الشيخ مسعود إمامي(*)
ترجمة: د. حسن طاهر / د. علي الرضا عيسى
مقدّمةٌ
في عالم اليوم أصبح الرجوع إلى الرأي العام، وتفضيل رأي الأكثرية في اتّخاذ القرارات الجماعية، قيمةً عالمية. في أغلب الدول يتمّ اختيار نوع الحكومة، القانون الأساسي، أعلى منصب في الدولة، أعضاء مجلس النواب، بناءً على رأي الأكثرية. اتّخاذ القرار في المجالس والمجامع يتمّ أيضاً على أساس تفضيل رأي الأكثريّة. قاعدة اعتبار رأي الأكثرية ساريةٌ حتّى في الكثير من التجمُّعات الصغيرة والعائلية. وأعضاء مجمعٍ ما يعملون برأي الأكثرية في الأمور الخلافية التي تخصّ الأعضاء، وذلك بعد أخذ آراء الجميع.
ونظام الجمهورية الإسلاميّة أيضاً ليس مستثنىً من هذه القاعدة. وتُتَّخذ أهمّ القرارات الجماعية فيها، مثل: اختيار نوع الحكومة، القانون الأساسي، الوليّ الفقيه، رئيس الجمهورية، ونواب مجلس الشورى الإسلاميّ ومجلس الخبراء، على أساس اعتبار رأي الأكثرية.
واليوم، تعتبر وجهة نظر الإسلام حول الرجوع إلى الرأي العامّ، وتفضيل رأي الأكثرية، ومجال اعتمادها، الشغل الشاغل للكثير من المسلمين. وقد أنجز المفكِّرون المسلمون وغير المسلمين أبحاثاً مختلفة في هذا المجال، وقدَّموا وجهات نظر متباينة أيضاً في هذا الصدد.
إن الوصول إلى وجهة نظر الإسلام في هذا الشأن مسألةٌ في غاية الأهمّية بالنسبة إلى الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية، الذين يحاولون أن يعيشوا في ظلّ حكومةٍ قائمة على تعاليم الإسلام.
في ما يتعلَّق باعتبار أو عدم اعتبار رأي الأكثرية يوجد قولان على الأقلّ: مؤيّدٌ؛ ومعارِضٌ. ولكنْ بتأمُّل وجهات نظر المؤيِّدين والمعارضين نستنتج أن لديهم قواعد مختلفة، ولا يمكن اعتبار جميع الموافقين أو المخالفين أصحاب نظريّةٍ واحدة. رُبَما بحَسَب رأي البعض يكون رأي الأكثرية معتبراً وصحيحاً من جهةٍ، وغير معتبرٍ من جهةٍ أو جهاتٍ أخرى. لذلك تلعب الأسس والمرتكزات التي يعتمدون عليها دَوْراً رئيساً في تحليل وجهات النظر، وما يتبعها من نقدٍ ودراسة لها. ومن هذا المنطلق يجب مناقشة وجهات النظر بناءً على المبادئ والمرتكزات.
إن أهمّ الأسس التي تقوم عليها صحّة الأخذ برأي الأكثرية هي الحقّ في تقرير المصير، وتوضيح الحقائق، الشرعيّة الدينية، المصلحة والقبول. ويمكن أن يكون مستند صحّة رأي الأكثرية، وفق كلّ واحدٍ من هذه الأسس، إمّا دليلاً عقليّاً أو دليلاً نقليّاً.
وقد سعَيْنا في هذه المقالة إلى إثبات هذا الادّعاء، وهو أن مبدأ حقّ تقرير المصير، القائم على أدلةٍ عقليةٍ وشرعيةٍ محكمة، هو المبدأ المتين الوحيد الذي يستطيع تبرير أكثر حالات الاعتماد على الرأي العامّ في أغلب مجتمعات اليوم، لا كلّها.
كما سعَيْنا إلى بيان أن عدم اهتمام أكثر أصحاب النَّظَر بهذا المبدأ، وأن إبداءهم آراءهم حول اعتبار رأي الأكثرية أو عدمه على أساس سائر المبادئ ـ وخصوصاً مبدأ كشف الحقيقة ـ، يتسبَّب في تشويش المباحث المتعلِّقة بهذا الموضوع.
وعلى هذا الأساس، فإن تبيين المبادئ والمنطلقات المختلفة لأصحاب الرأي حول اعتبار رأي الأكثرية أو عدمه، وتبيين مقتضيات كلّ واحد من هذه المبادئ، وتفكيكها؛ تجنباً لخلط المباحث العلمية بشأن هذا الموضوع، هدفٌ مهمٌ آخر نسعى لتحقيقه في هذه المقالة.
والنقطة الأهمّ التي تثبتها هذه المقالة أن معظم أصحاب النَّظَر في مجال الفقه والفكر الإسلامي قاموا ـ وفقاً لمبدأ كشف الحقيقة ـ بإنكار اعتبار رأي الأكثرية. وادّعوا أن رأي الأكثرية لا يكشف عن الحقيقة، فقد تكون أقليّةُ مجتمعٍ على حقٍّ، والأكثرية على باطلٍ، فلا يجدر في اتخاذ القرارات الجماعية العمل برأي الأكثرية. وادّعاء هذه المجموعة من العلماء عدم اعتبار رأي الأكثرية قائمٌ على مبدأ كشف الحقيقة. وهذا الادّعاء، على أساس هذا المبدأ، صحيحٌ ومنطقي؛ إلاّ أن الأمر الذي غفلوا عنه أن أكثر حالات الاعتماد على الرأي العام في مجتمعات اليوم ليست لأجل كشف الحقيقة؛ بل لأن الناس أنفسهم يجب أن يقرِّروا لحياتهم، ولا يمكن لشخصٍ ما إجبارهم على فعل شيءٍ ضدّ إرادتهم، وإنْ كان ما يقومون به غير صحيح. وقد عُبِّر عن هذا المبدأ بحقّ تقرير المصير، وآليته التنفيذية في اتخاذ القرارات الجماعية الاستفتاءُ العام، وتفضيل صوت الأغلبيّة.
ولإثبات هذا الادّعاء سوف نتطرَّق أوّلاً إلى شرح المفاهيم ذات الصلة، ومن ثمّ نناقش هذه الأسس الخمسة بشكلٍ عقلانيّ. وسيتمّ شرح النتائج المنطقية لصحّة رأي الأكثرية بناءً على تلك الأسس. وفي المرحلة التالية سنثبت اعتبار رأي الأكثرية من وجهة نظر القرآن الكريم وسيرة المعصومين^ على أساس مبدأ حقّ تقرير المصير، وعدم اعتباره على أساس مبدأ كشف الحقيقة.
مفاهيم البحث، شرحٌ وتوضيح
قبل طرح ودراسة المباني المختلفة حول اعتبار رأي الأكثرية من الضروريّ شرح بعض المفاهيم والمصطلحات، وأيضاً وصف بعض أبعاد البحث.
1ـ الحرّية التكوينيّة والحرّية التشريعيّة
تواجه الإرادة الإنسانية نوعين من المنع والجبر: الأوّل: منعٌ عيني وتكويني، يعيق الإنسان عن العمل وفق رغباته بالإكراه والإجبار. وهذا النوع من المنع يكون أحياناً بقطع طرق العمل الاختياري أمام الإنسان؛ وأحياناً أخرى بإجباره على عمل لم يختَرْه. وفي كلتا الحالتين يُقال له: إجبارٌ، حيث يكون الفاعل فاقداً للاختيار والقصد. وأحياناً يتحقَّق العائق الخارجي بالتهديد بالعقوبة. وفي هذه الحالة، ورغم أن الفاعل يتمتّع بإرادة الاختيار، فإن القيام بالفعل أو تركه ليس ممّا يرغب فيه، ويُقال عن هذا المنع: «إكراه». وفي كلتا الحالتين تواجه حرّية الإنسان عائقاً خارجياً، وبعبارةٍ أخرى: يتمّ سلب حرّيته.
القسم الثاني من سلب الحرّية من الإنسان هو المنع والجبر القانونيّ والاعتباري. وفي هذه الحالة قد لا يكون هناك أيّ مانعٍ خارجي وعيني، ويصدر الفعل طَوْعاً وعن رضا وقبولٍ، ولكنْ هناك قواعد وقوانين إجباريّة تقف عائقاً اعتبارياً وقانونياً لإرادة الإنسان الحرّة، وتأمره بالقيام بالأعمال أو عدم القيام بها. ومنشأ القوانين الإجبارية يمكن أن يكون العقل أو الشرع أو العُرْف أو الحكومة أو أيّ شيءٍ آخر.
