د. السيد محسن فتّاحي(*)
بيان المسألة
لقد ورد بحث «مصافحة الأجنبية» في العديد من الأبواب، وتحت عناوين مختلفة، من قبيل: «اللمس»، و«المصافحة»، و«النظر»، الواردة في الكتب الفقهية الاستدلالية والاستفتائية عند الإمامية وأهل السنّة. وهناك الكثير من المقالات التي كُتبَتْ في هذا الشأن، ومن بينها: «الحجاب ومصافحة المرأة»([1])، و«دست دادن با نا مَحْرَم أز نگاه آيات وروايات»([2])، و«المصافحة، قراءةٌ في الموقف الفقهي»([3])، و«مصافحه با نا مَحْرَم»، قسم من كتاب «حجاب شرعي در عصر پيامبر»([4]). يُضاف إلى ذلك المنشور في هذا الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعية بمختلف اللغات([5]). إن الاتجاه الغالب في هذه الآثار يكمن في تقديم الأدلة وتحليلها في سياق إثبات حرمة مصافحة الأجنبية.
ليس هناك مسلمٌ يعيش في المجتمعات غير المسلمة إلاّ وقد عانى من بعض مواقف الحَرَج؛ بسبب إحجامه عن مصافحة الأجنبية. وبالتالي فقد أخذ بعضهم يتجاوز الحكم الفقهي في هذا الشأن ولا يتقيَّد به، وآثر الملتزمون منهم تحمّل أعباء هذا الحكم وتَبِعاته. وحَدَث قبل أيّامٍ في سويسرا ـ رائدة الليبرالية الغربية ـ أن أحجم تلميذان عن مصافحة معلّمتهما، وقد أثار هذا الأمر بعض الجَدَل، بل وحتّى سنّ قانونٍ في هذا الشأن يقضي على أولياء أمر الطلاب الذين يمتنعون عن مصافحة معلّماتهم بدفع غرامة تصل إلى خمسة آلاف فرنك سويسري (ما يعادل خمسة آلاف دولار)([6]).
إن هذه الحالات من الحَرَج قد خلقَتْ دافعاً كافياً ـ على الرغم من الآثار والمؤلَّفات القيِّمة التي تقدَّم ذكر بعضها ـ إلى إعادة قراءة أدلّة حرمة مصافحة الأجنبية. إن الذي ننشده في هذه المقالة هو الحكم الأوّلي، دون مقتضى الحكم الثانوي؛ إذ هناك من الفقهاء مَنْ أفتى بجواز مصافحة الأجنبية استناداً إلى العناوين الثانوية، من قبيل: الضرورة العُرْفية([7]). وقد تمّ السعي في هذه المقالة إلى تجنُّب تكرار التحليلات الموجودة في الأعمال التي قُدِّم ذكرها، والعمل على طرح مسائل أخرى، ومن زاويةٍ ثانية.
لقد تمَّتْ إعادة النظر في الحكم الأوّلي لمصافحة الأجنبية([8]) في هذه المقالة عبر ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى تمّ استعراض أقوال المتقدّمين من الفقهاء من الناحية التاريخية؛ لكي نرسم أفقاً لفهم المتقدّمين عن هذا الموضوع؛ ثمّ استعرضنا بعد ذلك أدلّة الحرمة مع مناقشتها ونقدها؛ وفي المرحلة الثالثة والأخيرة تمّ التوصُّل في نهاية المطاف ـ ضمن طرح أدلة مشروعية المصافحة ـ إلى إثبات جواز مصافحة الأجنبية على كراهةٍ (ومرجوحية).
جولةٌ على مسألة مصافحة الأجنبية في آراء المتقدّمين من الفقهاء
لم يَرِدْ في كتب الفقهاء الأوائل كلامٌ بشأن مصافحة الأجنبية([9]). وهذا الأمر في حدّ ذاته يدعو إلى التأمُّل. وكان ابن سعيد الحلّي(690هـ) أوّلَ فقيهٍ تحدَّث في هذه المسألة، وأفتى بكراهتها([10]). كما أن الفتوى بالكراهة توافق بعض الروايات غير المعتبرة أيضاً. ومنها: ما عن عليّ بن الحسن الطبرسي(600هـ)، في مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، عن كتاب المحاسن، لأحمد بن محمد بن خالد البرقي(274هـ)، عن الإمام الصادق×: «أنه كره أن يُصافح الرجلُ المرأةَ، وإنْ كانت مُسِنّةً»([11]). قد يُدّعى بأن كلمة «كره» في هذه الرواية تعني الحرمة. بَيْدَ أن القائل بهذا الادّعاء لا يأتي بقرينةٍ تثبت الدلالة على الحُرمة.
وبعد قرنٍ من فتوى ابن سعيد الحلّي(689هـ) جاء العلاّمة الحلّي(726هـ)؛ ليكون هو الفقيه الأوّل الذي يفتي بالحرمة في كتاب تذكرة الفقهاء؛ استناداً إلى صحيحة أبي بصير([12]). والملفت للانتباه أن الشيخ الطوسي(460هـ)، رغم تأليفه لمصدرين روائيّين هامّين، وهما: التهذيب؛ والاستبصار، لم يذكر حتّى رواية واحدة من روايات مصافحة الأجنبية. في حين أن الشيخ الكليني(329هـ) ـ وهو متقدِّمٌ عليه من الناحية الزمنية ـ قد أفرد لهذه المسألة باباً ذكر فيه روايات مصافحة الأجنبية([13]). هذا في حين أن الشيخ الطوسي قد نقل في كتاب التهذيب رواياتٍ مشابهة، مثل: رواية أبي بصير، عن الإمام الصادق×، حول «مصافحة المسلم لليهودي والنصراني من وراء الثياب»([14]). من الواضح أنه لا يمكن القول: إن الشيخ الطوسي قد غفل عن وجود هذه الروايات، أو أنه لم يكن يمتلك نسخةً من كتاب الكافي، للشيخ الكليني. كما لا يمكن القول بأن هذه الروايات لم تكن في حوزة الفقهاء المتقدّمين (قبل العلاّمة الحلّي)، من أمثال: ابن عقيل، وابن الجُنَيْد (القرن الهجري الرابع)، والشيخ المفيد(413هـ)، وأبي الصلاح الحلبي(447هـ)، والشريف المرتضى(436هـ)، وسلاّر (448هـ)، وابن البرّاج(481هـ)، وابن زُهْرة(585هـ)، وابن إدريس(598هـ).
أدلّة حرمة مصافحة الأجنبية
يمكن لنا أن نرصد أدلة حرمة مصافحة الأجنبية من ثلاث زوايا، وهي: الروايات؛ وقياس الأولوية؛ ومصداقية المصافحة لتولّي القابل. وسوف نأتي على استعراض هذه الأدلة الثلاثة تباعاً، مع بيان مناقشتها ونقدها.
أـ الروايات
إن الروايات الواردة في حرمة مصافحة الأجنبية تنقسم إلى مجموعتين، وهما:
المجموعة الأولى: هي الروايات التي يدلّ ظاهرها على حرمة مصافحة الأجنبية.
المجموعة الثانية: هي روايات مبايعة النساء للنبيّ الأكرم|.
المجموعة الأولى: روايات النهي عن مصافحة الأجنبية
في هذه المجموعة تمّ الاستناد إلى أحاديث: مناهي النبيّ الأكرم|، وصحيحة أبي بصير، وموثَّقة سماعة، ورواية ثواب الأعمال، وروايات حرمة اللمس.
1ـ حديث مناهي النبي الأكرم|
إن حديث المناهي حديثٌ طويل، رواه الإمام الصادق×، عن آبائه الكرام^، عن النبيّ الأكرم|. وقد انفرد الشيخ الصدوق(381هـ) برواية هذا الحديث الطويل، بسندٍ واحد، مرّةً في الأمالي([15])، ومرّةً أخرى في مَنْ لا يحضره الفقيه([16]). هناك في سند هذه الرواية أشخاص مجاهيل. ومن بينهم ـ مثلاً ـ: شعيب بن واقد. وهو غيرُ موجودٍ في المصادر الرجالية لدى الشيعة. وقد ذكر الشيخ الصدوق طريقه إلى شعيب بن واقد في «مشيخة الفقيه»([17]). إن هذه الرواية تعتبر طبقاً لمسلك الأصحاب من الإمامية ضعيفة السند؛ لاشتمالها على رواة مجهولين، من أمثال: حمزة بن محمد العلوي([18])، وعبد العزيز بن محمد بن عيسى الأبهري([19]). وقد ورد ذكر شعيب بن واقد في بعض مصادر أهل السنّة بوصفه شيخاً بصريّاً مجهولاً([20]).
وبالالتفات إلى أن مناهي النبيّ غيرُ موجودةٍ في مصادرنا الروائية (باستثناء مَنْ لا يحضره الفقيه)، ولا في مصادر أهل السنّة، إذن يجب أن يكون مؤلَّفاً من طريق تركيب روايات مختلفة، ويحتمل أن يكون سنده مركّباً من أسانيد تلك الروايات. وبذلك لا تكون مناهي الرسول روايةً واحدة؛ حتّى يمكن إحراز اعتبارها([21]).
ولبعض الأسباب لم يتمّ الفصل بين موارد النهي التحريمي وموارد النهي التنزيهي في هذه الرواية. إن بعض الموضوعات الواردة في مناهي النبي هي مكروهةٌ، من قبيل: الأكل والشرب في حال الجنابة، والتبوُّل تحت الأشجار المثمرة، والسواك في الحمّام؛ وبعضها حرامٌ، من قبيل: الغيبة والاستماع إليها، والعَزْف على آلات اللهو والطَّرَب. وجزءٌ آخر من هذا الحديث يتضمّن أحكاماً وضعيّة (من قبيل: «البطلان»)، كما في «بيع ما ليس عنده». وعليه لا يمكن في موضوعٍ خاصّ ـ من قبيل: مصافحة الأجنبية ـ الاطمئنان إلى أن النهي الوارد في هذه الرواية هل هو نهيُ تحريمٍ أو نهيُ كراهةٍ؟ وإن الطريق في تحديد ذلك هو الرجوع إلى سائر الأدلّة في كلّ موضوعٍ على حِدَة. بل إن بعض الفقهاء قد ذهب في الموارد المشابهة للمصافحة ـ والتي وردَتْ في هذه الرواية ـ إلى القطع بكراهتها، مستدلاًّ على ذلك بأن هذه الرواية تشتمل على الكثير من الموارد المكروهة([22]).
وقد ورد النهي عن مصافحة الأجنبية في هذه الرواية على النحو التالي: «نهى رسول الله|… قال: ومَنْ صافح امرأةً([23]) تحرم عليه فقد باء بسخطٍ من الله عزَّ وجلَّ»([24]).
ومن حيث الدلالة، إن التعبير المغلَّظ في عبارة: «فقد باء بسخطٍ من الله عزَّ وجلَّ» يشير إلى الحرمة، إلاّ أن عبارة: «مَنْ ملأ عينَيْه من حرامٍ ملأ الله عينَيْه يوم القيامة من النار»، الواردة قبل مورد المصافحة مباشرةً، يوجب([25]) التشكيك في دلالة النهي الوارد في مورد المصافحة مع الأجنبية على التحريم، بل الاكتفاء منه على القَدَر المتيقَّن منه هو حمل المصافحة هنا على خصوص المصافحة بشهوةٍ. وهذا ما فهمه الفيض الكاشاني أيضاً، حيث قال في تفسير هذه الرواية: «فقد باء بسخطٍ من الله عزَّ وجلَّ، يعني بشهوةٍ»([26]).
وعلى هذا الأساس فإن هذه الرواية ـ بغضّ النظر عن ضعف السند ـ لا دلالة فيها على أكثر من حرمة المصافحة المقرونة بالشهوة.
ثم إن النقطة التي يمكن إضافتها بشكلٍ عامّ في مورد نواهي الرسول| هي أننا نشاهد أن النهي في بعض الموارد كان نهياً مصلحياً، وبمقتضى الشرائط الزمنية. إن هذه الموارد تدفعنا إلى عدم حمل نواهي النبيّ الأكرم في سائر الموارد الأخرى على الحرمة. والصحيحة أدناه تمثِّل نموذجاً من هذه الموارد: «عن أبي جعفر× أنه سُئل عن سباع الطير والوحش، حتّى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل؛ فقال: ليس الحرام إلاّ ما حرَّم الله في كتابه، وقد نهى رسول الله| يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يُفنوه، وليست الحُمُر بحرام، ثمّ قال: اقرأ هذه الآية: ﴿قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ﴾ (الأنعام: 145)»([27]).
2ـ صحيحة أبي بصير
قال أبو بصير: سألتُ أبا عبد الله× عن مصافحة الرجل المرأة؟ قال: «لا يصافحها إلاّ من وراء الثوب»([28]).
3ـ موثَّقة سماعة بن مهران
عن سماعة بن مهران قال: سألتُ أبا عبد الله× عن مصافحة الرجل المرأة؟ قال: لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة، إلاّ امرأةً يحرم عليه أن يتزوَّجها: أخت أو بنت أو عمّة أو خالة أو ابنة أخت أو نحوها، فأما المرأة التي يحلّ له أن يتزوّجها فلا يصافحها إلاّ من وراء الثوب، ولا يغمز كفّها»([29]).
أوّلاً: إن العقلاء يستبعدون جدّاً الحرمة التعبُّدية للمصافحة والغمز. إن الأصل الأوّلي في الأمور العُرْفية هو أن يعمد المقنِّن إلى أخذ الملاكات العُرْفية في عملية التشريع والتقنين بنظر الاعتبار، دون الملاكات التعبُّدية البعيدة عن الذهن والخفيّة والملغزة. وعلى هذا الأساس لو وجد الشارع المقدَّس نكتةً تعبُّدية في أمرٍ عُرْفي وجب عليه التصريح بها. وفي مورد مصافحة الأجنبية لم يتمّ التصريح بهذه النكتة. وعلى هذا الأساس يكون معنى هذه الرواية ورواية أبي بصير: حيث إن المصافحة مع الأجنبية يوجب تهييج الشهوة فهي محرَّمةٌ. وعليه تكون حرمة مصافحة الأجنبية مشروطةً بموارد الاقتران بتهييج الشهوة.
