د. محمد حسين أنصاري حقيقي(*)
د. محمد صادق علمي سولا(**)
المقدّمة
يُستعمل مصطلح السياق في كلمات العلماء ـ الأعمّ من المفسِّرين والأصوليين والفقهاء ـ، إلاّ أنه لم يتمّ تنقيح المراد منه بشكلٍ جيّد. فتستعمل هذه المفردة في كلام العلماء في بعض الأحيان مرادفاً لمصطلح «المقام»، بمعنى «الغاية والمقصود من الكلام»، فعندما يقال مثلاً: إن هذه الآية أو الرواية واردةٌ في سياق هذا الأمر يكون المراد من ذلك أنها واردةٌ في هذا المقام([1]).
إن «قرينة السياق» تختلف عن «دلالة السياق»، التي تُعَدّ واحدةً من مباحث علم أصول الفقه، ويتمّ بحثها في إطار مباحث المفاهيم. إن مراد الأصوليين من دلالة السياق هو أن سياق الكلام يدلّ على معنىً مفرد أو مركب أو لفظ مقدَّر. كما أنهم يقسِّمون الدلالة السياقية إلى: «دلالة الاقتضاء»، و«دلالة التنبيه»، و«دلالة الإشارة». وبذلك إذا كان هناك معنى يريده المتكلِّم، وتوقَّف صدق الكلام من ناحية العقل أو الشرع أو اللغة على أخذ ذلك المعنى بنظر الاعتبار، أطلق على ذلك مصطلح «دلالة الاقتضاء». ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: قولُه تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ (يوسف: 82)، حيث يستحيل من الناحية العقلية توجيه السؤال إلى «القرية»، فإن دلالة الاقتضاء تدلّ على وجوب تقدير كلمة «أهل»؛ لأن هذه الكلمة هي المدلول الاقتضائي لهذه الجملة.
وإذا كان هناك معنى مرادٌ للمتكلِّم، ولم يكن صدق الكلام من ناحية العقل أو الشرع أو اللغة متوقِّفاً على أخذ ذلك المعنى بنظر الاعتبار، ولكنّه كان لازماً لمدلول الكلام عُرفاً، أُطلق على ذلك مصطلح «دلالة التنبيه». ومن ذلك مثلاً: لو قال المتكلِّم لشخصٍ نائم: «طلعت الشمس» كان المدلول العُرفي لهذه الجملة هو بيانُ فوات وقت أداء الصلاة.
لو لم يكن المعنى ـ على خلاف الدلالتين السابقتين ـ مقصوداً للمتكلِّم، ولكنّه كان لازماً لمدلول الكلام، على نحو اللزوم غير البيِّن أو اللزوم البيِّن بالمعنى الأعمّ، سُمِّي ذلك بـ «دلالة الإشارة». وقد مثَّلوا لهذا القسم بهذا المثال، وهو أن القرآن الكريم قال في بعض آياته: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ (البقرة: 233)، وقال في آيةٍ أخرى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً﴾ (الأحقاف: 15)، وبناءً على الآية الأخيرة يكون مجموع الحمل وفترة الرضاع ثلاثون شهراً. وقد تمّ تخصيص أربعاً وعشرين شهراً من هذه الأشهر الثلاثين ـ طبقاً للآية الأولى ـ بمرحلة الرضاع. وعلى هذا الأساس يتمّ تخصيص الأشهر الستّة الباقية لفترة الحمل. والنتيجة التي نحصل عليها من ذلك هي أن أقلّ مدّة للحمل تقدَّر بستّة أشهر. إن الارتباط القائم بين هذه المسألة وهاتين الآيتين هي اللزوم غير البيِّن، بمعنى أن اللازم غير البيِّن لهاتين الآيتين هو أن أقلّ الحمل ستّة أشهر([2]).
إن قرينة السياق في هذا المقام بمعنى: «طريقة ترتيب الألفاظ، الأعمّ من الكلمات أو الجمل». وقد عرَّفه بعضهم قائلاً: «إن السياق تركيبةٌ عامّة تلقي بظلِّها على مجموعةٍ من الكلمات والجُمَل أو الآيات، وتؤثِّر في معناها»([3]). وقد اقترح آخر تعريفه على النحو التالي: «السياقُ عبارةٌ عن نوعٍ من تركيب الكلمات في جملةٍ، وربطها بالجُمل السابقة واللاحقة والمحتوى العامّ المنبثق عنها»، أو «السياق كيفية وضع اللفظ في الجملة وموقعه وارتباطه الخاصّ بين كلمات الجملة والجُمل التي قبلها وبعدها، بحيث يُستنبط منه معنىً لا يمكن الحصول عليه من منطوق ومفهوم الآية صراحةً، وإنما هو من اللوازم العقلية لذلك»([4]).
وعلى الرغم من أن العلاّمة الطباطبائي& لا يقدِّم تعريفاً للسياق، إلاّ أنه قد استعمل هذه القرينة في تفسيره على نطاقٍ أوسع، قياساً إلى سائر العلماء. وهذا يُعَدّ من الخصائص والمباني الهامّة للمنهج التفسيري للعلاّمة الطباطبائي&. وبالتالي كان ذلك سبباً في إقبال الباحثين والمحقِّقين في خصوص تفسير القرآن على هذه القرينة، وبيان دلالتها وحجّيتها([5]). ويبدو أن هذه القرينة لم تجِدْ لنفسها حتّى الآن مكانةً مرموقة بين الأصوليين والفقهاء.
وقد تمّ تقسيم السياق بين المحقِّقين والباحثين في العلوم التفسيرية إلى: «سياق الكلمات»، و«سياق الجملات»، و«سياق الآيات»، و«سياق السُّوَر»، و«سياق القرآن»([6]).
يمثِّل السياق لدى بعضٍ «قرينةً معنوية»([7])؛ ولدى بعضٍ آخر «قرينةً لفظية». وقد أقام كلُّ واحدٍ منهما دليلاً على رأيه. ولكنْ يبدو أن لفظية هذه القرينة هو الأقرب. ويحتمل أن يكون اعتبار معنويتها ناشئاً من الخلط بين قرينة السياق والدلالة السياقية([8]). وبطبيعة الحال إن اعتبار لفظية أو معنوية السياق لا يقلِّل من أهمّيته؛ إذ السياق على كلّ حالٍ من أهمّ القرائن في الاستفادة من كلّ نصٍّ، ولا سيَّما القرآن الكريم.
وفي ما يلي سنخوض في بيان موقع هذه القرينة في الاستناد الفقهي لأهل البيت^، وذلك من خلال ذكر ثلاثة موارد للاستناد إلى السياق في الرواية، وانعكاسها على الفهم الفقهي من القرآن الكريم.
1ـ سياق الخمر والمَيْسر والأزلام والأنصاب
أـ نصّ الآية
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة: 90).
ب ـ الشرح
إن هذه الآية تعتبر الخمر والمَيْسر والأنصاب والأزلام من الخبائث، ومن أعمال الشيطان، وتأمر باجتنابها. وهذا النوع من الاعتبار يدلّ على حرمة هذه الأمور الأربعة. كما تؤكِّد الآية اللاحقة على أن الشيطان يروم «إيقاع البَغْي والبغضاء» في المجتمع من خلال إشاعة الخمر والمَيْسر بين المسلمين. وتؤكِّد الآية اللاحقة لهما على ضرورة إطاعة الله ورسوله|، واجتناب المحرَّمات أيضاً. وحيث تمّ عطف «الخمر والمَيْسر والأنصاب والأزلام» في هذه الآية على بعضها بحرف العطف (الواو)، وكان لها حكم المبتدأ في الجملة، يمكن اعتبار هذا المورد مصداقاً لسياق الكلمات.
ج ـ آراء المفسِّرين
لقد تناول المفسِّرون هذه الآية بالبحث من محاور متعدِّدة، ومن أهمّ تلك المحاور:
ـ تفسير وبيان معاني الكلمات الواردة في هذه الآية، من قبيل: الخمر، والأنصاب، والأزلام، والرِّجْس، وعمل الشيطان.
ـ البحث عن دائرة شمول الخمر، وهل الخمر هو خصوص «الخمر المستخلص من العصير العنبي» أو يشمل جميع أنواع المُسْكِرات، بما في ذلك «الفقّاع» أيضاً؟
ـ البحث عن دائرة مفهوم المَيْسر، وشمولها لجميع أنواع القمار، ونسبتها إلى الأزلام.
ـ البحث عن مفهوم الرِّجْس.