وبالنظر إلى هذين النوعين من العوائق التي تعترض إرادة الإنسان الحرّة يمكن تقسيم الحرّية إلى قسمين: حرّية تكوينية؛ وحرية تشريعية. النقطة المقابلة للحرّية التكوينية هي الإجبار والإكراه الواقعي والعيني؛ والنقطة المقابلة للحرّية التشريعية هي القانون والقواعد الموضوعة. إذن فالفرد أو المجتمع الذي لم يُجْبَر أو يُكْرَه على القيام بالفعل أو تركه لديه حرّية تكوينية بالنسبة إلى هذا الفعل أو تركه، والفرد أو المجتمع الذي لم يُلْزَم القيام بالفعل أو تركه وفق نظامٍ اعتباري تشريعي وقانوني لديه بالنسبة لهذا الفعل أو تركه حرّية تشريعية.
إن الخلط الواقع بين هذين المفهومين لدى الكثير من أصحاب النَّظَر، وبالتَّبَع لدى عامّة الناس، أدّى إلى الكثير من سوء الفهم. وعلى سبيل المثال: إن كلمة «حرّية» في جملة «الإسلام مع الحرّية» مشتركٌ لفظيّ بين هذين المعنيين [أي الحرّية التكوينية والحرّية التشريعية]، ولذلك هي مُجْمَلةٌ، وبحاجة إلى تحديد أيّ المعنيين هو المقصود؟ فإذا كان المقصود من كلمة «حرّية» في هذه الجملة هي الحرّية التشريعية فمعنى ذلك أن الإسلام يفتقد إلى القوانين الإجبارية في كلّ المجالات الفردية والاجتماعية، أو في أكثرها؛ وإذا كان المقصود هو «الحرّية التكوينية» فمعنى ذلك أن الإسلام، ورغم توفُّره على قوانين إجبارية في كلّ المجالات الفردية والاجتماعية، أو في أكثرها، ولكنّه لم يجبر الناس على اتّباعها.
المعنى الثالث الذي يُراد من الحرّية أحياناً هو صفة الاختيار لدى الإنسان، وهو المقصود من هذه الجملة «الإنسان خُلق حرّاً». وأصحاب الجبر هم الذين يعترضون على هذا المعنى؛ إذ إنهم ينكرون صفة الاختيار لدى الإنسان. والحرّية بهذا المعنى لا يمكن لأحدٍ غير الله سلبها من الإنسان. الفرد أو النظام الطاغي يمكنه فقط أن يمنع الإنسان من العمل بمقتضى صفة الاختيار لديه، ويجبره على القيام بعملٍ ما، وبعبارةٍ أخرى: يسلب حرّيته التكوينيّة، ولكنه لا يستطيع أن يسلب منه هذه الصفة الكمالية، وهي الاختيار، ويحوِّله إلى كائنٍ غير مختار، كالجمادات.
ولن يتمّ بحث هذا المعنى في هذا المقال، وإنما قبوله من الفرضيّات المسلَّمة له.
2ـ الحكومة المنشودة والحكم النهائيّ
في مسألة تحديد الحاكمية السياسية لمجتمعٍ ما ينبغي الفصل بين مرحلتين:
الأولى: هي تقديم نموذجٍ حكوميّ ملائم.
الثانية: تعيين الحكم النهائيّ في حالات اختلاف الناس في تحديد الحكومة المنشودة.
في المرحلة الأولى يكون الحديث عن الحقّ والباطل، والجيّد والسيّئ، لنظريّةٍ ما في الحكومة. في هذه المرحلة من الممكن أن يقترح البعض الحكومة الإسلامية؛ والبعض الآخر نماذج أخرى للحكومة. ولكنْ ما من شَكٍّ في أنه من النادر أن يتّفق الجميع على حكومةٍ واحدة، أي يتمّ التوصُّل إلى نموذجٍ معيّن من الحكومة وكلّ ما يتعلّق بها من خلال الاتفاق بين الأطراف المختلفة.
وهنا نكون بحاجةٍ إلى المرحلة الثانية، أي بعد وجود الاختلاف بين الناس في تحديد نموذجٍ مناسب للحكومة، أو أيّ شيءٍ يتعلّق بالسيادة على المجتمع، فنحن بحاجةٍ إلى حلٍّ عقلانيّ وأخلاقيّ للخروج من النزاعات، وتعيين تطبيق نموذجٍ حكومي من بين النماذج المتنازَع عليها. هذا الحلّ العمليّ هو (الحكم النهائيّ) في حالات الخلاف بين الناس. وهناك أيضاً فصلٌ بين هاتين المرحلتين في أيّ قرارٍ جماعيّ محلّ نزاعٍ. تتمثَّل الخطوة الأولى من تحديد القرار الأفضل؛ والخطوة الثانية هي تحديد حلٍّ لتقديم أحد القرارات المعروضة من أجل تنفيذه.
تحديد وقبول حكم «الحَكَم النهائي» في القرارات الجماعية في المجتمع يدلّ على الالتزام بقواعد اللعبة في الحياة الاجتماعية. في لعبةٍ رياضية يتعلَّق الأمر أحياناً بالسلوك الصحيح أو الخاطئ للاعب. قد تكون هناك آراء مختلفة في هذه المرحلة، لكنّ التخطيط لهذه الآراء ومناقشتها لن يؤدّي بحدّ ذاته إلى تشكيل لعبةٍ سياسية سلمية ومنضبطة، بل يحتاج إلى «حَكَم» حتّى يصبح حكمه ـ بغضّ النظر عما إذا كان مقبولاً من أيٍّ من الطرفين ـ، فَصْلاً في الخلافات.
هدف الناس في الحياة الاجتماعية هو أيضاً التمتُّع بفوائد العيش مع الآخرين، وهذا لن يتشكَّل إلاّ في حياةٍ اجتماعية سلمية. ومن هذا المنطلق فإن المجتمع ـ وبغضّ النظر عن جميع الاختلافات الموجودة في رؤاه الاجتماعية ـ يحتاج إلى «حَكَمٍ نهائي» متَّفق عليه من قِبَل الجميع، ويكون رأيه فصل الخطاب في الاختلافات.
يجب أن يتمتَّع الحَكَم النهائي لمجتمعٍ ما بخصلتين؛ حتّى لا تؤدّي الاختلافات الناشئة فيه إلى انهياره وتصدُّع النظام والحياة السلمية:
الأولى: أن يكون محلّ اتفاق الجميع، لأنه إذا لم تقبل جماعةٌ ما ـ وإنْ كانت أقلّيةً ـ بحكمه فإن معارضتها العملية لرأي الحَكَم قد تفسد الأمر، وتزعزع نظام المجتمع. لذلك في مجتمعٍ توجد فيه مذاهب مختلفة، وأفكار وأديان شتّى، لا يمكن لأيٍّ منها أن يكون حَكَماً نهائيّاً؛ لأن المختلفين مع ذلك المذهب والفكر لن يقبلوا بحكمه.
الثانية: يجب أن يكون رأي الحَكَم النهائي واضحاً ودقيقاً، بحيث لا يؤدّي تشخيص رأيه إلى حدوث اختلافٍ، وإلاّ فلن يكون هو الحَكَم النهائي، وستكون هناك حاجةٌ لحَكَمٍ آخر حتّى يحدِّد رأيه.
لنفترض أن أفراد المجتمع كلّهم مسلمون، ويقبلون بالقرآن الكريم كحَكَمٍ بينهم، ولكنّهم يختلفون في فهمهم للقرآن، ففي هذه الحالة ستنشأ الخلافات مرّةً أخرى، وستكون هناك حاجةٌ لحَكَمٍ آخر؛ لحلّ مشكلة الخلافات بين أفراد المجتمع([1]).
3ـ الحدّان الأدنى والأقصى من الديمقراطية
يرتبط مفهوم الديمقراطية في الثقافة السياسية لمجتمعات اليوم ارتباطاً وثيقاً بمسألة صلاحية وسيادة رأي الأكثرية. ومن هنا نشهد اليوم العديد من الحوارات العلمية بين المفكِّرين المسلمين التراثيّين والحداثويّين فيما بينهم من ناحيةٍ، وبينهم وبين الحداثويّين غير المتديِّنين من ناحيةٍ أخرى، حول قبول أو رفض الديمقراطية، وأيضاً حول موافقتها أو مخالفتها للإسلام. وترجع الكثير من هذه الاختلافات إلى غياب تفسيرٍ صحيح للمفاهيم المختلف عليها. ومن أجل الوصول إلى جوابٍ صحيح في هذا الشأن يحتاج مفهوما «الإسلام» و«الديمقراطية» إلى شرحٍ وتفسير واضحين.
فالإسلام في مقام الثبوت ظاهرةٌ عينية وواحدة، ولا مجال للاختلاف فيه؛ أما في مقام الإثبات فقد قُدِّمت قراءاتٌ مختلفة. إن شرح مفهوم «الإسلام» في أبحاث توافق الإسلام والديمقراطية، مع الإشارة إلى تفسيراتٍ مختلفة للإسلام في العالم المعاصر، قد تمّ بشكلٍ أو بآخر، وبُذلَتْ جهودٌ في هذا الصدد.