ثانياً: هناك رواياتٌ أخرى يمكن أن تشكِّل قرينةً على إثبات هذا المدّعى، وهو أن مراد هاتين الروايتين ليس هو بيان حكم المصافحة في نفسه وفي حدّ ذاته، بل بيان حكمٍ بلحاظ قيدٍ وعنوان عارض ومستتر، من قبيل: الشهوة. ومن ذلك: ما في رواية عن الإمام عليّ× أنه قال في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني: إلاّ من وراء الثوب (وهو تماماً نفس التعبير الوارد في رواية مصافحة الأجنبية، وإنْ صافحك بيده فاغسِلْ يدك([30]). وفي بعض الروايات: إنْ صافحك الناصبي([31]) أو الذمّي([32]) أو المجوسي([33]) فاغسِلْ يدك أو عفِّرْها في التراب. وفي روايةٍ أخرى ـ بالإضافة إلى النهي عن المصافحة مع المجوسي ـ: إن المصافحة معه توجب بطلان الوضوء([34]). بل وفي مرسلة محمد بن سالم ـ التي قال المجلسي الأوّل باعتبارها([35]) ـ أوصى الإمام عليّ× بأن تكون مصافحة الأخت لأخيها من وراء الثوب([36])، ونهى أن تلبس المرأة الثياب المصبوغة بحضور إخوتها([37])، بل ورد في ما يتعلَّق بالأخ والأخت أن الأخت يجب أن تستر شعرها من أخيها؛ كي لا تفتنه([38]).
إن الأحكام المذكورة في هذه الروايات ـ بلحاظ الفهم العُرْفي ومناسبات الحكم الوضعي ـ ليست أحكاماً تعبُّدية، وإنما بسبب تحقُّق موضوعات، من قبيل: الاحتكاك بأهل الكتاب، أو كفر ونجاسة الناصبيّ. وفي ما يتعلَّق بعدم لبس الثياب المصبوغة يجب القول: إن ذلك يعود سببه إلى إثارة الشهوة أحياناً([39]). وبعبارةٍ أخرى: إن هذه الأحكام المذكورة أحكامٌ حيثية، وليست ذاتيةً، بمعنى أن التحريمات المذكورة في تلك الموارد إنما هي بلحاظ ومن حيث سراية النجاسة، وإثارة الشهوة، وما إلى ذلك، لا أن ذات هذه الأفعال بنفسها تقتضي الحرمة. ولهذا السبب لا يمكن في الوقت الراهن أن نجد فقيهاً واحداً يُفتي بحرمة مصافحة الناصبيّ وأهل الكتاب، أو حرمة لبس المرأة الثياب المصبوغة بحضور محارمها، وحرمة مصافحة إخوتها.
ثالثاً: في دائرة المعاشرة مع الأجنبية هناك رواياتٌ تشتمل على نهيٍ لا يفتي أيُّ فقيهٍ به ـ في العصر الراهن في الحدّ الأدنى ـ على أساس هذه الروايات. فليس هناك مَنْ يقول بالحرمة:
1ـ «عن يونس بن يعقوب قال: سألتُ أبا عبد الله× عن خروج النساء في العيدين والجمعة؟ فقال: لا، إلاّ امرأةً مُسِنّةً»([40]).
سند هذه الرواية صحيحٌ. ولو أرَدْنا حمل هذه الرواية على طبق ظهورها اللفظي وجب القول بحرمة خروج النساء إلى صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى، إلاّ إذا كُنَّ من كبار السنّ. ولكنْ لا شَكَّ في عدم حرمة خروج النساء إلى صلاة العيدين. وإن قوله: «إلاّ امرأةً مُسِنّةً» بمناسبة الحكم والموضوع يشكِّل قرينةً على أن النهي الوارد في هذه الرواية إنما هو نهيٌ عَرَضي؛ بلحاظ التَّبِعات المحتملة، من قبيل: الاحتكاك والاختلاط بالرجال.
2ـ «عن السكوني، عن أبي عبد الله× قال: قال رسول الله|: إذا جلست المرأة مجلساً فقامت عنه فلا يجلس في مجلسها رجلٌ حتّى يبرد»([41]).
على الرغم من صحّة واعتبار هذه الرواية من الناحية السندية، ودلالة ظاهرها على الحرمة، إلاّ أن الفقهاء قد ذهبوا إلى كراهة أن يجلس الرجل في موضع جلوس المرأة قبل أن يبرد، ولم يُفْتِ أحدٌ منهم بالحرمة.
وفي روايةٍ صحيحة أخرى حول نظر الرجل إلى أعضاء المرأة عند معالجتها:
3ـ «وسألتُه عن المرأة يكون بها الجرح في فخذها أو عضدها، هل يصلح للرجل أن ينظر إليه ويعالجه؟ قال: لا»([42]).
هذا في حين أن الفقهاء يعتبرون موارد العلاج (المصحوبة عادةً باللمس والنظر) من موارد الضرورة، ويحكمون لذلك بالجواز. إلاّ إذا ادُّعي بأن هذه الرواية غير ناظرةٍ إلى موارد الضرورة، وعندها لن تكون قابلةً للاستشهاد.
بالالتفات إلى هذه الملاحظات نحصل على اطمئنانٍ بأن موضوع الحرمة المذكورة في الروايات هي الأفعال المقرونة بالشهوة، وليس مطلق تلك الأفعال([43]). ولذلك قدَّم السيد الشبيري الزنجاني ـ في نقد رأي السيد الخوئي الذي قال بحرمة اللمس مطلقاً، بدليل إلغاء الخصوصية عن روايات المصافحة([44]) ـ بياناً يثبت أن سماحته قد استفاد وجود خصوصية الشهوة في تلك الروايات أيضاً؛ وذلك إذ يقول: «لا شَكَّ في أن المصافحة تنطوي على إبراز ارتباطٍ وتواصلٍ خاصّ، وإن الإثارة الموجودة في المصافحة لا توجد في الكثير من الملامسات الأخرى، فلو قيل لشخصٍ: لا تجوز مصافحة الأجنبية هل يُستفاد من هذا الحكم حرمة وضع يده على رأسها أو شعرها أو أدنى ملامسةٍ لا تنطوي على أيّ إثارةٍ؟! كلاّ قطعاً»([45]).
إشكالٌ
قد يُشْكَل بأن الفَرْق بين هذه الروايات (التي لم يُفْتِ الفقهاء في موردها بالحرمة) وروايات المصافحة يكمن أوّلاً: في أن الحكم بالحرمة في تلك الروايات مخالفٌ للسيرة القطعية؛ وثانياً: بما أن موضوعها من الموارد الابتلائية فلو كان حكمها هو الحرمة لكان قد أصبح هذا الحكم من الواضحات([46]). في حين أن المصافحة لم تكن أمراً ابتلائياً ومورداً لسيرة المتشرِّعة، بل على العكس من ذلك كان قليل الابتلاء، وكانت السيرةُ على خلافها. ولذلك لا يكون قياس روايات المصافحة على هذه الروايات صحيحاً. وبعبارةٍ أخرى: في ما يتعلَّق بمورد روايات خروج النساء في العيدين والجمعة، أو مورد رواية الجلوس في موضع المرأة، هناك قرائن تشير إلى أن صيغة النهي فيها هو نهيٌ تنزيهي. بَيْدَ أن هذه القرائن مفقودةٌ في مورد المصافحة، وبناءً على المسلك المشهور في ظهور صيغة النهي في الحرمة لا يكون أمامنا سوى حمل روايات المصافحة على التحريم، طبقاً لظهورها الأوّلي.
الجواب
أوّلاً: إن رواية يونس بن يعقوب تعود بجذورها إلى كلمات النبيّ الأكرم|، وإن رواية السكوني يصل سندها إلى النبيّ الأكرم أيضاً. وهذا يعني أن هذه الموضوعات والمسائل كانت مطروحةً وموضع ابتلاء في عصر النبيّ الأكرم أيضاً([47]). ولذلك فإن هذه النصوص قد صدرت قبل أن تتشكَّل سيرة المتشرِّعة في هذه الموضوعات، أو أن تكون محلّ ابتلاء خصوص المسلمين في المجتمع الإسلامي. إن السؤال هو: هل كانت الحرمة تُفْهَم من هذه الروايات في صدر الإسلام وفي عصر النبيّ الأكرم| أم كان يُفْهَم منها الكراهة؟ لذلك لا يمكن القول: إن لتلك الروايات ظهوراً في الحرمة، ولكنْ لوجود القرائن، من قبيل: كونها محلّ ابتلاء أو السيرة القطعية، نحملها على الكراهة. أجل، لو كانت هذه الروايات بحيث لم تكن لها سابقةٌ، ثم تمّ طرحها منذ عصر الإمام الصادق× فما بعد، كان من الممكن أن يقال: إن السيرة كانت قائمةً، وقد مضَتْ مدّةٌ لا بأس بها، بحيث لو كان حكمها هو الحرمة لكان ذلك من الواضحات.
وعلى هذا الأساس، كما أن سياق روايات الخروج والجلوس سياقُ نهيٍ، دون أن تُفْهَم منه الحرمة، كذلك يجري ذات السياق في مورد المصافحة أيضاً. ولذلك لا يوجد لدينا دليلٌ على حملها على الحرمة. بل إن روايات الخروج والجلوس وأمثالها ـ من الروايات التي أفادَتْ الحكم غير الإلزامي في إطار صيغة النهي ـ من الكثرة بحيث يمكن لنا اصطياد هذه القاعدة الكلّية منها، ونقول: إن هذه النواهي بأجمعها من النهي التنزيهي، وإن حملها على التحريم هو الذي يحتاج إلى دليلٍ وقرينة. ولو اعتبرنا ظهور صيغة النهي في هذه الروايات هو الحرمة، ثمّ نقول: إن القرينة في أكثر هذه الموارد تستوجب حملها على الكراهة، سيكون ذلك من قبيل: تخصيص الأكثر، وهو مُستَهْجَنٌ عُرْفاً. وهذه النقطة هي التي تدفعنا إلى القول بأن الظهور الأوّلي لصيغة النهي يكون في مرجوحية الفعل والكراهة، وإن الحرمة هي التي تحتاج إلى قرينةٍ.
ثانياً: إن مصافحة الأجنبية لم يكن أمراً غريباً وغير متعارف أو مخالفاً لسيرة العرب. ويمكن لنا أن نقف على هذه المسألة بوضوحٍ من خلال روايات مبايعة النبيّ الأكرم| من قِبَل النساء. وفي هذه الروايات ـ وهي متعدِّدةٌ، وقد نقلها الرواة من الفريقين ـ كانت النسوة يمدُدْنَ أيديهنَّ للبيعة؛ ليصافحْنَ النبيّ الأكرم. وسوف نبحث هذه الروايات عند التعرُّض للطائفة الثانية من الروايات.
طبقاً لما تقدَّم يجب إما القول: إن صحيحة أبي بصير وموثَّقة سماعة خاصّتان بموردَيْهما، وموردهما هو إثارة الشهوة؛ أو اعتبارهما مجملتين، وإيكال علمهما إلى الأئمّة^. وفي العمل؛ بالالتفات إلى سائر روايات المعاشرة مع الأجنبية من جهةٍ؛ وعلى أساس أصالة البراءة من جهةٍ أخرى، نحكم بكراهة مصافحة الأجنبية.
والملفت أن بعض الفقهاء، على الرغم من قبوله لروايات جواز المصافحة من وراء الثوب، إلاّ أنه لم يتحمّل حتّى هذا المقدار أيضاً، وذهب؛ بالالتفات إلى الذهنية والنموذج السلوكي المرتكز؛ ومن خلال التمسُّك بمعرضيّتها للشهوة والفتنة، إلى الاحتياط في ترك المصافحة([48]).
4ـ رواية ثواب الأعمال وعقاب الأعمال
إن هذه الرواية الطويلة قد رواها الشيخ الصدوق، عن أبي هريرة؛ وعن عبد الله بن عبّاس، وفيها: «عن أبي هريرة وعبد الله بن عبّاس قالا: خطبنا رسول الله، فقال: …مَنْ صافح امرأةً حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً، ثمّ يُؤمَر به إلى النار؛ ومَنْ فاكه امرأةً لا يملكها حُبِس بكلّ كلمةٍ كلَّمها في الدنيا ألف عامٍ في النار»([49]).
يمكن القول في نقد هذه الرواية:
أوّلاً: إن طول هذه الرواية يجعل صدورها أمراً مُستَبْعَداً. كما أن نقلها عن أبي هريرة يوجب ضعفها سنداً. وأما عبد الله بن عباس، فعلى الرغم من كونه من رواة هذه الرواية، وقد اعتبره معظم أصحاب الإمامية من أجلّة أصحاب الإمام عليّ×، والإمامين الحسن والحسين’، ومع نقل دعاء النبيّ الأكرم| في حقِّه، ومعاشرته الطويلة للأئمّة، والمناصب التي تولاّها من قِبَل الأئمة^، إلاّ أن صغر سنّه عند سماع هذه الرواية من جهةٍ؛ وكثرة عدد الرواة المجهولين في سلسلة سند نسخة الأمالي([50]) من جهةٍ أخرى([51])، تخدش في اعتبار هذه الرواية.
وثانياً: على فرض صحّة سند هذه الرواية فقد تمّ تقييد المصافحة بقيد «الحرام». وهذا التعبير مُجْمَلٌ؛ إذ لم يبيِّن ما هي المصافحة الحرام؟ فهل مطلق المصافحة مع الأجنبية محرَّم أم خصوص المصافحة المقرونة بشهوةٍ؟ وبعبارةٍ أخرى: إن التمسُّك بهذه الرواية لإثبات حرمة المصافحة غير الشهوانية مع الأجنبية من قبيل: التمسُّك بالمطلق في الشبهة المصداقية.
وثالثاً: إن تتمّة هذه الرواية تشكِّل قرينةً على أن موضوع حكم الحرمة هو النوع المقرون بالشهوة من المصافحة. فقد ورد في تتمّة هذه الرواية قوله×: «مَنْ فاكه امرأةً لا يملكها حُبِس بكلّ كلمةٍ كلَّمها في الدنيا ألف عامٍ في النار». وقد جاء في رواية المناهي نفسها قوله: «ونهى أن تتكلَّم المرأة عند غير زوجها ـ وغير ذي محرم منها ـ أكثر من خمس كلماتٍ ممّا لا بُدَّ منه»([52]). لا شَكَّ في أن التكلُّم مع الأجنبية ليس محرَّماً؛ فقد قامت السيرة القطعية في صدر الإسلام على تكلُّم الرجال مع الأجنبيات([53]). إذن لا شَكَّ في أن المراد من التكلُّم هنا، الذي يستدعي هذه العقوبة القاسية، هو خصوص التكلُّم المحرَّم والمصحوب بشهوةٍ. ومع ذلك ذهب بعض الفقهاء المتقدّمين إلى القول بحرمة التكلُّم غير المقرون بشهوةٍ أيضاً، وقالوا: لو كانت المرأة في صلاةٍ وسمع الأجنبيّ صوتها بطلت صلاتها([54])، أو عدم كفاية أذانها للرجال([55])، بمعنى أنه يجب على الرجال إعادة الأذان بأنفسهم.
