذه الفكرة حضوراً في التراث الإمامي؛ إذ ثمّة قلقٌ كبير من إمكان أن تفضي إلى الظنّ والرأي والاجتهاد والاستحسان والقياس وغير ذلك من عناصر القلق في الاجتهاد الإماميّ، وتضع أمزجتنا الفكريّة في مواجهةٍ مع الكتاب والسنّة، بما يلوِّثنا بسيِّئة الاجتهاد في مقابل النصّ.
بَيْدَ أنّ مراقبة المشهد منذ أقلّ من قرنٍ من اليوم يؤكِّد لنا أنّ «مقصديّة العدل» بدأت تشهد نموّاً متزايداً نسبيّاً، رغم أنّه ما يزال محدوداً، رُبَما بدأ مع أمثال: الشيخ محمد جواد مغنيّة والشيخ مرتضى المطهَّري، ليصل اليوم إلى أمثال: الشيخ يوسف الصانعي والأستاذ محمد رضا الحكيمي.
بدَوْري هنا لن أقوم باستقصاء عامّ وتفصيلي للمشهد؛ لأنّ المجال لا يسمح بذلك، لكنّني سوف آخذ بعض العيِّنات التي أُريد من خلالها إثبات أنّ تفكيراً من هذا النوع عرفه الشيعة في العصر الحديث، بمَنْ فيهم بعض الفقهاء، وأنّ هؤلاء اختلف تعاطيهم مع هذا التفكير ميدانيّاً؛ فبضعهم ذهب به حتّى النهاية، لينتج عبره فتاوى مختلفة، فيما آخرون طرحوه بشكلٍ نظريّ، ولم نجد انعكاساتٍ واسعةً له في نتائجهم الفقهيّة، بل رُبَما وجدنا مورداً أو اثنين فقط مثلاً.
ثمّة شخصيّاتٌ كثيرة هنا يمكن سرد اسمها، ولو عبر تقديمها إشارات أو إلماحات لفكرةٍ من هذا القبيل، بما يبدو أو يحتمل جدّاً أنها توافق عليها من حيث المبدأ، مثل: الشيخ محمد جواد مغنيّة، والسيد محمد باقر الصدر، والشيخ عبد الهادي الفضلي، والسيد محمد تقي المدرّسي، والسيد روح الله الخميني، والشيخ حسين علي المنتظري، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيد محمد حسين فضل الله، والسيد محمد حسن الأمين، والشيخ أبو القاسم عليدوست، وغيرهم. لكنّني سأكتفي بعيِّنات غير هذه، أختارها هنا، وقد بحثتُ في مناسبةٍ أخرى بالتفصيل نظريّات كلّ هذه الشخصيّات التي سأذكرها الآن، والتي لم أذكرها أيضاً.
المطهَّري ومقصد العدل في الشريعة
يبدو الشيخ مرتضى المطهَّري(1979م) واضحاً، في العديد من كتاباته، في انتمائه إلى الخطّ العامّ في الاجتهاد الإماميّ، وهو الخطّ الذي يضع عائقاً أمام العقل في اكتشاف الملاكات. وعلى سبيل المثال: عندما يواجه المطهَّري مقولة بعضهم من أنّه لا بُدَّ لنا اليوم من الحكم بحلِّية لحم الخنزير بعد أن اكتشف العلمُ الحديث المادّة المايكروبيّة فيه، وتمكّن من القضاء عليها…، نجده يعيد الجواب النَّمَطي في الاجتهاد الإمامي، وهو أنّ اكتشاف ضررٍ ما أو علّةٍ ما للحكم لا ينفي وجود علّةٍ أخرى أو ضررٍ آخر يرجع الحكم إليهما، بل يرى المطهَّري أنّ الاجتهاد غير المختمر هو ذلك الاجتهاد الذي باكتشافه علّةً ما ينفي ـ في عجلةٍ من أمره ـ ما عداها!([2]).
إلا أنّ كتاب (بررسي إجمالي مباني اقتصاد إسلامي)، والذي طُبع في إيران بُعَيْد استشهاد المطهَّري، أعطى تصوُّراً مختلفاً. وهو كتابٌ أثار ضجّةً واسعة في حينه، واتُّهم فيها المطهَّري بالترويج للاقتصاد الرأسمالي، ولمقولاتٍ مثيرة جدّاً، حتّى تمّ جمع مختلف نسخ الكتاب في ذلك الوقت وإتلافها جميعاً، عدا القليل المتبقّي، وقيل في حينه: إنّ ذلك كان بتوجيهٍ من الإمام الخميني؛ إمّا معارضةً لما في الكتاب بوصفه مخالفاً لمسلَّمات الدين؛ أو دَرْءاً للفتنة والاضطراب الذي كان مستعراً.
وبصرف النظر عن ذلك، وعلى تقدير صحّة ما في الكتاب؛ إذ بعضهم يناقش في ذلك، يذهب المطهَّري إلى مرجعيّة العدالة، فهو يقول بأنّه ليس كلّ ما جاء به الدين فهو عدلٌ، بل كلّ ما هو عدلٌ فقد جاء به الدين؛ لأنّ العدل يقع في سلسلة علل التشريعات لا معلولاتها. فما وَصَلَنا يُعْرَض على قانون العدالة، فليس هناك عدلٌ إسلامي، بل هناك إسلامٌ عادل.
ويتأسَّف المطهَّري على أنّ قواعد من نوع الوفاء بالعقود جرى الاشتغال عليها كثيراً في الفقه الإسلامي، لكنّ قاعدةً باسم قاعدة العدالة لم يتمّ البناء عليها، رغم النصوص الكثيرة الواردة في هذا الموضوع، معتبراً أنّ ذلك هو السبب في ركود التفكير الاجتماعي عند الفقهاء. إنّه يرى أنّ ثوب الغفلات طال قضيّة العدالة، بينما دوّنت الكثير من المصنَّفات في القواعد الأخرى، مطلقاً مقولة: إنّ العدل والتوحيد ثقافةٌ علويّة، بينما الجبر والتشبيه ثقافةٌ أمويّة.
وبهذا يتوصَّل المطهَّري إلى أنّه لو بُني الفقه على قاعدة العدالة، وتجاوز الذهنيّة الأخباريّة، لأمكننا تدوين فلسفة اجتماعيّة، ولما كنّا نقع في التناقضات والتهافتات التي نقع فيها اليوم([3]).
يبدو المطهَّري واضحاً في أنّه بصدد جعل العدالة مرجعاً فقهيّاً في الاجتهاد، تماماً كجعل قانون الوفاء بالعقود مرجعاً. ورغم أنّ كلمات المطهَّري لا تدخل في مقاربة بحثيّة استدلاليّة على طريقة الاجتهاد الشرعي، لكنّه يحاول أن يوظِّف النصوص وقاعدة تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد وغيرها من القواعد المعروفة في سبيل تأسيس قاعدة العدالة.
