د. السيد هدايت جليلي(*)
1ـ المقدّمات
لا مندوحة لنا في مقام بيان التعريف الواقعي([1]) والناجع([2]) لـ «التفسير الأثري» من طرح بعض المقدّمات، وأخذ بعض الفرضيات، وتحليل ونقد التعاريف الموجودة للتفسير الأثري. ومن هنا سوف نعمل قبل كل شيء على بيان المقدّمات التالية:
1ـ لقد اعتبرنا في هذا المقال مصطلحات من قبيل: التفسير الأثري، والتفسير المأثور، والتفسير النقلي، والتفسير الروائي، وما إلى ذلك من العناوين شيئاً واحداً، رغم اختلافها من ناحية المعنى اللغوي واللفظي؛ فلا الباحثون في التفسير قالوا بالفرق والاختلاف بينها، ولا الاختلاف اللغوي مؤثِّرٌ في هذه المقالة. ومن هنا؛ ولغرض توحيد النصّ، ودون أن نكون في مقام التفضيل والترجيح، سوف نستعمل مصطلح «التفسير الأثري».
2ـ إن التعاريف المقدّمة لـ «التفسير الأثري» تعاني من بعض مواطن النقص والخلل؛ فأوّلاً: إن هذه التعاريف قد تجاهلت حضور المفسِّر ودوره في مسار التفسير بالمرّة، بحيث يتم التنزّل بدور المفسِّر إلى حدود الجامع المنفعل والمتأثِّر لا أكثر، الأمر الذي يثير في الأذهان هذا السؤال: مَنْ هو المفسِّر في التفسير الأثري؟
الأمر الآخر: إن هذه التعاريف لا تبيِّن حدوداً واضحة لتمييز التفسير الأثري من التفسير غير الأثري، الأمر الذي أدّى في بعض الأحيان إلى حدوث الاختلاف بين الباحثين في الشأن التفسيري حول ماهية التفسير الذي يمكن عدُّه من التفسير الأثري. ولا يمكن حسم هذا الخلاف من خلال اللجوء إلى التعاريف الموجودة بين أيدينا؛ وما ذلك إلاّ بسبب العناصر([3]) المبهمة التي نلاحظها في تعاريف التفسير الأثري.
ثم إن هذا التعريف لا يكشف النقاب ـ كما ينبغي ـ عن ماهية وكيفية التفاسير الأثرية، ولا يفتح كوّةً كافية في الجدار؛ للتنقيب والوصول إلى جذور وخلفيات هذا النوع من التفاسير.
كما أن بعض هذه التعاريف يؤكِّد على سلب أو نفي عنصر الرأي أو الاجتهاد أو ما إلى ذلك من المفاهيم عن التفسير الأثري. وهذا، بالإضافة إلى إبهامه وغموضه، لا صحّة له إطلاقاً. وبالتالي فإن هذه التعاريف تفتقر إلى المنهج العلمي، بمعنى أنها، بدلاً من أن تتمحور حول المصداق، تسعى من خلال التحليل المفهومي لمفردات «التفسير» و«الأثر» إلى الحصول على تعريف للتفسير الأثري، دون أن تحمل هاجس الانطباق على واقعية التفاسير الأثرية.
إن المسائل التي نذكرها هنا باختصارٍ سوف نفتح من خلالها مسار تحليل ونقد تعاريف التفسير الأثري.
3ـ إن التحقيق والبحث بشأن «التفسير الأثري»، وتقديم وصفٍ أمين عن ذلك، تبع لدائرة «البحث التفسيري»([4])، والبحث التفسيري أمرٌ لاحق ومسبوق بتبلور ظاهرة التفسير. فقبل كلّ شيء يسعى المفسِّرون إلى فهم وتفسير آيات القرآن، ثم يذهب كلّ واحد منهم إلى اتجاه محدَّد، ويصل إلى فهم مختلف، وتكون حصيلة هذه الجهود عبارة عن بلورة التفاسير، وظهور مناهج التفسير. ثم هناك مَنْ لا يسعى إلى تفسير الآيات، بل إلى معرفة كيفية التفسير والمفسِّرين وأساليبهم ومناهجهم ومبانيهم، وبيان مواطن التقائهم وافتراقهم، ويكشفون عن سرّ هذا الالتقاء والافتراق. وبذلك، وبعد ظهور التفسير، يتبلور البحث التفسيري تَبَعاً له، ويقوم الباحثون في الشأن التفسيري بتحليل ماهية التفسير، وتفكيك المناهج التفسيرية، وشرح مبانيها. وفي ظلّ هذه التربة وهذا المناخ تنبت شجرة عناوين من قبيل: «التفسير الأثري»، الناظرة إلى نوعٍ وأسلوبٍ من أساليب التفسير.
ومن هنا يكون اتصاف بعض التفاسير بعنوان «التفسير الأثري» معبِّراً عن أمرٍ لاحق، وفي مقام البحث التفسيري، ومعرفة المناهج التفسيرية. كما أن هذا الاتصاف يعتبر ـ بحَسَب الأصول([5]) ـ خارجاً عن دائرة عمل المفسرين، وإن الباحثين في الشأن التفسيري هم الذين يدرجون بعض التفاسير ضمن هذه العناوين.
4ـ كما يتّضح من الفقرة السابقة أن الاتجاه السابق([6]) في تعريف التفسير الأثري، وكل منهج تفسيري بحَسَب القاعدة، غير مجدٍ ولا مثمر. فإننا من بين الكمّ الهائل من الآثار التفسيرية نأخذ مجموعة منها، ونطلق عليها عنوان التفسير الأثري، وهو عنوان لم تكن هذه المؤلَّفات والكتب قد اكتسبته قبل أن نطلقه عليها. وعليه فإن هذا التفكيك وهذه التسمية إنما تكون ناجعةً إذا كانت ناظرةً إلى وجوه الاشتراك ونقاط الالتقاء بينها، وإنما تكون مجديةً إذا كان الاستناد إلى تلك النقاط المشتركة نافعاً في التعرُّف على ماهية التفاسير والتمييز بينها، والحال أن الاتجاه السابق لا يجعل من النماذج هي المبنى.
وممّا ذكرنا يتضح أيضاً أننا في مقام البحث التفسيري لا نقوم باكتشاف التفسير الأثري، وإنما نعمل على «جعله». وإن الباحث في الشأن التفسيري لا يواجه مجموعةً من التفاسير باسم التفسير الأثري، ولا يعمل على البحث فيها واكتشافها، وإنما هو يعمل على الكمّ الهائل من التفاسير، متسلِّحاً ببعض العناصر والملاكات، ومن خلال تلك العناصر والملاكات يطلق على بعض التفاسير عنوان التفسير الأثري. وإن الهامّ في البين هو قيمة وجدوائية تلك العناصر والملاكات.
5ـ إن التحقيق الجامع بشأن التفسير الأثري يجب أن يشتمل في الحدّ الأدنى على ماهية التفسير الأثري، وخصائصه، وجذوره، وتطوّره التاريخي، ومنشئه، واعتباره وحجيته، وكذلك مصادر فرضياته ومبانيه. والمقدَّم من الناحية المنطقية في البين، والذي يمثل اللبنة الأولى، هو تعريف وبيان ماهية التفسير الأثري، وخصائصه. إن المعرفة الصحيحة والتعريف الناجع يمثِّل شرطاً في صوابية واستقامة الخطوات الأخرى.
إن الآثار التي تمّ تأليفها حول التفسير الأثري قلَّما أبدت اهتمامها بتعريف التفسير الأثري، وصبَّتْ جُلَّ اهتمامها على المحاور الأخرى، حتّى ليبدو للنظرة السطحية لدى البعض وكأنّ التفسير الأثري أمرٌ بديهي، وأنه من الوضوح والانكشاف بحيث يستغني عن التعريف، وأنه بالإمكان أن نتحدّث بشكلٍ متين وخالص عن منهج التفسير الأثري، دون حاجةٍ إلى تعريفه أو بيان ماهيته. ومن هنا فإننا نسعى في هذا المقال إلى رفع هذا النقص.
إن تعريف التفسير الأثري وبيان ماهيته وخصائصه لا يمثِّل حجر الأساس لمنهج التفسير الأثري فحَسْب، بل يمثِّل قوام الأسلوب المعرفي لتفسير القرآن بمفهومه الواسع؛ إذ إن التفسير الأثري يمثِّل البرعم الأول للتفسير في العرف التفسيري بين المسلمين، وأساساً لتفسير الإسلام، وإن سائر المناهج التفسيرية الأخرى يتمّ تعريفها من خلال نسبتها إلى هذا المنهج، ومن خلال تحديد الموقف منه. ويمكن لتعريف التفسير الأثري أن يشكِّل أساساً لكلّ أنواع التقسيم في معرفة وتمييز مناهج تفسير القرآن والتفاسير أيضاً.
2ـ تحليل ونقد التعاريف المطروحة للتفسير الأثري
قبل أن نقدِّم تعريفاً آخر مغايراً للتفسير الأثري نجد من الضروري أن نستعرض التعاريف المقدَّمة لهذا التفسير، ونتناولها بالنقد والتحليل، وذلك على النحو التالي:
1ـ خلافاً لأولئك الذين بحثوا بشأن التفسير الأثري بوصفه منهجاً، دون أن يجدوا حاجةً إلى تعريفه([7])، وجد بعض الباحثين في التفسير أنفسهم ملزمين بتقديم تعريف للتفسير الأثري.
قال الزرقاني في تعريف التفسير الأثري: «التفسير المأثور هو ما جاء في القرآن، أو السنّة، أو كلام الصحابة، بياناً لمراد الله تعالى من كتابه»([8]).
وقد أعاد الذهبي مضمون هذا التعريف بشيءٍ من التفصيل، في تعريفه للتفسير الأثري؛ إذ قال في ذلك: «يشمل التفسير المأثور ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما نُقل عن الرسولﷺ، وما نُقِل عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما نُقِل عن التابعين، من كلّ ما هو بيانٌ وتوضيح لمراد الله تعالى من نصوص كتابه الكريم»([9]).
