د. الشيخ عصري الباني([1])
تمهيدٌ
وردت إليّ مجموعة من الشبهات حول الإسلام بشكل عام والنبيّ والأئمة(عم) بشكلٍ خاصّ على مواقع التواصل الاجتماعي وقد تكرر طرحها، وهذا الامر ليس بالشيء الجديد فمنذ البعثة والى اليوم هذه الاشكالات والتساؤلات تطرح، ومن حقّ الناس أن تسال وتستفسر ـ إذا كانت طالبة للحق والحقيقة ـ وأما إذا كانت معاندة ولديها قناعات مسبقة فينطبق عليهم قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)([2]). وهؤلاء لا كلام لنا معهم.
وقبل البدء بالإجابة على ما طرح من إشكالات وشبهات ـ حول الإسلام والرسول والأئمة ـ أرغب في تبيين مسألة مهمة نواجهها دائماً في هذا الموضوع وأبيِّنه من خلال قصة حدثت معي وما زالت تواجهني في هكذا مواقف.
جاءني اتصال من أحد الاصدقاء يقول: إن صديقي لديه رغبة في الحديث معك حول موضوع مهم وحساس ـ خصوصاً عندما علم بأنك أستاذ في الجامعة خارج العراق ـ رحبت كعادتي في مثل هذه المواقف فديننا يحضّ على نصرة المظلوم ومساعدة المحتاج مادياً أو معنوياً وفعلاً أرسل إليّ طلب صداقة وقبلتها وسألته ـ بعد أن عرفني بنفسه ـ عن الأمر المهم والحساس الذي يريد أن يحدثني فيه فكان أن لديه إشكالات على الإسلام يريد أن يتباحث فيها معي وأنه تباحث مع مجموعة من المشايخ ولكنه لم يجد الجواب الشافي لإشكالاته واستفساراته.
قلت له: إن هذا الأمر من حقك بل واجب عليك فديننا يحرم اتباع الدين على أساس التقليد فلا تقليد في الأصول بل لا بدّ أن تبحث وتدقق فإن اقتنعت فعند ذلك تتبع تلك العقيدة وذلك المذهب. ولكن اخبرني أولاً قبل أن نبدأ بالحوار عن بعض المعلومات عنك. قال: تفضل، قلت: هل قرأت القرآن من أوله إلى آخره واستوعبت معانيه ومفاهيمه؟ أجاب: لا. قلت هل قرأت تفاسير القرآن أو أحدها بشكل كامل عند السنة اوعند الشيعة؟. قال: لا. قلت: هل قرأت كتب الحديث أو أحدها بشكل كامل عند السنة اوعند الشيعة مع شرحه كاملا؟. قال: لا. قلت: هل قرأت كتب العقائد أو احد كتب العقائد بشكل كامل واستوعبته عند الفريقين؟. قال: لا. قلت: هل قرأت كتب العرفان الإسلامي أو أحدها بشكل كامل واستوعبت ما فيه؟. قال: لا. قلت: هل قرأت كتب التاريخ التي كتبها المسلمون أو أحدها بشكل كامل واستوعبت ما فيه؟. قال: لا. قلت هل قرأت سيرة النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) كاملة أو أحدها بشكل كامل واستوعبت ما فيه؟. قال: لا… الى غيرها من العلوم الإسلامية وما يتعلق بها وفي جميعها يجيب ب: لا. فقلت: عزيزي اذهب واقرا هذه كلها ثم تعال لتشكل على الإسلام.
نعم أعزائي هذه هي مشكلتنا مع هذا الاخ العزيز وأمثاله فهم كما قال أبو نؤاس:
فقلْ لمن يدعي في العلم فلسفةً*حفظت شيئـاً وغابت عنك أشياءُ
فهؤلاء لم يحفظوا شيئا أصلاً ثم يدعون في العلم فلسفة وهو ما يعرف في علم المنطق بالجهل المركب اي انه جاهل ويجهل بانه جاهل.