تفتقر الديمقراطية إلى الواقع العينيّ والتاريخيّ، أو على الأقلّ في هذا البحث لا يقصد واقعها العينيّ والتاريخيّ، وفي مورد واقعها العلميّ أيضاً لا يمكن التوصُّل إلى مفهومٍ واحد متَّفق عليه. وفي هذا الجانب تتشابه مع الإسلام([2]). ولعدم التوافق على معنىً واحد للديمقراطية ـ جذورُه في العالم الغربيّ، المكان الذي نشأَتْ فيه ـ يرى الغربيّون أيضاً أن عدم وجود تعريفٍ واضح للديمقراطية يمثِّل مشكلةً رئيسةً في الخطاب الأكاديمي([3]).
إن أحد المصاديق الشائعة للاختلاف في معنى «الديمقراطية» هو التردُّد في تحديد معناها بين الحدّ الأدنى، أي «حكم رأي الأكثرية»، ومفاهيم الحدّ الأقصى، التي ظهرت كلواحق لـ «حكم رأي الأكثرية»، وهي من قبيل: «حقوق الإنسان»، و«الحرّية»، وخاصّة «حرّية التعبير»؛ و«احترام حقوق الأقلّيات».
وقد ذكر بعضٌ الليبرالية؛ والبراغماتية؛ والنسبية؛ وأصالة العقود، وأصالة الموافقة العامّة؛ وأصالة المساواة، والاستقلاليّة الفردية، وأصالة القانون، والمواطنة، والسيادة، وحقوق الإنسان، باعتبارها الأسس الفكرية للديمقراطية([4]).
هذا الشكّ في مفهوم الديمقراطية في كثيرٍ من الحالات تسبَّب في سوء فهمٍ في هذا البحث العلمي المهمّ. إيجاد مفهومَيْ: «الحدّ الأدنى من الديمقراطية»؛ و«الحدّ الأقصى من الديمقراطية»، الذي شاع في هذه الأيام([5])، يُعتبر جُهْداً جديراً بالاهتمام؛ لإزالة الغموض الموجود في مفهوم «الديمقراطية». يشير مصطلح «الحدّ الأدنى من الديمقراطية» إلى مجرد سيادة رأي الأكثرية، ويشير «الحدّ الأقصى من الديمقراطية» إلى سيادة رأي الأكثرية مع الالتزام بـ «حقوق الإنسان»، «حرّية التعبير»، «احترام حقوق الأقلِّيات»، وغيرها من المفاهيم المماثلة.
إذا كانت أغلبية المجتمع تريد حكومةً متطرّفة وسلطوية، وجاءت هذه الحكومة وفقاً لإرادة الشعب، فهناك «حدٌّ أدنى من الديمقراطية» في ذلك المجتمع، أي سيادة رأي الأكثرية؛ لكن «الحدّ الأقصى من الديمقراطية» يعني سيادة رأي الأكثرية، مع احترام حقوق الإنسان والحرِّيات الفردية وحقوق الأقلِّيات، وهو غير موجودٍ. ويُعبّر عن «الحدّ الأدنى من الديمقراطية» بدون «الحدّ الأقصى من الديمقراطية» بـ «استبداد الأكثريّة».
هناك أبحاث وآراء مختلفة بين الفلاسفة الغربيين، من أمثال: كانْط، روسُّو، جون رولز وهابرماس، حول تحدّي «استبداد الأكثرية». برأي بعض المفكِّرين الذين يميلون إلى المدرسة الوضعية القانونية، كـ (روسُّو)، القوانين المعتبرة هي القوانين التي وضعها البشر، ووافقوا عليها، وكلّ قاعدةٍ أو قانون أو معيار خارج إطار إرادة الأكثرية فلا اعتبار له. إذن فإن رأي روسو هو مشروعيّة «استبداد الأكثريّة». ولكنْ حَسْب رأي الفلاسفة الذين اختاروا مدرسة القانون الطبيعي، كـ (كانْط)، فإن هناك قوانين من خارج إطار الإرادة العامة، ولها اعتبارٌ ومشروعيّةٌ، ولا يحقّ للأكثرية نقض تلك القوانين. وعليه فإن نتيجة هذا الرأي عدم مشروعيّة «استبداد الأكثريّة»([6]).
وفي قبول أو عدم قبول «الحدّ الأدنى من الديمقراطية» أو «الحدّ الأقصى من الديمقراطية» يجب التمييز بين مرحلتي البحث التي تمَّتْ مناقشتهما في ما تقدَّم، وهما: أوّلاً: اختيار نموذج الحكم المرغوب فيه؛ وثانياً: إيجاد طريقة عملية للخروج من الاختلافات بين الناس في صنع القرار الجماعي، وبعبارةٍ أخرى: هناك فرقٌ بين ديمقراطيةٍ تمثِّل قيمةً ذات أهداف اجتماعية وتاريخية وديمقراطيةٍ تمثِّل طريقةً وآلية فاقدة لأيّ هدفٍ اجتماعي وتاريخي.
إذا كانت «الديمقراطية بحدّها الأقصى» ـ وبغضّ النظر عن كون مفاهيمها الداخلية، كـ «حقوق الإنسان» و«حرّية التعبير» و«حقوق الأقلِّيات» ونحوها، مقبولةً ويمكن الدفاع عنها ـ إذا كانت في صدد نفي «الديمقراطية في حدّها الأدنى» بصفتها «الحَكَم النهائي» فستكون في هذه الحالة نظريّةً غير عقلانيّة ومتناقضة بطبيعتها؛ بسبب الخلط الحاصل بين تلك المرحلتين اللتين سبق ذكرهما.
لم يلتفِتْ بعضُ المدافعين عن هذا الرأي إلى حقيقة أنه من أجل إقامة حكومةٍ صحيحة في المجتمع يجب الإجابة عن السؤالين المذكورين بجوابين منفصلين، لا أن نعطي جواباً واحداً لكلَيْهما.
السؤال الأوّل: ما هو نموذج الحكم الصحيح والأجدر؟
السؤال الثاني: ماذا يجب أن نفعل إذا لم يوافق أفراد المجتمع على قبول نماذج مختلفة من الحكم؟
وللإجابة عن السؤال الأوّل يمكن للجميع التعبير عن وجهة نظرهم التي يرغبون بها.
ولكنْ في الإجابة عن السؤال الثاني لا يحقّ لأحدٍ إقحام افتراضاته التي اختارها في نموذج الحكم في حال لم يوافق عليها الآخرون؛ لأنه في هذه الحالة سوف تتكرَّر الخلافات، ولا يمكن أن تكون الإجابة هي الحَكَم النهائي لحلّ النزاع. وعليه يمكن أن تكون «الديمقراطية في حدّها الأقصى» إجابةً عن السؤال الأوّل، ولكنْ لا يمكنها أن تكون إجابةً عن السؤال الثاني.
وبعبارةٍ أخرى: إذا كانت غالبيّة المجتمع لا تقبل مفاهيم «حقوق الإنسان» و«حرّية التعبير» و«حقوق الأقلِّيات» وفق تفسير العالم المعاصر فما العمل في هذه الحالة، بناءً على «الديمقراطية في حدّها الأقصى»؟ هل يجب فرض «حقوق الإنسان» و«حرّية التعبير» و«حقوق الأقلِّيات» على الناس، إذا كانت تخالف ميولهم؟ في هذه الحالة ستضيع «سيادة رأي الأكثرية»، التي هي جزءٌ من هذا الرأي، وسيتمّ تشكيل الحكم الديكتاتوري للأقلِّية، وبالنتيجة فقدان الديمقراطية، سواء كانت في حدّها الأقصى أو الأدنى.
إذا كان جواب مؤيِّدي نظرية «الديمقراطية في حدّها الأقصى» هو أن هذه المفاهيم لن تُفْرَض على المجتمع، وسيتمّ تشكيل الحكومة بدون هذه المفاهيم، فإن نظريتهم هي نظرية «الديمقراطية في حدّها الأدنى»، التي تجعل من رأي الأكثرية معياراً في قبول نماذج مختلفة من الحكم، مهما تكُنْ تلك الأكثرية معارضةً لـ «حقوق الإنسان» و«حرّية التعبير» و«حقوق الأقلِّيات».
المدافعون عن الحكومة الإسلامية أيضاً، في الجواب عن السؤال الثاني، لا يستطيعون منطقيّاً إدراج افتراضاتهم في نموذجٍ مؤاتٍ؛ لأن جوابهم في هذه الحالة لا يمكن أن يكون «الحَكَم النهائي» في مواطن الاختلاف؛ فإذا أجابوا عن السؤال الثاني، أي قالوا ردّاً على مسألة تعيين «الحَكَم النهائي»: إن رأي الأكثرية معتبرٌ طالما أن «الشريعة» أو «ضروريّات المذهب» أو «الحقوق الإلهيّة» محفوظةٌ، ففي هذه الحالة سيكون السؤال: ما الذي يجب فعله إذا كانت الأكثريّة لا تقبل هذه المفاهيم، أو كان تفسيرها لها مختلفاً؟ وبعبارةٍ أخرى: يُطرح سؤال «الحَكَم النهائي» مرّةً أخرى. وهذا يشي بأن جوابهم لم يكن جواباً من أجل تعيين «الحَكَم النهائي»، وإنّما كان من أجل تحديد نموذجٍ صحيح للحكم. وهذا جوابٌ عن السؤال الأول، وليس جواباً عن السؤال الثاني.