5ـ روايات حرمة اللمس (أو المسّ)
في ما يتعلَّق ببحث المصافحة مع الأجنبية استند الفقهاء إلى رواياتٍ أخرى موضوعها لمس الأجنبية، أو ذكروها كمؤيِّدات لهم. ومنها: مرسلة ابن نجران؛ ومسندة أبي جميلة؛ ومعتبرة أبي سعيد:
1ـ «أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عمَّنْ ذكره، عن أبي عبد الله×، ويزيد بن حمّاد وغيره، عن أبي جميلة، عن أبي جعفر وأبي عبد الله’ قالا: ما من أحدٍ إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا، فزنا العينين النظر، وزنا الفم القبلة، وزنا اليدين اللمس، صدَّق الفرج ذلك أم كذَّب»([56]).
إن الإشكال الدلالي في هذه الرواية يكمن في أن قيد الزنا فيها ـ كما صرَّح بعض الفقهاء ـ يشير إلى أن هذه الرواية ناظرةٌ إلى موارد الشهوة([57]).
وقد نقل أهل السنّة رواياتٍ مماثلةً، ومنها:
2ـ «معقل بن يسار يقول: قال رسول اللهﷺ: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديدٍ خيرٌ له من أن يمسّ امرأةً لا تحلّ له»([58]).
يقوم الاستدلال بهذه الرواية على المقدمات الثلاثة التالية:
أوّلاً: إن التعبير المشدَّد الذي يقول: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديد» يثبت حرمة الفعل.
وثانياً: لقد اعتبر النبيّّ الأكرم| أن الطعن في رأس الشخص بمخيطٍ من حديد أفضل من لمس الأجنبية.
وثالثاً: إن المصافحة من مصاديق اللمس.
النتيجة: إن مصافحة الأجنبية؛ بمقتضى هذه الرواية، تكون محرَّمة.
إن الإشكال الدلالي لهذه الرواية وسائر روايات اللمس يكمن في أن اللمس بين الجنسين يطلق في اللغة العربية إمّا على الجماع أو كناية عن الجماع([59])؛ أو بمعنى اللمس بشهوةٍ([60])، دون المصافحة.
3ـ «عن أبي سعيد قال: سمعتُ أبا عبد الله× يقول: المرأة إذا ماتَتْ مع قومٍ ليس لها فيهم ذات محرمٍ يصبّون الماء عليها صبّاً؛ ورجلٌ مات مع نسوةٍ وليس فيهنّ له محرمٌ فقال أبو حنيفة: يصبُبْن الماء عليه صبّاً، فقال أبو عبد الله×: بل يحلّ لهنّ أن يمسَسْنَ منه ما كان يحلّ لهنّ أن ينظرْنَ منه إليه وهو حيٌّ، فإذا بلغْنَ الموضع الذي لا يحلّ لهنّ النظر إليه ولا مسّه وهو حيٌّ صبَبْنَ الماء عليه صبّاً»([61]).
هذه الرواية معتبرةٌ([62]). إن الاستدلال بهذه الرواية ونظائرها يأتي من أن الإمام يأمر بالاكتفاء بصبّ الماء على جسد الميتة إذا لم يكن هناك محرمٌ يتولّى تجهيزها، وأنه لا يجوز له لمسها، بمعنى أن اللمس حرامٌ. فإذا كان لمسها حراماً حال موتها فهو حرامٌ حال حياتها بالأَوْلوية([63]).
إن هذا الاستدلال غيرُ صحيحٍ؛ إذ هناك احتمالٌ معتدّ به في أن رعاية حرمة الميّت؛ حيث لا يملك إرادةً من نفسه، تقتضي أن لا يُمَسّ، بخلاف الشخص الحيّ الذي يمتلك خيار الدفع أو عدم الدفع عن نفسه، إذا كان اللمس جائزاً في الواقع. وإن للميت ـ بشكلٍ عامّ ـ أحكاماً خاصّة. وإن قياس أحكام الميت على الحيّ قياسٌ مع الفارق([64])، ولا سيَّما أنه جاء في تتمّة الرواية جواز مسّ جسد الميّت من قِبَل النساء في تلك الشرائط.
في ختام بحث روايات الطائفة الأولى تجدر الإشارة إلى هذه النقطة، وهي أن بعض الفقهاء من أهل السنّة قد فهموا من الروايات الناهية حرمة المصافحة المقرونة بشهوةٍ، واستنتجوا من ذلك عدم الإشكال في المصافحة إذا لم تكن مقرونةً بشهوةٍ (كما هو الحال في مصافحة العجائز أو الفتيات الصغيرات)([65])، وروَوْا أن أبا بكر([66])، وحتّى النبيّ الأكرم|، كان يصافح العجائز([67]).
والنتيجة التي نحصل عليها من روايات الطائفة الأولى هي:
أوّلاً: إن بعضها يعاني من ضعفٍ ونقص من الناحية السندية، ولا يمكن التمسُّك بها من هذه الناحية.
وثانياً: إن المعتبر منها من الناحية السندية إما منصرفٌ إلى المصافحة مع المسلمين([68])، أو إلى المصافحة المقرونة بشهوةٍ([69]).
الطائفة الثانية: روايات مبايعة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)
لقد استند فقهاء أهل السنّة في الفتوى بتحريم مصافحة الأجنبية ـ قبل كلّ شيء ـ إلى روايات مبايعة النبيّ الأكرم|. وهناك رؤيتان بين الإمامية؛ فقد ذهب بعضٌ إلى اقتفاء أثر فقهاء أهل السنّة في الاستناد إلى هذه الروايات؛ بينما ذهب آخرون إلى عدم كفاية هذه الروايات في الإفتاء بالحرمة([70]).
ومن بين مجموع روايات المبايعة يمكن الإشارة إلى أربعة منها على النحو التالي:
1ـ رواية المفضَّل بن عمر
«عن المفضَّل بن عمر قال: قلتُ لأبي عبد الله×: كيف ماسَح رسول الله| النساء حين بايعهُنَّ؟ قال: دعا بمركنه الذي كان يتوضّأ فيه؛ فصبّ فيه ماءً، ثم غمس يده اليمنى، فكلّما بايع واحدةً منهُنَّ قال: اغمسي يدكِ، فتغمس كما غمس رسول الله|، فكان هذا مماسحته إيّاهُنَّ»([71]).
2ـ رواية سعدان بن مسلم
«عن سعدان بن مسلم قال: قال أبو عبد الله×: أتدري كيف بايع رسول الله| النساء؟ قلتُ: الله أعلم، وابن رسوله أعلم، قال: جمعهُنَّ حوله، ثمّ دعا بتور([72]) برام([73])، فصبّ فيه نضوحاً، ثم غمس يده فيه، ثمّ قال: اسمعْنَ يا هؤلاء، أبايعكُنَّ على أن لا تشركْنَ بالله شيئاً، ولا تسرقْنَ، ولا تزنينَ، ولا تقتلْنَ أولادكُنَّ، ولا تأتينَ ببهتانٍ تفترينَه بين أيديكُنَّ وأرجلكُنَّ، ولا تعصينَ بعولتكُنَّ في معروفٍ، أقررْتُنَّ؟ قلْنَ: نعم، فأخرج يده من التور، ثمّ قال لهنّ: اغمسْنَ أيديكُنَّ، ففعلْنَ، فكانت يد رسول الله| الطاهرة أطيب من أن يمسّ بها كفّ أنثى ليست له بمحرمٍ»([74]).
3ـ صحيحة أبان بن تغلب
«عن أبان، عن أبي عبد الله× قال: لمّا فتح رسول الله| مكّة بايع الرجال، ثمّ جاء النساء يبايعْنَه…، وقالت أمُّ حكيم بنت الحارث بن هشام: يا رسول الله، كيف نبايعك؟ قال: إنني لا أصافح النساء؛ فدعا بقدحٍ من ماء، فأدخل يده، ثم أخرجها، فقال: أدخلْنَ أيديكُنَّ في هذا الماء، فهي البيعة»([75]).
كما نقل أهل السنّة روايات أخرى بهذا المضمون، عن عائشة وغيرها، ومنها: ما نقل في مختلف الكتب الروائية لأهل السنّة، عن أميمة بنت رقيقة قالت: جئنا إلى رسول الله نبايعه، فقال|: «إني لا أصافح النساء»([76]).
4ـ صحيحة ربعي بن عبد الله
«في رواية ربعي بن عبد الله أنه لما بايع رسول الله| النساء، وأخذ عليهنَّ، دعا بإناءٍ، فملأه، ثم غمس يده في الإناء، ثم أخرجها، فأمرهُنَّ أن يدخلْنَ أيديهنَّ، فيغمسْنَ فيه»([77]).
نقد روايات المبايعة
أوّلاً: إن هذه الروايات تحكي عن فعل رسول الله|، وساكتةٌ عن بيان الحكم. ولذلك ذهب بعض فقهاء الإمامية([78]) وأهل السنّة([79]) إلى عدم كفاية دلالة هذه الروايات على الحرمة، وأشكلوا على أولئك الذين قبلوا بدلالة هذه الروايات على الحرمة.
وثانياً: إن هذه الروايات لا تدلّ على حرمة مصافحة الأجنبية؛ لأنها تقبل الحمل على الكراهة أيضاً. وفي تأييد الكراهة يمكن الإشارة إلى روايةٍ مرسلة عن الإمام الصادق× أنه قال: «إنه كره أن يصافح الرجلُ المرأة، وإنْ كانت مُسِنّةً»([80]).
وثالثاً: لو كانت المصافحة حراماً لكان على النبيّ الأكرم| أن يبيِّن ذلك بقول: يحرم على الرجال مصافحة النساء الأجنبيات، لا أن يكتفي بقوله: «إني لا أصافح النساء». فرُبَما كان النبيّ قد أراد من خلال امتناعه عن مصافحة النساء أن لا يقدِّم نموذجاً يُساء استغلاله. وهناك روايةٌ أخرى بهذا المضمون أيضاً. وعليه فإن هذه الروايات تبيِّن الترجيحات الشخصية للنبيّ الأكرم|، ولا تمثِّل الأحكام الشرعية الكلّية. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه وإنْ كان لم يحرِّم قبول الهدية من المشركين، إلاّ أن امتناعه عن قبول هدية المشرك([81]) ـ طبقاً لرواية أهل السنّة والإمامية ـ كان ترجيحاً شخصيّاً منه.
إن هذه الترجيحات هي من قبيل: الترجيحات التي نُقلت عن الآخرين في بعض الأحيان أيضاً.
ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: ما ورد في روايةٍ مأثورة عن الإمام عليّ×: إن جبرائيل× يمتنع عن الدخول إلى بيتٍ فيه تمثالٌ أو كلبٌ أو بولٌ([82]). فمن المُستَبْعَد أن يكون في ترجيح جبرائيل دلالةٌ على حرمة الدخول في مثل هذا البيت.
أو ما رُوي ـ مثلاً ـ عن الإمام موسى الكاظم× أنه قال: «لا آكل على مائدةٍ ليس فيها خضرةٌ»([83])، فلا شَكَّ في أن الإمام قد بيَّن هنا ترجيحه، لا أنه بصدد بيان حرمة الجلوس على مائدة ليس فيها خضرةٌ.
كما نُقل هذا النوع من الترجيحات في خصوص المأكولات أيضاً. ومنها هذه الرواية: «عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله× قال: كان رسول الله| عَزُوف النفس، وكان يكره الشيء ولا يحرِّمه، فأُتي بالأرنب فكرهها، ولم يحرِّمها»([84]).
ورُبَما كانت حتّى هذه الترجيحات بدَوْرها قضيّة في واقعة. ومن ذلك أنه في مورد رواية عدم قبول الهدية من المشرك ـ مثلاً ـ كان النبيّ الأكرم| في الوقت الذي يرفض قبول الهدية منه يقول له: «إنْ شئتَ أن أقبل هديّتك أسلِمْ». وهذا يعني أن عدم قبول هديّة المشرك لم يكن حكماً كلّياً، بل حتّى لم يكن ترجيحاً أبدياً من قِبَل النبيّ الأكرم، وإنما هو مختصٌّ بذلك المورد الخاصّ، والغاية منه تشجيع المشرك وحثّه على الإسلام. والشاهد على ذلك أن النبيّ الأكرم ـ طبقاً لبعض الروايات الأخرى ـ كان يقبل هدايا المشركين، ومن ذلك: ما ورد في مصادر الإمامية وأهل السنّة أن المقوقس ملك الإسكندرية أهدى إلى النبيّ جاريتين، وأن النبيّ قد قبل هذه الهدية منه، مع أنه كان مشركاً([85]).
وعلى هذا نحتمل أن يكون امتناع النبيّ عن مصافحة النساء أثناء البيعة إما لسببٍ لا نعرفه، أو أنه في الحدّ الأقصى ترجيحٌ شخصيّ من قِبَله، وأن امتناعه كان على نحوٍ عامّ أو مختصّ بتلك الواقعة الخاصّة.
ورابعاً: لقد تمّ نقل صور أخرى لمبايعة النبيّ الأكرم| أيضاً. ومن بينها أن النبيّ كان يضع الرداء على يده الشريفة([86])، أو أنه كان يصافح النساء من وراء كمّه([87]). وعليه فإن أصل مصافحة النساء لم يكن أمراً قبيحاً أو مذموماً. وكما سبق أن ذكرنا أيضاً فإن أهل السنّة نقلوا روايات تقول: إن النبيّ الأكرم| كان يصافح العجائز في البيعة، وبالنسبة إلى صغيرات السنّ كان يبايعهنّ من خلال واسطة (مثل: وعاء فيه ماء). ومن ذلك: ما رواه السرخسي في المبسوط: «رُوي أن النبيّﷺ كان يصافح العجائز في البيعة، ولا يصافح الشوابّ، ولكنْ كان يضع يده في قصعة ماءٍ، ثمّ تضع المرأة يدها فيها، فذلك بيعتها»([88]).
وبطبيعة الحال قد أضاف السرخي أن السيدة عائشة قد ردَّت هذه الروايات، وقالت: إن النبيّ الأكرم| لم يلامس يد امرأةٍ قطّ([89]). وقد روى الكثير من محدِّثي أهل السنّة ذلك عن عائشة([90]).
