تعاني المكتبة الإسلامية من النقص في البحوث التي تتناول الفن دراسة و تحليلاً و فلسفة من خلال رؤية إسلامية ، فإن الباحث في مجال الفن من منظور إسلامي يشعر بصعوبة التوفر على دراسات موسعة في هذا المجال ، كما أنه من الصعوبة بمكان حصول الإطمئنان النفسي و العقلي بالدراسات الموجودة عن الفن حيث أن أغلبها تعتمد أسساً و منطلقات غير إسلامية ، في الوقت الذي نحن بحاجة ضرورية فيه إلى الوقوف على الرؤية الإسلامية حول الفن بكل فروعه و أنواعه ، فلا يمكننا الجزم بإسلامية هذا الفن أو ذاك من عدمها إلا بعد أن تكون رؤيتنا حول الفن واضحة و بينة من وجهة نظر إسلامية ، و قد قلنا مراراً أن عدم تحديد المفاهيم يؤدي إلى التخبط و الشك في المصاديق ، فما لم يكن مفهوم الفن الإسلامي واضحاً فلن نصل إلى الإطمئنان بإسلامية الناتج الفني.
و مما يؤسف له أننا دخلنا في مجال الفن الإسلامي دون أن نتعرف على الفن من وجهة نظر إسلامية ، و هي حالة إن لم تشكل في البداية خطورة واضحة ، فإنها و بعد أن تستمر عملية الإنتاج الفني على أسس ثقافية غير دقيقة و واضحة ستشكل خطورة شديدة على الهوية الإسلامية للفن و الناتج الفني.
و ضياع الهوية الإسلامية للفن يشكل أحد خطرين:
-إما خنق الحالة الإبداعية في الناتج الفني ، و بذلك تضعف القدرة التأثيرية للفن الإسلامي.
-و إما إنفلات الحالة الإبداعية و توسعها ، و بذلك يؤدي الفن إلى نتائج لا تتوافق مع الرؤية الإسلامية.
من هنا يتضح لنا بما لا شك فيه أن دراسة الفن من منظور إسلامي ، تأريخياً ، و فلسفة ، و فقهاً ، هو من ضرورات الدخول في مجال الفن الإسلامي.
و من خلال هذا البحث سنحاول الوقوف على بعض العناوين التي تساعد في وضع خارطة طريق نحو دراسة إسلامية كافية حول الفن و ضوابطه و أصوله.
الفن لغة: واحد الفُنُون، وهي الأَنواع، والفَنُّ الحالُ.
ورجل مِفَنٌّ: يأْتي بالعجائب، وامرأَة مِفْنَّة.
و افْتَنَّ الرجل في كلامه وخصومته إذا توسع وتصرف.
والتَّفْنينُ: التخليط؛ يقال: ثوبٌ فيه تَفْنين إذا كان فيه طرائق ليست من جِنْسه.
و الملاحظ من الفن في اللغة أنه يتكون من عنصرين ، القدرة الروحية ، و الكفاءة التقنية و الإبداعية.
( الفن هو محاولة التعبير عن الجمال و الحسن الذي يتراءى في أرجان الكون ، وينبعث من داخل كل صورة في الوجود ، فيبهر الإنسان ، ويغمر وجدانه بالإحساس بوجود وشائج نسب خفية، وأواصر تناسب عميقة بينه وبين هذا الجمال إلى حد الرغبة في الالتحام به أو الذوبان فيه .) نجيب بن خيرة.
و يعرفه بعضهم ، " بأن الفن هو ما يخرجه الإنسان ، من عالم الخيال إلي عالم الحس ، ليحدث في النفس أنساً أو إعجاباً ، أو تأثراً بالجمال "د.محمد ذكي العشماوي.
و يبدو الفن هنا أنه نوع من أنواع الإنبهار بالجمال الكوني ، و حالة من حالات الإستغراق في التأمل الجمالي ، كما أنه قد يبتعد عن الواقع فيكون تفريغاً للقوى المخيلة لدى الإنسان.
تحتاج صياغة مفهوم شامل عن الفن من منظور إسلامي إلى توضيح الرؤية الإسلامية حول عدة عناصر أساسية مرتبطة بالفن ارتباطاً جوهرياً ، و من دون أن تتضح هذه العناصر فإنه لا يمكن الوصول إلى معرفة أصيلة و دقيقة لمعنى الفن إسلامياً.
