أ. مشتاق بن موسى اللواتي(*)
مقدّمةٌ
يتركَّز البحث على مادّة «الغنم»، وتصريفاتها، واستعمالاتها، وتجلِّياتها الجَدَلية حول مفهوم الغنيمة في التراث الفكريّ للمسلمين.
ويرصد النواحي الدلالية لهذه المادّة في المعهود اللغويّ التداولي، وانعكاساتها في مجالَيْ التفسير والفقه.
ولا يتطرَّق إلى الأمور المتّصلة بالتاريخ السياسيّ، التي لم يعُدْ لها وجودٌ موضوعيّ في التاريخ الحديث.
ونعني بالتراث الفكريّ ما تركه علماء العرب والمسلمين من آثارٍ واجتهاداتٍ في المجالات الفكريّة والأدبيّة، كاللغة والتفسير والفقه والبحوث الروائيّة.
تشريع الخمس
إن أصل تشريع الخمس ثابتٌ بنصّ القرآن الكريم، في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الأنفال: 41).
وبمراجعة تفسير «الكشّاف»، للزمخشري(538هـ) ـ وهو من أئمّة اللغة، ويمتاز تفسيره بالتركيز على الجوانب اللغوية والبلاغية ـ، نجده يقول: (أن ما غنمتم) ما موصولةٌ. (من شيء) قيل: من شيءٍ حتّى الخَيْط والمخيط. (فأن لله) مبتدأٌ، خبره محذوف تقديره فحقٌّ أو فواجبٌ أن لله خمسه… كأنّه قيل: فلا بُدَّ من ثبات الخمس فيه. ولا سبيل الى الإخلال به والتفريط فيه؛ من حيث إذا حذف الخبر، واحتمل غير واحد من المقدّرات، كقولك: ثابت واجب حقّ لازم وما أشبه، كان أقوى؛ لإيجابه من النصّ على واحد. وأضاف: وإنْ قلتَ: بِمَ تعلَّق قوله: (إنْ كنتم آمنتم بالله)؟ قلتُ: بمحذوفٍ يدلّ عليه. (واعلموا) والمعنى: إنْ كنتم آمنتم بالله اعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرُّب به، فاقطعوا عنه أطماعكم، واقتنعوا بالأخماس الأربعة([1]).
وقد آثرْتُ نقل تفسيره للآية؛ لمقابلة ما ذكره قلمداران، بأن الآية صدِّرَتْ بصيغة «واعلموا»، وأن التأمُّل في لَحْنها ولهجتها يفيد أنها ليست لهجةَ أمرٍ أو مطالبةٍ بأخذٍ، بل لهجتها لهجة إعلامٍ وإرشادٍ، وأنها لم تأتِ على النحو الذي جاءَتْ به آيات الأمر بالصلاة والزكاة. وأضاف: إنه لا يخفى على أهل الأدب والعارفين بلغة العرب ما في الآية من لطفٍ واختلافٍ عن تلك الأوامر؛ وذلك لأن المسألة هنا مسألةٌ علميّة، وليست عمليّة. ولذا بدأ بعبارة: «واعلموا»، وليس بعبارة: «آتوا أو أدّوا»([2]).
وافقه الحيدري على هذه الخصوصية للآية ـ حَسْب تعبيره ـ، غير أنه استدرك بأن الجزاء في ذيل الآية نصٌّ على أن أداء ذلك كاشفٌ عن الإيمان بالله وبما أُنزل على النبي|([3]).
ويرى قلمداران بأن كلمة «غنمتم» جاءت بصيغة المخاطَب للماضي، ممّا يدلّ على أن الكلام عن أمرٍ قد وقع، وعن شيءٍ كان حاضراً في حينها، فلا يصح إذن أن يقصد بها غنائم لم يتمّ الحصول عليها بعدُ، وأنها ستختصّ برسول الله وآله فيما بعدُ([4]).
وقد أوضحَتْ دراسات النظم البيانيّ في القرآن الكريم بأن ذلك من بين الأساليب البلاغيّة القرآنية، حيث يعبِّر بالمضارع عن الماضي، ويعبِّر بالماضي عن المضارع، وبالماضي عن الأمر، كما يعبِّر عن الأمر بالمضارع، وبالماضي عن الأمر. ومن وجوه التعبير بالماضي إفادته الحال والاستمرار ولما يتحقَّق في المستقبل([5]).
ولا يخفى أن هناك جَدَلاً بين أهل اللغة والتفسير والفقه حول بعض مفاهيم الآية. ونكتفي في المقام بهذه الإطلالة العامّة عليها.
وسنتناول القضية المبحوثة من خلال المحاور التالية:
أوّلاً: اتجاهات اللغويّين
وقع نقاشٌ بين الفقهاء والمفسِّرين في بعض المسائل المتعلِّقة بالآية الكريمة، من قبيل: دلالة مادّة «غنم» وتصريفاتها، وهل تختصّ بغنائم دار الحرب أم تعمّ مختلف المكاسب والفوائد؟
وبتعبيرٍ أدقّ: ما هو المعنى الذي وضع له لفظ «الغنيمة»؟ وما هي استعمالاته المعهودة في المجال التداولي في تراث المسلمين؟
اختلفت تعريفات أئمّة اللغة وعلماء مفردات القرآن وغريبه، وكذلك غريب الحديث، حول ذلك.
ففي «العين»، للخليل بن أحمد(170هـ): والغنم هو الفوز بالشيء في غير مشقّةٍ. والاغتنام: انتهاب الغنم. والغنيمة: الفَيْء([6]).
وفي «مقاييس اللغة»، لابن فارس(395هـ): الغين والنون والميم أصلٌ صحيح واحد، يدلّ على إفادة شيء لم يملك من قبلُ، ثمّ يختص ما أخذ من مال المشركين بقهرٍ وغلبة، قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾([7]).
وفي «لسان العرب»، لابن منظور(711هـ): الغنم الفوز بالشيء من غير مشقّةٍ. والاغتنام انتهاز الغنم. وفي الحديث: الرهن لمَنْ رهنه، له غنمه، وعليه غرمه. غنمه زيادته ونماؤه وفاضل قيمته…
وقال الأزهري(370هـ): الغنيمة ما أوجف عليه المسلمون بخَيْلهم وركابهم من أموال المشركين… وفي الحديث: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، سمّاه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب([8]).
ولم تبتعد مصادر مفردات القرآن الكريم عمّا ذكره اللغويّون.
وقال الراغب(502هـ): والغنم إصابته والظفر به. ثم استعمل في كلّ مظفورٍ به من جهة العِدى وغيرهم. قال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾. والمغنم ما يغنم، وجمعه: مغانم، قال: ﴿فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾([9]).
وحَسْب الطريحي(1085هـ): الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة. ولكنْ اصطلح جماعةٌ على ما أخذ من الكفّار، إنْ كان من غير قتالٍ فهو الفَيْء، وإنْ كان مع القتال فهو غنيمةٌ([10]).
ومثل ذلك جاء في المصادر المختصّة بغريب الحديث.
ذكر ابن قتيبة(276هـ) أن الغنيمة ما غنمه المسلمون من أرض العدوّ، وعن حربٍ تكون بينهم، فهي لمَنْ غنمها، إلاّ الخمس. وأضاف: وأصل الغنيمة والغنم في اللغة الربح والفضل، ومنه قيل في الرهن: له غنمه، وعليه غرمه، أي: فضله للراهن، ونقصانه عليه([11]).
وحَسْب ابن الأثير(606هـ): الغنيمة والغنم والمغنم والغنائم، وهو ما أصيب من أموال أهل الحرب، وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب. يُقال: غنمت أغنم غنماً وغنيمة، والغنائم جمعها، والمغانم جمع مغنم… ومنه الحديث: «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» وإنما سمّاه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب. ومنه الحديث: «الرهن لمَنْ رهنه، له غنمه، وعليه غرمه»، قال: غنمه زيادته ونماؤه وفاضل قيمته([12]).
وإذا تأمَّلنا في كلمات اللغويين والمتخصِّصين في مفردات القرآن والحديث السابقة حول مفهوم مادة الغنم نجدهم طرحوا معاني متفاوتةً بين العامّ والخاصّ.
وإذا مايَزْنا في كلماتهم بين المعاني اللغوية وبين تطبيقاتها ومصاديقها نجد أن تعريفاتهم على مستوى الدلالة اللغوية أقرب إلى بعض المعاني العامّة لمادة الغنم، من قبيل: الفوز بالشيء بلا مشقّة، وإفادة شيءٍ لم يملك من قبلُ، والزيادة والنماء وفاضل القيمة، والربح والفضل، والفائدة المُكتَسَبة.
أما على المستوى التطبيقي فنجدهم اتَّجهوا نحو تطبيقات التاريخ السياسي والفقه الشرعيّ، فربطوا الغنيمة بغنائم دار الحرب.
وتداخل مفهوم الغنيمة بالفَيْء في بعض التعريفات، ومع ذلك لم يقصروا مدلولها على ما يظفر به في الحرب فقط، بل طبَّقوه على الثواب الآتي من الصوم في الشتاء، وعلى عوائد الرهن، ومغانم الآخرة.
وثمّة مدخلٌ لتفسير الفوز بالشيء والظفر به بالغلبة؛ لأن من معاني الظفر الفوز بالمطلوب، وكذا الفلج بما خاصمت([13]).
والظفر يستبطن معنى الغلبة([14])، ولا يقتصر على الغلبة في الحرب.
ويفهم من كلام كلٍّ من: ابن فارس؛ والراغب، أن ثمّة تطوّراً حصل في استعمال الكلمة في المجال التداولي في مرحلةٍ تاريخية تالية، بحيث صارت تختصّ بغنائم الحرب.
وحَسْب الطريحي فإن الاختصاص بغنائم دار الحرب معنى اصطلاحيّ متأخِّر.
مناقشة الحيدري
وفي ضوء ما سبق يمكن مناقشة ما ذكره الحيدري ، من أنه بمراجعة المصادر اللغوية الأصليّة، بل الثانوية أيضاً، لا نجد وصفاً للغنيمة بأنها مطلق الفائدة المكتَسَبة، بل ينصّون على أن الغنم هو الفوز بالشيء بلا مشقّةٍ، وأن المحصَّلة المستفادة من كلماتهم التفريق بين الغنم والغنيمة، وأن الغنم واشتقاقاتها موضوعٌ للفوز بالشيء بلا مشقّة، وأما الغنيمة فهي ما أوجف عليه المسلمون بخَيْلهم وركابهم([15])، واختار تعريف الخليل(170هـ) ومَنْ وافقه، كأبي عبيدة(224هـ) والأزهري(370هـ) والصاحب بن عبّاد(385هـ)؛ لأن آراءهم ـ في نظره ـ استندَتْ إلى المعاني المستعملة، وإلى الرواة والشعر والقرآن والحديث؛ أما ما عداها فاعتبرها مخالفةً للاستعمالات العربية، ومعتمدة على الحَدْس والاجتهاد([16])، واستبعد مَنْ خالف هؤلاء، كابن قتيبة(276هـ) وابن فارس(395هـ) وغيرهم، معتبراً تعريفاتهم اجتهادية، ومخالفة لما كان مستعملاً لدى العرب، وكذا لاستعمالات القرآن والحديث والشعر.
والواقع أن اللغويين دَرَجوا على ذكر المعاني اللغوية، وتطبيقاتها، واستعمالاتها التاريخيّة. والخليل ـ كما لاحَظْنا ـ لم يقصر معنى الغنم بما يظفر به في ساحة الحرب. بل طبَّقه على الفَيْء، وهو ـ حَسْب المشهور ـ مقابلٌ للغنيمة بالمعنى الأخصّ، أي ممّا لم يوجف عليه بخَيْلٍ أو ركاب.
وذكر ابن منظور ـ من المتأخِّرين ـ نفس التعريف، ونقله عن الأزهريّ، وطبقه على المعنى الاصطلاحي.
