سعى السيد محمد باقر الصدر(1400هـ) للعمل على أكثر من جبهة من جبهات الفكر الإسلاميّ:
1ـ فعلى صعيد البناءات العقلية سعى الصدر لإعادة تكوين العقل الفلسفي والمنطقي، فعمل على الكشف عن قصور المنطق الأرسطي عن تفسير الظاهرة المعرفيّة وتصويبها لوحده، وإنْ اعترف بدوره الكبير في المعرفة الإنسانيّة، لكنّه رأى فيه ـ على المستوى العمليّ ـ بنيةً عقليّة قاصرة عن إمكانيّة التوظيف لخدمة القضايا المختلفة. وقام الصدر وفقاً لذلك بتقديم مشروعه في المذهب الذاتي للمعرفة، وهو مشروع يعتمد نظريّة الاحتمال وقواعده، فيلتقي مع علم الرياضيّات، ويحاول أن يفسِّر الذهن البشريّ ونشاطاته الفكريّة على أساس مرحلتين:
إحداهما: التي تسمّى بمرحلة التوالد الموضوعي، والتي يسير الفكر فيها من المفردات والجزئيّات، فيتصاعد في القوّة الاحتمالية التي يملكها وفقاً لأصول موضوعيّة تلعب القواعد الرياضيّة دورها فيها.
وثانيهما: مرحلة التوالد الذاتي، التي يحاول فيها السيد الشهيد محمد باقر الصدر أن يصنع اليقين العلميّ بالأمور، ويعطي للاستقراء دوره المعرفيّ في مقابل التيّارات الشكّيّة والترجيحيّة. فهذه المرحلة عنده يأخذ فيها الذهن نشاطاً مستقلاًّ عن القواعد الرياضيّة الصارمة، والمعايير الموضوعية الحاسمة، لكي يقفز ـ وفقاً لبنيته الذاتيّة ـ من مرحلة إلى مرحلة.
لقد حاول الصدر أن يخوض في مشروعه هذا غمار تحليل جهاز الإدراك البشريّ، فكانت مسيرته تنطلق من نقطة الصفر، غير محمَّلة بحمولات فلسفة بعينها، ونمط تفكير مدرسة فكريّة خاصّة. وهو إذا لم يقدّم الكثير من الإضافة في المشهد العالميّ لهذا الموضوع فقد قدّم إضافات غير عاديّة عندما نقرأ تجربته في السياق الشرقيّ والإسلاميّ.
لقد ترك مشروع الصدر في المذهب الذاتيّ للمعرفة أثراً على تقارب العلم والدين، وذلّل من العقبات المنهجية والتباعد السياقي والمناخي بين هذين المجالين.
لقد كنّا نأمل أن يحظى مشروع السيّد الصدر المعرفيّ بحضوره اللائق به في المناخ الفكريّ الإسلاميّ، ولو بالنقد والتفنيد، وأن لا يظلّ بعيداً عن الدرس المنطقيّ في المؤسّسة الدينيّة، لكنّ الأقدار تقضي بما لا نريد ولا نشتهي. ونأمل من القيّمين على المناهج التعليميّة في الحوزات والمعاهد الدينيّة، ومن المشتغلين والمختصّين بالدرس العقليّ عامّة، أن يأخذوا موضوع هذا الكتاب بجدّيّة للتعرُّف على هذه التجربة المنطقيّة والفلسفيّة الفريدة في مناخنا الدينيّ؛ بهدف تطويرها أكثر فأكثر، وأن لا يبقوا أسرى مدارس فلسفيّة بعينها بوصفها في الوعي الطلابيّ العامّ حقائق لا تقبل النقد، أو إلهامات إشراقيّة لا يمكن كشف الستار عن أيّة نقطة ضعفٍ فيها؛ فإنّ هذا بعينه منطقٌ معاكسٌ للمنطق الذي يفترض أن تقوم عليه الدراسات الفلسفيّة والمنطقيّة والمعرفيّة الجادّة.
ولم يقف مشروع الصدر عند هذا القدر من الإيجابيّات، بل تعدّاه ليفتح كوّةً في جدار العقل الجزمي، عبر منح المعرفة فرصة الخطأ الواقعي، في الوقت الذي لا يُعمل بهذا الخطأ ولا يهتمّ به من الناحية العملية بحيث لا يوجب تذبذباً أو شكّاً معيقاً عن إمكانية تقدّم المعرفة البشريّة، وقد كان ذلك عبر تعديل الصدر مفهوم اليقين من البرهانيّة إلى الموضوعيّة.
