أ. د. عبد الأمير كاظم زاهد(*)
بات من المشهور أن أرض العراق والشام ومصر بعد فتحها من المسلمين صارت أرضاً خراجية. ومن تبعات ذلك، على أشهر الأقوال، أن ملكيتها أصبحت للدولة، وأن الحاكم إذا مكَّن أهلها من العمل عليها فبمقابل خراجيّ (وظيفة مالية) تدفع سنوياً للدولة، سمّوه بالخراج، بحيث شكل هذا (الخراج) أهمّ روافد خزينة الدولة، ثم تحول إلى خزينة الحاكم. وموضوعة الخراج تثير مجموعة من الأسئلة، رُبَما هي أسئلة البحث، وأبرزهـا:
1ـ ما هو المسوغ الحقوقي لمصادرة الأرض التي اكتسبت الناسُ ملكيتها بعملٍ أو بعوضٍ، كالشراء من الأفراد أو من الدولة قبل فتح المسلمين لها؟ هل مستندهم من القرآن، أو من السنّة القولية، أو من فعل النبيّ|، أو من الإجماع المعتبر، أو المستند تطبيقٌ لسياسة اعتمدت في زمن عمر بن الخطاب؟
2ـ هل هذه المصادرة خاصّة بمَنْ ترك أرضه وجلا عنها، أو تعمّ مَنْ أقام بها، سواء كان باقياً على عقيدته في مقابل جزية يدفعها للدولة عن رأسه أو أسلم بعد فتح بلاده عنوةً فيطالب بجزية عن أرضه التي يعمل عليها؟
3ـ هل تسالم العلماء على أصل هذا الحكم، ودليله؟
4ـ هل الأرض تدخل في مفهوم الغنيمة في عُرْف الشرع؟
5ـ هل تصنّف الأرض بحَسَب عقيدة الشخص الذي ملكها سابقاً، وجاء الفتح فغيَّر طبيعتها القانونية؟
6ـ إذا كان الخراج ممّا عرفه الناس قبل الفتح فلماذا اختلفوا في أساسه وصيرورته وأحكامه؟ حتّى طلب هارون الرشيد في (180هـ) إيضاحاً له من أبي يوسف، أي بعد النصف الثاني من القرن الهجري الثاني، فأجابه بأن كتب له كتاب الخراج. وقد كتب مؤلِّفون بعده أكثر من عشرين مؤلَّفاً عن الخراج، وتجد ذلك حينما تراجع فهرست ابن النديم. كما تجدهم لم يتّفقوا على أساسه وصيرورته وأحكامه([1]) وآثاره، ورُبَما لم يتعرَّض أحد منهم إلى أن نظام الخراج كان نظام جباية مطبقاً في دولة الأكاسرة الفرس قبل فتح العراق([2])، وعند الروم، ورُبَما في أطراف الجزيرة. ولم يذكر أحدٌ أن مصطلح الخراج من مصطلحات الروم الإدارية، ولفظها (خورجيا)([3])، وقد تحول إلى لفظة عربية في زمن عمر، وصار استعمال اللفظ بالعربية يعني (عطاء يدفعه الناس للسلطان) مقابل شيء، أو بلا مقابل، مثل: (غلة العبد)، أو مثل: الإتاوة، وقيل: هو ما يخرجه قومٌ سنوياً من مالهم لغيرهم؛ بسبب الغلبة للسلطان. أما خراج عمر فهو غلة، أي مقدارٌ من المال يدفعه أهل أرض عامرة أخذت عنوة من حكّامهم، مقابل تمكينهم من العمل في أرضهم العامرة. وابتداءً يحسن أن نمرّ على مقدمتين، هما: تقسيمات الفقهاء للأرض؛ وتقسيماتهم للضرائب المالية.
تقسيمات الفقهاء للأرض
يقسّم الفقهاء الأرض في كتبهم على نحوين:
الأوّل: الأرض العامرة، أي المستثمرة والمحياة، مقابل الأراضي الموات، أي غير الصالحة للاستثمار، أو الصالحة ولا مالك لها ولا مستثمرة، فتكون في جنس العامرة.
أما النحو الثاني فتقسَّم الأرض على حَسَب خضوعها لسلطة الدولة الإسلامية، وهي على ثلاثة أشكال:
1ـ ما أسلم عليها أهلها طوعاً قبل الفتح أو قبل الاستيلاء عليها عنوةً، فهي أرض عشرية.
2ـ ما أخذت منهم عنوة بالسيف وهي عامرة، فهي أرض خراجية.
3ـ ما صالح أهلها عليها فهي بحَسَب وثيقة الصلح.
ولكلّ صنفٍ من الأصناف أحكام خاصّة به. وموضوعنا يتركَّز على الأرض الخراجية.
تقسيم الفقهاء للمردودات المالية للدولة
يقسم الفقهاء المردود المالي الذي يصل إلى الدولة؛ لإنفاقه على المصالح العامة، على الوجه التالي:
1ـ بعض مصارف الزكاة، مثل: (في سبيل الله)؛ إذ المصارف الأخرى محددة الصرف للمستحقين، والذين يجوز للمزكّي أن يعطيها لهم مباشرةً، دون أن يدفعها للدولة، إلاّ إذا طلبها الحاكم، فحينئذٍ تجبى له بالعنوان الثانوي.
2ـ ما يصل إلى الدولة من الخمس (لله وللرسول ولذي القربى)؛ فإنه جزء من الخمس الذي قد لا يغطّي نفقات الدولة، ولا سيَّما مَنْ لم يخضع المعادن للخمس، وهم الجمهور من غير الحنفية والإمامية.
3ـ أموال الفَيْء، وهي كلّ الأراضي التي لا مالك لها، وما انجلى عنها أهلها، وما لم يوجَفْ عليه بخيلٍ ولا ركاب. وهذه كلُّها للدولة، توضع تحت نظر الحاكم، يضعها كيف يرى المصلحة. وهذه قليلةٌ، ولا تكفي لإدارة شأن الدولة، فلجأوا إلى وضع الجزية والخراج في أموال الفَيْء.
4ـ هناك موارد قليلة أخرى مثل: مال ما لا وارث له وما في حكمه.
ونلاحظ هنا أن ما يطلق عليه الفَيءْ بإضافاته المتعدّدة، ومنها: الخراج، هو العمود الفقري للمردود المالي للدولة؛ لتغطية نفقاتها المدنية والحربية. ولعل أبرز جزء من الفَيْء هو الخراج.
الأصل اللغوي للخراج (Land tax)
ورد في المعاجم اللغوية لفظ (خَرَجَ) بمعنى أعطى عطاءً. فالخراج هو العطاء الذي يلزم (قومٌ) دفعه إلى آخر.
قال في أساس البلاغة: يُقال: كم خراج أرضك؟ أي مقدار ما يخرج لك من غلتها. ثم سُمّيّ ما يأخذه السلطان خراجاً باسم الخارج([4]). ويلاحظ هنا دَوْر اللفظ (ثم)، أي إن اللفظ جاء متأخّراً عن الوضع اللغوي.
وقال في التعريفات: هو الوظيفة التي توضع على أرض([5]).
وقال في المحيط: إن (الطسق) لغةً هو الوظيفة من خراج الأرض([6]). في حين قال في الصحاح: إن الطسق لفظٌ فارسي معرّب. وهنا يُلاحَظ عدم ورود الخراج كلفظ متداول، ولكنّه متأخر عن الوضع. وفي جمهرة اللغة قيل: إن الإتاوة خراجٌ، وهو ما كان يؤدّى إلى الملوك وأصحاب النفوذ في الجاهلية، واستشهد بقول الشاعر:
أدّوا الإتاوة لا أباً لأبيكم *** للحارث بن مورق بن شحوم([7])
فهو إذن (عُرْف) عَرَفه الفرس والروم، وعرفه عرب الجاهلية، ولكن بعنوان الإتاوة. ويسمّى الخراج أحياناً بالجزية، وقيل: هي نوعان: جزية الرؤوس؛ وخراج الأرض([8]).
قال ابن قتيبة في غريب الحديث: الفَيْء خراج الأرضين وجزية رؤوس أهل الذمة، بينما كان الفَيْء على عهد رسول الله هو ما أفاءه الله من المشركين ممّا لم يُوجَف عليه بخيلٍ ولا ركابٍ أو بصلحٍ صالحوه([9]). إذن فموضوع الخراج والجزية هو ناتج الغلبة الحربية؛ لأنها أرضٌ أُخذت عنوةً، وأناس حكموا بالقوة والغلبة من خلال الخيل والرجال.
جاء في تهذيب اللغة: إن معناه الغلّة، أي (ما يؤدّى جبراً كلّ سنةٍ)([10]). وهنا أقف على لفظ (الجبر)؛ لإزالة أساس الصلح من طبيعة الفريضة المفروضة بالقوّة.
وفي تاج العروس قال: الخرج: الإتاوة التي تؤخذ من أموال الناس، وهو شَيْء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدرٍ معلوم([11]) . ثم قال: أما الخراج الذي وظّفه سيدنا عمر على السواد فإن معناه الغلّة، ثم صار توظيفاً على ما افتتح صلحاً، والحال أن إجماع الفقهاء قائمٌ على أنه أخذ من الأرض المأخوذة عنوة. ونقل عن الرافعي أن أصل الخراج ما يضربه السيد على عبده ضريبةً يؤدّيها إليه([12]). وهنا تبدو آثار السلطة والغلبة والقهر وآثار مرحلة العبودية المرتبطة بالأرض. ومنه ظهر اختلاف المركز القانوني للفرد في وضعه العامّ من خلال فرض الخراج.
الخراج في الاصطلاح
إنه نسبة المال الذي يؤخذ على الأراضي التي افتتحها المسلمون بالغلبة والسيف، مما أقرّها الإمام بيد أصحابها من غير المسلمين يعملون عليها، بحَسَب ما يتفق عليه مع الحاكم المسلم أو مَنْ يُنيبه، من دون أن يفرق في مَنْ يفرض عليهم الخراج بين مَنْ كان يقاتل أو مَنْ لم يكن. والمشهور أنه اجتهاد عمر، الذي اختار أن لا تقسَّم الأرض بين الفاتحين، بل تبقى بيد أصحابها مقابل (الخراج)، وسوّغ ذلك بأنه استحدث مصدراً ثابتاً ومتجدّداً لمالية الدولة([13])؛ لكي يغطي به نفقات الثغور والفتوحات والأعطيات الادارية وأعطيات الجند وحقوق الأجيال التي تلي جيل الفاتحين. وقد روى البخاري قول عمر: (لولا آخر الناس ما فتحتُ قريةً إلاّ قسّمتها بين أهلها، كما فعل النبي في خيبر)([14])، مشيراً إلى حقوق الأجيال. وكأن الموضوع في ما يُفْهَم من النصّ أنه خلاف الأصل؛ لأن النبيّ بعد (جلاء اليهود وفرارهم من خيبر) جعل نصفها للفاتحين والنصف الآخر بيد مَنْ بقي منهم، مقابل حقٍّ مالي يؤدّونه للدولة، لم يطلق عليه الخراج.
وعندي أن موضوع خيبر مختلفٌ شكلاً وموضوعاً عن خراج العراق. وسيأتي بيان ذلك.