دين الإسلام الدين الخاتم وكتابه العظيم ونبيه الكريم الذي اخرج الجزيرة العربية التي كانت في ادنى المستويات من التخلف والفقر والجهل وعدم الامن بما لم تشهد له الإنسانية في تاريخها مثيلاً فغيرها في 23 سنة وأسقطت الامبراطوريتين العظيمتين الظالمتين في ذلك الزمان ـ الفارسية والرومية ـ لا يناقشه مثقف مجموع ما قراه في حياته لا يتعدى اصابع اليد من المجلدات هنا سيصبح الامر مهزلة.
لسنا ضد النقاش والاشكال ـ مع من يريد الحقيقة ـ لكن اذا كان من شخص يريد ان يتبنى هذا المشروع فعليه قراءة واستيعاب ما تقدم ذكره من علوم الإسلام وفنونه عند ذلك يمكن ان نناقشه. واما انصاف وارباع المتعلمين والمثقفين فمجرد الدخول معهم في نقاش هو جريمة يحاسب عليها من يقوم بها من العلماء لان في ذلك حط من شان ديننا ونبينا وقراننا ومبادئنا السامية التي لا يدانيها أكثر النظم الوضعية رقيا وتقدما. وقد تحداهم في زمانه وهو اليوم يتحداهم والى ان يرث الله الارض ومن عليها قال تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (البقرة: 23 ـ 24) وتحداهم ثانية قائلاً: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القرآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أكثر النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا (الاسراء: 88 ـ 89).
واخترت الردّ من خلال المقالات لتعم الفائدة فبدلاً من أن تكون المحاورة بين شخصين يشترك أكبر عدد ممكن من الاصدقاء والمتابعين للاستفادة من هذا البحث.
1ـ شبهة الهدف من اتّباع العبيد للنبيّ(ص)
قالوا: إن النبي انما اتبعه العبيد لأجل أن يتحرروا من أسيادهم فهو إيمان مصلحي وليس إيمان حقيقي قائم على اساس القناعة!
الجواب: هذه معلومة خاطئة فليس هناك قانون في الإسلام ينص على ان العبد اذا اسلم يصبح حرا بمجرد إسلامه بل يبقى عبداً مسلماً قال ابن عبد البرّ: “بلال بن رباح المؤذن… وهو مولى أبى بكر الصديق رضي الله عنه، اشتراه بخمس أواق، وقيل بسبع أواق، وقيل بتسع أواق ثم أعتقه…”([3]). فبلال حتى بعد ان اسلم بقي عبدا فاين المصلحة؟!
2ـ شبهة عدم العمل والاكتساب
قالوا: ان النبي كان لا يعمل وانه كان يعيش عالة على غيره وعلى اموال خديجة وانه تزوجها ليستغل اموالها؟.
والجواب من خلال أمور:
أـ ان النبي كان يعمل وكان له شركاء قال الصنعاني: “السائب بن يزيد المخزومي رضي الله عنه أنه كان شريك النبي(ص) قبل البعثة فجاء يوم الفتح فقال: مرحبا بأخي وشريكي (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة) وصححه الحاكم. ولابن ماجة: كنت شريكي في الجاهلية. والحديث دليل على أن الشركة كانت ثابتة قبل الإسلام ثم قررها الشارع على ما كانت”([4]).
ب ـ “خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد إلى الشام مع غلامها مَيْسَرَة وهو ابن خمس وعشرين سنة”([5]). فكيف كان عالة على غيره أو على خديجة؟!
ج ـ ان النبي لم يخطب خديجة ـ حتى نقول بانه اراد استغلال اموالها ـ بل هي خطبته: ” وكان الذي سفر بينهما نفيسة بنت منية أخت يعلي بن منية… وكان الذي زوج خديجة من رسول الله(ص)عمها عمرو بن أسد بن عبد العزى وقال: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يخطب خديجة ابنة خويلد! هذا الفحل لا يقدح أنفه”([6]). وهذا المثل يضرب للشريف لا يرد عن مصاهرة ومواصلة. والقدح: الكف([7]).
وقيل: انه حين أتى بصرى فرآه نسطور الراهب وبشر بنبوته ميسرة. ورأى ميسرة من شأنه(ص)ما بهره فأخبر سيدته خديجة بما شاهد وبكلام الراهب، فرغبت خديجة رضي الله عنها إليه أن يتزوجها لما رجت في ذلك من الخير… الخبر([8]).