ولم يقف الصدر عند مستوى تكوين النظرية ـ المشروع، بل استمرّ في ممارسة تطبيقات متعدِّدة لرؤيته المعرفيّة هذه مع علومٍ، كالفلسفة والكلام والرجال والفقه والأصول وغير ذلك.
وإلى جانب النشاط المنطقي المعرفي والفلسفي الذي اشتغل عليه الصدر كان نشاطه الكلامي في العمل على إعادة بَنْيَنَة علم الكلام الإسلاميّ، مستخدماً فيه المنهج الاستقرائي الذي يراه محمد إقبال المنهج القرآنيّ الحسّيّ في معرفة الطبيعة والوجود. وقد كان إقبال انتقد ـ قبل الصدر ـ بشدّة توجُّه المسلمين نحو العقل اليوناني، الذي حمّله مسؤوليّة تراجعهم على مستوى التطوّر العلميّ. وعبر هذا السبيل تمكّن الصدر من الاقتراب من الذهن المعاصِر في تساؤلاته الكلاميّة.
واصل الصدر مسيرته البحثيّة عبر ملاحقة المفردات الكلاميّة الإشكاليّة، ليضع لها حلولاً تفصيليّةً تتبُّعيّةً، منسجمةً مع ذهنيّته الاستقرائيّة. وهو ما جاء في بحثه حول التناقضات المتوهَّمة في سيرة أهل البيت، وموضوعة التعارض بين النصوص الحديثيّة.
وقد كان منهج الصدر في الحوار الكلامي يعتمد الهدوء والموضوعيّة في عرض الآخر ومناقشته، ممّا جعله يخرج البحث الكلامي من الدفاعيّة السجاليّة إلى الحوار العلميّ الهادف والبنّاء.
ولم يفُتْ الصدر أن يأخذ البُعد الاجتماعيّ في أصول الدين، كما في مقدّمة (فلسفتنا) وموجز أصول الدين. وهو ما أراد منه إخراج علم الكلام من التجريديّة للدخول في العملانيّة والواقعيّة.
2ـ ولو تركنا المجالات العقلية، من المنطق والفلسفة والكلام، وعطفنا نظرنا ناحية الملفّات الاجتهاديّة في العلوم الشرعيّة لرأينا كيف أنّ الصدر اهتمّ في (اقتصادنا) بفقه النظريّة.
إنّ فلسفة وجود فقه النظريّة تكمن أولاً: في الحاجة الدفاعيّة، فإنّ العقل المسلم صار بحاجة ـ لكي يبقى ـ إلى نسج رؤى متكاملة عن الحياة، استجابةً لتحدّيات مرحلة الخمسينيات والستينيات؛ لمواجهة خصوم الإسلام السياسي والاجتماعي. وهو ما صرّح به الصدر في (المدرسة القرآنيّة). فالآخر (الشيوعي) قدّم رؤى متكاملة في نظم الحياة؛ ولهذا كان (اقتصادنا).
كما تكمن ثانياً: في الحاجة البنائيّة، وهي حاجة المشروع الإسلاميّ لأساسيّات فقه النظريّة؛ لعدم كفاية الفقه الفردي والرسائل العمليّة، فأين فقه الاجتماع، وفقه الاقتصاد، وفقه السياسة، و…؟! بل إنّ الدستور الذي يُراد بناء النظام عليه هو الآخر بحاجة لفقه نظريّة ونظم. وهذا ما يحرّك عجلة الفقه من الفرديّة إلى الفقه العامّ أو يبلغ بنا التوحيد بين الفردي والعامّ.
أمّا هويّة فقه النظريّة فهي هويّة اجتهاديّة، بمعنى أنّها حقل اجتهاديّ في النصّ. لهذا هو فقه، وليس خارج الفقه أو وراء النصّ. وقد أخطأ مَنْ اعتبره اجتهاداً في مقابل النصّ. وهي أيضاً هويّة معرفيّة تبلغ مستوى التنظير. فالفكر يبدأ من الفهم، إلى النقد، إلى الإبداعات الجزئيّة، إلى تكوين نظريّات، إلى بناء مشاريع فكريّة كبرى.