ـ تحديد دائرة اجتناب الأمور والموارد المذكورة في الآية([9]).
د ـ آراء الفقهاء
إن ما قيل في تفسير هذه الآية يترك تأثيره على الفقه أيضاً؛ بحيث إن الفقهاء ـ بالالتفات إلى الآراء التفسيرية ـ قد اختاروا بدَوْرهم آراءً فقهية مختلفة. ومن ذلك أن بعضهم ـ على سبيل المثال ـ قد حصر الخمر بالخمر المتَّخذ من العصير العنبي؛ وذهب بعضهم إلى القول بأن الخمر هو الأعمّ الذي يشمل جميع أنواع المُسْكِرات؛ وهناك مَنْ أخرج النبيذ من دائرة الشمول. كما أن الآراء التي ذهبوا إليها في حرمة النَّرْد والشطرنج واللعب بآلات القمار دون رهانٍ إنما هي تابعةٌ للتفسير الذي يذهبون إليه في ما يتعلَّق بـ «المَيْسِر». كما أن اختيار القول بنجاسة أو طهارة الخمر ـ بعد الذهاب إلى حرمته ـ هو بدَوْره رهنٌ بتفسيرهم لمعنى «الرِّجْس». وهكذا الأمر بالنسبة إلى اختلاف الفقهاء في اختصاص وجوب اجتناب شرب الخمر أو اللعب بالقمار أو تعميم ذلك على جميع أنواع الاستفادة من «الخمر» و«المَيْسِر»، من قبيل: الشراء والبيع والصنع والحمل والإجارة وأمثال ذلك، كلُّ ذلك رهنٌ بالرأي المختار لهم في ما يتعلَّق بمعنى «الرِّجْس»، و«الاجتناب»، و«عمل الشيطان»([10]).
يذهب أكثر أهل السنّة إلى القول بأن الخمر حقيقةٌ في كلّ شرابٍ يُذهب العقل، ويحول دون قدرته على تشخيص الأمور. إلاّ أن أبا حنيفة وآخرين ذهبوا إلى القول بأن الخمر إنما هو حقيقةٌ في العصير المتَّخذ من العنب، ويؤدّي إلى الإسكار، وإن سائر السوائل المُسْكِرة الأخرى محرَّمة أيضاً، وإنْ لم تكون خمراً([11]). بَيْدَ أن جمهورهم على عدم حرمة الفقّاع، وعدم نجاسته([12]).
وقد ذهب فقهاء الشيعة إلى القول بأن الخمر هو خصوص العصير المتَّخذ من العنب، ولكنهم يرَوْن في الوقت نفسه؛ استناداً إلى بعض روايات أهل البيت^، حرمة كلّ مُسْكِرٍ، بما في ذلك الفقّاع، ويرَوْنه بحكم الخمر([13]).
وفي ما يتعلَّق بنجاسة الخمر ذهب أكثر علماء أهل السنّة إلى القول بنجاسة الخمر، وكلّ سائلٍ مثل الخمر، باستثناء داود وربيعة والشافعي ـ في أحد قولَيْه ـ، حيث قال بطهارته، مع بقائه على الحرمة([14]). وذهب أكثر فقهاء الشيعة ـ باستثناء القليل، ومنهم: ابن بابويه ـ إلى القول بنجاسة الخمر وكلّ سائلٍ مُسْكِرٍ آخر([15]). وأما في دلالة هذه الآية على نجاسة الخمر فليس هناك اتّفاقٌ بين جميع الفقهاء في هذا الشأن. ومن ذلك أن المحقِّق الحلّي والشيخ الأنصاري لم يتقبَّلوا استفادة نجاسة الخمر من كلمة الرِّجْس([16]). وبطبيعة الحال إن رفض دلالة الرِّجْس على نجاسة الخمر لا يلزم منه بالضرورة عدم القول بنجاسة الخمر؛ إذ قد لا يرتضي فقيهٌ دلالة الرِّجْس على نجاسة الخمر، ومع ذلك يقول بنجاسة الخمر؛ استناداً إلى الروايات أو الإجماع.
هـ ـ الروايات
هناك من الروايات الكثيرة المأثورة عن أهل البيت^ بشأن الأحكام المرتبطة بالخمر ما هو ناظرٌ إلى هذه الآية المتقدِّمة؛ إذ شرحت بعض مفرداتها وتراكيبها([17]).
ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: ما ورد في رواية أبي الجارود، عن الإمام الباقر×، بعد بيان المراد من الخمر والمَيْسِر والأنصاب والأزلام، قوله: «أما الخمر فكلُّ مُسْكِرٍ من الشراب… إلى أن قال: وأما المَيْسِر فالنَّرْد والشطرنج، وكلُّ قمارٍ مَيْسِرٌ. وأما الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها المشركون. وأما الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في الجاهلية. كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيءٍ من هذا حرامٌ من الله محرَّمٌ، وهو رجسٌ من عمل الشيطان. وقرن الله الخمر والمَيْسِر مع الأوثان»([18]).
إن هذا القرن المذكور في الرواية هو المسمّى بوحدة السياق.
في هذه الرواية ـ بعد تفسير وبيان مفردات الآية، وهي: «الخمر، والمَيْسِر، والأنصاب، والأزلام» ـ تمّ استنباط حرمة جميع أنواع التصرُّف بها؛ استناداً إلى القول بأن الله قد جعل هذه الأمور الأربعة من مصاديق الرِّجْس وعمل الشيطان. وبطبيعة الحال إن حرمة جميع أنواع التصرُّف مقتضى إطلاق الآية. وقد جاء في خاتمتها قوله×: «وقرن الله الخمر والمَيْسِر مع الأوثان»، الأمر الذي يثبت أن الله سبحانه وتعالى ما إن قرن الخمر والمَيْسِر في كلامه بالأوثان حتّى كان ذلك دليلاً آخر على حرمة الخمر والمَيْسِر. وعليه يكون هناك نوعان من الاستناد إلى هذه الآية في إثبات حرمة الخمر والمَيْسِر: أحدهما: أن الله قد اعتبرهما من مصاديق «الرِّجْس» و«عمل الشيطان»؛ والآخر: أنه قرنهما بالأوثان، بمعنى أن اقتران الخمر والمَيْسِر بالأوثان يُشكِّل دليلاً آخر على حرمة الخمر والمَيْسِر.
لقد تمّ في هذه الرواية الاستناد إلى قرينة وحدة السياق بين الخمر والمَيْسِر والأوثان. ويمكن اعتبار هذه الرواية من الموارد المشتملة على استناد الأئمة المعصومين^ إلى قرينة وحدة السياق.
وبعد القبول بالاستناد إلى قرينة وحدة السياق في هذه الآية يخطر على الذهن هذا السؤال القائل: ما هي الأحكام التي يمكن استنباطها من هذه الآية؛ استناداً إلى قرينة السياق؟
يمكن القول في الجواب: استناداً إلى قرينة وحدة السياق بين الأمور المذكورة يمكن لنا أن نستنبط ثلاثة أحكام فقهية في الحدّ الأدنى، وهي:
أوّلاً: حرمة شرب الخمر والقمار
إن ذكر الخمر والمَيْسِر في سياق الأوثان (عبادة الأصنام) يقتضي أن يكون للجميع حكمٌ واحد. ومن هنا تكون جميع هذه الأمور الأربعة رِجْساً من عمل الشيطان، فيجب الاجتناب عنها.
قد يُقال: إن إثبات حرمة الخمر والمَيْسر في هذه الآية لا يحتاج إلى الاستفادة من قرينة وحدة السياق، بل يُستفاد هذا الحكم من عبارة ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾، والأمر بالاجتناب الوارد في قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾.
والجواب عن ذلك: أوّلاً: لا مانع من أن يُستفاد حكم الحرمة من وحدة السياق، بالإضافة إلى هذه الثلاثة أيضاً، كما يمكن أن يستفاد الحكم الشرعي من السنّة الشريفة، بالإضافة إلى القرآن الكريم أيضاً. وقد سبق أن ذكرنا أن الإمام× قد أضاف وحدة السياق كدليلٍ آخر على حرمة الخمر والمَيْسِر.
