أ. شروق فقيه(*)
خلاصةٌ
تعتبر القاعدة عند الإماميّة من القواعد الفرعية للقاعدة الكلِّية المعروفة بـ (قاعدة الاشتراك) العامّة؛ حيث يوجد في الفقه الإمامي قاعدةٌ كلّية حملَتْ عنوان قاعدة الاشتراك، وقد تفرَّع عنها عدّة قواعد، منها: قاعدة اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل؛ ومنها: قاعدة اشتراك الأحكام بين المسلم والكافر؛ ومنها ـ والتي هي محلّ بحثنا ـ: قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجل والمرأة في التكليف.
وأمّا سائر المذاهب فقد عُنونت هذه القاعدة عندهم بعناوين متعدِّدة، من قبيل: (النساء شقائق الرجال).
وهذا العنوان، أي النساء شقائق الرجال، الذي يعتبر أصل قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء، وموضوع المادّة العلمية لها عندهم، هو نصُّ حديثٍ نبويّ شريف، رَوَتْه جوامع الأحاديث، ثمّ جرى مجرى القاعدة عند الفقهاء.
ومعنى شقائق الرجال نظائرهم وأمثالُهم في الخَلْق والطِّباع، فكأنهُنَّ شققْنَ من الرجال. وفيه من الفقه إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير، وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنساء، إلاّ في مواضع الخصوص التي قامَتْ أدلّةُ التخصيص فيها.
لذلك، فإنّ هذه المقالة تُعْنَى ببيان موقف الفقه الإسلاميّ بمذاهبه من قاعدة اشتراك الأحكام الشرعيّة بين الرجال والنساء.
مقدّمةٌ
تُعَدّ القواعد الفقهية من جملة البحوث التي يُعْنى بها علم الفقه، أو علم الفروع والأحكام الفقهية. كما أنها تشكِّل عنصراً أساسياً لا يستغني عنه الفقيه في عملية الاجتهاد الفقهي، واستخراج الأحكام الشرعية. وهذا أمرٌ لا يخفى على كلّ مَنْ مارس عملية الاستنباط للأحكام الشرعيّة، وخاض في غمرات النصوص والأدلة والقواعد التي تحتاجها تلك العملية الشاقّة. ومن بين تلك القواعد: (قاعدة اشتراك الأحكام الشرعيّة بين النساء والرجال)، التي تُعَدّ من القواعد المفصليّة في تعميم الأحكام الشرعيّة التي لم يثبت بالدليل اختصاصها بالرجال أو النساء. ومن هنا عُدَّتْ أصلاً يرجع إليه في كلّ حكمٍ شُكَّ في اختصاصه بالرجال أو النساء. ومن هنا تعرَّض لها الفقهاء من مختلف المذاهب، وبيَّنوا موارد الحاجة إليها.
وفي هذه المقالة سوف نتعرَّض إلى مبحثٍ مهمٍّ من مباحث القاعدة، والذي يثبت من خلاله مشروعيّتها، وإمكان توظيفها في معرفة حكم الفروع الفقهيّة والجزئيّات المتناثرة؛ فإنها تشكِّل الإطار الكلِّي والجامع للجزئيات والفروع الفقهية. وهذا المبحث هو أدلّة القاعدة في الفقه الإسلاميّ، مضافاً إلى بيان مفادها والمقصود منها عند المذاهب الإسلامية.
تعريف القاعدة الفقهيّة
عُرِّفت القواعد الفقهية في كلمات الأعلام بتعريفاتٍ كثيرة؛ بعضُها نظر إليها على أساس أنها أغلبيّةٌ، فعرَّفَها بأنها «حكمٌ شرعيّ في قضيّةٍ أغلبيّة، يتعرَّف منها أحكام ما دخل تحتها»([1])؛ والبعض الآخر على أساس أنها كلِّية، فجاء تعريفها على «أنها أمرٌ كلِّي منطبقٌ على جميع جزئيّاته عند تعرُّف أحكامه منه»([2])، أو أنها «حكمٌ كلِّي ينطبق على موارده الجزئيّة الكثيرة في أبواب مختلفةٍ»([3]).
وهذا الاختلاف في كلِّية القاعدة أو أغلبيّتها ناشئٌ من اختلاف وجهات النظر إلى القاعدة؛ فمَنْ نظر إليها باعتبار وجود الاستثناءات فيها قال: إن القاعدة الفقهية أغلبيّةٌ؛ ومَنْ نظر إلى أن الاستثناءات لا تؤثِّر في كلِّيتها قال: هي كلِّيةٌ. وبما أن الاستثناءات من القاعدة لا تقدح بكلِّيتها، ولا تتنافى مع عموميّتها في ذاتها، كما لا يخفى، فإن المعتبر في عموم القاعدة هو العموم العادي، لا العموم العقلي. والعموم العادي لا يقدح في كلِّيته تخلُّف بعض الجزئيّات. فالبلوغ مثلاً يكون عند سنّ الـ 15، فإذا وُجد مَنْ لم يبلغ عند الـ 15 فإن ذلك لا يخرم القاعدة. أما العموم العقلي فتنقدح كلِّيته ولو تخلَّف فردٌ واحد. ولو سُلِّم بأن هذه المستثنيات قد توافَرَتْ فيها الشروط، وانتفَتْ عنها الموانع، فإن وجودها لا يقدح في كلِّية القاعدة بعد ثبوتها؛ لأن «الغالب الأكثريّ معتبرٌ في الشريعة اعتبار العامّ القطعيّ؛ لأن المتخلّفات الجزئيّة لا ينتظم منها كُلِّي يعارض هذا الكُلِّي الثابت»([4]). وعليه، فلا بُدَّ من أخذ قيد الكلِّية في تعريف القاعدة الفقهية، فيُقال: إنها تلك القواعد التـي تتضمَّن أحكاماً فقهيّة كلِّيةً، تنطبق على صورٍ وحالاتٍ مختلفةٍ، ليس لها جامعٌ إلاّ دخولها تحت ضابط القاعدة.
تعريف الاشتراك
المقصود من الاشتراك هنا مشاركة الرجال والنساء في الأحكام الشرعيّة التي تضمَّنَتْها الخطابات الشرعية الموجَّهة للمكلَّفين. ولا يُراد منه التساوي، كما يمكن أن يحلو لبعضٍ التعبير بالتساوي، اعتقاداً منه أن ذلك ينسجم مع عدالة الإسلام الأصيل؛ فإن التساوي في كثيرٍ من الموارد يتنافى مع العدالة، وهو حَتْماً ليس مراداً للشارع، كما سيتَّضح ذلك عند بيان مفاد ومضمون القاعدة.
1ـ الصيغ المتعدِّدة لقاعدة الاشتراك
لا يخفى أنّ صياغة عنوان أيّ قاعدةٍ فقهية يعتبر ذا أهمِّيةٍ بالغة. لذلك لا بُدَّ أن تكون صياغةُ عنوان القاعدة ـ على شاكلة المادّة القانونية ـ بعباراتٍ موجَزة، وجملٍ مصقولة، مع عموم المعنى، والاستيعاب للفروع الجزئية ـ هذه الفروع الجزئيّة المشتَّتة، التي قد تتعارض ظواهرها ـ تحت رابطٍ واحدٍ، فإذا جُعلَتْ هذه الأحكام المتناظرة والمسائل المتشابهة في تراكيب عامّةٍ وشاملة يصبح الرجوع إليها سَهْلاً يسيراً.
وقد تختلف صياغة عنوان القواعد الفقهية من مذهبٍ إلى آخر، إلاّ أنّ المحتوى والمضمون يبقى واحداً. فمثلاً: قاعدة (لا ضَرَر) عند الإمامية يُرادفها: (الضَّرَر يُزال) عند جمهور المذاهب؛ وقاعدة (إنما الأعمال بالنيّات) عند الإماميّة يُرادفها: (الأمور بمقاصدها) عند جمهور المذاهب؛ وغيرهما من القواعد.
وهذا الأمر ينطبق على قاعدة (اشتراك التكليف بين الرجال والنساء).
فعنوان هذه القاعدة من مختصّات المذهب الإماميّ، إضافةً إلى تداول عناوين أخرى لم تبتعد عن تعبير الاشتراك عندهم.
إلاّ أنها لم تَرِدْ بهذا العنوان في كتب المذاهب الفقهية الأخرى، بل وردَتْ بعناوين مشابهةٍ، مندرجةٍ تحت عنوانٍ كلِّي بنصٍّ مختلف، إضافةً إلى ورود صيغٍ أخرى تعود على القاعدة، وقواعد ذات علاقةٍ وصلةٍ بها، تحاكي بمحتواها معنى اشتراك الأحكام بين جميع المكلَّفين، ويتفرَّع عنها قواعد تتحدَّث عن اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء.
فالعنوان الكلِّي لقاعدة الاشتراك، الذي ورد في كتب المذاهب الفقهيّة، وما له من صيغٍ أخرى، والتي تعتبر نظير: قاعدة اشتراك التكليف بين الرجال والنساء، كالتالي: القاعدة الكلِّية: (الأصل عموم الأحكام وتساوي الناس فيها)([5]).
وصيغة هذا المبدأ الكلِّي مأخوذةٌ بشقَّيْها ـ العموم والتساوي ـ من مجمل الصِّيَغ الأخرى المذكورة بعدها:
ـ (حكم الله على العباد واحدٌ). هذه العبارة للشافعي([6]).
ـ (أحكام الشريعة عامّةٌ، لا خاصّة)([7]).
ـ (الأصل في الشرائع هو العموم في حقّ الناس كافّة)([8]).
ـ (الشريعة سوَّتْ بين الناس، إلاّ ما قام الدليل على تخصيصه)([9]).
ـ (الأحكام عامّةٌ، إلاّ حيث يَرِدُ التخصيص)([10]).
وقد تفرَّع عن قاعدة (الأصل في الشرائع هو العموم في حقّ الناس كافّةً) عدّةٌ من القواعد الفقهية، ومنها:
ـ (ما شرَّعه الله للرجال فالنساء مثله)([11]).
ـ (النساء شقائق الرجال، إلاّ ما خصّ)([12]).
ـ (الكافر يدخل تحت خطاب الناس، وكلّ لفظٍ عامّ)([13]).
ـ (المساواة في سبب الاستحقاق يوجب المساواة في الاستحقاق)([14]).
عند المقارنة بين العناوين التي وردَتْ عند جمهور المذاهب والتي وردَتْ عند الإماميّة يُلاحَظ التقارب الكبير، وأنه مجرّد اختلافٍ في التعبير. والذي يهمّنا من هذه العناوين هو نصّ القاعدة الذي يرادف عنوان البحث، باعتباره مورد المقارنة، وهي العناوين التالية:
ـ (النساء شقائق الرجال).