هنا أوجد بنوا امية وأعداء الإسلام رواية نقلها أحد اصحاب الشبهات وهي: “أن رسول الله(ص) ذكر خديجة وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه، فصنعت طعاما وشرابا ودعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا، فقالت خديجة: إن محمد بن عبد الله يخطبني فزوجني إياه، فزوجها، فخلقته وألبسته، وكذلك كانوا يفعلون بالآباء، فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة فقال: ما شأني؟ ما هذا؟! قالت: زوجتني محمد بن عبد الله، فقال: أنا أزوج يتيم أبي طالب! لا لعمري، فقالت خديجة: ألا تستحي! تريد أن تسفه نفسك عند قريش، تخبر الناس أنك كنت سكران. فلم تزل به حتى رضي”.
والرد على هذا القول: أن أباها توفي قبل حرب الفجار وقد هاجت الفجار ورسول الله عليه الصلوات والسلم ابن أربع عشر([9]).
3ـ شبهة قطع الطريق وسرقة القوافل
قالوا: ان محمد(ص) واصحابه قطاع طريق هاجموا قافلة قريش فحدثت غزوة بدر؟.
والجواب من خلال أمرين:
أولاً: إن السبب الرئيسي لوقوع غزوة بدر، هو سماع النبي ـ ص ـ، بقدوم قافلة لكفار قريش من الشام يقودها أبو سفيان، ومحملة بالبضائع، والنقود، فطلب رسول الله ـ ص ـ، من مجموعة من المسلمين أن يذهبوا لأخذ هذه القافلة لعدة أسباب:
1ـ بدلاً من القافلة التي استولى عليها كفار قريش من المسلمين عندما هاجروا من مكة المكرمة، إلى المدينة المنورة.
2ـ ما ارتكبه المشركون من الصد عن سبيل الله.
3ـ الصد عن المسجد الحرام.
4ـ إخراج أهله منه وسلب اموالهم وممتلكاتهم.
5ـ تعذيبهم لترك دينهم والفتنة عن الدين أكبر من القتل.
فكانت بينهم حالة حرب ومن حقهم الاستيلاء على هذه القافلة وهو ما اشار اليه قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)([10]). كل واحد من هذه المبررات كان يبيح للمسلمين مهاجمة القافلة واخذ ما فيها لا انهم كانوا قطاع طرق.
ثانياً: اذا كان النبي واصحابه قطاع طرق فلماذا لم يهاجموا قوافل القبائل والمدن الاخرى؟! لان السبب الحقيقي للهجوم على القافلة كان للسبب المتقدم لا غير.
4ـ شبهة عدم عمل النبيّ والأئمة(عم)
قالوا: ان النبي والأئمة(عم) كانوا عطالين بطالين وان الامام علي(ع) كان من أكثر المستفيدين من حكومة السقيفة ماليا.
وفي معرض الجواب عن هذه الشبهة اذكر باباً ذكره الشيخ الكليني (رح) المتوفي 329هـ في كتابه الكافي يذكر فيه الاعمال التي كان يقوم بها الأئمة(عم) بشكل عام والامام علي(ع) بشكل خاص والتي من خلالها كانوا يتصدقون ويطلقون العبيد ويصلحون بين الناس وغيرها من الأمور.
قال الشيخ الكليني: “(باب) ما يجب من الاقتداء بالأئمة(عم) في التعرض للرزق
أـ عمل رسول الله(ص)
1ـ صحيحة محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أسباط بن سالم قال: دخلت على أبي عبد الله(ع) فسألنا عن عمر بن مسلم ما فعل؟ فقلت: صالح ولكنه قد ترك التجارة فقال أبو عبد الله(ع): عمل الشيطان ـ ثلاثا ـ أما علم أن رسول الله ((ص)) اشترى عيرا أتت من الشام فاستفضل فيها ما قضى دينه وقسم في قرابته، يقول الله عز وجل: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ـ إلى آخر الآية ـ) يقول القصاص: إن القوم لم يكونوا يتجرون. كذبوا ولكنهم لم يكونوا يدعون الصلاة في ميقاتها وهو أفضل ممن حضر الصلاة ولم يتجر.