وليس ابن فارس وحده الذي لم يفرِّق بين الغنم والغنيمة، بل كذلك الأزهري وابن قتيبة وابن الأثير.
كما أن ابن قتيبة وأبا عبيدة كانا متقاربين زماناً، وابن فارس كان معاصراً أو مقارباً زماناً للأزهري، وللصاحب بن عبّاد.
وصرَّح ابن فارس بأن كتاب الخليل وغريبَيْ أبي عبيدة هما من بين مصادره، وأنه اعتمد عليهما، وعلى غيرها من المصادر الأصليّة لأئمّة اللغة المعروفين، مثل: كتاب «المنطق»، لابن السكِّيت(244هـ)؛ وكتاب «الجمهرة»، لابن دريد(321هـ).
وقال ابن فارس، بعد أن عدَّد مصادره: وهذه الكتب الخمسة معتمدُنا في ما استنبطناه من مقاييس اللغة، وما بعد هذه الكتب محمولٌ عليها، وراجعٌ إليها([17]).
الخليل ومدرسة البصرة
ولا نغفل أن الخليل كان ينتمي إلى مدرسة البصرة، التي عرفَتْ باستخدام القياس والاجتهاد والمنطق، إلى جانب اعتماد الرواية في اللغة، وأن كتابه اشتمل على كلمات مولّدة ومستحدَثة ومصطنعة، مثل: دهداق، دهدق([18]). وثمّة دعوى حول اعتماده على الإمكان الذهني، وإسرافه في الاعتماد على المسلك المنطقي والرياضي، البعيد عن الواقع التداولي والاجتماعي([19]).
وهناك مَنْ شكَّك في نسبة معجم العين الى الخليل، مثل: أبي حاتم السجستاني والأزهري، الذي كان يزعم أنه لليث، وأن الخليل نحله!
مقابل مَنْ أثبت نسبته إليه، مثل: ابن دريد.
وهو الذي استقرَّتْ عليه شهرته، ويؤكِّده بعض المحقِّقين([20]).
ويبدو أن التفريق في كلمات بعض اللغويّين بين الغنم والغنيمة يرجع الى أنهم يذكرون المعنى اللغويّ أوّلاً، ثمّ يطبِّقونه ـ حَسْب اجتهادهم ـ على مجالات الاستعمال والتداول الفقهي.
وقد يقدِّم بعضهم المصداق، بينما يبدأ بعضهم بالتعريف، ثمّ يردفه بالمصداق. وقد يطبِّق بعضهم المعنى على آية الغنيمة، أو يستشهد بها؛ لكون موضوعها مصداقاً بارزاً لها، وإلاّ فإن الغنيمة مصدر غنم، ومن مشتقّاتها، وليست أجنبيّةً عنها.
ومع الأهمّية المرجعية للغة واستعمالاتها المعهودة في تحديد دلالات النصوص، إلاّ أنها كظاهرةٍ اجتماعية تخضع لموازين التطوُّر والتغيُّر، وإنْ كان تطوُّرها بطيئاً، ومن ثَمَّ فإنها تتأثَّر بالسياقات الثقافية والتاريخية. وفي هذا الصدد يرى بعض العلماء أن اللغويين أنفسهم، وبالأخصّ في موارد التطبيق، قد تأثَّروا بالاستعمالات التاريخية الرسميّة، وبالاجتهادات الفقهية والتفسيرية السائدة. ويُلاحَظ أن بعضهم يذكر المعنى اللغويّ، ويردفه بما انتهى إليه الاستعمال الاصطلاحيّ؛ ويصرِّح بعضهم: ثمّ اختصّ أو استعمل في كذا، أو اصطلح على كذا. وتطبيق بعضهم أو استشهادهم بـ «آية الخمس» من سورة الأنفال أدّى إلى تبادل التأثير بينهم وبين المفسِّرين والفقهاء، كما سيتّضح لاحقاً.
ويرى السيستاني ـ حَسْب بعض مقرِّري درسه ـ أن كتب اللغة متأثِّرةٌ بمذاهب أهلها غالباً، ولذا فسَّر كلٌّ منهم ما فيه نحو إجمالٍ وإبهامٍ على مرامه، متأثِّراً بمذهبه الفقهيّ. فمثلاً: نرى أنهم يفسِّرون الغنيمة بغنائم دار الحرب؛ وذلك لتأثُّرهم بأن الخمس إنما يجب في غنائم الحرب. والحال أن الغنيمة ـ كما يرى ـ هي الظفر بالشيء، بل هي كلّ عوضٍ مادّي([21]). وقد أشار غيرُ واحدٍ من العلماء إلى ذلك.
إن هذا التداخل في المعاني والدلالات اللغويّة، والتأثُّر بالاستعمالات التاريخية الرسميّة والاصطلاحية الفقهية المتداولة، زاد من صعوبات البحث؛ للوصول إلى تحديد معنىً محدَّدٍ، استعمل فيه لفظ الغنم والغنيمة، فضلاً عن المعنى الذي وُضع له.
استعمالاتٌ عامّة لمادّة «غنم»
درس الخرسان استعمالات مادة «غنم» وتصريفاتها اللغويّة في الكتاب والسنّة والأدب، وانتهى إلى سعة المفهوم، وعدم اقتصاره على غنائم الحرب وحدها.
ومن الشواهد التي ساقها من القرآن الكريم والحديث والأدب العربيّ:
1ـ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ (النساء: 94)، وواضحٌ أنها لا تشير الى غنائم الحرب، بل إلى مغانم الآخرة.
2ـ ومن الحديث الشريف، عن النبيّ المصطفى|: «سافروا تغنموا، وصوموا تصحّوا».
3ـ وفي نهاية ابن الأثير، عن النبيّ|: «الرهن لمَنْ رهنه، له غنمه، وعليه غرمه». والغنم بمعنى الزيادة والنماء وفاضل القيمة([22]). والاستعمال هنا في سياق معاملةٍ تجارية.
4ـ وفي سنن ابن ماجة: يُقال عند إخراج الزكاة ما ورد عن النبيّﷺ: «اللهمّ، اجعَلْها مغنماً، ولا تجعلها مغرماً».
5ـ ووردَتْ في كلمات الإمام عليّ×، في نهج البلاغة، في عددٍ من الموارد غير الحربيّة، ومنها: في كتابه لواليه على البصرة: «فوالله ما كنَزْتُ من دنياكم تبراً، ولا ادَّخَرْتُ من غنائمها وفراً». وهو واضحٌ في المعنى الواسع الشامل لمختلف الإفادات المادّية والغنائم الدنيويّة.
6ـ وجاء في دعاء الإمام زين العابدين×، في الصحيفة السجّادية: «اللهمّ…، مَنْ تهده يعلم، ومَنْ تقرِّبه إليك يغنم».
وفي دعاءٍ آخر: «أسألك الغنيمة من كلّ برٍّ».
7ـ وعن الإمام جعفر الصادق×: «قرض المؤمن غنيمةٌ وتعجيلُ أجرٍ».
8ـ وقال عنترة العبسي:
فقلتُ لها مَنْ يغنم اليوم نفسه *** وينظر غداً يلْقَ الذي كان لاقيا
9ـ وقال أبو العتاهية:
ومَنْ يغتنم يوماً يجده غنيمةً *** ومَنْ فاته يوم فليس بعائدِ([23])
وانتهى إلى أن الوضع اللغويّ والاستعمال اللغويّ المتكرِّر يأبى تخصيص مفهوم الغنيمة بمصداقها الحربيّ وحده([24]).
وتتبَّع الهمداني استعمال مادة «غنم»، ومختلف تصريفاتها، اسماً وفعلاً، مصدراً ومشتقّاً، في مصادر الأخبار لمختلف تيّارات المسلمين. وأورد 63 رواية في التصريفات الآتية: غنم، غنمت، يغنم، تغنم، المغنم، الغنم، الغانم، الغانمون، الغنيمة، تغنموا، اغتنموا، اغتنم. وانتهى إلى أن دلالتها ليست مختصّةً بالغنائم الحربية، وأن لهذه المادّة معنىً واحداً سارياً في جميع هذه الموارد، ومشتركاً بينها، ولهذا المعنى سعةٌ تشمل كلّ فائدةٍ، ولا اختصاص له بالغنائم الحربيّة؛ فإن استعمال الغنيمة في مقابل الغرام، واستعمال المغنم في مقابل المغرم، واستعمال الغنم في مقابل الغرم، في عشرات الأحاديث والآثار وغيرها من القرائن، يكشف كشفاً قاطعاً عن سَعَة المعنى، وعدم اختصاصه بغنائم الحرب. وإن استعمال هذه المادّة أحياناً في الغنيمة الحربيّة ليس من جهة ضيق المعنى ذاتاً، واختصاصه بغنيمة الحرب لغةً، بل هو من جهة كونها من مصاديق هذا المعنى العامّ([25]).
قَيْد الفوز «بدون مشقّةٍ»
لاحَظْنا أن بعض علماء اللغة عرف الغنم بأنه الفوز بالشيء «بدون مشقّةٍ».
وقد أثير جَدَلٌ حول هذا القَيْد؛ إذ كيف يكون الفوز بالغنيمة بدون مشقّةٍ أو تعبٍ، على الرغم من أنّهم اتَّفقوا على أن ما يظفر به في الحرب أبرز مصداقٍ لها.
إن العمل بهذ القَيْد يلزم منه إخراج ما يستفاد من غنائم الحروب، وهو أمرٌ يخالف ما أطبق عليه اللغويّون وما جرى عليه التداول والاستعمال. بل يمكن القول: إن جُلَّ ما يحقِّقه الفرد أو الجماعة من فوائد ومكاسب في مختلف المجالات لا يتحقَّق بلا جهدٍ أو تعبٍ أو مشقّةٍ وعناءٍ، وإنْ على تفاوتٍ.
واعترض رشيد رضا(1354هـ) على القَيْد المذكور. وفي نظره هو مستندٌ إلى ذوق اللغة، أو يشتم منه ما يقاربه، ولكنه غيرُ دقيقٍ. وذكر أن العرب سمّوا ما يؤخذ من العدوّ في الحرب غنيمةً، وهو لا يخلو من مشقّةٍ([26]).
ونقده الخوئي أيضاً، ورأى أن هذا القَيْد ينافيه مورد الآية؛ لما في الحرب من مشقّةٍ([27]).
القَيْد نتاج تطوُّر المفهوم
درس العسكريّ ملابسات ظهور هذا القَيْد، فانتهى إلى أن لفظة الغنيمة تطوَّرت استعمالاتها، وكانت ألفاظ السلب والنهب في الجاهلية تساوق الغنيمة والمغنم في عصرنا. وكان النبيّ| منع النهب والسلب، كما ورد في صحيح البخاري، عن عبادة: «بايعنا النبيّ على أن لا ننهب». وفي نظره إن الخلفية التاريخية لعدّ الغنيمة من غير مشقّةٍ تكمن في أنها جُعلَتْ بيد النبيّ|، يقسِّمها حَسْب المصلحة، بعد تنازع المقاتلين ومَنْ كُلِّف بحماية النبيِّ حول أحقِّيتها بعد معركة بدر. وقد أعطى النبيُّ لبعض مَنْ لم يحضر بعض الغزوات، مثل: عثمان بن عفان وأبي موسى الأشعري وجعفر بن أبي طالب ومَنْ هاجر معه إلى الحبشة، كما أعطى للمؤلَّفة قلوبهم في حنين، أضعاف سهم المؤمن المجاهد([28]). ولهذا نُظر إليها وكأنّها أصيبَتْ بلا مشقّةٍ؛ لأنها بمثابة منحةٍ من رسول الله، وليس من الحرب. وفي عصر انتشار الفتوحات، على عهد الخليفة عمر وما بعده، كثر استعمال مادّة «غنم» على ما ظفر به من جهة العِدَى خاصّة. وعندما قام علماء اللغة بتدوينها، ولاحظوا الاستخدامات المختلفة، لم ينتبهوا إلى تطوُّر تطبيقات مادّة «غنم» تاريخيّاً، مما جعل بعضهم يخلط في معانيها([29]). ولا يوافق الهمداني على وقوع تطوُّرٍ في استعمال الكلمة واختصاصها بغنائم الحرب، على الرغم من استعمالها فيها، مع وجود القرينة الحاليّة والمقاليّة. ويرى عدم وجود أثرٍ لهذه الدعوى في الآثار([30]).