يمكن للمدافعين عن الحكومة الإسلامية، مثلهم مثل المعارضين لها، أن يقبلوا «رأي الأكثرية» كمعيارٍ في جوابهم عن السؤال الثاني، ولكنْ يجب عليهم أن يلتزموا بالنتيجة مهما كانت، ولو رأَوْها تتعارض مع نموذجهم المفضَّل للحكم. ويمكن أن يقبلوا معياراً عمليّاً آخر، مثل: «سيادة السلطة والإكراه». هذا المعيار هو إجابةٌ عن السؤال الثاني، ولا يتضمن إشكالاً منطقيّاً كهذا الذي كان في الأجوبة السابقة، التي لم تكن ردّاً عن السؤال الثاني، على الرغم من أنه ليس جواباً مناسباً من وجهة نظرٍ عقلانيّة وأخلاقيّة.
بالطبع فإن تطبيق استمرار طريقة سيادة رأي الأكثرية، وبعبارةٍ أخرى: «الديمقراطية في حدّها الأدنى»، في أيّ مجتمعٍ تستلزم وجود ملحقاتٍ، في حال افتقادها لن تتشكَّل سيادة «رأي الأكثرية» حدوثاً، ولا بقاءً.
وهذه اللوازم والملحقات لا تشكِّل قَيْداً إضافياً لـ «سيادة رأي الأكثرية»، حتّى يظهر الإشكال السابق، ولكنّها ملازمةٌ لها في التطبيق، أي إنه بدونها لا يمكن الحصول على رأي الأكثرية.
إحدى هذه الملحقات «حرّية التعبير». إذا لم يتمكَّن أصحاب العقائد والرؤى المختلفة من طرح أفكارهم في المجتمع فلن يتوفَّر الجوّ المناسب لاختيار الناس الحرّ. مجتمع الصوت الواحد، الذي يكون فيه للحكّام ومَنْ لهم نفس التفكير فقط الحقّ في الكلام، ويُحْرَم الآخرون من التعبير عن آرائهم ويُحْظَرون، مجتمعٌ كهذا لن تحفظ فيه سيادة رأي الأكثرية، ولن تستمرّ، ولن يتمّ الالتزام بها، مهما كانت الحكومة مبنيّةً على «رأي الأكثرية»، بل حتّى لو كانت سلطة الصوت الواحد وسلب «حرّية التعبير» قد تمَّتْ وفق إرادة الأكثرية؛ إذ إن آراء الناس تتغيَّر، وللأجيال الجديدة مطالب مختلفة. إذن استمرار سيادة «رأي الأكثرية»، مثل حدوثه، منوطٌ بحفظ الأجواء الحرّة للمجتمع. والمجتمع الذي يفتقد إلى حرّية التعبير سوف يعدم الأرضية المناسبة لتقييم الآراء العامّة، وبالتالي ستضيع سيادة «رأي الأكثرية».
وبعبارةٍ أخرى: يُعتبر وضع خيارات مختلفة أمام الناس مقدّمةً لاختيارهم الحرّ، وبالتالي سيادة «رأي الأكثرية». وأما في المجتمع الذي يتمّ فيه اقتراح خيارٍ واحد فقط للناس، بدون أن يكون لهم علمٌ بوجود خياراتٍ أخرى؛ أو يكون مقدِّمو تلك الخيارات مؤيِّدين لخيارٍ واحد، وينظرون لغيره من الخيارات في أحسن الأحوال على أنها ناقدةٌ وتتصيَّد الأخطاء، أو أنها مُغْرِضةٌ، في مثل هذا المجتمع لا يوجد أرضيّةٌ للحرّية التكوينية للناس، واحترامٌ لحقّ تقرير مصيرهم، مهما كان ذلك الخيار هو الخيار الوحيد الذي يمتلك الحقّ.
القرآن الكريم أيضاً يعتبر أن الاستماع للأقوال المختلفة يعتبر مقدّمةً للاختيار الحرّ والمقبول والعقلانيّ، الذي يهيِّئ الأرضية المناسبة للهداية الإلهيّة: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُو الأَلْبَابِ﴾ (الزمر: 17 ـ 18).
إذن في المجتمع الذي تمّ فيه حرمان الناس من «الاستماع» أو «الحقّ في الاستماع» فقد سُلِب منهم أيضاً الحقّ في اختيار الطريق الأفضل، والحياة الحكيمة، والهداية الإلهية. وممّا لا شَكَّ فيه أن التأكيد على «حقّ الاستماع» مصحوبٌ بالتأكيد على «حقّ التعبير». وبالتالي فإنّ مقدّمة الحياة العقلانية والهداية الإلهيّة هي استماع الأقوال المختلفة. ومقدّمات هذا الاستماع هي حرّية التعبير. والالتزام بسيادة رأي الأكثريّة يصحبه أيضاً «المساواة في حقّ إبداء الرأي»، والذي يجب أن يُبْحَث في مكانٍ آخر.
إذا كان قصد المدافعين عن «الديمقراطية في حدّها الأقصى» من معارضتهم لـ «الديمقراطية في حدّها الأدنى» وإضافة قيودٍ إلى سيادة رأي الأكثرية هو شرح الوسائل الخارجية للتطبيق والالتزام بسيادة رأي الأكثرية، وبعبارةٍ أخرى: ذكر الشروط الواجب توفُّرها لتحقُّق سيادة رأي الأكثرية، وليس ذكر قيود على مفهوم الديمقراطية بصفتها «الحَكَم النهائي»، فإن الإشكال السابق لن يعرض لهم. ومع ذلك فإن هذا لا يعني أن كلّ ما أشاروا إليه على أنه قيودٌ على الديمقراطية سيتمّ بالضرورة قبوله بصفته لوازم خارجية للالتزام برأي سيادة رأي الأكثرية وتطبيقه عملياً.
وأخيراً فإنّ الاختلاف في معنى الديمقراطية بين الباحثين، سواء كانوا غربيين أو شرقيين؛ وخلط المفاهيم حول هذا الموضوع؛ وكذلك العواقب السلبيّة للديمقراطية في العديد من البلدان، ممّا جعلها ذريعةً للسعي إلى السلطة وخداع العوامّ؛ وأيضاً الخلفيّة الجديدة أو السيّئة لمفهوم «الديمقراطية» لدى بعض القرّاء، كلُّ ذلك أدّى بالمؤلِّف إلى أن لا يجعل من «الديمقراطية» موضوعاً لمقاله. وبغضّ النظر عن معنى الديمقراطية، وهل هي مقبولة إسلامياً أم لا؟ توجَّه بشكلٍ مباشر إلى المعنى الذي يريده، أي اعتبار أو عدم اعتبار رأي الأكثريّة، ومدى اعتباره.
مبادئ اعتبار رأي الأكثريّة، دراسةٌ عقلانيّة
من خلال دراسة وجهات النظر المختلفة حول اعتبار الرأي العامّ ورأي الأكثرية في اتّخاذ القرارات الجماعية يتَّضح أن هناك اختلافاً في الأُسُس التي يعتمد عليها النقّاد في هذا الصدد. قد يكون رأي الأكثرية معتبراً من جهةٍ؛ وغير معتبرٍ من جهةٍ أخرى. لذلك لا يمكن التوصُّل إلى فهمٍ واضح في هذا الشأن إلاّ من خلال معرفة الأسس التي يقوم عليها رأي الأكثرية، وفصلها عن بعضها. ويناقش المؤلِّف المبادئ الخمسة، ويدرس آراء النقّاد والباحثين في هذا السياق، رغم أنه لا يدَّعي أنه جمع كلّ الأسس في هذا الصدد. وأخيراً يشرح النتائج العقلانية لكلٍّ من تلك المبادئ.
المبدأ الأوّل: حقّ تقرير المصير
إن أحد أسس اعتبار رأي الأكثرية «الحق الطبيعي والإلهي لأفراد النوع الإنساني في تعيين مصيرهم». ويتطلب شرح هذا الأساس توضيح ملاحظات مهمّة، بناء عليها يثبت هذا الأساس.