ـ (ما شرَّعه الله للرجال فالنساء مثله).
إذن، واستناداً إلى ما تقدَّم، يتّضح أن هذين العنوانين للقاعدة الفقهية عند جمهور المذاهب هو تعبيرٌ آخر عن قاعدة اشتراك التكليف بين الرجال والنساء عند الإماميّة.
كما أن عنوان: (النساء شقائق الرجال)([15])، الذي يعتبر أصل قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء، وموضوع المادّة العلميّة لها، هو نصُّ حديثٍ نبويٍّ شريف، رَوَتْه جوامع الأحاديث عندهم، ثمّ جرى مجرى القاعدة عند الفقهاء، فتكون هذه القاعدة عند الجمهور من القواعد التي هي من حيث ذاتُها نصوص الأحاديث الشريفة.
2ـ مفاد القاعدة
بما أن القاعدة المبحوث عنها فرعٌ من فروع قاعدة اشتراك التكليف العامّة، والتي تضمّ بصيغتها الكلِّية الاشتراك بين العالمين والجاهلين، وبين المسلمين والكفّار، وبين الحاضرين والغائبين، وبين الرجل والمرأة…، فمن المناسب الإشارة إلى مفاد ومعنى قاعدة الاشتراك العامّة، وباختصارٍ شديد أوّلاً، ثمّ بيان مفاد القاعدة الفرعيّة المبحوث عنها ثانياً.
أما مفاد القاعدة العامّة ومضمونها فاشتراك المسلمين في الأحكام التكليفية والوضعية، لا العقائد الدينية؛ لأن القاعدة المبحوث عنها في المقام هي من القواعد الفقهية، التي تفيد اشتراك جميع المكلَّفين من المسلمين في أصل التكليف، وتعمّ الحاضرين والغائبين، رجالاً ونساءً، أحراراً وعبيداً، وجميع الطوائف والقبائل منهم إلى يوم القيامة، ما لم يثبت الاختصاص بدليلٍ؛ التزاماً بمبدأ عالميّة الدِّين الإسلاميّ، وتعميماً لجميع الأحكام التي صدرَتْ في مناسباتٍ مختلفة في صدر الإسلام على جميع المكلَّفين، واستظهاراً للشمولية والاستمرارية من طبيعة التشريع الإلهيّ بلحاظ الأزمنة والعصور والأمكنة والأفراد، ما لم يثبت خلافه بدليلٍ، أو أن يُؤْخَذ في الموضوع خصوصيّةٌ وقَيْدٌ لا ينطبق إلاّ على شخصٍ خاصّ، أو طائفةٍ خاصّة، أو في زمانٍ خاصّ، كزمان حضور الإمام×([16]).
ومن هنا صارَتْ هذه القاعدة أصلاً يرجع إليه عند الشكّ في الاختصاص وعدمه. ولذا قالوا: إنّ الأصل في الأحكام الشرعية اشتراكها، وعدم اختصاصها بزمانٍ دون زمانٍ، أو مكانٍ دون آخر، أو صنفٍ من الناس دون صنفٍ، ما لم يثبت الاختصاص بدليلٍ([17]). هذا مفاد قاعدة الاشتراك العامّة.
أما مفاد قاعدة الاشتراك بين الرجال والنساء ومضمونها فقد بيَّنَتْه المذاهب الإسلاميّة، وبنَتْ عليه، على اختلافٍ في مقدار البيان، من حيث التعرُّض لمضمون القاعدة بالتصريح أو التلميح، أو من خلال التطبيق؛ فبعض المذاهب لم يتعرَّض للقاعدة إلاّ على مستوى التطبيق، دون بيان المفاد والمراد، إلاّ أنه يمكن استفادته من خلال مقاربة التطبيق وتحليله في موارد متعدِّدة.
أـ عند الشيعة الإمامية
أما مفاد القاعدة والمراد منها عند الإماميّة فاشتراك المرأة مع الرجل في التكاليف الإنشائيّة والفعليّة، وتساويهما فيها. فإذا توجَّه حكمٌ إلى رجلٍ أو رجال، بحيث كان المخاطَب ببيان الحكم وثبوته هو ذلك الشخص أو الطائفة، ولا يشمل دليل الحكم بحَسَب الدلالة اللفظية غيرهما، فمع ذلك نرى الفقهاء متسالمين على تعميم الحكم إلى جميع المكلَّفين، رجالاً ونساءً، ولكلّ مَنْ كان متَّحد العنوان والصنف مع ذلك الشخص أو تلك الطائفة، من حيث كونه يمتلك أهليّة التكليف ـ مثلاً ـ، بما لأهليّة التكليف من مدخليّةٍ في ثبوت الحكم، وبعبارةٍ أخرى: إثبات الحكم والتكليف لكلّ مكلَّف، سواء كان رجلاً أم امرأة، بعد أن كانوا واجدين للخصوصيّات الدخيلة في ثبوت الحكم([18]).
ب ـ عند سائر المذاهب الإسلامية
أما بالنسبة لمفاد القاعدة عند جمهور المذاهب الإسلاميّة فلم يذكر صريحاً في مصادرهم كما ألمَحْنا؛ حيث إنهم لم يبحثوا هذه القاعدة بشكلٍ مستقلّ ومفصَّل، مما يجعل الباحث يبذل جهداً كبيراً للوصول إلى مرامهم، من خلال التتبُّع في كتبهم وملاحظة كلماتهم. ومن ثَمَّ أمكن تصيُّد مفاد القاعدة ومضمونها من خلال ما أوردوه في كتبهم، عند كلامهم عن أن الأصل في الشريعة هو عموميّة الأحكام لكلّ المكلَّفين. كما يمكن تصيُّده من خلال حديثٍ نسبوه إلى النبيّ الأكرم|: (النساء شقائق الرجال)([19])، والذي صيغَتْ منه القاعدة عندهم([20])؛ فإنّ معنى كون النساء شقائق الرجال أن المرأة شقيقة الرجل، أي مساوية له، وتشترك معه في ما فرضه الله عزَّ وجلَّ من التكاليف الإلهيّة، فيما لو لم يعلم الاختصاص. هذا ما صرَّحَتْ به الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، بأن الأصل في خطاب الشرع عندهم العموم؛ فهو موجَّهٌ إلى الرجال والنساء، من دون وجود فرقٍ فيه بينهما، إلاّ فيما دلَّ دليلٌ على تخصيصه بأحدهما؛ فقد قال رسول الله[|]: (إنما النساء شقائق الرجال)([21])، وأنه (لا حاجة إلى التنصيص على الحكم في المرأة؛ فإن من المعلوم أن كلّ حكمٍ ثبت للرجال ثبت للنساء؛ لأنهنّ شقائق الرجال، إلاّ ما نُصَّ)([22]).
3ـ أدلّة القاعدة ومستنداتها في الفقه الإسلاميّ
إن أهمّية البحث في أدلّة القاعدة إنما يكمن في الوقوف على أدلّتها عند جمهور المذاهب الإسلاميّة؛ من أجل المقارنة بينهم وبين الإماميّة، وبيان كيفيّة استدلال كلّ مذهبٍ على حِدَة؛ ومعرفة المباني الأصولية التي بنى عليها العلماء، وكشف اللثام عن المسائل اللغويّة التي لها علاقة بالاستدلال، وكذلك الإشارة إلى مواطن الاتفاق والاختلاف عند المذاهب إنْ وُجدا.
وسوف يتمّ عرض أدلّة الإمامية، وعرض أدلّة سائر المذاهب بشكلٍ عامّ، من دون الإشارة إلى المذهب الذي يتبنّى الدليل، من باب الاختصار.
أوّلاً: أدلّة الإماميّة
استدلّ فقهاء الإمامية على اشتراك الأحكام بين المكلَّفين، رجالاً كانوا أم نساءً، بعدّة أصناف من الأدلّة؛ بعضها يرجع إلى النصوص الشرعية، من الآيات والروايات، بوجوهٍ مختلفة؛ وبعضها يرجع إلى قواعد أصوليّة؛ وبعضها يرجع إلى دعوى الضرورة الفقهيّة والاتّفاق؛ وغير ذلك من الأصناف. ونذكر أهمّها:
1ـ الأدلة اللفظيّة
من الأدلة على قاعدة الاشتراك بين الرجل والمرأة الآيات القرآنية والروايات الشريفة:
أـ آيات الكتاب الكريم
استدلّ علماء الإماميّة على اعتبار قاعدة الاشتراك بما دلّ من الآيات القرآنية على تعلُّق التكليف بعموم المؤمنين في كثيرٍ من أبواب الفقه وغيره. ومن هذه الآيات:
الأولى: ما صُدِّر بأداة النداء، كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ (البقرة: 21)، و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (البقرة: 153)، فإن الخطابات في تلك القضايا بإطلاقها وعمومها تشمل جميع المكلَّفين، فيستفاد منها اشتراك جميع المكلَّفين، من الرجال والنساء، في الحكم؛ لأنّها ظاهرةٌ في العموم والشمول؛ إمّا بدلالةٍ لفظيّة عامّة؛ أو مطلقة، فإنه لا إشكال في استفادة الاشتراك والعموم منها بين جميع المؤمنين، رجالاً ونساءً، وإنْ كان الخطاب للذين آمنوا بالتذكير، إلاّ أنه من باب تغليب جانب الذكور([23]).
الثانية: ما ورد بلفظٍ مطلق، كقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ﴾ (سبأ: 28)؛ فإن هذه الآية تدلّ بوضوحٍ على عدم اختصاص ما جاء به النبيّ| من الأحكام والتكاليف بشخصٍ أو قومٍ خاصّ أو جنسٍ، بل يشترك فيه الرجال والنساء، كما لا يخفى، فتدلّ هذه الآية وأمثالها من الآيات على اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء، وإرادة أحدهما على نحو التخصيص والتقييد بحاجةٍ إلى مخصِّصٍ ومقيِّد([24]).
ب ـ الروايات الشريفة
وقد استدلّ على قاعدة الاشتراك بالروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت^ في موارد مختلفة، ونذكر منها:
1ـ ما رواه الكليني بإسناده عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله× ـ في حديثٍ ـ أنه قال: «حكم الله عزَّ وجلَّ في الأوّلين والآخرين وفرائضه عليهم سواءٌ، إلاّ من علّةٍ أو حادثٍ يكون. والأوّلون والآخرون أيضاً في منع الحوادث شركاء، والفرائض عليهم واحدةٌ، يسأل الآخرون عن أداء الفرائض كما يسأل عنه الأوّلون، ويحاسبون به كما يحاسبون به»([25]).