أمّا الموقع العلميّ لفقه النظريّة فهو التخطّي من فقه المسائل (الأحكام)، والعبور من فقه القواعد أيضاً، ليصل إلى تكوين النظام (فقه النظريّة)، لكنّه لا يعبر الفقه المقصدي بمعناه المتداول اليوم. فالصدر ليس مقاصديّاً بالمعنى المصطلح الخاصّ، لكنّه يساعد على مقاصديّة شيعيّة.
إنّ فقه النظريّة يقوم على مبدأ الترابط، وأنّ تأثيرَ الشيء رهينُ ارتباطه بالأشياء الأُخَر. فالبنك الإسلاميّ يدرس تارةً في سياق إسلاميّ؛ وأخرى في مناخ ربويّ. وهناك ترابط خاصّ (ترابط مسائل = فقه نظرية)، وترابط عامّ (ترابط نظريّات = فقه الهيكل العام / اقتصاد + سياسة + عقيدة). وما يحتاجه فقه النظريّة هو فهمٌ اجتماعيّ للنصوص، ورفضٌ تامّ لكلّ أشكال البتر السياقي لها.
ولفقه النظريّة مراحل ومسارات يتحرّك فيها. فمبدأ الانطلاق والسير يحوي غموضاً وصعوبة في عرض النظريّة، ولا سيّما نتيجة تأثيرات الفقه الفردي، وهيمنة منطق الظنّ في المدرسة الأصوليّة. وهذا معناه أنّنا بحاجة إلى رصد القوانين لاكتشاف المذهب.
وأمّا حركة السير فتكوينها من الأسفل إلى الأعلى، أي من فقه الأحكام والمسائل؛ لتجميعها، وصولاً إلى فقه النظريّة. فنحن في البداية نكتشف التفاصيل والجزئيّات الفقهيّة ذات الصلة، وهي مرحلة معقَّدة، ثم نعمد إلى مرحلة التركيب، أو التحويل من الجزئيّ إلى الكلّي، وهي عملية تجميعٍ منظَّم للمفردات؛ لتكوين رسم فسيفسائي متكامل، لننتهي إلى مرحلة التَبْيِئَة، أو التحويل من الكلّي إلى الجزئيّ، بوضع الناتج (الكلّي) ضمن المفاصل الفكريّة العامّة (عقيدة + مفاهيم + أخلاق…)، معتبرينه جزئيّاً من ضمن كلٍّ أوسع.
ولكنّ فقه النظرية يواجه مشاكل؛ فهو من جهة يناقض منطق الاجتهاد الذي يشظّي النتائج عبر نظام التنجيز والتعذير؛ ومن جهة أخرى يعتمد ـ من وجهة نظر النقّاد ـ على الظنون والتخمينات والأقيسة والاستحسانات.
ولحلّ هاتين المشكلتين يمكن طرح (الحلّ الخارج ـ اجتهادي)، عبر ما ذكره الصدر نفسه من فتح يد الفقيه لاختيار البدائل الاجتهاديّة عبر صلاحيات وليّ الأمر، أو تقليد الميّت، وغير الأعلم.
ويمكن أيضاً طرح (الحلّ الداخل ـ اجتهادي)؛ إمّا باعتماد نظرية الشيخ شمس الدين، وهي نظرية أدلّة التشريع العليا، وقدرتها على حذف التفاصيل المعيقة لتعبيد الطريق، أو باستخدام المنحى الاستقرائي الذي أشار إلى بعضه الصدر في (المعالم الجديد للأصول)، بحيث يتأمّن لنا الخروج من الجزئيّات بقانون له قدرة الحذف لكلّ مفردةٍ تعاكِس رسم الصورة الكلّية.
3ـ وبالتحوّل من الفقه إلى الاجتماع نجد قضيّة العلاقة بين المثقَّف والفقيه ماثلةً. فالمثقَّف وعيُه تجريبيٌّ، والفقيه وعيُه نصّيّ. والمثقَّف متحرِّرٌ، والفقيه ملتزمٌ. والمثقَّف ناقدٌ، والفقيه مدافعٌ. الأمر الذي يخلق مشكلةً في العلاقة، وهي علاقة مأزومة تاريخيّاً، تتجلّى في التجربة المعتزليّة تارةً؛ وتجربة الفلاسفة أخرى. وقد ازدادت اليوم تعقيداً بعد تنامي العلوم الإنسانيّة، وانتقال المثقَّف في تموضعه من الخارج ـ ديني (ماركسي و…) إلى الداخل ـ ديني. وقد اهتمّ الصدر أكثر بالمثقَّف الخارج ـ ديني.