ونقطة الضعف أو النقص هنا أنّ المطهَّري لم يقُمْ بنفسه بتدوين تصنيفٍ يتّصل بهذه القاعدة، وهل حقّاً يمكن لهذه القاعدة أن تولد من رحم النصوص الدينيّة والتراث الفقهيّ الإسلاميّ أو لا؟ فالآخرون يرَوْن أنّ عملية اقتناص قاعدة باسم قاعدة العدالة من الشريعة أمرٌ صعب للغاية.
وبهذا يكون المطهَّري قد عطَّل نشاط العقل النظري في كشف المصالح والمفاسد التي تقف خلف التشريعات الدينيّة، لكنّه لم يعطِّل نشاط العقل العمليّ في تقديم التقويم الأخلاقيّ للسلوك على منطق العدل والظلم. وهناك فرقٌ بين تقويم السلوك بمنطقٍ نظريّ كشفيّ يعرف المصلحة والمفسدة والضرر والنفع، وتقويمه بمنطقٍ أخلاقيّ على أسس الوجدان والعقل العمليّ، ينطلق من قُبْح الفعل ولا أخلاقيّته أو من حُسْنه وأخلاقيّته.
لكنّ الجملة الأخيرة التي نقلناها عن المطهَّري تكشف أنّه كان بصدد إيجاد نوعٍ من الانسجام داخل المنظومة الفقهيّة، وهو انسجامٌ لطالما اعتُبر خيالاً. فالفقه يقوم على تأليف المتفرِّقات وتفريق المؤتلفات، كما يقول الفقهاء والأصوليّون([4]). وبهذا يلتقي المطهَّري مع السيد الصدر وشمس الدين في هَمٍّ واحد، وهو هَمُّ تشكيل النظريّات واللوحات الكلّية المنسجمة داخل الشريعة، الأمر الذي يفرض قاعدةً للانسجام، اعتبرها المطهَّري قاعدة العدالة، فيما لجأ الصدر إلى قاعدة الاستعانة باجتهادات الفقهاء ولو المتوفّين؛ لردم الصدع الذي يمكن أن يصيب الصورة بشيءٍ من اللاانسجام، بينما انتهج شمس الدين سبيل أدلّة التشريع العليا، والتي منها قاعدة العدالة.
السيستاني وخيار الكلّيات الدستوريّة وأصول الشريعة (ومنها: العدل)
رُبَما يبدو إقحام السيد عليّ الحسيني السيستاني (المولود عام 1349هـ/1930م) في موضوع المقاصديّة والتفكير خارج النصّ غريباً لدى بعضٍ، لكنّ المُراجِع لأعماله يجد حضوراً واضحاً لهذه الفكرة في دائرة التنظير هنا وهناك في الحدّ الأدنى، وإنْ لم نلاحظ نوعيّة حضور هذه الأفكار في أعماله الفقهيّة كثيراً، الأمر الذي يحتاج إلى متابعةٍ تفصيليّة في أعماله الفقهيّة؛ للتأمُّل في نوع حضور هذه الأفكار فيها، وتأثيراتها على الفتاوى، لو كان هناك تأثيرٌ.
النقطة المركزية في هذا التوجُّه للسيستاني تبدأ من قضيّة معرفة المعنى المراد من مخالفة القرآن وموافقته، ورُبَما تنتهي بفكرة الأحكام الولائيّة وجوهر منطقة الفراغ.
فعند تعرُّضه في مباحث الحجج والتعارض لقضيّة أخبار الطرح (طرح الحديث المخالف للكتاب) يفسِّر السيستاني معنى الموافقة والمخالفة للكتاب ـ متوافقاً مع أمثال: الصدر وفضل الله وغيرهما ـ بأنّ المراد منها «الموافقة من حيث الهَدَف والروح»، إلى جانب الموافقة في الأسلوب، بأن يكون الخبر واقعاً في سياق الامتداد للأصول والأهداف المقرَّرة في الكتاب الكريم، وليس المراد من الموافقة أو وجود الشاهد أن يكون ثمّة إطلاق أو عموم على وفق الخبر.
ويعتبر السيستاني أنّ هذا المنهج في فَهْم الروايات والتشريع كان يميل إليه بعض القدماء، من أمثال: يونس بن عبد الرحمن وابن الجُنَيْد، وهو يقوم على النقد المضموني للنصوص.
ويفهم السيد السيستاني هذه القضيّة ضمن مقاربة عقلانيّة تاريخيّة. فهو يرى أنّ العقلاء بطبيعتهم عندما يحدثون ثورات فكريّة اجتماعيّة فهم لا يغيِّرون القوانين الجزئيّة، بل ينطلقون من تغيير الرؤى والأفكار الكلّية في المجتمع؛ ليتحوّل ذلك إلى وضع دستورٍ جديد للبلاد، فتكون الأهداف التي انطلقت الثورة لأجلها بمثابة أصولٍ، تصاغ القوانين على وفقها لاحقاً أو تتحوَّل هي إلى قوانين.
إنّ الأصول القرآنيّة تنطلق من البُعْد الفلسفي لوجود العالم والمبدأ والمعاد وفلسفة وجود الإنسان، وتحكمها قواعد العلاقات الكلّية البشريّة، التي تتمثَّل ـ من وجهة نظر السيستاني ـ في بعض الآيات الكريمة، ومنها: آيات العدل، مثل: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90)، ومبدأ الحكم بالقسط في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ (النساء: 58)، وكذلك آيات نفي العُسْر والحَرَج، وآيات المساواة والكرامة الإنسانيّة… فسلسلة الأصول هذه تجعل الإسلام مبيِّناً لدينٍ فطري يعبّر عنه اليوم بالقانون الطبيعي، وعبر هذا القانون الكلّي تنبثق عند السيستاني التشريعات الجزئيّة.
كما أنّ السيستاني يفسِّر تحليل الحرام وتحريم الحلال الوارد في بعض النصوص بأنّ المراد منه ما ناقض الأهداف والمبادئ وهَدَمها؛ فالشريعة جاءت بسياسة وضع معالم وهدم معالم سابقة، وكلُّ ما يناقض هذه السياسة البنائيّة والهَدْميّة فهو تحليلُ الحرام وتحريمُ الحلال.
وربطاً بين مفهوم روح الشريعة وكلّياتها الدستوريّة والأهدافيّة وبين نظريّة منطقة الفراغ يفهم السيستاني أنّ سياسة وليّ الأمر في منطقة الفراغ هي تحقيق المبادئ العامّة والمقاصد الشرعيّة وروح الشريعة.