وثانياً: إن أهمّية الاستدلال بقرينة وحدة السياق إنما تتّضح إذا التفتنا إلى تاريخ بعض الفقهاء من وعّاظ السلاطين؛ إذ أنكروا حرمة الخمر في القرآن الكريم، بدعوى أن آيات القرآن لا تدلّ على حرمة الخمر، وكانوا يقولون: على الرغم من نهي القرآن عن الخمر، إلاّ أن هذا النهي لا يُفيد الحرمة! إلى الحدّ الذي قيل معه في بعض الفترات التاريخية: إن القول بدلالة هذه الآية على حرمة الخمر من مختصّات أتباع أهل البيت^. كما نجد ذلك في رواية عليّ بن يقطين حول سؤال المهديّ العبّاسي للإمام الكاظم×: «عن عليّ بن يقطين قال: سأل المهديُّ أبا الحسن× عن الخمر، هل هي محرَّمةٌ في كتاب الله؛ فإن الناس يعرفون النهي عنها، ولا يعرفون التحريم لها؟ فقال له أبو الحسن×: بل هي محرّمةٌ في كتاب الله، يا أمير المؤمنين! فقال: في أيّ موضعٍ محرّمةٌ هي في كتاب الله جَلَّ اسمُه، يا أبا الحسن؟! فقال: قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (الأعراف: 33)، فأما قوله: «ما ظهر» يعني: الزنا المعلن… إلى أن قال: وأمّا الإثم فإنها الخمر بعينها، وقد قال الله عزَّ وجلَّ في موضعٍ آخر: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ (البقرة: 219). فأما الإثم في كتاب الله فهي الخمر والمَيْسِر، وإثمُهما كبيرٌ، كما قال الله عزَّ وجلَّ. فقال المهديّ: يا عليّ بن يقطين، فهذه فتوىً هاشميةٌ. قال: قلتُ له: صدقتَ واللهِ يا أمير المؤمنين، الحمدُ لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت. قال: فوالله ما صبر المهديُّ أن قال لي: صدقتَ يا رافضيّ»([19]).
والحاصل أنه تمّ الاستناد في رواية أبي الجارود، عن الإمام الصادق×، إلى قرينة السياق؛ لإثبات حرمة الخمر والمَيْسِر.
ثانياً: كون شرب الخمر والقمار من الكبائر
إن وحدة سياق الخمر والمَيْسِر مع الأوثان يُثبت ـ بالإضافة إلى أصل حرمة شرب الخمر والقمار ـ أن هذين الأمرين من الكبائر أيضاً. وعلى هذا الأساس فإن عبارة «وقرن الله الخمر والمَيْسِر مع الأوثان» يمكن أن تكون بياناً لكون هذين الأمرين من الكبائر؛ وذلك لاقتران بيانهما مع الشِّرْك؛ بمعنى أن من بين معايير معرفة كون المعصية كبيرةً اقتران بيانها مع بيان الشِّرْك. وقد ورد هذا النوع من الاستدلال على الكبيرة في صحيحة عبد العظيم الحسنيّ أيضاً، فقد ورد في روايته عن الإمام الجواد×، عن الإمام الرضا×، عن الإمام الكاظم×، أنه عدَّد بعض الكبائر، قائلاً: «…وشرب الخمر [من الكبائر أيضاً]؛ لأن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان»([20])، حيث تمّ الاستناد في هذه الرواية؛ لإثبات أن شرب الخمر من الكبائر، بوحدة سياق النهي عن الخمر والأوثان. وعلى هذا الأساس فإن وحدة السياق في هذه الآية تثبت كون شرب الخمر كبيرةً، بالإضافة إلى حرمته.
ثالثاً: حرمة جميع التصرُّفات المتعلِّقة بالخمر والمَيْسِر
يُعَدّ تعيين دائرة الاجتناب عن الخمر والمَيْسِر واحداً من الفروع الفقهية المرتبطة بأحكام هذين الأمرين. كما يتمّ طرح هذا البحث في الاستفادة الفقهية من هذه الآية أيضاً، بمعنى هل الاجتناب في هذه الآية خاصٌّ بشرب الخمر والقمار أو يشمل جميع أنواع التصرُّف المرتبط بهما، من قبيل: صنع الخمر، والبيع، والإجارة، والتعليم وكلّ عملٍ يتناسب مع القمار أيضاً؟ إن أخذ تقارن الخمر والمَيْسِر والأوثان في هذه الآية بنظر الاعتبار يترك تأثيره في البحث عن هذا الفرع الفقهي أيضاً، بحيث يمكن أن نستنبط من هذا الاقتران ووحدة السياق في هذه الآية حرمة جميع التصرُّفات المذكورة، ببيان أن عنوان ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ في هذه الآية قد حُمل على هذه الأمور الأربعة في سياقٍ واحد، أي «الخمر» و«المَيْسِر» و«الأنصاب» و«الأزلام»، ثم ورد الأمر باجتناب هذا العمل الشيطاني. إن «الخمر» و«الأنصاب» و«الأزلام» من الأعيان، إلاّ أن «المَيْسِر» من الأعمال، وحمل ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ على الأعيان غيرُ ممكنٍ، إلاّ إذا كان هذا الحمل من قبيل: المجاز في الإسناد، بمعنى أن العمل المتناسب مع هذه الأعيان من عمل الشيطان. وبذلك يتناغم حمل عبارة: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ على هذه الأعيان، مع حملها على «المَيْسِر» الذي هو من الأفعال أيضاً. إن تحديد مساحة الاجتناب رهنٌ بتحديد مساحة هذه الأفعال؛ فإنْ كان المراد من هذه الأعمال مجرّد شرب الخمر ولعب القمار وعبادة الأوثان عندها لن يدلّ الأمر بالاجتناب في هذه الآية على أكثر من اجتناب هذه الأمور؛ وأما إذا كان المراد من هذه الأعمال جميع التصرُّفات فإن هذه الآية سوف تدلّ على حرمة جميع التصرُّفات. ففي مسألة الخمر ـ مثلاً ـ لا يقتصر الأمر على الشرب فقط، وإنّما تثبت الحرمة لجميع الأعمال والأفعال المرتبطة بالخمر، الأعمّ من الشرب والبيع والشراء والصنع والحمل وما إلى ذلك. إن هذه المساحة إنما يمكن إثباتها لهذا الأمر إذا أمكن إثبات إطلاق هذا القسم من الآية. إن حرمة جميع هذه التصرُّفات منسجمٌ مع ما ورد في رواية أبي الجارود؛ لأن الإمام× قال في هذه الرواية: «كلُّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيءٍ من هذا حرامٌ من الله محرَّمٌ، وهو رِجْسٌ من عمل الشيطان»([21]). وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن من بين آثار الاستناد إلى قرينة السياق في هذه الآية حرمة جميع التصرُّفات المرتبطة بالخمر والقمار. إن استفادة هذا التعميم من التركيب المجازيّ المذكور قد ورد في تحقيقات بعض الفقهاء أيضاً([22]).
2ـ سياق الحجّ والعمرة
أـ نصّ الآية
﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاّ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (البقرة: 196).
ب ـ بيان
نزلت هذه الآية في حجّة الوداع، وهي إلى الآية رقم 203 (أي ما مجموعه ثماني آيات) ناظرةٌ إلى عددٍ من أحكام الحجّ. إن مضمون بداية هذه الآية هو وجوب أداء الحجّ، وكذلك أداء العمرة، على ما سيأتي بحثه وبيانه. ثم تعرَّضت هذه الآية إلى أحكام المحصور والمصدود، وتشريع حجّ التمتُّع، وشرائطه، وشرائط حجّ القران والإفراد. والذي يتمّ بحثه من هذه الآية هو الشطر الأوّل منها، أي قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ﴾.
وفي الروايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين^ تمّ الاستناد في إثبات وجوب العمرة إلى قرينة وحدة سياق الحجّ والعمرة في هذه الآية.
ج ـ آراء المفسِّرين
إن الذي يرتبط ببحثنا في هذه الآية مباشرةً هو بيان المراد من «الإتمام». وإن الذي يبدو من آراء المفسِّرين في بيان مفهوم «الإتمام» معنيان:
ـ «الإتمام بمعنى الإنهاء، بأداء جميع أقسام وشرائط الحجّ والعمرة، بعد البدء والشروع بكلّ واحدٍ منها».
ـ «الإتمام بمعنى إقامة هاتين الشعيرتين».
إن مفاد هذه الجملة، بناءً على المعنى الأوّل، هو وجوب إتمام الحجّ والعمرة عند الشروع بهما، ولا يدلّ على وجوبهما؛ ولكنْ بناء على المعنى الثاني يكون القيام بالحجّ والعمرة واجباً.