1ـ الحرّية التكوينيّة مقدّمةٌ للرُّشد
الإنسان كائنٌ يتمتَّع بإرادةٍ حرّة. والاختيار من صفاته الكمالية؛ وسببٌ لتفضيله على بقيّة الكائنات فاقدة الاختيار. لذلك أوّلاً: حقّ الإنسان الطبيعي هو التمتُّع بهذه الموهبة الإلهيّة؛ وثانياً: يتحقَّق الرشد الأخلاقي للبشر عندما يكون سلوكه الأخلاقي حرّاً، بدون جبرٍ، ولا إكراه. ولا يمكن أن يتحقَّق الإيمان والاعتقاد والخصال الأخلاقية الحميدة بدون اختيارٍ حُرّ.
تصوَّروا أن هناك إنساناً لا يقول إلاّ الصدق في عمره كلّه، ولم يَجْرِ الكذب على لسانه قطّ، ولكنّه مُجْبَرٌ على الالتزام بالحقيقة والتورُّع عن الكذب، ولم يختَرْهما بإرادته الحرّة، في هذه الحالة لا يمكننا القول: إنه يمتلك فضيلةً أخلاقية في ما يتعلّق بالصدق، وكذلك لا يمكن لأيّ ضميرٍ أخلاقي أن يعتبره متمتّعاً بهذه الصفة الأخلاقيّة؛ خلافاً لشخصٍ آخر، يتجنَّب الحقيقة باستمرارٍ، باختياره الحُرّ، وبعد حياةٍ كاملة من الكذب يقرِّر قول الحقيقة، وفي غمرة إغراء الكذب في لحظة الاختيار الحرّ يختار قول الصدق بحرّيةٍ كاملة. إنه أصبح يمتلك درجةً من الصفة النفسية للصدق نتيجة صدقه لهذه المرّة الواحدة.
وبعبارةٍ أخرى: لا تنمو الروح البشرية ولا تنشأ فيها الفضيلة الأخلاقية إلاّ بشرطين: الأوّل: هو أن ينشأ فعله النفسي والأخلاقي من اختياره وإرادته الحرّة، والثاني: اشتمال عملية الاختيار بين القيام بالفعل أو تركه على إغراءٍ بالمعصية.
والدليل على ضرورة واشتراط هذين الأمرين لرشد الإنسان وكماله، الذي هو الهَدَف الأصلي لخلقه، هو حكم العقل العمليّ والضمير الأخلاقي للبشر. والضمير الأخلاقي هو الأهمّ، بل المرجع الوحيد لتشخيص وتقييم الفضائل والرذائل الأخلاقية. يجد كلّ إنسان بضميره الأخلاقي أن أولئك الذين يتصرّفون بشكلٍ جيّد ظاهرياً إذا لم يستوفوا أحد هذين الشرطين فلن يتمّ الثناء عليهم أخلاقياً. الشخص الذي يتجنَّب المعاصي مُكْرَهاً ومُجْبَراً على ذلك، أو الذي يتجنَّب المعاصي بإرادته، لكنْ لا يوجد لديه أيّ ميولٍ أو إغراءٍ يدفعه لارتكاب المعاصي، هؤلاء لن يتمَّ الثناء عليهم أخلاقيّاً بحالٍ من الأحوال.
فعلى سبيل المثال: إذا رفض النبيّ يوسف× الرضوخ لإرادة زليخا اللامشروعة عن طريق إجبار شخصٍ آخر، أو أن تكون تلك المرأة التي دَعَتْه إلى نفسها عجوزاً قبيحة المنظر، بحيث لم يشعر النبيّ يوسف بأيّ ميلٍ نحوها، في تلك الحالتين لن يستحقّ النبيّ يوسف المدح الأخلاقي. هذا في حال كان حكم العقل العملي والضمير الأخلاقي للبشر كاشفاً في هذه الحالات عن وجود أو عدم وجود فضيلةٍ أخلاقية وروحية في الإنسان الذي يقوم بالعمل أو يحجم عنه.
وقد وصف القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة «الابتلاءات» و«الفتن» و«الامتحانات» بأنها سُنّةٌ من سُنَن الله تعالى، التي لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، وقد جعلها هدفاً لوصول الإنسان إلى الكمال والسعادة الأخروية([7]). كما عرّف «الابتلاء» بأنه إيجاد التحوُّل، أي التقلب والتحويل لتحصيل نتيجةٍ منظورة([8]). وعرّف «الفتنة» بأنها ما يوجب اختلالاً مع اضطراب([9])؛ و«الامتحان» بأنه اختبار نتيجة بالدأب والجدّ في العمل ([10]). إذن فالكلمات الثلاث تتضمَّن معنى العسر والصعوبة. وعليه فإنه لا طريق ـ من وجهة نظر القرآن الكريم ـ للوصول إلى الكمال إلاّ باختيار الإنسان حرّاً طريق الصعوبات والمشقّات.
وقد أكَّد الإمام الرضا×، في جوابه عن سؤال الخليفة العبّاسي المأمون حول الآية 99 من سورة يونس([11])، الشرط الأوّل؛ أي ضرورة أن ينشأ سلوك الإنسان من اختياره وإرادته الحرّة؛ ليصل إلى الكمال ويحصِّل الثواب. ينقل عن جدّه أمير المؤمنين× أنه قال في شأن نزول هذه الآية: إن المسلمين قالوا لرسول الله|: لو أكرهْتَ يا رسول الله مَنْ قدرت عليه من الناس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدوّنا، فقال رسول الله|: ما كنتُ لألقى الله عزَّ وجلَّ ببِدْعةٍ لم يحدث إليّ فيها شيئاً، وما أنا من المتكلِّفين، فأنزل الله تبارك وتعالى: «يا محمد، ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً﴾ على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا، كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلتُ ذلك بهم لم يستحقوا مني ثواباً ولا مدحاً، ولكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين؛ ليستحقّوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾؟!»([12]).
وبيّن أمير المؤمنين عليّ× أيضاً بوضوحٍ، في الخطبة القاصعة، الشرط الثاني؛ أي ضرورة اشتمال عملية الاختيار بين القيام بالفعل أو تركه على إغراءٍ بالمعصية؛ للوصول إلى الكمال والرشد في ثلاثة مصاديق: سجود الملائكة لآدم×([13])، وبعثة الأنبياء^([14]) وفريضة الحجّ([15]).
وقد صرّح كذلك علماء المسلمين بضرورة حرّية عمل الإنسان؛ من أجل الوصول إلى الكمال، فقد جاء في رسائل إخوان الصفا: «فأما الدين فلا إكراه فيه، فإنْ أُكره عليه لم ينفع الذين أكرهوا على قبوله»([16]). ويقول أمين الإسلام الطبرسي(548هـ) أيضاً، في تفسيره: «إن إيمان الملجأ غير نافع، بيَّن سبحانه أن ذلك لو كان ينفع لأكره أهل الأرض عليه»([17]). ومثيل هذه الكلمات موجودٌ بكثرةٍ في ثنايا الكتب الإسلاميّة([18]).
فالله تعالى الذي لا يريد سوى سموّ البشر ورشدهم قد خلق كلاًّ من هاتين المقدّمتين من أجل نَيْل الإنسان للكمال في نظام الخلق، وهما من فيض رحمة الله اللامتناهية. لذلك من المستحيل وغير المرغوب فيه محاولة إلغاء هاتين المقدّمتين الضروريّتين بدافع نجاة البشر، وبعبارةٍ أخرى: إنها فكرةٌ فجّة أن البشر يمكن إجبارهم على أن ينالوا الفوز ويدخلوا الجنّة، أو أن تتمّ تربيتهم في بيئةٍ خالية من إغراء الخطيئة.
وهذه الخاصّية في خلق الإنسان الذي يكون اختياره الحُرّ مقدّمةً لرشده الروحي والمعنوي يؤدّي بالأديان الإلهية والمذاهب الإنسانية التي تدعو إلى رشد وكمال الإنسان في ظلّ الالتزام بتعاليمها أن تقدِّم تعاليمها للناس في سياق الاختيار الحرّ. فالدين ولو أنه جاء بأحكام ذات التزامٍ تشريعي، ولكنّه لا يستطيع أن يجبر المكلَّفين في نظام التكوين على العمل بهذه الأحكام، ويسلبهم حقّ الاختيار الحُرّ في قبول الدين والعمل بأحكامه؛ لأنه لن يتمكَّن في هذه الحالة أن يصل إلى أهدافه في تحقيق الرُّشْد والسموّ الروحي للإنسان، وتتقوَّض غايته المنشودة، وسوف يتمّ الحديث عن أن وجود عقوباتٍ دنيوية وأخروية للمجرمين، الذي هو من مسلَّمات التعاليم الدينية، لا يتناقض مع هذا الادّعاء.
لا يتناقض الوعد بالعذاب الأخروي في الأديان الإلهيّة مع إيجاد أرضيّةٍ حرّة للنموّ الأخلاقي للإنسان، ولا ينبغي الظنّ أن الوعد بالعذاب في الآخرة، مثل التهديد بالعقوبات الدنيوية، يمنع من تهيئة الأرضيّة اللازمة للرُّشْد الأخلاقيّ للبشر؛ لأن حقيقة الآخرة وعالم ما بعد الموت والجزاء والعقوبة فيه ليس سوى انعكاسٍ تكويني للأعمال الاختياريّة التي قام بها الإنسان، بل هي باطن وحقيقة تلك الأعمال([19]).