وممّا تقدّم من مضامين المعاجم اللغوية يظهر لنا:
1ـ أن الخراج مضموناً ومصطلحاً ممارسةٌ سابقة على زمن الإسلام؛ فقد كان ملوك الفرس والروم وكبار المتنفّذين في الجاهلية يجبرون الناس على دفعها لهم، مقابل دَوْرهم في حمايتهم. ولعل لفظة الطسق المنقولة من الفارسية إلى العربية، ولفظة خورجيا المنقولة من الرومية، دليلٌ على ذلك. وله مضمونٌ في تقاليد عرب ما قبل الإسلام، بمعنى الإتاوة. ولعله ذا صلةٍ بما كان يجري في العراق قبل الفتح الإسلامي، من أن دهاقين العراق كانوا يؤدّونه إلى الفرس. لذلك ارتبط المفهوم بالوضع التاريخي لما كان سائداً قبل الإسلام من جهةٍ، وارتبط ضمن تأثيرات العقيدة (مع غير المسلم)، كما في قضية الجزية التي رفضها بنو تغلب، فجعلها عمر (عشرين)؛ لما فيها من المنقصة، لذلك جعل الفقهاء الخراج والجزية ممّا يُؤخَذ من غير المسلم؛ لملاحظة الفرق والتمييز بين المسلم وغير المسلم من مواطني دار الإسلام في المركز القانوني. كما اختلط المفهوم في ما يُؤخَذ من أرضٍ افتتحت عنوةً وبين أرضٍ صالح أهلها الفاتحين على (خراج) يدفعونه لهم؛ والفارق أن الأول فرضٌ قانوني مفروضٌ على شريحة من المواطنين؛ بينما الثاني ناتجُ عقدٍ رضائي بينهم وبين الدولة، في حين أن الاول ناتجُ تطبيقٍ لقانون الفاتحين على المفتوحة أراضيهم. وظهر أن للمصطلح لغةً علاقةٌ بما كان يجرى بين السادة واستحقاقاتهم على عبيدهم كأفراد، كأحد معطيات فقه الرقّ. ومن المهمّ الإشارة إلى أننا لم نجد في القرآن الكريم، ولا في متون الحديث النبوي، هذا المضمون، وإنما ظهر المصطلح شكلاً ومضموناً بعد فتح العراق في النصف الثاني من العقد الثاني للهجرة، ولا سيَّما بعد فتح العراق.
نعم، ورد لفظ خرج في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ في الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً﴾ (الكهف: 94). وخَرْجاً هنا يعني مقداراً من المال؛ لقاء فعلك يا ذا القرنين، أي جعلاً نخرجه لك من أموالنا([15])، مقابل ما نريده من تخليصٍ من يأجوج ومأجوج.
وجاء قوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (المؤمنون: 72)([16])، وهنا هو الأجر على النبوة، أي العطاء مقابل الهداية التي حقّقت لهم مصلحة. لكنّ الزمخشري يعرّفه بما عرف متأخّراً. قال: هو ما تخرجه إلى الإمام من زكاة أرضك، وقيل: ما لزمك أداؤه([17]). وهو إسقاط تاريخي على تفسير النصّ. ويُلاحَظ أنه متردّد بين الزكاة وبين ما تلزم السلطة مواطنيها به. وكلا الموضعين لا يشتركان في الجعل مقابل (وظيفةٍ) على المجعول له، ولكنْ يشتركان في أنهما أمران مفروضان بقوّة القانون بلا مقابل، فاختلف مضمونهما، وإنْ توحّد جذرهما اللغوي.
أما في مضمار السلوك النبوي فقد ذكر أصحاب السِّيَر أنه| لما فتح خيبر في السنة السابعة، بعد صلح الحديبية، هرب أهلها، وبقي بعضهم، طالبين العفو من الرسول، وكانت خيبر قد ضمّت قبل القتال فيها بني النضير، الذين تركوا المدينة وسكنوا خيبر، فصارت معقلاً لليهود في بلاد العرب. وكانوا لأموالهم ونفوذهم يتمتّعون بسلطانٍ مستقلّ، إلى جنب كيان المسلمين الجديد، وقد حصَّنوا مواقعهم تحصيناً قوياً. وبهذا الوجود القويّ بشرياً واقتصادياً دخلوا مؤازرين في الحرب مع قريش أثناء معركة الأحزاب، وتحالفوا مع غطفان على حرب النبيّ|، وكان من أمرهم أنهم يهاجمون المدينة بصورةٍ خاطفة([18]) أثناء خروج المسلمين للقتال، فاستَبَقَهم الرسول بجيشٍ لإحباط عدوانهم المخطَّط، بقيادة الإمام عليّ بن أبي طالب×، فسقطت قلاعهم الواحدة تلو الأخرى، حتّى أعلن عددٌ منهم رغبته بالرحيل عنها، فسمح لهم بحمل ما يريدون، ومنح الذي يريد البقاء الحقّ في أن يعمل مقابل (حقٍّ مالي) يدفعه للنبيّ، ومنع النبيُّ المسلمين التزوّج باليهودية، حتّى (بالزواج المؤقّت)؛ خوفاً من إفساد المجتمع آنذاك، كما منع عليّ بن أبي طالب× الجنود أن يدخلوا بساتينهم ويعبثوا بها. فبعد أن رأَوْا انتصار المسلمين في خيبر عقد باقي اليهود صلحاً يدفعون بموجبه الجزية([19])، وبهذا الصلح صارت أراضي بني النضير التي تركوها حبساً لنوائبه أي (مصالح رئاسة الدولة). أما فدك فكانت هبةً منه للزهراء÷، وقيل: لأبناء السبيل عامّة. وأما خيبر فجزّأها ثلاثة أجزاء: اثنين لمصالح المسلمين؛ وجزءاً لنفقة أهله([20]).
وقد قيل: إن خيبر هي أوّل فتح، وأول واقعةٍ حصل المسلمون فيها على المغانم. وقد اختلف الدارسون هل كان فتح خيبر عنوةً أو صلحاً؟ لأن بعض الحصون سلّمها أهلها للمسلمين؛ لحقن دمائهم، فكان ضرباً من الصلح([21]). قال ابن عمر: إن رسول الله قاتل أهل خيبر فغلب على النخل، فخافوا، فصالحوه على أن يجلوا منها، وله الصفراء والبيضاء والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم، فوافق، ثم نكثوا بالاتفاق، فلما نكثوا قرّر أن يجليهم جميعاً، فقالوا: دَعْنا في هذه الأرض نصلحها…، الحديث([22]). فقد وقع الصلح، ثم حصل النقض، فزال أمر الصلح، ثمّ مَنّ عليهم بترك قتلهم، وإبقائهم عمالاً بالأرض التي ليس فيها مالكٌ، فكان إبقاؤهم صلحاً صالحوا عليه رسول الله|. كما يُشار إلى أن الغزوات والمعارك التي خاضها النبيّ| من السنة الثانية بعد الهجرة حتّى خيبر لم تعرف عملية (غنيمة الأرض)، فإذا كان بها غنائم ففي الأموال المنقولة. وقد روى محمد بن حاتم قال: حدَّثنا هيثم، عن جويبر، عن الضحّاك قال: «لما فتح الله على نبيّه خيبر قال له أهل خيبر: يا أبا القاسم، نحن عبيدك، فاستبقنا، وادفع إلينا أرضك نعطكَ ما شئتَ ونأخذ ما شئتَ، فدفعها إليهم على النصف»([23])، وهذا ناتجٌ عن صلحٍ ومعاهدة وتراضٍ، لذلك كان مصير الأرض محلّ تساؤل، فقال ابن عبد البرّ: اختلف العلماء، بناءً على ما حصل في خيبر، هل تقسم الأرض إذا غنمت أو توقف؟ وأورد مجموعة من الأجوبة؛ فقال الكوفيون: الإمام مخيّر؛ وقال الشافعي: تقسم؛ لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفّار؛ وقال مالك: توقف؛ اتباعاً لعمر؛ لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة، فظهر منه أن الأصل في موضوع الغنيمة هي الأموال المنقولة. ولاختلاف الواقعتين فلا سبيل لقياس خراج العراق على خيبر، والقَدَر المقبول أن ما حصل في زمن عمر هو جزءٌ من السياسة التي اعتمدها، فقرّر أخذ الخراج، فكان من سياسات عمر بعد فتح العراق؛ لرفد حركة الفتوحات.
وممّا تقدّم يظهر أن النبيّ| لم يستعمل مصطلح الخراج مع أهل خيبر، وأن ما حصل في خيبر مختلفٌ مضموناً عما سيحصل بالعراق. ففي خيبر طلبوا هم المصالحة معه| ببقائهم في الأرض، بعد أن انجلى عنها أهلها. لذلك اختلف الفقهاء في الموقف من الأرض، بعد أن اتّفقوا في حكم المنقول من الأموال، على أربعة آراء. والمهمّ الإشارة إلى أن آراءهم من دون التفريق بين مَنْ كان يقاتل المسلمين من أهل العراق أو ممَّنْ لم يقاتلهم، ومصادرة أرض مَنْ لم يقاتل المسلمين، تعني إضافة قرار آخر على جزية الرؤوس، وامتلاك أرضهم العامرة المنتجة بلا سببٍ، سوى أنه «من أتباع دولةٍ مغلوبة». والدليل أنه حتّى لو أسلم بعد الفتح فإنّ أرضه ستبقى خراجيةً، بينما تسقط الجزية عنه إذا أسلم.
قصّة سواد العراق
عندما تقدّمت جيوش الفاتحين في العقد الثاني للهجرة، واتّجهت لفتح العراق، وجدوا أرضاً مليئةً بالأشجار والمزروعات، بحيث أطلقوا عليها (سواد العراق). فقد جاء عن هشام بن السائب قال: سمعتُ أبي يقول: إنما سُمّي السواد؛ لأن العرب لما جاؤوا نظروا إلى أرضٍ مثل الليل من النخل والشجر، فسمّوه سواداً([24]). ومثله رُوي عن أبي عبيد قال: إنما سُمّي السواد؛ للخضرة التي في النخيل والشجر، وإن العرب تلحق لون الخضرة بالسواد([25]).
وهنا يُشار إلى آثار اختلاف البيئة؛ فالفقيه الذي من الصحراء الخالية لا يفكر بالغلّة، ولا اقتطاع جزءٍ من الدخل الفردي للشأن العامّ؛ لانتفاء الموضوع عنده، على عكس الفقيه في الأرض المليئة بالزروع والمعادن، والذي يعرف نظم الزراعة والريّ والثمار والخير الوفير الذي لم يعرفه الفاتحون في بلدهم. ولعل هذا الذي أثار فيهم نزعة المشاركة في ناتج الأرض لصالح الدولة.