ويمكن القول، في نقد كلام عائشة: إنها كانت في بعض الأحيان تنكر قيام النبيّ الأكرم| بفعل شيءٍ، إلاّ أن رواة أهل السنّة يؤكِّدون نسبة فعل ذلك الشيء إليه. ومن ذلك مثلاً أن السيدة عائشة أنكرَتْ في رواية أن يكون النبيّ قد تبوَّل واقفاً، ونفت ذلك بشكلٍ قاطع([91])، في حين أن المصادر الروائية لأهل السنّة نقلَتْ عن حذيفة أن النبيّ فعل ذلك([92]).
الأمر الآخر الذي يمكن أن نضيفه إلى نقد كلام السيدة عائشة هو أن بيعة النبيّ الأكرم| مع النساء (بيعة النساء)، لم تكن سرّاً، فكيف يقتصر نقل عدم مصافحة النبيّ للنساء على السيدة عائشة حَصْراً؟! بل إن السيدة عائشة نفسها عندما تسمع أن بعض الأشخاص يروي مصافحة النبيّ مع النساء (أو مع العجائز من النساء في بعض الروايات) تنكر ذلك، وتقول: إن مَنْ ينسب هذا الأمر إلى رسول الله| فقد افترى عليه([93]).
والملفت أن هناك روايةً أخرى عن السيدة عائشة نفسها تثبت فيها خلاف ذلك. تقول السيدة عائشة في هذه الرواية: «جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة إلى رسول اللهﷺ؛ لتبايعه، فنظر إلى يدَيْها، فقال لها: اذهبي فغيِّري يدك…، فذهبَتْ فغيَّرتها بحنّاءٍ، ثمّ جاءت إلى رسول اللهﷺ، فقال: أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي…»([94])، دون أن يطلب واسطةً من قبيل: الماء أو الرداء؛ لاتخاذه وسيلةً إلى المصافحة. وعليه يبدو من ظاهر هذه الرواية أن النبيّ الأكرم قد صافح هند على النحو المتعارف. ثم إن القول القائل بأن الوارد في هذه الرواية هو «أن النبيّ الأكرم قد بايع هنداً، والبيعة أعمّ من المصافحة» ليس صحيحاً بدَوْره؛ إذ لو أن النبيّ لم يكن بحاجةٍ إلى مصافحتها؛ لإتمام البيعة، لما نظر إلى يدَيْها وأمرها بتغييرهما بوضع الحنّاء. أجل، يمكن القول: إن مصافحة النبيّ لهند لا يشكِّل دليلاً على أنه كان يصافح النساء بشكلٍ مطلق؛ لأن هنداً في حينها كانت عجوزاً، وكما ورد في بعض روايات الطائفة الأولى (الرواية الخامسة) ـ طبقاً لمصادر أهل السنّة ـ كان النبيّ يصافح العجائز.
وفي نهاية هذه الفقرة يجب التذكير بهذه النقطة، وهي أن من الممكن أن نعتبر الأخبار الواردة في باب مبايعة النساء للنبيّ الأكرم| أو الأبواب المشابِهة، وإنْ لم يتمّ التصريح بحرمة المصافحة، أو التي يستبعد الإفتاء بالحرمة في خصوص بعضها، من باب الآداب([95]).
والنتيجة المُستَخْلَصة من روايات الطائفة الثانية هي أن هذه الأدلّة، مثل روايات الطائفة الأولى، مخدوشةٌ؛ إما من حيث السند؛ أو من حيث الدلالة، ولا يمكن لنا أن نستفيد منها حرمة المصافحة.
وقد تمّ الاستدلال على حرمة المصافحة بدليلين آخرين أيضاً، وهما: قياس الأَوْلوية، ومصداقية المصافحة للتولّي.
ب ـ قياس الأولوية
قيل في توضيح هذا الدليل ـ الذي استدلّ به كلا الفريقين ـ: إنه حيث يكون النظر إلى الأجنبية (باستثناء الوجه والكفّين) حراماً يكون لمسها حراماً من طريق أَوْلى([96]).
وهذا الدليل يمكن مناقشته؛ وذلك أوّلاً: لأن المصافحة كانت تتمّ باليدَيْن، وعليه يكون هذا القياس خارجاً على المقيس عليه. وبعبارةٍ أخرى: إن النظر إلى وجه وكفّي الأجنبية جائزٌ، وعليه لا يمكن لنا أن نقيس حرمة مصافحة كفَّيْ الأجنبية على النظر إلى كفَّيْها، ولا سيَّما بقياس الأَوْلوية. كما أنه بطبيعة الحال لا يمكن لنا أن نستفيد من جواز النظر إلى كفَّيْ الأجنبية جواز مصافحتها؛ إذ لا ملازمة بين هذين الجوازين. وثانياً: يمكن ادّعاء قياس الأَوْلوية في الجانب المقابل بضرسٍ قاطع، بمعنى أن نقول: إن الحالة التي تعتري الرجل من النظر إلى وجه المرأة (حتّى إذا كانت نظرةً عادية) أكثر بكثيرٍ من تلك الحالة التي تعتريه من مصافحتها([97]). وعليه يمكن لنا أن نستنتج من ذلك ونقول: حيث يكون النظر (العادي وغير المصحوب بشهوةٍ) إلى وجه المرأة جائزاً كان اللمس (المصافحة) مع الأجنبية بغير شهوةٍ جائزاً من طريق أَوْلى([98]).
ج ـ صدق المصافحة على التولّي
توضيح هذا الاستدلال: إن إظهار المودّة (التولّي) للكافر حرامٌ، وإن المصافحة من المصاديق البارزة لإظهار المودّة([99]).
هناك عدّة إشكالاتٍ تَرِدُ على هذا الاستدلال، وهي:
أوّلاً: إن هذا الدليل أخصّ من المدّعى؛ لأنه إنما يثبت أن المصافحة مع الكافر حرامٌ، ولا يجدي بالنسبة إلى مصافحة المسلم؛ إذ إن مودّة المسلم ليست غير محرَّمةٍ فحَسْب، بل هي مستحبّةٌ.
وثانياً: إن إظهار المودّة للكافر ليست حراماً أصلاً؛ إذ إنه بالإضافة إلى أن المصالح الاجتماعية قد تقتضي ضرورة إظهار المودة للكافر، فإن المحرَّم هو التولّي. والتولّي شيءٌ يفوق إظهار المودّة. فالتولّي عبارة عن المودةّ المقرونة بالنصرة والرضا بالأفعال والإعانة عليها، تقول: «تولَّيتُ فلاناً، أي اتّبعتُه ورضيتُ به»([100])، وتقول: «ولاّه توليةً: نصره»([101])، وقال النبيّ الأكرم|: «مَنْ تولاني فليتولَّ علياً»، يعني: مَنْ نصرني فلينصره. و«تولاّك الله يعني نصرك الله»([102])، وإن قوله|: «اللهمّ والِ مَنْ والاه» يعني: أحبِبْ مَنْ أحبه، وانصر مَنْ نصره([103]).
وثالثاً: بغضّ النظر عن المعنى الخاصّ للتولّي، فإنه بناءً على هذا الاستدلال لن يكون هناك فرقٌ بين الكافر والمسلم الفاسق؛ إذ لو كانت هناك حرمةٌ في البين فإن إظهار المودّة للفاسق يحتمل أن تكون ـ من وجهة نظر هذا المستدلّ ـ حراماً أيضاً، في حين لم يذهب أيُّ فقيهٍ إلى حرمة مصافحة الفاسق.
ورابعاً: إن المصافحة لا تمثِّل مصداقاً لإظهار المودّة أصلاً، وإنما هي مجرَّد تقليد اجتماعي؛ فإن الشخص يصافح الكثير من الناس دون أن يقصد إظهار المودّة لهم. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن الطرفين المتحاربين عندما يجلسان على طاولة المفاوضات الثنائية يتصافحان ويتبادلان التحيّة، دون أن يدلّ ذلك على المودّة فيما بينهما، بخلاف الاحتضان والمعانقة التي يمكن أن يُستَدَلّ بها على عمق المودّة والمحبّة بين الطرفين.
النتيجة: بالنظر إلى ما تقدَّم في نقد أدلة المانعين اتّضح أنّه لا وجود لدليلٍ مُتْقَنٍ يمكنه أن يثبت حرمة مصافحة الأجنبية.
أدلّة جواز المصافحة
يتمّ استعراض جواز مصافحة الأجنبية في إطار ثلاثة أدلّة، وهي: مقتضى الأصل الأوّلي؛ والروايات؛ والجواز بملاك عدم الاحترام.
أـ مقتضى الأصل الأوّلي
إن مقتضى الأصل الأوّلي ـ طبقاً للقواعد الأصولية ـ عند الشكّ في حكم موضوعٍ ما هو البراءة من الإلزام. وعليه؛ حيث إننا لم نجِدْ أدلّة الحرمة كافيةً، إذا كانت أدلّة الجواز قاصرةً عن إثبات الجواز فإنه بمقتضى الأصل الأوّلي في البراءة من الحرمة لن تكون مصافحة الأجنبية محرَّمة.
ب ـ الروايات المشعرة بجواز مصافحة الأجنبية
في ما يتعلَّق بمصافحة الأجنبية نواجه رواياتٍ يمكن لها أن تثبت جواز المصافحة مع الأجنبية، أو أنها في الحدّ الأدنى تؤيِّد([104]) جواز مصافحة الأجنبية.
1ـ روايات مصافحة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) مع بعض النساء
1ـ روى ابنُ أبي الحديد المعتزلي، في شرح نهج البلاغة، حواراً دار بين الإمام عليّ× ومعاوية بن أبي سفيان، وقد ورد وصف أمّ معاوية (هند بنت عتبة) في هذا الحوار على النحو التالي: «قال له عليّ×: ما أنتَ وهذا، يا ابن اللخناء، فقال معاوية: مهلاً، يا أبا الحسن، عن ذكر أمّي، فما كانت بأخسّ نسائكم، ولقد صافحها رسول الله| يوم أسلَمَتْ، ولم يصافح امرأةً غيرها»([105]).
2ـ روى الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة (المعروف بإكمال الدين) روايةً عن الإمامين الباقر والصادق’ قالا: «جاءت ابنة خالد بن سنان العبسي إلى رسول الله|، فقال لها: مرحباً يا ابنة أخي، وصافحها، وأدناها»([106]). إن سند هذه الرواية صحيحٌ. وقد نقل الشيخ الكليني هذه الرواية بتفاوتٍ يسير، وسندُها صحيحٌ أيضاً([107])، ولم يَرِدْ فيها لفظ «أخي»، وبَدَلاً من المصافحة ورد فيها: «وأخذ بيدها وأقعدها»([108]).
وقد يُشكل على هذه الرواية؛ بالالتفات إلى تعبير النبيّ بلفظ: «أخي» في رواية الصدوق، باحتمال أن يكون خالد بن سنان أخاً غير شقيقٍ للنبيّ الأكرم|، فلا تكون ابنة خالد أجنبيّةً عن النبيّ الأكرم؛ لأنها ابنة أخيه. ولكنّ هذا الاحتمال لا يصحّ؛ وذلك لأن خالد بن سنان العبسي ـ طبقاً للروايات التاريخية ـ هو آخر أنبياء النصارى، وكان معاصراً لأنو شيروان، وكان يبشِّر بالديانة المسيحية، وكانت الفترة بين ظهوره وبين ولادة النبيّ الأكرم| أربعين سنة ونيّفاً([109]). وهناك مَنْ قال بأن بعثته كانت بعد النبيّ عيسى بن مريم× بحوالي ثلاثة قرون، وعليه تكون هذه البنت من أحفاد النبيّ خالد×([110]). والنتيجة هي أن التعبير بالأخ في هذه الرواية كان بلحاظ الاشتراك في النبوّة، كما كان النبيّ الأكرم| يستعمل هذا التعبير بشأن سائر الأنبياء الآخرين أيضاً([111]). وقال العلاّمة المجلسي: هناك الكثير من الروايات على نبوّته([112]). بالالتفات إلى الفاصلة الزمنية المذكورة قال بعضٌ: إن بنت النبيّ خالد كانت كبيرة السنّ عند لقائها مع النبيّ الأكرم|([113])، وعليه لا يُستفاد من هذه الرواية أكثر من جواز مصافحة المُسِنَّة. وقد سبقَتْ الإشارة إلى هذه المسألة، حيث قلنا: إن النبيّ الأكرم| ـ طبقاً لروايات أهل السنّة ـ كان يصافح العجائز. وقد رُوي أن الصحابة كانوا يصافحون العجائز أيضاً. وسنأتي على ذكر هذه المسألة.
3ـ وقد أشار أهل السنّة في رواياتٍ إلى مصافحة أو لمس يد النبيّ الأكرم| من قِبَل الأجنبية أيضاً. ومن ذلك مثلاً أنهم نقلوا عن أنس بن مالك أن جاريةً من جواري المدينة أخذت بيد النبيّ الأكرم|، ومضَتْ به إلى حيث تريد، دون أن يسحب النبيّ يده منها([114]). وبطبيعة الحال فقد سعى بعض فقهاء أهل السنّة ـ في رفض هذه الرواية ـ إلى حمل أخذ النبيّ بيد الجارية على المجاز، وأن المراد منه هو الأخذ المعنويّ، بمعنى مجاراتها والرفق بها ومجاراتها في تلبية طلبها، الذي يدلّ على غاية التواضع والبُعْد عن التكبُّر والغرور([115]).
وكذلك رُوي عن أنس بن مالك، أنه قال: كان رسول اللهﷺ يدخل على أمّ حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أمّ حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول اللهﷺ، فأطعمَتْه وجعلَتْ تفلّي رأسه([116]). وهذه الرواية لم تذكر المصافحة، ولكنْ حيث إن الأفعال المذكورة لا تخلو من اللمس المتعارف فقد تمّ الاستدلال بها؛ ليُستفاد منها مشروعية المصافحة بالملازمة. وقد ردّ بعض فقهاء أهل السنّة احتمال أن تكون أمّ حرام من محارم النبيّ الأكرم|([117]).