وقد جاء بهذا المعنى في موضعٍ آخر بتفصيلٍ أكبر، سوف نتحدَّث عنه لاحقاً؛ إذ قال: «وهو يشمل التفسير الذي جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، حيث ما أجمل في آيةٍ فُسِّر في آيةٍ أخرى… والتفسير الوارد عن النبي| في سنّته كذلك، فكم من آياتٍ كريمة جاءت مجملة ففصَّلتها السنّة، وكم من آياتٍ جاءت عامّة أو مطلقة فخصَّصتها السنّة أو قيَّدتها، والتفسير الوارد عن الصحابة، الذين عاصروا زمن الوحي، وشهدوا أسباب النزول، وعاينوا دواعيه، فكانوا أعلم المسلمين بتفسيره وتأويله، وكذلك أدرج علماؤنا تفسير التابعين، وألحقوه بالتفسير بالمأثور؛ باعتبارهم عايشوا أصحاب النبيّ|، واستقوا علومهم منهم، فكانوا من السَّلَف الأخيار»([10]).
وكما نلاحظ فإنّ هذه التعاريف، رغم تكرارها لمضمونٍ واحد ومشترك، إلاّ أنها تتّجه نحو التفصيل، وإن هذا التفصيل ـ كما سيأتي ـ موضع تأمُّلٍ.
وفي ما يلي نذكر بعض المسائل الهامة بشأن هذه الطائفة من التعاريف:
1ـ إن كلّ تعريف يستند إلى عنصر أو عدّة عناصر. وفي هذه التعاريف تمّ الاستناد إلى مصادر التفسير الأثري، بمعنى أنهم قد عرّفوا هذا المنهج التفسيري من خلال الاستناد إلى مصادره ومنابعه.
2ـ في هذه التعاريف تمّ اعتبار ذات المصادر ـ وهي: القرآن، والسنّة النبوية، وكلام الصحابة والتابعين ـ بمنزلة بيان وتفسير الآيات، وبعبارةٍ أدقّ: قد تمّ اعتبار هذه الأمور مفسِّرة للآيات. وبعبارةٍ أخرى: تمّ الخلط بين المفسِّر واتجاه التفسير ومصادر التفسير، مع عدم اتّضاح الحدود الفاصلة بين هذه الموارد الثلاثة، بل إن هذه الأمور الثلاثة قد اندكَّتْ ببعضها حتّى أصبحت شيئاً واحداً.
3ـ وعلى هذا الأساس فقد تمّ تجاهل دور صاحب الأثر التفسيري، أي المفسِّر، حتى كأنّه لا وجود للمفسِّر في البين، وإن نصّاً يفسِّر نصّاً آخر، دون أن يكون هناك أي تدخل من مفسِّرٍ. ومن هنا يأتي البحث عن السؤال القائل: مَنْ هو المفسِّر في التفسير الأثري؟ هل هو الله أم النبيّ أم الصحابة أم التابعون؟ إذا كان الأمر كذلك فما هو دور المؤلِّف وصاحب الكتاب التفسيري؟!
4ـ وعلى هامش هذه التعاريف يتمّ طرح هذا السؤال والاختلاف القائل: ما هو منشأ ومبنى اعتبار تفسير الصحابة؟ وما هي حدود هذا الاعتبار وهذه الحجية؟ وفي هذا الشأن نجد رأي كلٍّ من: الحاكم، وابن الصلاح، والنووي، والسيوطي، وغيرهم، جديراً بالاهتمام([11]).
وقد عثر علماء الشيعة على آراء مختلفة في هذا الشأن([12]).
كما نلاحظ هذا الاختلاف القائل: هل يمكن لنا أن ندرج أقوال التابعين في التفسير في عداد التفسير الأثري أيضاً أم لا؟([13]).
5ـ في هذا النوع من التعاريف تمّ عدّ تفسير القرآن بالقرآن ـ بصراحةٍ تامّة ـ جزءاً من التفسير الأثري. وعليه فإن الحدود بين التفسير الأثري وتفسير القرآن بالقرآن بوصفه منهجاً تفسيرياً مستقلاًّ سوف تزول ـ طبقاً لهذه التعاريف ـ، أو أن كلا هذين المنهجين ـ في الحدّ الأدنى ـ يحتاجان إلى إعادة تعريفهما. ومن هنا فقد ذهب بعض الباحثين في التفسير ـ استناداً إلى المعنى الاصطلاحي لـ «الأثر» ـ إلى القول بأن القرآن ليس مشمولاً للمعنى الاصطلاحي للأثر، ومن هنا فإنه يعتقد أن من الخطأ اعتبار تفسير القرآن بالقرآن من مقولة التفسير الأثري([14]).
6ـ يبدو للوهلة الأولى أن هذه التعاريف ـ حيث تعدّ تفسير الصحابة والتابعين جزءاً من مصادر التفسير الأثري ـ يجب أن تكون من مَحْض تفاسير أهل السنّة والجماعة، في حين أن الأمر ليس كذلك.
وهناك بعض الباحثين في الشأن القرآني من الشيعة ينسجمون مع هذا التعريف بشكلٍ واضح([15]).
من هنا فقد سعى بعض الباحثين في شأن التفسير من الشيعة إلى تقديم تعريف يحافظ فيه على جامعية التعريف، وفي الوقت نفسه يلاحظ الاختلاف بين الشيعة وأهل السنّة في هذا الشأن، فقدَّم لذلك تعريفاً ذا شعبتين؛ إذ قال: «إن التفسير المأثور عبارة عن بيان وتفسير الآيات الإلهية بسنّة النبيّ الأكرم|، بالإضافة إلى سنّة الأئمة الأطهار في مدرسة أهل البيت^، وبالإضافة إلى تفسير الصحابة [والتابعين] في مدرسة الخلافة»([16]).
7ـ والأهمّ من جميع ما تقدَّم أن معنى لفظ «التفسير» في هذا النوع من التعاريف يتأرجح على نطاقٍ واسع، حيث تختلف المساحة المفهومية لمفردة التفسير في عبارة «التفسير الذي جاء في القرآن نفسه» و«التفسير الوارد عن النبيّ في سنّته» عن مفردة التفسير في عبارة «التفسير الوارد من الصحابة» و«تفسير التابعين» بشكلٍ كامل. ويمكن ملاحظة ذلك إلى حدٍّ ما من الإضافة اليسيرة لمحمد حسين الذهبي، ومن الإضافة الكبيرة لخالد العكّ، في تعريفهما للتفسير الأثري بشكلٍ واضح.
وفي ما يلي نتأمَّل في هذه الإضافات.
يستعمل الزرقاني في تعريفه للتفسير الأثري مفردة البيان، في مقابل مفردة التفسير في جميع المواضع، وبشكلٍ متّسق ـ سواء في خصوص القرآن أو السنّة النبوية أو كلام الصحابة [والتابعين] ـ، ويذكر على هامش جميع هذه الأضلاع الأربعة من التفسير الأثري (وهي: تفسير الآية بالقرآن، أو بالسنّة النبوية، أو بأقوال الصحابة، أو بأقوال التابعين) أمثلة، تحتوي بأجمعها على ناحيةٍ بيانية بَحْتة بالنسبة إلى الآية([17]).
وحين يصل الدور إلى محمد حسين الذهبي فإنه يستخدم في ضلع تفسير الآية بالقرآن عبارة «البيان والتفصيل»، بدلاً من مفردة التفسير؛ إذ يقول: «ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته…». وأما في خصوص الأضلاع الثلاثة الأخرى فإنه يكتفي بلفظ «البيان والتوضيح»، الذي هو مرادفٌ لـ «البيان».
وأما خالد عبد الرحمن العكّ فإنه يعمل على بسط هذه الإضافة المجملة، ويقوم بتسريتها إلى الضلع الثاني من التفسير الأثري (وهو تفسير القرآن بالسنّة النبوية) أيضاً. إن التأمُّل والتدقيق في الإضافة التوضيحية لعبد الرحمن العكّ يثبت أن المراد من التفسير في الضلع الأول والثاني في التفسير الأثري يختلف بوضوحٍ عن الضلع الثالث والرابع منه. ففي الضلع الأول والثاني نجد المساحة المفهومية للتفسير تتخطّى المعنى العرفي والعادي لـ «البيان»، وتشمل «التفصيل» أيضاً. وبذلك فإنها تشمل موارد من قبيل: تبيين المجمل، وتخصيص العامّ، وتقييد المطلق، وتفصيل الأحكام، وتعيين الناسخ والمنسوخ. وأما من ناحيةٍ أخرى فلا نجد في إضافات الأستاذ عبد الرحمن العكّ بشأن الضلع الثالث والرابع للتفسير الأثري أيّ تعبير يحكي عن هذه الموارد، ويتنزَّل تفسير الصحابة عنده إلى الكلام التقريري للمراقبين والشهود والمعاصرين لمرحلة النزول. ولا شَكَّ في أن خفاء هذا التأرجح والقبض والبسط المفهومي الشديد لمعنى مفردة التفسير في هذا النوع من الموارد مبهمٌ للغاية.
يجب التفريق بين تفسير العبارة وبين تخصيصها وتقييدها ونسخها وما إلى ذلك؛ إذ إن التفسير من سنخ البيان والشرح، والأمور الأخرى من سنخ التفصيل. والعملية الأولى من مهام «الشارح»، والعملية الثانية من مهام «الشارع». والأولى لا تندرج في عداد «النصّ»، وأما الثانية فهي عين «النصّ». والأولى مفتقرة إلى الحجية والاعتبار الذاتي عند الأتباع والمعتقدين، والثانية تتمتّع بالحجية والاعتبار الذاتي. في حين لم يتمّ بيان هذا الاختلاف الكبير بين هاتين المقولتين في التفسير الأثري للأسف الشديد!