إن للمفسِّرين في بيان المراد من إتمام الحجّ والعمرة ـ الذي تمَّتْ الإشارة إليه في هذه الآية ـ أقوالاً مختلفة. وقد جمع أكثر هذه الأقول ابن عربي في «أحكام القرآن»، والقرطبي في تفسيره؛ حيث عمدا إلى نقل سبعة أقوال في هذا الشأن:
ـ الإحرام من مكان السَّكَن.
ـ إتمام العمرة والحجّ إلى الكعبة.
ـ إتمام الحجّ والعمرة بحدودهما وسننهما.
ـ عدم الجمع بين هذين الأمرين.
ـ عدم الإحرام للعمرة في أشهر الحجّ.
ـ إتمام الحجّ والعمرة في حالة الدخول فيهما.
ـ عدم ممارسة التجارة أثناء القيام بهما([23]).
وقد نقل الفخر الرازي والآلوسي في تفسيرَيْهما، والطبرسي في «مجمع البيان»، قولان، وهما: الإتمام؛ والإقامة([24]). كما نقل الجصّاص وأبو السعود هذين القولين، بالإضافة إلى قولٍ آخر من قِبَل كلٍّ منهما([25]). وقد ذهب الفيض الكاشاني في «التفسير الصافي»، والعلاّمة الطباطبائي في «الميزان»، إلى تفسيره بمعنى «الإتمام»، دون الإشارة إلى تفسيرٍ آخر([26]).
أما المعاني التي اختارها المفسِّرون بأنفسهم فهي:
ذهب ابن عربي ـ من خلال نقل قول القاضي، القائل بـ «استيفاء الحجّ والعمرة بجميع أجزائهما وشرائطهما» ـ إلى اختيار معنى الإتمام، ونتيجةً لذلك رفض دلالة هذه الآية على بيان الوجوب.
كما ذهب القرطبي إلى عدم دلالة هذه الفقرة على الوجوب أيضاً، دون أن يستشهد أو يستند إلى بيان المعنى اللغويّ لـ «الإتمام». وإنما اختار هذا الرأي استناداً إلى نقل أقوال المفسِّرين في معنى هذه الفقرة، مع الغفلة عن الرواية([27]).
وقد ذهب الجصّاص وأبو السعود والآلوسي إلى اختيار معنى «الإتمام» أيضاً، واستنتجوا من ذلك عدم دلالة الآية على الوجوب([28]).
وقد ذهب الفخر الرازي ـ بالالتفات إلى معنى «الإتمام» ـ إلى القول بإطلاق وجوب الإتمام، ولم يقُلْ بكونه مشروطاً بالشروع في حجّ التمتُّع والعمرة. ومن هنا فإنه يذهب ـ مثل سائر الشافعية ـ إلى اعتبار هذه الآية دليلاً على وجوب العمرة([29]).
وقد ذهب كلٌّ من: الطبرسي، والفيض الكاشاني، والعلاّمة الطباطبائي في الميزان، إلى تفسير هذه العبارة بمعنى «الإتمام». إن الطبرسي، من خلال ذكره لهذين القولين، قد ذهب ـ دون الإشارة إلى دلالة هذه العبارة على الوجوب أو عدم الوجوب ـ إلى تقرير القول بالوجوب عن الإمامية([30]). وقد ذهب الفيض الكاشاني إلى اعتبار هذه العبارة نصّاً في وجوب العمرة([31]). وأما العلاّمة الطباطبائي فلم يتعرَّض لدلالة الآية على وجوب أو عدم وجوب العمرة أو التمتُّع([32]).
د ـ آراء الفقهاء
تجمع كافّة المذاهب الفقهية على وجوب الحجّ، وتراه من ضروريّات الإسلام. وهناك آياتٌ في القرآن الكريم تدلّ على وجوبه([33])، وأما وجوب العمرة فهناك خلافٌ بين الفقهاء فيه؛ فقد ذهبت الشافعية والحنابلة ـ من أهل السنّة ـ إلى القول بوجوب العمرة؛ بينما قالت المالكية والأحناف باستحبابها([34]). ويبدو أن مرادهم من العمرة هنا هي عمرة التمتُّع، بمعنى أن بعض المذاهب توجب القيام بحجّ التمتُّع على المكلَّف؛ وبعضها الآخر لا يرى وجوبها، وتجعل المكلَّف بالخيار بين القيام بحجّ التمتُّع أو القران أو الإفراد.
وأما فقهاء الإمامية فيجمعون على وجوب العمرة. فقد ذهب العلاّمة الحلّي في التذكرة إلى القول بأن الوجوب مجمَعٌ عليه بين الإمامية. وادّعى صاحب الجواهر عدم الخلاف في ذلك([35]). ولكنْ هناك تأمُّلٌ في أن يكون المراد من ذلك عمرة التمتُّع أو العمرة المفردة.
توضيحُ ذلك أن لوجوب العمرة حالتين، وهما: العمرة التي يؤتى بها ضمن حجّ التمتُّع، وتسمّى «عمرة التمتُّع»؛ والأخرى: العمرة التي يؤتى بها بشكلٍ مستقلّ عن الحجّ، والتي يُعبَّر عنه بـ «العمرة المفردة» أو «العمرة المبتولة». فإنْ كان مرادهم من العمرة عمرة التمتُّع كان وجوب العمرة بمعنى أنه لا يمكن الإتيان بحجّة الإسلام على نحو القران أو الإفراد، ويُجب أن يؤتَى بها على شكل حجّ التمتُّع حَتْماً. وفي هذه الحالة يكون المراد من عدم وجوب العمرة هو عدم وجوب الإتيان بالحجّ على نحو التمتُّع، بل يمكن أن يُؤتَى بالحجّ على شكل حجّ القران أو الإفراد، كما هو رأي بعض أهل السنّة أيضاً.
وأما إذا كان مرادهم من العمرة هي العمرة المبتولة فإن وجوب العمرة سيكون بمعنى وجوب العمرة المفردة على المكلَّف. وبناءً على هذا الرأي يجب الإتيان بالعمرة المفردة على كلّ مكلَّفٍ يستطيع الإتيان بها، وإنْ لم يكن يستطيع الإتيان بالحجّ. وفي هذه الحالة يكون المراد من عدم وجوب العمرة أن الإتيان بالعمرة بالنسبة إلى مَنْ يستطيع الإتيان بالعمرة فقط، ولكنه لا يستطيع الحجّ، غيرُ واجبٍ.
إن كلمات الفقهاء تعطي المعنى الأوّل تارةً؛ وتعطي المعنى الثاني تارةً أخرى، بحيث لا يمكن تصوّر معنىً واحدٍ لكلماتهم. وعلى هذا الأساس يبدو أن إجماع الإمامية على وجوب العمرة لا يمكن حمله على معنى الإجماع على وجوب العمرة المفردة؛ إذ يُحتمل أن يكون مرادهم هو الإجماع على وجوب عمرة التمتُّع، بمعنى وجوب الإتيان بحجّ التمتُّع، وفي المقابل إن مراد أولئك الذين لم يوجبوا العمرة أصلاً هو عدم قولهم بوجوب الحجّ على نحو التمتُّع. كما لا يمكن تفسير ادّعاء الشهرة على وجوب العمرة بمعنى انعقاد الشهرة على وجوب العمرة المفردة. وقد أشار صاحب الجواهر إلى اضطراب عبارات الفقهاء في هذا الشأن أيضاً([36]).
هـ ـ الروايات
هناك الكثير من الروايات التي تقرِّر أن سبب نزول هذه الآيات في حجّة الوداع هو تشريع حجّ التمتُّع، مع بيان مخالفة بعض الصحابة لهذا الحكم؛ بسبب استغرابهم منه. ومن ناحيةٍ أخرى إن مفاد الكثير من الروايات المأثورة عن الأئمّة الأطهار^ هو وجوب العمرة وأحكامها([37]). وفي عددٍ من هذه الروايات تمّ الاستناد إلى سياق الفقرة مورد البحث من الآية، وإثبات دلالتها على وجوب العمرة.
ـ عن معاوية بن عمّار، عن الإمام الصادق×، أنه قال: «العمرة واجبةٌ على الخلق بمنزلة الحجّ على مَنْ استطاع؛ لأن الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ﴾ (البقرة: 196)»([38]).
ـ عن زرارة، عن الإمام الباقر×، أنه قال: «العمرة واجبةٌ على الخلق بمنزلة الحجّ؛ لأن الله يقول: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ﴾»([39]).