2ـ صحيحة قال: إن رجلا أتى أبا عبد الله(ع) فقال: (إني لا أحسن أن أعمل عملا بيدي ولا أحسن أن أتجر وأنا محارف محتاج، فقال: (إعمل فاحمل على رأسك واستغن عن الناس، فإن رسول الله ((ص)) قد حمل حجرا على عاتقه فوضعه في حائط له من حيطانه وإن الحجر لفي مكانه ولا يدرى كم عمقه إلا أنه ثم بمعجزته).
3ـ عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله(ع) قال: (كان رسول الله ((ص)) يمص النوى بفيه ويغرسه فيطلع من ساعته).
4ـ عن عمار السجستاني عن أبي عبد الله، عن أبيه(عما): (أن رسول الله ((ص)) وضع حجراً على الطريق يرد الماء عن أرضه فوالله ما نكب بعيراً ولا إنساناً حتى الساعة).
اذن كان يعمل بالتجارة والزراعة.
ب ـ عمل امير المؤمنين(ع)
1ـ صحيحة زيد الشحام، عن أبي عبد الله(ع) أن أمير المؤمنين(ع): (أعتق ألف مملوك من كد يده).
2ـ موثقة محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر(ع) قال: لقى رجل أمير المؤمنين(ع) وتحته وسق من نوى فقال له: ما هذا يا أبا الحسن تحتك؟ فقال: مائة ألف عذق إن شاء الله، قال: فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة.
3ـ عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله(ع) قال: (كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يضرب بالمر و يستخرج الأرضين وإنه أعتق ألف مملوك من ماله وكد يده).
4ـ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(ع) قال: (إن أمير المؤمنين(ع) كان يخرج ومعه أحمال النوى، فيقال له: يا أبا الحسن ما هذا معك؟ فيقول: نخل إن شاء الله، فيغرسه فلم يغادر منه واحدة).
ج ـ عمل الامام الباقر(ع)
1ـ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله(ع) قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أن علي بن الحسين(عم) يدع خلفا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي(عما) فأردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه: بأي شئ وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفر محمد بن علي وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أما لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي السلام بنهر وهو يتصاب عرقا فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟ فقال: (لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة الله (عز وجل)، أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس وإنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله)، فقلت: صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني.
د ـ عمل الامام الصادق(ع)
1ـ عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: استقبلت أبا عبد الله(ع) في بعض طرق المدينة في يوم صايف شديد الحر فقلت: جعلت فداك حالك عند الله (عز وجل) وقرابتك من رسول الله ((ص)) و أنت تجهد لنفسك في مثل هذا اليوم؟ فقال: (يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك).
2ـ سهل بن زياد، عن الجاموراني، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه قال:رأيت أبا الحسن(ع) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك أين الرجال؟ فقال: يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي، فقلت له: ومن هو؟ فقال: رسول الله(ص) وأمير المؤمنين وآبائي(عم) كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين.
3ـ إسماعيل بن جابر قال: أتيت أبا عبد الله(ع) وإذا هو في حائط له بيده مسحاة وهو يفتح بها الماء وعليه قميص شبه الكرابيس كأنه مخيط عليه من ضيقه.
4|ـ محمد بن عذافر عن أبيه قال: أعطى أبو عبد الله(ع) أبي ألفا وسبعمائة دينار فقال له: أتجر بها ثم قال: أما إنه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوبا فيه ولكني أحببت أن يراني الله عز وجل متعرضا لفوائده. قال: فربحت له فيها مائة دينار ثم لقيته فقلت له: قد ربحت لك فيها مائة دينار. قال: ففرح أبو عبد الله(ع) بذلك فرحا شديدا فقال: لي أثبتها في رأس مالي قال: فمات أبي والمال عنده فأرسل إلي أبو عبد الله(ع) فكتب عافانا الله وإياك إن لي عند أبي محمد ألفا وثمانمائة دينار أعطيته يتجر بها فادفعها إلى عمر بن يزيد، قال: فنظرت في كتاب أبي فإذا فيه لأبي موسى عندي ألف وسبعمائة دينار وأتجر له فيها مائة دينار، عبد الله بن سنان وعمر بن يزيد يعرفانه.