ودلالةُ هذه الرواية على اشتراك التكليف بين الجميع، رجالاً ونساءً، واضحةٌ؛ حيث يُراد من (الأوّلون والآخرون) العموم والاستغراق، فيكون دالاًّ على اشتراك كلّ فردٍ من الأول مع كلّ فردٍ من الآخر، سواء كانوا من الرجال أو النساء، وهذا يستلزم اشتراك الأوّلين بعضهم مع بعضٍ أيضاً؛ لأن الفرد من الأوّلين يشاركه كلٌّ من الآخرين، وكلٌّ من الأوّلين يشاركهم في ذلك، فيشترك الكلّ([26]).
2ـ النبويّ المشهور، قال |: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة»([27]).
فإنّ ظاهر هذه الجملة أنّ حكمي، الذي هو حكم الله، على أحدكم حكمي على الجميع، نساءً ورجالاً، أي إنني لا أخصّ أحداً بالحكم، بل كلُّكم، أيها الرجال والنساء، في حكمي سواءٌ.
هذا هو المتفاهم العُرْفي والظاهر من هذا الحديث الشريف. ولا شَكَّ في حجّية ظواهر الألفاظ والجُمَل، فيدلّ هذا الحديث المبارك على المطلوب، وهو المطلوب([28]).
ج ـ الأدلة اللفظيّة الصادرة في موارد خاصّة، ودلالتها على الاشتراك
بحَسَب المتفاهم العُرْفي والظهور العقلائي المعتبر في باب دلالة الألفاظ إذا سأل سائلٌ عن حكم رجلٍ شكَّ في الصلاة بين الأولى والثانية، كما في خبر عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد الله×، أنه سئل عن رجلٍ لم يَدْرِ أواحدة صلّى أو اثنتين؟ فقال له: «يعيد الصلاة»، فقال له: فأين ما رُوي أن الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال: «إنما ذلك في الثلاث والأربع»([29])، فلا يسبق إلى أذهان العُرْف إلاّ كون مورد السؤال نفس الشكّ بين الأولى والثانية، من دون خصوصيّة للرجل أو المرأة، والصبيّ أو الصبيّة، لذا يجري الجواب لبيان الحكم، سواء أكان الخطاب ونحوه للأوّل أم للثاني، مع حفظ القيود والشروط في الموضوع، وعدم كون الخصوصيّة دخيلةً بنظر العُرْف والعقلاء أصلاً([30]).
ولذا لم يشكّ الفقهاء، قديماً وحديثاً، في أنّ قوله×: «انظروا إلى مَنْ معكم من الصبيان»([31]) يشمل البنات أيضاً.
ومرجع هذا الدليل إلى الارتكاز الآتي ذكرُه، وليس دليلاً مستقلاًّ في مقابله.
2ـ الأدلة غير اللفظيّة
استدلّ علماء الإمامية على قاعدة الاشتراك بين الرجل والمرأة بعدّة أدلّةٍ غير لفظيّة، منها:
أـ الضرورة، والاتّفاق القطعيّ
من أهمّ الوجوه المستدَلّ بها على اعتبار هذه القاعدة ضرورة الشرع، وتسالم الفقهاء([32])، بل اتّفاق المسلمين كافّةً عليها. فقد ادُّعي أن الأصحاب اتّفقوا على قاعدة الاشتراك في التكليف بين جميع المكلَّفين، رجالاً ونساءً. ويشهد به استدلالهم بالخطابات الخاصّة في إثبات عموم الحكم لكلّ المكلَّفين، من الرجال والنساء، خَلَفاً عن سَلَف([33]). وثبوت الاتّفاق غير قابلٍ للإنكار؛ حيث إن الاصحاب يستدلّون من قديم الأيام بالخطابات الخاصّة المتوجِّهة إلى شخصٍ أو أشخاص على ثبوت الحكم الشرعيّ لكلّ واحدٍ من آحاد المكلَّفين، رجلاً أم امرأة، في أيّ زمانٍ كانوا، وفي أيّ مكانٍ، وهذا يكشف كشفاً قطعيّاً عن اشتراك جميع المكلَّفين في الأحكام الشرعية الصادرة من الشارع، إلاّ في موردٍ ثبت دَخْل خصوصيّة خاصّة في موضوع الحكم([34]).
ب ـ الحكم المختصّ بآحاد المكلَّفين، ودلالته على الاشتراك
لقد اتَّفق الأصحاب بنحوٍ قطعيّ على اشتراك الجميع، رجالاً ونساءً، في الحكم المتوجِّه الى بعض آحاد المكلَّفين. ويشهد به استدلالهم ـ خَلَفاً بعد سَلَف ـ بالخطابات الخاصّة في إثبات عموم الحكم. وكان هذا هو المتداول من الصدر الأوّل إلى يومنا.
لكنْ يمكن أن يُقال برجوع هذا الدليل إلى الدليل الأوّل، القائم على دعوى تسالم الفقهاء واتّفاقهم على اشتراك الأحكام بين المكلَّفين، سواء كانوا رجالاً أم نساء، شرط الاتحاد في الصنف والشرائط الدخيلة في ثبوت الحكم الشرعي.
ج ـ ارتكاز المتشرِّعة
إن الاشتراك في التكاليف بين جميع المكلَّفين، رجالاً ونساءً، هو المرتَكَز عند أهل الشرع وعامّة المسلمين، من دون أن يكون مختصّاً بالمخاطَب. وهذا الارتكاز لا محالة قد نشأ من مبدأ الوحي والرسالة، وقد انتقل يداً بيدٍ من السَّلَف إلى الخَلَف. ولذا لو سأل أحدُ المقلِّدين مقلَّده واستفتاه في حكمِ موضوعٍ استفاد منه المقلِّد الآخر، سواء كان رجلاً أم امرأة، وتعيَّنَتْ وظيفته أيضاً، من دون حاجةٍ إلى استفتاءٍ جديد. والسؤال في الروايات إنّما كان على هذا المنوال. فاذا قال الإمام× ـ مثلاً ـ في جواب زرارة، الذي سأله عن إصابة الدم ثوبه، وقد نسيه، فصلّى فيه؟: أعِدْ صلاتك، يكون المرتكز في ذهن المتشرِّعة ثبوت هذا الحكم بالنسبة إلى جميع مَنْ كان منطبقاً عليه مفروض السؤال، بلا فرق بين أن يكون رجلاً أو امرأةً، وإنْ كان المخاطَب بحَسَب اللفظ والبيان هو زرارة([35]).
د ـ عدم خلوّ الوقائع من الأحكام
ويمكن التمسُّك لإثبات قاعدة اشتراك الرجل والمرأة في الأحكام الشرعيّة بالمسألة المعروفة عند الأصوليّين والفقهاء، وهي عدم خلوّ الواقعة من الحكم، ببيان أنه إذا ثبت حكم لأحدٍ، مثل: زرارة في المثال المتقدِّم، فاللازم الحكم بثبوته لغيره ممَّنْ هو مثله في الجهات الراجعة إلى الحكم، سواء كان رجلاً أو امرأةً؛ إذ مع عدم ثبوته لغيره لا بُدَّ إمّا من الالتزام بخلوّ نفس هذه الواقعة بالنسبة إلى غيره عن الحكم، فينافي أدلّة الشريعة التي التزم بها؛ وإمّا أن نلتزم بورود جعلٍ جديد في قضيّةٍ مماثلة لمكلَّفٍ آخر، أو ورود جعلٍ آخر بنحو العموم، إلاّ أنّه لا دليل على هذين الجَعْلَين؛ إذ المفروض أن الدليل في المسألة منحصرٌ بما ورد في قضيّة زرارة المتقدِّمة. إذن، فلا بُدَّ من الاشتراك، وإلاّ لخلَتْ الواقعة من الحكم، بل ادّعاء الضرورة ـ حتّى لا تخلو الواقعة من الحكم ـ على اشتراك النساء مع الرجال في الحكم الذي ورد جواباً على سؤال زرارة، الذي هو رجلٌ في المقام، لا بُعْدَ فيه، بل هو كذلك ([36]).
هـ ـ تنقيح الملاك القطعيّ
من الأدلّة التي يمكن التمسُّك بها لإثبات قاعدة اشتراك الرجل والمرأة في الأحكام هي فكرة تنقيح الملاك؛ فإن الملاك والمصلحة التي اقتضَتْ تشريع حكم تطهير ثوب زرارة الذي أصابه البول هي نفسها التي تقتضي ذلك بالنسبة إلى المرأة؛ فإن الأحكام التابعة للمصالح والمفاسد نفس الأمريّة ـ عند العَدْلية ـ لا تختلف بحَسَب أفراد المكلَّفين، سواء في ذلك الرجل والمرأة؛ للزوم دفع المضرّة وجلب المنفعة اللازم على الكلّ([37]).
لكنْ لا يخفى أن تمامية هذا الدليل موقوفٌ على العلم بمناط الحكم في المسألة، فما لم يَرِدْ ما يصلح أن يكون مناطاً للحكم، وعلم بكونه هو المناط، فلا يمكن تعميم الحكم إلى كلٍّ من الرجل والمرأة. وعليه، فهذا الدليل أخصّ من المدَّعى.
ثانياً: أدلّة جمهور المذاهب الفقهيّة
استدلّ لقاعدة اشتراك الأحكام بين الرجل والمرأة (أو النساء شقائق الرجال) عند جمهور المذاهب الفقهيّة بعدّة أدلّةٍ، ومنها:
1ـ الأدلة اللفظيّة
أـ الخطاب القرآني
من الأدلّة التي يمكن استفادة اشتراك المرأة والرجل في الأحكام عند سائر علماء المسلمين ـ على نحو القاعدة الفقهيّة ـ الآيات والخطابات القرآنية، وهي على أصناف:
الأوّل: الآيات العامّة، مثل: قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً… فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ…وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (الأعراف: 158).
بتقريب أنه لا إشكال في أن جميع الناس مدعوّون للإيمان بالله والرسول، ومأمورون بالالتزام بالأحكام الشرعية؛ لأن النبيّ[|] بعث إلى الناس كافّةً، دون استثناءٍ؛ ليدعوهم إلى الإيمان، وأمرهم الله تعالى باتّباع النبيّ في ما جاء به من الشرائع والأحكام. والنساء من الناس حَتْماً، فيدخلْنَ في الخطاب العامّ بوضعه لغةً، ويكلّفْنَ كما يكلَّف الرجال. وعليه، فالخطاب في هذه الآية وأمثالها عامٌّ شامل لجميع المكلَّفين، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، أحراراً أو عبيداً، فتكون المرأة والرجل سواءً من ناحية شمول العمومات المثبتة للتكاليف، وتشترك معه في ذلك([38]).