كما يطرح هذا السؤال نفسه: ما هو الوجه في اعتبار هذا الثاني ـ الذي هو نوعٌ من تفصيل النصّ ـ من سنخ «تفسير» النصّ؟؛ إذ كيف يمكن اعتبار أمور من قبيل: تقييد المطلق، وتخصيص العامّ، والنسخ ـ مما هو نوعٌ من التصرُّف في النصّ المفتوح وغير المكتمل، أو تفصيل وتبيين مجمل أحكام النصّ المبيّن والمشتمل على أجزاء وعناصر خارجة تماماً عن مدلول عبارة الحكم المجمل ـ، من سنخ «التفسير»؟
إن إقحام أنواع النسب القائمة بين أجزاء النصّ التاريخي([18]) والقريني([19])، من قبيل: القرآن، في هامش عنوان مثل: «التفسير» ـ المبيّن لنوع من أنواع نسبة من بين النسب المختلفة ـ يُعَدّ تنزُّلاً وتبسيطاً([20]) للواقعية المعقّدة المتمثّلة بالروابط الموجودة داخل النصّ القرآني.
2ـ كما عُرِّف التفسير الأثري بنحوٍ آخر أيضاً. وقد أشار العلامة الطباطبائي في مقدّمة تفسير الميزان إلى هذا المنهج التفسيري بشكلٍ عابر على النحو التالي: «فأما المحدّثون فاقتصروا على التفسير بالرواية عن السَّلَف من الصحابة والتابعين…»([21]).
إن الكلام هنا لا يدور حول التفاسير الأثرية المشتملة على روايات النبيّ| والأئمّة^. وأما حين يتحدّث الطباطبائي عن الأنواع الثلاثة لتفسير القرآن فإنه يقول بشأن التفسير الأثري ما معناه: «تفسير الآية بمعونة رواية مأثورة عن المعصوم في ذيل الآية»([22]).
ويمكن العثور على ذات هذا المضمون في كتابٍ لـ «عميد زنجاني». فهو ـ على غرار العلامة الطباطبائي ـ لا يقوم بتعريف التفسير الأثري صراحةً. ويمكن من خلال تضاعيف عباراته ملاحظة أنه يرى أن التفسير الأثري عبارةٌ عن «فهم الآيات على أساس سماع الروايات»([23]). يرى الأستاذ عميد زنجاني أن التفسير الأثري يقع في مقابل إعمال الفكر والرأي والاجتهاد الشخصي في استخراج المفاهيم القرآنية. ويذكر في هذا الشأن مسألة في غاية الدقّة؛ إذ يقول: «إن النظرية القائمة على التفسير النقلي تشتمل على دعويين: الدعوى الأولى: وجوب التبعية للروايات التفسيرية؛ والدعوى الثانية: بطلان كلّ تفسير لا يستند إلى الرواية والسماع»([24]).
إن للتفسير الأثري بُعْدين، وهما: البُعْد الإيجابي؛ والبُعْد السلبي. أما البُعْد الإيجابي للتفسير الأثري فيعني أن هذا التفسير يؤكِّد على ضرورة تفسير الآيات بواسطة الروايات. وأما البُعْد السلبي للتفسير الأثري فيعني أن المفسِّر يجب عليه تجنّب الرجوع إلى غير الروايات في تفسير الآيات. والذي يميِّز التفسير الأثري في البين من سائر التفاسير الأخرى هو هذا البُعْد السلبي، وإلاّ قلما يمكن العثور على مفسِّر ينكر ضرورة الرجوع إلى الروايات، أو ينكر الاستناد إلى الروايات.
إن غضّ الطرف عن البُعْد السلبي من التفسير الأثري يجرِّد تعريفه من مانعيته، بَيْدَ أن التأكيد على البُعْد السلبي بدوره ليس بهذه السهولة. فأنّى لنا أن نعلم بأن المفسِّر يؤمن بهذا البُعْد السلبي؟ فهل يمكن من خلال مجرّد ذكر المفسِّر للروايات على هامش الآيات أن نستنتج بضرسٍ قاطع أنه يؤمن بنفي الرجوع إلى غير الروايات في تفسير القرآن الكريم؟ فلربما يكون قد أراد بذلك أن يُوجِد مصدراً روائياً لتفسير الآيات القرآنية، ولم يكن قاصداً إيجاد تفسير روائي؛ لإن إثبات شيءٍ لشيء لا ينفي ما عداه.
ويُضاف إلى ذلك أننا لا نمتلك وسيلة نسبر بها غور نوايا المفسِّر ومكنوناته. فمن أين لنا أن نعلم ما هي الغاية التي دفعت المؤلِّف إلى إبداع كتابه، إلاّ من خلال أقواله وكلماته، حيث يبيِّن موقفه ودافعه إلى تأليف هذا الكتاب، أو من خلال دلالة القرائن الواضحة على ذلك، كما ذهب السيد هاشم البحراني، في مقدّمة كتابه (البرهان في تفسير القرآن)، إلى القول بأن العلم بالكتاب الإلهي يقتصر على أهل البيت^، ويعتقد بأن الخروج عن هذا المسار يعني الضلال والجهل والحيرة([25]).
ويرى الفيض الكاشاني، في مقدّمة كتاب (الصافي في تفسير القرآن)، أن الوصول إلى تفسير الآيات الإلهية لا يكون إلاّ من خلال التمسُّك بروايات أهل البيت^([26]).
كما يذهب الشيخ الطوسي إلى ذات الرأي؛ إذ يقول: «واعلم أن الرواية ظاهرةٌ في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح عن النبيّ| وعن الأئمّة^ الذين قولهم حجّة كقول النبيّ|، وأن القول فيه بالرأي لا يجوز»([27]).
هناك موضعان في هذه العبارة يؤكّدان على هذا الرأي، وهما: أوّلاً: «لا يجوز… إلاّ…»، وثانياً: قوله الصريح: «إن القول فيه بالرأي لا يجوز».
وبذلك فإن تفسير القرآن من وجهة نظر الشيخ الطوسي لا يخرج من إحدى حالتين؛ فهو إما تفسيرٌ أثري؛ أو تفسيرٌ بالرأي.
ومن بين النظريات التي ظهرت مؤخَّراً تقسيم التفاسير الروائية إلى قسمين: التفاسير الروائية البَحْتة؛ والتفاسير الروائية الاجتهادية. وقد ذكر الكاتب خمسة عناوين في التفسير، وهي: (الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور)، و(تفسير القرآن العظيم)، و(تفسير العياشي)، و(نور الثقلين)، و(البرهان في تفسير القرآن)، ثم أضاف قائلاً: إن أصحاب هذه التفاسير قد عمدوا إلى مجرّد جمع الروايات التي ترتبط بآيات القرآن بنحوٍ من الأنحاء، وذكروها في هامش الآيات دون أن يقوموا بأيّ اجتهادٍ فيها، سوى ما كان من تشخيص للروايات المتناسبة مع الآيات، دون إبداء أيّ رأيٍ بشأن المعنى والمراد من الآيات. ثم اعتبر هذا الأسلوب في كتابة التفسير متناسباً مع النظرية والمدرسة الروائية البحتة. ثم شكّك في إمكانية عدّ أصحاب هذه المؤلَّفات من أنصار هذا المذهب والاتجاه التفسيري؛ إذ لربما إنهم ألَّفوا هذه الكتب، وجمعوا فيها الروايات التفسيرية ـ باعتبارها واحدةً من المصادر التفسيرية، وأنها تمثِّل واحداً من الطرق إلى فهم جزء من معاني القرآن ـ بوصفها مصدراً من مصادر التفسير، لا أن التفسير منحصرٌ بها.
ومن هنا لا يمكن اعتبارهم جميعاً من أتباع مدرسة التفسير الروائي البَحْت؛ إذ إن هذا النوع من التفاسير يمكن له أن ينسجم مع هذه الرؤية: «على الرغم من أن جزءاً من المعاني والمعارف القرآنية يمكن لها أن تفهم من دون الاستعانة بالروايات، بَيْدَ أننا لا نشكّ في أن جانباً كبيراً من المعارف الواقعية للقرآن الكريم لا يمكن تحصيله إلاّ من خلال الاستعانة بالروايات»([28]).
يضع الأستاذ البابائي أنواع التفاسير الاجتهادية في مقابل التفسير الروائي البَحْت، ومن بينها: تفسير القرآن بالقرآن الاجتهادي، والتفسير الاجتهادي الأدبي، والتفسير الاجتهادي الفلسفي، والتفسير الاجتهادي العلمي، وما إلى ذلك. والملفت أنه يذكر التفسير الاجتهادي الروائي في عداد التفاسير الاجتهادية، وقال في تعريفه: «التفسير الذي يعمد فيه المؤلِّف إلى توضيح الآيات اعتماداً على الروايات المأثورة عن النبي الأكرم| والأئمة الأطهار^، والمنقول عن الصحابة والتابعين، أكثر من أي شيءٍ آخر»([29]).
إن دقّة رأي الأستاذ بابائي في تبيين التفاسير الروائية البَحْتة، والاستناد على عزم ونية المؤلِّف في فصل التفاسير الروائية البَحْتة عن سائر الآثار التفسيرية الأخرى، تشبه دقّة رأي الأستاذ عميد زنجاني في بيان الوجوه الإيجابية والسلبية للتفسير الأثري. وعلى الرغم من توفُّره على حظٍّ من الحقيقة، وكونه صحيحاً وصائباً في نفس الأمر ومقام الثبوت، إلاّ أنه في مقام الإثبات ليس مجدياً، ولا تترتَّب عليه ثمرةٌ عملية واضحة. إننا في البحث التفسيري أمام أثرٍ تفسيري، وأما في ما يتعلَّق بالنظرية والمنهج التفسيري للمفسِّر فيجب استنباطه من صلب تفسيره.