لقد تمّ الحكم في هذه الروايات ـ كما نلاحظ استناداً إلى وحدة سياق الحجّ والعمرة ـ بوجوب العمرة، بالإضافة إلى الحجّ. وكما تقدَّم في بيان آراء المفسِّرين إنما يمكن استنباط وجوب العمرة من وحدة سياق العمرة والحجّ في هذه الآية إذا أمكن تفسير كلمة «أتمّوا» في هذه الآية بمعنى «أقيموا»، وتفسير «الإتمام» بمعنى «الإقامة».
وقد ورد تفسير هذه الكلمة في رواياتٍ أخرى؛ ففي روايةٍ تمّ تفسير «الإتمام» بمعنى «تجنُّب الرفث والفسوق والجدال في الحجّ»([40])؛ وفي روايةٍ أخرى تمّ تفسيرها بمعنى «الأداء وتجنُّب ما يجب على المُحْرِم اجتنابه»([41]). وبذلك فإن عبارة: «أتمّوا» في هذه الروايات بمعنى الأعمّ من الأداء واجتناب محرَّمات الإحرام. وعلى هذا الأساس يُستفاد من مجموع هذه الروايات أن الإتمام بمعنى «الانتهاء» لا يتنافى مع الدلالة على الوجوب. وعليه فإن قول بعضٍ بأن وجوب الإتمام لا يمكن أن يكون بمعنى وجوب الأداء لا أساس له من الصحّة.
إن هؤلاء عمدوا إلى قياس إتمام الحجّ في هذه الآية على إتمام الصيام في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ (البقرة: 187)، واستنبطوا من ذلك أن وجوب الإتمام في التمتُّع والعمرة أعمّ من وجوب واستحباب الشروع، بمعنى أنه من الممكن أن يكون الشروع بهما مستحبٌّ، إلاّ أن إتمامهما في الوقت نفسه واجبٌ([42]).
وفي نقد استدلالهم نقول: أوّلاً: يبدو أن هذه الآية الشريفة قد نزلت بشأن الحجّ الواجب وشرائطه، بل في تشريع حجّ التمتُّع. وإن الحجّ المستحبّ خارجٌ عن شمول هذه الآية. إن هذه الآية والآيات اللاحقة لها قد ذكرت العمرة والحجّ في سياقٍ واحد، وعليه يكون لكلٍّ منهما حكمٌ واحد، وهو الوجوب. وثانياً: إن القياس على الصيام يمثِّل شاهداً على مدّعى أولئك الذين فسَّروا الإتمام بمعنى «وجوب الأداء»؛ لأن «الإتمام» في هذه الآية لا يمكن تفسيره بما هو الأعمّ من الاستحباب والوجوب.
و ـ النتيجة
لقد تمّ عدّ وحدة سياق العمرة والحجّ في الروايات المأثورة عن المعصومين^ دليلاً على الحكم بوجوب العمرة. وحيث إن هذه الآية الكريمة في مقام بيان وجوب الحجّ، إذا لم يكن الإتمام بمعنى «الأداء»، وكان بمعنى «القيام بحجّ العمرة بجميع أجزائها وشرائطها»، فإن هذه الآية تدلّ ـ بقرينة وحدة السياق ـ على وجوب العمرة.
3ـ السياق في آية الوضوء والحكم بمسح القدمين
أـ نصّ الآية
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة: 6).
ب ـ بيانٌ
إن من بين الأحكام العشرة التي تُستفاد من هذه الآية ـ وهي معروفةٌ بآية الوضوء ـ هو حكم مسح أو غسل الأرجل في الوضوء. إن العبارة القائلة: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ ناظرةٌ إلى هذا الحكم. إن فهم هذه الفقرة من الآية يتوقَّف على تفسير وبيان المراد من «وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ»، وتعيين إعراب «أَرْجُلَكُمْ». وعليه يجب علينا أن نحدِّد هل الأمر بمسح الأرجل يتعلَّق بمسح جميع الرجل أو بعضها؟ وكذلك هل تمّ عطف كلمة «أرجل» على «وجوه» أو على «رؤوس»؟ وإذا كانت معطوفةً على «وجوه» فهل تدلّ على وجوب غسل الأرجل؟ وإذا كانت معطوفةً على «رؤوس» هل تدلّ على وجوب مسح الأرجل؟ وبعد تحديد المراد من هذه الآية؛ بمقتضى وحدة السياق، إذا وجب مسح جميع الرأس يجب مسح جميع الرجل، وإذا وجب مسح بعض الرأس لا يجب إلاّ مسح جزءٍ من الرجل.
ج ـ آراء المفسِّرين
يتمّ تقرير بيان رأي المفسِّرين حول هذه الفقرة من الآية عبر مرحلتين، أي: بيان مفاد «وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ»؛ وبعد ذلك «أَرْجُلَكُمْ».
1ـ آراء المفسِّرين في «وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ»
اختلف المفسِّرون في بيان معنى الباء في كلمة «بِرُؤُوسِكُمْ». فقد ذهب الفخر الرازي والجصّاص إلى القول بأن الـ «باء» هنا هي باء «التبعيض»؛ حيث قال الجصّاص: إن «الباء» وإنْ كانت للإلصاق، ولكنْ ليس هناك تنافٍ بين الإلصاق والتبعيض([43]). ومال الآلوسي إلى «التبعيض» تقريباً، وقال بعدم وجوب مسح جميع الرأس([44]). وقال ابن عربي بأن «الباء» لـ «الإلصاق»، ولم يقبل التبعيض. وبعد ذكر أحد عشر قولاً في حكم مقدار مسح الرأس، عاد ليرجّح وجوب مسح جميع الرأس([45]). وذهب القرطبي إلى القول بأن «الباء» زائدةٌ، وبالتالي فإنها تفيد التعميم، بمعنى وجوب مسح جميع الرأس([46]). وأما أبو السعود، فعلى الرغم من أنه يرى «الباء» زائدةً ومفيدةً للإلصاق، إلاّ أنه لم يَرَ الإلصاق مفيداً للتعميم، ولم يقُلْ بوجوب مسح جميع الرأس([47]).
وقد ذهب الطبرسي والمحقِّق الأردبيلي والعلاّمة الطباطبائي ـ دون الخوض في معنى «الباء»، ودلالتها على التبعيض أو غيره ـ إلى القول بأن مسح البعض من مصاديق المسح([48]). كما ذهب القطب الراوندي إلى القول بأن دخول «الباء» في جملةٍ موجبة مقرونةٍ بفعلٍ متعدٍّ لا وجه له غير التبعيض، وبذلك فقد حملها على معنى التبعيض([49]).
إن النقطة الهامّة التي يجب الالتفات إليها هي أن دراسة أقوال وآراء المفسِّرين تظهر هذه الحقيقة، وهي أن المفسِّرين الذين قالوا بأن «الباء» للتبعيض قد استفادوا وجوب البعض من هذه الآية قطعاً، ولكنّ المفسِّرين الذين فسَّروا «الباء» بغير معنى التبعيض لا يستنتجون وجوب غسل جميع الرأس بالضرورة، بل إن بعضهم ـ مثل: أبي السعود ـ، رغم حمله «الباء» على معنى «الإلصاق» أو «الزيادة»، لم يقولوا بدلالتها على وجوب مسح جميع الرأس. وعليه فإن استفادة وجوب مسح بعض الرأس لا يدور بالضرورة مدار حمل «الباء» على معنى «التبعيض».
2ـ آراء المفسِّرين في مفاد «أَرْجُلَكُمْ»
إن بيان المراد من كلمة «أرجلكم» رهنٌ بإعرابها. وهناك في هذا الشأن رأيان رئيسان، وهما:
أوّلاً: العطف على «وجوهكم».
ثانياً: العطف على «رؤوسكم».
طبقاً للرأي الأول يجب غسل الرجل؛ وطبقاً للرأي الثاني يجب مسحها؛ وهناك رأيٌ ثالث ـ بطبيعة الحال ـ وهو اعتبار «أرجلكم» مبتدأً لـ «مغسولة»([50]).
توضيح ذلك أن في إعراب «أرجلكم» قراءتين مشهورتين؛ وقراءة شاذّة. أما القراءتان المشهورتان فأحدهما النصب؛ والأخرى الجرّ؛ وأما الرواية الشاذّة فهي الرفع([51]). ويذهب المفسِّرون في الغالب إلى القراءتين المشهورتين.