هذه العناصر هي في الحقيقة مكونات المفهوم الإسلامي للفن ، و يمكننا حصرها في ثلاث عناصر أساسية:
فمن خلال تحديد طبيعة الرؤية الكونية يمكن معرفة موقع الفن في حياة الإنسان ، و وفق أي منهج يمكن وضع ضوابط الفن ، و أي الفنون يمتلك قيمة حقيقية؟
و من خلال الوقوف على فلسفة الجمال يمكن معرفة أصناف الجمال و الجمال الأكثر قيمة ، كما يمكن أن نكتشف علاقة الفن بالجمال هل هي ضرورية أم أن الفن يمكن أن يبقى فناً بلا جمال؟
و من خلال مبدأ الغائية يمكننا معرفة أن الفن هل هو للفن نفسه أم للأهداف النبيلة أم هو للإنسان و أنسه.
تتحدد الرؤية الكونية من خلال الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة:
و حتى لا يطول بنا المقام فإن نتائج الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة حسب نتائج الدراسات و التحقيقات الإسلامية ستؤدي إلى رؤية كونية مفادها: (الإعتقاد بوجود الله سبحانه وحاكميّته المطلقة على عالم الإمكان كشرط أوّلي و أساسيّ في رسم هذه الرؤية, وتتفرّع عليه جملة من المطالب والمعارف العقدية المتعلّقة بالعدل والنبوة والمعاد).
و على هذا الأساس فإن الشرط الجوهري في البحث عن الفن الذي ينبغي أن نتعامل معه و ننفعل به و نفعله هو الفن الذي يكون داخل إطار الإعتقاد بأن (لله الأمر من قبل و من بعد) ، أي ذلك الفن الذي يبقى دائماً ضمن رضا الله و حاكميته المطلقة ، و يكون متناسباً مع المعارف العقدية المتعلقة بالعدل و النبوة و المعاد.
و من خلال هذه الرؤية الكونية يمكننا أيضاً إدراك موقع الفن في حياة الإنسان بأنه طريق من الطرق الموصلة إلى الله ، فإن ابتعد بالإنسان عن الله فهو فن خارج المنظور الإسلامي.
و ندرك أيضاً أن الفن القيم هو ذلك الذي يتصف بالعدل و الكمال و الرضا الإلهي ، و أن كل فن لا يتوفر على هذه الصفات فهو فاقد للقيمة الحقيقية.
قبل كل شيء لابد من الوقوف على حقيقة الجمال و بيان هذا المفهوم الذي ربما يكون مفهوماً بديهياً بالنسبة لنا جميعاً لكن تحليله و شرحه مليء بالفوائد المعرفية.
و بشكل مختصر فإن المعنى العام للجمال ، و الذي يعترف الجميع بمطابقته لأذهانهم هو: "كيفية العشق لظاهرة تؤدي إلى إيجاد لذة روحية خاصة".
و يدعي البعض أن مفهوم الجمال يحتوي على أربعة موضوعات:
1- القيمة ، و هي المطلوبية المنتزعة من كون حقيقةٍ ما مفيدة.
2- اللذة ، و هي الارتياح الداخلي الذي يحصل للإنسان نتيجة الوصول إلى شيء من الكمال أو الخير.
3- الحيرة و التعجب ، و هي عبارة عن حالة ذهنية تنشأ من توقف ذهن الإنسان أمام موضوع أو حادثة خارجة عن دائرة القوانين المعروفة، وبشكل عام خارجة عن إطار المعلومات والعوامل الذهنية الثابتة في الذهن.
4- التعالي ، و هو عبارة عن امتلاك موضوع أو حادثة ما عناصر كمالية رفيعة.
لكن هذه الموضوعات لا يمكن أخذها كشيء أساسي في تعريف الجمال ، لأنها قد تلتقي مع الجمال و قد تفترق عنه ، و إن من أسباب ضياع هوية الجمال الحقيقي الذي يتناغم مع رؤيتنا الكونية الإلهية هو الخلط بين هذه الموضوعات الأربعة و الجمال.
و لنقف عند كل موضوع منها على حدة و نقارنه بالجمال:
فإن القيمة أعم من الجمال ، فقد يمتلك الشيء قيمة لكنه فاقد للجمال.