لا شأن للباحث في التفسير بنوايا ودوافع المفسِّر، بل لا يجب أن يكون له شأن في ذلك. وإنما عليه أن يرى ما قام به المفسِّر في تفسيره، وما هي الطرق التي سلكها فيه. الأمر الأوّل: لو أن صاحب الأثر وضع على كتابه عنوان التفسير، فما هو الوجه في أن لا نعامله معاملة التفسير، ولا نعتبره بمنزلة «المرجع» و«المصدر» للتفسير؟ الأمر الآخر: يجب علينا أن نفصل حساب المفسِّر عن أثره التفسيري، فلربما يكون للمفسِّر الواحد أكثر من كتابٍ في التفسير، ويسلك في كلّ واحدٍ منها اتجاهاً مغايراً للاتجاهات التي سلكها في التفاسير الأخرى، أو أن يعمد المفسِّر إلى العدول عن منهجه التفسيري السابق.
ومن هنا يجب على الباحث أن يحدِّد منذ البداية ما هو السؤال الذي يسعى إلى الإجابة عنه؟ وأن نحدِّد مثلاً: ما هي النظرية التفسيرية للمفسِّر الفلاني؟ أو على أيّ أسلوب قام هذا الأثر التفسير؟ وإن طريقة الإجابة عن كلّ واحدٍ من هذه الأسئلة يختلف عن الآخر.
يُضاف إلى ذلك أن رؤية المفسِّر لا يجب أن تنسجم وتتطابق بالضرورة مع أثره التفسيري بشكلٍ كامل. فلربما يخوض المفسِّر في مقام التنظير في فكرة ورؤية، ويضع لها شروطاً وقيوداً، ولكنّه على المستوى العملي، وفي أثره التفسيري، يعمد إلى تجاوزها أو العدول عنها، أو يعجز عن الالتزام بتلك القيود والشروط. وبذلك فإننا نشعر بوجود ضرورة للقيام بفصلٍ من نوع آخر: «المفسِّر في مقام التنظير، المفسِّر في مقام العمل». وعلى هذا الأساس يحسن الباحث صنعاً عندما يصوغ سؤالاً بدقّة على النحو التالي: ما هو منهج المفسِّر الفلاني في تفسيره؟
إن حصيلة دقّة نظر الأستاذ بابائي ستكون كما يلي:
أوّلاً: قد لا يكون الأثر الذي يحمل عنوان التفسير من التفسير حقيقةً؛ إذ ربما كان مجرّد مرجع ومصدر للمفسِّرين، لا أكثر.
ثانياً: من غير المعلوم أن يكون مؤلِّف هذا الأثر من أتباع مدرسة التفسير الروائي البَحْت.
والذي خرج عن مدار السؤال هنا هو الأثر التفسيري؛ لأننا نكون أمام أثرٍ، وليس أثراً تفسيرياً، والذي مال إليه السؤال هو رؤية المؤلِّف. وعندما نكون أمام مصدر ومرجع للتفسير لا يعود هناك معنىً للسؤال عن المنهج التفسيري.
يُضاف إلى ذلك أن الأستاذ بابائي يستند في تعريف التفسير الروائي البَحْت على مفهوم «الاجتهاد» و«الرأي»، وينفي حضوره في التفسير الأثري البَحْت.
فأوّلاً: إن الاجتهاد والرأي من المفاهيم العائمة والمبهمة([30]) جدّاً، وإن الاستناد إلى هذا النوع من المفاهيم في التعريف، دون توضيح المراد الدقيق منها، سيفاقم من غموض التعريف.
وثانياً: عندما يستعمل مفردة «البَحْت» في عبارة «التفسير الروائي البَحْت» يتوقع منه أن يتجنَّب عبارات من قبيل: «لم يكن له أيّ نوع من أنواع الاجتهاد باستثناء تشخيص الروايات المتناسبة مع الآيات…»؛ لأن هذا الاستثناء لا ينسجم مع مفردة «البَحْت».
يذهب الظنّ بالأستاذ بابائي إلى أن قوله: «باستثاء تشخيص…» هو في الحقيقة تشخيصٌ جزئي، في حين أن هذا الأمر ـ كما سيتّضح ـ يعبِّر عن الحضور والدور الفاعل والمؤثِّر لشخص المفسِّر في مسار التفسير.
وثالثاً: ثم إنه ـ كما سيأتي أيضاً ـ لا ينحصر اجتهاد ورأي المفسِّر بهذه الفقرة، حيث يمكن لنا أن نرصد أصنافاً لتدخّل ودور اجتهاد ورأي المفسِّر في التفسير الأثري، وإنْ كان تحت يافطة هذا الإحجام الكثيرُ من النشاط المستتر لذهن المفسِّر.
ورابعاً: يستند الأستاذ بابائي في تعريف «التفسير الاجتهادي الروائي» ـ الذي يعتبره على ما يبدو معادلاً لـ «النظرية الاعتدالية» و«المذهب الاجتهادي الجامع»([31]) ـ على مفاهيم كيفية مبهمة، وكمية غير محددة: «في هذه التفاسير وإنْ كان جزء من معنى القرآن لا يمكن فهمه من دون الاستعانة بالروايات، ولكنْ يمكن لنا أن نحصل على شيءٍ من الفهم للجزء الآخر من المعارف القرآنية، دون الاستعانة بالروايات»([32]).
ما هو مقدار الآيات الذي تشير إليه مفردة «جزء» في هذا الكلام؟ وما هي الآيات المشمولة له بالتحديد؟ وما هو «الجزء الآخر»؟ وحيث يقول: «التفسير الذي يعمد فيه المؤلِّف إلى توضيح الآيات اعتماداً على الروايات المأثورة عن النبيّ الأكرم| والأئمة الأطهار^، والمنقول عن الصحابة والتابعين، أكثر من أيّ شيء آخر»([33]). ما الذي تعنيه مفردة «أكثر»؟ ما هو مقدار هذا الأكثر؟ ماذا يعني «كلّ شيء»؟ ما الذي تعني كلمة «اعتماداً»؟
وخامساً: ما الذي يعنيه مصطلح «الاجتهاد الروائي» أساساً؟ ألا يؤدّي هذا التعبير إلى تقويض تقسيم التفاسير إلى: روائية؛ واجتهادية؟ إن استعمال مفردة «البَحْت» في عنوان «التفسير الروائي البَحْت»، واستخدام عبارة «التفسير الروائي الاجتهادي»، يجعل من مفردة «الروائي» و«الاجتهادي» مفاهيم مشكّكة ومتدرّجة، ويحكي عن إمكانية تجاور هذين المفهومين. ومن هنا يمكن تقسيم كلّ تفسير إلى: مراتب روائية؛ ومراتب اجتهادية. وعليه لا تعود هذه المفاهيم بمنزلة النقطة أو المساحة، بل تعتبر بمثابة «الطيف»، يكون في طرف منه روائياً بَحْتاً، وفي طرفه الآخر اجتهادياً بَحْتاً، وسنواجه في هذا الخضم أطيافاً متفاوتة من التفاسير الاجتهادية الروائية. وبذلك ما الذي سيبقى من جذور تقسيم وتفكيك التفاسير الروائية من التفاسير الاجتهادية؟
ثم إننا إذا تجاوزنا الإشكالات الخاصّة الناظرة إلى تعريف الأستاذ بابائي فإن التعاريف التي أدرجناها في هذه المجموعة الثانية تستحقّ التأمُّل للجهات التالية:
1ـ إن هذه التعريفات قد صيغت في الفضاء الشيعي، ولذلك فإنها تنشد التفاسير الشيعية تلقائياً، أو تفترض أن قارئها يجب أن يكون شيعياً. وعلى أيّ حالٍ فإن هذه التعاريف لم تكن ناظرة بشكلٍ جادّ إلى تفاسير أهل السنّة؛ إذ استخدمت عبارة «الروايات» بشكلٍ رئيس، والتي هي من وجهة نظرهم لا تشمل أقوال الصحابة والتابعين، بل لا حجّية ولا اعتبار لأقوال الصحابة والتابعين من وجهة نظر أصحاب هذه التعاريف.
2ـ إن هذه التعاريف لم تدرج تفسير القرآن بالقرآن في عداد أضلاع التفسير الأثري، وإنما استفادت من المفهوم الكلّي لـ «روايات المعصومين^»، وهو يشمل مجرّد كلام النبي الأكرم| والأئمة الأطهار^ فقط. وعليه فإن هذه التعاريف هي تعاريف انتقائية، قبل أن تكون جامعةً.
3ـ إلى هنا، قسَّمنا التفسير الأثري إلى قسمين، وعمدنا إلى نقد وتحليل كلّ واحد منهما بشكلٍ مستقلّ. والآن ننتقل إلى النقد العامّ والشامل لجميع التعاريف المذكورة:
1ـ إن التعاريف مورد البحث «محورية المفهوم»، بمعنى أنها تبيّن المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردة «التفسير»([34])، ومن ثم تبين مفردة «الأثر»، وبعد ذلك يُصار إلى بيان وتوضيح المعنى التركيبي لـ «التفسير الأثري». وعليه فإن هذا التعريف:
أوّلاً: يرى نفسه ملتزماً بمعنى ومقتضى المفردات الموجودة في تركيب «التفسير الأثري» واحدة واحدة.
وثانياً: إن هذا التعريف هو تعريف التفسير الأثري كما «يجب»، لا كما هو «كائنٌ». إن هذا التعريف يقدم نموذجاً أو إطاراً مثالياً ينبغي على التفاسير الأثرية أن تتماهى معه، وليست في مقام إعداد ثوب يتناسب مع قوام التفاسير الأثرية.