وجاء عن يحيى بن آدم قوله: «فأما سوادنا هذا فإنا سمعنا أنه كان في أيدي النبط، فظهر عليهم أهل فارس، فكانوا يؤدّون الخراج إليهم، فلما ظهر المسلمون على أهل فارس تركوا مَنْ لم يقاتلهم على حالهم، ووضعوا الجزية عليهم، ووضعوا الخراج على أراضيهم، وقبضوا كلّ أرضٍ ليست في يد أحدٍ صوافي». وفي هذا النصّ يظهر أن تقاليد الخراج كانت سائدةً في العراق، ولم يعرفها الحجازيون قبل فتح العراق. وعليه لايجوز علميّاً إسناد التصرُّف الحكومي إلى سلوك النبيّ في خيبر؛ فلكلٍّ ظروفه التاريخية. وفيه: إن الخراج وضع على مَنْ لم يقاتلهم، وفي ذلك سؤال في غاية الأهمية: ما هو السبب لعقابهم ومصادرة أرضهم ومنعهم من بيعها، ومنع المسلم من شرائها؟
ويذهب يحيى بن آدم أن أموال العسكر غنيمة، وأما القرى والمدائن والأرض فهي فَيْءٌ، والإمام بالخيار؛ إنْ شاء وقفه وتركه للمسلمين؛ وإنْ شاء قسّمه بين مَنْ حضر المعركة([26]). ولا أدري كيف قلب موضوع (المأخوذ عنوةً) إلى فَيْءٍ، والقرآن يصرح بأنه ما لم يُوجَف عليه بخيلٍ ولا رجال؟ بحيث يصرّح يحيى ابن آدم أن الغنيمة ما غلب عليه المسلمون حتّى يأخذونه عنوةً، وأن الفَيْء ما صولحوا عليه الخراج، وما هرب أهله وتركوه ممّا لم يُوجَف عليه المسلمون بخيلٍ ولا ركاب فهو لرسول الله، يضعه حيث يرى. ونقل عن شريك قوله: (إنما أرض الخراج ما كان صلحاً على خراج يؤدّونه للمسلمين)، وهنا لا وجود للصلح، وأرض العراق أخذت عنوةً، ولا تدخل في الفَيْء، وليست الأرض ممّا هرب أهلها عنها. وفي صدد إقرار عليٍّ× لموضوع الخراج قال يحيى بن آدم: عن حسن، ولا أدري أيّ حسن يقصد: «ولا نعلم أن عليّاً× خالف عمر، ولا غيّر شيئاً ممّا صنع حين قدم الكوفة». والنصّ يوحي (بأمرٍ) ينطوي عن سؤالٍ عن موقف عليٍّ× من سياسات عمر، ولا سيَّما في ضرب الخراج، والأساس الذي قام عليه.
ونقل عن أبي عبيد أن الخراج على الأراضي التي من ذوات الحبّ والزرع، أي الأراضي المنتجة، وليس على المساكن والدُّور. لذلك قال بعض الفقهاء بعدم جواز بيع أرض الخراج؛ لأنها تنقص ما يسدّ للدولة حاجتها. وقال الحسن بن صالح بن حي ومالك بكراهة شراء أرض العنوة([27]). والمراد بالكراهة أحياناً المنع والتحريم. واتّفق كثيرٌ من الفقهاء على أن الأرض التي افتتحت عنوةً فرقبة أراضيهم للمسلمين، حتّى لو أسلموا([28]). ويبقى الخراج وظيفةً دائمة عليها؛ لأنها حقّ الأرض المملوكة رقبتُها للدولة. ونقل عن مالك أن المفتوحة صلحاً لأهلها؛ لأنهم منعوا بلادهم حتّى صولحوا عليها. وهنا يبرز مفهوم ومنطق القوّة، الذي يؤسّس حقوقاً مكتسبة. وكلّ بلاد أخذت عنوةً فهي فَيْءٌ([29])، والحال أن مصطلح الفَيْء لما لم يدخل بالحرب، بينما نقل عن أبن أبي ليلى أنه لم يكن يرى بأساً بشرائها. وكذا ما نقل عن حفص بن غياث([30]). ولهم في ذلك مسوّغهم، وهو رأيٌ لعبد الله بن مسعود، وابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، وسفيان الثوري، وغيرهم من التابعين. وهذا يكشف عن مقدار الاضطراب في تحديد المركز القانوني للأرض، هل هي ملك للدولة أو لأصحابها؟ وحدّد الفقهاء سواد العراق من عبادان جنوباً إلى الموصل شمالاً، ومن القادسية غرباً إلى حلوان شرقاً، وكان يقدّر بـ (32) مليون جريب، والجريب الواحد يساوي (50 سم × 50 سم) .
وقد اختلفت الأقوال في الأساس الذي يحدّد مركزها القانوني بين واقعة خيبر وسلوك النبيّ فيها وبين العمل بإحدى الآيتين (الحشر والانفال) وبين مَنْ يرى أن عمر بن الخطّاب
أـ قسّمها أوّلاً، ثم عدل إلى ضرب الخراج عليها.
ب ـ قسّمها، ثمّ اشتراها منهم، وأوقفهاعلى عموم المسلمين.
ج ـ ضرب عليها الخراج ابتداءً([31]).
وظنّي أنهم؛ للتوسُّع الحاصل في مسار دولة الخلافة وامتداد جيوشها، احتاجوا للأموال، فلما فتح العراق (الأرض الخصبة والثراء الواضح) ألّح كبار الصحابة على تقسيم أرض العراق بينهم؛ لاعتبارهم أن الأرض تغنم كالأموال المنقولة، لكن رأي عمر في أوّل الأمر كان الموافقة على التقسيم، ويُقال: إن عليّاً× كان لا يرى صحة تقسيم الأرض. ولو كان الأمر مستنداً إلى فعل النبيّ بخيبر لظهر أنهم جميعاً خالفوا فعله|. كما يُقال: إن عليّاً× قد حذَّر عمر من التقسيم. وإذا وافقنا على رواية أنه× لم يوافق على تقسيم الأرض، إلاّ انه لم يثبت عندي أنه أشار على عمر وقف الأرض. وقيل: إن الذي أشار عليه بوقف الأرض معاذ؛ لأنها ستتحوّل إلى إقطاعيات، ولم يكن ذلك أمراً يَسَع أوّل المسلمين وآخرهم. وبعد اتخاذ القرار بحثوا عن مستندٍ؛ فاستند الفريق المانع من التقسيم إلى آية الفَيْء: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الحشر: 6)([32]). وعندي أن دلالة النصّ القرآني لا تسعفهم؛ لأن أرض العراق مأخوذة عنوةً، ولا يمكن اعتبارها فَيْئاً؛ لتمشية الأمر؛ لان توصيف الفَيْء مما لم يُوجَف عليه بخيلٍ أو ركاب.
ثم قال تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ (الحشر: 10). ثمّ شمل النصّ الأجيال الأخرى بقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ…﴾([33])، فانتهوا من ذلك إلى أن هذا فَيْءٌ، وهو لكلّ مسلمٍ إلى يوم القيامة؛ لتسويغ وقف الأرض أو تحويل ملكيتها من أصحابها إلى الدولة على ما بين الموضوعين من تباين.
ثم جاء في محاورةٍ لعمر مع عبد الرحمن بن عوف قال له فيها: ما الأرض والعلوج إلاّ ما أفاء الله عليهم، ثم قال له: «فإذا قسمت أرض العراق… فما يسدّ به الثغور وما يكون للذرّية والأرامل»([34]). ثم جمع عمر كبار الأوس والخزرج، فأخبرهم بخلافه مع الصحابة الذين يطالبون بتقسيم الأرض([35]). ومن اللافت أن هذا الفقه السلطاني الرَّيْعي انتقل إلى مدوّنات الفقه الشيعي؛ فقد قال الطوسي في الخلاف: (أما ما لا ينقل من الدُّور والعقارات والأرضين عندنا أن فيه الخمس، فيكون لأهله، والباقي لجميع المسلمين مَنْ حضر القتال ومَنْ لم يحضر، فيصرف في مصالحهم. وعند الشافعي تقسم كالمنقول، وخمسه لأهل الخمس، والباقي للمقاتلين([36]). ثم قال: وذهب قومٌ إلى أن الإمام مخيَّر بين قسمته ووقفه على المسلمين، (وهو مذهب عمر) ومعاذ وسفيان وابن المبارك([37]). وقال أبو حنيفة: الإمام مخيَّر بين ثلاث: أن يقسمه بين الغانمين؛ أو يوقفه على المسلمين؛ أو يقرّ أهله عليه، ويضرب عليهم الخراج؛ فإنْ شاء أقرّ أهلها الذين كانوا فيها؛ وإنْ شاء أخرج أولئك وأتى بقومٍ آخرين([38]). وذهب مالك إلى أنها بنفس الاستغنام تصير وقفاً على المسلمين.
قال الطوسي: دليلنا إجماع الفرقة وإخبارهم).
قال عمر لهؤلاء: «ورأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، واضعاً عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية، يؤدّونها فتكون فَيْئاً للمسلمين، المقاتلة والذرّية ولمَنْ يأتي بعدهم»([39]).
وبذلك وضع عمر سنّةً لم يعرفها المسلمون سابقاً في كلّ أرض يظهر عليها المسلمون. وهنا ميَّز عمر بين الغنائم المنقولة وبين الأراضي. وقد أرسل عمر على رجالٍ من سواد العراق، وسألهم: كم كنتم تؤدّون إلى الأعاجم في أرضهم؟ قالوا: سبعة وعشرين درهماً، فقال لهم عمر: لا أرضى بهذا منكم، فجعل الخراج على المساحة. وأرسل عثمان بن حنيف وحذيفة فمسحا الأرض، فكانت (36) مليون جريب، ووضع على جريب العنب عشرة دراهم، وجريب النخل ثمانية دراهم، وهكذا وضع مبلغاً على كلّ نوعٍ من الزروع.
وقال عمر: أما والله لئن بقيتُ لأرامل أهل العراق لأدعنّهم لا يفترقون إلى أمير بعدي.
وقد أوضح ابن رشد في تأصيل موضوع خراج العراق من خلال ما سمّاه تعارض الآثار فقال: قال مالك: ما فتحه المسلمون عنوةً لا تقسم الأرض فيه، وتكون وقفاً يصرف خراجها في مصالح المسلمين. وهنا نتساءل: ما الأساس الذي استند إليه مالك في اعتبارها وقفاً؟ وما المراد بالوقف؟ ومَنْ هو الواقف؟ وما المقصود بمصالح المسلمين، هل هي أرزاق المقاتلة، أو بناء القناطير أو المساجد أو ما يراه الإمام مصلحة؟
أما إذا رأى الإمام مصلحةً في تقسيم الأرض فله أن يقسّمها عند مالك؛ أما الشافعي فقال: إنها تقسم كالغنائم؛ وأما أبو حنيفة فقد تقدَّم قوله: إنّ الإمام بالخيار([40]).
يقول ابن رشد: وسبب اختلافهم ما يظنّ من التعارض بين آية الأنفال، وهي قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الأنفال: 41) والآيات في سورة الحشر، وهي قوله تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَللهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (الحشر: 7 ـ 10). وألفت الأنظار هنا إلى تعبير ابن رشد: (ما يظنّ)، أي إنه لا يرى التعارض حقيقة قائمة. قال ابن رشد: فمَنْ رأى أن الآيتين متواردتان على معنىً واحد، وأن آية الحشر مخصِّصة لآية الأنفال «بإخراج الأرض من الغنيمة»، استثنى الأرض؛ ومَنْ رأى أن الآيتين ليستا متواردتين على معنىً واحد، وإنما رأى أن الأنفال في الغنيمة، والحشر في الفَيْء، قال: تخمّس. فعموم الكتاب وفعل النبيّ (الذي هو بيان للمجمل) لا يدلاّن على أن الأرض تقسّم. وأما حجّة أبي حنيفة في تخيير الإمام فهي مستندةٌ إلى فعل النبيّ في خيبر، من أنه| حبس وقسّم.
ثم قال: وينبغي أن تعلم أن قول مَنْ قال: إن آية الفَيْء وآية الغنيمة محمولتان على الخيار، وإن آية الفَيْء ناسخةٌ لآية الغنيمة أو مخصّصة لها، قولٌ ضعيفٌ جداً، إلاّ أن يكون اسم الفَيْء والغنيمة يدلاّن على معنىً واحد. فإن كان ذلك فالآيتان متعارضتان؛ لأن آية الأنفال توجب التخميس، وآية الحشر توجب القسمة، دون التخميس، فوجب أن تكون أحداهما ناسخةً للأخرى، أو يكون الإمام مخيراً، وذلك في جميع الأموال المغنومة([41]). وهنا نلحظ فقدان المستند النصّي لموضوع مصادرة الأرض وفرض الخراج على الصورة التي حصل فيها. ونقل ابن رشد عمَّنْ سمّاهم بعض أهل العلم قال: (وذكر بعض أهل العلم أن ما تقدّم هو مذهب لبعض الناس). وعنده يجب على مذهب مَنْ يريد أن يستنبط من الجمع بينهما ترك قسمة الأرض، وتقسيم ما عدا الأرض؛ حتّى تكون كل واحدة من الآيتين مخصّصة لبعض ما في الأخرى، وناسخة له، وحتّى تكون آية الأنفال قد خصّصت عموم آية الحشر، ما عدا الأرضين، فأوجبت فيها الخمس، وآية الحشر خصّصت آية الأنفال فلم توجب فيها خمساً.