ويضع السيستاني تفاصيل التشريعات القرآنيّة، ثمّ تشريعات السنّة النبويّة وسنّة أهل البيت، في إطار سلسلة حلقاتٍ متواصلة تتفرَّع بعضها عن بعض، وتنطلق من تلك الكلّيات. فليست شيئاً جديداً، بل هي تفصيل تلك الكلّيات الدستوريّة العامّة. فالقوانين تتبع الدستور، وليس العكس. وهو يؤكِّد دَوْماً على مقاصد الرسول؛ وذلك بإثارته كثيراً في مواضع متفرِّقة من كتبه التمييز بين الشخصيّة التبليغيّة للنبيّ والإمام والشخصيّة الولائيّة التي تشرِّع القوانين في دائرة الفراغ، التي لا يراها مناقضةً لشمول الشريعة([5]).
وفي نصٍّ يلفت انتباهنا لقاعدة العَدْل هنا يقول السيستاني: «إنّ قاعدة العدل من أعظم قواعد الفقه، وإنْ لم تكن معنونةً في أبوابه كسائر القواعد. ويستدلّ لها من الكتاب بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾، ولا رَيْبَ أنّ من العدل أن تكون مؤونة المملوك على مالكه، ومن البَغْي أن تحمل مؤونته على غير مالكه. والظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في أصل القاعدة كما دلّت عليه الآيات الشريفة، كقوله: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ﴾، إلا أنّ البحث يقع في أساسه وضابطه الكلّي، وقد أوضحنا بعض القول فيه في بعض المباحث الأصوليّة»([6]).
قاعدة العدالة عند الشيخ يوسف الصانعي، توسُّع في التنفيذ
يمكنني تصنيف المرجع الدينيّ المعاصر الشيخ يوسف الصانعي (المولود عام 1937م) على أنّه استمرار لمسيرة نظريّة قاعدة العدالة، حيث قام بممارستها وتطبيقها في مجالات متنوِّعة من كتبه الفقهية والبحثيّة، رُبَما بأكثر ممّا فعله غيره، وتوصَّل من خلالها إلى إحداث تغييرات في الفتاوى والآراء الفقهيّة عنده. ومن نماذج ذلك:
أـ ما ذهب إليه في الطلاق الخلعي، حيث مال لنظريّة وجوبه عند مطالبة الزوجة به وتحقُّق شروطه، وهناك قال: «…وغاية ما يمكن الاستناد إليه والتمسُّك به هو إطلاق الحديث القائل: «الطلاق بيد مَنْ أخذ بالساق». وهو حديثٌ مخالف لمبدأ العدل ورفض الظلم في أحكام الإسلام، وقد بيَّنّا أنّه لا حجّية لظهور الدليل المخالف للأصول العقليّة والنقليّة المسلَّمة، وهي العدل وعدم الظلم في أحكام الإسلام، وعدم مخالفة الأحكام للعقل، فماذا لو أردنا أن يكون إطلاق مثل هذه الرواية هو الدليل هنا؟! من هنا لا سبيل ـ مع حكم العقل بظلم الحكم بجواز (وعدم وجوب) الطلاق على الرجل مع كراهة الزوجة وتقديمها المال له وقبحه ـ سوى القول بوجوب مثل هذا الطلاق الخلعي؛ انطلاقاً من حكم العقل بقبح الجواز، وحكمه بحسن اللزوم والإيجاب»([7]).
الواضح هنا أنّ الصانعي يعتبر قاعدة العدل مستفادةً من النقل والعقل معاً، وأنّها تقع في رتبة الأصول التي لا تُعْرَض على غيرها، بل يُعْرَض غيرُها عليها.
ب ـ وفي بحثه حول مقدار العوض الذي يمكن أن يأخذه الرجل في الطلاق الخلعي يقول: «إن الحكمَ المستفاد من صحيحة زرارة وموثَّقة سماعة والروايات المطلقة الدالّة على أنه يمكن للرجل أخذ أيّ مقدارٍ أراده من المرأة على أن يطلِّقها… مخالفٌ للعدل الذي يُعَدّ جزءاً من الأصول الإسلامية المسلَّمة؛ لأنّ البنية التحتيّة لتمام الأحكام هي العدالة، والحيلولة دون الظلم وتضييع الحقوق. فالعدل والعدالة ميزان أحكام الإسلام، لا أن الأحكام الشرعيّة هي ميزان العدالة ومعيارها… والمهمّ في هذا المجال أنّ تحديد العدالة وعدم الظلم في غير التعبُّديات يرجع إلى العقلاء وضمن مسؤوليّاتهم؛ وذلك أنّ الشارع والمقنِّن الحكيم إذا أراد بيان حكم، وطالب الناس بالعمل به، فلا محالة مضطرٌّ لسنّ قانون يفضي إلى نشر العدالة في المجتمع، ورفع ألوان الظلم والتمييز، وهذا ما يستلزم أن يرى أفراد المجتمع والعقلاء هذا القانون عادلاً…»([8]).
الخاصية هنا أنّ الصانعي طرح روايات معتبرة السند لأجل مخالفتها لمبدأ العدل ونفي الظلم، كما أنّه أحال تشخيص مصاديق العدل في غير التعبُّديات إلى العقلاء أنفسهم. وهذه هي النقطة المهمّة التي يشترك فيها مع شمس الدين، وتمثِّل جوهر التجلّي المعاصر لأنصار هذه القاعدة.
ج ـ وفي سياق دفاعه عن نفسه يقول: «وقد يُشْكِل شخصٌ هنا بأنّ هذا الذي ذكرتموه بأجمعه اجتهادٌ في مقابل النصّ؛ ذلك أنّ الحكم الذي تعدّونه ظالماً قد استُفيد من الروايات الصحيحة التي تملك ـ في بعضها ـ دلالات نصّية صريحة، ومع الأخذ بعين الاعتبار وجود هذه الروايات فلا بُدَّ لنا من التعبُّد بالحكم الوارد فيها.
لكنّ هذا الإشكال غير وارد؛ وذلك أنّ أوامر المعصومين^ ورواياتهم جعلت ملاك صحّة الروايات وحجّيتها عدم مخالفتها للقرآن. وقد أثبتنا في ما سبق أن هذا الحكم مخالفٌ للأصول القرآنية المسلَّمة. إنّ الروايات المخالفة للعقل والنقل لا يمكن أن تكون حجّةً ومعتبرة، وإنّما ـ كما قال الفقهاء ـ: يردّ علمها إلى أهلها. وهذا ما يصدق على مواضع متعدِّدة من رواياتنا، كالكثير من الروايات ـ التي يمتاز بعضها بأسانيد معتبرة ـ الدالّة على تحريف القرآن، أو الروايات المرتبطة بسهو النبيّ والمذكورة في الكتب الأربعة، وعددها ثمانية عشر رواية، نقلها ثلاثة عشر شخصاً من المحدِّثين الكبار، إلاّ أنّ العلماء ـ غير الصدوق وأستاذه ـ ردُّوها؛ لمخالفتها لمبدأ عصمة الأنبياء، الذي هو مبدأٌ عقليّ وعقلائيّ»([9]).