والخلاف بين المثقَّف والفقيه يرجع إلى إشكاليّة المنهج (حقيّة نصّيّة أم واقعيّة تجربيّة/ المرجعيّة الماضويّة وسلطان العقل)، وإشكاليّة السلطة، وإشكاليّة الاعتراف المتبادَل. وقد حاول الصدر فكّ هذا الاشتباك، عبر تثقيف الفقيه وتفقيه المثقَّف تارةً؛ وتحرير العلم والثقافة من الوضعيّة بتوحيد المنهج عبر (الأسس المنطقيّة للاستقراء)، مع تحرير الدين من الفقه من خلال انفتاح الصدر على العقليّات والقرآنيّات والسيرة تارةً أخرى، ومبدأ المشاركة من قبل الفريقين في الإدارة الاجتماعيّة عبر تجربة الحركة الإسلاميّة التي تولاّها الصدر في العراق ثالثةً.
4ـ ويبقى ملفّ إصلاح الحوزة والمرجعيّة الدينيّة. فقد رأى السيد الصدر ـ على صعيد المشكلة الخارجيّة ـ غياباً سياسيّاً واجتماعيّاً (فقدان التواصل) في الحوزة العلميّة، وغياباً للوعي الواقعيّ عبر التعاطي مع الأمور بالذهنيّة الأصوليّة الهندسيّة.
كما رأى ـ على الصعيد الداخلي ـ أزمة برامج التعليم، والأزمة الماليّة، وأزمة الحاشية، و…
أمّا على صعيد المشكلة الأولى فقد حاول الصدر حلّها عبر الحضور السياسيّ والاجتماعيّ، من خلال المساهمة في تأسيس الحركة الإسلاميّة، ومواكبة حركة الإمام الخمينيّ، إلى جانب الحضور في مواجهة الماركسيّة، وتنشيط موضوع الوكلاء، واختيار الشباب الحاضر منهم.
وأمّا على صعيد المشكلة الثانية فقد عمل على وضع برامج تعليميّة، بعد نقد القديم، ككتابه (دروس في علم الأصول)، معلِناً مشروع المرجعيّة الرشيدة القائمة على: المجالس الاستشاريّة، ومجالس الخبراء، والتنظيم الماليّ الدقيق، وكفّ يد العلماء عن الأخذ من الناس، وتأمين حياتهم من جانب المرجعيّة.
وهكذا أراد السيد الصدر تحقيق ارتباط المرجعيّة المباشر بالمشروع السياسيّ الإسلاميّ؛ ليأخذ شرعيّته منها.
وقد كان وضع آماله ببعض المراجع الكبار ليعدل بعد ذلك فيطرح مرجعيّة نفسه.
كلمة أخيرة ــــــ
إذا أردنا أن نعرّج بعد هذه الجولة المستعجلة في فكر السيد الصدر على الاهتمام الإيرانيّ بمنجَزات الصدر القيّمة ـ ونحن نعدّ هذا العدد من مجلة (نصوص معاصرة) ـ سنجد أنّ الوسط العلميّ الإيرانيّ في الحوزات والجامعات كان اهتمامه بالسيد الصدر على المستوى الفكريّ والثقافيّ محدوداً، منذ استشهاده وحتّى أواخر التسعينيّات من القرن الماضي.
وقد لوحظ أنّه بعد مجيء الرئيس محمّد خاتمي إلى السلطة كان هناك اهتمامٌ بملف السيد الصدر. وقد أقيم عام 2001م مؤتمر عالميّ للسيد الصدر في طهران باهتمام مكتب الثقافة والعلاقات الإسلاميّة، ورعايةٍ خاصّةٍ من مرشد الثورة السيّد عليّ الخامنئيّ.
ومنذ ذلك الوقت بدأ الاهتمام الإيرانيّ بأعمال السيد الصدر، وأخذت المجلاّت والدوريّات والنشريّات تكتب مقالات بحثيّة وغير بحثيّة حوله في مجالات مختلفة. وقُدّم السيد الصدر منذ ذلك الحين بوصفه ناشطاً متميِّزاً في المجال الفلسفيّ والكلاميّ، إلى جانب المجالات الفقهيّة والأصوليّة.