وبعبارةٍ أخرى: إن هذا التعريف ناظرٌ إلى التفسير الأثري المطلوب ـ وإنْ لم يكن موجوداً ـ، لا إلى التفسير الأثري الموجود، بل قد لا يكون مطلوباً أيضاً. ومن هنا فإن صدر وعجز الأبحاث الموجودة بشأن التفسير الأثري ممزوجان بالتناقض. ففي البداية يتمّ تعريف التفسير الأثري كما «يجب»، ولكنْ حيث تصل إلى أبحاث من قبيل: «آفات التفاسير الأثري» يتمّ الخوض في التفاسير الأثرية كما «هي»، متجاهلين أن متعلق البحث قد تغيَّر تلقائياً. كيف يمكن لحضور مقولات من قبيل: الوضع، والإسرائيليات، والغلوّ، والروايات غير المعتبرة، وما إلى ذلك، في التفاسير الأثرية الموجودة، أن تنسجم وتجتمع مع ذلك التعريف المثالي؟ ما هو التفسير الأثري الذي يمكن العثور عليه، ويكون في الوقت نفسه خالياً من هذه الآفات والمقولات؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي المباني التي يقوم عليها ذلك التعريف؟
ثالثاً: تَبَعاً للخصائص المتقدّمة فإن التعاريف الموجودة تشتمل على اتجاهات قيمية([35]) أيضاً. وعليه فإن تعريف الباحث السنّي في الشأن التفسيري غالباً ما يختلف عن تعريف الباحث الشيعي في التفسير؛ حيث يذهب أحدهما إلى القول بأن تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين يندرج ضمن دائرة التفسير الأثري؛ بينما يذهب الآخر إلى خروج أقوال الصحابة والتابعين عن دائرة التفسير الأثري. بل لا نرى وحدة في الرأي حول مساحة التفسير الأثري حتّى بين أتباع التيار الديني الواحد؛ إذ نجد هذا الاختلاف قائماً بين علماء أهل السنّة أنفسهم حول ما إذا كان التفسير المستند إلى قول التابعي يدخل في عداد التفسير الأثري أم لا؟ إن هذا الأمر يثبت أن أصحاب هذه التعاريف عندما يصوغون تعريفهم فإنهم، بدلاً من بيان التعريف الواقعي، يسقطون عليه توجُّهاتهم.
وعندما يكون ناظراً إلى النماذج المنشودة فإنه لا محالة سيتجاهل بعض النماذج والمصاديق العينية، وبالتالي سيفقد التعريف جامعيّته. وفي مثل هذه الحالة لا يمكن الجمع بين الجامعية من جهةٍ والسعي وراء المنشود والاتجاه الخاصّ من جهةٍ أخرى.
رابعاً: يقوم الادّعاء في مجموع التعاريف الموجودة للتفسير الأثري على أن الاجتهاد والرأي من قبل المفسِّر لا مجال له في هذا المنهج. لقد تمّ التأكيد في هذه التعاريف على هذا الأمر بحيث تؤدّي إلى «غيبة المفسِّر» من دائرة التعريف، وتمّ تجاهل عنصر «المفسِّر» بالمرّة. وكأنّ هذه التفاسير هي حصيلة تأليف دون تدبير أو تنظير، فهي عبارةٌ عن مجرّد انتقاء لبعض الروايات والأقوال في بيان بعض الآيات. ولكي نثبت بطلان هذه الرؤية السطحية، وبيان أنحاء وأنواع تفاعل المفسِّر في مسار التفسير الأثري من جهةٍ، والوصول إلى تعريف واقعي لاحق ومنبثق عن النماذج والمصاديق العينية، نضطرّ إلى طرح هذا السؤال الهامّ والمحوري، والإجابة عنه: «ما الذي يقوم به المفسِّر في التفسير الأثري؟».
إننا من خلال الإجابة عن هذا السؤال نستطيع الوصول إلى تعريفنا المختار للتفسير الأثري. وهو التعريف الذي يرى نفسه ملتزماً بالوفاء بالنماذج والمصاديق العينية والخارجية، ويعتبر البحث عن الجذور والتعرُّف عليها، وتحليل الألفاظ للوصول إلى التعريف، تنكُّباً للطريق. إن التعريف الذي ينظر إلى التفاسير الأثرية ويرتضيها كما هي «كائنة» يُعَدّ تعريفاً واقعياً، وليس انتقائياً. إنه التعريف الذي لا يرى الحقّ والباطل، والاعتبار وعدم الاعتبار، والتشيّع والتسنّن، مؤثّراً في التفسير الأثري. إن التفاسير الأثرية لدى أهل السنّة تعتبر من التفسير الأثري بمقدار ما للتفاسير الأثرية لدى الشيعة من صدق لهذا العنوان فيها. وأما تشخيص الحقّ والباطل والاعتبار وعدم الاعتبار وما إلى ذلك في هذه التفاسير فلا ربط له بمقام التعريف.
3ـ ما الذي يفعله المفسِّر في التفسير الأثري؟
في النظرة الأولى([36]) عندما تتصفّح أي تفسير أثري سوف تصادف آيات وعلى هامشها رواية أو روايات مسندة أو غير مسندة، ولا ترى غير ذلك. وأما عندما تعود إلى ما وراء كواليس التفسير، وتتأمَّل في مسار التفسير، فسوف تشعر بحضور الكثير من الحاضرين اللامرئيين الذين يعملون على توجيه دفّة التفسير الأثري بشكلٍ غير محسوس. ويمكن لنا أن نذكر هنا شاهداً واضحاً وشفّافاً، فهو واضحٌ وشفّاف من حيث إن المفسِّر يقرِّر بنفسه المسار الذي طواه، أو اعتبر نفسه ملتزماً به، وهو المسار الذي طواه جميع المفسِّرين في التفسير الأثري، مع اختلافٍ نسبي بينهم في بعض الملاكات والمباني.
لقد أظهر الفيض الكاشاني، في مقدّمته الثانية عشرة من كتابه (الصافي في تفسير القرآن)، ما وراء كواليس تفسيره([37])؛ إذ قال في تلك المقدّمة: إننا في تفسير كل آيةٍ نبحث أوّلاً عن شواهد من الآيات في تفسير الآيات المتشابهة، ونعمل على إرجاعها إلى محكمات القرآن.
وهذه الخطوة الأولى من الفيض الكاشاني موضع تأمُّلٍ من عدّة نواحٍ:
1ـ لم يوضِّح مسبقاً ما هي الآية أو الآيات التي يمكن لها أن تكون شاهداً أو شهوداً لتفسير آيةٍ من الآيات. إن تحديد ربط ونسبة آية من حيث المعنى والمدلول، وتفسيرها بآيةٍ أو آيات أخرى، منوطٌ بإدراك وفهم المفسِّر، فلربما كان بعض المفسِّرين يرى ارتباط آيةٍ من الناحية التفسيرية بالآية مورد بحثه، ويراها مفسِّر آخر مرتبطةً بآيةٍ أخرى. إن هذا الربط وهذه النسبة المفهومية والتفسيرية غير متعيِّنة مسبقاً، والذي يجعلها متعيِّنة هو فهم المفسِّر للآيات.
2ـ إن القول بأن بعض آيات القرآن لا خلاف في كونها من المتشابهات، وبعضها الآخر لا إشكال في كونها من المحكمات، مجرَّد رأيٍ من بين الآراء الأخرى، وهو قائمٌ على تعريف للمحكم والمتشابه من بين الكثير من التعاريف الأخرى.
لا يشتمل القرآن على مجموعة محدّدة من الآيات المحكمات والآيات المتشابهات المتميِّزة من بعضها، بحيث يخلو أمر إرجاع المتشابهات إلى المحكمات من الغموض والإبهام، ولا نحتاج فيه إلى دور المفسِّر في هذا الشأن. وعليه فإن اتخاذ أيّ خطوةٍ في هذا الطريق مسبوقةٌ باتخاذ رأي، بل الكثير من الآراء، من قبل المفسِّر في العديد من المواضع.
3ـ بالإضافة إلى المسألتين الآنفتين، نقول هنا: إن القول بأن التشابه والإحكام من الصفات الذاتية للآيات هو بدوره رأيٌ من بين الآراء الأخرى أيضاً. فهناك مَنْ يرى نسبية التشابه والإحكام([38])، ويرى أنها أوصاف تكتسبها الآيات في نسبتها لنا، فهي في حدّ ذاتها لا متشابهة ولا محكمة([39]). وهناك أيضاً مَنْ يقول بوجود نوعين من التشابه في القرآن، وهما: التشابه الذاتي؛ والتشابه العرضي، حيث إن الثاني ـ بخلاف الأول ـ يعرض لاحقاً، وهكذا هناك أقوالٌ أخرى في هذا الشأن لا يتَّسع المجال لذكرها.
4ـ إن الفيض الكاشاني، في تبرير رجوعه إلى شواهد من الآيات في تفسير آيةٍ، وسبب إرجاعه المتشابهات إلى محكمات القرآن، لا يستدلّ بالقرآن الكريم، ولا يستند إلى دليلٍ عقلي، وإنما يسند ما يقوم به إلى الرواية. وعليه فإن دليله في ذلك هو دليلٌ روائي ونقلي.
ثمّ يستطرد الفيض الكاشاني قائلاً: «إنْ وجدنا شاهداً من محكمات القرآن أتينا به…، وإلاّ فإنْ ظفرنا فيه بحديثٍ معتبر من أهل البيت^ في الكتب المعتبرة من طرق أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ أوردناه، وإلاّ أوردنا ما روينا عن أئمّتنا^ من طرق العامة؛ لنسبته إلى المعصوم، وعدم ما يخالفه [عندنا]»([40]).
وفي هذه الفقرات هناك مسائل جديرةٌ بالاهتمام:
5ـ إن هذه العبارة زاخرةٌ بالتنظير([41])، ومفعمة بالتوجُّه القيمي([42])، فهي تشتمل على مفاهيم من قبيل: «الحديث المعتبر»، و«أهل البيت»، و«الكتب المعتبرة»، و«أصحابنا»، و«العامة»، و«أئمتنا»، وما إلى ذلك. ولكنّها مفاهيم تشير بوضوح إلى اتجاه منبثق من رأي وتوجُّه المفسِّر ودوره في مسار التفسير.