5ـ أبي عمرو الشيباني قال: رأيت أبا عبد الله(ع) وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له والعرق يتصاب عن ظهره فقلت: جعلت فداك أعطني أكفك، فقال لي: إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة.
6ـ أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إني لأعمل في بعض ضياعي حتى أعرق وإن لي من يكفيني ليعلم الله عز وجل إني أطلب الرزق الحلال.
7ـ محمد بن عذافر عن أبيه قال: دفع إلي أبو عبد الله(ع) سبعمائة دينار وقال: يا عذافر اصرفها في شئ أما على ذاك ما بي شره ولكن أحببت أن يراني الله عز وجل متعرضا لفوائده، قال عذافر فربحت فيها مائة دينار فقلت له في الطواف: جعلت فداك قد رزق الله عز وجل فيها مائة دينار، فقال: أثبتها في رأس مالي([11]).
5ـ شبهة سرقة أموال اليهود
قالوا: ان النبي الاعظم(ص) سراق سرقوا اموال اليهود واخرجوهم من ديارهم باعذار واهية وقتلوا بنو قريظة ظلما وعدوانا وغزو خيبر وهي عبارة عن حجارة نصبها اليهود المساكين وعليه فما قام به علي(ع) ليس انجازا فهو قاطع طريق سطى على اناس مسالمين فقتلهم وسبى نسائهم واستولى على اموالهم.
الجواب: ان النبي الاكرم(ص) عندما جاء منتخبا من قبل اغلب اهل يثرب جمع الطوائف الاساسية التي كانت تسكن المدينة وهم (المسلمون. اليهود. المشركين) وعقد معهم اتفاقية سميت بـ (وثيقة المدينة)([12]) هو أول دستور مدني في تاريخ البشرية. وقد أطنب فيها المؤرخون و المستشرقون على مدار التاريخ الإسلامي في شرحها، واعتبرها أغلبهم مفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية، ومَعلَمًا من معالم مجدها السياسي والإنساني. ويهدف دستور المدينة إلى تنظيم العلاقات بين مختلف الطوائف والجماعات في المدينة، وعلى رأسها المهاجرين و الأنصار والفصائل اليهودية وغيرهم، حتى يتمكن بمقتضاه المسلمون و اليهود وجميع الفصائل من التصدي لأي عدوان خارجي على المدينة. وبإبرام هذا الدستور –وإقرار جميع الفصائل بما فيه ـ صارت المدينة المنورة دولة وفاقية رئيسها الرسول(صَ)، وصارت جميع الحقوق الإنسانية مكفولة، كحق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر، والمساواة والعدل.
يقول المستشرق الروماني جيورجيو: ” حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بندا، كلها من رأي رسول الله. خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان. وقد دُون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء. وضع هذا الدستور في السنة الأولى للهجرة، أي عام 623م. ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده”.