الثاني: الآيات المختصّة بالرسول|، حيث استدلّ بعض فقهاء المذاهب على اشتراك الرجال والنساء في الأحكام والتكاليف بالآيات والخطابات القرآنية الموجَّهة إلى النبيّ خاصّةً، بدعوى شمولها لكلّ الأمّة، فقالوا: إذا وردَتْ صيغةٌ مختصّة في وضع اللسان برسول الله[|]، مثل: قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ (الزمر: 65)، فإن الأمّة معه في ذلك سواءٌ؛ مستدلّين على ذلك بأنه ورد الأمر بخصوصه، لكنّه يشمل الأمّة عُرْفاً، لا من خلال المدلول الوضعيّ للفظ؛ فإن العُرْف لا يفهم الخصوصيّة في الخطاب، بل يرى أن جميع المكلَّفين معنيّون بذلك الخطاب، رجالاً ونساءً، إلاّ إذا دلَّ دليلٌ على عدم مشاركة غير النبيّ[|] في الخطاب والحكم([39]).
ب ـ السُّنَّة الشريفة
استند علماء جمهور المذاهب الفقهية إلى مجموعةٍ من الأحاديث والروايات؛ لإثبات أن أحكام الشريعة للناس كافّةً، ويشترك فيها جميع الأمّة، من الرجال والنساء. ومن هذه الأحاديث:
1ـ ما رواه أنس بن مالك، عن رسول الله[|] أنه قال: «أُمرْتُ أن أقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلّوا صلاتنا، فقد حرُمَتْ علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقِّها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم»([40]).
فالمستفاد من هذا الحديث أنه[|] مأمورٌ بنشر دين الإسلام، وتعميم الأحكام على جميع الناس، دون فرقٍ بين النساء والرجال، فتكون المرأة مشاركةً للرجل في التكليف، وتلك هي حقيقة الدين وغايته.
2ـ ما رواه سعيد بن المرزبان، عن أنس بن مالك، عن عائشة أنها قالت: سُئل رسول الله[|] عن الرجل يجِدُ البَلَل، ولا يذكر احتلاماً؟ قال: «يغتسل»؛ وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد بَلَلاً؟ قال: «لا غسل عليه»، قالت أمّ سليم: هل على المرأة ترى ذلك غسلٌ؟ قال: «نعم؛ إن النساء شقائق الرجال»([41]).
ووجه الاستدلال: (إن النساء) ـ وهو استئنافٌ في معنى التعليل ـ (شقائق الرجال)، أي نظائرهم في الخَلْق والطبائع، كأنهُنَّ شققْنَ منهم؛ فما ثبت للرجال من أحكام وتكاليف فهو ثابتٌ للنساء، إلاّ ما أخرجه النصّ. وعليه يجب الغسل على المرأة برؤية البَلَل بعد النوم، كالرجل. وهذا الاشتراك بين الرجال والنساء أشبه بإلحاق النظير بالنظير، ومن باب أن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنساء، إلاّ في مواضع مخصوصة([42]).
فهذا الحديث يعتبر من الأحاديث المهمّة التي استدلّ بها على اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء؛ باعتبار أنه موجَّهٌ لهما معاً، ولا فرق فيه بينهما، إلاّ في ما دلَّ دليلٌ على تخصيصه بأحدهما. كما أن عنوان القاعدة مأخوذٌ منها.
2ـ الأدلة غير اللفظيّة
كما أنهم استدلّوا على قاعدة اشتراك التكليف بين الرجل والمرأة، وعمومه لجميع المكلَّفين، بعدّة أدلّةٍ غير لفظية، ومنها:
أـ الضرورة
لقد عُلِمَ من دين النبيّ الكريم[|]، والشريعة السمحة التي جاء بها وأُمر بتبليغها، بالضرورة، أن الأحكام والتكاليف للناس كافّة، ذكرهم وأنثاهم، إلى يوم القيامة([43]).
ب ـ الإجماع
واستدلّ أيضاً على قاعدة اشتراك التكليف بين الرجل والمرأة وعمومه بالإجماع؛ فإنه منعقِدٌ على أن تكاليف الشرع عامّة، متناولة لجميع المكلَّفين، من الرجال والنساء. ونحن مكلَّفون باعتقاد تعميمها وشمولها للجميع، من دون فرقٍ. والحاجةُ ماسّةٌ إلى ما يدلّ فيها بصفة التعميم، لعموم التكليف؛ لذلك فإن الصحابة والعلماء في كلّ عصرٍ يتمسّكون بالآيات والأخبار الواردة «إليهم» شفاهاً في إثبات الأحكام على مَنْ وُجد في زمانهم، رجلاً أو امرأة، وإنْ لم يكن موجوداً وقت نزولها([44]).
ج ـ حكاية الفعل من الصحابيّ تقتضي العموم
ذهب بعض الفقهاء إلى أن قول الصحابيّ: «نهى رسول الله[|] عن المزابنة»([45])؛ و«قضى بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة»([46])، يقتضي العموم، أي يصحّ التمسُّك به في العموم في أمثال تلك القضية المَحْكِيّة، نحو: «نهى عن بيع الغَرَر»، و«حكم بالشاهد واليمين». وكذا لو نقلوا حكماً عاماً في واقعةٍ معيَّنة من قِبَل سائلٍ معين؛ فإن نقلهم هذا يفيد العموم والشمول لكلّ مكلَّفٍ، من دون فرقٍ بين الرجل والمرأة، ولكلّ واقعةٍ مشابهة لتلك القضية([47]).
د ـ الدليل العقليّ
استدلّوا على عموم الأحكام واشتراكها بين جميع المكلَّفين، من الرجال والنساء، بدليلٍ عقليّ، مفادُه: إن النبيّ[|] كان إذا أراد التخصيص ببعض الأمّة، أو بالرجال دون النساء، نَصَّ عليه. ولولا أن الخطاب المطلق العامّ يكون خطاباً للكلّ لما احتاج إلى التخصيص؛ إذ التخصيص فرعُ كون الخطاب عامّاً لجميع المكلَّفين. وبما أن التخصيص هو المحتاج إلى دليلٍ، إذن، فالأصل في الخطاب العموم([48]). وعليه، فالدليل العقلي يقتضي اشتراك الأحكام والتكاليف بين الرجال والنساء.
4ـ الأصل الأوَّلي عند الشكّ في الاشتراك
من خلال ما تقدَّم، من بيان الأدلّة والمستندات التي ساقها فقهاء المذاهب الإسلاميّة، والتي يثبت من خلالها أنّ الأحكام الشرعية مشتركةٌ بين الرجال والنساء، من دون فرقٍ في طبيعة هذا التكليف، ما لم يدلّ دليلٌ على اختصاصها ببعضٍ دون بعضٍ، يتّضح أنّ الأصل في التكاليف الشرعية هو اشتراك الرجال والنساء فيها. وهذا يعني أنّه إذا لم يكن دليلٌ على اختصاص الحكم بالرجل أو المرأة، كأنْ كان الخطاب متوجِّهاً إلى الرجل بشكلٍ صِرْفٍ، أو إلى المرأة كذلك، وشكَكْنا في اشتراك المرأة معه أو اشتراك الرجل معها في الحكم؛ باعتبار أنّ أغلب الأحكام لم تَرِدْ بنحو القضيّة الكلِّية، بل أكثرها جاءَتْ بصيغة جمع المذكَّر أو متوجِّهةً إلى الرجل، وقليلاً ما جاءت بصيغة المؤنَّث أو متوجِّهةً إلى المرأة، إضافةً إلى عدم وجود قَيْدٍ أو وصفٍ يشير إلى اختصاص الحكم بالرجل او المرأة، وإنْ وُجدَتْ بعض القرائن إلاّ أنها غيرُ تامّةٍ لكي يتمسَّك بها على اختصاص الحكم به أو بها، عندئذٍ لا يبقى مانعٌ من تعميم جواز الحكم للمرأة أو للرجل؛ بمقتضى قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجل والمرأة، ولو من خلال المطلقات الدالّة على الاشتراك. ولذا يقال: إن الأصل عند الشكّ في الاختصاص هو قاعدة الاشتراك.
5ـ خروج بعض الموارد عن القاعدة، وملاكه
لا شَكَّ في أن خروج بعض الموارد عن القاعدة لا ينافي كونها قاعدةً كلِّية، وقانوناً عاماً يُرْجَع إليه في الموارد مشكوكة الاختصاص.
ومن هنا كان من المناسب الإشارة إلى بعض الموارد التي خرجت عن القاعدة، مع بيان ملاك هذا الخروج.
أولاً: مناط الخروج
لا خلاف في أن الأصل في الشريعة هو اشتراك التكليف والحكم بين الرجال والنساء. والخروج عن هذا الأصل يحتاج إلى دليلٍ. وهذا لا كلامَ فيه. إنما الكلام فيما هو المناط في الخروج عن القاعدة. وهذا يحتاج إلى القيام بمقاربةٍ من خلال المعطيات التي قدَّمتها المذاهب الإسلاميّة في هذا المجال:
1ـ مناط الخروج بنظر الإماميّة
المستفاد من كلمات علماء الإماميّة أن المناط للخروج عن هذه القاعدة والأصل، بأن يخصَّص الحكم بأحدهما دون الآخر، هو الخضوع لمصلحةٍ يراها الشارع الحكيم؛ وذلك إمّا لاختلاف التكوين بين الجنسين، أو اختلاف الأدوار المنوطة بكلٍّ منهما، أو مراعاة الظروف والعناوين الطارئة.
2ـ مناط الخروج بنظر المذاهب الأخرى
ذكروا في هذا المجال أن التسوية والعموم يقومان على الفطرة والعدالة، فكذلك الاستثناء واختلاف الأحكام، قد تقتضيها الفطرة والعدالة. ولذلك فاستثناءات هذه القاعدة مرجعُها إما إلى اختلاف الوظائف الفطريّة التي تتأسَّس عليها الأحكام، كما في الأحكام التي يختلف فيها الذكور والإناث، ويختلف فيها البالغون والقاصرون؛ وإمّا إلى اختلاف الأسباب والصفات الموجبة للحقوق والواجبات، بناءً على قاعدة (المساواة في سبب الاستحقاق يوجب المساواة في الاستحقاق)، كما في بعض الاختلافات التشريعية بين المسلمين وغير المسلمين([49]).
فكلٌّ من الرجل والمرأة مكلَّفٌ استقلالاً بتكاليف الشريعة، إلاّ ما استُثني فيه أحدهما. وفي ذلك يقول ابن القيِّم: «فإنّ مصلحةَ العبادات البدنيّة ومصلحةَ العقوبات الرجالُ والنساء مشتركون فيها، وحاجةُ أحد الصِّنفين إليها كحاجة الصِّنف الآخر، فلا يليق التفريق بينهما. نعم؛ فرَّقَت بينهما في أليق المواضع بالتفريق، وهو الجمعة والجماعة، فخُصَّ وجوبُهما بالرجال دون النساء؛ لأنهُنَّ لَسْنَ من أهل البروز ومخالطة الرجال. وكذلك فرَّقَتْ بينهما في عبادة الجهاد، التي ليس الإناثُ من أهلها، وسوَّتْ بينهما في وجوب الحجِّ؛ لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة»([50]).