قال: وهذه الدعوى لا تصحّ إلاّ بدليلٍ، مع أن الظاهر من آية الحشر أنها تضمّنت القول في نوعٍ من الأموال مخالف لما تضمّنته آية الأنفال؛ وذلك أن قوله تعالى: ﴿فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ﴾ تنبيهٌ على العلة التي من أجلها لم يوجب فيها حقّ الجيش خاصّة، دون الناس. والقسمة بخلاف ذلك إذا كانت تؤخذ بالإيجاف.
ويوضّح ابن رشد أن الفَيْء هو ما صار للمسلمين بلا قتال، وهو للمصالح العامة، ولا يخمَّس إلاّ عند الشافعي، الذي قال فيه: إن فيه الخمس. ولم يقُلْ به أحدٌ قبل الشافعي. والحقّ أن أموال بني النضير كانت (فَيْئاً)؛ لأنه بعد غزوة خيبر سنة 7هـ، التي انتصر بها، سمع أهل فَدَك، فسألوا الرسول أن يحقن دمهم مقابل أن يَدَعُوا له الأموال، فلما عرف أهل خيبر بذلك سألوه أن يعاملهم معاملة فدك، أو على النصف، وطلبوا أن يبقوا في أرضهم، وقالوا: (نحن أعلم بها منكم، وأعمر لها، فصالحهم رسول الله على النصف، بشرط إذا شاء أن يخرجهم منها أخرجهم)([42]). وهذا مختلفٌ عن قضية الخراج. لذلك قال الطبري: فكانت خيبر فَيْئاً للمسلمين، وكانت فدك خالصةً لرسول الله؛ لأنها لم تكن من نواتج الحرب([43]). وثبت أنه قسّم أرض بني النضير وبني قريظة ونصّف خيبر للغانمين، وجعل النصف الآخر لمَنْ نزل من الوفود والأمور الطارئة والنوائب، ولم يقسّم مكّة، رغم أنه| أخذها عنوةً، والتمسوا لأنفسهم العذر، فقالوا: لأنها دار النُّسُك، فهي موقوفةٌ من الله لعموم عباده، وإن الله جعلها سواءً للعاكف([44]). لذلك قال جمعٌ من الناس: إن الإمام مخيَّر بين قسمتها ووقفها.
وقال آخرون: والأرض لا تدخل في الغنائم، إنما هي (في الحيوان والمنقول)؛ لأن الله لم يحلّها للأمم السابقة، لكنّهم ردّوا ذلك فقالوا: (وأحلّها لهذه الأمة). والأمر مفروغٌ منه في الأموال المنقولة، لكن الفقهاء جعلوها في الأراضي، قالوا: أي أحلّ لهم ديار الكفر وأرضهم؛ لقوله تعالى﴿أَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾. والنبي قسَّم وترك، وعمر لم يقسِّم الأرض، بل ضرب عليها خراجاً مستمرّاً للمقاتلة. فإطلاق مصطلح الوقف لا يُراد به ذلك الذي يمنع من نقل ملكها فقط، وأنها لا تورث عنهم، إنما يُراد به نزع الملكية. ولا أدري كيف نصّ أحمد على جواز جعلها صداقاً؟! وعليه فالمراد بالوقف هو وضع الاستحقاقات كما قيل عليها للأجيال ولحقوق المقاتلة([45]). لذلك فهو لا يُورَث ولا يُباع. فمَنْ أشترى أرضاً خراجية تحمّل هو خراجها؛ لأن البيع لا يبطل حقوق الأجيال على حَسَب دعواهم.
قال ابن القيِّم في زاد المعاد: (إن الأرض في الأصل لا تدخل في الغنائم، ولكن الإمام مخيَّر فيها بحَسَب المصلحة)؛ لأن رسول الله قسَّم خيبر (36) سهماً، في كلّ سهمٍ مائة سهم، فكان لرسول الله النصف؛ أما النصف الآخر فجعله للوفود والنوائب (كما ورد في أبي داوود). وقال: إن مكّة فتحت عنوة، ولم يقسِّمها ولم يوقفها. وهناك رأيٌ آخر يقول: إن خيبر فتحت عنوة، وكان الموقف النبوي منها إجلاءهم عنها، فعند ذاك لجأوا إلى الصلح، لكنهم طلبوا البقاء للعمل في الأرض، حتّى قالوا: دعونا نعمرها لكم بشرط ما يخرج منها. فلما أجلاهم عمر لم يجعل الأرض للمسلمين وعليها الخراج. فالنبيّ| قسَّم أراضي بني قريظة وبني النضير، ولم يقسّم مكة، وقسّم شطر خيبر وترك شطرها الآخر([46])، فكان ذلك صلاحية للحاكم يقرِّر في الأرض ما هو مصلحة وقتية للمسلمين. وأورد ابن القيِّم فصلاً بعنوان: (هل يضرب الخراج على مزارع مكّة كسائر أرض العنوة؟)، فقال: في المسألة قولان:
أـ لا يضرب خراج على مزارعها وإنْ فتحت عنوة؛ لأن الخراج جزية الأرض، وحَرَمُ الربّ أجلّ من أن تضرب عليه جزيةٌ. وهنا يلاحظ التضارب في تحديد الموقف.
ب ـ قال بعضُ أصحاب أحمد: على مزارعها الخراج، كما على غيرها.
وردّ ابن القيِّم فقال: أنه قولٌ فاسد، مخالفٌ لنصّ أحمد، ومخالفٌ لفعل النبيّ والراشدين.
ويعتقد دارسون أن إطلاق الخراج بوصفة ضريبة الأرض حصل في خلافة عمر، ولم تكن له سابقة واضحة في عهد رسول الله|. فقد تقرَّر أن الأراضي في الجزيرة لا تدفع إلاّ العشر، وبعد الفتوحات فرض الخراج على ما فتحوه عنوةً، فدخلت الأرض في المراد بالغنيمة التي يجب أن تقسّم بين الفاتحين، طبقاً للآية: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ…﴾. فقد كان أبو عبيدة الجرّاح قد كتب بعد فتح الشام إلى عمر ينبِّئه أن المسلمين سألوه أن يقسِّم المدن وأهلها والأرض وما فيها من شجرٍ وزرع، وأنه أبى عليهم حتّى يكتب للخليفة، وكذلك طلب الجند الذين فتحوا العراق ذلك. وكان رأي عمر أنه إذا قسّمت أرض العراق وأرض الشام فبِمَ تسدّ نفقات الثغور؟ واستشار عمر المهاجرين، فاختلفوا، ثم أرسل إلى عشرةٍ من الأنصار، وشرح لهم الموقف وبيَّن لهم فائدة ترك الأرض لأصحابها، مقابل وضع الخراج على أرضهم والجِزْية على رؤوسهم، فتكون فَيْئاً للمسلمين، فلم يوافق جميعهم على رأيه، وقيل: ثم وافقوا. لكنّه طبّق ذلك بعدُ، بأن مسح الأرض وجعل الخراج عامّاً على كلّ مَنْ تمكّن من أرضٍ أخذت عنوة، حتّى أذا أسلم الرجل يبقى خراج أرضه وتسقط عنه الجزية. وانتهى عمر إلى تقدير الخراج بحَسَب (حالات الأرض والسقي). وظلّ حكّام بني أمية سنوياً يعيدون التقدير، حتّى استلبت الدولة جهد الناس.
وذهب بلال وعمرو بن العاص والزبير إلى رأي قسمة الأرض؛ وذهب عثمان ومعاذ وطلحة وعبد الله بن عمر وأبو عبيدة بأن لا تقسّم؛ وأجمع الأنصار على أن لا تقسّم([47]). وانتهى عمر إلى أن لا تقسّم، وتبقى لجميع المسلمين، مستدلاًّ بـ ﴿مَا أَفَاءَ اللهُ﴾. وبهذا تقرّر بقاء الأرض بيد أصحابها، ولكنْ بعد فرض الخراج. وإذا تركنا كلّ ما تقدّم من آراء في المستند الشرعي للخراج فإننا نجد أن رأي الحنفية بأن هناك أراضي (جلا عنها أهلها)، وهي تسقى من ماء الخراج، فإنها تصبح خراجية، إلاّ إذا حفروا لها الأنهار، ومن جهة جواز بيع الأرض الخراجية فإنه كان بين المنع والجواز على كراهة حتّى زمن عمر بن عبد العزيز (99 ـ 101هـ)، الذي لم يتعرّض للأراضي التي اشتراها المسلمون من أرض الخراج قبل خلافته، أو ما أقطعه أسلافه ممّا تحوّل من خراجيٍّ إلى عشري، بَيْدَ أنه أصدر أمراً يُنفَّذ من تاريخ إصداره ببطلان بيع الأرض الخراجية؛ لأنها أرض المسلمين، وليس للذمّيين بيعها. لكنْ بعد فترةٍ؛ ولاضطراب الأوضاع، عاد الناس إلى الشراء. وفي زمن المنصور (رفع له أن شراء المسلمين للأراضي الخراجية قدأضعف الخراج، فأمر أن لا يتعرَّضوا لما تمّ شراؤه قبل (100هـ)، وأن يفرض الخراج على ما تمّ شراؤه بعد ذلك، وبذلك بقي الخراج مطبقاً حتّى نهاية العهد العثماني، وكان يقيَّم إما على أساس المساحة، أو المقاسمة، أو المقاطعة. وخراج الأرض من غلّتها. وكانت مساحة الأرض الخراجية تعادل مساحة أوروبا. وقد بلغ الخراج أيام الرشيد (120) مليون درهم. وكانوا لتكثير الخراج الذي يملكه الحاكم يعتَنُون بالسدود والجسور والتُّرَع والريّ والطرق، فقد كان الخراج في زمن المهديّ العبّاسي نصف الحاصل، وزاد الرشيد عليه عشراً، فصار ستة أعشار للحاكم، وأربعة أعشار للعامل.
وظهر من خلال التجربة التاريخية للمسلمين أن الخراج أصبح مالاً خالصاً للحاكم، يتصرّف به لشؤونه الخاصّة، ولإسرافه وترفه وأعطياته، وبه يشتري الذمم. ولم يتدخل الفقهاء لكي يصحِّحوا ذلك، أو يمنعوا الحاكم من ذلك، ويحدِّدوا له مصارف الخراج في ما هو مصلحة عامّة للمسلمين. فقد تحوّل إلى (ملكية الحكام)، بَدَل ملكية المجتمع، علماً أن وظيفة الفقه وضع نظام للحقوق، بينما نجد في فقه الخراج مجموعة مفاهيم مجتزأة يكتنفها الغموض والاضطراب؛ ولعل سبب ذلك تأثُّر الفقه بالتجربة التاريخية للسلطة، وهيمنة الإرادة السلطانية. وقد توارثت الأجيال هذا الفقه، فصار في فهمهم يحكي عن الدين.