و قال علي بن إبراهيم بن هاشم: ” جاءته اليهود قريظة والنضير والقينقاع فقالوا: يا محمد إلى مَ تدعو؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وإني الذي تجدوني مكتوباً في التوراة، والذي أخبركم به علماؤكم أن مخرجي بمكة ومهاجري في هذه الحرة وأخبركم عالم منكم جاءكم من الشام. فقال: تركت الخمر والخمير وجئت إلى البؤس والتمور، لنبي يبعث في هذه الحرة، مخرجه بمكة ومهاجره ها هنا، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، يركب الحمار، ويلبس الشملة، ويجتزئ بالكسرة، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، ويضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى، وهو الضحوك القتال، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر. فقالوا له: قد سمعنا ما تقول، وقد جئناك لنطلب منك الهدنة، على أن لا نكون لك ولا عليك ولا نعين عليك أحداً، ولا نتعرض لأحد من أصحابك، ولا تتعرض لنا ولا لأحد من أصحابنا، حتى ننظر إلى ما يصير أمرك وأمر قومك! فأجابهم رسول الله «(ص)» إلى ذلك وكتب بينهم كتاباً: أن لا يعينوا على رسول الله ولا على أحد من أصحابه بلسان ولا يد ولا بسلاح ولا بكراع في السر والعلانية، لا بليل ولا بنهار، والله بذلك عليهم شهيد. فإن فعلوا فرسول الله «(ص)» في حل من سفك دمائهم، وسبي ذراريهم ونسائهم، وأخذ أموالهم! وكتب لكل قبيلة منهم كتاباً على حدة، وكان الذي تولى أمر بني النضير حيّ بن أخطب، فلما رجع إلى منزله قال له أخواه جدي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب: ما عندك؟ قال: هو الذي نجده في التوراة، والذي بشرنا به علماؤنا، ولا أزال له عدواً! لأن النبوة خرجت من ولد إسحاق وصارت في ولد إسماعيل، ولا نكون تبعاً لولد إسماعيل أبداً! وكان الذي ولي أمر قريظة كعب بن أسد، والذي تولى أمر بني قينقاع مخيريق وكان أكثرهم مالاً وحدائق، فقال لقومه: تعلمون أنه النبي المبعوث فهلمَّ نؤمن به ونكون قد أدركنا الكتابين! فلم تجبه قينقاع إلى ذلك»([13]).
فقد عرف اليهود إذن أن صفات النبي الموعود هي صفات محمد(ص) ومع ذلك لم يؤمنوا به، ثم سارعوا إلى نقض عهدهم معه وتحالفوا مع قريش ضده قال الشافعي: «ولم تخرج (اليهود) إلى شئ من عداوته(ص) بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعة بدر، فكلم بعضها بعضاً بعداوته والتحريض عليه»([14]).
وبذلك اصبحوا خطرا على امن الدولة فكان لابد من التعامل معهم ومحاسبتهم من خلال وثيقة المدينة (الدستور) والاتفاقية الخاصة التي ذكرها علي بن ابراهيم. فقد عقد معهم اتفاقيتان الاولى عامة (وثيقة المدينة) وخاصة معهم وقد عقدوا هذه المعاهدات لانهم كانوا يتصورون ان هذه التجربة ستنتهي قريبا وتفشل ولكن بعد الانتصار في بدر تبدل الحال.
وقبل ان ابدا باستعراض اعمالهم التخريبية اذكر للمستشكل بان يهود المدينة كانوا منقسمين الى قسمين فبني قريظة والنضير كانوا حلفاء الأوس، وبني قينقاع حلفاء الخزرج، وكان بين الأوس والخزرج حرب، فكانت كل فئة من اليهود تحارب مع حلفائها فتقاتل إخوانها وتقتل منهم! فوبخهم الله تعالى وقال لهم: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالآثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمُ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)([15])، فكان قدوم النبي(ص) بركة لهم اذ حقن دمائهم. نذكر بعض اعمالهم والتي ذكرها القرآن الكريم والسنة وكتب التاريخ.
غزوة النبيّ(ص) ليهود بني قينقاع
كان بنو قينقاع صاغة يعملون بالذهب، وليس عندهم بساتين ولهم سوق الذهب المعروف قرب المدينة. وكان رئيس بني قينقاع الشهيد الحاخام مخيريق (رض) الذي استشهد في احد، ولعلهم رأسوه عليهم لأنه من بني النضير وبنو النضير وقريظة من ذرية هارون(ع)، لكنهم لم يطيعوه عندما دعاهم إلى الإيمان بالنبي(ص)، ولا عندما نصحهم بعدم نقض عهد التعايش معه.
وكان بنو قينقاع حلفاء الخزرج وطرف تحالفهم عبادة بن الصامت، وكان من النقباء وخيار الصحابة، وعبد الله بن سلول، وكان رأس المنافقين من أهل المدينة ومن الذين في قلوبهم مرض، أي الطبقة السياسية في المنافقين.