ويرى البوطي أن ملكية المقاتل للغنيمة تتحقَّق بعد قسمة النبيّ|، وليس قبلها. واستدلّ بقول النبيّ| لوفد هوازن: «لقد استأنَيْتُ بكم»، أي أخَّرْتُ قسمة الغنائم؛ آملاً في إسلامكم، على أن الجند إنما يملكون الغنائم بعد تقسيم الإمام لها. فمهما دامَتْ قبل القسمة فهي لا تعتبر ملكاً للمقاتلين([31]).
نظرةٌ في تحليل العسكريّ
يَرِدُ على التحليل السابق بأنه لم يبين إنْ كانت السيرة السائدة في عهد النبيّ| هي تقسيم الغنائم على المقاتلين وغير المقاتلين دون فرقٍ، أم أن إعطاء غير المقاتلين كان في حالاتٍ محدودة؟ وأنّ جعل توزيعها بيد النبيّ هل كان بمعنى أنه هو مالكها والمتصرِّف فيها أو بصفته الحاكم والقائد، وبالتالي فهو شأنٌ تنظيميّ تدبيريّ، يحول دون وقوع النزاع بين المقاتلين أو المستحقين لها؟
وحتّى لو قيل: إن ملكيّتها كانت للنبيّ|، وإنه كان المتصرِّف فيها حَسْب ما يراه من المصلحة، فإنه لا ينفي المشقّة التي يعانيها المقاتلون والمشاركون في الحرب.
والتأمُّل في الاعتراضات التي وقعَتْ على أثر منح النبيّ| الغنائم للقرشيّين والمؤلَّفة قلوبهم والطلقاء، دون الأنصار، في «حنين» يدلّ على أن المركوز في أذهان المسلمين آنذاك كان أنها حقٌّ للمقاتلين والمشاركين في المعركة. كما أن الموقف الفقهي انبنى على ذلك([32]). ثم إن مستحقّ الغنيمة ـ حَسْب هذا المنظور ـ وإنْ كان لا يمتلكها إلاّ بعد القسمة، إلاّ أن مفاد الآية ـ كما بيَّن الزمخشري ـ هو اعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرُّب به، فاقطعوا عنه أطماعكم، واقتنعوا بالأخماس الأربعة، إنْ كنتُمْ آمنتم بالله. وكأنّها بمثابة ردٍّ على المعترضين، أو على مَنْ يختلج في صدره بأن شيئاً من حقوقه مُنِحَتْ لغير المستحقّ. ولا يؤثِّر ذلك في الحكم التشريعي الذي أكَّد عليه القرآن، كما ظنّ بعض الكتّاب([33]).
الغنيمة ما يُنال بسَعْيٍ
يبدو أن بعض المفسِّرين المتأخِّرين التفتوا إلى إشكالية القَيْد المذكور (بدون مشقّةٍ)، وعدم انطباقه على الواقع، فقدَّموا تعريفاً مغايراً ومقابلاً للفظ الغنيمة. وقرَّروا أنه ما يناله الرجل أو الجماعة بسَعْيٍ. ودعموا كلامهم بأمثلةٍ من الشعر العربي. ومن هؤلاء: القرطبي(671هـ)؛ وأبو حيّان(745هـ)؛ والشوكاني(1250هـ)؛ وأطفيش(1332هـ)([34]).
بل انتهى بعض الباحثين بأن من معاني الغنيمة ما يحصل عليه الفرد أو المجموعة بالسَّعْي والتجوال، وفي ذلك يقول الشاعر:
وقد طوَّفْتُ في الآفاق حتّى *** رضيتُ من الغنيمة بالإيابِ([35])
تخصيص المفهوم العامّ بالعُرْف الفقهيّ
ويُستفاد من كلمات بعض المفسِّرين أن المفهوم اللغوي للغنيمة أوسع من المعنى السائد، غير أنهم ضيَّقوا مفهومها التفسيري طبقاً لما استقرّ في بعض النظرات الفقهية الشرعية.
قال الرازي(606هـ): إن الغنم هو الفوز بالشيء؛ يقال: غنم يغنم غنماً فهو غانمٌ. وأضاف: والغنيمة في الشريعة ما دخلَتْ في أيدي المسلمين من أموال المشركين على سبيل القَهْر بالخيل والركاب([36]).
أما القرطبي(661) فقد كان أكثر وضوحاً، حيث قال: الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسَعْيٍ، ومن ذلك: قول الشاعر:
وقد طوَّفْتُ في الآفاق حتّى *** رضيتُ من الغنيمة بالإيابِ
غير أنه قال بعده: واعلم أن الاتّفاق حاصلٌ على أن المراد بقوله تعالى: ﴿غَنِمْتُمْ مِّنْ شَيْءٍ﴾ مالُ الكفّار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقَهْر.
وصرَّح بالقول: ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص، على ما بيَّناه. ولكنْ عُرْفُ الشرع قيَّد اللفظ بهذا النوع([37]).
وكلامُه واضحٌ في أن مفهوم الغنيمة في اللغة واسعٌ، وأن التخصيص جاء من جهة اتّفاق الفقهاء، وما عبَّر عنه بعُرْف الشرع، وهو تعبيرٌ عن النظرة الفقهية السائدة المتبنّاة في هذا الشأن.
وبهذا فقد مايزا بين المعنى اللغويّ والاصطلاحي الشرعي.
كما صرَّح الألوسي(1270هـ) بقوله: وغنم في الأصل من الغنم، بمعنى الربح… وفي القاموس: المغنم والغنيم والغنيمة والغنم بالضمّ الفَيْء. والمشهور تغاير الغنيمة والفَيْء. ثمّ قال: وفسَّروها بما أخذ من الكفار قهراً بقتالٍ أو إيجافٍ([38]).
وقد صرّح بعض الباحثين المعاصرين بأن التعريف السائد هو فقهيٌّ اصطلاحيّ.
قال القاسمي: فرّق الشرع بين الغنيمة والفَيْء، ولا حاجة بنا للرجوع إلى الأصل اللغوي، فهو متشعِّبٌ وطويل. ونكتفي هنا بالذي اعتمده الفقهاء، ولم يختلفوا فيه، فقالوا: إن الغنيمة ما أُخذ من أموال أهل الحرب عنوةً بطريق القَهْر والغَلَبة([39]).
وقال الصالح: الغنيمة مالٌ من أموال الكفّار، ظفر المؤمنون به على وجه الغَلَبة والقَهْر. وأضاف: ومعناه الاصطلاحيّ هذا مأخوذٌ من المعنى اللغوي للغنيمة: الفوز بالشيء([40]).
وهكذا نجد أن جملةً من المفسِّرين ذكروا بعض المعاني اللغويّة العامّة للفظ الغنيمة، غير أنهم اختاروا في النتيجة ما غلب على استعماله التاريخيّ، واستقرّ عليه العُرْف الفقهي السائد.
ولهذا يرى الخرسان أن تخصيص مفهوم الغنيمة بمصداقها الحربيّ، دون غيره، هو نتيجة التأثُّر باتّجاه الفقه الرسميّ في ظلّ الأُنْس الذهنيّ بكونه من المسلَّمات([41]).
وهو ما أكَّد عليه بعض الفقهاء، كالنراقي والسيستاني.
ثانياً: اتجاهات التفسير
بعد أن عرَضْنا آراء اللغويّين حول دلالات الكلمة، واستعمالاتها المعهودة؛ وتطرَّقنا إلى التحليلات التي ترى تأثُّر بعض الآراء باتّجاهات الفقه التاريخيّ الرسميّ، نشير إلى انعكاساتها في تشكُّل اتّجاهات التفسير لمفهوم الغنيمة:
الاتجاه المضيّق
يقصر العديد من المفسِّرين مفهوم الغنيمة على المعنى الضيِّق، وهو: ما يظفر به المسلمون في الحرب مع المشركين.
فقد نقل الطبري(310هـ) عن عطاء بن السائب: ما أخذوه من مالٍ ظهروا عليه فهو غنيمةٌ.
وعن سفيان الثوري: الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوةً بقتالٍ.
وقال الطبري: الغنيمة هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغَلَبةٍ وقَهْرٍ.
وقال في موردٍ آخر: وقد بيَّنا فيما مضى معنى الغنيمة، وأنها المال يوصل إليه من مال مَنْ خوّل الله ماله أهل دينه، بغَلَبةٍ عليه، وقهرٍ بقتال([42]).
وذكر البيضاوي(685هـ) أن الغنيمة في الشريعة ما دخلَتْ في أيدي المسلمين من أموال المشركين، على سبيل القَهْر بالخَيْل والرِّكاب([43]).
وحَسْب ابن كثير(774هـ): الغنيمة هي المال المأخوذ من الكفّار بإيجاف الخيل والرِّكاب([44]).
وصرَّح الأردبيلي(933هـ) بقوله: والذي ينبغي أن يُذْكَر هنا مضمون الآية، فهي تدلّ على وجوبه في غنائم دار الحرب، ممّا يصدق عليه شيء، وأيَّ شيءٍ كان، منقولاً وغير منقول([45]). وقد احتمله في «مجمع الفائدة»، ولم يجزم فيه على دلالة الآية حَصْراً على غنائم الحرب.
وانتهى رشيد رضا إلى القول: والتحقيق أن الغنيمة في الشرع ما أخذه المسلمون من المنقولات في حرب الكفّار عنوةً([46]).
الاتجاه الموسّع
وفي المقابل ذكر بعض المفسِّرين كلا المفهومين للغنيمة، سواء الضيِّق أو الواسع. ومع كون المعنى الضيِّق ـ على الأقلّ ـ مصداقاً بارزاً غير أنهم مالوا إلى المفهوم الأوسع؛ اتّساقاً مع الموقف الروائي والفقهي لديهم. وفي الوقت نفسه صرَّحوا بأنه يتّفق مع الدلالة اللغوية.
عرّف الطوسي(460هـ) الغنيمة بالمعنى اللغوي السائد، وهو: ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفّار بقتالٍ. وتطرَّق إلى بعض الآراء حول الفرق بين الغنيمة والفَيْء. وقال: وعند أصحابنا الخمس يجب في كلّ فائدةٍ تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك، ممّا ذكرناه في كتب الفقه. وعلَّل ذلك بقوله: ويمكن الاستدلال على ذلك [المعنى الواسع] بهذه الآية؛ لأن جميع ذلك يُسمّى غنيمةً([47]).
ففي نظره إن دلالة الآية أوسع من مجرّد ما يُؤخَذ من أموال الكفّار في الحرب؛ لأن دلالة الغنيمة تشمل كلّ فائدةٍ تحصل للإنسان.
ويبدو أنه حاول الجمع بين الدلالة اللغويّة وموقفه الفقهيّ.
ووافقه الطبرسي(548هـ) بقوله: ويمكن أن يستدلّ على ذلك بهذه الآية؛ لأن جميع ذلك يُسمّى غنيمةً([48]).
ويتّضح من كلامهما أنه مع كون ما يُؤخَذ من أموال العدوّ في الحرب هو المفهوم السائد والمصداق البارز للغنيمة، إلاّ أن دلالة الكلمة ليست منحصرةً فيه.
وقريب منه رأي الراوندي(573هـ)، الذي قال: الغنيمة ما أُخذ من أموال أهل الحرب من الكفّار بقتالٍ، وهي هبة من الله للمسلمين. وأضاف: والخمس يجب فيها، وفي كلّ فائدةٍ تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات، وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك. وهي خمسة وعشرون جنساً، وكلّ واحد منها غنيمةٌ. فإذا كان كذلك فالاستدلال يمكن عليها كلّها بهذه الآية. ويدلّ عليها جملةُ قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾([49]).