6ـ يرى الفيض الكاشاني بوصفه مفسِّراً ـ بشكلٍ عام ـ، وبوصفه مفسِّراً شيعياً ـ بنحو خاصّ ـ، عدم إمكانية توظيف أيّ حديث في أمر تفسير الآية. ومن هنا فإنه يُدْخِل في البين مسألة اعتبار الرواية والملاك أو الملاكات في اعتبارها. فمَنْ ذا الذي لا يعلم أن هذه الملاكات ما هي إلاّ إبداعٌ بشريٌّ؟ ومَنْ ذا الذي لا يعلم أن علماء التفسير والحديث غير مجمعين بشأن ملاك أو ملاكات اعتبار الرواية؟ ومَنْ ذا الذي لا يعلم أن ملاكات علماء الشيعة وأهل السنّة في هذا الشأن ليست متطابقةً تماماً؟
ثم لو تجاوزنا جميع هذه الموارد إذا افترضنا أن الملاكات ليست واحدة فمَنْ ذا الذي لا يعلم مدى الاختلاف في أوجه النظر حول تحديد وتعيين المصداق؟ حيث يذهب شخصٌ إلى تضعيف فلان الراوي، بينما يذهب الآخر إلى توثيقه، وما إلى ذلك. وعليه ما إنْ يتمّ طرح مسألة ومقولة «الاعتبار» حتّى يكون اختيار رواية من بين التراث الديني ـ الذي يعاني من عوارض عدم الجامعية، وعدم المانعية ـ، واعتبارها على المستوى العملي، تابعاً لآراء علماء الرجال والحديث وما إلى ذلك، والرأي الذي يميل إليه المفسِّر من بين تلك الآراء.
7ـ إن الفيض الكاشاني، حتّى في هذا المورد، يذكر أن السبب في رجوعه إلى الأحاديث المعتبرة في تفسير القرآن وجود رواية في هذا الشأن، بمعنى أنه يأتي بدليل نقلي وروائي يثبت ضرورة الرجوع إلى الروايات المعتبرة في تفسير القرآن. وحتّى عندما يبيِّن ما هي الرواية المعتبرة؟ وما هي الرواية غير المعتبرة؟ يذكر ملاكاً «روائياً». وكما نلاحظ فإن الفيض الكاشاني لا يرى التفسير المعتبر من القرآن هو التفسير الأثري فحَسْب، بل إنه يغير اعتبار هذا المنهج في التفسير الأثري، ويقيمه في مختلف المواضع على الرواية، وهذه المسألة في غاية الأهمية.
ثم يستطرد «الفيض الكاشاني» قائلاً: «وما لم نظفر فيه بحديثٍ عنهم^ أوردنا ما وصل إلينا من غيرهم من علماء التفسير، إذا وافق القرآن وفحواه».
وفي هذا الشأن هناك مسائل جديرةٌ بالاهتمام أيضاً:
8ـ حيثما جرى الكلام عن ملاك الانسجام أو عدم الانسجام مع القرآن يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار أن إدراك تشخيص الانسجام أو عدم الانسجام مسبوقٌ بإدراك وفهم المفسِّر لآيات القرآن. وكذلك القول بطرح انسجامه أو عدم انسجامه مع القرآن. وإن المفسِّر ما لم يقُمْ بفهمٍ وإدراك لكلا الجانبين لا يكون هناك من معنى للانسجام وعدم الانسجام. وبعبارةٍ أخرى: إن الانسجام أو عدم الانسجام أمرٌ يخطر على ذهن المفسِّر عندما يواجه الفهم المتعلِّق بكلا الطرفين، ولا يحصل بين ذينك الطرفين خارج ذهن المفسِّر. ومن هنا يبدو لمفسِّرٍ أن هناك انسجاماً بين القرآن والقول الكذائي؛ في حين يذهب مفسِّرٌ آخر إلى عدم وجود الانسجام بين القرآن وذلك القول.
9ـ إن المبنى والملاك الذي يذكره «الفيض الكاشاني» هنا لجواز الرجوع إلى قول علماء التفسير قد أخذه من «الروايات» أيضاً؛ حيث قال: عند تعارض الأحاديث عرضناها على كتاب الله وأحاديث أهل البيت^، وإذا كانت الأخبار فيه كثيرة اقتصرنا منها على ما اشتمل على مجامعها… وإنْ كانت مع كثرتها مختلفة نقلنا أصحّها وأحسنها وأعمّها فائدة.
10ـ من الواضح أن الذي يلعب دوراً محورياً في جميع هذه الموارد ـ أي في مقام تشخيص التعارض أو اختلاف الروايات، أو تشخيص ما هو الحديث الأجمع أو الأصح أو الأفضل أو الأعمّ فائدة، وما إلى ذلك ـ هو فهم وإدراك وتشخيص ورأي واجتهاد المفسِّر.
والحاصل أن جميع هذه الفقرات العشرة المتقدّمة تشهد بوضوحٍ على أن مفسِّراً ـ مثل: الفيض الكاشاني ـ له في التفسير الأثري ـ مثل: (تفسير الصافي) ـ حضورٌ فاعل ومؤثر في جميع مسار تفسير الآيات، حيث يعمل على الانتقاء واتخاذ المواقف والرأي في كلّ خطوة من خطوات تفسيره.
وأعيد هنا وأكرِّر بأن هذا الأمر لا يختص بالفيض الكاشاني وتفسير الصافي، بل يجري كذلك على الطوسي والتبيان، وعلى البحراني والبرهان، وعلى السيوطي والدرّ المنثور، وعلى الحويزي ونور الثقلين، وهكذا. ومن خلال هذا البيان تتّضح سذاجة وسطحية الذهنية الشائعة التي تقول بعدم إمكان تطرُّق رأي واجتهاد وعقل المفسِّر إلى التفسير الأثري. كما أن هذا هو الذي يُفسِّر لنا سرّ الاختلاف والتنوُّع الكبير في التفاسير الأثرية في مجال التراث التفسيري لدى المسلمين.
إن تجاهل الحضور الفاعل والمؤثِّر للمفسِّر في مسار التفسير الأثري، وحصر الأمر في ذلك بروايات التفسير، بمنزلة تجاهل دور لاعب الشطرنج، وحصر الأمر في هذه اللعبة بأحجار وأدوات محدودة ومعيَّنة، وبمنزلة حصر المشهد التمثيلي على خشبة المسرح بالممثلين، والغفلة عن الأمور التي تدور خلف الكواليس، وتجاهل دور المخرج والكاتب والمصوِّر وكاتب السيناريو وما إلى ذلك.
إن الرؤية الحاصلة من البحث، كما تتحدّى رؤيتنا السائدة في مجال التفسير الأثري، فإنها تعمل كذلك على تجاوز الحدود المعهودة والمعروفة لهذا المنهج التفسيري مع سائر المناهج التفسيرية الأخرى، وتطرح هذا السؤال: إذا كانت التفاسير الأثرية الموجودة مشتملة على تفسير القرآن بالقرآن فما هو الاختلاف بين التفسير الأثري وتفسير القرآن بالقرآن؟ وإذا كان عنصر الاجتهاد دخيلاً في التفسير الأثري فأين يكمن اختلافه عن التفاسير الاجتهادية الأخرى؟ وإذا كان رأي المفسِّر في هذا المنهج التفسيري مؤثِّراً فما هو فرقه عن التفسير بالرأي؟ وإذا كان عقل المفسِّر يلعب دوراً في التفسير الأثري فما هو الفرق بينه وبين التفاسير العقلية الأخرى؟ في مثل هذه الأوضاع تتجلّى ضرورة إعادة تعريف «التفسير الأثري»، ورسم الحدود التي تفصله عن التفاسير الأثرية بوضوحٍ، ولربما أدّى ذلك إلى تقديم تعريف جديد للتفسير الأثري يتلاءم مع إعادة النظر في تقسيم المناهج التفسيرية.
4ـ نحو تعريفٍ جديد
1ـ بالإضافة إلى ما تقدَّم من المسائل، يمكن لبعض الأمور التالية أن تساعدنا على تقديم تعريف واقعي للتفسير الأثري:
أـ كما تقدَّم أن رأينا فإن دائرة وسعة المصادر في التفسير الأثري ليست على شاكلةٍ واحدة. فالمصادر في بعضها تشمل: القرآن الكريم، وكلام النبي الأكرم|، وأقوال الصحابة. وفي بعضها الآخر تشمل أقوال التابعين أيضاً. أما مصادر التفسير لدى الشيعة فهي عبارةٌ عن: كلام النبيّ الأكرم| والأئمة الأطهار^. وعليه فإن المتَّفق عليه بين جميع التفاسير الأثرية هو الرجوع إلى كلام النبيّ|، وأما سائر المصادر الأخرى فقد وقع الخلاف فيها. ولكنّ الملفت في جميع هذه المصادر أنها من سنخ «النقل» في مقابل «العقل»، حيث يقوم كل مفسِّر باستخدام وتوظيف النقل في تفسيره، ممّا يعتبر من وجهة نظره مرجعاً معتبراً([43]). ومن هنا فإن تعريف التفسير الأثري بأنه «النقل أو النصّ المعتبر من وجهة نظر المفسِّر» سيكون تعريفاً واقعياً وجامعاً.