ثانياً: الموارد الخارجة عن قاعدة الاشتراك
وفي ما يلي بعض الأمثلة التطبيقيّة الخارجة عن القاعدة، عند المذاهب الفقهيّة الخمسة:
1ـ لبس المخيط والخفَّيْن حال الإحرام
من المسائل التي خرجَتْ من تحت قاعدة اشتراك التكليف بين الرجل والمرأة مسألة لبس المخيط والخفَّين حال الإحرام، فقد قيل بحرمة ذلك على الرجل، دون المرأة([51])؛ والدليل على ذلك:
أـ الأدلّة عند الإماميّة: استدلَّت الإماميّة على هذا التفكيك في الحرمة بين الرجل والمرأة بأدلّةٍ، منها:
الأوّل: إجماع العلماء كافّةً على تحريم لبس المخيط للرجل المُحْرِم، فإذا أراد الإحرام وجب عليه نَزْع ثيابه، ولبس ثوبَيْ الإحرام، يأتزر بأحدهما و يرتدي بالآخر. وكذا أجمعوا على جواز ذلك للمرأة المُحْرِمة([52]).
الثاني: الأخبار، من قبيل:
1ـ ما رواه الشيخ الطوسي، بإسناده عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله×: «لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوباً تزرّه، ولا تدّرعه، ولا تلبس سراويل، إلاّ أن لا يكون لك إزارٌ، ولا خفَّين إلاّ أن لا يكون لك نعلان»([53]).
ووجه الدلالة على المطلوب واضحةٌ؛ فإنها ظاهرةٌ في أنه يحرم على الرجل لبس المخيط والثوب والخفَّين اختياراً.
2ـ ما رواه الشيخ الطوسي أيضاً، بإسناده عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله×، قال: المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الحرير والخزّ والديباج؟ فقال: «نعم، لا بأس به»([54]).
3ـ ما رواه الصدوق، بإسناده عن حريز، عن أبي عبد الله× قال: «كلّ ثوبٍ تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه»([55]).
بتقريب أن للمرأة المُحْرِمة أن تلبس ما شاءَتْ من أنواع الثياب التي يجوز لها لبسها قبل الإحرام، مخيطاً أو منسوجاً أو خلاف ذلك.
ب ـ أدلّة جمهور المذاهب: واستدلّ علماء سائر المذاهب الإسلاميّة على حرمة لبس المخيط والخفَّين للرجل، وعلى جواز لبس المخيط للمرأة، بأدلّةٍ، منها:
1ـ الإجماع: أجمع أهل العلم على أنّ المُحْرِم ممنوعٌ من لبس القمص، والعمائم، والسراويلات، والخفاف، والبرانس؛ وأجمعوا على أن للمرأة المُحْرِمة لبس القميص، والدروع، والسراويل، والخُمُر، والخِفاف([56]).
2ـ الأخبار، كالذي رُوي عن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: «سأل رجلٌ النبيّ[|] عمّا يجتنب المُحْرِم من الثياب؟ قال: «لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا البرنس، ولا العمامة، ولا ثوباً مسّه الورس، ولا الزعفران. ويلبس إزاراً ورداءً ونعلين، ولا يلبس الخفَّين، إلاّ لمَنْ لا يجد النعلين، فليلبس الخفَّين، وليقطعهما حتّى يكونا أسفل من الكعبين»([57]).
ووجهُ الدلالة أنّ النبيّ[|] نهى عن خمسة أنواعٍ من اللباس تشمل جميع ما يحرم؛ وذلك أنّ اللباس إما أن يصنع للبدن فقط، فهو القميص وما في معناه؛ أو للرأس فقط، وهو العمامة وما في معناها؛ أو لهما، وهو البُرْنس وما في معناه؛ أو للفخذين والساق، وهو السراويل وما في معناها؛ أو للرجلين، وهو الخفّ ونحوه.
وقالت المذاهب في ذلك: لا بأس أن تغطي المرأة سائر جسدها وهي مُحْرِمةٌ بما شاءَتْ من الثياب، المخيطة وغيرها، وأن تلبس الخفَّين، غير أنها لا تغطي وجهها. أما ستر سائر بدنها فلأنّ بدنها عورةٌ؛ وستر العورة بما ليس بمخيطٍ متعذِّرٌ، فدَعَتْ الضرورة إلى لبس المخيط([58]).
والدليل على ذلك:
1ـ ما رُوي عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله[|] يقول: «نهى النساء في إحرامهنَّ عن القفازَيْن والنقاب، وما مسّ الورس والزعفران من الثياب. ولتلبس بعد ذلك ما أحبَّتْ من ألوان الثياب، معصفراً أو خزّاً أو حلياً أو سراويل أو قميصاً أو خفّاً»([59]).
2ـ ما رُوي عن عائشة أنها قالت: «المُحْرِمةُ تلبس من الثياب ما شاءَتْ، إلا ثوباً مسّه ورسٌ أو زعفرانٌ، ولا تتبرقع ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها إنْ شاءَتْ»([60]).
ودلالةُ هذه الروايات على أن للمرأة المُحْرِمة أن تغطي جسمها بما شاءَتْ من أنواع الثياب، التي يجوز لها لبسها قبل الإحرام، مخيطاً أو منسوجاً أو خلاف ذلك.
2ـ الأحكام والأحوال الشخصيّة
ذكرت في باب الأحكام والأحوال الشخصية عدّة مسائل خُرمَتْ فيها قاعدة اشتراك المرأة والرجل في التكليف، بأن ثبت للرجل حكمٌ مغايرٌ للمرأة في موردٍ واحد. ومن هذه المسائل:
أـ ميراث المرأة والرجل: ذهبت جميع المذاهب الإسلامية إلى أن ميراث المرأة أقلّ من ميراث الرجل في الغالب. وقد يكون على النصف منه بشروطٍ معينة. والمفاضلة في الإسلام بين الرجل والمرأة في الميراث لها شروطٌ، وهي([61]):
الشرط الأوّل: أن يكونا في درجةٍ واحدة (ابن وبنت مثلاً).
الشرط الثاني: أن يكونا من جهةٍ واحدة (جهة البنوّة أو الأخوّة).
الشرط الثالث: أن يستويا في القوّة، فالأخ لأبٍ لا يساوي نصيبه ضعف نصيب الأخت الشقيقة؛ لأنها أقوى صلةً منه بالشقيق.
فإذا توفَّرَتْ هذه الشروط، وكان الوارث ذكراً وأنثى، وكان الإرث من الأبوَيْن، فللذكر حصّتان، وللأنثى حصّة([62]).
ويُستَدَلّ على ذلك بقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ (النساء: 11).
وأما إذا كان الإرث من الزوجين فالزوج له النصف عندما لا يكون للمرأة ولدٌ، وإرث الزوجة لها الربع عندما لا يكون للزوج ولدٌ وارث. وهكذا ينزل إلى الربع إذا كان لها ولدٌ وارث، وتنزل هي إلى الثمن عندما يكون له ولدٌ وارث.
ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ… وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾ (النساء: 12).
وافترق جمهور المذاهب عن الإماميّة في بعض الحالات بالنسبة إلى ميراث البنت. ولكنْ لا يؤثِّر ذلك في أصل التفاضل بين إرث الرجل والمرأة؛ وذلك كما إذا لم يكن لها أخٌ يرث معها الأقربون، فقالوا: تأخذ نصف حصّة الذكر إذا اجتمع معها ذكرٌ مساوٍ لها وصفاً ودرجةً، وورث المال بالتعصيب، والذكر المساوي يكون على الترتيب، الأقرب ثمّ الأبعد، ابن الأخ أو ابن الأخت، ثمّ الأخ لأبٍ وأمّ ثمّ ابن الأخ لأبٍ وأمّ ثمّ ابن الأخ لأبٍ. هذا على فرض لم يكن مع الأقربين إناثٌ؛ أما إذا كان معهم أخواتٌ فيرثْنَ مع البنات أيضاً ([63]).
واستدلّوا عليه بقوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النساء: 176).
6ـ الخروج عن الاشتراك، بين التخصيص والتخصُّص
بعد ثبوت أن هناك موارد قد خرجَتْ عن القاعدة، وقع الكلام بين الأعلام ـ حتّى داخل المذهب الواحد ـ في كيفيّة هذا الخروج وطبيعته، وأنه بنحو التخصيص أو بنحو التخصُّص. وبيان ذلك كما يلي:
أوّلاً: عند الإماميّة
لقد اختلف فقهاء الإمامية في نوعيّة وكيفيّة خروج تلك الموارد المتقدِّمة عن القاعدة على قولين:
القول الأوّل: وهو أن الخروج تخصيصيٌّ. وهو ما ذهب إليه صاحب العناوين، على الظاهر، حيث قال: إن خروج تلك الموارد عن قاعدة اشتراك التكليف بين الرجال والنساء هو من باب التخصيص والخروج الحُكْميّ. واعتبر ذلك موجباً لانخرام القاعدة وعدم اطّرادها، ممّا يؤثر على عمومها، حيث قال: «إن هذه القاعدة قد انخرمَتْ في مواضع، كبطن اليد والظهر في الوضوء للرجل والمرأة، والجهر والإخفات في الصلاة، وكيفيّات قيامها وقعودها، وما يجب سترها فيها، وجواز لبس الحرير…»([64]).
القول الثاني: وهو أن الخروج تخصُّصيٌّ. وهو ما ذهب إليه جمعٌ من الأعلام، كالبجنوردي واللنكراني وغيرهما، من أنّ خروج تلك الموارد عن القاعدة من باب التخصُّص والخروج الموضوعيّ، الذي لا يؤثِّر على عمومية القاعدة.
وبيان ذلك في أمرَيْن:
أـ إن خروج الموارد المتقدِّمة عن قاعدة الاشتراك ليس بنحو التخصيص، حتّى يكون موجباً لعدم اطّراد القاعدة، بل بنحو التخصُّص، الذي مرجعه إلى عدم كونه داخلاً في القاعدة من الأصل؛ ضرورة أن موردها ـ كما تقدَّم ـ إذا ورد حكمٌ في موردٍ أو خطاب إلى شخصٍ أو طائفة، ولم يقُمْ دليلٌ على الاختصاص ولا على عدمه، وكان غير ذلك المورد أو غير ذلك الشخص أو الطائفة متَّحداً معه في الجهات والخصوصيات، فمقتضى قاعدة الاشتراك هو العموم والشمول.