حيث يذهب أكثر أهل السنّة إلى وجوب غسل الأرجل في الوضوء([52]) فإنهم يصرّون على تقديم طريقٍ يؤدّي إلى استنباط وجوب غسل الأرجل من الآية. ومن هنا فإنهم يسعَوْن إلى تقديم جميع الحالات الإعرابية الثلاثة (النصب والجرّ والرفع) دليلاً على وجوب الغسل. وبذلك يذكر بعضٌ العطف على «وجوهكم»؛ ويذهب بعضٌ إلى اتّخاذ تقدير الفعل «اغسلوا» دليلاً على نصب «أرجلكم»؛ كما قالوا بأن الوجه في إعراب الجرّ هو المجاورة لـ «رؤوسكم»، من قبيل: قولهم «جحرُ ضَبٍّ خربٍ»؛ حيث إن «خرب» إنما هو خبرٌ لـ «جحرُ» [فيكون حقُّه الرفع]، ولكنْ لمجاورته كلمة «ضبٍّ» أخذ منه حركته الإعرابية، التي هي الجرّ؛ فكان جرّه بالجوار([53]). وبذلك هم يتّخذون حتّى من إعراب الجرّ دليلاً على وجوب الغسل. وقد ذهبوا إلى القول بأن الوجه في رفع «أرجلكم» هو الابتداء، وأن خبره هو «مغسولة»([54]). وبذلك جعلوا جميع الحالات الإعرابية الثلاثة دليلاً على وجوب الغسل.
وأما من وجهة نظر المفسِّرين الشيعة فإن دليل نصب «أرجلكم» ـ بناءً على قراءة النصب ـ هو العطف على محلّ «رؤوسكم»؛ وإن الوجه في جرّها ـ بناءً على قراءة الجرّ ـ هو العطف على لفظها. وعلى هذه الشاكلة تكون كلمة «أرجلكم»، بناءً على كلا الإعرابين، وكلتا القراءتين، معطوفةً على رؤسكم، وبذلك يكون المعنى: «وامسحوا بأرجلكم».
د ـ آراء الفقهاء
يتمّ بيان آراء الفقهاء ـ كما هو الحال بالنسبة إلى آراء المفسِّرين ـ عبر مرحلتين، المرحلة الأولى: بيان آرائهم في حكم وجوب مسح الرأس؛ والمرحلة الثانية: بيان آرائهم في حكم غسل أو مسح الرجل.
1ـ آراء الفقهاء في مسح جميع الرأس أو بعضه
تجمع المذاهب الفقهية الأربعة عند أهل السنّة على وجوب مسح الرأس في الوضوء. ولكنهم يختلفون في مقدار المسح. وقد بلغ هذا الاختلاف حدّاً ذكر معه ابن عربي أحد عشر قولاً في هذا الشأن، مع بيان أدلّة كلٍّ منها([55]). وكما فعل أحد مؤلِّفي آيات الأحكام، يمكن تلخيص هذه النظريات المختلفة، والقول: إنهم ينقسمون في وجوب مسح جميع الرأس أو بعضه إلى طائفتين:
الطائفة الأولى: المالكية والحنابلة، من القائلين بوجوب مسح جميع الرأس؛ والطائفة الثانية: الأحناف والشافعية، من القائلين بكفاية المسح. وإن الطائفة الثانية التي تكتفي بمسح بعض الرأس تختلف فيما بينها حول المقدار الأدنى من المسح؛ فقال الأحناف بوجوب مسح مقدار الربع من الرأس؛ وذهب الشوافع إلى كفاية مسمّى المسح، حتّى ولو بمقدار بعض الشعر. وعلى هذا الأساس تجمع مذاهب أهل السنّة على وجوب مسح الرأس، ويختلفون في مقداره، ولكنْ لا أحد منهم يقول بوجوب غسل الرأس([56]).
إن دليل المالكية والحنابلة على وجوب مسح جميع الرأس هو الاحتياط. كما قالوا بأن «الباء» يمكن أن تكون «أصليّةً»، ويمكن أن تكون «زائدةً»، وإن اعتبار زيادتها هنا هو الأَوْلى؛ حيث قالوا: إن الله تعالى أمر في التيمُّم بمسح جميع الوجه، فقال: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ (المائدة: 6)، فكما يجب في التيمم مسح جميع الوجه كذلك يجب في الوضوء مسح جميع الرأس. كما اعتبر هؤلاء الفقهاء وجوب مسح جميع الرأس مؤكَّداً بفعل النبيّ الأكرم| أيضاً([57]).
وأما دليل الأحناف والشوافع على كفاية مسح بعض الرأس فهو اعتقادهم ـ خلافاً للمالكية والحنابلة ـ أن «الباء» في الآية للتبعيض، وليست زائدةً. وعلى هذا الأساس هي لا تدلّ على وجوب مسح جميع الرأس. وقال الأحناف ـ استناداً إلى رواية المغيرة، عن النبيّ الأكرم|، أنه كان في سفرٍ ومسح في الوضوء على ناصيته ـ بكفاية المسح على مقدار الربع من الرأس. أما الشوافع فقالوا: إن المسح على مسمّى الرأس يقينيٌّ، وما زاد عليه فهو ظنّي، وبالتالي لا يجب المسح على أكثر من المقدار المسمّى([58]).
2ـ آراء الفقهاء في مسح أو غسل الأرجل
هناك أربعة آراء مطروحة بين فقهاء الإسلام بشأن حكم مسح أو غسل الأرجل في الوضوء، وهي:
أوّلاً: وجوب المسح. وهو قول ابن عبّاس، وأنس بن مالك، وعكرمة، والشعبي، وقتادة([59]). وهو ما عليه اعتقاد الإمامية بالإجماع([60]).
وثانياً: وجوب الغسل. وهو رأي أكثر أهل السنّة([61]).
وثالثاً، التخيير بين المسح والغسل. وهو قول الحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري([62]).
ورابعاً: الجمع بين المسح والغسل. وهو قول داوود، والناصر للحقّ (من علماء الزيدية)([63]).
إن منشأ اختلاف أهل السنّة في هذه المسألة يعود إلى اختلافهم في إعراب كلمة «أرجلكم»، ووجود الروايات المتعارضة في بيان كيفية وضوء النبيّ الأكرم|. فالذين قالوا بوجوب المسح استندوا إلى إعراب هذه الكلمة بالنصب أو الجرّ، وأما الروايات الدالّة على الغسل فيعملون على طرحها أو حملها على محامل أخرى. وفي المقابل استند القائلون بوجوب الغسل إلى الروايات التي تنقل غسل الأرجل في الوضوء عن النبيّ الأكرم|، وفتوى وعمل بعض الأصحاب، وحملوا الآية على هذا المعنى أيضاً. كما أن مستند بعضهم هو أن الغسل يشتمل على المسح أيضاً، ومن هنا يكون الغسل نوعاً من الجمع بين هذين الرأيين. وإن دليل القائلين بالتخيير بين المسح والغسل هو أنه بالالتفات إلى قراءتي النصب والجرّ، حيث تقتضي القراءة الأولى ـ طبقاً لفهمهم ـ الغسل، وتقتضي القراءة الثانية المسح، وبحَسَب قاعدة التخيير بين النصّين المتعارضين، يتمّ الحكم بالتخيير في العمل بكلٍّ منهما. ودليل الفتوى بالجمع بين الغسل والمسح هو الجمع بين القراءتين.
يتّضح من مناقشة آراء وأدلة فقهاء أهل السنّة في المسح والغسل ما يلي:
أوّلاً: ليس هناك إجماعٌ بين أهل السنّة على وجوب غسل الأرجل في الوضوء.
ثانياً: إن أكثر أهل السنّة الذين قالوا بوجوب غسل الأرجل لا يستندون إلى دليلٍ واحد في هذا الشأن؛ فبعضهم يستند في ذلك إلى ظاهر الآية؛ وبعضهم يستند إلى الروايات والأخبار وآراء الصحابة؛ ويذهب بعضهم إلى وجوب الاحتياط في ذلك، ويرى أن الاحتياط يكون في غسل الأرجل. وبعبارةٍ أخرى: إن اتّفاق رأي أكثر أهل السنّة على هذا الحكم من قبيل: الإجماع المدركي؛ إذ إن اتّفاق آرائهم يكون على نحو القضية الاتفاقية.
ثالثاً: إن هذه الآية لا تشكِّل مستنداً لرأي جمهور أهل السنّة.