وهكذا فإن حقيقة الوعد بالعذاب الأخروي ليس خلق تهديدٍ حتّى يتنافى مع الحرّية، ولكنّه إخبارٌ عن ظاهرةٍ واقعية سوف تحدث بعد الموت، وما من شَكٍّ أن إخبار الإنسان وإعلامه بنتائج سلوكه لا يتنافى مع إرادته الحرّة. فإذا أخبر طبيبٌ مريضه أنه في حال تناول بعض الأطعمة، ولم يلتزم بالحِمْية الغذائية، فسوف يتفاقم مرضه، فإنه لا يكون مجبِراً أو مكرِهاً له على الالتزام بالحِمْية الغذائية، ولا يكون مانعاً له من حرّيته التكوينية، بل إنّه قد نبَّهَه فقط إلى عواقب سلوكه. والأنبياء الإلهيّون، الذين تحدَّثوا باستمرارٍ عن عالم الآخرة، كانوا يرومون إخبار الناس عن النتائج التكوينيّة لسلوكهم في هذه الدنيا.
2ـ حقّ تقرير المصير حكمٌ من خارج نطاق الدِّين
يُعتَبَر الحكم بالحرّية التكوينية، أو حقّ تقرير المصير لجميع البشر، حكماً من خارج النطاق الدينيّ، ومن خارج الفقه؛ وذلك لسببين:
الأوّل: لأنه حكم العقل العملي؛ إذ إن رشد وكمال الإنسان يتضمّن حُسْناً ذاتياً من حيث النظر العقلي، وبالتالي فإن المقدّمات الضرورية لذك الرشد والكمال، والتي هي الحرّية التكوينية أيضاً، تتضمّن حُسْناً مقدّماتياً؛ ومن ناحيةٍ أخرى أحكام العقل العملي خارج دينية، والدين أيضاً يتبع تلك الأحكام. وهذا هو مقتضى القول بالحُسْن والقُبْح العقلي والذاتي للأفعال، الذي يعتقد به الكثير من العلماء المسلمين، بمَنْ فيهم فلاسفة الشيعة ومتكلِّميهم. لذلك من أجل إثبات هذا الحقّ للإنسان لا ينبغي للمرء أن يذهب إلى الحجج القرآنية والروائية في المقام الأوّل.
والسبب الثاني، الذي يجعل هذا الحكم من خارج الدين، أن موضوع هذا الحكم هو الأحكام الشرعية. إذن هو يأتي في الدرجة الثانية في الصدور بعد الأحكام الشرعية، وبمعنى آخر: يفرض العقل في مواجهة ما يجب وما لا يجب فعله في الشريعة أن يتمتَّع جميع البشر بالحرّية التكوينية في العمل بالشريعة، ولو كانوا يفتقدون للحرّية التشريعية، أي إنهم مكلَّفون بالعمل وفقاً للشريعة في نظام التشريع، ولكنْ لا يحقّ لأحدٍ إجبارهم على التقيُّد بأحكام الدين وتشريعاته في نظام التكوين. وبالطبع؛ وفقاً لقاعدة تلازم حكم العقل والشرع، وكذلك الأدلّة القرآنية والروائية التي تشير إلى حقّ تقرير المصير، فإن الحكم بـ «الحرّية التكوينية» أو «حقّ تقرير المصير» يكتسب أيضاً شرعيّةً دينية.
لهذا السبب فإن حكم العقل بحقّ تقرير المصير للبشر يُعتَبَر حكماً «حاكماً» بالنسبة إلى سائر أحكام العقل العمليّ؛ وذلك لأن كلّ ما يجب فعله وما لا يجب فعله هو موضوعُ هذا الحكم أيضاً. ويحكم العقل أنه على الرغم من أن البشر ملزمون بما يجب فعله وما لا يجب فعله من حيث النظر العقلي، فلا ينبغي لأحدٍ أن يجبرهم على القيام بما يجب فعله أو منعهم عمّا لا يجب فعله. لذلك نحن نتحدَّث عن مرحلتين في نظام التشريع ووضع القوانين:
المرحلة الأولى: سنّ أو عدم سنّ قوانين إلزامية في مجال السلوك الإنساني؛
المرحلة الثانية: هي سنّ أو عدم سنّ قوانين مفادها إجبار أو إكراه الآخرين على العمل وفق قوانين المرحلة الأولى.
وعلى الرغم من ارتباط هذين الحكمين التشريعيّين ببعضهما، إلاّ أنهما يختلفان من حيث «المكلَّف» و«المكلَّف به». فمثلاً: في حكم وجوب الصلاة على زيدٍ من الناس المكلَّف هو شخص زيد، والمكلَّف به هي الصلاة، ولكنْ ينشأ عن هذا الحكم حكمٌ آخر من العقل والشرع، وهو أنه لا يجوز للآخرين أن يجبروا زيداً على الصلاة، والمكلَّفون في هذا الحكم الأخير هم أشخاصٌ غير زيد، والمكلَّف به أيضاً هو «عدم إجبار زيد على الصلاة»، ويُنْتَزَع من الحكم الثاني حقّ تقرير المصير في إقامة الصلاة بالنسبة إلى زيد. اختلاف «المكلَّف» و«المكلَّف به» في هذا الحكم يستتبع هذه النتيجة، وهي أن عدم التزام أيّ شخصٍ بتكليفه واقعٌ على عهدته ومسؤوليته. لذلك إذا لم يصلِّ زيد، وكان يمتلك حقّ تقرير المصير، فإنه يكون عاصياً ومستحقّاً للعقاب؛ وإذا أجبره عمرو على الصلاة يكون عمرو في هذه الحالة هو العاصي المستحقّ للعقاب.
قد يكون مصطلح «حقّ تقرير المصير» مُضلِّلاً لأذهان بعضٍ، فيتصوَّرون ـ من خلال استخدام كلمة «حقّ» في هذا المصطلح ـ التي غالباً ما تأتي في نظام التشريع مترادفةً مع «الحرّية التشريعيّة» ـ أن ثبوت «حقّ تقرير المصير» للإنسان هو بمعنى أنه يمتلك «حرّيةً تشريعيّة» للعمل بأحكام الشريعة، وأنه لا يوجد أيّ قانونٍ إلزاميّ ثابت بالنسبة له؛ بينما اتضح فيما تقدَّم أن «حقّ تقرير المصير» لا معنى آخر له سوى أن البشر مكلَّفون، ولا يملكون «حرّيةً تشريعيّة»؛ إلاّ أنه لا يحقّ لأيٍّ أحدٍ أن يجبر أو يكره المكلَّفين على العمل بتكاليفهم الشرعية، بل يجب أن يتمتَّعوا عند العمل بتكاليفهم الشرعية بـ «حرّيةٍ تكوينيّة».
3ـ إطلاق حقّ تقرير المصير
بما أن هدف العقل والدِّين من كلّ الواجبات والمحرَّمات هو رشد البشر وسموّهم؛ ومن ناحيةٍ أخرى تُعتَبَر الحرّية التكوينية بمثابة مقدّمةٍ ضروريّة لذلك الرشد، إذن حقّ تقرير المصير، أي حقّ التمتُّع بالحرّية التكوينية، هو حقٌّ مطلقٌ وشاملٌ لجميع أعمال الإنسان الاختياريّة، الفردية منها والجماعية.
وبالتالي فإن تأسيس أيّ حكومةٍ وبقاءها ـ حتّى حكومة المعصومين^ ـ بدون رضا الناس وإرادتهم حرامٌ شَرْعاً وعَقْلاً. ولذلك تفتقر إلى الشرعية العقلانية والدينية. وبعبارةٍ أخرى: رضا الناس جزءٌ من العلّة الشرعية الحكوميّة، والجزء الأول لشرعية حكومةٍ ما تتحصَّل من مطابقتها مع حكم العقل والشرع في المرحلة الأولى من نظام التشريع؛ وجزؤها الآخر يتحصَّل من المطابقة مع حكم العقل والشرع بالحرّية التكوينية للناس وعدم إجبارهم على العمل بنظام التشريع. وهذا الأخير أيضاً حكمٌ عقلي وشرعي في المرحلة الثانية من نظام تشريع العقل والدين. إذن هناك ثلاث حكومات فاقدة للشرعية العقلية والدينية:
الأولى: هي الحكومة التي تفتقد لكلا مرحلتي الشرعية العقلية والدينية. مثل: حكومة الجبّارين والظلمة، التي تشكَّلت بدون رضا الناس.