(اللذة بالمعنى المتقدم، يترافق ويتلازم دائماً مع الجمال. ويمكننا القول إن إدراك وتلقي الجمال يوجب دائماً الإحساس باللذة، ولكن ليس كل إحساس باللذة هو نتيجة لإدراك وتلقي الجمال ، لأن أسباب اللذة كثيرة ومتنوعة ، و يشكل إدراك وتلقي الجمال أحد هذه الأسباب. مثال ذلك: يحمل الانتصار على العدو لذة، ولكنه ليس من سنخ الجماليات ، و بناءً على ذلك ، فإن الظاهرة النفسية والعوامل العينية للذة أعم من الظاهرة النفسية والعوامل التي تساهم في تلقي الجمال. حتى أن بعض الناس قد يشعرون باللذة عند رؤيتهم منظراً قبيحاً لإيجاده نوعاً من العلاقة الخاصة مع داخلهم. مثال ذلك البيت القروي المهجور الذي يترك خواطر جميلة عن أيام الطفولة.)
أ- إن الحيرة و التعجب لا تحصلان أمام الجمال العادي كمشاهدة الزهور أو سماع موسيقى تقليدية ، بل يحصلان للجمال العالي الذي يتوقف أمام الذهن لشعوره بأن هذا الشيء فوق المنطق العادي فيحتار و يتعجب.
ب- إن الحيرة و التعجب لا تحصلان فقط أمام الجمال بل قد تحصلان أمام العظمة و الجلال ، كأن نشاهد بطلاً يقتل بطلاً آخر ، فالتعجب هنا أعم من اللذة و السعادة التي تلازم الجمال الروحي.
التعالي والجمال يمتلكان مادة اجتماع ومادتي افتراق عن بعضهما الآخر، (عموم و خصوص من وجه) ، فبعض الحقائق، وبالإضافة إلى أنها عالية فهي جميلة، و هنا يجتمع التعالي و الجمال ، و بعضها الآخر عالية لكنها ليست جميلة ، و هنا يفترق الجمال عن التعالي ، و بعض الحقائق جميلة لكنها ليست عالية ، و هنا يفترق التعالي عن الجمال.
و النتيجة أن الجمال شيء ليس مبنياً في أساسه و جوهره على هذه الموضوعات الأربعة ، و هذه نتيجة مهمة يترتب عليها الكثير من الآثار و الثمار فينبغي تأملها و دراستها بشكل أوسع.
بعد هذا التحليل فإنه لا يمكننا إلا أن نقول بأن الجمال في مفهومه أوسع بكثير من مجرد المشاهدة و الإستماع لشيء جميل و التأثر به و التفاعل معه ، كما أن مفهوم الجمال ليس حكراً على الأمور الخارجية التي نراها فتعكس فينا حالة انبهار ، بل إن مفهوم الجمال ذو قطبين قطب داخلي و قطب خارجي ، فالجمال الخارجي (المحسوس) حقيقة بذاتها و لا تعتمد على وجودنا فهي قائمة بذاتها ، كما أن هناك جمالاً داخلياً (معقولاً) قائماً بذاته و لا يعتمد في وجوده على وجود جمال خارجي.
و اعتماداً على كون الجمال حقيقة ذات قطبين خارجي و داخلي محسوس و معقول فإن كمال الحالة الجمالية في الشيء هو أن تتمتع بالقطبين معاً بحيث تمتلك الجمال المعقول و المحسوس معاً .. الداخلي الروحي (المضمون) و الخارجي المادي (الشكل).
نعود بعد هذا التحليل لمفهوم الجمال إلى فلسفة الجمال و الحكمة من وجوده:
و سنبدأ بيان فلسفة الجمال بهذا السؤال:
هل الجمال حقيقة ترشدنا إلى واقعية أخرى أكثر جمالاً و أصالة ؟ وبعبارة أخرى هل يمكننا التوقف عند الحقيقة الجميلة واعتبارها هدفاً نهائياً لا شيء ورائه؟ و بعبارة ثالثة هل الجمال العيني رمز وظل لجمال آخر وراءه، أم أنه لا وجود لواقعية أخرى وراء هذه الظواهر؟
أجاب إفلاطون على هذا السؤال بقوله: "إن روح الإنسان في عالم المجردات، وقبل دخولها عالم الدنيا شاهدت الحقيقة الجميلة والإحساس المطلق بالخير من دون حجاب. وبما أنها في عالم الدنيا تشاهد الإحساس الظاهري والمجازي، فقد اتسمت بألم فراق ذاك الجمال المطلق الذي كانت أو ما زالت تشاهده، لا بل تحمل عشقاً لذاك الجمال. فهي كالطير في القفص الذي يسعى ويرغب في الخروج والتحليق، والعواطف وعوالم المحبة التي تحملها النفس كلها في شوق دائم للقاء الحق. العشق المجازي إحساس صوري ومجازي بينما العشق الحقيقي هو الهدف الذي يخطر في ذهن الحكيم.وكما يؤدي العشق المجازي إلى خروج الجسم عن العقم ويساعده في بقاء النسل البشري، فالعشق الحقيقي أيضاً يؤدي إلى خروج الروح والعقل من العقم، ويساهم في الحصول على إدراك التراقي والوصول إلى الحياة الأبدية، أي الوصول إلى معرفة الجمال الحقيقي والخير المطلق والحياة الروحانية. ويصل الإنسان إلى كمال ذاته عندما يتصل بالحق ويشاهد جماله ويتحد عنده العالم والمعلوم والعاقل والمعقول".