ب ـ إذا دلّ الدليل على بعض الفروقات في الأحكام، كالفرق بين الرجل والمرأة في ما تقدَّم من مسألة لبس المخيط والخفين، وهناك فروقاتٌ أخرى لم نذكُرْها، كمسألة الجَهْر والإخفات، وفي الستر الواجب نَفْساً أو شَرْطاً، وكذا في باب الوضوء، وباب الحجّ، وباب الجهاد، وأمثال ذلك، فلا يكون مثله مورداً للقاعدة حتّى يكون خارجاً عنها؛ لأن الدليل بنفسه دالٌّ على الاختصاص؛ حيث لا يمكن أن يُقال: إن المسافر والحاضر خارجان عن القاعدة تخصيصاً؛ كذلك المستطيع وغير المستطيع في باب الحجّ، أو العناوين التسعة المرفوعة في حديث الرفع؛ لأن رفع الحرمة عن شرب الخمر الواقع إكراهاً لا يعتبر خروجاً عن القاعدة؛ فمن الواضح أن المسألة خلاف ذلك؛ كما أن قيام الدليل على اختصاص حكمٍ بعنوانٍ، واعتبار القيود المأخوذة في جانب موضوع الحكم، يوجب عدم اتّحاد الصنف، ويكون خارجاً عن مجرى القاعدة موضوعاً وتخصُّصاً([65]). وعلى حدّ تعبير البجنوردي: إن «القيود المأخوذة في جانب موضوع الحكم يوجب عدم اتّحاد الصنف، ويكون خارجاً عن موضوع قاعدة الاشتراك بالتخصُّص، لا بالتخصيص»([66]). والمفروض أن من شرائط جريان القاعدة اتحاد الصنف، ومع عدمه ـ الذي قد ينشأ من القيود والأوصاف الملحوظة في موضوع الحكم ـ لا يكون المورد من موارد القاعدة أصلاً.
ثانياً: عند جمهور المذاهب
إنّ وجود استثناءاتٍ كثيرة للقاعدة الفقهيّة بشكلٍ عامّ مسألةٌ أثارت الجَدَل في وسط علماء مذاهب العامّة، واعتُبرت من أعوص المشاكل التي تشكِّل خَطَراً على أيّ قاعدةٍ فقهية؛ لأنه يؤثِّر على عموميّتها واطّرادها. فالفقيه كلّما حدثَتْ له حادثةٌ، وأراد أن يخرج حكمها على قاعدةٍ فقهية، خشي أن تكون تلك المسألة خارجةً عن حكم القاعدة، وداخلةً في جملة المستثنيات. ولذلك، وبناء على رأي العلماء الذين اعتبروا الاستثناءات تشكِّل خَطَراً على القواعد الفقهية، تعتبر قاعدة اشتراك التكليف بين الرجل والمرأة، أو النساء شقائق الرجال، قياساً على غيرها من القواعد، قد عكَّرَتْ على صَفْوِها استثناءاتٌ كثيرة، وبالتالي لا تصلح للاحتجاج في الموارد المشكوكة، فهذا الأمر له ارتباطٌ وثيق بتقييم القاعدة، والحكم عليها، وهو شاهدٌ على رتبتها من الاعتبار، ويؤدّي إلى عدم قاعديَّتِها أصلاً.
لذلك عالج بعض المحقِّقين المسألة من الأصل؛ حيث رجَّحوا في مقام بيان حقيقة القاعدة الفقهيّة أنّها حكمٌ أغلبيّ وأكثريّ، لا كلِّيّ. وحينما أرجعوا المسائل الفقهية عن طريق الاستقراء إلى قواعد كلِّية، كلٌّ منها ضابطٌ وجامعٌ لمسائل كثيرة، واتّخذوها أدلّةً لإثبات أحكام تلك المسائل، رأَوْا أن بعض فروع تلك القواعد يعارضه أثرٌ أو ضرورةٌ أو قَيْدٌ أو علّةٌ مؤثِّرة، تخرجها عن الاطّراد، فتكون مستثناةً من تلك القاعدة، ومعدولاً بها عن سنن القياس، فحكموا عليها بالأغلبيّة، لا بالاطّراد([67]). وبالتالي سيكون نظر هؤلاء إلى أن الموارد الخارجة من تحت القاعدة على أنها خارجةٌ بالخروج الاستثنائيّ المتَّصل، المعبَّر عنه بالخروج التخصيصيّ الحُكْميّ.
إلاّ أنّ الشاطبي في حديثه عن الجزئيّ الذي يخرج عن القاعدة قد يكون حَلَّ مشكلة الاستثناءات التي تشكِّل عائقاً أمام عمومها واطّرادها؛ حيث قال: «فالجزئيات المتخلِّفة قد يكون تخلُّفها لحكمٍ خارجٍ عن مقتضى الكلِّي، فلا تكون داخلةً تحته أصلاً؛ أو تكون داخلةً، لكنْ لم يظهر لنا دخولها؛ أو داخلة عندنا، لكنْ عارضها على الخصوص ما هي به أَوْلى»([68]). فعلى كلّ تقديرٍ لا اعتبار بمعارضة الجزئيّات في صحّة وضع الكلِّيات للمصالح.
فتعبير الشاطبي بقوله: (فلا تكون داخلةً تحته أصلاً) هو نفسه ما اصطلحَتْ عليه بعض علماء الاماميّة بـ (الخروج التخصُّصي)، فيكون من القائلين بأن خروج الموارد المتقدِّمة إنما هو من موارد الخروج التخصُّصي الموضوعيّ، لا التخصيصي الحُكْمي.
إذن، المذاهب الإسلاميّة الأخرى مختلفةٌ في هذه المسألة على قولين، كالإماميّة.
النتيجة المتحصِّلة
اتّضح من خلال ما تقدَّم الفَرْق الأساسي بين الخروج التخصُّصي والتخصيصيّ، وهو أن الإخراج في التخصيص عن الحكم ليس إخراجاً حقيقيّاً، فلولا وجود القرينة المُخْرِجة له، والتي يعبَّر عنها (بالمخصِّص)، لم يخرج عن موضوع الحكم؛ خلافاً للتخصُّص؛ فإن خروج المخصِّص خروجٌ حقيقيٌّ عن الموضوع، بلا حاجةٍ إلى وجود قرينةٍ تُخْرِجُه؛ لأن المسافر مثلاً غير الحاضر حقيقةً. فاذا قال الشارع: «يجب على المسافر التقصير في صلاته» يخرج الحاضر عن الحكم تخصُّصاً، من دون حاجةٍ إلى قرينةٍ أو دليلٍ آخر، أي من دون حاجةٍ إلى (مخصِّص) خارجيّ. وهذا لا يُعَدّ انخراماً لقاعدة.
وهكذا الحال في قاعدة اشتراك الرجل والمرأة في التكليف؛ فإن اختلاف الرجل مع المرأة في أحكامٍ كثيرة لا يؤثِّر على كلِّية القاعدة، ولا يكون نقضاً لعمومها؛ لأن موارد النقض هذه لم تدخل في القاعدة من الأصل.
7ـ تطبيقاتٌ حول القاعدة
وبعد اتّضاح أن الأصل عند الشكّ في الاختصاص هو قاعدة الاشتراك، فقد تمّ رَصْدُ كثيرٍ من النماذج التطبيقيّة؛ ليظهر مدى نفوذ قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء في الشريعة، ومدى الحاجة إليها. ولكنْ لا يَسَع المجال لذكرها جميعاً، غير أنّنا سوف نذكر ثلاثة نماذج فقط؛ من أجل توضيح الصورة.
أـ آية رمي المُحْصَنات
وهي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 4).
1ـ عند الإماميّة: إنّ لفظ الرَّمْي معروفٌ، ثمّ استُعير لنسبة أمرٍ غير مرضيٍّ إلى الإنسان، كالزِّنى والسرقة، وهو القذف. والسياق يشهد أن المراد به نسبة الزِّنى إلى المرأة المُحْصَنة العفيفة. والمراد بالإتيان بأربعة شهداء، وهم شهود الزِّنى، إقامة الشهادة لإثبات ما قذف به. وقد أمر الله تعالى بإقامة الحدّ عليهم إنْ لم يقيموا الشهادة، وحكم بفسقهم وعدم قبول شهادتهم أبداً.
والمعنى: والذين يقذفون المُحْصَنات من النساء بالزِّنى، ثمّ لم يقيموا أربعةً من الشهود على صدقهم في قذفهم، فاجلدوهم ثمانين جلدة على قذفهم، وهم فاسقون، لا تقبلوا شهادتهم على شيءٍ أبداً ([69]).
تقريب الاشتراك: كما هو ظاهرٌ من الآية أنّه يحرم رَمْي النساء المُحْصَنات واتهامهنّ بالزِّنى، إلاّ أنّه يحرم الرَّمْي، سواء كان المقذوف رجلاً أو امرأة، أي إن الحرمة لا تختصّ بالنساء المُحْصَنات، كما ورد في الآية، بل تشمل الرجال أيضاً. وكذلك تعبير ذَيْل الآية: «وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» غير مختصٍّ بالرجال، بل يعمّ النساء أيضاً. لذلك يحرم على المكلَّف قذف الآخرين، سواء كان القاذف رجلاً او امرأة، لكنّ الشمول والعموم لا يُستفاد من الوضع اللغويّ للصيغة؛ لأنها وردَتْ في شأن النساء خاصّةً، بل من دليلٍ آخر، وهو قاعدة الاشتراك؛ باعتبار توفُّر الشروط، التي هي اتّحاد الصنف وإلغاء الخصوصيّة.
2ـ عند جمهور المذاهب: ذكروا في شأنها أنها وردَتْ في بيان حكم جلد القاذف للمُحْصَنة، وهي الحُرّة البالغة العفيفة. وكما هو واضحٌ علّق الحكم فيها بالنساء. ومن المعلوم أن حكم حرمة القذف يعمّ الرجال، أي كما يحرم قذف النساء كذلك يحرم قذف الرجال أيضاً. وعليه، فمَنْ قذف المُحْصَنين، ولم يأتِ بأربعة شهداء؛ فإنه يُجْلَد ثمانين جلدة، ولا تُقْبَل له شهادةٌ أبداً. وكذلك لفظ «الفاسقين» ورد في الآية بصيغة المذكَّر، لكنّه يشمل النساء أيضاً. ويكون المعنى المتحصِّل: مَنْ رمى المُحْصَنين أو المُحْصَنات فهو من الفاسقين أو الفاسقات([70]). وما ذاك إلاّ تمسُّكاً بقاعدة (النساء شقائق الرجال).
ب ـ حكم الاحتكار
1ـ عند الإماميّة: ذهب بعض الفقهاء إلى تحريم احتكار السِّلَع؛ لما فيه من هلاك الناس، فيجب البيع؛ لوجوب حفظ الناس، كما قيل، في المخمصة.