موقفهم قبل بدر
وكانت قريش تراسل ابن سلول وبني قينقاع قبل بدر، تحثهم على حرب النبي(ص)، ومما كتبته إليهم: ” إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم”. فلما بلغ ذلك النبي(ص) لقيهم فقال: (لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟!)، فلما سمعوا ذلك من النبي(ص) تفرقوا. فبلغ ذلك كفار قريش فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا([16]).
موقفهم بعد بدر
بعد ان فرق الله (عز وجل) ببدر بين الكفر والإيمان وأذل رقاب المشركين والمنافقين واليهود، ولم يبق بالمدينة يهودي ولا منافق إلا خضعت عنقه! وقال قوم من المنافقين ليتنا خرجنا معه حتى نصيب غنيمة! وقالت يهود فيما بينها: هو الذي نجد نعته في كتبنا والله لا ترفع له راية بعد اليوم إلا ظهرت! وقال كعب بن الأشرف ـ وهو من بني قينقاع ـ: بطن الأرض اليوم خير من ظهرها! هؤلاء أشراف الناس وساداتهم وملوك العرب وأهل الحرم والأمن قد أصيبوا! وخرج إلى مكة فنزل على أبي وداعة بن ضبيرة، وجعل يرسل هجاء المسلمين، ورثى قتل بدر من المشركين فقال:
طحنت رحى بدر لمهلك أهله * ولمثل بدر يستهل ويدمع
قتلت سراة الناس حول حياضهم * لا تبعدوا، إن الملوك تُصرَّع
نبئت أن الحارث بن هشامهم * في الناس يبني الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما * يسعى على الحسب القديم الأروع
…فلما أرسل كعب هذه الأبيات أخذها الناس بمكة عنه وأظهروا المراثي، وقد كانوا حرَّموها كيلا يشمت المسلمون بهم! وجعل الصبيان والجواري ينشدونها بمكة، فناحت بها قريش على قتلاها شهراً، ولم تبق دار بمكة إلا فيها النوح، وجَزَّ النساء شعورهن، وكان يؤتى براحلة الرجل منهم أو بفرسه فتوقف بين أظهرهم فينوحون حولها! وخرجن إلى السكك وضربن الستور في الأزقة، فخرجن إليها ينحن”([17]).
ولم يكتف بذلك بل انطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم وقالوا: لتكونن كلمتنا واحدة، ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله فيهم هذه الآية: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)([18])“([19]). كما سارع بنو قينقاع إلى إعلان نقض عهدهم مع النبي(ص) وأخذوا يستعدون لحربه([20]).
فلما رجع رسول الله(ص) من بدر أتى بني قينقاع وهو يناديهم، وكان بها سوق يسمى سوق النبط، فأتاهم رسول الله فقال: يا معشر اليهود قد علمتم ما نزل بقريش، وهم أكثر عدداً وسلاحاً وكراعاً منكم، فأدخلوا في الإسلام فقالوا: يا محمد أئنك تحسب حربنا مثل حرب قومك؟! والله لو لقيتنا للقيت رجالاً! فنزل عليه جبرئيل فقال: يا محمد: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ. قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ)([21])([22]).
و كانت غزوة بني قينقاع يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من الهجرة. فحاصرهم رسول الله(ص) ستة أيام حتى نزلوا على حكمه… فكانت غزوتهم بعد بضعة وعشرين يوماً من رجوع النبي «(ص)» من معركة بدر([23]).
مع ان صاحب الشبهة قال في حواره معي قال: “انه لم تكن لهم حصون” فاذا لم تكن حصون بمذا تحصنوا في الايام الستة؟!!! فانظر الجهل ماذا يفعل بصاحبه؟!
فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال: يا محمد أحسن في مواليَّ، وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عنه رسول الله(ص) فقال: يا محمد أحسن، فأعرض عنه رسول الله، فأدخل يده في جيب درع رسول الله(ص) قال فقال له رسول الله وغضب رسول الله ثم قال: (ويحك أرسلني)، فقال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليَّ، أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع، منعوني من الأحمر والأسود وتحصدهم في غداة واحدة! إني والله امرؤ أخشى الدوائر! فقال رسول الله(ص): (هم لك!)([24]).