وقد قال بعض الفقهاء: إن مصارف الخراج أعطيات الخليفة، وأعطيات الولاة ومَنْ يعاونهم، وأعطيات الجند، ونفقات الحرب، وتجهيز الجيوش. لكنّ المطبَّق في تجربتنا التاريخية لا تحكي هذا التحديد.
أحكام الخراج في الفقه الحنفي
1ـ قال الحنفية: إذا فتح الإمام بلدةً عنوة فإنْ شاء قسَّمها بين الغانمين؛ وإنْ شاء أقرّ أهلها عليها، ووضع عليهم الجزية، وعلى أرضهم الخراج([48]). وما تعدُّد الخيارات إلاّ لتعدُّد التطبيقات التاريخية.
2ـ لا يجتمع عُشْرٌ وخراج في أرضٍ واحدة([49]). بينما قال الشافعي: يجتمعان. وبه قال الإمامية.
3ـ وقال ابن أبي ليلى: يجب أداء العُشْر في الأرض الخراجية من الخارج منها، مع خراجها([50])؛ لأن العشر والخراج حقّان، اختلفا محلاًّ ومستحقّاً وسبباً، فوجوب أحدهما لا ينفي وجوب الآخر. وتوجيه قول ابن مسعود: (لا يجتمع العشر والخراج في أرض رجلٍ مسلم)؛ لأنه ممّا يأخذه الولاة.
4ـ العشر يتكرّر بتكرار الخارج، والخراج لايتكرّر([51]) به.
5ـ إذا أصاب أرض الخراج آفة فلا خراج؛ لأن الدولة شريكة له، والشريكان يتحملان الخسارة. لكنه إذا عطّلها فعليه الخسارة بقدر الخراج لو كانت مستغلةً؛ لأن القرار قد جعل الرقبة ملك الدولة.
6ـ الخراج مقاسمة يتعلّق بالخارج، ولا يزاد على ما وضعه عمر. وما لم يضع عليه خراجاً يجوز وضع ما لا يزيد على نصف الخارج. في حين وضعت عليه زيادات كثيرة.
7ـ إذا اشترى المسلم أرض خراج فلا يسقط عنه الخراج؛ لأنه حقّ رقبة الأرض.
8ـ إذا أسلم الذمّي وعنده أرض خراج فلا يسقط الخراج عنه([52])، إلاّ عند أبي يوسف، فقد قال: إذا اشتراها المسلم أو أسلم فإنها تعود عشرية؛ لفقد الداعي([53]).
9ـ أما الذمي إذا اشترى من مسلمٍ أرض عشر فهناك أقوال:
أـ تصير خراجية عند أبي حنيفة؛ لأنه ذمّي، ولا يكون من أهل العشر.
ب ـ عليها عشران عند أبي يوسف؛ قياساً على ما صنع عمر في بني تغلب.
ج ـ عليها عشر واحد عند محمد؛ لثبات الوظيفة للأرض.
قال السمرقندي: والصحيح ما قاله أبو حنيفة؛ لأن العشر والخراج شرعاً لمؤونة الأرض، فمَنْ كان أهلاً لمؤونة العشر يوضع عليه العشر، والذمي ليس من أهل العشر فيجب أن تنقلب عشرية([54]).
والأصل أن مؤونة الأرض لا تغيّر من حالها إلاّ الضرورة، وفي حقّ الذمّي لا ضرورة؛ لأنه ليس من أهل وجوب العشر.
وذهب مالك إلى أنها تصير عشرين؛ لأن في الخراج معنى الصغار، ولا يبقى الخراج على الذمي عند مالك بعد إسلامه. وردّ الحنفية بأن ابن مسعود كانت له أرضٌ خراجية يؤدّي عنها الخراج، وقالوا: ألا ترى أن العبد لا يحرّر إذا أسلم، ويُلاحَظ الأصل في قياس الفرع والعلّة المشتركة.
10ـ إذا كان الرجل مَديناً للدولة بالخراج فالدين يُسقِط الزكاة([55]).
11ـ لو اشترى أرض خراجٍ (للتجارة) ليس عليه زكاة التجارة، وإنما عليه حق الأرض؛ لئلا يؤدّي إلى تكرار الزكاة؛ لأن (الخراج زكاة أيضاً)([56]). ويُلاحَظ هنا الاضطراب.
12ـ في مختارات النوازل: السلطان الجائر إذا أخذ الخراج يجوز([57])؛ لأنه المالك، وليس المتعاقد.
13ـ إن الأصل في سبب الجباية حماية الإمام للممتلكات.
14ـ الخراج نوعان: خراج مقاسمة (نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه)؛ وخراج وظيفة (مبلغ محدّد على كلّ جريب) .
15ـ إذا صارت الأرض الخراجية لبيت المال سقط الخراج؛ لعدم مَنْ يجب عليه.
16ـ الخراج بَدَل الأرض، وليس بَدَل الخارج منها. لذا يجب في أرض الصغير والمجنون والمكاتب.
17ـ عند الحنفية (إذا سقيت الأرض بماء العشر فهي عشرية، أما إذا سُقيت بماء الخراج فهي خراجية. ولو سقاها مرّةً بماء العشر ومرّةً بماء الخراج فالمسلم أحقّ بالعشر والذمّي بالخراج. وماء الخراج ماء الأنهار التي حفرتها العجم، والأنهار الكبرى القديمة. وماء العشر هو ما احتفره المسلمون من الأنهار).
18ـ عند الحنفية تقسَّم الأرض ثلاثياً: (عشرية؛ وخراجية؛ وتضعيفية). والخراجية عندهم ما كان يُسقى بماء الخراج، وهو ما كان للكفرة يدٌ عليه ثم حَوَيْناه قهراً. وما سواه عشريّ. وهناك ما يضاعف فيها العشر فتسمّى تضعيفية. أما ما يُسقى بالآبار والعيون فهي خراجية؛ لأنها غنيمة([58]). وإذا فتح الإمام بلدة صلحاً يعتبر في صلحه الماء، فإذا كان خراجياً صالحهم على الخراج، وإلاّ فعلى العشر([59]).
19ـ لا يجب الخراج إلاّ بالتمكُّن من الزراعة (القبض)، ولا يهلك الخراج بهلاك الخارج؛ لوجوبه في الذمّة.
20ـ في العشر معنى العبادة، فلا يؤخذ من ذمّي اشترى أرضاً عشرية. وفي الخراج معنى العقوبة، فلا يؤخذ من مسلمٍ؛ لأنه لا يجوز أن يعاقَب؛ لإسلامه، لكنه يبقى عليه إذا أسلم.
21ـ لو اشترى أرض خراجٍ، فجعلها داراً، كان عليه خراجها، كما لو عطّلها وهي منتجة.
22ـ مَنْ مَنَع الخراج سنين هل يسقط بالتداخل؟ قولان. استدل للأوّل، (بأنه عقوبة)، بخلاف العشر.
23ـ يجوز للسلطان ترك الخراج أو هبته، ولو بشفاعةٍ، فهو من أحكام الوقت. فإذا كان المتروك له فقيراً فلا ضمان على السلطان؛ وإنْ كان غنياً فالسلطان ضامنٌ للعشر للفقراء إذا احتاجوا إليه من مال الخراج.
24ـ مصرفه لمصالح المسلمين. وواقع التجربة جعله لمصالح السلطان.
25ـ يتحول المستأمن الحربي إلى ذمّي إذا اشترى أرض خراج([60]).
26ـ الخراج لا يوظّف على المسلم ابتداءً، لكنْ يصحّ استمراراً. وهنا يَرِدُ على مَنْ يوظف على المسلم خراجاً ابتداءً إذا سقى أرضه بماء الخراج.
قال في الحاشية: في هذه الحالة على المسلم العشر. وعقّب السرخسي قال: وهو الأظهر. وأجاب في البحر الرائق بأنه إذا كان السقي باختياره فعليه الخراج، كما لو أحيا مواتاً وسقاها بماء الخراج فهي خراجية. وقيل: بالتفريق بين العشرية والخراجية في الأرض المحياة للمسلم؛ لأنها ممّا لم تقسّم ولم يقرّ عليها أهلها([61]).
27ـ أجاز الحنفية بيعها محملة بالخراج للسلطان؛ لأنه لمّا أقرّهم السلطان عليها فكأنّها مملوكة لهم.
28ـ لو أوقف أرضاً خراجية فالخراج عليها باقٍ.
29ـ إذا امتلكتها الدولة فليست عشرية ولا خراجية، ولا سيَّما إذا مات ملاّكها. فإذا عادت لبيت المال، واشتراها إنسانٌ من الإمام بشرطه، شراء صحيحاً، ملكها، ولا خراج عليها؛ لأن الإمام قد أخذ البَدَل للمسلمين. ولا يلزم من سقوط الخراج سقوط العشر؛ لأنه متعلق بالخارج.
30ـ الأرض المحياة يُراعى فيها القرب؛ إذا كانت قريبةً لأرض الخراج فهي خراجية؛ وإلاّ فهي عشرية؛ وإذا كانت بينهما فهي عشرية؛ مراعاة لجانب المسلم. وعند أبي يوسف ومحمد أنها بحَسَب ما تُسقى به.
31ـ إذا كان الخراج مقاسمةً ليس للإمام أن يحوّله إلى خراج الوظيفة، وبالعكس؛ لأنه نقضٌ للعهد.
32ـ إذا أصاب أرض الخراج آفة لا شيء عليها؛ فإنْ أخرجت فقط مقدار الخراج فعليه نصفه، وإذا كانت تطيق أكثر فقد روى عن محمد أنه يُزاد بقَدَر ما تطيق.
33ـ إذا صرف الإمام على الفقراء أصحاب الصدقات من بيت مال الخراج لا يكون عليه دين، ولا يكون ديناً على بيت مال الزكاة؛ لأن الخراج يصرف إلى حاجة المسلمين. أما لو احتاج الإمام للمقاتلة، ولا مال في بيت مال الخراج، وصرف لذلك من بيت مال الصدقة، كان دَيْناً على بيت مال الخراج([62]).
34ـ لو أعار المسلم أرضه الخراجية، أيّاً كان المستعير، فالخراج عليه، بَيْدَ أن العشر على المستعير.
35ـ الزكاة أخذ المال من المسلم بطريق العبادة، دون المؤونة. أما الخراج فهو أخذ المال بطريق مؤونة الأرض. وبهذا يؤخَذ من المسلم، ويؤخَذ من الكافر، بما هو أبعد من العبادة، وأقرب إلى معنى الصغار([63]).
الخراج في فقه الشافعية
يرى فقهاء الشافعية آراءً تختلف في بعضها عن آراء الحنفية في الخراج.
ومن آراء الشافعية:
1ـ إن كلّ أرضٍ أحياها المسلمون عشرية، وأخذُ الخراج منها ظلمٌ([64])، سواء سقيت من أنهار خراجية أو كانت قريبة من الأراضي الخراجية.
2ـ الخراج المأخوذ ظلماً إنْ أخذه السلطان، بَدَلاً عن العشر، فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد. وفي سقوط العشر وجهان: أحدهما: السقوط؛ فإنْ لم يبلغ قدر العشر أتمّه؛ والقول الآخر: يستبعد ذلك. ونصّ الشافعي على سقوطه، على الرغم من أنهما يجتمعان عند الشافعية.
3ـ الخراج عندهم هو ضربٌ على الأرض؛ لأنهم صالحونا على أنها لنا، ويسكنونها بشيءٍ معلوم، فهو أجره، لا يسقط بإسلامهم([65])، أو فتحها قهراً، فأوقفها على المسلمين، وضرب عليها خراجاً([66]).