ب ـ يذهب المفسِّر الأثري إلى اعتبار نوعٍ من الترتيب والتقدُّم والتأخُّر بين المصادر التفسيرية المعتبرة. وإن «القرآن الكريم» مقدَّمٌ على جميع هذه المصادر، وفي أسفل الترتيب تأتي «أقوال التابعين». وقد صرَّح أغلب المفسِّرين الأثريين أنهم في الخطوة الأولى يرجعون في تفسير الآية إلى سائر آيات القرآن الأخرى، وفي الخطوة الثانية ينتقلون إلى كلام النبيّ الأكرم|، وبعد ذلك يأتي الدَّوْر على الصحابة، وبعدهم التابعون([44]). يحظى هذا التقدُّم والتأخُّر بأهمّية كبيرة لدى المفسِّر الأثري، بحيث إنه لو عثر على ضالته من خلال الرجوع إلى سائر آيات القرآن، وتمكّن من الحصول على مفهوم ومدلول الآية التي هو بصدد تفسيرها، فإنه يوقف عملية البحث عند هذا الحدّ، ويقفل ملف تفسير الآية، أو إذا اتّضح له معنى وتفسير الآية من خلال الرجوع إلى كلام النبيّ الأكرم| أوقف البحث، دون الرجوع إلى المصادر الأخرى.
ج ـ إن المفسِّر الأثري قد يعتمد في بحثه عن معنى ومدلول الآية على المصادر النقلية المعتبرة، ويتعرَّض إلى أقوال من خارج دائرة المصادر المعتبرة. وإن المهمّ في البين هو أن يرجع المفسِّر إلى المصادر النقلية المعتبرة عنده؛ من أجل العثور على أثر «مقدّم على أيّ شيء آخر»؛ للوصول إلى معنى ومدلول الآية، ويترك كلّ كلامٍ من خارج هذه الدائرة إلى ميزان حكم النقل المعتبر عنده.
د ـ إن الأهمّ في البين هو أن المفسِّر الأثري يلتمس اعتبار مصادره النقلية في تفسير آيات القرآن الكريم، وجواز الاستناد إليها، من داخل النقل، بمعنى أن النقل نفسه هو الذي يضفي الاعتبار على النقل.
وفي ما يتعلق بـ «الفيض الكاشاني» ـ كما رأينا ـ كان منشأ هذا الاعتبار هو «الروايات»، بل أخذ حتّى جواز الرجوع والاستناد إلى الشهادات القرآنية من الروايات أيضاً.
وأما بالنسبة إلى المفسِّرين الأثريين من أهل السنّة فإن اعتبار المصادر النقلية يُستمَدّ من «القرآن الكريم»؛ فالقرآن هو الذي يضفي الاعتبار على كلام النبيّ الأكرم|، وإن القرآن والنبيّ هما اللذان يضفيان الاعتبار على أقوال الصحابة والتابعين.
2ـ إن كلّ تعريفٍ لا يسند إلى المباني النظرية سوف يعاني ضعفاً في الأسس. وعليه يجب أن نقيم المعطيات المنبثقة عن دراسة حقيقة التفاسير الأثرية على قاعدة نظرية مناسبة. وإن المعطيات المتوفّرة سوف تحظى ـ من وجهة نظر كاتب هذه السطور ـ بتنظيمٍ أفضل في ضوء «النزعة النصّية»([45]).
إن النصّ والنقل يقع في مقابل «العقل»، كما أن النصّ والنزعة النقلية تقع في مقابل «النزعة العقلية»([46]). والصحيح هو أن نعمل أوّلاً على بيان مرادنا من النصّ والنقل والعقل، ثم نعمل بعد ذلك على إيضاح النصّ والنزعة النقلية والنزعة العقلية، ثم نقوم ببيان التفسير النصّي والتفسير العقلي، لنثبت في نهاية المطاف أن التفسير الأثري ليس شيئاً آخر غير التفسير النصّي.
إن النصّ أو النقل عبارةٌ عن مجموعة من النصوص المقدَّسة لدينٍ أو مذهب خاصّ، وهي تعتبر من وجهة نظر أتباعها فوق الشكّ والسؤال. والعقل عبارةٌ عن مجموعة من العلوم والمعارف التي يتمّ الحصول عليها من الطرق العادية لاكتساب العلم والمعرفة (أي الحسّ، الأعم من الظاهري والباطني؛ والاستدلال؛ والنقل التاريخي)([47]).
هناك ثلاثة أنواع من النزعة النقلية والنزعة العقلية، وذلك على النحو التالي:
النوع الأوّل: يقوم على التقدّم والتأخُّر. تقوم النزعة العقلية على الاعتقاد بأن حلّ كل مسألة، ورفع كلّ مشكلة، يجب الرجوع فيه قبل كلّ شيءٍ إلى العقل (بالمعنى المتقدِّم)، وفي حال عجز العقل عن حلِّها ورفعها يجب الرجوع إلى النقل أو النصّ (بالمعنى المتقدِّم).
وفي المقابل تذهب النزعة النقلية إلى الاعتقاد بوجوب الرجوع قبل كلّ شيء إلى النقل لحلّ كلّ مسألة أو مشكلة، ولا ننتقل إلى العقل إلاّ بعد العجز عن العثور على الحلّ في النقل.
وأما النوع الثاني فيقوم على ثنائية «الأداة» و«المصدر». ففي هذا النوع من النزعة العقلية يقوم الاعتقاد على أن العقل ليس مجرّد وسيلة وأداة لكشف واستخراج الحلّ والجواب من النصوص الدينية المقدَّسة، بل هو مصدرٌ مستقلّ للعثور على الحلول والإجابات.
وأما النزعة النقلية فتقوم على الاعتقاد بالأصل القائل: إن العقل مجرّد وسيلة أو أسلوب يمكن من خلاله أن نستخرج طريق حلّ المسألة أو رفع المشكلة من النصوص الدينية.
وبالتالي فإن النوع الثالث يقوم على مقولة «الحكم». إن النزعة العقلية في المعنى الثالث تعني أننا إذا اكتشفنا تعارضاً حقيقياً ـ لا ظاهرياً ـ بين مدركات العقل والقضايا الموجودة في النصّ وجب علينا الانحياز إلى العقل.
وأما النزعة النقلية فتقوم على الاعتقاد بوجوب أخذ جانب النقل عند اكتشاف مثل هذا التعارض.
أرى في ضوء هذه المعاني والأنواع الثلاثة للنزعة العقلية والنزعة النقلية إمكانية الحصول على تعريفٍ واضح ومعياري للتفسير الأثري، بل يمكن بالإضافة إلى ذلك تقديم تقسيم جديد وجذري بشأن المناهج التفسيرية للقرآن، والتي تخلو من الغموض والانحياز واعتماد الأذواق والمشارب. وعلى هذا المبنى يمكن تقسيم مجموع التفاسير المتوفِّرة لدينا إلى قسمين، وهما: التفاسير النقلية (النصّية)؛ والتفاسير العقلية. وإن التفاسير النقلية عبارة عن تلك التفاسير التي تتَّجه في مقام تفسير آية من القرآن إلى النقل والنصّ (بالمعنى الذي سبق ذكره)، ولا تتعدّى دائرة النصّ. وبعبارةٍ أوضح: إن هذه التفاسير ترى النصّ وحده هو المرجع الموثوق لفهم معنى ومدلول آيات القرآن، وتتّخذ من العقل (بالمعنى الذي ذكرناه آنفاً) مجرّد وسيلة وأداة وأسلوب لكشف واستخراج معنى ومدلول آيات القرآن، ولا يتمّ التعاطي معه بوصفه مصدراً ومرجعاً موثوقاً. وإنّ كل قولٍ أو رأي تفسيري يُعْرَض على حكم النصّ وتقييمه بمعيار النقل، وفي مواجهة التفاسير المعارضة للنقل يتمّ الانحياز إلى النقل.
وأما التفاسير العقلية فهي تلك المجموعة من تفاسير القرآن التي تتجاوز دائرة النصّ والنقل في مقام كشف وفهم معنى ومدلول آيات القرآن الكريم، ولا تعمل على مجرّد توظيف العقل (بالمعنى الذي ذكرناه آنفاً)؛ لكشف واستخراج معنى الآيات من صلب النص فحَسْب، بل ويتمّ الرجوع لكشف معنى وفحوى الآيات إلى العقل (بذلك المعنى)، بوصفه مرجعاً موثوقاً ومستقلاًّ أيضاً. وعلى هذا الأساس لا يُعَدّ النقل في هذه التفاسير هو المصدر الوحيد. والأهمّ من ذلك أنها تعتبر إصدار الحكم النهائي من وظائف العقل، بمعنى أن كلّ قول ورأي تفسيري يعرض على حكم العقل ومبضعه التشريحي، وعند حصول التعارض بين المعطيات النقلية والمدركات العقلية يتمّ الانحياز إلى العقل.
وعلى هذا الأساس فإن وجود الروايات في التفسير ـ سواء كثرت أم قلّت ـ لا تشكّل ملاكاً لاعتبار ذلك التفسير من التفسير النقلي؛ ومن جهةٍ أخرى لا يمكن اعتبار حضور الأقوال والآراء العلمية والفلسفية والكلامية ـ سواء أكانت قليلة أم كثيرة ـ ملاكاً ودليلاً على كون ذلك التفسير هو من نوع التفسير العقلي. كما أنه ـ طبقاً لهذا الكلام ـ لا تكون هناك حاجةٌ لاستعمال المفاهيم المبهمة والجَدَلية من قبيل: الاجتهاد والرأي وما إلى ذلك؛ من أجل التمييز بين المناهج التفسيرية. وبالتالي نصل إلى تعريف التفسير الأثري.
إن التفاسير الأثرية ـ بالالتفات إلى المقدّمات المذكورة آنفاً ـ هي في الحقيقة من التفاسير النقلية، بالأوصاف والخصائص التي تقدَّم ذكرها. إن كلّ ما تقدَّم ذكره من حقائق التفسير الأثري، وجميع ما قلناه في نقد وتحليل التعاريف مورد البحث، يبدو بأجمعه منسجماً مع تعريف وتوصيف التفسير النقلي. ومن هنا فإن التفسير الأثري سيكون عبارةً عن «سعيٍ بشري منهجي لفهم معنى الآيات، يرى فيه المفسِّر أن النصّ المعتبر من وجهة نظره هو المرجع الوحيد والموثوق والحَكَم الأخير، وليس للعقل فيه من دَوْرٍ سوى دَوْر الأداة والمنهج».