و هذا القول يتناسب تماماً مع الرؤية الإسلامية حول الجمال ، و قد تبنى فلاسفة الإسلام هذا الرأي و بنوا عليه نظرياتهم و آرائهم حول الجمال و فلسفته ، حيث يعتبرون الموجودات الجميلة جلوات ومظاهر للجمال الإلهي المطلق، لا بل الجمال عندهم مثال للكمال المطلق الذي يجمع كافة الصفات الإلهية.
يقول العلامة الفيلسوف المرحوم الشيخ محمد تقي جعفري في مقام بينان فلسفة الجمال:
(لقد جعل الله الجمال في العالم العيني ليكون عامل اطمئنان وهدوء للروح الإنسانية، حيث تبدل المادة وعدم ملائمة القوانين لروح الإنسان مما يجعلها – بوجود الجمال- تتصف باللطافة والملائمة. لو لم يكن للجمال وجود في عالم الوجود لما أمكن للروح اللطيفة تحمل خشونة المادة والقوانين الحاكمة على الطبيعة وسيطرة الكميات والتجاذبات التي تمنع الروح من العبور والوصول. حتى لو نظرنا إلى الوضع الروحي والنفسي لأولئك الذين يشعرون بثقل الحياة في العالم الطبيعي، لوجدنا السبب إما لأنهم فقدوا الإحساس بالجمال والميل إلى الجمال، وذلك إما لسيطرة الشروط الجبرية للمحيط أو الشروط الإجتماعية فأدى بهم الأمر إلى فقدان الحس المذكور.)
فالحكمة من وجود الجمال إذن هي الحفاظ على لطافة و ملائمة الروح مع القوانين الكونية لكي لا يعيقها شيء من ذلك عن العبور و الوصول إلى الله جل و علا.
و كل ما ذكرناه في الجمال و فلسفته هو ما يقال في الفن و فلسفته تماماً.
قلنا خلال مبدأ الغائية يمكننا معرفة أن الفن هل هو للفن نفسه أم للأهداف النبيلة أم هو للإنسان و أنسه.
إن مفاد مبدأ الغائية هو أن الأفعال بلا غايات تكون ضرباً من العبث ، لكن الغايات ليست على حد سواء من حيث الكمال و النقص ، فهناك غايات كمال و غايات نقص ، و غايات الكمال هي تلك التي تسمو بالذات في طريق الصعود إلى الله سبحانه ، و غايات النقص هي تلك التي تتسافل بالذات فتصدها و تبعدها عن السمو في الطريق إلى الله.
و الفن كفعل من الأفعال إنما يكون عبثاً حينما يخلو من هذين الأمرين:
و غاية الفن من منظور إسلامي هي المساهمة عبر التأثير في تقويم علاقات الإنسان بأربعة أمور:
فللفن طاقة جبارة على التأثير الإيجابي و السلبي – حسب الغاية منه – في حياة الإنسان و توجيهها.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: ( الوسائل الفنية – و لا شك – أبلغ الوسائل التبليغية و أكثرها فاعلية).
و يقول أيضاً: ( الفن .. هو أبلغ و أدق و أكثر تاثيراً و بقاءاً من الأساليب التبليغية الأخرى ).
و قال أيضاً: ( لقد قلت مراراً أن لا حظ لأي رسالة و دعوة و ثورة و حضارة و ثقافة ، من التأثير و الإنتشار و البقاء إذا لم تُطرح في شكل فني ، و لا فرق في ذلك بين الدعوات المحقة و الباطلة ).