4ـ عند النووي أنه ما يُؤخَذ من الأرض أو من الكفّار بسبب الأمان.
فقه الخراج في تراث آل البيت^
لم يَسَع الزمان لكي يسلم زمامه لآل البيت^ إلاّ لفترةٍ وجيزة، حكم فيها عليّ× أمَةً تقبَّلت سنناً وقوانين قبله، وصار من الصعب تغيير ذلك. وقد كان× يحذِّر من أن يحدث الحاكم سنّةً تضرّ، فيكون الأجر لمَنْ مشى عليها، والوزر على الحاكم.
وقد ورد في عهد الإمام عليّ× لمالك الأشتر، واليه على مصر، ما له علاقة بموضوع الخراج. قال له فيه: (فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمَنْ سواهم، ولا صلاح لمَنْ سواهم إلاّ بهم؛ لأن الناس كلهم عيالٌ على الخراج وأهله، فليكُنْ نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ فإن الجلب لا يدرك إلاّ بالعمارة)([67]).
ثم يقول: «ومَنْ طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم له أمره إلاّ قليلاً. فاجْمَعْ إليك أهل الخراج من كلّ بلدانك، ومُرْهُم فليعلموك حال بلادهم، وما فيه صلاحهم، ورخاء جبايتهم، ثم سَلْ عمّا يرفع إليك أهل العلم به من غيرهم؛ فإنْ كانوا شكوا ثقلاً أو علّة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بهم العطش أو آفة خفّفْتَ عليهم ما ترجو أن يصلح الله به أمرهم؛ وإنْ سألوا معونةً على إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكْفِهِم مؤونته؛ فإنّ في عاقبة كفايتك إيّاهم صلاحاً. فلا يثقلنّ عليك شيءٌ خفّفت به عنهم المؤونات؛ فإنه ذخر يعودون به عليك؛ لعمارة بلادك وتزيين ولايتك، مع اقتنائك مودّتهم وحسن نيّاتهم واستفاضة الخير وما يسّهل الله به جلبهم؛ فإن الخراج لا يستخرج بالكدّ والإتعاب، مع أنها عقدٌ تعتمد عليها. إنْ حَدَثَ حَدَثٌ كنتَ عليهم معتمداً؛ لفضل قوتهم بما ذخرت عنهم من الحمام، والثقة منهم بما عوّدتهم من عدلك ورفقك، ومعرفتهم بعذرك في ما حَدَث من الأمر الذي اتّكلت به عليهم، فيحتملوه بطيب أنفسهم؛ فإن العمران محتمل ما حملته. وإنما يؤتى خراب الأرض لإعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإسراف الولاة، وسوء ظنّهم بالبقاء، وقلّة انتفاعهم بالعبر»([68]).
ان هذا النصّ الطويل يكشف عن مجموعة حقائق:
1ـ إن الأصل في المسؤولية أنها تقع على الحاكم، وكيف يصلح أحوال اقتصاديات بلده، ويوفِّر الكفاية للفرد والدولة؟
2ـ إن الضرائب المستوفاة (الخمس والزكاة) لها مصارف محدّدة. وإن مهام ونفقات الدولة صارت باهظة، فاحتيج لإشراك غير المسلم بتوفير مالية الدولة، فكان الخراج مثل: الزكاة للمسلم، أو مثل: ضريبة المهن، وأبرزها: الزراعة، وصار معوّل أمر الدولة عليه. فتعامل الإمام مع أهل الخراج بوصفه (عقداً بين الدولة والعاملين على الأرض، من دون أن نَجِدَ إشارةً إلى أنهم كفّار، وأن الخراج عقوبةٌ على كفرهم، أو أن رقبة أرض الخراج للدولة، فقد خلا عقد الإمام عليّ× لمالك الأشتر من هذه الأفكار تماماً.
3ـ في معادلة العقد الاجتماعي تظهر تراتبية المسؤولية أن الحاكم هو المسؤول عن تردّي الأوضاع، وليس العاملين. فالعمارة أوّلاً، ثم الخراج. وحينما تنعكس المعادلة يحصل الخراب، وتنهار الدولة. وبذلك يظهر أن موضوع الخراج موضوع تعاقدي.
4ـ إن الخراج عقدٌ قائم على المشورة بين (العاملين) والحاكم. واستشارةُ أهل العلم؛ لإصلاح حاله، واجبةٌ على الحاكم.
5ـ أشار العهد إلى ضرورة تلبية حاجات أهل الخراج من جهة الحاكم.
6ـ حذّر الإمام من إسراف الولاة بأموال الخراج، ومَنَعهم من الاستئثار به.
7ـ إن مقداره ما زاد على المؤنة. فقد جاء في مَنْ لا يحضره الفقيه أن رجلاً من ثقيف قال: استعملني عليٌّ× على بانقيا وسواد الكوفة، فقال لي، والناس حضورٌ: «إيّاك أن تضرب مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً في درهمٍ من خراج، أو تبيع دابّة على درهم، فإنا أُمرنا أن نأخذ منهم العفو، وعفو المال ما يفضل عن النفقة»([69]). وهنا تظهر سياسةٌ مرنة، وتحدّد قيمة المأخوذ بما زاد عن نفقة العاملين، من دون تحديد على الجريب.
8ـ ورد في كتابٍ له× إلى حذيفة بن اليمان والي المدائن، قال فيه: «آمرك أن تجبي خراج الأرضين على الحقّ والنصفة، ولا تتجاوز ما قدّمت به إليك، ولا تَدَعْ منه شيئاً، ولا تبتدع فيه أمراً، ثم اقسمه بين أهله بالسوية والعدل»([70]). ومنه يُعْرَف أن المستحصل من الخراج يعود إلى الناس بالسوية، ولا يستأثر به الحكام والولاة.
9ـ ذكر الصدوق أن الإمام الحسن× اشترط على معاوية في وثيقة الهدنة أن يكون له خراج (دار بجرد)، وهي إحدى مدن إيران. وسبب اختياره لها لأنها فتحت صلحاً، ولم تفتح عنوة([71])؛ لأنها مصداق قوله تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللهُ على رسوله…الآية﴾.
10ـ واتّفق الإمامية على أن خراج السلطان يدخل في المؤونة، فلا نصاب إلاّ بعد إخراجه؛ رفقاً بأهل الزكاة([72]).
11ـ ورد في ميزان الحكمة أن الخراج كالصدقات، لها مصارف محدّدة، ليس لوليّ الأمر التصرُّف به. وقد كان الخلفاء يقولون: إن المال مال الله، ونحن أمناؤه، نعمل فيه بما نراه، فيستبيحون به ذلك. والحال أنه مال الله، أعطاه للمسلمين. وجاء في قرب الإسناد: إن الأصل في الخراج (الأرض التي ليس لها مَنْ يعمرها)([73]).
12ـ جاء في الوسائل أن مَنْ أسلم طوعاً تركت أرضه في يده([74])، وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبّله ممَّنْ يعمره، وكان للمسلمين، وعلى المتقبّلين في حصصهم العشر ونصف العشر.
13ـ أجاز الإمامية شراء أرض الخراج، على أن يكون الخراج على المشتري، إضافةً لما يتحقّق عليه من استحقاقاتٍ شرعية.
14ـ ورد عن عليٍّ× أن رجلاً مسلماً اشترى أرض خراج، فقال: (له ما لنا، وعليه ما علينا) .
15ـ لا توجد إشارةٌ في تراث أهل البيت للخراج بالاستناد إلى تجربة الحكّام في العراق، إنما الإحالات دائماً على ما حصل في خيبر.
16ـ سأل إسماعيلُ بن الفضل الصادق×، عن رجلٍ اكترى من أرض أهل الذمة، وأهلها كارهون؟ فقال: إذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها، إلاّ أن يضارّوا. وإنْ أعطيتم شيئاً فسَخَتْ أنفسهم بها لكم فخُذُوها([75]).
17ـ جاء في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي، بسندٍ طويل عن محمد بن مسلم، أنه سأل الإمام عن أهل الذمّة، ماذا عليهم ممّا يحقنون به دماءهم وأموالهم؟ قال: الخراج؛ فإنْ أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم، وإنْ أخذ من أرضهم فلا سبيل على رؤوسهم([76]). وهذا يعارض تعدّد المأخوذ، ويعارض ما جاء في دعائم الإسلام عن عليٍّ× قال: «الخراج على الأرض ومَنْ أسلم منهم، وضعفت عنه الجزية. ولم يوضع عنه الخراج؛ لأن الخراج على الأرض([77]).
18ـ أجاز الإمامية شراء أرض الخراج مع بقاء الخراج على مَنْ اشترى، مسلماً كان أو ذمياً.
19ـ جاء في النهاية أن الأرض التي أخذت عنوةً بالسيف والقتال فهي للمسلمين قاطبةً، ولا يجوز بيعها ولا شراؤها، إلاّ بإذن الناظر في أمر المسلمين، وله أن يقبّلها بما يشاء([78]).
20ـ إذا اشترى المسلم أرضاً صلحية ملكها، وله التصرُّف بها، وليس عليه غير الزكاة.
21ـ أرض الأنفال (ما انجلى عنها أهلها) من غير قتالٍ، وكلها خاصّة للإمام([79]).
22ـ مشهور الإمامية أن لا زكاة إلاّ بعد رفع الخراج بقسمَيْه: (العنوة؛ والأنفال)، واعتباره من المؤن، فإذا بقي نصابٌ كان فيه زكاة([80]).
23ـ قال صاحب الجواهر: «ربما أشكل الاستدلال بخبرَيْ السواد بأنه لم يفتح بإذن الإمام، فهو من الأنفال، للإمام، وليس للمسلمين، فيكون الحكم أنها لهم تقيّة؛ لأن كلّ عسكر أو فرقة غَزَت بغير أمر الإمام× فغنمت تكون الغنيمة للإمام× خاصّة. ثم يقول: «إلاّ ما فتح في خلافته× إنْ صح شيءٌ من ذلك»([81]). وربما يؤيد ذلك تحليلهم لشيعتهم التصرُّف؛ لتطيب مواليدهم. ثم يورد بأن الفتوحات تمَّتْ باستشارته×. ويقول صاحب الجواهر: إن المراد صرف حاصلها في مصالح المسلمين. وينقل عن الكفاية أن المراد بكونها للمسلمين أن الإمام يأخذ ارتفاعها، ويصرفه في مصالح المسلمين، على حَسْب ما يراه([82]).
24ـ يروي العلاّمة، في المختلف، عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا: (ذكرنا له الكوفة، وما وضع عليها من خراجٍ، وما سار فيها أهل بيته؟ فقال×: مَنْ أسلم طوعاً تركت أرضه في يده، وأخذ منه العشر ممّا سقَتْ السماء والأنهار، ونصف العشر إذا كان بالرشا في ما عمروه منها؛ وما لم يعمروه منها أخذه الإمام، فقبّله ممَّنْ يعمّره، وكان للمسلمين)([83]).
25ـ يبدو إن الإمامية مختلفون في مَنْ أخذ منه خراج أرضه هل عليه دفع الزكاة؟ على قولين؛ ذهب صاحب الحدائق إلى أنه ليس عليه شيء من الزكاة([84])، وهو موافقٌ لأبي حنيفة.
موازنةٌ بين المباني والأسس العامة
يختلف الدارسون لظاهرة الخراج على آراء؛ منها مَنْ يرى شرعيته كما ورد في ظرفه وزمنه؛ لحجّية تصرُّف الصحابي؛ أو لإجماع الصحابة كما يقولون؛ أو لتحقُّق المصلحة من هذا الإجراء؛ أو لمشابهته لتصرُّف النبيّ| لما حصل في خيبر.