نرى أن هذا التعريف أكثر وفاءً ببيان مقولة العينية([48])، وفي الوقت نفسه يتمتع بجدوائيةٍ([49]) أكبر في مقام التحليل المنهجي لهذا النوع من التفاسير، وكذلك تشخيصها وتمييزها من سائر التفاسير الأخرى.
إن هذا التعريف في الوقت الذي لا يغفل دور المفسِّر في التفسير الأثري يعيِّن حدوده وثغوره وشأنه ومقامه في هذا النوع من التفاسير، ومن خلال ذلك يرسم الحدّ الفاصل بين التفاسير الأثرية (التفاسير النقلية) والتفاسير العقلية أيضاً.
يُضاف إلى ذلك أنه خالٍ من الانحياز والمثالية. ومن هنا فإنه ينطبق على جميع المصاديق والنماذج العينية للتفاسير الأثرية.
ولسنا بحاجةٍ إلى التذكير بأن دائرة النصّ في التفسير الأثري (النقلي) رهنٌ باعتقاد المفسِّر. فمن وجهة نظر المفسِّر السنّي ـ على سبيل المثال ـ تشمل دائرة النصّ أقوال الصحابة والتابعين أيضاً، في حين يذهب المفسِّر الشيعي إلى خروج أقوال الصحابة والتابعين من دائرة النقل.
كما لا نحتاج إلى التذكير بأن المراد من نقل النصّ في هذا التعريف هو تلك المجموعة من النصوص الدينية المقدَّسة التي تحظى عند المفسِّر بالوثاقة والاعتبار. وما كان يعتبره المفسِّر الأثري موثوقاً ومعتبراً قد يكون بالنسبة إلى الآخر أو في مقام الثبوت مختلقاً وموضوعاً وفاقداً للاعتبار. وكلّ هذه الأمور ملحوظةٌ في هذا التعريف الذي قدَّمناه للتفسير الأثري، حيث تشمل مظلّة هذا التعريف جميع هذه الاختلافات والتنوُّعات. وإلى ذلك فإن التفسير الأثري ممتزجٌ بالأحاديث المختلقة والإسرائيليات، والروايات غير المسندة، والمفعمة بالغلوّ.
الهوامش
(*) أستاذ وعضو الهيئة العلميّة في جامعة الخوارزمي، متخصِّصٌ في علوم القرآن والحديث. له مجموعةٌ من الكتب والمقالات.
([5]) يأتي قيد (بحَسَب الأصول) من حيث إن هذا الأمر لا يأتي من ناحية أصحاب الأثر التفسيري. نعم ربما عمد مفسِّر ـ بوصفه باحثاً في الشأن التفسيري ـ إلى اختيار عنوان لأثره التفسيري، كما نجد ذلك ـ على سبيل المثال ـ عند جلال الدين السيوطي، حيث أطلق على أحد تفاسيره عنوان (الدرّ المنثور في تفسير القرآن بالمأثور).
([7]) على سبيل المثال: نجد الشيخ محمد هادي معرفت، رغم كلامه التفصيلي في كتابين له حول التفسير الأثري، إلاّ أنه لم يقدِّم تعريفاً واضحاً لهذا النوع من التفسير، الأمر الذي يضطرّ القارئ إلى الحصول على مراده من التفسير الأثري من خلال الغَوْص في تضاعيف عباراته العائمة. فقد كتب في مؤلَّفه (تفسير ومفسِّران): «إن التفسير النقلي أو التفسير المأثور يقوم في بيان وتفصيل الآيات المبهمة ـ قبل كلّ شيءٍ ـ على القرآن نفسه، وبعد ذلك على الروايات المأثورة عن المعصوم، وبعد ذلك على الروايات المنقولة عن الصحابة والتابعين لهم…». انظر: محمد هادي معرفت، تفسير ومفسِّران 2: 17 (مصدر فارسي).
وأشار في موضعٍ آخر قائلاً: «إن الأسلوب النقلي يشمل تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنّة، وتفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين». (محمد هادي معرفت، تفسير ومفسِّران 2: 24). وقال في موضع آخر: «إن الأسلوب النقلي يقوم على الكلام والآراء المأثورة عن السلف، مع شيءٍ من الشرح والتوضيح، كما صنع الطبري، أو بالاكتفاء بالمنقول من دون إبداء رأيٍ أو توضيح، كما فعل جلال الدين السيوطي والسيد هاشم البحراني». (محمد هادي معرفت، تفسير ومفسِّران 2: 16). والملفت أن الشيخ محمد هادي معرفت ـ رغم عزمه على تأليف تفسيرٍ أثريّ جامع ـ لم يقدِّم في مقدمته التفصيلية أيَّ تعريفٍ للتفسير الأثري، ونجده يدخل مباشرة في دراسة اعتبار تفسير الصحابة والتابعين، بالإضافة إلى آفات التفسير الأثري، دون أن يقدِّم أيّ توضيح لماهية التفسير الأثري وخصائصه وعناصره. (انظر: التفسير الأثري الجامع: 99 ـ 180)، وانظر أيضاً: گرايش هاي تفسيري در ميان مسلمانان: 75 ـ 109 (مصدر فارسي).
([8]) محمد عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 1: 480، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1991م.
([9]) محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسّرون 1: 152.
([10]) خالد عبد الرحمن العكّ، أصول التفسير وقواعده: 111، دار النفائس، بيروت، 1986م.
([11]) انظر: محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسّرون 1: 94 ـ 96.
([12]) انظر: محمد هادي معرفت، تفسير ومفسّران 1: 275 ـ 284 (مصدر فارسي).
([13]) انظر: محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسّرون 1: 128 ـ 129، 152؛ محمد هادي معرفت، تفسير ومفسّران 1: 386 ـ 393 (مصدر فارسي).
([14]) انظر: محمد علي مهدوي راد، آفاق تفسير (مقالات ومقولات في البحث التفسيري): 124، نشر هستي نما، طهران، 1382هـ.ش (مصدر فارسي).
([15]) محمد هادي معرفت، تفسير ومفسّران 2: 17 (مصدر فارسي)؛ محمد حسين علي الصغير، المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم: 55، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والوزيع، 1403هـ؛ إحسان الأمين، التفسير بالمأثور وتطوُّره عند الشيعة الإمامية: 22، دار الهادي، بيروت، 2000م.
([16]) انظر: محمد علي مهدوي راد، آفاق تفسير (مقالات ومقولات في البحث التفسيري): 126 (مصدر فارسي).
([17]) محمد عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 1: 480 ـ 482.
([21]) السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 9، انتشارات إسلامي، قم.
([22]) انظر: المصدر السابق: 61.
([23]) انظر: عباس علي عميد زنجاني، مباني وروش هاي تفسير قرآن: 117، نشر سازمان چاپ وانتشارات وزارت فرهنگ وإرشاد إسلامي، طهران، 1366هـ.ش (مصدر فارسي).
([24]) انظر: المصدر السابق: 118.
([25]) انظر: السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 1: 4، دار الهادي، بيروت، 1412هـ.
([26]) انظر: الملا محسن الفيض الكاشاني، الصافي في تفسير القرآن 1: 47 ـ 49، دار الكتاب الإسلامي، طهران، 1377هـ.ش.
([27]) محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 1: 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
([28]) علي أكبر بابائي، مكاتب تفسيري (المذاهب التفسيرية) 1: 272 ـ 273، سازمان مطالعه وتدوين كتب علوم إنساني دانشگاه (سمت)، 1381هـ.ش (مصدر فارسي).
([29]) انظر: المصدر السابق 1: 24 ـ 25.
([31]) انظر: المصدر السابق: 347.
([33]) انظر: المصدر السابق 1: 25.
([34]) يجب ـ بطبيعة الحال ـ أن نأخذ بنظر الاعتبار أننا إذا عرَّفنا (التفسير)، في مقابل (التأويل)، بأنه عبارةٌ عن: العلم بسبب نزول الآية والسورة، وترتيب المكّي والمدني، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وما إلى ذلك، وحتّى الحلال والحرام والأوامر والنواهي و… (انظر: بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 148 ـ 149)، فإنه في مثل هذه الحالة لا يمكن أن يكون من غير التفسير الأثري. انظر: نصر حامد أبو زيد، معناي نص، پژوهشي در علوم قرآن (مفهوم النص دراسة في علوم القرآن): 386، ترجمه إلى الفارسية: مرتضى كريمي نيا، انتشارات طرح نو، 1380هـ.ش.
([37]) إن هذا هو أبسط شكلٍ للتفسير الأثري. إذا أمكن لنا أن نظهر الحضور والدور الفاعل والمؤثر للمفسّر في هذا المستوى من التفسير الأثري فإنّ هذا المدَّعى سيكون مقبولاً في المستويات والأشكال الأكثر تطوُّراً من التفاسير الأثرية بطريقٍ أَوْلى.
([38]) انظر: محمد هادي معرفت، التأويل في مختلف المذاهب والآراء: 15، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، طهران، 1427هـ؛ العلامة محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 3: 57.
([39]) انظر: عبد الكريم سروش، بسط تجربه نبوي: 315، مؤسسه فرهنگي صراط، طهران، 1378هـ.ش.
([40]) الملا محسن الفيض الكاشاني، الصافي في تفسير القرآن 1: 57 (المقدّمة الثانية عشرة).
([44]) انظر: إسماعيل بن عمر المعروف بـ (ابن كثير)، تفسير القرآن العظيم 1: 3، دار المعرفة، بيروت، 1407هـ؛ خالد عبد الرحمن العكّ، أصول التفسير وقواعده: 79 ـ 81.
([47]) انظر: مصطفى ملكيان، راهي به رهائي: 252، نشر نگاه معاصر، طهران، 1381هـ.ش.