هـ ـ الروايات
ورد بيان كيفية الوضوء في الروايات المأثورة عن الأئمة المعصومين^ على النحو التالي: يتمّ الابتداء أوّلاً بغسل الوجه، وبعد ذلك غسل اليد اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع، ثم غسل اليد اليسرى على نحو غسل اليد اليمنى، ثمّ مسح جزء من الرأس، وأخيراً مسح ظاهر القدمين إلى الكعبين. وفي عددٍ من روايات هذا الباب تمّ الاستناد إلى كيفية وضوء النبيّ الأكرم|؛ وفي بعضها تمّ الاستناد إلى هذه الآية. ويبدو من التدقيق في طريقة الاستناد إلى هذه الآية في روايات المجموعة الأخيرة أنه استنادٌ في هذه الروايات إلى قرينة وحدة السياق.
فقد ورد في صحيحة زرارة: «قلتُ لأبي جعفر×: ألا تخبرني من أين علمتَ وقلتَ: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك، فقال: يا زرارة، قاله رسول الله|، ونزل به الكتاب من الله عزَّ وجلَّ، لأن الله عزَّ وجلَّ قال: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾، فعرفنا أن الوجه كلَّه ينبغي أن يغسل، ثم قال: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يُغْسَلا إلى المرفقين، ثم فَصَل بين الكلام، فقال: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ فعرفنا حين قال: ﴿بِرُؤُوسِكُمْ﴾ أن المسح ببعض الرأس؛ لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس، كما وصل اليدين بالوجه، فقال: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾، فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسَّر ذلك رسول الله| للناس، فضيَّعوه»([64]).
في هذه الرواية يَرِدُ سؤال الراوي عن دليل وجوب مسح بعض الرأس والأرجل في الوضوء. وقد استند الإمام× في جوابه عن سؤال الراوي إلى آية الوضوء؛ وتفسير النبيّ الأكرم|. والشاهد على المدَّعى في هذا البحث هو استناد الإمام× في هذه الرواية إلى آية الوضوء، ألا وهو «الاستناد إلى قرينة وحدة السياق».
لقد تمّ الاستناد في هذه الرواية إلى قرينة وحدة السياق في هذه الآية، عبر ثلاثة محاور:
المحور الأول: الاستناد إلى وحدة السياق في ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾.
بعد اعتبار إطلاق ﴿وُجُوهَكُمْ﴾ في عبارة: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ دليلاً على وجوب غسل جميع الوجه تمّ اتّخاذ وحدة السياق في قوله: ﴿وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ دليلاً على وجوب غسل الأيدي، واعتبر قيد ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ دليلاً على وجوب غسل الأيدي إلى المرافق.
المحور الثاني: الاستناد إلى اختلاف سياق ﴿فَاغْسِلُوا﴾ مع ﴿وَامْسَحُوا﴾.
بالإضافة إلى الاستناد إلى وحدة السياق في كلٍّ من العبارات في هذه الرواية، تمّ الاستناد إلى اختلاف السياق بينهما أيضاً؛ حيث يتمّ من خلال الاستناد إلى ابتداء الجملة الجديدة بالفعل ﴿وَامْسَحُوا﴾ استنتاجُ التغاير بين حكم «الوجه واليدين» و«الرأس والرجلين»، بتوضيح أن استعمال فعلٍ جديد يوجب تحقُّق سياقٍ مختلف عن سياق الجملة السابقة. وعلى هذا الأساس فإن المفردات الواردة بعد هذا الفعل تقع في سياق كلمات الجملة الجديدة، ومن هنا لا يمكن وضع كلمات الجملة الجديدة في سياق مفردات الجملة السابقة، بل يجب وضعها في سياق كلمات الجملة الجديدة. إن تحقُّق سياقين مختلفين في جملتين يشكِّل مقدّمةً لعدم دلالة الآية على وجوب غسل الرأس ومسحه، وعدم إمكان عطف «أرجلكم» على «وجوهكم».
المحور الثالث: الاستناد إلى وحدة السياق في قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾.
ففي هذه الرواية، بعد بيان المسائل السابقة، تمَّ التعرُّض إلى بيان مفاد ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾، واستفيد منه أربعة أحكام، وهي:
ـ وجوب مسح الرأس.
ـ كفاية مسح بعض الرأس في الوضوء.
ـ وجوب مسح الأرجل، دون غسلها.
ـ كفاية مسح بعض الرجل في الوضوء، وليس جميعها.
لقد استفادت الرواية في البداية من الأمر بمسح الرأس في قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ وجوب مسح الرأس، ثمّ استندَتْ ـ لكفاية مسح بعض الرأس، وعدم وجوب مسح جميع الرأس ـ إلى وجود «باء الجرّ». ثمّ ومن خلال الاستناد إلى وحدة السياق بين ﴿بِرُؤُوسِكُمْ﴾ و﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ في الآية بشكلٍ متزامن تمّ استنباط حكمين فقهيين، وهما: «وجوب مسح الرجلين (دون غسلهما)»؛ و«كفاية مسح بعض الأرجل».
و ـ النتيجة
إن هذه الرواية تشتمل على الاستناد إلى السياق؛ وذلك أنه بعد الحكم بوجوب مسح بعض الرأس في الوضوء تمَّتْ الاستفادة من وحدة سياق «برؤوسكم» و«أرجلكم» أنه كما لا يجب غسل الرأس في الوضوء، وإنما الواجب هو مجرَّد مسح بعض الرأس في الوضوء فقط، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأرجل أيضاً، حيث لا يجب غسلهما، ويكفي غسل بعضهما. وكذلك حيث تمَّ الفصل بين الجملتين لا يمكن وضع مفردات الجملة الثانية في سياق مفردات الجملة السابقة. ولذلك لا يمكن وضع كلمة «أرجلكم» في سياق الجملة السابقة، وعطفها على «وجوهكم». ونتيجة لذلك، حيث لا تدلّ هذه الآية على وجوب غسل الرأس في الوضوء، بل تدلّ على وجوب المسح، كما أن وجوب هذا المسح يقتصر على بعض الرأس، فإنها تدلّ بقرينة وحدة سياق «برؤوسكم» و«أرجلكم» على وجوب مسح الأرجل، مع الدلالة على كفاية مسح البعض فقط.
الاستنتاج
1ـ إن السياق، بمعنى: «طريقة ترتيب الألفاظ، الأعمّ من الكلمات أو الجمل»، واحدٌ من القرائن التي تمّ الاستناد إليها في المستندات الفقهيّة لأهل البيت^ إلى القرآن الكريم.
2ـ بالاستناد إلى وحدة سياق «الخمر»، و«المَيْسِر»، و«الأزلام»، و«الأنصاب» في الروايات تمّ إثبات ثلاثة أحكام فقهية في الحدّ الأدنى، وهي: حرمة شرب الخمر ولعب القمار؛ وكونهما من الكبائر؛ وكذلك حرمة جميع الفروع المرتبطة بهما، وكذلك صنع الخمر وبيعه، وتعليم القمار، وتأجير محلّ لبيع الخمر ولعب القمار أيضاً.
3ـ لقد أنكر بعض فقهاء أهل السنّة دلالة كلمة الرِّجْس على حرمة الخمر، إلاّ أن وحدة سياق إطلاق الخمر على كلٍّ من هذه الأمور الأربعة المذكورة في الآية يردّ هذا الإنكار.
4ـ لقد اعتبرت وحدة سياق الحجّ والعمرة دليلاً على وجوب العمرة.
5ـ إن اختلاف سياق ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ مع ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ يدلّ على اختلاف حكم الرأس عن حكم الأرجل. وبالتالي يدلّ ذلك على وجوب مسح الرأس. ومن وحدة سياق «أرجلكم» و«رؤوسكم» يتّضح أن الأرجل يجب مسحها، كما يجب مسح الرأس.
6ـ بعد إثبات دلالة الآية على وجوب مسح الرأس فإن وحدة سياق «أرجلكم» مع «رؤوسكم» تدلّ على اتّحاد حكم الرأس والأرجل. وعليه كما يجب مسح الرأس في الوضوء، دون الغسل؛ طبقاً لهذه الآية، فإنه يجب مسح الأرجل أيضاً. ومن هنا فإن القول بغسل الأرجل لا ينسجم مع السياق.
7ـ لا يتّفق أهل السنّة حول مقدار مسح الرأس في الوضوء؛ فبعضهم يرى وجوب مسح جميع الرأس؛ وبعضهم يرى كفاية مسح بعض الرأس. ومن هنا فإن القائلين بكفاية مسح بعض الرأس يجب عليهم؛ بمقتضى وحدة السياق، أن يقولوا بكفاية مسح بعض الأرجل أيضاً.