وكلّ هذه المستندات يناقش فيها الرافضون لهذا الإجراء.
فالغزالي في المستصفى أنكر أن يكون مذهب الصحابي حجّة([85]).
والناس آنذاك اختلفوا بين قسمة الغنائم وبين وقفها أو ضرب الخراج عليها. وقد أسكتت المخالفين قوّة الحكم والسلطة، وبذلك تكون دعوى الإجماع ضعيفةً.
أما تحقّق المصلحة فإن المصلحة لا تصحّ مع ظلمٍ يقع على الناس؛ فمَنْ لم يقاتل الفاتحين ولم يُعِقْ الفتح، وله أرضٌ يستثمرها، جناها من تعبه أو ورثها أو ابتاعها، بِمَ يحلّ للفاتحين أن يأخذوها، ويصادروا رقبتها، ويضربوا عليه ضريبة الخراج بهذا الاعتبار؟ ولا سيَّما أن غرض الفتوحات ـ كما يفترض ـ أنها وسيلةٌ لإبلاغ الناس دعوة الإسلام وقِيَمه العادلة وتبليغ الهداية، وليس التوسُّع وفرض السلطان وأخذ مال الناس بالقوة وزيادة الثروات؛ بدليل قوله|: (أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلاّ الله…). ويظهر من الحديث أن القتال لتحصيل الإيمان وإزالة معوّقات الدعوة إلى الحق والعدل، وحينما يتحوّل إلى وسيلة لبناء إمبراطورية تخضع ثروات الناس (لرفدها) مالياً وبالقوة فهذا مخالفٌ تماماً للحديث.
ولأجل هذه المناظرة ظهر عند الفقهاء ما يسمّى بقاعدة احترام مال المسلم، فقالوا: إن مال المسلم محترمٌ مصون، وحرمة المال منوطةٌ بالإسلام. فمالُ الكافر ليس له حرمة. وهنا يَرِدُ النصّ على (عموم الكافر)، أي غير المسلم. لكنهم استثنَوْا من ذلك الكافر الذمّي والمعاهد والمستأمن، فصار مال الكافر الحربي هو المهدور. ولا يفهم من مصطلح الكافر الحربي (خصوص) المقاتل للمسلمين إبان فتحهم للبلدان، بل يعمّ كلّ رعيّة تلك الحكومات التي كانت سائدة في البلاد المفتوحة. وعليه تصادر أراضيهم العامرة بعد فتحها، وتصبح وقفاً عامّاً للمسلمين، ويؤخذ منهم (خراجٌ)؛ كونهم قد مُكِّنوا من العمل في أرضٍ صارت للدولة، ورتّبوا عليها قولهم: لو أن المسلم أتلف مالاً لكافرٍ حربي فلا يجب عليه الضمان؛ لأن المال مال كافرٍ حربيّ، وهو في الأصل ملكٌ للمسلم كان الكافر غاصباً له، وبتشريع الغنيمة يعود المال للمسلم. وينتقد مخالفو هذه النظرية بأن المقصود (بالكافر الحربي) ذلك الشخص الذي يقاتل المسلمين ويعيق دعوتهم إلى الدين، فيكون الإجراء جزاءً لعدوانه، وليس لكفره. فإذا كان المناط (المعتدون المعاندون) فيلزم التفريق بين مَنْ قاتَلَ ومانَعَ وبين المحايد، الذي لم يقاتل من الناس، سواء كانوا عجزة أو مرضى أو صبيان أو نساء أو أصحاب صوامع أو مزارعين، لا علاقة لهم بالجيش أو السلطة الكافرة، فيعاملون معاملةً حَسَنة. ولا سيَّما أنه قد روى أهل الحديث قوله|: «لا يحلّ مال امرئ إلاّ بطيب نفسه». وعموم (مال امرئ) يَسَع المسلم وغيره، غير أن بعض المتون أضافت كلمة مسلم؛ لتتّسق مع قاعدة الاحترام سالفة الذكر([86]).
وقد قال| في حجّة الوداع: (اسمعوا مني أن لا تظلموا، قالها ثلاثاً)، ثم عقّب: (لا يحل مال امرئ إلاّ بطيب نفسه)([87])، بل إن البعض روى الحديث وعقّب على كلمة (امرئ) بقوله: يعني مسلماً([88]).
ويورد الأصفهاني في كتابه (الإجارة) أن مال الكافر الحربي يجوز أخذه وتملّكه بغير عوضٍ، وبدون إذنه. ويرى أن الكافر الحربيّ هو كلّ غير ذمّي وغير معاهد([89]). وجاء في بدائع الصنائع أن تقسيم الغنائم يأتي بعد الاستيلاء على مالٍ مباح؛ لأنه مال كافر أو كان ضمن ملك الكفرة([90]).
وعند أبي حنيفة أنه قال: (إنْ وضع الكافر أمواله بدار الحرب أثّر في زوال العصمة عنها، لا زوال الملك، فأموال الكافر مملوكةٌ، لكنها غير معصومة)([91]).
وعند ابن عرفة المالكي أن مال الكافر غنيمة. ونقل صاحب منتهى الإرادات أن القهر سببٌ نملك به مال الكافر، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي والحنابلة([92]).
بل شاع في أدبيات فقه الجهاد أن أفضل المكاسب ما يغنمه المسلمون من مال الكافر؛ لأنه قد حصل عليه من أفضل الأعمال (الجهاد).
بَيْدَ أن مَنْ لا يرى رأي أصحاب هذا الاتجاه ينطلق من أن العدل والإنصاف والحقّ هي مبادئ الشرع، ولا يجوز أن يراعي العدل والحقّ والإنصاف فقط بين المسلمين، دون بقية الناس، ولا سيَّما مواطني دار الإسلام.
ويرَوْن أن مقتضى الأصل عدم جواز التصرُّف في مال أيّ أحدٍ إلاّ بدليلٍ؛ لأن أخذ مال الغير ظلماً يُعَدّ قبيحاً. فإذا ثبت أن (صاحب الأرض مقاتل لنا) كان لنا مصادرة أرضه، لكن ما ذنب مَنْ لم يقاتل؟ فإذا شككنا أنه مقاتل أو لا؟ فالأصل أنه غير مقاتل، وتحرم مصادرة ماله.
ويرَوْن أن الملك متى ثبت للشخص فلا يزول إلاّ بسببٍ وجيه. وكونه فقط من رعيّة (حاكمٍ كافر) ليس سبباً وجيهاً. ويؤسّسون على اتفاق الفقهاء أن الغصب يجري في مال الكافر كما يجري في مال المسلم أن أخذ أرضه غصبٌ. كما يؤسّسون أن السارق المسلم لمال الكافر يقطع به، وذلك دليلٌ على حرمة ذلك المال، وكذلك الإتلاف. فالمناط ليس الكفر.
وأخيراً يرَوْن أن الجزية وجبَتْ بنصّ القرآن، ولم يَحْظَ الخراج بنصٍّ جليّ. فإذا أرَدْنا أعادة النظر بأسس (الخراج) على أساسٍ ضريبي فإن الأصحّ أن يقال: إن المسلم تجب عليه الزكاة في أمواله النامية، وحيث لا تصح من (غير المسلم) فإن الخراج على الأرض من جنس المساهمة في إعانة الدولة على إقامة مشاريع الريّ والأمور المساعدة على تطوير الإنتاج، وهو ما يفهم من تراث أهل البيت، وليس على أساس سلب الملكية وتأجير الأرض بمقابلٍ يصل إلى ستّة أعشار الحاصل.
بقي هنا النقاش في (مقدار الخراج). وهذا متروكٌ للحاكم، بحيث يقرِّر مقداره بالتناسب مع احتياج الدولة، وما يقرب ممّا يؤخذ من المسلم (زكاة وخمساً). وليس النصف أو ما زاد على النصف؛ فذلك في رأي هذا الفريق كان سياسة (خلفاء)، لم تستند إلى حثّ القرآن على رؤيةٍ لبناء الدولة، فدعا إلى حمايتهم واحترامهم، وأن تبذل السلطات جهوداً لتسهيل أمورهم. وقد جاء قوله×: (إن الناس كلهم عيال على الخراج)؛ إذ لا توجد موارد مالية غير الخراج للدولة. ولطالما دعا إلى تخفيف مؤونة الخراج على المزارعين، ولم تَجِدْ في تراثه× أنه عقابٌ على كفرهم، أو مصادرةٌ لأرضهم.
وفي ختام البحث أتساءل: هل كان حكم الخراج حكماً وقتياً، فلا ضَيْر، أو هو سنّةٌ يجب أن يلتزم بها أيّ تطبيق للشريعة، كما حصلت في زمن عمر؟ وإذا كان الجواب بالثاني فالسؤال الأهمّ: كيف يعالج وضع بلدان الخراج هذه الأيام، ولا سيَّما مع الثروات التي توجد في بلدان الخراج، وهي أكثر بلدان العالم الإسلامي؟
الخاتمة والنتائج
في نهاية البحث تتّضح مجموعة استخلاصات. وقد ظهر من خلال البحث:
أـ إن قضية الخراج ليست حكماً مؤسّساً بالقرآن الكريم؛ إذ لا توجد آية منه تؤسّس لمثل هذا التكليف، كما هو حال الجِزْية التي ورد فيها النصّ.
ب ـ إن السنّة النبوية، حيث يُعَدّ (فعل الرسول وسياساته) أصلاً ملزماً، قد قاربت هذه الواقعة من خلال (تأميم الأرض) في خيبر، إلاّ إنها مختلفة شكلاً ومضموناً عن واقعة وَقْف أرض العراق، وفرض الخراج عليه، فلا فرصة لقياس على ما حصل في العراق والشام ومصر؛ لتفاوت أو تباين الموضوعين، فلا يصلح الحكم في خيبر أصلاً لقياسٍ أو أساساً للاستناد.
ج ـ إن الإجماع المدّعى حصوله على وقف أرض العراق، ونزع الملكية من أصحابها، وامتلاك الدولة لها، وفرض الوظيفة المالية عليها، لا يسلم دليلاً صحيحاً؛ إذ الروايات والحكايات التاريخية تنصّ على خلافٍ شديد حصل بين الصحابة المهاجرين، وكذلك بين الأوس والخزرج (الأنصار) والفاتحين أنفسهم، بمَنْ فيهم بلال بن رباح وغيره، ولم يوافقوا على سياسات عمر بن الخطاب. ولو قيل: إن هذا الإجماع (ارتكز على مفهوم المصلحة) فيجب أن يخلو من هامش المظلمة على الغير، وقد حصلت.