إنّ الصانعي هنا يستفيد من قواعد حجّية الرواية؛ لكي يعتبر أنّ أصل العدل أصلٌ عقليّ وقرآنيّ مسلَّم، وهو ما أشار إليه السيستاني ـ كما رأينا ـ إشارةً عابرة، والروايات تُعْرَض على الأصول العقليّة والقرآنيّة، ولا تعارضها، ويبرِّر لنفسه ذلك من خلال عيّنات مشابهة مارسها العلماء أنفسهم في مواضع أُخَر، من نوع روايات سهو النبيّ وتحريف القرآن الكريم.
د ـ وفي رفضه فكرة التمييز في الأحكام بين المسلم والكافر غير المقصِّر يقول: «عمَّم مشهور الفقهاء مفهوم الكافر، فاعتبروا كلّ مَنْ ليس بمسلم كافراً (وبعد بيانه أصل العدل من خلال النصوص القرآنيّة قال:) …إنّ كلّ الناس عباد الله ومخلوقاته، والله رؤوفٌ بهم، وتشملهم رحمته جميعاً، بل هي تطال كلّ شيء. ومن هنا إذا لم يعتنق شخصٌ الإسلام عن غفلةٍ وقصور، ومنعناه ـ نتيجة ذلك ـ من حقِّه الطبيعي في الإرث، أو كان وجود وارثٍ مسلم معه حاجباً ومانعاً له عن الإرث… أليس ذلك ظلماً وتمييزاً غير مقبول من جانب العقل والعُرْف؟ لأنّ العلاقات النسبية والسببية ليست أموراً تعاقدية، وإنما هي ارتباطٌ طبيعي يستدعي حقوقاً طبيعية، ولا يقبل الحيلولة دون هذه الحقوق الطبيعية… وبعبارةٍ أخرى: إن الاعتقاد الباطل عن غفلةٍ وقصور لا يستدعي ملاحقةً قانونية… ومن الواضح أنّ هذا الكلام لا يأتي في الكافر بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ لأن كفره جاء عن تقصيرٍ وعناد وإنكار، فيمكنه أن يمنعه من الإرث؛ ليكون ذلك عقوبةً له…»([10]).
وإلى جانب أصل العدالة، يعتقد الصانعي بمبدأ الكرامة الإنسانيّة، ويرتّب عليه آثاراً. فهو يرى أنّ قاعدة الكرامة المستفادة من العقل والنقل تمثِّل أصلاً أوَّليّاً يثبت للإنسان حقوقاً طبيعيّة ومساواةً في هذه الحقوق، ومن ثمّ ينبغي أن نفهم الدين وفقاً لهذا المبدأ، ونحدِّد المواقف الشرعيّة تَبَعاً له([11]).
كما يلاحظ المتابع لاجتهادات الصانعي إصراره على مبدأ السماحة والسهولة ونفي العُسْر والحَرَج في التشريعات الإسلاميّة. لهذا فهو يغيِّر العديد من الأحكام انطلاقاً من هذا المبدأ، وهو أحد المبادئ الأساسيّة عند المقاصديّين، كما نعلم.
وعلى سبيل المثال: يستند الصانعي ـ في ما يستند ـ لقاعدة اليُسْر والسماحة ونفي العُسْر والحَرَج لتجويز نسبة الولد المتبنّى لمَنْ تبنّاه بأن يقال له بأنّك ولد فلان، وترتيب آثار المحرميّة من النظر واللمس وما شابه ذلك؛ استناداً إلى نفي العُسْر والحَرَج وغير ذلك([12]).
وهو من خلال هذا المفهوم يرفض الاحتياطات التي يعتبر بعضهم أنّ الشيخ الأنصاري ساهم فيها. ويُنقل عن صاحب الجواهر أنّه لمّا أحال قُبَيْل وفاته على الشيخ الأنصاري في التقليد نظر إلى الشيخ، وقال له: «قلِّلْ من احتياطاتك؛ فإنّ الشريعة سمحةٌ سهلة»([13]).
الحكيمي ومعياريّة العدل في ميدان العمل لضمان سلامة الاجتهاد
يعتبر العلاّمة المعاصر الشيخ الأستاذ محمد رضا الحكيمي (المولود عام 1354هـ) من الشخصيّات الفكرية البارزة في إيران. ولشدّة اهتمامه بقضيّة العدالة يشتهر بلقب «فيلسوف العدالة». وهو يمثِّل أحد أهم رموز ما يُعْرَف بالمدرسة التفكيكية الخراسانيّة، التي تؤمن بضرورة فصل الدين عن العرفان والتصوُّف والفلسفة في عمليّة الفهم والممارسة، بل لعلّ هذه التسمية ترتهن في وجودها أو في تداولها له شخصيّاً، بعد نشره كتاباً باسم «المذهب أو المدرسة التفكيكيّة». كما كان مقرَّباً من الدكتور علي شريعتي.
صنَّف الحكيمي سلسلةً كبيرة من الكتب، ولقيَتْ بعض كتبه انتشاراً واسعاً فاق المعدَّل الطبيعي لنشر الكتاب في إيران. ورُبَما يمكن تصنيف موسوعته «الحياة»، التي كتبها مع أخوَيْه، بأنّها ـ من بين كتبه ـ الأكثر شهرةً خارج إيران قبل عدّة عقودٍ.
قبل أن أبدأ بالحديث عن الحكيمي يجب عليّ أن أشير إلى أنّ أدبياته غالباً ما تبدو أدبياتٍ شيعيّةً، فكأنّه يتحدَّث عن إسلامٍ مساوٍ للتشيُّع، لا عن قراءةٍ شيعيّة للإسلام فحَسْب، ويمزج تماماً بين رؤيته وبين التشيُّع، ولهذا رُبَما يعتبر المتابعون له أنّه يمتاز عن المطهَّري والطباطبائي والصدر والطالقاني وبازرگان وشريعتي بأنّ خطابه جاء بلغةٍ شيعيّة، لا بلغة إسلاميّة عامّة. وسوف نرى كيف أنّ بِنْية تفكيره تتّصل اتصالاً وثيقاً بالهويّة الإماميّة في كيفيّة استقائه مصادر المعرفة من عمق التراث الشيعيّ، دون أن يكون النصّ القرآني مغفولاً عنده إطلاقاً، بل له حضورٌ مهمّ جدّاً.