و بالرجوع إلى علاقات الإنسان الأربع تتبين لنا المساحة الواسعة التي يمكن أن يشتغل فيها الفن – من منظور إسلامي – من حيث الموضوعات و القضايا ، فللفن أن يتناول قضايا الإنسان مع ذاته ، و الإنسان مع ربه ، و الإنسان مع الوجود و الكون ، و الإنسان مع الإنسان ، فيؤثر عبر العاطفة و الجمال في روح الإنسان و عقله بما يتعلق بهذه العلاقات الأربع وفق رؤية الإسلام فيها و حولها ، لينظمها و يوجهها و يقودها إلى السمو و التكامل.
و من هنا يبدو واضحاً أن الفن لا يمكن أن يكون للفن نفسه ، فهي مقولة تعني أن يكون الفن حالة عبثية محضة ، و تفتح الباب على مصراعية لأنْ يعمل الإنسان ما يشاء باسم الفن ، لأنّ معنى كون الفن للفن هو حرية العمل الفني حرية مطلقة فالفن ليس لأحد حتى يعترض عليه أحد إنما هو للفن ذاتاً ، فيمكن للإنسان أن يجعل من الرقص فناً ، و من الأفلام الإباحية فناً ، و من التماثيل العارية فناً!!
لذلك قالوا أن الفن للإنسان ، أي في خدمة الإنسان ، فالفن يكون فناً قيماً عندما يقبل به الإنسان و يرتضيه و يقتنع به و يتذوقه.
إلا أن هذه النظرية لا تتمتع بالدقة الكافية ، فهل يمكن قبول أن يكون الفن للإنسان مع ما يسيطر على المجتمعات البشرية من إتجاه نحو المنافع والمصالح الفردية وسيطرة للأهواء والشهوات والجهل بالواقع ؟!
الصحيح أن الفن للإنسان في بناء عقله و روحه ، و هذا يعني أن الضوابط التي يجب أن تكحم الفن و تقيمه هي تلك التي تتناغم مع العقل الكامل و الروح الكاملة ، و النتجية أن الفن محكوم للدين.
و من هنا جاء مفهوم الفن الملتزم ، "فالفن الملتزم" يعني : (الفن الذي يوافق عليه الإسلام، ويؤديه الملتزمون بمنهج الإسلام أثناء العمل وبعده).
بملاحظة ما تقدم من البحث في الرؤية الكونية ، و فلسفة الجمال ، و مبدأ الغائية ، يمكننا التوصل إلى معنى شامل لمفهوم الفن الإسلامي ، فالفن الإسلامي بناء على ما تقدم هو:
( التركيب و التأليف المتعالي بين الجماليات السامية من أجل رقي الإنسان عقلاً و روحاً بالشكل الذي يضطر الذهن للوقوف عنده و التأمل فيه لتتأثر به النفس البشرية تأثراً إيجابياً)
و نلاحظ في هذا التعريف وجود قيود احترازية ينبغي الإلتفات لها:
إحترازاً من التركيب و التأليف الفاقد للكمالات العالية و التي تشمل المضمون القيمي في الفن.
إحترازاً من الجمال الهابط ذوقاً و رؤية.
3- من أجل رقي الإنسان العقلي و الروحي.
إحترازاً من الفن العبثي الفاقد للأهداف المساهمة في بناء الإنسان.
4- بالشكل الملفت للعقل و المؤثر في النفس.
إحترازاً من الفن الفاقد لقدرة التأثير لفقدانه لفت الإنتباه و إثارة الإعجاب.
بهذه القيود يكون الفن إسلامياً متكاملاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمصادر البحث:
1- فلسفة الفن و الجمال / محمد تقي جعفري / ترجمة عن نسخة فارسية / الجمعية اللبنانية للفنون (رسالات) / غير مطبوع.
2- الفن الإسلامي عند الإمام القائد / محمد سالار / دار المحجة / 2009م
3- مقال فلسفة الإلتزام في الفن الإسلامي / نجيب بن خيرة / ملتقى ابن خلدون للعلوم و الفلسفة و الأدب.
4- اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية / السيوري الحلي / مؤسسة بوستان كتاب قم / 1429هـ
5- منتهى المدارك / سعيد الدين الفرغاني / مطبعة طه قم /