4ـ كما أن روايات المبايعة، على الرغم من أن الدلالة المطابقية لها تقوم على عدم مصافحة النبيّ الأكرم| مباشرةً مع النساء، ولكنها تدلّ على هذه المسألة بالملازمة، وهي أن مصافحة النساء في ذلك العصر كان أمراً متعارفاً؛ إذ لو لم تكن مصافحة النساء أمراً متعارفاً لما أثار فعل رسول الله| بعدم المصافحة تعجُّب الآخرين، وحملهم على نقل هذا التصرُّف والسلوك العملي من قِبَل النبيّ الأكرم|، وكثرة النزاع حول ما إذا كان النبيّ يصافح أم لا؟
إشكالٌ
قد يُقال: إن قيام النبيّ الأكرم| بفعلٍ لا يمكن أن يُستفاد منه جوازه بالنسبة إلى الآخرين؛ لأن بعض الأفعال من مختصّات النبي (خصائص النبيّ)([118])، من قبيل: جواز الزواج الدائم من أكثر من أربعة نساء([119])، حيث يجوز له ذلك، دون الآخرين.
والجواب
أوّلاً: لا يمكن تحديد ما هو من مختصّات النبيّ الأكرم إلاّ بعد تصريح القرآن الكريم([120])، أو بيان النبيّ الأكرم| نفسه. ولم تَرِدْ آيةٌ ولا روايةٌ تثبت أن مصافحة النبيّ الأكرم| للأجنبية من مختصّاته. وثانياً: كان بعض أصحاب النبيّ الأكرم ـ على بعض الروايات التي سيأتي بيانها ـ يصافح النساء، ولم يَرِدْ عن النبيّ الأكرم أنه ردعهم أو نهاهم عن ذلك. وعليه يتّضح أن مصافحة الأجنبية لم تكن من مختصّات النبيّ.
2ـ روايات مصافحة الأصحاب مع النساء
1ـ ورد في بعض روايات أهل السنّة أن بعض أصحاب النبيّ الأكرم| كان يصافح النساء. ومن ذلك: ما رواه السرخسي: «إن أبا بكرٍ الصدِّيق كان في خلافته يخرج إلى بعض القبائل التي كان مُستَرْضَعاً فيها، فكان يصافح العجائز»([121]).
إن إشكال هذه الرواية ـ بغضّ النظر عن البحث في سندها ـ يكمن في أنها أخصّ من المدَّعى؛ لأنها إنما تثبت جواز مصافحة العجائز فقط.
2ـ كما يروي أهل السنّة في واقعة بيعة النساء (في المدينة وبعد صلح الحديبية)([122]) روايةً تقول: إن النبيّ الأكرم| أرسل عمر لأخذ البيعة له من النساء([123])، وامتنع عن مصافحتهنَّ بنفسه.
إن ظاهر هذه الرواية أن عمر بن الخطاب هو الذي تولّى مصافحتهُنَّ بالنيابة عن النبيّ الأكرم؛ إذ إن النبي ـ طبقاً لهذه الرواية ـ لم يبيِّن لعمر كيفية أخذ البيعة منهُنَّ، وظاهر ترك بيان كيفية المبايعة أن تؤخذ البيعة من النساء كما تُؤخَذ من الرجال. يمكن الاستفادة من هذه الرواية أن مصافحة النساء لم تكن محرَّمةً في عصر النبيّ الأكرم|، وإلاّ لو كانت المصافحة محرَّمةً، وقام عمر بمصافحتهنَّ في أخذ البيعة، كان على النبيّ أن ينهاه عن ذلك، أو أن يعمد سائر الأصحاب إلى نَهْيه، في حين لا وجود لمثل هذا الاعتراض في الروايات والمصادر التاريخية.
وقد سعى بعض فقهاء أهل السنّة إلى الاستفادة من روايةٍ منقولة عن أمّ عطيّة في إزالة ظهور الرواية المذكورة في المصافحة؛ كي لا يرد الخَدْش في الفتوى الشائعة بحرمة المصافحة مع الأجنبية([124]). قالت أمّ عطية: «لما قدم رسول اللهﷺ المدينة جمع نساء الأنصار في بيتٍ، ثمّ أرسل إلينا عمر بن الخطّاب، فقام على الباب، فسلَّم، فردَدْنَ عليه السلام، فقال: أنا رسول رسول اللهﷺ إليكُنَّ: أن لا تشركْنَ بالله شيئاً، فقلْنَ: نعم. فمدَّ يده من خارج البيت ومدَدْنا أيدينا من داخل البيت»([125])، ممّا يعني أنه لم يكن هناك تماسٌّ خارجيّ.
يمكن القول في نقد هذا التأويل: أوّلاً: لقد ورد في الخطاب القرآني إلى النبيّ الأكرم| أن يبايع النساء بنفسه؛ إذ يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ… فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الممتحنة: 12)، لا أن يبعث مَنْ ينوب عنه في بيعة النساء. إن غالبية روايات بيعة النبيّ الأكرم| مع النساء تقول: إن النساء أردْنَ أن يصافحْنَ النبيّ الأكرم، إلاّ أن النبيّ اجتنب عن مصافحتهنَّ، وقال: إني لا أصافح النساء، وطلب بَدَلاً من ذلك قدح ماءٍ، وبايعهُنَّ بوضع يده وأيديهنَّ في الماء([126]). وثانياً: إن رواية أمّ عطية لا تدلّ على أن تلك الكيفية من البيعة كانت من جهة حرمة المصافحة مع النساء؛ إذ يحتمل أن يكون عمر قد أراد أن يقوم بفعلٍ واحد يبايع جميع النساء، بَدَلاً من مصافحتهنَّ واحدةً واحدةً، ولذلك كان مضطرّاً إلى مدّ يده؛ للدلالة على صورة المصافحة([127]).
3ـ وقيل بشأن الزبير، وهو من أصحاب النبيّ الأكرم|: «لما مرض الزبير بمكّة استأجر عجوزاً لتمرِّضه؛ فكانت تغمز رجلَيْه، وتفلّي رأسه»([128]).
4ـ «ورُوي أنّ امرأةً مدَّت يدها إلى إبراهيم النخعيّ ـ ابن مالك الأشتر ـ؛ لتصافحه، فقال لها: اكشفي عن وجهك؛ فكشفَتْه فإذا هي عجوزٌ، فصافحها»([129]). وهذه الرواية، مثل الأولى، أخصّ من المدَّعى.
5ـ وفي روايةٍ، اعتبرها البخاري صحيحةً، أنه عندما كان أبو موسى الأشعري في الحجّ جاء إلى امرأةٍ من الأشعريين من قبيلة قيس لتنظِّف رأسه([130]).
إن هذه الروايات وإنْ كانت لا تنهض دليلاً على مشروعية المصافحة مع الأجنبية؛ لأن فعل الصحابة والتابعين لا يدلّ على مشروعية الفعل، ولا على حرمته، ولكنْ من شأن ذلك أن يرسم لنا الفضاء والذهنية التي كانت قائمةً آنذاك، ولا شَكَّ في تأثير ذلك على رؤيتنا في الاستنباط.
ج ـ جواز المصافحة بملاك عدم الاحترام
هناك في مصادرنا الروائية رواياتٌ يمكن أن يُستَنْبَط منها أن من بين الملاكات الدخيلة في حرمة النظر إلى الأجنبية هو احترام المرأة المسلمة. ومن هذه الروايات ما يلي:
1ـ «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله× قال: قال رسول الله|: لا حُرْمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهنَّ وأيديهنَّ»([131]).
2ـ عبد الله بن جعفر، في قرب الإسناد، عن السنديّ بن محمد، عن أبي البحتري، عن جعفر بن محمد×، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب× قال: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل الذمّة. وقال: ينزل المسلمون على أهل الذمّة في أسفارهم وحاجاتهم، ولا ينزل المسلم على المسلم إلاّ بإذنه»([132]).
ويمكن الخَدْش في الاستدلال بهاتين الروايتين على جواز المصافحة مع الأجنبية من جهتين:
الخَدْشة الأولى
إن مدلول هاتين الروايتين هو جواز النظر إلى الأجنبية، وليس مصافحتها، ومن هنا تكون هاتان الروايتان أجنبيتين عن البحث.
الجواب
بالالتفات إلى عدم تمامية الأدلّة الناهية يمكن القول: إنه؛ بتنقيح المناط؛ وبمقتضى الفهم العُرْفي، ومناسبات الحكم والموضوع، يتمّ إلغاء الخصوصية عن مورد النظر، والعمل على تسرية ملاك «عدم الحُرْمة» إلى مورد المصافحة، بمعنى أنه في مورد المصافحة حيث يكون أهل الذمّة فاقدين للحُرْمة الاعتبارية من الشرع لا يكون هناك إشكالٌ في مصافحتهم.
توضيح ذلك: إن مقتضى الاستظهار العُرْفي هو أنه لا خصوصية في النظر إلى أهل الذمّة، حتّى يحكم الشارع المقدَّس بجواز النظر بموجب تلك الخصوصية؛ بل حيث إن الشارع لم يعتبر حُرْمةً لأهل الذمّة يكون النظر إليهم جائزاً؛ بوصفه مصداقاً من المصاديق المترتِّبة على عدم اعتبار الحُرْمة([133]). بخلاف المسلم، الذي اعتبر له الشارع المقدَّس حُرْمةً. (وقد ورد التعبير عن هذا الأمر في رواية السكوني الآنفة بـ «الحُرْمة»).
هناك عددٌ من الإشكالات المطروحة في الردّ على هذا الجواب:
الإشكال الأوّل
ذهب بعض الفقهاء إلى رفض إلغاء الخصوصية، وقياس المصافحة إلى النظر (في مورد أهل الذمّة)، وقالوا بأن المصافحة من مصاديق «الاحترام» وإظهار المحبّة والمودّة([134])، بخلاف النظر.
نقدٌ
أوّلاً: سبق أن أجَبْنا بأن غاية الأشخاص من المصافحة هي الأعمّ من إظهار الاحترام والمودّة([135]).
وثانياً: إن ملاك جواز النظر هو «عدم الحُرْمة»، وليس «الاحترام»؛ كي يُقال: إن النظر ليس من مصاديق الاحترام، إلاّ أن المصافحة من مصاديق الاحترام. وبعبارةٍ أخرى: كما أن «عدم الحُرْمة» يستوجب جواز النظر فإنه يستوجب جواز المصافحة أيضاً؛ إذ ليست هناك خصوصيةٌ للنظر. إن «عدم حُرْمة» أهل الذمّة أو «حُرْمة» المسلمين اعتبارٌ شرعيّ؛ لغرض ترتيب سلسلة من الآثار الشرعية (من قبيل: عدم حُرْمة مال الكافر، الذي هو اعتبارٌ شرعي). في حين أن «احترام» الأشخاص أمرٌ متعارف، حيث يتمّ القيام بفعلٍ وسلوك (من قبيل: المصافحة بداعي الاحترام). إن هذين المعنيين حقيقتان مختلفتان؛ حيث يتمّ التعبير عن الأولى بـ «الحُرْمة» أو «الكرامة»، وعن الثانية بـ «الاحترام». وإن عدم حُرْمة أهل الذمّة لا يعني عدم احترامهم؛ فإن أهل الذمّة إذا لم يكن لهم «حُرْمةٌ» بلحاظ الآثار الشرعية فهذا لا يعني أنهم لا يستحقّون «الاحترام» بلحاظ الآثار العُرْفية([136]). إن الذي يحظى بالمحورية في البحث الراهن وفي إلغاء الخصوصية هو «الحُرْمة» وعدمها، دون «الاحترام».
الإشكال الثاني
الإشكال الذي يتمّ طرحه هنا([137]) هو أنه حتّى لو قبلنا بإلغاء الخصوصية إلاّ أن هذا لن يجدي شيئاً في بحثنا. توضيح ذلك: إن هناك في النظر أو المصافحة تدخُّلاً من طرفين، وهما: الناظر؛ والمنظور، والمصافِح؛ والمصافَح. وإن لكلّ واحدٍ منهما حكماً مستقلاًّ، وليس هناك ملازمةٌ بين حكم هذين الطرفين؛ لأن عدم حرمة أهل الذمّة يعني عدم ثبوت حرمة لنساء أهل الذمّة حتّى يتوقّعْنَ عدم النظر إليهنَّ أو عدم مصافحتهنَّ. في حين أن مسألتنا هي: هل يمكن لنا أن نصافحهُنَّ بوصفنا طرفاً ثانياً؟ وما هو الدليل على ذلك؟ إذ إن مقتضى الغضّ في قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ (النور: 30) هو عدم النظر إلى النساء (ومع القول بإلغاء الخصوصية يثبت النهي عن مصافحتهنَّ أيضاً).
نقدٌ
أوّلاً: لا وجه لإلغاء الخصوصية من الرؤية إلى المصافحة في خصوص آية الغضّ؛ لأن الاستظهار العُرْفي من هذه الآية لا يقتضي ذلك، بمعنى أن مصافحة النساء يمكن أن تكون جائزةً، ولكنّ النظر إليهنَّ ليس بجائزٍ.
وثانياً: بالالتفات إلى شأن نزول الآية([138])، ومع ضمّ مناسبات الحكم والموضوع، فإن هذه الآية تخصّ النظر بشهوةٍ([139])، وبذلك تكون أجنبيةً عن محلّ بحثنا.
وثالثاً: بالالتفات إلى قرينة السياق([140])، والروايات([141]) المؤيِّدة لها، فإن المنظور إليه في هذه الآية الشريفة هو خصوص الفَرْج، وليس سائر الأعضاء الأخرى. وعليه تكون هذه الآية أجنبيّةً عن بحثنا الراهن.
رابعاً: إن هذه الآية الكريمة؛ بقرينة قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ في مقام الإرشاد، بمعنى أنكم إذا غضَضْتُم الطرف كان ذلك أدعى إلى عدم الوقوع في المعاصي اللاحقة الناشئة من هذا النظر (مثل: الزنا). ولذلك لا تستفاد المولوية من هذا الأمر. وعليه فإن النظر في حدّ ذاته جائزٌ. وإن شأن نزول هذه الآية يؤيِّد هذا الفهم([142]).
وخامساً: الحدّ الأقصى هو أن لهذه الآية الكريمة إطلاقٌ، وأنها تقول: غضّوا أبصاركم عن النظر إلى الأجنبيّات، سواء كُنَّ من المسلمات أم من غيرهنَّ. وفي مقابل هذا الإطلاق رواية السكوني وأبي البحتري ـ التي تقول بعدم الإشكال في النظر إلى أهل الذمّة ـ، فهي خاصّةٌ، وتعمل على تقييد الآية، واختصاص مدلولها بالنساء المسلمات. ونتيجة ذلك أنه (بعد القول بإلغاء الخصوصية) تكون المصافحة مع أهل الكتاب جائزةً، ومع المسلمات غير جائزةٍ.