ورُبَما من هنا نجد له مصنَّفات مستقلّة عن شخصيّات شيعيّة، مثل: السيد عبد الحسين شرف الدين (1377هـ)، والآغا بزرگ الطهراني(1389هـ)، والسيد مير حامد حسين (1306هـ)؛ فقد كتب حول كلِّ واحد منهم كتاباً، وقد كان هؤلاء الثلاثة معروفين بدفاعهم عن التشيُّع في الوسط السنّي، وتركيزهم على الهويّة الشيعيّة.
يقيم الحكيمي فكرته هنا، المبثوثة في كتبه ورسائله وأعماله، ومنها: رسالته المشهورة إلى فيدل كاسترو، وكتابه الحياة، على محوريّة التوحيد والعدل في الإسلام. فالصلاة وأمثالها رمز التوحيد، والباقي ليس سوى العدل؛ لأنّ العدل هو المعروف الذي دعا إليه القرآن الكريم. والإيمان توحيديٌّ، والعمل عدليٌّ. إنّ الحكيمي يصرِّح هنا بأنّني عندما أتحدَّث عن العدل فلا أتكلّم بمنظار كلاميّ، ولا أبحث تنظيريّاً؛ لأهتمّ بفلاسفة الأخلاق ونظريّاتهم، بل أتكلّم عن العدل في المجتمع أو العدل الاجتماعيّ الميدانيّ اليوميّ. فهو لا يبحث عن مفهومٍ نظريّ للعدالة، بل يركِّز على مفهوم العدالة المعيشيّة اليوميّة التي تلامس حياة الفرد في المجتمع. من هنا تقع الكثير من أعماله في سياق تحقيق ثنائيّة التوحيد والعدل.
يعتبر الحكيمي أنّ الامتياز البارز للتشيُّع يكمن في مسألة العدالة والدعوة للعدل، في مقابل حكّام الجَوْر. كما يفهم قضيّة عاشوراء فهماً سياسيّاً تامّاً يقع في سياق تحقيق العدل ورفع الظلم؛ لأنّ الإمام الحسين جاء ليهدم التمايز الطبقي الذي حصل بعد تمركز المال بيد طبقةٍ معيّنة في المجتمع الإسلاميّ، على أثر سوء إدارةٍ اقتصاديّة. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذان تحدَّث عنهما الحسين في خطابه المشهور ليسا ملاحقة زيدٍ أو عمرو من البسطاء في الشارع؛ لمنعهما من أمرٍ هنا أو هناك فحَسْب، بل هو تغيير قواعد الظلم الاقتصاديّ والفساد السياسيّ.
وهو يفهم من هذا كلِّه ومن النصوص الدينيّة الأخرى أنّ المأمور بالمعروف والمنهيّ عن المنكر هو الطبقة النافذة من الحكّام السياسيّين والمتموّلين الكبار، وليس العكس، الأمر الذي يبدو منه دعوته لحركة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر من قِبَل المجتمع للسلطة، تماماً كما هي الفكرة التي تتداول في بعض الأوساط من أنّ الشعار الكبير للحركة المهدويّة في آخر الزمان هي شعار العدل بعد انتشار الظلم، وليست شعار نشر الدين، طبقاً لما جاء في الروايات من أنّه يملأ الأرض قِسْطاً وعَدْلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجَوْراً.
ويعتبر الحكيمي أنّ العدالة لها جوانب ثلاثة: العدالة السياسيّة؛ والعدالة الاقتصاديّة؛ والعدالة القضائيّة. وإنّ تحقيق العدل يحتاج إلى هذه العناصر الثلاثة معاً. لكنّ الحكيمي يعتبر أنّ الظلم السياسيّ والقضائيّ تابعٌ ومتفرِّع عبر التاريخ من الظلم الاقتصاديّ. وهو يفهم من نصوص وروايات أهل البيت النبويّ أنّ الظلم الاقتصاديّ يحول دون التسامي الروحيّ للإنسان. ولهذا فهو يرى أنّ الدين الذي لا يحمل معه العدالة ليس بدينٍ، فضلاً عن أن يكون إسلاماً، وبهذا نطقت النصوص القرآنيّة، حين قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ…﴾ (الحديد: 25). ففلسفة النبوّات هو تحقيق القسط والعدل. ومن هنا فالاجتهاد الفقهيّ يجب أن يقع في سياق تحقيق العدل عند الحكيمي.
من هنا، يتصوَّر الحكيمي أنّه لا يمكن بناء الفرد السليم والصالح من دون بناء المجتمع العادل، وتحقيق العدالة في الأرض. لهذا فهو يفهم النصوص التي تربط الفقر بالكفر على أنّها تريد أن تُفهمنا بأنّ التوحيد وصلاح الإنسان يرتبطان ارتباطاً كاملاً بالعدل القائم على العدالة الاقتصاديّة.
لهذا يعترض الحكيمي على أولويّات التيّار الإسلاميّ الذي يركِّز مثلاً على حجاب المرأة أكثر مما يركّز على النهي عن المنكر الاقتصاديّ، وهو النهي الذي يمثِّل السعي لتحقيق العدل الاقتصاديّ في المجتمع؛ فإنّ النصّ القرآني كان يقرن كثيراً العبادة لله سبحانه بالوفاء بالكَيْل والميزان، وهذا ربطٌ قويّ بين العدل الاقتصاديّ والتوحيد.
ومن منظور العدالة نفسه يفهم الحكيمي أنّ الإسلام لا يمكن أن يكون قائلاً بالملكيّة الفرديّة التي تبلغ حدّاً يزعزع أساس العدل في المجتمع. وهي فكرةٌ جديرة بالتأمُّل عنده؛ لأنّه يناقش في قضيّةٍ أساسيّة هنا تتّصل بالملكية الفرديّة، وربط هذه الملكية بمعياريّة العدل الاجتماعيّ. فالملكية لا تملك قداستها وحرمتها بعيداً عن قواعد العدل، بل تفرض قواعد العدل ذاتها عليها.
وهذا ما يدفع الحكيمي في أكثر من مرّةٍ للربط بين ما يقول وبين طبيعة المعارضين للأنبياء عبر التاريخ؛ إذ نجد أنّهم كانوا أصحاب المال والجاه، فتمركز المال وتعملق الملكيّة الفرديّة هو الذي يفضي لمواجهة حركة الأنبياء، ولهذا نجد في النصوص الدينيّة نوعاً من التحقير للأغنياء والذمّ لهم، في مقابل مدح الفقراء ومتوسِّطي الحال.