فنجده، مع تعريفه بالمصداق السائد، يؤكِّد اندراج مجموعةٍ من الموارد تحت مفهوم الغنيمة. ويظهر من تعقيبه بالصيغة الشرطية: «فإذا كان كذلك فالاستدلال يمكن عليها كلّها بهذه الآية» عدم جزمه بالمفهوم الواسع. ولهذا عضده بقوله: ويدلّ عليه جملةُ قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾. وكأنّه أراد من ذلك الإشارة الضمنية إلى أن الآية وَحْدَها تشير إلى المفهوم الضيِّق، غير أن لفظ الغنيمة يشمل الموارد الأخرى بالمفهوم اللغويّ الواسع، وبدلالة السنّة، التي هي المبين للقرآن الكريم، حَسْبَ ما تقرِّره الآية الكريمة.
أما المفسِّرون المعاصرون، فنشير إلى رأيين: أحدهما: للطباطبائي(1981م)؛ والآخر: لفضل الله(2010م).
رأى الطباطبائي أن الآية تشتمل على تشريعٍ مؤبَّد، كما هو ظاهر التشريعات القرآنية، وأن الحكم متعلِّقٌ بما يُسمّى غنماً وغنيمةً، سواء كان غنيمةً حربية مأخوذة من الكفّار أو غيرها ممّا يطلق عليه الغنيمة لغةً، كأرباح المكاسب والغوص والملاحة والمستخرج من الكنوز والمعادن([50]).
وتطرَّق فضل الله(2010م) إلى أبرز اتجاهَيْ التفسير للآية عند المسلمين، مقرِّراً أنها تعني كلّ الغنائم والفوائد والأرباح، من التجارة والصناعة والزراعة والغوص والكنز والمعادن وغيرها، في ما جاء في التفسير عن أئمّة أهل البيت. وأضاف: وكلمة الغنيمة مطلقةٌ في الآية، وعلى هذا كان مذهب أهل البيت في وجوب الخمس بشكلٍ شامل لكلّ الفوائد والأرباح، من كلّ المداخيل المالية([51]).
ثالثاً: الاتّجاهات الفقهيّة
تتميَّز الآراء الفقهية في أنها تعكس تطبيقاتٍ تاريخية على المستوى الرسميّ والشعبيّ، وبعضُ اجتهاداتها لا تزال مطبَّقةً حتّى اليوم.
ويمكننا أن نجملها في الاتجاهات التالية:
الاتجاه المضيّق
ذهب جملةٌ من الفقهاء إلى تضييق المفهوم. ونشير هنا إلى بعض كلماتهم وآرائهم:
يرى أبو يوسف(182هـ) أن الغنيمة ما أصاب المسلمون من عساكر أهل الشرك، وما أجلبوا به من المتاع والسلاح والكراع، فإن في ذلك الخمس([52]).
وحَسْب يحيى بن آدم(203هـ)، عن الحسن بن صالح: سمعنا أن الغنيمة ما غلب عليه المسلمون بالقتال، حتّى يأخذوه عنوةً([53]).
وصرَّح البيساني(القرن 4هـ): إنما سُمِّي غنيمةً لأنهم ربحوه من مال المشركين؛ لأن الربح يسمّى غنماً. والغنيمة هي الربح؛ لأنهم غنموه في حرب العدوّ حلالاً. وأضاف: وأما ما غنموا في الحرب، وقسَّموه بينهم من الغنائم، فإنه يخرج منه خُمْسه الذي جعله الله فيه([54]). ويتَّضح من كلامه بأنه يرى أن الربح هو غنيمةٌ، وأن الغنيمة هي ربحٌ. وقد يُستفاد من كلامه أن غنائم الحرب من مصاديق الربح والغنم.
واعتبر الماوردي(450هـ) مال الغنيمة مأخوذاً من الكفّار قَهْراً([55]).
وفي نظر ابن تيمية(728هـ): الغنيمة هي المالُ المأخوذ من الكفّار بالقتال، ذكرها الله في سورة الأنفال، التي أنزلها في غزوة بدر([56]).
وذهب محمد العاملي(1009هـ) إلى أن المتبادر من الغنيمة الواقعة فيها (في الآية) غنيمة دار الحرب، كما يدل عليه سَوْق الآيات السابقة واللاحقة، فلا يمكن التجوُّز بها في غيره، إلا مع قيام الدلالة عليه([57]).
وهو نفس ما قرَّره السبزواري(1090هـ)، وهو أن المتبادر من الغنيمة الواقعة في الآية غنيمة دار الحرب، كما يدل عليه سَوْق الآيات السابقة واللاحقة([58]).
أما عليّ الطباطبائي(1231هـ) فذكر ما عليه بعض الفقهاء والمفسِّرين من عموم الآية؛ لجملةٍ من الموارد التي عليها الأصحاب، فقال: وإثباته حقيقة لغةً أو عُرْفاً مشكلٌ، بل ظاهرُ الأصحاب وجملةٌ من الروايات العَدَم؛ حيث قوبل فيها وفي كلامهم المعادن ونحوها بالغنيمة، بحيث يظهر المغايرة بحَسَب الحقيقة الوضعيّة. كما هي ظاهر جماعة من أهل اللغة، بل عامّتهم، والعُرْف أيضاً، كما صرَّح بعض الأجلّة. ثمّ قال: وحينئذٍ فتعميم الأصحاب الغنيمة للجميع كما فيه، لعلّه من جهة النصوص المفسِّرة للغنيمة([59]).
وهكذا فقد ذهب فريقٌ من الفقهاء إلى أن مدلول «غنمتُمْ» في الآية يعني ما ظفرتُمْ به في حربٍ، بالقَهْر والغَلَبة.
الاتّجاه الموسّع جزئيّاً
يُستفاد من آراء بعض الفقهاء منذ القرون الأولى أنهم لم يقصروا مفهوم الغنيمة على ما يُظْفَر به على نحو الغَلَبة في الحرب، وإنْ كانت هذه الآراء لم تتوسَّع في مفهومه ليشمل جميع الأرباح والفوائد، غير أنها في النتيجة العملية أمْيَل إلى الاتجاه الثاني، في عدم قَصْر مفهوم الغنيمة على الحرب.
فحَسْب سيد سابق(2000م): إن الركاز الذي يجب فيه الخُمْس هو كلّ ما كان مالاً، كالذهب والفضّة والحديد والرصاص والصفر والآنية وما أشبه. وأضاف: هو مذهب الأحناف والحنابلة وإسحاق وابن المنذر، ورواية عن مالك، وأحد قولَيْ الشافعي([60]).
وذكر البخاري في صحيحه، في باب ما يُستَخْرَج من البحر: عن الحسن: في العنبر واللؤلؤ الخمس؛ وفي باب في الركاز الخمس: قال مالك وابن إدريس: الركاز دفن الجاهلية، في قليله وكثيره الخمس.
وتجدر الإشارة إلى أن مستند الخمس فيها ليست الآية الكريمة المتعلّقة بالخمس، التي ورد فيها لفظ «غنمتُم»، بل أدلّة حديثيّة أخرى خاصّة، من قبيل: ما روى البخاري، عن أبي هريرة، عن النبي|: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الرِّكاز الخمس([61]).
وبالنظر إلى بعض الآراء الفقهيّة نجد أنها تضعها مواضع الغنيمة، أو تجعلها في حكمها، ويظهر من بعضها أنها تدرجها ضمن مفهوم الغنيمة.
فأبو يوسف(182هـ) ـ وعلى الرغم من أنه قصر مفهوم الغنيمة في الآية على غنائم الحرب ـ قد أدرج الرِّكاز والمعادن وما يُستَخْرَج من البحر تحت مفهوم الغنيمة، وطبَّق عليها حكم آية الخمس. قال: فعلى هذا تقسم الغنيمة؛ فما أصاب المسلمون من عساكر أهل الشرك، وما جلبوا به من المتاع والسلاح والكراع وغير ذلك. وأضاف: وفي ما يُستَخْرَج من البحر، من حليةٍ وعنبر. فالخمس يوضع مواضع الغنائم على ما قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾. وقال: في كلّ ما أصيب من المعادن، من قليلٍ أو كثيرٍ، الخمس… ليس هذا على موضع الزكاة، إنما هو على موضع الغنائم. وليس في تراب ذلك شيءٌ، إنما في الذهب الخالص والفضّة الخالصة والحديد والنحاس والرصاص…، إلخ([62]). ويتبين من كلامه أنه يرى تخميس ما ظفر به في غير الحرب، ووضعه موضع الغنيمة، مؤكِّداً أنه ليس على موضع الزكاة، إنما على موضع الغنائم. و يستدلّ عليه بآية الخمس بوضوحٍ.
كما صرَّح الجزيري(1941م) أن الحنفيّة قالوا: المعدن والركاز بمعنىً واحد، وهو شرعاً مالٌ وُجد تحت الأرض، سواء كان معدناً خلقيّاً خلقه الله تعالى، بدون أن يضعه أحد فيها، أو كان كنزاً دفنه الكفار. وأضاف: ولا يُسمّى ما يخرج من المعدن والركاز زكاة على الحقيقة. وقال: وتنقسم المعادن الى أقسام ثلاثة…؛ فأما الذي ينطبع بالنار فيجب فيه إخراج الخمس، ومصرفه مصرف خمس الغنيمة المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ…الآية ﴾([63]).
فنجده يؤكِّد بأن ما يخرج من المعدن والركاز لا يطلق عليه زكاة على الحقيقة، وأن مصرفها هو نفس مصرف الخمس، كما جاء في آية الخمس، وإنْ لم يصرِّح بكونها في حكم الغنيمة.
وهناك كلماتٌ فقهيّة صريحةٌ في توسيع مفهوم الغنيمة، وشموله لغير الغنائم الحربيّة.
يصرِّح ابن المرتضى(840هـ) بوجوب إخراج الخمس على كلّ غانمٍ، مستدلاًّ بالكتاب والسنّة والإجماع. ويقرِّر بوضوحٍ مفهوماً واسعاً للغنيمة: وإنما يجب الخمس في الغنائم فقط. والغنائم ثلاثة أصناف: الأوّل: صيد البرّ والبحر وما استخرج منهما، أي من البرّ والبحر، أو أُخذ من ظاهرهما، كمعدنٍ، فإنه يجب فيه الخمس؛ وكنزٍ، إذا كان ذلك الكنز ليس لقطةً، فإنه يجب فيه الخمس. وأما الذي يُستَخْرَج من البحر فهو نحو: درّة وعنبر، فإن فيهما الخمس. ويجب الخمس في عسلٍ مباح. والثاني من الغنائم التي يجب فيها الخمس: هو ما يُغْنَم في الحرب… و لا خلاف في وجوب الخمس في غنائم أهل الحرب. والثالث من الأموال التي يجب فيها الخمس: ثلاثة أشياء، وهي: مال الخراج؛ ومال المعاملة؛ وما يُؤخَذ من أهل الذمّة. والمعاملة وضعها رسول الله| في بعض أراضي خيبر([64]). ونقل عنه من كتابه «البحر الزخّار»: يجب الخمس في الصيود، بحريّةً كانت أم برّيةً؛ إذ هي مغنمٌ، فعمَّتْها الآية. وأضاف: قالوا: الغنيمة اسم ما أُخذ من الكفّار فقط، قلنا: بل كلّ ما اغتنم([65]). وكلامه واضحٌ في توسيع المفهوم.
ويُستفاد من بعض هذه الأقوال الفقهيّة أنها تدرج بعض ما يُنال عبر الغوص والكنز ضمن الغنائم، وإنْ كانت محصّلة البحث في فقه الجمهور ـ حَسْب الهمداني ـ تفيد بأن الخمس المقصود هو غير الخمس المصطلح، ومستحقّه هو غير ما صرَّحت به آية الخمس في سورة الأنفال، وهو قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ…الآية﴾([66]).