الإشكال الثالث
أما الإشكال الثالث الذي تمّ إيراده على إلغاء الخصوصية من النظر إلى أهل الذمّة، وتسرية الحكم إلى المصافحة، فهو: «إن لازم تسرية حكم النظر إلى المصافحة ـ من طريق تنقيح المناط ـ جواز ملامسة أجساد نساء أهل الكتاب»([143]).
نقدٌ
إن هذا الإشكال غيرُ واردٍ؛ لأن إلغاء الخصوصية وتنقيح المناط أمرٌ استظهاريّ، بمعنى أن استظهار العُرْف كان قائماً على عدم خصوصية موضوعٍ خاصّ، وكان الحكم دائراً مدار علّة يحدِّدها العُرْف (تنقيح المناط)، عندها يكون إلغاء الخصوصية وتنقيح المناط صحيحاً، وإلاّ فلا. وفي المورد المذكور ـ وعلى خلاف مورد المصافحة ـ ليس لدى العُرْف مثل هذا الاستظهار، بحيث يعمل على الانتقال من جواز النظر إلى أهل الذمّة إلى جواز لمسهم؛ بتنقيح المناط. إن الاستظهارات العُرْفية في هذه الموارد لا تندرج تحت قاعدةٍ؛ كي يغدو بالإمكان ـ من خلال التمسُّك بالقياس ـ استنتاج استظهارٍ من صُلْب استظهارٍ آخر.
الخَدْشة الثانية
إن هاتين الروايتين أخصّ من المدَّعى؛ لأن أقصى ما تثبتانه هو جواز «النظر إلى» أو «المصافحة مع» نساء أهل الذمّة، في حين أن المدَّعى هو أن مصافحة الأجنبية جائزةٌ بشكلٍ مطلق، سواء كانت من أهل الذمّة أم كانت مسلمةً.
إن هذه الخَدْشة (بعد إلغاء الخصوصية عن النظر، وتعميم الحكم إلى المصافحة) يمكن القبول بها في الجملة، بمعنى أن أقصى ما تثبته هاتان الروايتان هو جواز مصافحة أهل الذمّة، وليس مطلق المصافحة.
إن إضافة قيد «في الجملة» في هذه العبارة يأتي من جهة أن الظهور الالتزامي في الرواية الأولى، والظهور المطابقي في الرواية الثانية، هو أن للنساء المسلمات حُرْمةً، ولا يجوز النظر إلى مفاتنهنَّ أو مصافحتهنَّ. ولكنْ لو كان جعل هذه الحُرْمة للمرأة المسلمة من باب جعل الحقّ، دون الحكم، فإنه حيث تتنازل المرأة المسلمة عن حقّها سوف تكون المصافحة معها ـ بمقتضى الملازمة العُرْفية ـ جائزةً بالنسبة إلى الشخص الذي يصافحها. ومن هذه الناحية لم يستَبْعِدْ بعضُ الفقهاء وجود ملاك «الحُرْمة» في المنع من مصافحة المرأة المسلمة([144])، وبعد قبوله انصراف روايات النهي عن مصافحة المرأة المسلمة([145]) استطرد قائلاً: «إن عدم لمس وعدم النظر إلى الأجنبية إنما هو لحُرْمتها واحترامها؛ فإذا لم تكن ترى ذلك لنفسها، بل اعتبرت عدم النظر إليها وعدم مصافحتها عدم احترام لها، عندها لا إشكال في مصافحتها، بغير قصد اللذّة وعدم حصولها»([146]).
كما ذهب السيد الخوئي إلى تشبيه روايات جواز النظر إلى أهل الذمّة بإلغاء احترام المال، وقال في ذلك: «فأما إذا ألقَتْ المرأة جلبابها، وألغَتْ احترامها، وأسقطَتْ حقَّها، بحيث كلّما نُهيَتْ لا تنتهي، فلا حُرْمة لها، نظير: إلغاء الإنسان احترام ماله»([147]).
وعليه يمكن الاستفادة من هذا التنظير، وبمساعدة الملازمة العُرْفية، أنه في حالة إلغاء الاحترام يكون النظر إلى المرأة المسلمة ومصافحتها جائزاً، كما هو الحال بالنسبة إلى تنازل الشخص عن حُرْمة ماله؛ إذ يجوز للآخرين أن يتصرَّفوا به في مثل هذه الحالة.
نتيجة البحث
سعَيْنا في هذه المقالة إلى استقصاءٍ كامل نسبيّاً لأدلة حرمة مصافحة الأجنبية المذكورة من قِبَل الإمامية وأهل السنّة. وقد أدَّت الإشكالات السندية والدلالية والاستدلالية الواردة على هذه الأدلة من جهةٍ، ووجود الأدلة المذكورة على الجواز من جهةٍ أخرى، إلى تطويق حكم المسألة بهالةٍ من الغموض. الأمر الذي يدفع بنا إما إلى الحكم بجواز مصافحة الأجنبية بشكلٍ مطلق؛ بمقتضى أدلة البراءة، أو إذا أرَدْنا أن نعطي الأدلّة الناهية عن المصافحة شأنها عملنا على حمل النهي الوارد في هذه الأدلّة على الآداب والكراهة، أو تقييدها بمورد الرِّيبة وإثارة الشهوة. وفي مقام الاستنباط إن أصل الحكم بجواز مصافحة الأجنية ـ مسلمةً كانت أم غير مسلمةٍ ـ قابلٌ للاستنباط على كلّ حالٍ. وأما في مقام العمل فإن مراتب رعاية حكم المصافحة سوف يكون على الترتيب التالي:
1ـ الاحتياط المطلق في مصافحة الأجنبية.
2ـ الاحتياط في مصافحة المسلمة.
3ـ كراهة المصافحة مطلقاً.
4ـ كراهة مصافحة المسلمة.
5ـ جواز المصافحة مطلقاً.
الهوامش
(*) باحثٌ في الفقه الإسلاميّ، وعضو الهيئة العلميّة في جامعة الأديان والمذاهب في إيران.
([1]) انظر: أحمد عابديني، الحجاب ومصافحة المرأة، فتوى واحدة وقراءات عديدة، مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد 16، السنة الرابعة، خريف عام 2010م ـ 1431هـ.
([2]) انظر: أحمد طاهر نيا، دست دادن با نا مَحْرَم أز نگاه آيات وروايات (مصافحة الأجنبية في ضوء الآيات والروايات)، بحثٌ جديد في الفقه، الدورة 16، العدد المزدوج 59 ـ 60: 214 ـ 243، ربيع وصيف 1388هـ.ش، دفتر تبليغات حوزه علمية قم. (مصدر فارسي).
([3]) انظر: حيدر حبّ الله، دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 5: 389، دار الفقه الإسلامي المعاصر، ط1، قم، 1432هـ؛ وانظر أيضاً: موقع مجلة نصوص معاصرة:
https://goo.gl/NAZ37v
([4]) انظر: أمير حسين تركاشوند، حجاب شرعي در عصر پيامبر (الحجاب الشرعي في عصر النبيّ الأكرم)، نسخة مصوّرة (Pdf): 962 ـ 976، 1389هـ.ش. (مصدر فارسي).
([5]) انظر على سبيل المثال: عبد الرحمن بن عبد الله السحيم، سؤالٌ وجواب حول شبهات متعلقة بالمصافحة بين الجنسين؛ أهل السنّة، أدلّة القائلين بجواز مصافحة الأجنبية: دعوةٌ للنقاش؛ يونس عبد الربّ فاضل الطلول، حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية؛ توسلي غرجستاني، بررسي تطبيقي دست دادن با نا محرَم أز ديدگاه فريقين (دراسة مقارنة لمصافحة الأجنبية من وجهة نظر الفريقين)؛ رياض بن محمد المسيميري، إتحاف الإخوان في حكم مصافحة النسوان.
)[6]) http://www.presstv.ir/Detail/ 2016/05/25/ 467420/ Muslim-students-Switzerland-teacher-handshake- (Wed May 25, 2016).
([7]) انظر: الشيخ حسين علي المنتظري، رسالة الاستفتاءات 2: 349، سؤال 2116؛ 3: 37، سؤال 2677؛ 331، سؤال 3614، نشر تفكّر، طهران، 1373هـ.ش.
([8]) إن المراد من الأجنبية في هذه المقالة هو الأعمّ من المرأة والرجل. والوارد في النصوص الفقهية هو لفظ (الأجنبية). ولذلك فقد جرَيْنا على جَرْيهم، وإنْ كان موضوع الحكم يشمل مصافحة المرأة للأجنبيّ أيضاً. وعليه فإن كلّ موضعٍ يَرِدُ فيه التعبير بـ (مصافحة الأجنبية) في هذه المقالة يُراد منه (مصافحة المرأة للرجل الأجنبيّ) أيضاً.
([9]) انظر: حيدر حبّ الله، دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 5: 393.
([10]) انظر: يحيى بن سعيد الحلّي، الجامع للشرائع: 397، مؤسّسة سيد الشهداء العلمية (مجلّد واحد)، ط1، قم ـ إيران، 1405هـ. إن يحيى بن سعيد هو ابن عمّ المحقّق الحلّي. (انظر: السيد موسى الشبيري الزنجاني، كتاب النكاح 23: 7412، مؤسّسه پژوهشي رأي پرداز، قم، 1419هـ).
([11]) انظر: النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل 14 (المجلد 28): 278، ح2، مؤسّسة آل البيت^، ط1، قم، 1408هـ.
([12]) انظر: العلاّمة الحلي، تذكرة الفقهاء: 575، مؤسّسة آل البيت^ (الطبعة القديمة في مجلّد واحد)، ط1، قم ـ إيران، 1388هـ.
([13]) انظر: الكليني، الكافي 5: 525، الدار الإسلامية (ثمانية مجلدات)، دار الكتب الإسلامية، ط4، طهران، 1407هـ.
([14]) انظر: الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 262، ح51، دار الكتب الإسلامية (عشرة مجلدات)، ط4، طهران ـ إيران، 1407هـ.
([15]) انظر: الصدوق، الأمالي: 422، ح1، نشر كتابجي (مجلد واحد)، ط6، طهران، 1376هـ.ش.
([16]) انظر: الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 3، ح4968، مؤسسة النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بقم (أربعة مجلدات)، ط2، قم ـ إيران، 1413هـ.
([17]) انظر: المصدر السابق: 532.
([18]) انظر: السيد بسّام مرتضى، زبدة المقال من معجم الرجال 1 (المجلد الثاني): 410، دار المحجة البيضاء، ط1، بيروت ـ لبنان، 1426هـ.
([19]) انظر: علي النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث: 53، نجل المؤلّف (ثمانية مجلدات)، ط1، طهران ـ إيران، 1414هـ.
([20]) انظر: ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 3: 150، تحقيق: دائرة المعرف النظامية (الهند)، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1406هـ ـ 1986م.
([21]) انظر: توضيحات السيد أحمد المددي، في:
http://dorous.ir/persian/book/11460/8633
([22]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 29: 99، دار إحياء التراث العربي (43 مجلداً)، ط7، بيروت ـ لبنان، 1404هـ.
([23]) لا فرق بين الرجل والمرأة، ولذلك ورد في رواية أخرى نفس هذا الكلام حول مصافحة المرأة للرجل: (لا يجوز للمرأة أن تصافح غير ذي محرم). انظر: الصدوق، الخصال 2: 588، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم (مجلدان)، ط1، قم، 1362هـ.ش.
([24]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 14.
([25]) إن السياق وإنْ كان في نفسه لا ينطوي على قرينيةٍ وحجّية (انظر: السيد موسى الشبيري الزنجاني، كتاب النكاح 7: 2279)، ولكنه يجدي في إيجاد التشكيك في الظهور.
([26]) الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع 2: 22، انتشارات مكتبة المرعشي النجفي (ثلاثة مجلدات)، ط1، قم ـ إيران. والشاهد على صحّة هذا الفهم رواية مأثورة عن الإمام الرضا× في مورد النظر إلى مفاتن الأجنبية، إذ قال: «حرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وغيرهنّ من النساء؛ لما فيه من تهييج الرجال، وما يدعو التهييج إلى الفساد». انظر: الصدوق، علل الشرائع 2: 565، كتاب فروشي داوري (مجلدان)، ط1، قم، 1385هـ.ش ـ 1966 م. وفي رواية عند أهل السنّة، عن النبيّ الأكرم| أنه قال: لا تكلم المرأة الرجلَ إلاّ إذا كان من محارمها، فقال عبد الرحمن بن عوف ـ وقد كان حاضراً ـ: إنا نغيب ويكون لنا أضياف؛ قال|: «وليس أولئك عنيتُ»، أي إن المراد هو خصوص الموارد التي تكون فيها ريبةٌ فقط، وليس مطلق الموارد. انظر: الطبري (224 ـ 310هـ)، جامع البيان في تفسير القرآن 22: 596، ح34331، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، وقيل في شرح هذه الرواية: «وهذا يعني نهي النساء عن محادثة الرجال من أهل الرِّيبة، أما الموثوق بهم، كالضيفان المعروفين، فلا حَرَج». انظر:
http://muntada.islamtoday.net/1134538-post24.html
([27]) الطوسي، تهذيب الأحكام 9: 42.
([28]) الكليني، الكافي 5: 525.
([30]) الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 263؛ الكليني، الكافي 2: 650، ح10.
([31]) انظر: الكليني، الكافي، وفي سندها: علي بن معمّر، وهو مجهولٌ. وانظر أيضاً: السيد بسّام مرتضى، زبدة المقال من معجم الرجال 2: 85. وعلى هذا الأساس لا يمكن الاستناد إلى رواية خالد، طبقاً للمسلك المشهور.
([32]) الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان 5: 348، دار الفكر، 1411هـ ـ 1991م.
([33]) انظر: الكليني، الكافي 2: 650، ح10.
([34]) انظر: الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 347. وفي سندها: عيسى بن عمر مولى الأنصار، وهو مجهولٌ. وعليه يتم ردّ السند بناءً على ملاك المشهور. انظر: السيد بسّام مرتضى، زبدة المقال من معجم الرجال 2: 132.
([35]) انظر: محمد تقي المجلسي، روضة المتقين في شرح مَنْ لا يحضره الفقيه 8: 521، مؤسسة فرهنگي إسلامي كوشانپور (13 مجلداً)، ط2، قم ـ إيران، 1406هـ.