انظر الى الحاكم المنتصر في حربين في اقل من شهر كيف يغض الطرف عن اعتداء ابن سلول المنافق فاين تجد هكذا قائد في طول التاريخ وعرضه؟. وانظر الى رحمته فلم يقم بقتل الخونة الغادرين كما حكموا هم على انفسهم ان غدروا في المعاهدتين التي عقدوها مع رسول الله(ص)، والتي ذكرناها انفا.
اذكر رقما للمقارنة عندما اخرج الالمان من فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية قتلت فرنسا راعية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان 10500 متعاون، بعضهم بعد محاكمات والبعض الآخر خارج نطاق المحاكمات. وكان الكثير منهن من بنات الهوى اللاتي كن يعاشرن الالمان ليعشن وليس خيانة للوطن([25]). فقايس واعتبر.
ثم قال النبي(ص): (خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم)، فأرسلوهم ثم أمر بإجلائهم وغَنَّمَ الله (عز وجل) رسوله والمسلمين ما كان لهم من مال، ولم تكن لهم أرضون إنما كانوا صاغة فأخذ رسول الله(ص) لهم سلاحاً كثيراً وآلة صياغتهم، وكان الذي ولي إخراجهم من المدينة بذراريهم عبادة بن الصامت فمضى بهم حتى بلغ بهم ذباب وهو يقول: الأقصى فالأقصى([26]).
رئيس بني قينقاع خير بني يهود
كان الحاخام مخيريق (رض) أغنى اليهود حبراً عالماً، وقد وفقه الله للإسلام فقصد النبي(ص) عند وصوله إلى قباء وأسلم على يده، ودعا قومه إلى الإسلام فأبوا، فتركهم وانحاز إلى النبي(ص)، فلما خرج النبي(ص) إلى أحُد قال لليهود: ألا تنصرون محمداً؟ والله إنكم لتعلمون أن نصرته حق عليكم! فقالوا: اليوم يوم السبت! فقال: لا سبت! وأخذ سيفه ومضى إلى النبي(ص) فقاتل حتى أثبتته الجراحة واستشهد (رض)، فلما حضره الموت قال: أموالي إلى محمد يضعها حيث شاء. وكانت بساتين كبيرة في بني النضير وهي سبع حوائط وهي: المينب، والصايفة، والحسنى، ويرقد، والعواف، والكلاء، ومشربة أم إبراهيم. فقال رسول الله(ص): مخيريق سابق يهود، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة([27]).
ومع كل هذه الاموال التي تركها له مخيريق كان يشد حجر المجاعة على بطنه كأي مسلم من المسلمين وما شبع الى ان مات عَنْ عَائِشَةَ: ” تُوُفِّيَ النبيُّ(ص) حِينَ شَبِعْنَا مِنْ الأسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالمَاءِ “. معناه: ما شبعنا قبل زمان وفاته([28]).
ـ يتبع ـ
([1]) أستاذ التاريخ في مجمع الإمام الخميني للدراسات العليا في قم المقدّسة.
([3]) الاستيعاب 1: 178. الطبقات الكبرى 3: 232.
([5]) مروج الذهب ومعادن الجوهر 2: 275.
([7]) مجمع الأمثال للميداني 2: 395، المثل رقم 4552.
([9]) الطبقات الكبرى 1: 133، البداية والنهاية 2: 361، الروض الأنف 1: 213، تاريخ الطبري 2: 282. البدء والتاريخ، ج4: 135.
([12]) السيرة النبوية، ابن هشام الحميري 2: 351، البداية والنهاية 3: 276، السيرة النبوية (عيون الأثر)، ابن سيد الناس 1: 262.
([13]) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 157.
([17]) سيرة ابن هشام 2: 564، إمتاع الاسماع 12: 179، شرح نهج البلاغة 14: 196.
([22]) تفسير القمي 1: 97، ونحوه سيرة ابن إسحاق 3: 294.
([25]) Jackson، Julian (2003)، France: The Dark Years، 1940–1944، Oxford: Oxford University Press، p. 577