واستدلّوا على التحريم برواياتٍ توجَّهَتْ إلى بعض الأفراد بالخصوص، كما في الرواية التي رواها الكليني، بإسناده عن أبي الفضل سالم الحنّاط قال: قال لي أبو عبد الله×: ما عملك؟ قلتُ: حنّاطٌ، ورُبَما قدمْتُ على نفاق، ورُبَما قدمْتُ على كسادٍ فحبسْتُ، قال×: فما يقول مَنْ قِبَلك فيه؟ قلتُ: يقولون: محتكِرٌ، فقال×: يبيعه أحدٌ غيرك؟ قلتُ: ما أبيع أنا من ألف جزءٍ جزءاً، قال×: «لا بأس، إنّما كان ذلك رجلٌ من قريش، يُقال له: حكيم بن حزام، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلَّه، فمَرَّ عليه النبيّ|، فقال: يا حكيم بن حزام، إيّاك أن تحتكر»([71]).
وهذه الرواية وإنْ وردَتْ في موردٍ خاصّ، في شأن حكيم بن حزام تنهاه عن الاحتكار، إلاّ أنّه لمّا كان الاحتكار سبباً في هلاك الأنفس والإفساد في المجتمع فمن غير المعقول أن هذا الفعل إذا صدر من مكلَّفٍ يكون مفسدةً، وإذا صدر من مكلَّفٍ آخر لا يكون كذلك. وليس النهي عن الاحتكار الذي ورد في الرواية خاصّاً بحزامٍ؛ لأنّه لا دليل على الخصوصية، بل الدليل على إلغائها، كما تقدَّم من أنّ الأحكام عامّةٌ بأدلّة الاشتراك([72]).
وبناءً على ما تقدَّم، لا يمكن أن تظهر دلالة الرواية على المطلوب الذي هو تسرية الحكم من حزامٍ إلى غيره من الرجال والنساء، إلاّ من خلال قاعدة الاشتراك، ولو بنكتة تنقيح المناط.
2ـ عند جمهور المذاهب: أجمع جمهور المذاهب على حرمة الاحتكار([73]).
واستدلّوا على حرمته بما رُوي عن أحد بني عديّ بن كعب قال: قال رسول الله[|]: «لا يحتكر إلاّ خاطئٌ»، فقلتُ لسعيد: فإنك تحتكر، قال: ومعمر كان يحتكر([74]).
ومن الملاحَظ أن الظاهر من روايات الاحتكار عند المذاهب الأخرى أنها وردَتْ متوجِّهةً في الخطاب إلى الرجل، كما عند الإماميّة؛ ولعلّ ذلك من باب أن السائد فيما سبق من الأزمنة أنّ الرجل مَنْ يقوم بفعل الاحتكار؛ نظراً لتصدّيه لأمر التجارة وإجراء المعاملات. إلاّ أنّ حكم الحرمة الذي ورد في الروايات لا يختصّ بالرجال، بل يسري إلى النساء؛ لأنّ العموم والمساواة يكون في الحالات والمناطات المتساوية والمتماثلة، التي يُعبَّر عنها باتحاد الصنف، ومع عدم وجود قرينةٍ على اختصاص الحكم بالرجال فتشترك النساء فيه؛ لأنهُنَّ شقائق الرجال.
ج ـ حكم المُحارَبة
1ـ عند الإماميّة: المقصود من المحارب هو كلّ مَنْ جرّد السلاح؛ للإخافة في برٍّ أو بحرٍ، ليلاً أو نهاراً([75]).
وقد أفتى علماء الإماميّة بوجوب إقامة الحدّ على المُحارِب، من دون فرقٍ بين الرجال والنساء([76]).
واستدلّوا على ذلك بصحيح محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر×، حيث قال: «مَنْ شهر السلاح في مصرٍ من الأمصار، فعقر، اقتصّ منه، ونُفي من تلك البلد. ومَنْ شهر السلاح في مصرٍ من الأمصار، وضرب وعقر وأخذ المال، ولم يقتل، فهو محارِبٌ، فجزاؤه جزاء المحارِب، وأمره إلى الإمام؛ إنْ شاء قتله وصلبه؛ وإنْ شاء قطع يده ورجله. وإنْ ضرب وقتل وأخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثمّ يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال، ثم يقتلونه». فقال له أبو عبيدة: أرأيتَ إنْ عفا عنه أولياء المقتول؟ فقال أبو جعفر×: «إنْ عفَوْا عنه كان على الإمام أن يقتله؛ لأنه قد حارب وقتل وسرق»([77]).
ومن الواضح أنّ ألفاظ الروايات جاءَتْ مطلقةً، وغير مقيَّدةٍ بالرجل أو المرأة، إلاّ أنّه قد يُقال بانصرافها إلى الرجال؛ باعتبار أنّ عادة قطع الطريق، وإشهار السلاح؛ لإخافة الناس، غالباً ما تصدر من الرجال، وقد يفهم العُرْف أنّ الحكم ورد بخصوص الرجال؛ لما ذكر، لذلك لا بُدَّ من دليلٍ آخر يدعم الرواية على سراية الحكم للنساء، ويمكن أن يُقال حينئذٍ أنّ المبرِّر للقول بالشمولية هو قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء.
2ـ عند جمهور المذاهب: من المسائل التي وقع الكلام فيها بين الأعلام، والتي يمكن عدُّها تطبيقاً لقاعدة (النساء شقائق الرجال)، أو قاعدة الاشتراك، مسألة الحرابة، وقطع الطريق التي لها حدٌّ معلوم في الشريعة؛ حيث اشترط بعضهم في إقامة الحدّ على القاطع أن يكون ذَكَراً، فحتّى لو كانت في القطّاع امرأةٌ فوليَتْ القتال وأخذ المال، دون الرجال، لا يُقام الحَدّ عليها في الرواية المشهورة؛ ووجهها أن ركن القطع، وهو الخروج على المارة على وجه المحارَبة والمغالَبة، لا يتحقَّق من النساء عادةً؛ لرقّة قلوبهنَّ، وضعف بُنْيَتهنَّ، فلا يكُنَّ من أهل الحراب، ولهذا لا يقتلْنَ في دار الحرب. بخلاف السرقة؛ لأنها أخذ المال على وجه الاستخفاء، ومسارقة الأعين، والأنوثة لا تمنع من ذلك.
وفي المقابل ذهب آخرون إلى أن حدّ قطع الطريق يستوي فيه الرجل والمرأة؛ فإن الحدّ مهما كان، قطعاً أو قتلاً، تشترك فيه المرأة مع الرجل؛ إذ كلٌّ من القطع والقتل لا يشترط فيه الذكورة والأنوثة. فمقتضى قاعدة (النساء شقائق الرجال) أو قاعدة اشتراك الرجل والمرأة في التكليف عدم الفَرْق في ذلك، ما لم يقُمْ دليلٌ على اشتراط الذكورة([78]).
8ـ الخاتمة
1ـ لقد اختلف الفريقان في عنوان القاعدة المبحوث عنها، حيث عُنونَتْ عند:
أـ الإمامية بـ (قاعدة اشتراك الأحكام الشرعية بين الرجال والنساء). وهو ينطبق على مضمون القاعدة، وما يُراد إثباته منها، بحيث لا يَرِدُ عليه إشكالٌ يزعزع كلِّيتها وعمومها وقاعديّتها.
ب ـ جمهور المذاهب بـ (النساء شقائق الرجال)، الذي معناه النظير، أي المساوي من جميع الجهات. وإن هذا لا ينطبق مع مضامين القاعدة.
2ـ إنّ مفاد قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء عند جميع المذاهب الفقهيّة تتكفَّل إثبات الاشتراك في الأحكام الفرعيّة، التكليفية والوضعيّة، لا العقائد الدينيّة، فكان تعبيرهم كالتالي:
أـ الإماميّة: إنّ مفاد قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء ـ الفرع ـ عند الإمامية هو أنّ الحكم إذا توجَّه إلى رجلٍ أو طائفةٍ من دون قَيْدٍ فإنّ المتسالم عند الفقهاء شموله للرجال والنساء معاً، أو فقُلْ: هو إلحاق النساء بالرجال ـ أو بالعكس ـ في الأحكام الموجَّهة إليهم، المخاطَبين بها.
ب ـ جمهور المذاهب: ذكروا أنّ الأصل في الشريعة شموليّة الأحكام للنساء والرجال، إلاّ ما خصّ.
3ـ إن تمامية الأدلّة التي ساقها العلماء من مختلف المذاهب الإسلاميّة على قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجل والمرأة تصيِّر هذه القاعدة صالحةً لأن تكون قاعدةً مستقلّة قائمةً برأسها؛ حيث إنها تتكفَّل بعنوانها الخاصّ إثبات التكليف لعموم الرجال والنساء، بغضّ النظر عن الزمان والمكان. ويترتَّب عليها فروع كثيرة في جميع أبواب الفقه الإسلامي.
ويكفي دليلاً قيام ضرورة الشرع والفقه، والاتّفاق القطعيّ، على اعتبار قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجل والمرأة، حتّى لو نوقش في سائر الأدلّة.
4ـ وعلى هذا الأساس يكون الأصل الأوّلي عند الشكّ في اشتراك التكليف بين الرجل والمرأة، وعند انعدام القرينة على التخصيص، هو الاشتراك وعموم التكليف لكلٍّ منهما، فيسري الحكم من أحد الطرفين إلى الآخر بمعونة قاعدة الاشتراك، ما لم يدلّ دليلٌ على العَدَم.
وطبعاً هذا الاشتراك الذي تثبته القاعدة عند مختلف المذاهب إنما هو الاشتراك في الأحكام الفرعيّة، التكليفية والوضعيّة، لا العقائد الدينية.
5ـ هناك موارد عديدة خرجَتْ عن القاعدة عند جميع المذاهب. وتقاربَتْ تعبيراتهم حول مناط الخروج، فكانت كالتالي:
أـ عند الإماميّة: مناط الخروج يرجع إلى مصلحةٍ يراها الشارع الحكيم؛ إمّا لاختلاف التكوين بين الجنسين؛ أو اختلاف الأدوار المنوطة بكلٍّ منهما؛ أو مراعاة الظروف والعناوين الطارئة؛ وما شاكل ذلك.
ب ـ عند جمهور المذاهب: إن التسوية والعموم يقومان على الفطرة والعدالة، فكذلك الاستثناء واختلاف الأحكام قد تقتضيها الفطرة والعدالة.
6ـ اختلفَتْ التعبيرات في كيفيّة وطبيعة خروج الموارد عن القاعدة عند المذاهب كما يلي:
أـ عند الإماميّة: من باب التخصُّص والخروج الموضوعي، كما ذهب إليه بعض الأعلام؛ خلافاً لمَنْ اعتبر أن هذا الخروج من باب التخصيص والخروج الحُكْميّ، الذي تبنّاه بعضٌ.