([36]) إن المراد من «الأخ» في هذه الرواية هو الأخ في الدين، دون الأخ الصلبي؛ لأن السائل يسأل الإمام عن جواز العيادة، ولا شَكَّ في جواز عيادة الأخت لشقيقها وأخيها الصلبي. يُضاف إلى ذلك أن حرمة لبس المرأة ثياباً مصبوغة أمام أخيها الصلبي في غاية البُعْد عن الذهن. ومن هنا يقول الشيخ النراقي أن المراد من الأخ هنا هو الأخ في الدين، وليس الأخ في النسب. (انظر: الفيض الكاشاني، الوافي 22: 847، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ×(26 مجلداً)، ط1، إصفهان ـ إيران، 1406هـ. يُضاف إلى ذلك أنه لو كان المراد هو الأخ النسبي والصلبي لكانت الرواية قد عبَّرت بـ (تعود الأخت أخاها)، بدلاً من (تعود المرأة أخاها). ومن هنا يبدو أن الفقهاء الذين فهموا من هذه الروايات أن الأخ يعني الأخ الصلبي والحقيقي قد أخطأوا في ذلك. (انظر: علي پناه الاشتهاردي، مدارك العروة 29: 123، دار الأسوة للطباعة والنشر (30 مجلداً)، ط1، طهران ـ إيران، 1417هـ؛ علي أكبر سيفي المازندراني، دليل تحرير الوسيلة ـ الستر والساتر ـ: 154، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (مجلد واحد)، ط1، طهران ـ إيران، 1417هـ). ويؤيِّد المعنى المختار نقلٌ آخر لهذه الرواية، حيث تمّ تقييد كلمة (أخاها) بقيد (في الله). وبطبيعة الحال هناك اختلاف في هذين النقلين:
(عن سعيدة وأيمنة أختي محمد بن أبي عمير قالتا: دخلنا على أبي عبد الله×، فقلنا: تعود المرأة أخاها في الله؟ قال: نعم، قلنا: فتصافحه؟ قال: نعم، من وراء ثوبٍ، كان رسول الله لبس الصوف يوم بايع النساء؛ فكانت يده في كمّه، وهُنَّ يمسحْنَ أيديهنَّ عليه. انظر: الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: 203، المكتبة الحيدرية (مجلد واحد)، ط2، النجف الأشرف، 1385هـ ـ 1965م ـ 1344هـ.ش).
([37]) انظر: الكليني، الكافي 5: 526.
([38]) النعمان المغربي، دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام 2: 202، مؤسّسة آل البيت^ (مجلدان)، ط2، قم، 1385هـ.ش. من الممكن أن يُقال: إن ما قاله الإمام إنما كان من وجهة نظر شخصية، بالالتفات إلى نفسية السائل، وهو بيان عامّ. انظر: فضل الله بن علي الراوندي الكاشاني: 19، دار الكتاب (مجلد واحد)، ط1، قم ـ إيران.
([39]) وعلى فرض صحة السند ليس هناك توجيهٌ ـ بطبيعة الحال ـ لبطلان الوضوء، ويجب القول بأنه حكمٌ تعبّدي.
([40]) الكليني، الكافي 5: 583.
([42]) عبد الله بن جعفر الحِمْيَري، قرب الإسناد: 227، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث (الطبعة الحديثة / مجلد واحد)، ط1، قم، 1413هـ.
([43]) وقد تمّ حمل هذه الروايات في بعض الكتب الفقهية على موارد الشهوة أيضاً. انظر: محمد السند البحراني، سند العروة الوثقى (كتاب النكاح) 1: 75، مكتبة فدك (مجلدان)، ط1، قم ـ إيران، 1429هـ.
([44]) انظر: السيد الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 32: 83، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي (33 مجلداً)، ط1، قم ـ إيران، 1418هـ.
([45]) انظر: السيد موسى الشبيري الزنجاني، كتاب النكاح 3: 930. إلاّ أن هذا الكلام لا يعني ـ طبعاً ـ أن الزنجاني لا يرى حرمة المصافحة من دون شهوةٍ، وإنما حيث إنه يرى أن المصافحة مع الأجنبية تلازم إثارة الشهوة دائماً فهو يرى حرمتها مطلقاً.
([46]) انظر: السيد الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 32: 86.
([47]) لقد صرَّح السيد الخوئي بمحلّ ابتلائية المصافحة في الخارج، واعتبر مورد المصافحة ـ من بين مصاديق لمس الأجنبية في الروايات ـ لهذا السبب من الموارد الابتلائية. انظر: السيد الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 32: 86.
([48]) انظر: الاشتهاردي، مدارك العروة 29: 123.
([49]) الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 283، دار الشريف الرضي للنشر، ط2، قم، 1406هـ.
([50]) الصدوق، الأمالي: 422، ح1.
([51]) من أمثال: شعيب بن واقد، وحمزة بن محمد العلوي، وعبد العزيز بن محمد بن عيسى الأبهري.
([52]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 6.
([53]) انظر: جمال الدين الخوانساري، التعليقات على الروضة البهية: 240، منشورات المدرسة الرضوية، ط1، قم ـ إيران.
([54]) إن هذه الحرمة تستند إلى اعتبار صوت المرأة عورة، ومن بين شروط صحّة الصلاة ستر العورة. انظر: الشهيد الأوّل، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 3: 322، مؤسّسة آل البيت^ (أربعة مجلدات)، ط1، قم ـ إيران، 1419هـ. إلاّ أن الشيخ صاحب الجواهر ذهب ـ بالالتفات إلى السيرة المستمرّة ـ إلى القول بجواز التكلُّم مع الأجنبية بغير شهوةٍ، كما نقل الجواز عن عددٍ آخر من الفقهاء أيضاً (انظر: النجفي، جواهر الكلام 29: 97 ـ 98).
([55]) «لا تؤذّن للرجال؛ لأن صوتها عورة، ولا يُجتزأ به». انظر: جعفر بن حسن الحلّي (المحقِّق)، المعتبر في شرح المختصر 2: 127، مؤسّسة سيد الشهداء× (مجلدان)، ط1، قم ـ إيران، 1407هـ.
([56]) الكليني، أصول الكافي 5: 559، ح11.
([57]) انظر: السيد محمد (المحقّق الداماد)، كتاب الصلاة 1: 367؛ 2: 28، 74، مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بقم (أربعة مجلدات)، ط2، قم ـ إيران، 1416هـ؛ السيد الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 12: 65؛ محمد فاضل اللنكراني الموحدي، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصلاة: 581، الناشر: المؤلِّف (مجلد واحد)، ط1، قم ـ إيران، 1408هـ.
([58]) الطبراني، المعجم الكبير 20: 211، ح486، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، 1404هـ ـ 1983م.
([59]) انظر: نشوان بن سعيد الحِمْيَري، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم 9: 6199، دار الفكر المعاصر (12 مجلداً)، ط1، بيروت ـ لبنان، 1420هـ، حيث اعتبر المسّ في القرآن الكريم بمعنى الجماع. انظر: البقرة: 236 ـ 237؛ آل عمران: 47؛ المجادلة: 3.
([60]) ابن تيمية، الفتاوى الكبرى 2: 7 (مسألة في لمس النساء هل ينقض الوضوء أم لا؟)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408هـ ـ 1987م.
([61]) الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 342، ح169.
([62]) للوقوف على سند هذه الرواية انظر: السيد موسى الشبيري الزنجاني، كتاب النكاح 2: 550.
([63]) انظر: المصدر السابق 3: 932.
([64]) من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه لا يجوز للرجل مجامعة الزوجة بعد موتها. (انظر: جواد التبريزي، أسس الحدود والتعزيرات: 453، مكتب المؤلِّف (مجلد واحد)، ط1، قم ـ إيران، 1417هـ)، فهل يمكن القول استناداً إلى هذا الحكم: إن مجامعة الزوجة حيّة محرّمةٌ بالأولوية؟! أو أن لمس الميت حتّى إذا كان من المحارم يوجب الغُسْل، فهل يمكن القول بوجوب الغسل على مسّ المحرم إذا كان حيّاً من طريق أَوْلى؟! المثال الآخر في ذيل ذات هذه الرواية، حيث يقول: يجوز للمرأة المحرم أن تمسّ وتغسل من محرمها ما كان يحلّ لها أن تنظر منه إليه (من قبيل: الرأس والرقبة واليدين مما كان يجوز لها النظر إليه وهو حيٌّ)، في حين أنه طبقاً لرأي الفقهاء لا يجوز مسّ جسد الأجنبي حال حياته. وعلى هذا الأساس حيث لا يكون أصل القياس بين الميّت والحيّ صحيحاً فإن ادّعاء القياس بالأَوْلوية لن يكون صحيحاً من طريقٍ أَوْلى أيضاً.
([65]) وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (المصافحة) 37: 359، دار الصفوة للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، 1418هـ.
([66]) زين الدين بن نجيم الحنفي(970هـ)، البحر الرائق في شرح كنـز الدقائق 8: 219، دار المعرفة، بيروت؛ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، الاختيار لتعليل المختار 4: 167، تحقيق: عبد اللطيف محمد عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، ط3، بيروت، 1426هـ ـ 2005م.
([67]) السرخسي، المبسوط 10: 265، تحقيق: خليل محي الدين الميس، دار الفكر للطباعة والتوزيع، بيروت، 1421هـ ـ 2000م؛ الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 5: 123، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982م.
([68]) انظر: المنتظري، رسالة الاستفتاءات 2: 350.
([69]) تقدم هذا المطلب عن الفيض الكاشاني في هامش حديث نواهي النبيّ. انظر: الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع 2: 22. واحتمل البعض الآخر انصراف أدلة المنع إلى موارد الشهوة. انظر: السيد مصطفى الخميني، مستند تحرير الوسيلة 2: 406، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (مجلدان)، ط1، طهران ـ إيران.
([70]) انظر: (نقد روايات المبايعة) في هذه المقالة.
([71]) الكليني، أصول الكافي 5: 526، ح1.
([72]) التور: وعاء للشرب. انظر: الجوهري، الصحاح ـ تاج اللغة وصحاح العربية 2: 602، دار العلم للملايين (ستة مجلدات)، ط1، بيروت ـ لبنان، 1410هـ.
([73]) برام: جبل في بلاد بني سليم في الحرّة قريباً من البقيع. انظر: الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس 16: 46، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع (عشرون مجلداً)، ط1، بيروت ـ لبنان، 1414هـ.
([74]) الكليني، أصول الكافي 5: 526، ح2.
([76]) نكتفي اختصاراً بذكر مصدرٍ واحد في هذا الشأن، انظر: النسائي، السنن الكبرى 5: 218، ح8713، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري والسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ ـ 1991م.
([77]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 469. إن ربعي بن عبد الله هو ابن الجارود ابن أبي سبرة الهذلي البصري. وهو من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم’. وقيل: إنه من أصحاب الأصول. وقد ذكره أهل السنّة والإمامية في كتبهم الرجالية، واعتبروه من الثقات. وطريق الشيخ الصدوق إليه صحيحٌ. انظر: السيد الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة 8: 167، الرقم 4511، (24 مجلداً)، ط5، 5، 1413هـ؛ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، الجرح والتعديل 3: 509، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1271هـ ـ 1952م.
([78]) انظر: السيد موسى الشبيري الزنجاني، كتاب النكاح 2: 550.
([79]) الشيخ يوسف القرضاوي، فتاوى معاصرة (مصافحة الرجل للمرأة) 2: 320، المكتب الإسلامي، بيروت، 1421هـ ـ 2000م.
([80]) الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: 201، المكتبة الحيدرية (مجلد واحد)، ط2، النجف، 1344هـ.ش ـ 1385هـ ـ 1965م.
([81]) انظر: الطبراني، المعجم الكبير 19: 71، ح138، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، 1404هـ ـ 1983م؛ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار 20: 147، دار إحياء التراث العربي (111 مجلداً)، ط2، بيروت، 1403هـ. (لم ترِدْ كلمة (فإني) في هذا المصدر).
([82]) انظر: المتقي الهندي، كنـز العمال في سنن الأقوال والأفعال 4: 133، ح9885، تحقيق: بكري حياني، صفوة السقّا، مؤسّسة الرسالة، 1401هـ ـ 1981م؛ أحمد بن أبي بكر البوصيري، إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 1: 384، ح681، دار الوطن، الرياض، 1420هـ ـ 1999م.
([83]) الكليني، أصول الكافي 6: 362، ح1.
([84]) الطوسي، تهذيب الأحكام 9: 43.
([85]) انظر: الفضل بن حسن الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى: 147، الدار الإسلامية (الطبعة القديمة / مجلد واحد)، ط3، طهران، 1390هـ. وبعبارةٍ أخرى عن أهل السنّة في: محمد بن عبد الواحد السيواسي، شرح فتح القدير 6: 485، دار الفكر، بيروت.
([86]) انظر: القرطبي، التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد 12: 244، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387هـ؛ أحمد بن علي العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8: 637، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ.
([87]) [عن أبي عبد الله×]: كان رسول الله لبس الصوف يوم بايع النساء، فكانت يده في كمِّه وهُنَّ يمسحْنَ أيديهنَّ عليه. (الطبرسي، مشكاة الأنوار: 203).
([88]) السرخسي، المبسوط 10: 265.
([90]) انظر على سبيل المثال: صحيح البخاري 5: 2025، ح4983، تحقيق: مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، بيروت، 1307هـ ـ 1987م.
([91]) انظر: سنن الترمذي 1: 17، ح12، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1395هـ ـ 1975م.
([92]) انظر: صحيح البخاري 1: 90، ح222.
([93]) انظر: السرخسي، المبسوط 10: 265.
([94]) انظر: أحمد بن علي التميمي(307هـ)، مسند أبي يعلى 8: 194، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، 1404هـ ـ 1984م؛ وقد روى ابن أبي الحديد المعتزلي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قد ادّعى أن النبيّ الأكرم| لم يصافح امرأةً قطّ إلاّ أمّي (يعني هند بنت عتبة). انظر: ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 1: 339، مكتبة المرعشي النجفي (عشرة مجلدات)، ط1، قم، 1404هـ.
([95]) لقد تمّ نقل هذا الاحتمال في بعض الكتب الفقهية، انظر: السيد عبد الأعلى السبزواري، مهذَّب الأحكام 5: 233، مؤسّسة المنار (ثلاثون مجلداً)، ط4، قم ـ إيران، 1413هـ؛ محمد السند البحراني، سند العروة الوثقى (كتاب النكاح) 1: 75.
([96]) انظر على سبيل المثال: محمد السند البحراني، سند العروة الوثقى (كتاب النكاح)، ج1. وقد استدلّ فقهاء أهل السنة بهذا الوجه غالباً. انظر: مصطفى السيوطي الرحيباني (1165 ـ 1243هـ)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 5: 99، المكتب الإسلامي، دمشق، 1961م؛ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، الاختيار لتعليل المختار 4: 166.