الثانية: هي الحكومة التي تمتلك شرعية المرحلة الأولى، ولكنها تفتقد لشرعية المرحلة الثانية، مثل: حكومة المعصومين^ ـ على فرض المَحَال ـ التي تتشكَّل بدون رضا الناس. وسبب استحالة هذا الفرض أن عدم التزام المعصوم× بالحكم الثاني يتناقض مع فرضيّة عصمته.
الثالثة: هي الحكومة التي تفتقد للشرعية الأولى، وتتوفَّر على الشرعية الثانية، مثل: حكومة مَنْ لا يليق بالحكم، إلاّ أن الناس يريدونه أن يحكمهم، فحكمهم بناءً على إرادتهم.
وهكذا فإن الأساس الأوّل لجميع أفعال الإنسان الاختيارية، التي هي بمثابة المقدّمة لرشده المعنوي، هو حقّ اختياره الحُرّ في تقرير مصيره. وهنا تكمن وظيفة الأنبياء وأوصيائهم^ وجميع المصلحين في إبلاغ رسالة الحقّ، وتوضيح طريق السعادة للبشر. والحكومة أيضاً ليست سوى ظهور الإرادة الجماعية للناس من أجل إدارة مجتمعاتهم.
وهكذا فالحكّام ليسوا سوى ممثِّلين عن الناس؛ من أجل تحقيق مطالبهم. يتمتع الحكّام، مثل الناس، بالحقّ الطبيعي في الاختيار الحُرّ، وهم مثلهم في اتّباع الأحكام العقلية والشرعية. وإذا كان الحكّام هم المنفِّذون فقط لمطالب الشعب، وكانت مطالب الناس مخالفةً لقوانين العقل والشرع، فإن واجب الحكّام العقليّ والدينيّ هو التوقُّف عن تنفيذها، والتنازل عن السلطة وتمثيل الناس.
وبعبارةٍ أخرى: إذا كانت مطالب الناس مخالفةً للعقل والشرع فأمام الحكّام ثلاث فرضيات:
الأولى: أن يطبِّق أحكام العقل والشرع بناءً على تشخيصه للأمور، ولو كان ذلك مخالفاً لمطالب الناس. وهذه الفرضية مرفوضةٌ؛ لأنها مناقضةٌ للحقّ الطبيعي في الاختيار الفردي أو الجماعي.
الثانية: أن يعمل وفق المطالب اللاعقلانية واللاشرعية للناس. وهذه الفرضية أيضاً مرفوضةٌ؛ لأنها تناقض الأحكام العقلية والشرعية لشخص الحاكم.
الثالثة: أن يعتزل الحاكم، ويترك مسند الحكومة، ولا يحول بين الناس وبين العمل الحرّ وفق مطالبهم. وهذه الفرضية هي الوحيدة المعقولة، التي تحترم حقّ حرّية الناس، وفي الوقت نفسه لا يصدر منها عملٌ مخالفٌ لأحكام العقل والشرع. وسوف يأتي لاحقاً أن سيرة المعصومين^ كانت دائماً موافقةً للفرضية الأخيرة.
وهناك حالاتٌ، مثل: الإلزامات التربوية للأطفال قبل سنّ البلوغ أو قبل سنّ الرشد، تبدو للوَهْلة الأولى متناقضةً مع أصل الحرّية التكويني.
واليوم نرى جميع الآباء الذين يريدون مصلحة أبنائهم، وكذلك غير الآباء، لا يشكّون في جواز بل ضرورة إجبار الأطفال على القيام ببعض الأعمال، مثل: التعليم والدراسة، والإقلاع عن بعضها الآخر. ويمكن القول: إن خروج مثل هذه الحالات عن القاعدة المطلقة للعقل العمليّ في الحرّية التكوينية هو خروجٌ تخصُّصي، وليس خروجاً تخصيصيّاً، ولذلك لا يضرّ بإطلاق وعموم هذا الأصل.
وتوضيح هذا الادّعاء أنه أحياناً يكون الشخص على يقينٍ من أن شخصاً آخر غير قادر على اتّخاذ القرار الصائب؛ بسبب موقفٍ مؤقَّت ناتج عن الجهل والإهمال، وهو يحاول القيام بفعلٍ غير صائب، وهو متأكِّدٌ أنه سيندم لاحقاً على ما قام به من أعمال غير صحيحة، وحتّى أنه سيلوم نفسه ويلوم الآخرين الذين رأَوْه يقوم بتلك الأعمال الخاطئة؛ لأنهم لم ينهوه ولم يمنعوه عنها، في مثل هذه الحالات يملي العقل العملي للإنسان أن يأخذ الرغبات القطعية واللاحقة القائمة على رؤيةٍ مستنيرة للفاعل بعين الاعتبار، وأن يتمّ مساعدته قَدْر المستطاع. في مثل هذه الحالات مساعدةُ الفاعل على اتّباع ما تمليه عليه إرادته الحرّة ما هي إلاّ منعه من الوصول إلى رغبته السابقة والجاهلة. وهكذا فإن أصل الحرّية التكوينية لم ينَلْه التخصيص، وإنّما هم الناس الذين يحبّون الخير لبعضهم البعض، يتعاونون فيما بينهم على القيام بالأعمال الحرّة الواعية، مثل: الشخص الذي يتّجه بإرادته نحو الهاوية في الظلام، والإنسان الواعي يعمل على منعه من الوقوع فيها. وبالطبع لا شَكَّ في أن هذا التبرير الأخلاقيّ والعقلانيّ يمكن أن يكون ذريعةً لخداع الآخرين من قِبَل الطغاة والظالمين.
وقد يورد بعضٌ هذا الإشكال، بأن إجبار المكلَّفين على القيام بالوظائف الدينية هو مصداقٌ لهذا المورد الأخير أيضاً؛ لأن المكلَّفين سيفهمون بعد الموت أن إجبارهم على الوظائف الدينية كان يصبّ في مصلحتهم، ولكنْ لأنهم كانوا غافلين عن حياة ما بعد الموت ونتائج أعمالهم فإنهم كانوا يعصون أوامر الله، ففي هكذا موارد أيضاً يحكم العقل العمليّ للإنسان أنه لا بُدَّ من أخذ الإرادة القطعيّة واللاحقة للفاعل التي نشأَتْ من تنويره بالاعتبار. وبعبارةٍ أخرى: الجحيم مَهْلَكةٌ خطيرة جداً، والأجدر بالإنسان أن يُمْنَع عن السقوط فيها ـ وإنْ كان ذلك بالقوّة والإكراه ـ كما يمنع عن السقوط من المهالك الجَسَدية أو المادّية.
والجواب عن هذا الإشكال واضحٌ؛ فمقارنة إجبار الأولاد على الدراسة أو إجبار الإنسان المعرَّض للسقوط من منحدر بالإجبار على القيام بالوظائف الدينيّة للنجاة من الهلاك في الآخرة قياسٌ مع الفارق؛ لأنه كما مرّ معنا أن الربح والخسارة في الآخرة مرتبطان بالفعل الاختياريّ للإنسان. ومن يُجْبَر أو يُكْرَه على القيام بالوظائف الدينية من غير اختيارٍ منه فلن يحصِّل أيّ فائدةٍ في الآخرة. إذن، فتصوُّر المُجْبِر أنه بفعله هذا ينجّي الآخرين معنويّاً وأخروياً لا يعدو كونه توهُّماً لا أساس له من الصحّة. والرواية التي نقَلْناها عن الإمام الرضا× أكَّدَتْ هذا الأمر بأنه لو كان الإجبار والإكراه على الإيمان والقيام بالوظائف الدينيّة ينفع لأكره الله عباده عليه.
4ـ حقّ تقرير المصير وضرورة القوانين الإجباريّة
يؤدّي أحياناً الحقّ في الاختيار الحرّ في الحياة الاجتماعية إلى تزاحم الإرادات والصراعات بين البشر، ويعطِّل نظام وتماسك المجتمع، أي إن الرغبات والتطلُّعات الإنسانيّة المنشودة، وهما: الحرِّية في الاختيار؛ والحياة الاجتماعية، وكلاهما مقدّمة لرشد الإنسان ونضجه، تتزاحمان مع بعضهما. وفي هذه الأثناء لا خيار أمامنا إلا تشكيل حكومة، ووضع قوانين إجبارية للحدّ من حرّيات الأفراد؛ بغرض الحفاظ على انسجام المجتمع ونظمه([20]).