من هنا، يقيم الحكيمي العدل على إلغاء الفقر وإلغاء تكاثر الثروة معاً، ويراهما متلازمين، بل التكاثر هو علّة الفقر عنده. وقد قال الإمام عليّ×: «إنّ الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقيرٌ إلاّ بما مُتِّع به غنيٌّ، والله تعالى سائلهم عن ذلك»([14]).
وبعمليّة الإلغاء المزدوجة هذه يتحقَّق عند الحكيمي أحد أصول العدل في الإسلام، وهو أصل المساواة، بل هو غاية العدل عنده، وهو يطالع الموضوع من زاويةٍ اقتصاديّة. وبهذا تتلاءم أصول العدل ونفي الظلم والنهي عن الاكتناز، ليؤكِّد بعضُها بعضاً، وصولاً إلى تحقيق المساواة بين الناس.
ويذهب الحكيمي أبعد من ذلك عندما يعتبر أنّ التعامل مع الظلم الاقتصاديّ لا يمكن أن يكون بالمداراة، بل لا بُدَّ أن ينبثق من تفكيرٍ ثوريّ يقلب الطاولة على رؤوس الطبقة الغنيّة الفاحشة؛ مستنداً في ذلك إلى ما يُنسب إلى الإمام عليّ× من قوله: «عجبتُ لمَنْ لا يجد قوت يومه كيف لا يشهر سيفه، أو كيف لا يخرج شاهراً سيفه!»؛ فالفقر والجوع يتطلَّبان منطقيّاً ثورةً وانتفاضة. وهو يستند هنا لبعض قدماء الفقهاء في فتواهم بأنّه لو اضطرّ غير المالك لمالٍ لا يضطرّ المالك إليه كان المضطرّ أَوْلى به. فالاضطرار يعطي ـ من وجهة نظر الحكيمي ـ غير المالك أولويّةً، وهذا يعني أنّ العدالة ومنطق رفع الحاجة تقدّم على منطق الملكيّة.
إنّ من أبرز وظائف علماء الدين عند الحكيمي مواجهة الفقر، فعليٌّ× يقول: «وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالمٍ ولا سغب مظلومٍ…»([15]). فالعالم الحقيقي هو الذي ينتصر للفقراء والمحتاجين والمظلومين، وليس غير ذلك. وكأنّ الحكيمي يريد أن يقول بأنّ عمل عالم الدين ليس هو مجرّد حمل العلم، بل هو الوقوف بجانب المحتاجين والطبقات المسحوقة. ولهذا فهو يعتبر أنّه ما لم تتحقَّق العدالة فكلُّ ما نقوله عن الإسلام ليس سوى كلامٍ في الهواء، لا أكثر.
بعد هذا التوضيح العامّ لتفكير الحكيمي، نأتي لدراسةٍ مقارنة بينه وبين النمط الفقهي العامّ؛ لنكتشف مقصديّة العدل عنده، وتأثيرها على الاجتهاد الشرعي، وذلك من خلال مجموعة نقاط:
1ـ إنّ الفقه الإسلاميّ المَدْرَسيّ يكرِّس مبدأ الملكيّة الفرديّة، ويعتبر العدالة متحقِّقةً من خلال تحقيق الواجبات الاقتصاديّة على الفرد، والتي هي الخمس والزكاة مثلاً، في مقابل الانتهاء عن المحرَّمات الاقتصاديّة من نوع الرِّبا والقمار والسرقة. بينما طريقة تعامل الحكيمي مع الموضوع ليست كذلك، فهو يعتبر أنّ المفهوم العامّ للعدل الاقتصاديّ هو الذي يحكم حركة المنظومة الفقهيّة الاقتصاديّة ويوسِّع أو يضيِّق فيها. ومن ثمّ عندما يتناول قضيّة الاضطرار بين الغنيّ والفقير فهو لا يفهمها في سياق منطق الضرورة الفرديّة، بل يفهمها في سياق منطق الضرورة الاجتماعيّة، ومن ثمّ الضرورة الاجتماعيّة التي تكشف عنها ظاهرة الفقر في المجتمع تفرض الأخذ من أموال الأغنياء، وصولاً حتّى رفع الطبقيّة الظالمة تماماً. فلا يقف الموضوع عند حدود المعنى الفقهي الخاصّ للزكاة والخمس، بل يتعدّاه إلى معنىً مقصديّ أوسع يحرِّك المفردات الفقهيّة.
ويستعين الحكيمي هنا بأصولٍ من نوع: أصل الإحسان، وأصل المساواة بين الأبناء، وأصل الأخوّة الإسلاميّة، بوصفها قواعد تساهم في تكوين الصورة الحقيقيّة. وأصلُ المساواة عند الحكيمي يفرض عدم الأخذ بعين الاعتبار الامتيازات الوَهْميّة، بالغاً حدّ منع التمييز الماليّ حتّى على أساسٍ إيمانيّ، خلافاً لما فعله الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب من التمييز في العطاء، فهو سلوكٌ مرفوض وغير مبرَّر.
وعبر هذه المجموعة المتكاملة يفرض الحكيمي توازناً في توزيع الثروة. فكلّما زادت الثروة في مكانٍ يلزم السعي لإعادة حركة المال إلى وضعٍ متوازن بين الناس. فهذا هو المقرَّر إسلاميّاً؛ لأنّ الإسلام يؤمن بالاعتدال والاحتياط في كسب المال، ويدعو للمزيد من الإنفاق.
وبهذه العمليّة نفهم أنّ التوازن الماليّ مطلوبٌ في المجتمع. وهي عمليّة لا يوقفها الحكيمي عند حدود الجماعة المسلمة، بل يراها عامّة؛ لأنّه يقرِّر الإيمان العميق بمبدأ الكرامة الإنسانيّة.
2ـ في مقاربةٍ أكثر تنظيريّةً وكلّية يعقد الحكيمي بحثاً في التمييز بين أحكام الدين وأهداف الدين، فيعتبر أنّ أغلب الدراسات نظرت للاجتهاد من زاوية أحكام الدين، في حين يريد هو أن ينظر له من زاوية أهداف الدين. لكنْ لماذا الاجتهاد في الأهداف؟ وما هي ضرورته؟
إنّ الحكيمي يعتبر أنّ الحركة التي أطلقها جمال الدين (الأفغانيّ) غيَّرت وضع العالم الإسلاميّ نحو ثقافة مواجهة الاستعمار والنهوض. وإذا أراد الاجتهاد أن يبقى حيّاً في الفترة ما قبل جمال الدين فإنّه سوف ينتج مجتمعاتٍ تعيش ما قبله، بينما لو غيَّر نحو الاجتهاد في الأهداف وفقاً لما فرضته الأوضاع الأخيرة بعد جمال الدين فإنّ من الممكن له أن يصنع مجتمعاً معاصراً. فالاجتهاد صانع المجتمعات المسلمة، ومن هذه الناحية يظلّ تأثيره عميقاً.