وبصرف النظر عن طبيعة الخمس ومستحقّه يظهر من بعض الكلمات الآنفة توسيع مفهوم الغنيمة.
وفصّل الهاشمي(2018م) القول في مفهوم الغنيمة، فرأى أن المفاد الأصليّ لمادّة الغنم إما هو خصوص المال الذي يفوز به الإنسان، ويظفر به من العدوّ، بالغَلَبة والقوّة، وهو ما يختصّ بغنائم الحرب؛ أو هو الفائدة المطلقة الحاصلة مجّاناً بلا ترقُّبٍ ولا بَذْلِ مالٍ أو جُهْدٍ([67]). وهذا المفهوم أوسع من الأوّل؛ حيث يشمل الكنز والمعدن والغَوْص والمال المطروح في الصحراء، بل يشمل كلّ ما يستحصله الإنسان مجّاناً من غير توقُّعٍ له بحَسَب الطريقة المتعارفة لاستحصال المال. ومن ثمّ فهو لا يشمل أرباح المكاسب وما يُستفاد بالطرق المتعارفة والمتوقَّعة([68]). وأكَّد على أن تتبُّع استعمالات مادة الغنم في الكتاب الكريم والأحاديث يدلّ على شيوعها في المعنيين المذكورين أعلاه، ولهذا لا نحرز كون المعنى العامّ هو المعنى الحقيقي للفظ، وبالتالي لا يصحّ التمسُّك بالإطلاق المذكور([69]). وحَسْب رأيه، لوكان المعنى العامّ هو معنى اللفظ لظهر في صدر الإسلام وفي زمن النبيّ|، ولتمسَّك به الخلفاء بعده؛ لفَرْض الخُمْس على مطلق الفوائد، وجبايتها لمصلحتهم([70]). فكيف لم يلتفت أحدٌ منهم إلى ذلك، ولم ينعكس في التاريخ، ولا كتب الفقه، بل ولا كتب الحديث، للعامّة والخاصة؟!([71]).
وهو رأيٌ يتوسَّط بين رأيين؛ فهو يتّفق مع الاتّجاه الأوّل في تضييق مفهوم الغنيمة في الآية، غير أنه يوسِّع مصاديقه، لتشمل أموراً أخرى، لا تقتصر على ما يظفر به في الحرب.
الاتجاه الموسّع
أما الموقف الفقهيّ حَسْب هذا الاتّجاه فقد صرَّح جمعٌ من الفقهاء منذ القِدَم بعموم الغنيمة، وعدم اختصاصها بغنائم دار الحرب.
قال الصدوق(381هـ): كلّ شيءٍ تبلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل([72]). ولكنّ في عبارته نوعَ إجمالٍ.
وقال المفيد(413هـ): والخمس واجبٌ في كلّ مغنمٍ، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. وأضاف: والغنائم ما استُفيد بالحرب من الأموال والسلاح والثياب والرقيق، وما استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر، وكلّ ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات من المؤنة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد([73]).
وعَدَّه المرتضى(436هـ) ممّا انفردَتْ به الإمامية، وصرَّح بوجوبه في جميع المغانم والمكاسب، وممّا استخرج من المعادن والغوص والكنوز، وممّا فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤنة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد([74]).
وقال الطوسي(460هـ): كلّ ما يُؤخَذ بالسيف قَهْراً من المشركين يُسمّى غنيمةً، بلا خلافٍ. وأضاف: وعندنا أن ما يستفيده الإنسان من أرباح التجارات والمكاسب والصنايع يدخل أيضاً فيه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك. واستدلّ على هذا الرأي بإجماع الفرقة، وبآية الخمس، مصرِّحاً بأنه عامٌّ في جميع ذلك، فمَنْ خصَّصه فعليه الدلالة([75]).
وذكر في الخلاف، في المسألتين 138 و139، أدلّةً أخرى على رأيه من السنّة والمعقول.
واستدلّ نجم الدين الحلّي(676هـ) على شمول الخمس لمختلف الأرباح والفوائد بآية الخمس. وعدَّ الغنيمة اسم الفائدة، فكما يتناول هذا اللفظ غنيمة دار الحرب؛ بإطلاقه، يتناول غيرها من الفوائد([76]).
وحَسْب ابن المطهَّر الحلّي(726هـ): يجب الخمس على أرباح التجارات والزراعات والصنائع وسائر الاكتسابات بعد إخراج مؤونة السنة، عند علمائنا كافّةً؛ خلافاً للجمهور؛ لعموم ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾، وقوله: ﴿أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ﴾؛ وللتواتر المستفاد من الأئمّة^([77]). وفي نصٍّ آخر له ذكر أن وجه الاستدلال بآية الخمس أنها أوجبت الخمس في كلّ ما يُغْنَم، وهو يتناول غنيمة دار الحرب ويتناول غيرها، فالتخصيصُ من غير دليلٍ باطلٌ([78]).
وإليه ذهب زين الدين العاملي(965هـ)، وقال: خلافاً للعامّة، حيث خصّوها بالمعنى الثاني، ونقلوها عن موضوعها اللغويّ إلى غنائم دار الحرب خاصّة، أو خصّوها به([79]).
وأكَّد أحمد النراقي(1245هـ) على أن الأصل في وجوب الخمس في جميع ما يستفيده الإنسان ويكسبه ويغنمه الآية الشريفة والأخبار. والغنيمة في أصل اللغة الفائدة المكتَسَبة، كما صرَّح بعض أهل اللغة([80]). ويرى أن تصريح بعض الفقهاء بأن المتبادر من الغنيمة في آية الخمس هو ما يُؤخَذ من دار الحرب؛ بدلالة السياق، ما هو إلاّ انعكاسٌ لما اشتهر في الفقه التاريخيّ الرسميّ والتفسير غير الإماميّين([81]).
ومضى على هذا التفسير العامّ للغنيمة جماعةٌ من الفقهاء المعاصرين.
فحَسْب الخوئي: إن كلمة غنم بالصيغة الواردة في الآية المباركة ترادف ربح واستفاد وما شاكل ذلك، فتعمّ مطلق الفائدة… وأضاف: ولعلّ في التعبير بالشيء ـ الذي فيه من السعة والشمول ما ترى ـ إيعازاً إلى هذا التعميم. وإن الخمس ثابتٌ في مطلق ما صدق عليه الشيء من الربح، وإنٍ كان يسيراً جدّاً، كالدرهم، غير المناسب لغنائم دار الحرب، كما لا يخفى… وانتهى إلى القول: ولا ينبغي التأمُّل في إطلاق الآية المباركة في حدّ ذاتها، وشمولها لعامّة الأرباح والغنائم([82]).
القرائن والمؤيِّدات لدى الفقهاء
1ـ قرينة السياق والمورد
اعتمد الاتّجاه الأوّل، في تضييق مفهوم الغنيمة وقصره على المجال الحربيّ، على المعنى الذي ساد استخدامه وتداوله، بل رأى بعضهم أنه المعنى الذي وُضِع له اللفظ.
وفي ما يتعلَّق بآية الخمس ركَّز بعضهم على قرينة السياق، ومورد نزول الآية. وقد ذكرنا فيما سبق كلماتهم حول ذلك.
وتمسَّك أصحاب الاتجاه الثاني بإطلاق اﻵية وكلمات اللغويّين. ورأَوْا أن السياق لا يفيد الاختصاص.
قال المنتظري: إن وقوع الآية في سياق غزوة بدر لا يوجب التخصيص؛ إذ المورد غير مخصِّصٍ، وإلاّ لوجب اختصاص الخمس لغنائم بدر فقط. ولا مانع من أن يصير موردٌ خاصّ موجباً لنزول حكمٍ كلِّي، يشمله بعمومه وإطلاقه، بل هو المتعارَف في آيات الكتاب العزيز([83]).
ولا بُدَّ هنا من مراعاة التفريق بين السياق ومناسبة النزول؛ فالأوّل هو وقوع آية الخمس في سياق آيات القتال؛ والثاني نزولها في واقعة بدر، حَسْب بعض المفسِّرين. وحَسْب هذا المنظور: إن السياق في المورد، مع إطلاق اللفظ أو عمومه، لا يشكِّل قرينةً، ولا يصلح لتخصيص العمومات اللفظيّة. والواقعة التي نزل بها لا تعدو أن تكون المناسبة التي نزل فيها التشريع، فلا يقتصر عليها، ولا يتجمَّد عندها.
وفي المقابل يرى الهاشمي بأن ما ذُكر أعلاه لا يتمّ على إطلاقه، فإذا فرض أن المعنى الأخصّ، وهو غنائم الحرب، كان بخصوصيّته مما يُستَعْمَل فيه لفظ الغنيمة كمعنىً استعماليّ، ولو مجازاً، أصبح السياق المذكور صالحاً للقرينيّة على تعيين المعنى المستَعْمَل فيه اللفظ في المعنى الخاصّ، لا العامّ([84]).
2ـ الغنائم في الكتب النبويّة
يؤيِّد بعض الباحثين موقف الاتّجاه الموسّع، القائل بعدم اقتصار مفهوم الغنيمة على ما يُؤخَذ من الكفّار في الحرب، ببعض الفقرات التي تضمَّنَتْها بعض عهود النبيّ| وكتبه، والتي تفيد ـ حَسْب رأيهم ـ أن النبيّ كان يفرض الخمس في غير الغنائم الحربيّة.
ومن نماذج الكتب: ما رواه البخاري، عن ابن عباس قال: قدم وفدُ عبد القيس، فقالوا: يا رسول الله، إنا هذا الحيّ من ربيعة، بيننا وبينك كفّار مضر، فلسنا نصل إليك إلاّ في الشهر الحرام، فمُرْنا بأمرٍ نأخذ به، وندعو إليه مَنْ وراءنا، قال: آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله: شهادة أن لا إله إلا الله ـ وعقد بيده ـ؛ وإقام الصلاة؛ وإيتاء الزكاة؛ وصيام رمضان؛ وأن تؤدّوا لله خمس ما غنمتم…، إلخ([85]).
ومن الجليّ ـ في نظرهم ـ أنه لا يمكن أن يكون الخُمْس هنا على غنائم حربيّة مع هذا الحيّ المستَضْعَف، الذي لا يقوى على الخروج للقاء النبيّ إلاّ بمناسبة السِّلْم في الأشهر الحُرُم.
وقد جاء مثل هذا التأكيد على أداء خمس المغانم في جملةٍ من كتب الرسول| إلى مختلف القبائل التي انضمَّتْ إلى المسلمين، حَسْب بعض المصادر، مثل: كتابه لأهل اليمن مع عمرو بن حزم، وكتابه للفجيع، ولجنادة الأزدي وقومه. وكتب لجهينة بن زيد: إنّ لكم بطون الأرض وسهولها، وتلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها، وتشربوا ماءها، على أن تؤدّوا الخمس. والرسالة الأخيرة ظاهرةٌ في أنه طلب منهم أن يدفعوا خمس ما يستفيدونه من خَيْرات الأرض([86]).
ويُلاحَظ في بعض كتب الرسول| أنه ربط فيها بين الصلاة والزكاة والصيام والخمس وغيرها من الأمور، التي اعتُبِرَت شرطاً في قبول إسلامهم، ودخولهم في ذمّة الله ورسوله|، وفي ما دَخَل فيه المسلمون، ممّا يؤكِّد على أهمِّيته الدينيّة، وليس السياسية فقط. وقد بين فيها الوظائف الفرديّة، التي يجب على كل مسلم أن يؤديها.
ويرى هذا الفريق أن النبيّ| لم يكن يطلب منهم في تلك العهود والكتب أن يدفعوا الخمس من غنائم الحرب؛ لأن بعضهم كانوا مستَضْعَفين، كما تبين من وضع وفد عبد القيس، بالإضافة إلى أنهم لم يكونوا مخوَّلين ليعلنوا حَرْباً؛ لأنه كان من شؤون النبيّ|. ولو كان المقصود من دفع الغنائم بعد وقوع حربٍ أو قتالٍ مع المشركين لناسب أن يُذْكَر في تلك الرسائل والعهود الجهاد في عداد الصلاة والزكاة والصيام والخُمْس([87]).