8ـ لا يجمع أهل السنّة على وجوب مسح الأرجل في الوضوء؛ حيث يذهب جمهورهم إلى القول بوجوب الغسل؛ ولكنْ هناك ثلاثة أقوال أخرى بينهم في هذا الشأن، وهي: وجوب المسح؛ والتخيير بين المسح والغسل؛ والجمع بينهما.
9ـ إن إجماعَ أكثر أهل السنّة على وجوب مسح الأرجل في الوضوء من قبيل: الإجماع المدركي؛ لأنهم لا يمتلكون في هذا الشأن مستنداً واحداً؛ فبعضهم يستند إلى هذه الآية؛ وبعضهم إلى بعض الروايات؛ وبعضهم يذهب إلى التمسُّك بالاحتياط من خلال القول بالغسل؛ لاشتماله على المسح أيضاً.
10ـ إن الروايات المشتملة على الاستناد إلى السياق، والتي أتَيْنا على ذكرها في هذه المقالة، ولا سيَّما روايات الاستناد إلى سياق آية الوضوء، مثل سائر الروايات الأخرى التي يستند فيها أهل البيت^ إلى القرآن الكريم، تثبت أصالة وقرآنيّة فقه أهل البيت^.
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعِدٌ في الجامعة الحرّة ـ شيراز.
(**) أستاذٌ مساعِدٌ في جامعة فردوسي ـ مشهد.
([1]) انظر: رجبي، بحوث في منهج تفسير القرآن الكريم: 125.
([2]) انظر: محمد رضا المظفَّر، أصول المظفَّر 1: 120 ـ 125، دار التعارف للمطبوعات، ط4، بيروت، 1983م.
([3]) رجبي، بحوث في منهج تفسير القرآن الكريم: 92.
([4]) يعقوب جعفري، دلالت سياق ونقش آن در فهم آيات قرآن (دلالة السياق ودَوْرها في فهم آيات القرآن): 22، نشر ترجمان وحي، قم، 1387هـ.ش. (مصدر فارسي).
([5]) انظر: محمد علي رضائي كرماني، جايگاه سياق در الميزان (موقع السياق في تفسير الميزان)، مجلة پژوهشهاي قرآني، العددان 9 ـ 10: 194 ـ 205، ربيع وصيف عام 1376هـ.ش. (مصدر فارسي).
([6]) انظر: رجبي، بحوث في منهج تفسير القرآن الكريم: 100.
([7]) انظر: شمس الله معلم كلائي، نقش سياق أز نگاه علاّمه فضل الله (دور السياق من وجهة نظر العلاّمة محمد حسين فضل الله)، موقع معلومات مكتب السيد محمد حسين فضل الله، بتاريخ: 21 / 10 / 1391هـ.ش. (www.bayynat.ir.).
([8]) انظر: أصول المظفَّر 1: 121.
([9]) انظر: محمد علي الصابوني، روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن 1: 566، مؤسّسة التاريخ العربي / دار إحياء التراث العربي؛ زين العابدين قرباني لاهيجي، تفسير جامع آيات الأحكام 1: 212، نشر سايه، طهران، 1384هـ.ش.
([10]) الفاضل المقداد بن عبد الله السيوري، كنـز العرفان في فقه القرآن 1: 25، تحقيق: محمد باقر البهبودي ومحمد باقر شريف زاده، المكتبة الرضوية، طهران، 1384هـ.ش.
([11]) انظر: المصدر السابق 1: 25.
([12]) انظر: العلاّمة الحلّي، تذكرة الفقهاء 1: 65، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، 1414هـ.
([16]) انظر: مرتضى الأنصاري، كتاب الطهارة: 322، مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1428هـ؛ محمد فاضل اللنكراني، تفصيل الشريعة 3: 139، مركز فقه الأئمة الأطهار^، قم، 1423هـ؛ زين العابدين قرباني اللاهيجي، تفسير جامع آيات الأحكام 1: 219، نشر سايه، طهران، 1384هـ.
([17]) انظر: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 238؛ 17: 238، تحقيق: الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403هـ.
([18]) المصدر السابق 12: 240، 1402هـ.
([19]) المصدر السابق 17: 240 ـ 241، 1402هـ.
([20]) المصدر السابق 11: 253، 1403هـ.
([21]) المصدر السابق 12: 240، 1402هـ.
([22]) انظر: الخميني، المكاسب المحرّمة 1: 13، مؤسّسة مطبوعاتي إسماعيليان، قم، 1410هـ.
([23]) انظر: محيي الدين بن عربي، أحكام القرآن 1: 167 ـ 168، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): 366، تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
([24]) انظر: فخر الدين الرازي، التفسير الكبير 5: 152؛ الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 38، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان، 1415هـ؛ تفسير الآلوسي 2: 78.
([25]) انظر: الجصّاص، أحكام القرآن 1: 320؛ محمد بن محمد أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: 206.
([26]) انظر: محمد محسن الفيض الكاشاني، التفسير الصافي 1: 230، مكتبة الصدر، طهران، 1416هـ؛ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 75، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.
([27]) انظر: ابن عربي، أحكام القرآن 1: 167 ـ 168.
([28]) انظر: الجصّاص، أحكام القرآن 1: 320؛ أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: 206؛ تفسير الآلوسي 2: 78.
([29]) انظر: الرازي، التفسير الكبير 5: 152.
([30]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 38.
([31]) انظر: الفيض الكاشاني، التفسير الصافي 1: 230.
([32]) انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 75. ومن الجدير بالذكر أن العلاّمة لا يتعرّض في الغالب إلى الجزئيات الفقهية.
([33]) انظر: آل عمران: 97؛ الحجّ: 27.
([34]) انظر: الصابوني، روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن 1: 246.
([35]) انظر: العلاّمة الحلّي، تذكرة الفقهاء 7: 11؛ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 20: 443، تحقيق وتعاليق: عباس قوجاني، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ.ش.
([36]) النجفي، جواهر الكلام 20: 443.
([37]) انظر: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 8: 4 ـ 12، 1403هـ.
([38]) المصدر السابق 8: 4، 1403هـ؛ السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 1: 193، مؤسّسة بعثت، قم.
([39]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 8: 4، 1403هـ؛ البحراني، البرهان في تفسير القرآن 1: 193.
([40]) انظر: البحراني، البرهان في تفسير القرآن 1: 193.
([42]) انظر في هذا الشأن: ابن عربي والجصّاص وأبو السعود والآلوسي، كما سبق ذكر ذلك في معرض تقرير آراء المفسِّرين.
([43]) انظر: الجصّاص، أحكام القرآن 2: 429؛ الرازي، التفسير الكبير 11: 160.
([44]) انظر: تفسير الآلوسي 6: 71.
([45]) انظر: ابن عربي، أحكام القرآن 2: 64.
([46]) انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) 6: 88.
([47]) انظر: أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم 3: 11.
([48]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 284، 1415هـ؛ أحمد بن محمد الأردبيلي، زبدة البيان: 17، تحقيق: محمد باقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران؛ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 5: 222.
([49]) انظر: سعيد بن هبة الله الراوندي، فقه القرآن 1: 18، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1405هـ.
([50]) هكذا ورد في الأصل! ولا وجود لهذه الكلمة في الآية. المعرِّب.
([51]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 284، 1415هـ.
([52]) انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 5: 223.
([54]) هكذا ورد في الأصل! المعرِّب.
([55]) انظر: ابن عربي، أحكام القرآن 2: 60؛ قرباني لاهيجي، تفسير جامع آيات الأحكام 1: 61، 1384هـ.ش.
([56]) انظر: الصابوني، روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن 1: 538.
([58]) قال الصابوني في تلخيص هذا البحث: «أقول: الباء في اللغة العربية موضوعةٌ للتبعيض؛ وكونُها زائدةً خلافُ الأصل. ومتى أمكن استعمالها على حقيقة ما وضعت له وجب استعمالها على ذلك النحو. فالفرض يجزئ بمسح البعض، والسنّة مسح الكلّ. فما ذهب إليه الشافعية والحنفية أظهر، وما ذهب إليه المالكية والحنابلة أحوط. والله أعلم». الصابوني، روائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن 1: 538.
([59]) انظر: السيوطي، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2: 262، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت؛ الراوندي، فقه القرآن 1: 17، 1405هـ.
([60]) الراوندي، فقه القرآن 1: 17، 1405هـ.
([61]) الفقيه يوسف بن أحمد بن عثمان، الثمرات اليانعة والأحكام الواضحة القاطعة 3: 59، مكتبة التراث الإسلامي، صعدة، 1423هـ.