وعلى هذا الأساس يعتبر الحكيمي أنّ الاجتهاد يبدأ من الاجتهاد في الأهداف، ليتلو ذلك الاجتهاد في الأحكام. فما دام الدين ظاهرةً «إلهيّة ـ اجتماعيّة» فلا بُدَّ له أن يتكلّم عن الفرد والمجتمع والدولة؛ فهذه العناصر الثلاثة لا يمكن فصلها عن رسالة الدين. من هنا فالاجتهاد ليس هدفاً، بل هو وسيلة، وعندما يكون كذلك فهو سبيلٌ للكشف عن التكاليف الدينيّة في سياق هذا الثالوث، وهي التكاليف التي تقع في طريق تحقيق الأهداف والغايات.
ويضع الحكيمي الاجتهاد في موقع الاختبار، وذلك عندما يعتبر أنّ الاستغلال الاقتصاديّ المعاصر، الذي بات يتَّخذ أشكالاً متعدِّدة، يلزم على الاجتهاد أن يقوم بفضحه، فإذا لم يتمكَّن الاجتهاد من مواجهة هذه الظاهرة الظالمة فإنّه فاشلٌ.
وبهذا يُخرج الحكيمي الاجتهادَ من مجرَّد الفعل النخبويّ القابع في زوايا الحوزات العلميّة إلى أن يكون المجتهد ـ ليثبت اجتهاده ـ قادراً على اتّخاذ مواقف نبويّة ـ حَسْب تعبيره ـ تجاه قضايا العصر وظلماته، وتقديم الحلول للأمّة للخروج من المآزق والأزمات، وإلاّ فكيف يريد الاجتهاد أو يزعم أنّه يقود حركة الأمّة؟! فأين ذلك؟! وكيف؟!
يقول الحكيمي: «فالاجتهاد لو كان اجتهاداً حقيقيّاً هو المؤهَّل للإفصاح عن قدرة الدين على صناعة المجتمع»، وقيادة المجتمع لا تكون إلاّ بتقديم الحلول والمشاريع النهوضيّة التي تلغي الظلم وتحقِّق العدل؛ لأنّ العدل هو القيمة النهائيّة، والأحكام جاءت لتحقيقه، فإذا لم تكن الأحكام التي يقدِّمها لنا المجتهدون قادرةً على تحقيق العدل فإنّ هذا يعني أنّ اجتهادهم بات خارج الزمان، وانتهى مفعوله. وبهذا يضع الحكيمي شروط الاجتهاد وفق الاختبار العمليّ من جهةٍ، وتحقيق المقصديّة الكامنة في العدل من جهةٍ ثانية، فيُلزم الفقيه أن تكون أحكامه التي يستنبطها واقعةً في سياق إقامة القسط، وليس فقط في سياق عدم معارضتها للعدل، فعدم المعارضة شيءٌ والمساهمة في العدل شيءٌ آخر.
3ـ لتحقيق الاجتهاد المقاصديّ الأهدافـيّ يلزمنا القول ـ برأي الحكيمي ـ بأنّ الفقه بحاجةٍ إلى إعادة النظر في النصوص التشريعيّة. فاعتبار آيات الأحكام خمسمائة آيةٍ فقط أمرٌ غير صحيح؛ بل لا بُدَّ من إقحام آيات منع تكاثر المال واكتناز الثروة، والعدل والقسط والزكاة الباطنة وغير ذلك، ضمن نصوص الأحكام؛ ليتمكَّن الاجتهاد عبر ذلك من التوجُّه نحو تحقيق مقاصده. وكأنّه يقول بأنّ بتر نصوص الأحكام عن نصوص المقاصد والغايات يُفضي إلى اجتهادٍ منقوص.
4ـ يفرض الحكيمي لسلامة العمليّة الاجتهاديّة شرطَ وَعْي الواقع، فمن دون وَعْي الواقع لن يتحقَّق الاجتهاد السليم. وهنا يتحدّث الحكيمي عن قضيّةٍ حسّاسة عندما يعتبر أنّ النظرة السطحيّة للمجتهدين تجاه أصحاب المال ونشاطهم الاقتصاديّ، والتعامل معهم بالكثير من التسامح، ومن ثمّ إمضاء وتصويب أعمالهم الاقتصاديّة، دون النظر في التأثيرات العمليّة لحركة المال ونشاط الأغنياء على الفقراء والطبقات الأخرى، معناه أنّ الفقيه لا يعرف الواقع، ولا يعرف الأهداف، وهو يُنتج فقهاً غريباً عن الزمان الحاضر؛ لأنّ الفقر ظلمٌ اجتماعيّ، والظلم مرفوضٌ تماماً، والتشريع جاء لتحقيق العدل، فكيف يُمكن أن يُعتبر اجتهاداً ذاك الذي ينتج نقيض هذه المنظومة؟! والقرآن وضع الظلم مقابل التقوى، فلا تقوى مع الظلم.
بهذا يدعو الحكيمي لتقوية حاسّة شمّ الفقاهة عند المجتهدين، عبر اقتناص الأفكار من خلال هذا النمط من الاستنباط الذي يعي الواقع والغايات معاً، لا عبر الجمود على حرفيّات النصوص. ومن خلال هذا كلِّه يستند الحكيمي إلى مقولة الإمام عليّ×، حيث يقول: «العدل حياة الأحكام»([16])، فيرى أنّها تدلّ على أنّه لا حياة لأحكام الدين من دون حياة أهدافه، والاهتمام بالأحكام من دون الأهداف هي عنده أكبر مشكلة يواجهها الدين.
وكنتيجةٍ طبيعيّة لهذا التصوُّر عن الاجتهاد يذهب الحكيمي إلى أنّ على الفقيه أن يعرض فتاواه على العدل؛ لأنّ الأهمّ يقدَّم على المهمّ، فما عارض العدل يُحْذَف، وما وافقه يُؤْخَذ به.
5ـ لا يؤخذ العدل عند الحكيمي من المدارس الوضعيّة كما قلنا، بل يؤخذ من الكتاب والسنّة. وهذا ما دفع الحكيمي للبحث في النصوص عن تعريف العدل، فاكتشفه في نصّين مهمّين للإمام الصادق×، دفعاه لتدوين مقالةٍ مستقلّة في هذا الصدد.