مناقشة الاستشهاد بكتب النبيّ (صللى الله عليه وآله)
وبالنظر في نصوص الكتب النبويّة يُطْرَح تساؤلٌ مفادُه: إذا لم يكن المرادُ من الخمس المطلوب دفعه إلى النبيّ| ـ حَسْب الكتب المذكورة ـ خمسَ غنائم الحرب فمن أيِّ الغنائم يكون؟
قد يحتمل أنها من الكنوز والمعادن والركاز وممّا يُستَخْرَج من البحر لمَنْ كان قريباً منه.
ولكنْ هل كانت هذه الموارد من الكثرة والوفرة لديهم بحيث استدعى كلّ هذا التأكيد في الكتب النبويّة؟!
ومن جهةٍ أخرى لا يوجد مانعٌ من أن يبين لهم النبيّ| هذا التشريع المالي السياسيّ، رغم كونهم غير مخوَّلين بإعلان الحرب.
ثمّ إنهم إنْ لم يكونوا مخوَّلين بإعلان أيّ حربٍ ابتداء، فإنه لا رَيْبَ في أنّ من حقِّهم أن يدافعوا عن أنفسهم إذا ما تعرَّضوا لأيّ هجومٍ من القبائل المعادية لهم، ومن ثمّ فإنه اشترطه عليهم بناءً على هذا الافتراض.
وحقّ الدفاع عن النَّفْس والعِرْض والمال مشروعٌ، ومقرَّرٌ عقلائيّاً ودينيّاً، ولا يحتاج بطبيعة الحال إلى إذنٍ. وإنْ وقع شيءٌ من ذلك، وغنموا في تلك الحرب الدفاعية، فإن عليهم دفع أخماسها، وفاقاً لبعض النصوص الفقهية([88]).
وهناك مَنْ يرى أن مطالبةَ النبيّ لتلك الوفود والقبائل تقديم الخمس له كان بسبب عدم حضور النبيّ بنفسه تلك المعارك، فكان يطالب أؤلئك القادة، الذين كانوا نوّاباً عنه، أن يؤدّوا إليه خمس غنائمها([89]).
وهذا افتراضٌ لم يستند إلى أيّ دليلٍ أو مصدرٍ تاريخي. فالرسائل لم تكن لقادةٍ بعثهم النبيّ بالنيابة عنه لمهمّاتٍ قتالية ضدّ فئاتٍ من المشركين. إن الرسائل التي بعثها النبيّ بعد الحديبية، وتحديداً في السنتين السادسة أو السابعة، كانت للملوك والأمراء، ولناسٍ من العرب. أما الرسائل التي كتبها للقبائل التي وفدَتْ إليه فكانت في عام الوفود، في السنة التاسعة. وبدراسة نصوصها وملاحظة سياقاتها التاريخية لا نجدها تدلّ على ذلك. ولم يَرِدْ في مصادر التاريخ أنها كانت موجَّهةً لسرايا أو بعوثٍ أرسلت لمهمّاتٍ قتالية.
إن السرايا التي بعثها النبيّ| ـ حَسْب ابن سعد(230هـ) ـ كان مجموعها حوالي 56 سريّة، ومعظمها كانت في السنوات الثانية والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة للهجرة. والسرايا التي رجعَتْ بغنائم كانت حوالي 12 سريّة([90]).
إن مهمّات السرايا كانت أمنيّةً وتأديبيّة، وبعضها سياسيّة دينيّة محدودة. وحَسْب تعبير بعض مؤلِّفي السيرة: إنها مهمّات فِرَق الشرطة في زماننا([91]). وفي جميع الأحوال فإن هدف الرسائل والعهود كان مختلفاً عن غرض السرايا الأمنيّة والقتاليّة.
وقد يَرِدُ على دعوى كون المقصود من الخمس في الرسائل النبويّة هو خمس المكاسب والأرباح بأنه ورد في بعضها حكمُ صَفْو المال، ممّا يؤيِّد أنها كانت أقرب إلى السياق الحربيّ. بل جاء في كتابه لعبد يغوث بن وعلة الحارثي: «وأعطى خمس المغانم في الغَزْو»([92]). وخلَتْ جملةٌ من الكتب من أيّ إشارةٍ إلى أخماس المغانم([93]).
وتضمَّنَتْ بعض الكتب أموراً إدارية وأمنية وسياسية مهمّة، بالإضافة إلى الفرائض. وفي بعضها نصّ على خمس المغانم؛ وفي بعضها لم يَرِدْ له ذكرٌ.
ففي كتابه لمَنْ أسلم من حدس من لخم: وأعطى حظّ الله وحظّ رسوله، وفارق المشركين، فإنه آمن بذمّة الله ورسوله؛ ومَنْ رجع عن دينه فإن ذمّة الله وذمّة محمد رسوله بريئة.
وفي كتابه لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوته وأعمامه: إن لهم أموالهم ونحلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم… وإن نصر آل ذي مرحب على جماعة المسلمين.
وفي كتابه لخالد بن ضماد الأزدي: إن له ما أسلم عليه من أرضه، على أن يؤمن بالله ولا يشرك به شيئاً… ولا يؤوي مُحْدِثاً، ولا يرتاب، وعلى أن ينصح لله ولرسوله… وعلى محمد النبيّ أن يمنعه ممّا يمنع منه نفسه وماله وأهله.
وكتب لبني مَعْن الطائيّين: إن لهم ما أسلموا عليه، من بلادهم ومياههم وغدوة الغنم، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله ورسوله، وفارقوا المشركين، وأشهدوا على إسلامهم، وأمنوا السبل.
وهذه الكتب أيضاً لم يَرِدْ فيها ذكر الغنائم([94]).
ثمّ إن هذه الكتب إنْ سلمَتْ سَنَداً، وتأكَّد صدور بعضها ـ على الأقلّ ـ، وظهرت دلالة بعضها على الدعوى، فإن التساؤل الذي يَرِدُ في المقام: إنْ كان الخمس على المكاسب التجارية مفروضاً على المسلمين بالفعل في تلك المرحلة، وكان هذا الحكم الشرعي مفعَّلاً ومطبَّقاً زمن النبيّ|، فلِمَ لم يظهر ذكرُه في أحاديث النبيّ| وتوجيهاته للمسلمين؟! كما لم يَرِدْ في استفساراتهم أيضاً([95]).
وأيّاً ما كان فإن الطبيعة البارزة لتلك العهود والكتب تبدو إداريّةً وسياسيّة وأمنيّة. ودلالتها أبلغ على دخول تلك القبائل في جماعة المسلمين، وإذعانها لسيادة النبيّ في السِّلْم والحرب، وقبولها بالأحكام والمبادئ العامّة، والدخول في ذمّة المسلمين. إن سياقها التاريخي هو ظهور قوّة الاسلام والمسلمين بعد الحديبية، وما تبعها من فتح مكّة وغزوة حنين، ثمّ تبوك، حيث جاءت الوفود والقبائل معلنةً إسلامها، ودخولها في جماعة المسلمين.
المواءمة بين اللغة والفقه
حاول المنتظري المواءمة بين بعض التعريفات اللغويّة وموقفه الفقهيّ، فرأى أن الظاهر من كلماتهم ـ وهو أن الغنيمة هي ما يفوز به الإنسان من غير مشقّةٍ ـ يشير إلى خصوصيّةٍ أُشربَتْ في المفهوم جعلَتْه يصدق على الغنيمة بشكلٍ عامّ، ولا يقتصر على غنائم الحرب. وهذه الخصوصيّة هي المجّانية وعدم الترقُّب. ويكون إطلاق الكلمة على غنائم الحرب من باب إطلاق المطلق على أظهر أفراده. وطبَّق هذا المفهوم على بعض الموارد، فرأى أن هَدَف المقاتل في الحرب هو خذلان العدوّ والغلبة عليه، لا اغتنام الأموال، فهي نعمةٌ غير مترقَّبة. وما يُظْفَر به من الكنز والمعدن نِعَمٌ غير مترقَّبة في العادة. وهدف الإنسان من كسبه وحرفته اليوميّة هو الحصول على ما يعيش به، ويرفع به حاجاته اليومية، فالزائد عليه نعمةٌ غير مترقَّبة. ولذا عُدَّ مقدار المؤونة اليومية في أرباح المكاسب خارجاً تخصُّصاً، لا تخصيصاً([96]).
بينما يرى الهاشمي أن المجّانية وعدم الترقُّب وعدم التوقُّع لاستحصال المال لا تنطبق على عمليات الكَسْب والتجارة، وهي غير داخلةٍ في مفهوم الغنيمة في آية الخمس([97]).
وهو ما استقربه ـ من قبلُ ـ رشيد رضا؛ حيث رأى أن المتبادر من الاستعمال أن الغنيمة والغنم ما يناله الإنسان ويظفر به من غير مقابلٍ مادّي يبذله في سبيله. غير أنه نَقَد قَيْد اللغويّين بعدم المشقّة([98]).
وفصَّل السبحاني في الخصوصيات المتعلِّقة بقَيْد (بلا مشقّةٍ)، ويرى أنها تكمن في أحد الأمور التالية: الظفر به بيسرٍ وسهولة، أو الظفر بلا بَذْل مقابلٍ، أوالظفر بدون ترقُّبٍ وتوقُّعٍ([99]).
تامُّلاتٌ في محاولات المواءمة
يبدو أنها استنتاجاتٌ تحليلية؛ للمواءمة بين معطيات التعريفات المعجمية والروايات الحديثية والمواقف الفقهية. والظاهر أن استنتاج عدم الترقُّب ـ في نظرهم ـ يرجع إلى أن الفوز بشيءٍ ما يتحقَّق في حالة عدم ترقُّبه، أو بقولٍ آخر: عند مصاحبته لعنصر المفاجأة.
أما مفهوم عدم المشقّة فهو أقرب إلى عدم التعب، وعدم بذل المجهود المتعارف، ومن ثمّ يعني الحصول على الشيء بيُسْرٍ وسهولةٍ.
ويَرِدُ عليه أنه لا يتبادر من الفوز معنى عدم الترقُّب التامّ. فالذين يشاركون في مسابقاتٍ أو يقدِّمون اختباراتٍ، وإنْ كان لا يمكنهم الجَزْم بالفوز فيها، بعضُهم ـ على الأقلّ ـ يتوقَّع فرص الفوز بنسبٍ عالية معتدٍّ بها. وبعبارةٍ أخرى: إن مثلهم ليس مثل مَنْ لا يحتسب ولا يتوقَّع الفوز نهائيّاً. وإلاّ ـ أي بناءً عليه ـ فإن الأرباح والمكاسب التجاريّة هي الأخرى لا تكون محتسبةً؛ لأن التاجر كثيراً ما يدخل في مخاطرات ويحتمل الربح أو الخسارة بنسبٍ متفاوتة. ثمّ إن هناك من الأعمال التجارية ما قد يجزم أصحابها سَلَفاً بتحقُّق أرباحٍ منها، فهل تخرج من موارد الخمس؟!
كما أن عمليات استخراج المعادن من باطن الأرض، وصيد اللؤلؤ من البحار، لم تعُدْ متوقِّفةً على الأساليب التقليديّة، بحيث يطبق عليها مفهوم عدم الترقُّب.
وكذلك الحال بالنسبة لمفهوم المجّانية وعدم وجود مقابلٍ، فإنه ليس المعنى المتبادر من قَيد «بدون مشقّةٍ»، بل قد يُستَفَاد ذلك بضربٍ من العناية الإضافية.
ويبدو أن بعض الدارسين استنتجوا هذه الأمور من بعض المواقف الروائيّة والفقهية، التي أدرجَتْ الكنز والركاز والمعدن وما ينال بالغَوْص ضمن مفهوم الغنيمة، وقرَّرَتْ عليها الخمس. وهي ممّا يُظْفَر به اتّفاقاً، وبدون توقُّعٍ سابق.