([97]) وبطبيعة الحال إن هذا الادّعاء قد يبدو غريباً للوهلة الأولى، بَيْدَ أنه من خلال التأمّل والتحقيق الميداني يتّضح أن هذا الادّعاء لا يقبل الشكّ، وأن الإثارة التي تحصل لدى الرجل من النظرة (حتى العادية) إلى وجه المرأة أكبر من الإثارة التي تحصل لدى الرجل من الملامسة العادية ليد المرأة أثناء المصافحة. وبعد كتابة هذا المطلب وجَدْنا تأييداً لهذا الكلام في درس خارج السيد عبد الكريم فضل الله؛ إذ قال سماحته: يذهب بعض علماء الأحياء إلى أن الرجل يثار بالنظر بشكلٍ أكبر، خلافاً للمرأة التي يثيرها اللمس أكثر من النظر. انظر: السيد عبد الكريم فضل الله، درس خارج الفقه، (بتاريخ: 4 ـ 12 ـ 1435هـ): http://eshia.ir
([98]) ورد في الآيات القرآنية مطالبة الرجال والنساء بغضّ أبصارهم عند النظر إلى بعضهم (النور: 30 ـ 31)، ولكنْ لم تَرِدْ أيّ آيةٍ في النهي عن مصافحة أو لمس الأجنبية (بغير شهوةٍ)، وكل ما هنالك هو النهي عن الزنا. (انظر على سبيل المثال: الممتحنة: 13؛ الفرقان: 68؛ النور: 2 ـ 3؛ الإسراء: 32). وهكذا الأمر بالنسبة إلى الروايات أيضاً. ومن الواضح جدّاً بالنسبة إلى المتتبِّع في الروايات أن الروايات الناهية عن النظر (بغير شهوةٍ) أكثر بكثير من الروايات الناهية عن اللمس والمسّ؛ وإن روايات اللمس والمسّ واردةٌ في الغالب في مورد المسّ واللمس بشهوةٍ.
([99]) انظر: علي أكبر سيفي المازندراني، دليل تحرير الوسيلة ـ الستر والساتر ـ: 156.
([100]) انظر: ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 15: 414، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ دار صادر (15 مجلداً)، ط3، بيروت ـ لبنان، 1414هـ.
([101]) انظر: الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس 20: 315.
([102]) انظر: ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 15: 408.
([103]) انظر: المصدر السابق 15: 409.
([104]) إن أكثر هذه الروايات ـ بناءً على القواعد المتعارفة ـ غير معتبرةٍ من الناحية السندية، ولذلك يمكن اعتبارها مجرّد مؤيِّدة للجواز، وغير مثبتة له.
([105]) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 1: 339.
([106]) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة 2: 660، الدار الإسلامية (مجلدان)، ط2، طهران، 1395هـ.
([107]) انظر: دراية النور، النسخة رقم 2 / 1.
([108]) انظر: الكليني، أصول الكافي 8: 342. وقد نقل أهل السنّة هذه الرواية في مصادرهم أيضاً، دون ذكر المصافحة أو الأخذ باليد. انظر: ابن أبي شيبة، المصنّف في الأحاديث والآثار 6: 413، ح32493، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشيد، ط1، الرياض، 1409هـ.
([109]) انظر: ويكي بيديا، «مقبرة ومزار النبيّ خالد»:
http://fa.wikipedia.org/w/index.php?title (28 ـ ديسمبر ـ 2016م).
([110]) انظر: الزركلي، الأعلام 2: 296، دار العلم للملايين، ط15، بيروت، 2002م.
([111]) انظر على سبيل المثال: السيد هاشم بن سليمان البحراني، البرهان في تفسير القرآن 1: 616، مؤسّسة البعثة (خمسة مجلدات)، ط1، قم، 1374هـ.ش؛ السيد حسين البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، انتشارات فرهنگ سبز (31 مجلداً)، ط1، طهران، 1386هـ.ش.
([112]) انظر: المجلسي، بحار الأنوار 14: 451.
([113]) انظر: محمود بن أحمد (علي البخاري) العيني، عمدة القارئ (شرح صحيح البخاري) 17: 73، دار الفكر.
([114]) انظر: صحيح البخاري 8: 20؛ صهيب عبد الجبّار، المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة 20: 207، 2013م؛ مسند الإمام أحمد بن حنبل 19: 9، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون، مؤسّسة الرسالة، 1421هـ ـ 2001م؛ سنن أبي داوود السجستاني 7: 193، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد كامل قرة بللي، دار الرسالة العلمية، 1430هـ ـ 2009م.
([115]) انظر: أحمد بن علي العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 10: 490.
([116]) صحيح البخاري 3: 1027، ح2936.
([117]) انظر: العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 9: 203.
([118]) ورد في بعض المصادر الفقهية احتمال أن يكون اجتناب النبيّ الأكرم| عن مصافحة النساء راجعاً إلى كونه من خصائصه. انظر: السيد مصطفى الخميني، مستند تحرير الوسيلة 2: 406، (مجلدان).
([119]) انظر: السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت^ 7: 337، مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلامي على مذهب أهل البيت^ (11 مجلداً)، ط1، قم ـ إيران، 1423هـ.
([120]) من ذلك مثلاً أنه في مورد جواز الزواج بأكثر من أربع نساء قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ (الأحزاب: 50).
([121]) السرخسي، المبسوط 12: 373.
([122]) انظر: مالك بن أنس، الموطأ 3: 439، تحقيق: د. تقي الدين الندوي، دار القلم، دمشق، 1413هـ ـ 1991م.
([123]) انظر: العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8: 637؛ أبو الحسن علي بن محمد الماوردي، الحاوي الكبير 14: 68، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414هـ ـ 1994م.
([124]) انظر: الشبكة الإسلامية (www.islamweb.net)، بإشراف: د. عبد الله الفقيه، فتاوى الشبكة الإسلامية المعدلة، الفتوى رقم 1025، تحريم مصافحة المرأة الأجنبية، تاريخ الفتوى: 24 ـ ربيع الآخر ـ 1422هـ.
([125]) وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية، أدلّة مشروعية البيعة 9: 277، دار السلاسل، الكويت، 1404 ـ 1427هـ؛ محمد الألباني(1420هـ)، ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حِبَان: 5، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض، 1422هـ ـ 2002م.
([126]) انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل 6: 357، تحقيق: السيد أبو المعاطي النوري، عالم الكتب، بيروت، 1419هـ ـ 1998م.
([127]) من الأمور المتعارفة والشائعة في أداء القسم، أو إظهار البيعة، أو أداء السلام الجمهوري أو تحية العلم بشكلٍ جماعيّ، أن يتمّ اللجوء إلى فعلٍ رمزي، لا أن يقوم كلّ واحدٍ من الأفراد بالسلام أو أداء القسم أو إظهار الولاء والوفاء بشكلٍ منفرد.
([128]) السرخسي، المبسوط 10: 265.
([129]) أبو بكر بن علي بن محمد الزبيدي(800هـ)، الجوهرة النيّرة (كتاب الحظر والإباحة) 6: 164، المطبعة الخيرية، مصر، 1322هـ.
([130]) انظر: صحيح البخاري 2: 636، ح1701. إن فرض الاستدلال بهذه الرواية على جواز المصافحة يقوم على أن تنظيف الرأس لا يخلو من اللمس.
([131]) الكليني، أصول الكافي 5: 524. سند هذه الرواية معتبرٌ. وقال العلاّمة المجلسي في مرآة العقول: «ويدلّ على جواز النظر إلى شعور أهل الذمّة وأيديهنَّ. وحُملت الأيدي على السواعد وما يجب ستره على غيرهنَّ. وعمل به المفيد والشيخ وأكثر الأصحاب، مع الحمل على عدم الشهوة والرِّيبة؛ وإلا فهو حرامٌ قطعاً. ومنع ابن إدريس من النظر مطلقاً؛ تمسُّكاً بعموم الأدلة، واستضعافاً لهذا الخبر». (انظر: المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 20: 353، دار الكتب الإسلامية (26 مجلداً)، ط2، طهران ـ إيران، 1404هـ). في حين ليس لابن إدريس أيّ كلامٍ في مورد هذه الرواية، وإن الرواية التي يرويها هي تلك التي تقول بعدم الإشكال في النظر إلى نساء أهل الذمّة؛ لأنهُنَّ بمنـزلة الإماء. انظر: ابن إدريس الحلّي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 2: 610، مؤسسة النشر الإسلامي (3 مجلدات)، ط2، قم ـ إيران، 1410هـ.
([132]) الحميري، قرب الإسناد: 131. وفي سند هذه الرواية أبو البختري، وقد تمّ التعريف به في الكتب الرجالية بوصفه عامّياً وكذاباً. ومع ذلك جاء الحديث عنه في معجم رجال الحديث، نقلاً عن ابن الغضائري ـ وهو صاحب اليد الطولى في تضعيف الرواة ـ القول: إن له كتاباً في روايات الإمام الصادق×، وكلها موثوقةٌ. وإليك نصّ هذا الكلام: «كذّاب عامي، إلاّ أن له عن جعفر بن محمد× أحاديث كلها يوثق بها». انظر: السيد الخوئي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة 20: 232، ط5، 1413هـ. ولكنْ في نفس كتاب الغضائري إضافة كلمة «لا» في قوله: «لا يوثق بها» (انظر: ابن الغضائري، الرجال،: 100، مؤسّسه علمي فرهنگي دار الحديث، سازمان چاب ونشر (الطبعة الجديدة / مجلد واحد)، ط1، قم ـ إيران، 1422هـ). ويبدو أنه من الخطأ؛ لأنه لا يتناسب مع الاستثناء الموجود في سياق كلام ابن الغضائري؛ إذ يقول: «إلاّ أن له…». يُضاف إلى ذلك أن لابن أبي عمير ـ وهو من أصحاب الإجماع ـ روايات متعدّدة عن الإمام الصادق× بواسطة أبي البختري. (انظر: محمد بن علي الأردبيلي، جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطريق والأسناد 2: 368، دار الأضواء (مجلدان)، ط1، بيروت ـ لبنان، 1403هـ. وعليه يمكن الاعتماد على رواياته.
قد يُقال: إن هذه الرواية تخالف رواية لا ضَرَر ولا ضرار في قضية سمرة بن جندب؛ لأن طرف الدعوى فيها كانوا من أهل الذمّة، حيث كانوا يطلبون منه الاستئذان عند الدخول في ممتلكاتهم، وعندما أبى لم يقُلْ النبيّ الأكرم|: إن الحقّ مع سمرة، وإنه لا يحتاج إلى الاستئذان عند الدخول عليهم؛ لأنهم من أهل الذمّة. إذن لا فرق في وجوب الاستئذان عند النـزول على ممتلكات الناس بين أن يكونوا مسلمين أو من أهل الذمّة. والجواب عن هذا الإشكال هو أن الافتراض في رواية قرب الإسناد يقوم على أن نزول المسلم على أهل الذمّة لا يحتاج إلى إذنٍ؛ لأن رضا أهل الذمّة في هذه الحالة محرَزٌ في الحالات العادية؛ بخلاف المسلمين الذين يجب استئذانهم؛ كي تكون لديهم الفرصة الكافية حتّى تتّخذ نساؤهم سواترهُنَّ عن الأجانب.
وفي قضية سمرة يمكن القول بأنه لم يكن بحاجةٍ إلى استئذانٍ في نزوله الأول عليهم، وبذلك يكون موافقاً للقاعدة على طبق ملاك رواية قرب الإسناد، ولكنْ حيث تكرَّر ذلك منه، وقام الأنصاري (الذمّي) بالإعلان عن عدم رضاه بنـزوله عليه من دون استئذانٍ، بدأ النبيّ الأكرم| يشدِّد على سمرة. وبذلك يكون الفرق بين المسلمين وأهل الذمّة في الظروف العادية؛ حيث يكون الرضا من أهل الذمّة محرَزاً، ولا يكون هذا الرضا محرَزاً بالنسبة إلى المسلمين.
([133]) يؤيِّد هذا الفهم روايةٌ مأثورة عن الإمام الصادق× في جواز النظر إلى عورة غير المسلم؛ بهذا الملاك على ما يبدو: «النظر إلى عورة مَنْ ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار». انظر: الكليني، أصول الكافي 6: 501.
([134]) انظر: علي أكبر سيفي المازندراني، دليل تحرير الوسيلة ـ الستر والساتر ـ: 157: (من الواضح أنه قياسٌ مع الفارق؛ إذ يكون تجويز النظر إليهنَّ من باب عدم الحرمة لهُنَّ، فلا يقاس بالمصافحة التي هي من مصاديق الاحترام وإلقاء المودّة).
([135]) انظر: أدلّة حرمة المصافحة (ج ـ صدق المصافحة على التولّي) في هذه المقالة.
([136]) قد يُقال: إن هذا الكلام مخالفٌ لقوله تعالى: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة: 29). والجواب التفصيلي عن هذا الإشكال يحتاج إلى فرصةٍ أخرى، ولكنْ يمكن الإجابة عنه باختصار بأن هذه الآية ـ في الحدّ الأقصى، ومع غضّ النظر عن التفسيرات الصحيحة ـ تخصّ طريقة دفع الجِزْية، ولا تدلّ على عدم احترامهم في سائر الموارد الأخرى.
([137]) محمد السند البحراني، سند العروة الوثقى (كتاب النكاح) 1: 57.
([138]) انظر: الكليني، أصول الكافي: 521، ح5.
([139]) انظر: السيد موسى الشبيري الزنجاني، كتاب النكاح 1: 262؛ 2: 455، 457، 478؛ السيد الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 12: 68 ـ 69؛ 32: 27.
([140]) قوله تعالى: ﴿يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾.
([141]) انظر: الحُرّ العاملي، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 1: 300، ح789، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث (ثلاثون مجلداً)، ط1، قم، 1409هـ؛ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 627، ح3215.
([142]) انظر؛ للوقوف على موارد مماثلة: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الفقاهة، كتاب النكاح: 101، انتشارات مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب×، قم، 1425هـ؛ السيد موسى الشبيري الزنجاني، كتاب النكاح 2: 472.
([143]) أحمد طاهري نيا، دست دادن با نا مَحْرَم أز نگاه آيات وروايات (مصافحة الأجنبية من وجهة نظر الآيات والروايات): 214 ـ 243، بحثٌ جديد في الفقه، الدورة 16، العدد المزدوج 59 ـ 60، ربيع وصيف 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).
([144]) انظر: الشيخ المنتظري، رسالة الاستفتاءات 2: 349.