فقد ورد في خبر ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله× قال: «إنّ الناس يستغنون إذا عدل بينهم، وتنزل السماء رزقها، وتُخرج الأرض بركتها بإذن الله تعالى»([17]).
وكذلك ورد في خبر حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح× قال: «…إنّ الله لم يترك شيئاً من صنوف الأموال إلاّ وقد قسَّمه، وأعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه، الخاصّة والعامّة والفقراء والمساكين، وكلّ صنفٍ من صنوف الناس، فقال: لو عدل في الناس لاستغنوا، ثم قال: إنّ العدل أحلى من العسل، ولا يعدل إلاّ مَنْ يُحسن العدل…»([18]).
يعتبر الحكيمي أنّ هذا التعريف قد تعرَّض للتجاهل بشكلٍ عجيب من قِبَل عموم المسلمين، ولا سيَّما أتباع أهل البيت^، حتّى طواه النسيان، حتى أنّهم إذا تحدَّثوا عن العدالة أو كتبوا حولها، أو إذا تناولها المحقِّقون والمنظِّرون بالبحث والتنقيب، لا نجدهم يشيرون إلى هذا التعريف لا من قريبٍ ولا من بعيد. وهذا إنْ دلّ على شيءٍ فإنما يدلّ على عمق المظلوميّة الكبيرة التي تعرَّض لها الأئمّة الأطهار، من وجهة نظر الحكيمي.
وقيمة هذا التعريف عند الحكيمي تكمن في كونه عمليّاً معاشيّاً، ليس بنظريٍّ أو تجريديّ، وهو بسيطٌ واضح يفهمه أيُّ إنسانٍ، وليس بمعقَّدٍ أو فلسفيّ غامض([19]).
بهذا نكتشف أنّ بِنْية تفكير الحكيمي هي بِنْية مقاصديّة أهدافيّة، وأنّها تضع الفقه كلّه في سياق مقولة العدل والمساوة القائمة عنده على معيارٍ اقتصاديّ. ولا أدري هل أنّ حماسة الحكيمي للجانب الاقتصاديّ جاءت نتيجة سياقٍ معرفـيّ ذاتيّ في الكتاب والسنّة أو أنّه كان لليسار الاشتراكي في النصف الثاني من القرن العشرين تأثيرٌ كبير على حركة هذه المفاهيم عنده، خاصّة مع كونه قريباً من تفكير علي شريعتي الثوري.
ولعلّ بإمكاني أن أقول: إنّ ثوريّة شريعتي السياسيّة والاجتماعيّة التأمت معها ثوريّة الحكيمي الاقتصاديّة.
كلمةٌ أخيرة
بهذا نكتشف أنّ ثمّة أفكاراً بدأت الذهنيّة الشيعيّة تتداولها، وهي تعبر نحو نمطٍ من التفكير المقاصديّ، الذي يحاول أن لا ينقلب على قواعد الاجتهاد الإماميّ. لكنْ إلى أيّ مدىً استطاع هذا الفريق تقديم تنظيرٍ اجتهاديّ حقيقيّ مركَّز في هذه القضيّة؟
وما هي نتائج اجتهاداته على عالم الفتاوى والمواقف الفقهيّة؟
وهل تمكَّن من التخلُّص من مخاطر القياس وغيره من محرَّمات الاجتهاد الإماميّ أو لا؟
وهل سنصل إلى مرحلةٍ تتمّ فيها إعادة النظر في جريمة التعدّي عن النصّ ومقولة القياس عبر إعادة تفسير القياس المنهيّ عنه من قِبَل أهل البيت، وحصره بنوعٍ خاصّ، مثل: إعمال العقل في معرفة الملاكات الواقعيّة رغم وجود نصٍّ مواجه لنتيجة العقل، كما يُحتمل نسبته إلى بعض المتقدِّمين، بل ذهب إليه بعض المعاصرين، مثل: السيد محمد علي أيازي؟
وهل سيقدر هذا النمط الاجتهاديّ على حماية الاجتهاد من الذوبان، وتجنُّب إضعاف سلطة النصّ لاحقاً أو لا؟ وهل للواقع دَوْر في هذا التحوُّل؟ وكيف؟
وهل ستستجيب المؤسَّسة الدينية الرسميّة لمثل هذه الأفكار أو لا؟ ولماذا؟ وكيف؟
أسئلةٌ كلّها ـ ومثلُها كثيرٌ ـ تنتظر هذا النمط من التفكير الذي أخذنا له عيِّنةً واحدة، وهي عيِّنة العدل.
_______________________
([1]) نشر هذا المقال ـ بوصفه كلمة التحرير ـ في العدد 54، من مجلّة نصوص معاصرة، في بيروت، لبنان، ربيع عام 2019م.
([2]) انظر: المطهَّري، مجموعة آثار 21: 73 ـ 77.
([3]) انظر: المطهَّري، بررسي إجمالي مباني اقتصاد إسلامي: 14 ـ 27، 152 ـ 154، 157؛ إسلام ومقتضيات زمان: 139.
([4]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: الفصول الغرويّة: 284؛ اللاري، التعليقة على المكاسب 2: 395.
([5]) انظر: السيستاني، مباحث الحجج: 23 ـ 31؛ تعارض الأخبار واختلاف الحديث: 472 ـ 483.
([6]) السيستاني، قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 325.
([7]) الصانعي، مقاربات في التجديد الفقهي: 134 ـ 135.
([8]) المصدر السابق: 146 ـ 147.
([9]) المصدر السابق: 148 ـ 149؛ وانظر أيضاً: 500 ـ 501.
([10]) المصدر السابق: 225 ـ 226؛ وانظر أيضاً: 310 ـ 311.
([11]) انظر: چکيده أنديشه ها: 84 ـ 85.
([12]) انظر: مجمع المسائل 2: 357.
([13]) انظر: مقدّمة كتاب التقيّة للأنصاري: 17 ـ 18؛ الجنّاتي، أدوار فقه: 261؛ السبحاني، تذكرة الأعيان: 373؛ الجلالي، فهرس التراث 2: 156؛ المكاسب (المحشّى)، المقدّمة: 118.
([16]) مستدرك الوسائل 11: 318.
([19]) ما أوضحتُه أعلاه هو عصارةٌ أخذتُها من أكثر من موضعٍ من كتب الحكيمي ومقالاته، وأهمّها: جامعه سازي قرآني، قيام جاودانه، كلام جاودانه، منهاي فقر، عاشورا مظلوميّتي مضاعف، كتاب الحياة، وانظر له أيضاً بعض المقالات، مثل: مقال «الاجتهاد بين أحكام الدين وأهداف الدين»، مجلّة قضايا إسلاميّة معاصرة، العددان 9 ـ 10: 105 ـ 114.