وحَسْب بعض الآراء الفقهية: لا يجب دفع الخمس على بعض الفوائد المتوقَّعة، كالمواريث المترقَّبة؛ بينما يجب إخراج الخمس من المواريث غير المحتَسَبة أو غير المتوقَّعة.
وبناءً على هذه الآراء تمّ تفسير قول اللغويّ الفوز بالشيء بلا مشقّةٍ. ولو لم تُؤخَذ الروايات الحديثية والآراء الفقهية بعين الاعتبار في التحليلات السابقة لاعتبر الميراث بأنواعه، والهبات بأشكالها، وبعض أشكال المركوزات، من الأمور التي يفوز بها بلا مشقّةٍ ولا عناءٍ.
ويُلاحَظ أن بعض تحليلات المنتظري حول أغراض المستثمرين والتجّار عن المكاسب والفوائد التجارية لا تصدق على الأنشطة التجارية في مختلف الأزمنة والأمكنة؛ إذ يظهر أنه ركَّز نظره على أعمال تجاريّة محدودة، لأفرادٍ هدفهم منها الحصول على لقمة العيش اليومية. إن أغراض التجارة متعدِّدةٌ، ولا تقتصر فقط على توفير الحاجات المعيشيّة الأساس.
وكذلك الحال بالنسبة إلى الحرب؛ فإنّ ما ذكره قد يصدق على الناحية النفسية للمقاتلين لحظة القتال، بأن هدفهم حينها يكون منصبّاً صوب تحقيق الغَلَبة والنصر وحَسْم المعركة لصالحهم، وإلاّ فقد تكون للحروب أهدافٌ مركَّبة، عسكرية وسياسية وأمنية واقتصادية واستراتيجية، ولا تكون لمجرّد الغَلَبة العسكرية في الميدان.
حافز الغنائم في الحروب التاريخية
يرى بنحميدة أن الغنائم كانت من أهمّ الأسباب التي كانت تدفع كثيراً من المقاتلين من المسلمين الأوائل للاشتراك في القتال، وأن إغراء الغنائم كان لا يُقاوَم، إلى درجة أن أعداد المقاتلين تضاعفَتْ، حتّى تكوَّنت للمسلمين قوّةٌ ضاربة، بلغَتْ في وقتٍ وجيزٍ ثلاثين ألف محاربٍ، بعد أن كان عددهم لا يتجاوز بضع مئات من الرجال في معركة بدر([100]).
ويقرِّر الجابري أن الغالبية العظمى من جمهور المسلمين ـ باستثناء قلّةٍ من السابقين الأوّلين ـ، وتتكوَّن أساساً من «المسلمين الجُدُد» من قريش والأعراب، مضافاً إلى المنافقين، كان إسهامها في حركة الفتح بدافع الغنيمة أساساً. وحَسْب قراءته فإن الغنيمة والخراج كانا يشكِّلان موردَيْن وحيدَيْن للدولة الرَّيْعيّة في صدر الإسلام والعصر الأموي([101]).
وفي هذا الصدد يذكر البلاذري(279هـ) أن الخليفة أبا بكر لما فرغ من قتال الردّة رأى توجيه الجيوش إلى الشام، فكتب إلى أهل مكّة والطائف واليمن وجميع العرب بنَجْد والحجاز يستنفرهم للجهاد، ويرغِّبهم فيه وفي غنائم الروم، فسارع الناس إليه بين محتسبٍ وطامع([102]).
وثمة شواهد تاريخية تؤيِّد كلامه، فقد كان سبب الهزيمة المُنْكَرة التي لحقَتْ بالمسلمين في غزوة أُحُد هو مخالفة الرماة تعليمات النبيّ|، وتركهم مواقعهم، وركضهم وراء جمع الغنائم؛ خوفاً من أن تفوتهم.
كما تطاول بعضهم على النبيّ| في غزوة حنين؛ بسبب قسمة الغنائم.
إن التأمُّل في الآيات القرآنية التي رافقَتْ حركة الجهاد في تاريخ المسلمين يفيدنا بوضوحٍ أن نَيْل المغانم كان من بين الحوافز القويّة التي طرحها القرآن لتشجيعهم على القتال. يقول تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَعَدَكُمْ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾ (الفتح: 18 ـ 20). كان القرآن الكريم يرشِّد تحرّكاتهم، ويهذِّب اندفاعاتهم، ويقوِّم اعوجاجهم، في هذا السياق. يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ (النساء: 94).
وكيفما كان فإن الإرباك الحاصل بين الدارسين حول قَيْد اللغويين (بدون مشقّةٍ) منشؤه اختلاف المعطيات اللغويّة والروائية والفقهية، ولهذا حاولوا التوفيق بينها.
منظوران رئيسان
ومحصّلة البحث أن هناك منظورين رئيسين في تحديد مفهوم الغنيمة في الآية، هما:
الأوّل: يقصر مدلول الغنيمة على غنائم الحرب وَحْدَها.
الثاني: يوسِّع المفهوم، ليشمل كلّ ما يفوز به المرء، في الحرب أو السلم، من كسبٍ أو تجارةٍ أو كنزٍ أو ركازٍ أو غوصٍ وما شاكل.
وهناك منظورٌ يتوسط بينهما من بعض الوجوه.
وقد أشار الطوسي(460هـ) إلى كلا المنظورين، عند جمعه بين بعض الأخبار المختلفة حول الغنيمة، وما اذا كانت بالمعنى الخاصّ أو العامّ. قال: «الوجه فيه أحد شيئين:
أحدهما: أن يكون المعنى فيه أنه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة؛ بظاهر القرآن؛ لأن ما عدا الغنائم إنما علم وجوب الخمس فيه في السنّة، ولم يَعْنِ أنه ليس في ذلك خمسٌ أصلاً.
والوجه الثاني: أن تكون هذه المكاسب والفوائد التي تحصل للإنسان هي من جملة الغنائم التي ذكرها الله تعالى في القرآن، وقد بيَّن× ذلك في الرواية التي ذكرناها في أوّل الباب»([103]).
خمس الأرباح التجاريّة
اختلفت آراء الفقهاء القائلين بثبوت تشريع خمس الأرباح في أمورٍ، منها: مستند هذا القول ودليله.
فرأى بعض أنه الكتاب والسنّة؛ بينما قرَّر آخرون أن مستنده السنّة الواردة عن أئمّة أهل البيت^.
يرى الهاشمي أن الاستدلال بالسنّة على ثبوت الخمس في هذا الصنف (أرباح المكاسب). فهي رواياتٌ عديدة مستفيضة، لا يبعد تواترها إجمالاً([104]). واستعرض جملةً منها، بلغَتْ عشرين روايةً؛ معظمها صحيحة ومعتبرة؛ وبعضها واضحة الدلالة ـ في نظره ـ على المطلوب. وانتهى إلى القول: هذه عمدة الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها على أصل ثبوت الخمس في أرباح المكاسب والفوائد، وما تمَّتْ دلالته منها قد يكفي لحصول الجزم بثبوت تشريع هذا الخمس، على الأقلّ في عصر الأئمّة المتأخِّرين^، خصوصاً بعد ضم الإجماع والسيرة إلى ذلك([105]).
ويذهب جمعٌ من الفقهاء بأنه ثبت بالكتاب والسنّة، ومنهم: المنتظري؛ حيث أكَّد ثبوته بالسنّة أيضاً. وبعد عرض بعض الروايات قال: إلى غير ذلك من الروايات، المستفاد منها ثبوت الخمس في الفوائد اليوميّة، بعد إخراج المؤونة له ولعياله. وهي كثيرةٌ، وظاهر أكثرها أو صريحها كونها في مقام بيان الوظيفة الفعليّة([106]).
وأكَّد الخوئي على إطلاق الآية وشمولها لعامّة الأرباح، قال: وتشهد لذلك أخبارٌ كثيرةٌ، دلَّتْ على أنّها الإفادة يوماً فيوماً([107]).
وأرجع جواد مغنية الاختلاف بين المنظورَيْن الرئيسين في فقه المسلمين إلى ما استفاده كلٌّ منهما من دلالة الآية؛ بين مَنْ وقف عند عمومها؛ ومَنْ رأى تخصيصها. ولو ثبت التخصيص عند الموسّع لعمل به، ولو ثبت العموم عند المضيّق لأخذ به. ومع ما فيه من تبسيطٍ، إلاّ أنه خيرُ ما نختم به البحث([108]).
خلاصاتٌ ونتائج
لقد اتّضح من البحث أن الفقهاء والمفسِّرين تناولوا القضيّة من مختلف جوانبها، وقدَّم كلُّ اتّجاهٍ منهم مستنداته، وما يؤيِّد رأيه.
تمَّتْ محاكمة الآراء ونقد المباني المختلفة في أجواء اجتهاديّةٍ فكريّة، ممّا يدحض المقولات التي تتردَّد في بعض الكتابات، والتي ترجع الاختلاف الفقهي والتفسيري فيها إلى عوامل سياسيّة، ومصالح شخصيّة وفئويّة معيَّنة.
إن الإرباك الحاصل حول تحديد مفهوم الغنيمة يرجع إلى الاختلاف بين أئمّة اللغة والتفسير والفقه. وقد تداخلت مختلف المعطيات اللغويّة والروائيّة والفقهيّة، وتطبيقات التاريخ السياسيّ، في اتجاهات البحث في هذا الموضوع.
كما تبين أن استعمال مادّة الغنم وتصريفاتها لم يقتصر على ما يظفر به في الحروب، واختلف حول مَدَيات الاستعمال، وما إذا كانت موارد الكَسْب تشكِّل ظاهرةً لغويّة دلاليّة اجتماعيّة.
وقد تبين أن القضية جَدَليةٌ، ومرجعيات البحث فيها متعدِّدةٌ ومتداخلةٌ. والمرجعية اللغوية لم تحسم الجَدَل. ومع وجود مرجعيّاتٍ نصّية، تواصل الاختلاف الفقهيّ حتّى في الاتّجاه الواحد. وهنا يبرز سؤال اللحظة التاريخية ومقتضيات الواقع في الاجتماع الإنسانيّ، ومدى مساهمتها في عملية الحَسْم؟
والمفارقة التي ظهرت جليّةً في المقام أنه في الوقت الذي رأى بعضهم أن المفهوم اللغوي للكلمة أعمّ، قيَّدوه بالمعنى الاصطلاحيّ الذي استقرّ لديهم في الفقه. وفي المقابل رأى بعضٌ أن المفهوم السائد هو أضيق، ومع ذلك تبنّى الاتّجاه الفقهيّ المشهور في نظرهم، وفاقاً للموقف الروائيّ والفقهيّ القائل بالمفهوم الواسع.
وتبين أن القول بالمفهوم الضيِّق للغنيمة في آية الخمس ليس مقتصراً على اتّجاهٍ فقهيّ مذهبيّ وتفسيريّ معين، وإنْ كان موضع اتّفاقٍ لدى أحد الاتّجاهين الفقهيّين الرئيسين للمسلمين، ومحلّ خلاف لدى الاتّجاه الآخر، وإنْ على مستوىً محدودٍ.
وفي الوقت نفسه هناك مَنْ خالف الموقف الفقهي المشهور في مدرسته، وتمسَّك بما قاده إليه البحث العلميّ، حَسْب قناعته المستقلّة.
وأسفر البحث عن وجود آراء منذ القِدَم، لدى مختلف مذاهب الفقه، فرضَتْ الخمس على بعض موارد الكَسْب غير الحربيّة، مع تكييفاتٍ فقهيّة معيَّنة.
الهوامش
(*) باحثٌ مهتمٌّ بالفكر العربيّ الإسلاميّ. من سلطنة عُمَان.
([1]) جار الله الزمخشري، الكشّاف عن حقائق التنـزيل 2: 158، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبيّ وأولاده، بمصر، 1966م.