لا أدري بالضبط ما هو السبب في تأخُّر المحافل العلميّة في إيران عن مواكبة الصدر، حتّى أنّ نظريّاته في الفقه وأصول الفقه لم تتلقّاها الحوزات الإيرانيّة بعدُ، اللهمّ إلاّ تلك التي يكون لتلامذة الصدر نفوذٌ مباشرٌ فيها، لكنّني أظنّ أنّ أحد أسباب هذه الانعطافة الإيرانيّة ناحية الصدر ترجع إلى وجود إحساس إيرانيّ عامّ، منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، بضرورة الانفتاح على المنجزات الفكريّة التي تقع وراء الحدود الجغرافيّة لهذا البلد المسلم. وربما يكون ذلك إحساساً من المثقَّف الإيرانيّ بأنّ ما عنده يحتاج إلى مزيد من التطعيم والمزاوجة مع ما عند الآخرين. وقد صادفت تلك الفترة انفتاحاً متبادلاً بين إيران والعالم العربيّ، وربما ترك ذلك أثره في هذا الموضوع.
إنّ المحافل العلميّة الإيرانيّة بدأت مؤخَّراً بالانفتاح على الشخصيّات الخارجيّة، لكنّها لم تغطِّ بعدُ مساحةً واسعة من هذه الشخصيات.
فالعلاّمة محمد مهدي شمس الدين ـ مثلاً ـ لم يحظَ بالكثير من اهتمام الباحثين الإيرانيّين في نظريّاته في الفكر الإسلاميّ والاجتهاد الشرعيّ والفقه السياسيّ.
ونجد بعض المراكز الفكريّة في الحوزة العلميّة تهتمّ اليوم ببعض الشخصيّات الأقدم زمنيّاً، وتقيم لها المؤتمرات، وتصحِّح كتبها، وتعقد حولها الندوات، مثل: السيد عبد الحسين شرف الدين، والسيد محسن الأمين، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ محمد جواد البلاغي، وأمثالهم، وهم شخصيّاتٌ في فترةٍ قديمة نسبيّاً، في حين يستحسن أن يكون الاهتمام بشخصيّات أقرب إلى عصرنا وهمومنا، دون أن يُترَك العمل على تلك الشخصيّات الأقدم، مثل: العلاّمة شمس الدين، والعلاّمة محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد جواد مغنيّة، والسيد موسى الصدر، والسيد محمد صادق الصدر (الصدر الثاني)، والشيخ عبد الهادي الفضلي، والسيد هاشم معروف الحسني، والسيد عبد الأعلى السبزواري، والسيد محمد الشيرازي، وغيرهم.
وعندما أنفتح في نقديّتي هذه على الوسط الإيرانيّ فلا يعني ذلك إعفاء الوسط العربيّ من النقد. فصحيحٌ أنّ العرب اهتمّوا مثلاً بالسيد الصدر، لكنْ مع ذلك تظلّ الاهتمامات بشخصيّات أُخَر غيره قليلة للغاية، بل منعدمة أحياناً. هذا إذا أردتُ أن آخذ علماء الدين الشيعة بعين الاعتبار، وأمّا إذا أردتُ أن أوسِّع الدائرة إلى سائر المفكِّرين والشخصيّات العلميّة في العالم العربيّ والإسلاميّ فإنّ الأمر يبدو أوضح.
ورغم ذلك كلّه لم نعد نحبِّذ أن تنشغل المؤتمرات والملتقيات بالأشخاص فقط، بل نرى أن تشتغل على مركزيّة الموضوعات ومحوريّتها، وما يستجدّ من قضايا الفكر والحياة، ويكون الاهتمام بالأشخاص بقدر اقتراب أفكارهم من قضايا عصرنا، وإمكان توظيفها فيها.
وختاماً نودّ أن نتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ العزيز الأستاذ أحمد أبو زيد حفظه الله تعالى على جهوده المباركة في مساعدتنا في توفير المواد العلمية لهذا الملف الخاص بالسيد الشهيد الصدر، فجزاه الله خيراً.
_________________________________________________
(*) نشرت هذه المقالة في العدد 26 من مجلة نصوص معاصرة في بيروت، ربيع عام 2012م.