د ـ وبعد خلوّ المسألة من معطيات هذه الاستدلالات (أثبت ابن رشد أن الاستدلال على قضية خراج العراق بآية الحشر: ﴿مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ…﴾ معارَضٌ بآية الغنيمة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ…﴾، كما يظنّ البعض؛ لأن الأصل أن الأرض لا تدخل في الغنائم، فليست من مصاديق آية الغنيمة، وليست أرض العراق فَيْئاً؛ لأنها أخذت بإيجاف الخيل والرجال (عنوةً). ودارت حوارات ابن رشد في العلاقة بين الآيتين بين التخصيص أو النسخ. ولم يُثْبِتْ أيّاً منهما على وجهٍ معتبر. على أننا ننبِّه إلى أن منطق مَنْ (نزع الملكية) من أصحابها لم يكن استناداً للقرآن ابتداءً، إنما بعد أن تقرّر (حبس أراضي العراق العامرة) فتّشوا عن دليلٍ قرآني، وهذا معناه توظيف القرآن لإسناد سياسات الحكام، أو تدعيم النصّ القرآني (لآراء وقرارات اتّخذها الحاكم في الموضوعات الجديدة). فإذا خلا (موضوع الخراج من أصلٍ يستند إليه، من القرآن الكريم أو السنّة أو الإجماع، فإنّ المسألة سوف لن يكون مستندها أكثر من (مذهب الصحابي). وهو مردودٌ ومرفوض عند جمهور الأصوليين، ولا سيَّما الغزالي وابن حزم وغيرهم. ويمكن أن نقول: إنه عبارة عن قرارات سياسية للحاكم إزاء قضية معينة، استند فيها إلى المصلحة المرسلة. بَيْدَ أن الذي يخدش هذا التأصيل أن هذه السياسة ألحقت ظلماً (بمَنْ لم يقاتل من أهل العراق، ودفع الجزية)، فيتساءل أيّ باحث: ما ذنبه لكي تُصادَر أرضه، وتقاسمه الدولة في عمله وملكيته…، وتفرض عليه الخراج؟
و ـ إلى جانب ما تقدّم يلحظ الباحث (عدم اتفاق) الفقهاء على توصيف الأرض الخراجية نفسها، هل هي (صلحية، مأخوذة عنوة، أراضٍ تسقيها مياه خراجية)؟ واختلفوا في هل تقع في معنى الغنيمة أم أن الغنائم فقط في الأموال المنقولة؟ وهل هي (فَيْءٌ)، والحال أنها أخذت عنوة؟ ولهذا تجد أبا يوسف مضطرّاً إلى أن يتعامل معها على أنها فَيْءٌ، في الرسالة التي كتبها للرشيد.
ز ـ هنا لا بُدَّ لنا أن نؤشّر إلى ظاهرةٍ رُبَما وردت كثيراً في تراثنا، وهي أن فقهاء الأجيال (جعلت تصرُّف الصحابة أصلاً يستند إليه) من جهةٍ، والتمسوا لها أساساً قرآنياً أو من السنّة، أيّاً كانت دلالة ذلك الأصل لتسويغ التصرّف، دعماً لمذهب الصحابي المختلف في حجّيته.
ح ـ لم يَجِدْ الباحث إشارةً إلى أن هذا التصرُّف من عمر يستند إلى سياسات النبيّ| إزاء خيبر بوصفها (سياسات وقتية) اعتبرت قرارات إدارية لظرفها وزمنها، ولا ينبغي أن تعامل على أنها دينٌ يُدان الله به. ولا ينبغي أن تلتزم الأجيال بهذه القرارات، فلها أن تقرِّر ما يصلح أزمانها طالما كانت تلك القرارات ممّا أصلحت أزمانها. كذلك لم يُشِرْ الباحثون السابقون إلى أن هذا الإجراء (نزع الملكية والخراج) كان نظامَ (دول) ذلك الزمان تعمل به، وقد أخذوه منها، دون أن يفتش عمّا فيه من الظلم، فاحتار الفقهاء في تسويغه وتبريره. (فجعلوا نزع الملكية وقفاً للأرض)، والحال أن الوقف يحتاج الى مالكٍ يوقف، والدولة ليست مالكةً للأرض. كما لم يظهر لدى الفقهاء موقفٌ واضح وممانع لسوء استغلال أموال الخراج من جهة الحكّام على طول الممارسة السياسية التاريخية للمسلمين.
لذلك يُستخلص ممّا تقدَّم أن (وضعاً تاريخياً)، وليس تأسيساً دينياً، كان وراء فرض الخراج. وقد حصل، ومرّره الفقهاء؛ لأسبابٍ معلومة، فأصبح جزءاً من الفقه في باب الجهاد. لكنْ بالبحث والتحرّي نكتشف أن قضية الخراج عبارة عن تأثُّر الفقه (بظروف تاريخية)، حوّلوها إلى(فقهٍ ديني).
ط ـ كما يُلاحَظ أن دولة الخلافة الأولى لم تفكّر بالعمران والتنمية واستحداث موارد للدخل القومي، إنما اعتمدت على مصادرة الأرض العامرة المفتوحة، وجعلتها إيراداً ريعياً، وصارت اقتصاديات الدولة تعمتد على الجبايات غير المبررة اقتصادياً، بَدَل أن تعتمد تنمية الموارد.
ي ـ ظهر لي من خلال البحث أن الإمام عليّ أمير المؤمنين× تعامل مع الخراج والأراضي العامرة المفتوحة بوصفها ملكاً لأصحابها، وهو مواطنٌ كامل المواطنة، وأن الخراج عليهم بما يقابل الزكاة على المسلم المواطن الذي يتساوى مع أهل الذمّة، ولا يرتكز الخراج على التمييز؛ بسبب الدين والعقيدة. فليس هو عقوبةً على كفرهم، كما يذهب جمعٌ من الفقهاء. ومن حيث السياسات فقد أوصى بالرِّفْق بأهل الخراج بأعلى مستوياته. ومن حيث المقدار فقد جعله على ما فاض عن المؤونة، يجدون (العَفْو) بما لا يؤخذ منهم غصباً، وبما ترضى به أنفسهم. وإنه في تراث أهل البيت^ جزءٌ من تعاقدٍ دستوريّ جعل (الخراج) مثل (ضريبة المهنة)، وليس (أجرة الأرض). والفارق بين المفهومين واسعٌ وكبير ومؤثِّر في السياسات. ولطالما تجد تشدُّداً في صرفه على أهله، يعني أهل الخراج، في خطب أمير المؤمنين×، ويعلِّله بما يصلح أحوالهم. وتجد تشدُّداً منه في أن لا يتعسَّف به الولاة والحكام والسلاطين. ولم يظهر في تراث الأئمة إلغاءٌ لملكيةٍ، ولا نزعها، ولا وقف الأرض، ولا كونه عقوبةً على الكفر، ولا شيء من ذلك.
لكنّ المؤسف أن الغموض والاضطراب الذي يجده الباحث في فقه الخراج عند المذاهب الأخرى تسرَّب إلى الفقه الشيعي الإمامي؛ فنلحظ ذات العبارات والمضامين الموجودة في مدوّنات فقه الخراج ومعطيات الفتوحات وفقه الأحكام السلطانية في بعض كتب الإمامية المتقدّمين وفقهاء العصور الوسطى.
ك ـ أخيراً إن خراج بلدان العالم الإسلامي، (على فرض اعتبار الحكم من ثوابت الفقه، يجب أن يوزَّع على المسلمين جميعاً، كما جاء في تعليل عمر بن الخطاب عندما نزع الملكية وفرض الخراج، فقال: إنه للأجيال القادمة. ويلزم منه الآن أن تجمع ثروات ومدخولات بلدان الخراج، وتوزَّع على كلّ المسلمين كافّةً، بصرف النظر عن بلدانهم والحدود الفاصلة بينها. وهذا لم يحصل، ممّا يدلّ أنه سياسات وقتية؛ لظروف محدّدة قائمة فعلاً).
الهوامش
(*) رئيس قسم الدراسات العليا في كلِّية الفقه، ومدير مركز الدراسات، في جامعة الكوفة. من العراق.
([1]) ابن النديم، الفهرست: 143 ـ 258.
([2]) يحيى بن آدم، الخراج. انظر كذلك: الرحبي، الرتاج: 282.
([3]) فيليب حتّي، تاريخ العرب 1: 281. انظر: الرحبي، الرتاج: 282.
([4]) الزمخشري، أساس البلاغة 1: 110.
([5]) الجرجاني، التعريفات 1: 33.
([6]) الصاحب بن عبّاد، المحيط في اللغة 4: 28؛ وانظر: الصحاح 1: 424.
([7]) ابن دريد، جمهرة اللغة 2: 79.
([8]) ابن سِيدَه، المحكم والمحيط الأعظم.
([9]) ابن قتيبة، غريب الحديث 1: 139.
([10]) الأزهري، تهذيب اللغة 2: 414؛ وانظر: لسان العرب 2: 249.
([11]) الزبيدي، تاج العروس 1: 1374.
([13]) مجموعة باحثين، الموسوعة العربية العالمية 1: 2.
([16]) انظر: الطوسي، التبيان 7: 376.
([20]) ابن شبة، تاريخ المدينة المنورة 1: 114، تحقيق فهيم محمود، جدّة، 1403.
([21]) محمد بن يوسف الصالحي، سبل الهدى والرشاد 5: 154.
([22]) رواه أبو داوود والبيهقي.
([24]) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 1: 4؛ وانظر: يحيي بن آدم، الخراج 1: 16.
([25]) أبو عبيد، الأموال: 44؛ وانظر: يحيى بن آدم، الخراج 1: 17.
([26]) تاريخ بغداد 1: 4؛ وانظر: المصدر السابق 1: 2.
([31]) انظر: النووي، المجموع شرح المهذّب 19: 454؛ القمّي، جامع الخلاف 1: 273؛ الطوسي، الخلاف 2: 64.
([32]) انظر: ابن رشد، بداية المجتهد.
([34]) ابن زنجويه، الأموال 1: 108؛ البيهقي، السنن 6: 350.
([36]) الأمّ 4: 181؛ مغني المحتاج 2: 234؛ وانظر: الطوسي، الخلاف 2: 186.
([37]) الفرّاء، الأحكام السلطانية: 146؛ وانظر: الطوسي، الخلاف 2: 186.
([39]) يحيى بن آدم، الخراج: 45.
([40]) ابن رشد، بداية المجتهد 2: 70.
([44]) السهيلي، الروض الأنف 4: 166.
([46]) يحيى بن آدم، الخراج: 68.
([47]) انظر: عبد الكريم الحمداوي، ملكية الأرض في الإسلام: 9.
([48]) الاختيار لتعليل المختار 1: 46.
([50]) السرخسي، المبسوط 3: 343.
([51]) الاختيار لتعليل المختار؛ وانظر: حاشية ردّ المحتار 2: 330.
([52]) المصدر نفسه؛ وانظر: حاشية ردّ المحتار 2: 283.
([53]) المصدر نفسه؛ وانظر: حاشية ردّ المحتار 2: 360.
([55]) الاختيار لتعليل المختار؛ وانظر: حاشية ردّ المحتار 2: 283.
([56]) المصدر نفسه؛ وانظر: حاشية ردّ المحتار 2: 297.
([57]) المصدر نفسه؛ وانظر: حاشية ردّ المحتار 2: 315.
([58]) الاختيار لتعليل المختار؛ وانظر: حاشية ردّ المحتار: 4: 314.
([59]) المصدر نفسه؛ وانظر: حاشية ردّ المحتار: 2: 361.
([60]) المصدر نفسه، وانظر: حاشية ردّ المحتار: 4: 351.
([61]) المصدر نفسه؛ وانظر: حاشية ردّ المحتار: 4: 358.
([69]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 65.
([71]) فتوح البلدان: 380؛ وانظر: مستدرك وسائل الشيعة 13: 163.
دار بجرد: ولاية بفارس، وهي قريةٌ من قرى اصطخر، فيها الزئبق. انظر: معجم البلدان: 914.
([72]) المجلسي، بحار الأنوار: 93: 45؛ الصدوق، المقنع 1: 16.
([77]) النعمان، دعائم الإسلام 1: 83.
([78]) الطوسي، النهاية 1: 122.
([80]) النجفي، جواهر الكلام 15: 238.
([83]) العلاّمة الحلّي، المختلف 5: 415.
([84]) البحراني، الحدائق الناضرة 18: 133.
([85]) الغزالي، المستصفى 2: 61.
([88]) انظر: البيهقي، السنن 8: 182.
([89]) الإصفهاني، الإجارة 1: 902.