ب ـ عند جمهور المذاهب: الجزئيات المتخلِّفة قد يكون تخلُّفها لحِكَمٍ خارجةٍ عن مقتضى الكلِّي، فلا تكون داخلةً تحته أصلاً؛ أو تكون داخلةً، لكنْ لم يظهر لنا دخولها؛ أو داخلةً عندنا، لكنْ عارضها على الخصوص ما هي به أَوْلى.
7ـ اتّضح من خلال ذكر بعض الموارد عند المذاهب الإسلاميّة الخمسة أن بعض الأحكام الشرعيّة التي يُراد تعميمها لكلِّ المكلَّفين، من الرجال والنساء، بحاجةٍ لإعمال قاعدة اشتراك الأحكام بين الرجال والنساء محلّ البحث.
الهوامش
(*) أستاذةٌ وباحثةٌ في الحوزة العلميّة في قم. من لبنان.
([1]) علي الندوي، القواعد الفقهية: 43.
([2]) انظر: مسعود بن عمر التفتازاني، شرح التلويح على التوضيح 1: 34؛ ومحمد بن علي التهانوي، كشّاف اصطلاحات الفنون 5: 1176 ـ 1177. وانظر أيضاً: علي بن محمد الجرجاني، التعريفات: 171.
([3]) محمد حسن البجنوردي، القواعد الفقهيّة 1: 5؛ وانظر: ناصر مكارم الشيرازي، القواعد الفقهية 2: 11.
([4]) انظر: إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات (شرح درّاز) 2: 53.
([5]) مجمع الفقه الإسلامي الدولي، معلمة زايد للقواعد الفقهية 3: 255.
([6]) انظر: عبد الوهاب بن علي السبكي، الأشباه والنظائر 2: 102 ـ 103؛ وعبد الواحد بن إسماعيل الروياني، بحر المذهب 10: 239.
([7]) إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، الموافقات 1: 543.
([8]) انظر: أبو بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع 2: 311.
([9]) انظر: محمد بن أشرف بن أمير العظيم آبادي، عون المعبود في شرح سنن أبي داوود 12: 107.
([10]) انظر: محمد بن علي الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الأصول 1: 322.
([11]) انظر: أحمد بن محمد الطحطاوي الحنفي، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (شرح نور الإيضاح): 620؛ ومحمد بن علي الشوكاني، السيل الجرّار المتدفق على حدائق الأزهار: 141؛ ومحمد بن الطيب الباقلاني المالكي، التقريب والإرشاد (الصغير) 2: 177.
([12]) عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 1: 341.
([13]) انظر: محمد بن محمد الغزالي، المستصفى في علم الأصول: 241.
([14]) انظر: محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، المبسوط 29: 172؛ ومحمد صدقي آل بورنو، موسوعة القواعد الفقهية 1: 295.
([15]) محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي 1: 189.
([16]) انظر: مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، العناوين ۱: ۲۰ ـ ۲۱؛ ومحمد حسن الموسوي البجنوردي، القواعد الفقهية 2: 53؛ ومحمد فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية 1: 295.
([18]) انظر: علي أكبر السيفي المازندراني، مباني الفقه الفعّال 3: 34 ـ 35؛ ومحمد فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية.
([19]) عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، فتح الباري شرح صحيح البخاري 1: 341.
([20]) مجمع الفقه الإسلامي الدولي، معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية 18: 292.
([21]) محمد بن محمد بن أمير الحاج، التقرير والتحبير 1: 211.
([22]) زين الدين بن إبراهيم بن نجيم المصري الحنفي، البحر الرائق في شرح كنـز الدقائق 1: 45؛ وانظر: محمد بن محمد الغزالي، المستصفى في علم الأصول: 241 ـ 242؛ ومحمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه 4: 240 ـ 245.
([23]) انظر: علي أكبر السيفي المازندراني، مباني الفقه الفعّال 3: 42 ـ 43.
([24]) انظر: عباس علي الزارعي السبزواري، القواعد الفقهية في فقه الإمامية 9: 144.
([25]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 5: 18، ح1.
([26]) انظر: مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، العناوين 1: 26.
([27]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 2: 271، ح4.
([28]) انظر: محمد حسن الموسوي البجنوردي، القواعد الفقهية 2: 59.
([29]) محمد بن عليّ بن بابويه الصدوق، معاني الأخبار: 162، ح1.
([30]) انظر: محمد فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية 1: 300.
([31]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 4: 304، ح4.
([32]) انظر: محمد إسحاق الفياض، محاضرات في أصول الفقه (تقريرات أبحاث السيد الخوئي) 4: 26؛ وعبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول (تقريرات أبحاث السيد الروحاني) 3: 215.
([33]) انظر: مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، العناوين 1: 23.
([34]) انظر:عباس علي الزارعي السبزواري، القواعد الفقهية في فقه الإمامية 9: 153.
([35]) انظر: محمد فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية 1: 299.
([36]) انظر: المصدر السابق 1: 299 ـ 300.
([37]) انظر: المصدر السابق 1: 300 ـ 301.
([38]) انظر: محمد بن أحمد السرخسي، أصول السرخسي 1: 73؛ وإبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، الموافقات 2: 407؛ وأحمد بن عبد الحليم بن تيمية، مجموع الفتاوى 27: 59.
([39]) انظر: محمد بن محمد بن أمير حاج الحنفي، التقرير والتحبير 1: 225؛ ومحمد بن الطيب الباقلاني المالكي، التقريب والإرشاد 2: 182. ومحمد بن أحمد بن النجار الحنبلي، مختصر التحرير شرح الكوكب المنير 3: 218 ـ 221.
([40]) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري 1: 14، ح25؛ وعبد الله بن المبارك المروزي، مسند الإمام عبد الله بن المبارك: 147، ح240؛ محمد علي فركوس، الإنارة شرح كتاب الإشارة: 76؛ وعبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم 1: 228 ـ 230.
([41]) محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي 1: 189، ح113؛ ومحمد بن الحسن الشيباني، المبسوط 1: 49.
([42]) انظر: محمد بن أشرف بن أمير العظيم آبادي، عون المعبود في شرح سنن أبي داوود 1: 275؛ وعمر بن عليّ بن الملقن الشافعي، التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4: 640؛ ومحمد بن أبي بكر بن قيِّم الجوزية، إعلام الموقعين 1: 154.
([43]) انظر: محمد بن أحمد بن النجار الحنبلي، مختصر التحرير شرح الكوكب المنير 3: 250 ـ 251.
([44]) انظر: محمد بن محمد بن أمير حاج، التقرير والتحبير 1: 189؛ ومحمد بن عبد الرحيم الهندي، نهاية الوصول في دراية الأصول 1: 285؛ وانظر: عبد الرحمن الإيجي، شرح مختصر المنتهى الأصولي 2: 102.
([45]) مالك بن أنس الأصبحي المدني، الموطّأ 2: 624، ح23؛ ومحمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري 3: 73، ح2171؛ ومسلم بن الحجّاج النيسابوري، صحيح مسلم 3: 1171، ح1542.
والمزابنة: بيع التمر بالرطب كَيْلاً، وبيع الكرم بالزبيب كَيْلاً. انظر: محمود عبد الرحمن عبد المنعم، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 3: 265.
([46]) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري 3: 140، ح2496؛ ومسلم بن الحجّاج النيسابوري، صحيح مسلم 3: 1229، ح1608.
([47]) انظر: عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي، روضة الناظر وجنّة المناظر 2: 42 ـ 44.
([48]) انظر: إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، الموافقات 2: 411؛ وعلي بن أبي علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 2: 260.
([49]) انظر: مجمع الفقه الإسلامي الدولي، معلمة زايد 3: 266.
([50]) محمد بن أبي بكر بن قيِّم الجوزية، أعلام الموقعين عن ربّ العالمين 2: 114.
([51]) انظر: السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري، مهذَّب الأحكام 13: 121؛ والشهيد الثاني زين الدين بن عليّ العاملي، مسالك الأفهام 2: 257؛ ومحمد أمين بن عابدين الحنفي، ردّ المختار على الدرّ المختار 2: 481.
([52]) انظر: العلاّمة الحسن بن يوسف الحلّي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب 10: 259؛ 12: 19. والشهيد الثاني زين الدين بن عليّ العاملي، مسالك الأفهام 2: 270.
([53]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 5: 69، ح227؛ ومحمد بن الحسن الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 500، ح1.
([54]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 5: 74، ح246؛ ومحمد بن الحسن الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 366، ح1.
([55]) محمد بن عليّ بن بابويه الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 334، ح2595؛ ومحمد بن الحسن الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 359، ح1.
([56]) انظر: محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، الإجماع: 53؛ ويحيى بن شرف النووي، المجموع 7: 261؛ وأحمد بن محمد بن قدامة، المغني 3: 303.
([57]) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري 1: 39، ح134؛ ومسلم بن الحجّاج النيسابوري، صحيح مسلم 2: 835، ح1177.
([58]) انظر: أبو بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع 2: 186.
([59]) سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داوود 2: 166، ح1827.
([60]) أحمد بن الحسين البيهقي، السنن الكبرى 5: 75، ح9050.
([61]) انظر: منى خالد محمد عليّ مكّي، ميراث المرأة في الإسلام والشبهات المثارة حوله والردّ عليها: 166.
([62]) انظر: الشيخ محمد الجواهري، معجم طبقات الإرث 1: 54؛ وعثمان بن علي الزيعلي الحنفي، تبيين الحقائق في شرح كنـز الدقائق وحاشية الشِّلْبي 6: 234.
([63]) انظر: عثمان بن علي الزيعلي الحنفي، تبيين الحقائق في شرح كنـز الدقائق 6: 238.
([64]) مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، العناوين الفقهية 1: 29.
([65]) انظر: محمد فاضل اللنكراني، القواعد الفقهية 1: 308.
([66]) انظر: محمد حسن الموسوي البجنوردي، القواعد الفقهية 2: 62.
([67]) انظر: محمد صدقي آل بورنو، موسوعة القواعد الفقهية 1: 22.
([68]) إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، الموافقات 2: 84.
([69]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 15: 81.
([70]) انظر: أبو بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 7: 40؛ وإسماعيل بن عمرو بن كثير القرشي، تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) 6: 10.
([71]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ٥: ١٦٥، ح4؛ ومحمد بن الحسن الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 17: 428، ح3.
([72]) انظر: أحمد بن محمد الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 8: 38.
([73]) عبدالله بن أحمد بن قدامة الحنبلي، المغني 4: 166.
([74]) سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داوود 3: 217، ح3447.
([75]) انظر: علي المشكيني الأردبيلي، مصطلحات الفقه: 475.
([76]) انظر: محمد صادق الروحاني، فقه الصادق 25: 530.
([77]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 10: 132، ح141.
([78]) انظر: أبو بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 7: 91.