([2]) حيدر علي قلمداران، الخمس في الكتاب والسنّة، ترجمة: سعد رستم، نسخة إلكترونية، بدون ترقيم الصفحات.
([3]) كمال الحيدري، هل لخمس أرباح المكاسب أصلٌ قرآني؟: 39، بقلم: ميثاق العسر، 1433هـ.
([4]) قلمداران، الخمس في الكتاب والسنّة، بدون ترقيم الصفحات.
([5]) علي عبد السلام بالنور، من لطائف عدول الفعل الماضي في القرآن الكريم، مجلّة الجامعة الأسمرية، العدد 28: 265، السنة 14، ليبيا؛ وظافر العمري، بلاغة القرآن الكريم، دراسة في أسرار العدول في استعمال صيغ الفعل، مكتبة وهبة، القاهرة، 1429هـ.
([6]) الخليل بن أحمد، العين 4: 426، مقدّمة المحقِّق، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، ط2، مؤسّسة دار الهجرة، إيران، 1410هـ.
([7]) أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة 4: 397، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1979م.
([8]) جمال الدين بن منظور، لسان العرب 12: 445، 446، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.
([9]) الحسن بن محمد الراغب الإصفهاني، المفردات: 366، ط2، 1404هـ.
([10]) فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين 6: 129، تحقيق: أحمد الحسيني، المكتبة المرتضوية، طهران.
([11]) ابن قتيبة، غريب الحديث 1: 228 ـ 229، تحقيق: عبد الله الجبوري، مطبعة العاني، بغداد، ط1، 1977م.
([12]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 3: 389 ـ 390، ط1، 1963م.
([13]) ابن منظور، لسان العرب 4: 519.
([14]) لويس معلوف، المنجد: 480، طهران، ط35، 1379هـ.ش.
([15]) كمال الحيدري، هل لخمس أرباح المكاسب أصل قرآني؟: 50.
([17]) ابن فارس، مقاييس اللغة: 3 ـ 5.
([18]) الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين 1: 12 (مقدّمة المحقِّق).
([19]) جورج طرابيشي، إشكاليات العقل العربي: 217 ـ 220، دار الساقي، ط1، 1998.
([20]) الخليل بن أحمد، كتاب العين 1: 19 (مقدمة المحقِّق).
([21]) محمد علي الرباني، الاجتهاد والتقليد والاحتياط (تقريرات درس السيد علي السيستاني): 28، موقع تقريرات السيستاني.
([22]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 3: 390.
([23]) محمد صادق الخرسان، الخمس: 96 ـ 100، الشؤون الفكرية في العتبة العبّاسية، ط3، 2012م.
([25]) حسين النوري الهمداني، الخمس في ضوء مدرسة أهل البيت: 25 ـ 38، مكتب الإعلام الإسلامي، ط2، 1419هـ، قم ـ إيران.
([26]) محمد رشيد رضا، تفسير المنار 10: 3، دار المنار، ط2، 1368هـ.
([27]) مرتضى البروجردي، المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس (تقريراً لأبحاث السيد الخوئي) 15: 212، مطبعة نينوى، ط4، 2009م.
([28]) مرتضى العسكري، معالم المدرستين 2: 95 ـ 102، مؤسّسة البعثة، طهران، 1406هـ.
([30]) نوري الهمداني، الخمس: 23.
([31]) محمد رمضان البوطي، فقه السيرة: 396، دار الفكر، ط8، 1980م.
([32]) نجم الدين الحلّي، شرائع الإسلام 1: 245، تعليق: صادق الشيرازي، مؤسّسة الوفاء، بيروت، ط1، 1983م.
([33]) قلمداران، الخمس، بدون بيانات.
([34]) محمد بن أحمد، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 8: 1، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، 1939م؛ أبو حيّان الأندلسي، البحر المحيط 5: 323، دار الفكر، 2010م؛ محمد عليّ الشوكاني، فتح القدير: 539، مراجعة: يوسف الغوش، دار المعرفة، بيروت، ط4، 2007م؛ ومحمد يوسف أطفيش، هيميان الزاد إلى دار المعاد، نسخة إلكترونية، موقع التفاسير، بدون بيانات.
([35]) كريم فليح حسن، آراء الإمام الماوردي في الغنيمة، دراسةٌ تاريخية مقارنة، مجلّة الدراسات التاريخية، العدد 14، 2012م.
([36]) الفخر الرازي، تفسير مفاتيح الغيب 15: 164، ط3.
([37]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 8: 1.
([38]) محمود الآلوسي، روح المعاني 10: 2، نسخة إلكترونية، بدون بيانات.
([39]) ظافر القاسمي، الجهاد: 531، دار العلم للملايين، بيروت ، ط1، 1982م.
([40]) صبحي الصالح، النظم الإسلامية: 366، دار العلم للملايين، ط6، 1982م.
([41]) محمد صادق الخرسان، الخمس: 45.
([42]) أبو جعفر الطبري، جامع البيان 6: 171 ـ 248، دار الكتب العلمية، بيروت ، ط1، 1992م.
([43]) القاضي البيضاوي، تفسير البيضاوي (مع حاشية زاده) 2: 408، المطبعة العثمانية.
([44]) ابن كثير، تفسير ابن كثير 2: 310، مكتبة دار التراث، القاهرة.
([45]) أحمد بن محمد الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن: 209، تحقيق: محمد باقر البهبودي.
([46]) رشيد رضا، المنار 10: 3.
([47]) أبو جعفر الطوسي، التبيان 5: 123، تحقيق: أحمد حبيب العاملي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
([48]) أبو عليّ الطبرسي، مجمع البيان 4: 836، تحقيق: هاشم المحلاّتي وزميله، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1986م.
([49]) سعيد بن هبة الراوندي، فقه القرآن 1: 242، تحقيق: أحمد الحسيني، ط2، قم ـ إيران، 1405هـ.
([50]) محمد حسين الطباطبائي الميزان 10: 91، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ، ط5، 1983م.
([51]) محمد حسين فضل الله، من وحي القرآن 10: 296، دار الزهراء، ط1، 1984م.
([52]) أبو يوسف، موسوعة الخراج، الخراج (1): 18، دار المعرفة، بيروت، 1979م.
([53]) يحيى بن آدم، موسوعة الخراج، الخراج (2): 19، دار المعرفة، بيروت، 1979م.
([54]) عليّ بن محمد البيساني، مختصر البسيوي: 90، تقديم: الشيخ أحمد الخليلي، دار الحكمة، لندن، 2007م.
([55]) أبو الحسن الماوردي، الأحكام السلطانية: 126، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987م.
([56]) تقيّ الدين بن تيمية، السياسة الشرعيّة: 32، دار المعرفة، بيروت، ط4، 1969م.
([57]) محمد الموسوي العاملي، مدارك الأحكام 5: 381، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، مشهد، 1410هـ.
([58]) محمد باقر السبزواري، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد 1: 480 (القسم الثالث)، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث.
([59]) علي الطباطبائي، رياض المسائل 5: 227 تحقيق: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث.
([61]) محمود الهاشمي، الخمس 2: 10، مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، 1410هـ.
([65]) سيد سابق، فقه السنّة 1: 329، دار الكتاب العربي، بيروت، ط8، 1987م.
([66]) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري: 292، ح1499، بيت الأفكار الدولية، الرياض، 1998م.
([67]) أبو يوسف، موسوعة الخراج، الخراج (1): 21.
([68]) عبد الحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 555، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003م.
([69]) أحمد بن يحيى بن المرتضى، شرح الأزهار 1: 263 ـ 267، بدون بيانات.
([70]) حسن القزويني، الخمس في الشريعة الاسلامية: 39، دار الزهراء، 1979م.
([71]) نوري الهمداني، الخمس: 82.
([72]) محمد بن بابويه الصدوق، الهداية: 177، مؤسّسة الإمام الهادي، 1418هـ.
([73]) محمد بن محمد بن النعمان المفيد، المقنعة: 276، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم ـ إيران، 1410هـ.
([74]) عليّ بن الحسين المرتضى، الانتصار: 225، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415هـ.
([75]) أبو جعفر الطوسي، الخلاف 4: 181، تحقيق: عليّ الخراساني وآخرين، 1414هـ.
([76]) المحقِّق الحلّي، المعتبر 2: 623، تحقيق: بإشراف ناصر مكارم، مؤسّسة سيد الشهداء، 1364هـ.ش؛ وكذا: المحقِّق الحلّي، شرائع الإسلام، كتاب الجهاد (تعليقات صادق الشيرازي) 1: 242، مؤسّسة الوفاء، 1982م.
([77]) الحسن بن يوسف الحلّي، تذكرة الفقهاء 5: 421، مؤسّسة آل البيت الإسلامية، قم ـ إيران، 1414هـ. وراجِعْ: الحسن بن يوسف الحلّي، مختلف الشيعة 3: 313، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، 1413هـ.
([78]) الحسن بن يوسف الحلّي، منتهى المطلب 1: 548، الطبعة القديمة، بدون بيانات.
([79]) زين الدين العاملي، مسالك الأفهام 3: 50، مؤسّسة المعارف الإسلامية، ط1، 1414هـ.
([80]) أحمد محمد مهدي النراقي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة 10: 9، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث.
([82]) مرتضى البروجردي، المستند في شرح العروة الوثقى، الخمس (تقريراً لأبحاث السيد الخوئي) 15: 196.
([83]) حسين علي المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه 3: 47، مطبعة المقدس، قم ـ إيران، ط1، 1411هـ.
([84]) محمود الهاشمي، الخمس 2: 12، مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، 1410هـ.
([85]) البخاري، صحيح البخاري: 593، ح3095.
([86]) مرتضى العسكري، معالم المدرستين 2: 112 ـ 118.
([87]) مرتضى العسكري، معالم المدرستين 2: 117؛ ونوري الهمداني، الخمس: 95؛ وجعفر العاملي، الصحيح من سيرة المصطفى 3: 309، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1402هـ.
([88]) كاظم اليزدي، العروة الوثقى 4: 232 ـ 233 (تعليقات الفقهاء) ، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1420هـ.
([89]) قلمداران، الخمس، نسخة إلكترونية، بدون صفحات.
([90]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 2: 292 ـ 334، أعدّ الفهارس: رياض عبد الهادي، دار إحياء التراث العربي.
([91]) محمد الغزالي، فقه السيرة: 382، خرَّج أحاديثه: ناصر الدين الألباني، دار الكتب الحديثة، مصر، ط7، 1976م.
([92]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 1: 130.
([93]) علي حسينعلي الأحمدي، مكاتيب الرسول 2: 301، 306، 308، 313، 316، 317، 353، 364، 385، دار صعب، بيروت.
([94]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 1: 129، 130.
([95]) محمود الهاشمي، الخمس 2: 17.
([96]) المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه 3: 44 ـ 46.
([97]) محمود الهاشمي، كتاب الخمس 2: ، 10.
([99]) جعفر السبحاني، الخمس في الشريعة الإسلامية: 20، الموقع الإلكتروني للمؤلِّف.
([100]) عبد الكريم بنحميدة، الغنيمة في حروب الإسلام المبكِّرة: 5، موقع مؤمنون بلا حدود.
([101]) محمد عابد الجابري، نقد العقل السياسي العربي: 169 ـ 256، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط10، 1017م.
([102]) أحمد بن يحيى البلاذري، فتوح البلدان: 115، دار الكتب العلميّة، 1987م.
([103]) محمد بن الحسن الطوسي، الاستبصار 2: 56، تحقيق وتعليق: حسن الموسوي الخرسان، دار صعب والتعارف، بيروت.
([104]) محمود الهاشمي، كتاب الخمس 2: 29.
([106]) المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه 3: 70.
([107]) مرتضى البروجردي، المستند في شرح العروة الوثقى، الخمس (تقريراً لأبحاث السيد الخوئي) 15: 197.
([108]) محمد جواد مغنية، التفسير المبين: 183، دار التيار الجديد، بيروت، ط3، 2007م.