فوضع قوانين إجبارية في المجتمع ضرورةٌ لا يمكن الاستغناء عنها. ومن جهةٍ أخرى، طبقاً للقاعدة العقلية: «الضَرُوراتُ تُقَدَّرُ بِقَدرها» يرخَّص من الحكم والقاعدة الأوّلية القَدْر الذي تندفع به الضرورة فحَسْب. وفي هذه الحال، وبقدر الإمكان، يجب الحفاظ على حقّ الاختيار الحُرّ لأفراد المجتمع أثناء الموازنة بين ضغط نظام المجتمع الذي يضمن استمرار الحياة الاجتماعية وبين مطالب الأفراد. أفضل خيارٍ لمثل هذا الهدف هو سنّ قوانين إلزاميّة في مجال التشريع، وإجباريّة في مجال التكوين؛ للحفاظ على نظام المجتمع والاختيار الحُرّ لأفراده. في هذه الحالة؛ وبسبب ضرورة الحياة الاجتماعية، وبقدر ما تتطلَّبه هذه الضرورات، نتخلّى عن المبدأ الأوّل الحرّية التكوينية لجميع البشر، إلاّ أن هذه القوانين الإجبارية يجب أن تكون مستمدّةً من «إرادة الناس»؛ لتقليل الضَّرَر اللاحق بمبدأ الحرّية التكوينيّة.
وقد صرَّح الفقهاء على الدوام بالأصل الأوّلي «عدم الإجبار» بوصفه قاعدةً فقهيّة. والأصل الأوّلي بنظرهم أن كلّ أحدٍ لا يملك إجبار غيره، إلاّ في مواضع مبرَّرة([21]). واستند الفقهاء في أبواب الفقه المختلفة على الأصل الأوّلي «عدم الولاية على الغير»، الذي يُعَدّ واحداً من القواعد الفقهية المسلَّمة([22]). وعلى أساس هذا الأصل لا يملك أحدٌ حقَّ الولاية والإشراف على أحدٍ، ولا يمكنه اتخاذ القرارت المتعلِّقة بشؤون حياته المختلفة مكانه، إلاّ إذا كان هناك دليلٌ معتبر على ذلك.
والمبدأُ العقلي والعقلائي على هذين الأصلين أصلٌ وقاعدة أخرى، يعبَّر عنها في الفقه بـ «قاعدة السلطنة»([23]). وبعبارةٍ أوضح: علّة أنه لا ولاية لأحدٍ على أحدٍ، وأنه لا يحقّ له إجباره على سلوكٍ معين، أن كلَّ شخصٍ له سلطةٌ على نفسه وشؤون حياته المختلفة، واجبار وولاية الآخر يتنافيان مع هذه السلطنة.
والمدركُ النقليّ على قاعدة السلطنة روايةُ النبي|: «الناسُ مُسلَّطون على أموالهم»([24]). وعلى رغم أن هذه الرواية مرسلةٌ وضعيفة من حيث السند([25])؛ إلا أنها مع ذلك متناسبةٌ مع الارتكازات العقلية والعقلائية للفقهاء، وقد وقعت محلّ تسالمٍ في الفقه، وقبلوا بمفادها بوصفه قاعدةً فقهيّة مسلَّمة، واستدلوا بها كثيراً([26]).
والدليل على أن الفقهاء قد قبلوا بهذه القاعدة على أساس المبادئ العقلية والعقلائية، لا مدركها النقلي ـ فهي ضعيفة السند، ولم تَرِدْ في الكتب الروائية المعتبرة ـ، إضافتهم لعبارة: «على أنفسهم» في آخر القاعدة في الكثير من المصادر الفقهية([27])،لتصبح هذه القاعدة شاملةً لكلّ أعمال الإنسان المتعلِّقة بمصيره، رغم أن هذه العبارة لم تَرِدْ في أيّ روايةٍ([28]). وهذا الأمر ينمّ عن أن مستندهم الأصلي في هذه القاعدة هو حكم العقل والعقلاء، لا الرواية المنقولة. أضِفْ إلى ذلك أن بعض الفقهاء قد صرَّحوا أن هذه القاعدة ترتكز على الدليل العقلي والعقلائي أكثر من ارتكازها على الأدلّة النقلية([29]). إذن فالفقهاء اعتبروا ـ انطلاقاً من المبادئ العقلية والعقلائية ـ أن الأصل الأوّلي على الحرّية التكوينيّة للإنسان في أعماله المتعلِّقة به وحده، وعبَّروا عن ذلك بـ «قاعدة السلطنة»، و«أصل عدم الإجبار» و «أصل عدم الولاية».
5ـ حقّ تقرير المصير واعتبار رأي الأكثريّة
مرّ في بداية الفصل السابق أنه عند تزاحم مبدأ الحرّية التكوينية مع النظم الاجتماعي فلا بُدَّ من وضع قوانين إجبارية للحفاظ على النظم الاجتماعيّ، ولتحقيق أقلّ ضررٍ ممكن بمبدأ الحرّية التكوينيّة، وذلك من خلال القوانين الإجبارية المستمدّة من «إرادة الناس». في هذه الفرضية، وعلى الرغم من أن أفراد المجتمع مجبرون على القيام ببعض الأعمال أو التخلّي عن بعض الإجراءات، من خلال سنّ هذه القوانين، فإنّ سنّ هذه القوانين أوّلاً: ضروريٌّ للحفاظ على الحياة الاجتماعية، التي يطلبها جميع أفراد المجتمع؛ وثانياً: القوانين نفسها تمّ اختيارها من قِبَلهم، وبالتالي فإن هذا الإجبار متولِّدٌ عن الاختيار الحُرّ لأفراد المجتمع؛ أي إن الناس هم مَنْ أرادوا وضع هكذا قوانين لأنفسهم؛ من أجل أن يتخلَّص المجتمع من الفوضى وانعدام النظام. ولذلك فهو لا يؤثِّر بتاتاً على مبدأ حرّية الإرادة.
ولكنْ بما أن أفراد المجتمع قلَّما يتّفقون على قرارٍ واحد، وبالتالي يحدث الاختلاف في عملية سنّ القوانين الإلزامية، فإنّ أفضل حالٍ؛ للوصول إلى أقلّ الأضرار بمبدأ الاختيار الحُرّ للبشر، هي تفضيل رأي الأكثرية على الأقلّية. وفي هذه الحال تُجْبَر أقلِّيةٌ فقط على الامتثال لقوانين لا تحبّها، على الرغم من أن الأقلّية تقبل نوعاً ما إلزامية القوانين المختارة من قِبَل الأكثرية؛ بحكم أنها تقبل بقواعد الحياة الاجتماعية، كتفضيل رأي الأكثرية على الأقلِّية في اتخاذ القرارات الجماعية.
6ـ رأي الأكثريّة والحكم النهائيّ
إن تفضيل رأي الأكثرية في القرارات الجماعية، بالإضافة إلى الحفاظ على مبدأ «الحرّية»، هو وسيلةٌ واضحة ودقيقة لإرساء النظام في المجتمع. رأي الأكثرية هو أفضل خيار لحلِّ النزاعات بين الناس، والحفاظ على الانضباط الاجتماعيّ. إن أيَّ خيارٍ آخر، ما سوى رأي الأكثرية، إذا تمّ اختياره ليكون «الحكم النهائي» لحلّ النزاعات بين أفراد المجتمع سيواجه مشكلتين رئيستين:
المشكلة الأولى: إن ما يقبله الحَكَم النهائي إما أنه يوافق رأي الأكثرية أو يختلف معها؛ فإذا وافقها فعندئذٍ يكون رأي الأغلبية هو السائد؛ وإذا خالفها يكون الرأي المخالف للأكثرية هو السائد، وفي هذه الحال يتعرّض مبدأ الإرادة الحُرّة للبشر، التي هي مقدّمة لرشدهم وسموّهم، إلى الكثير من الضَّرَر. بينما في حالة سيادة رأي الأكثرية لن يتعرّض سوى إلى أقلّ ضررٍ ممكن.
المشكلة الثانية: إن هذا «الحكم النهائي» لا يمكن أن يضمن تطلُّعات الناس الآخرين، أي الحفاظ على النظام في المجتمع؛ لأن هذا الحكم النهائي قد تمّ قبوله باعتباره الحَكَم من قِبَل غالبية المجتمع. وفي هذه الحال يكون الحكم النهائي في الواقع هو رأي الأكثرية؛ أما الذي لم يقبله فهي إرادة الأقلِّية. وفي هذه الحال فإن الأكثرية وكلّ الأقلِّيات الآخرين يمنحون لأنفسهم الحقّ في تعيين الحكم النهائي. وهذه بداية الفوضى، وغياب مطالب الناس الآخرين في النظام الاجتماعي.
ومن السمات الأخرى لرأي الأكثرية، التي تجعله يستحقّ الحكم في نزاعات المجتمع وضوحه وشفافيّته؛ فالحصول على رأي الأكثرية وتحديده بطريقةٍ لا يوجد بها نزاعٌ يكاد يكون أمراً طبيعياً، وبدون أدنى شَكٍّ.
7ـ حقّ تقرير المصير والمَثَل الأعلى للحرّية
هذا الشكل من الدفاع عن حقّ الحرّية والرجوع إلى الرأي العامّ وسيادة رأي الأكثرية لا يعني بالضرورة قبول مثال الحرّية على أنها مستقلّةٌ بذاتها. يبدو أن حرّية الإرادة بالنسبة إلى البعض انقلبَتْ إلى الحصول على أفضل حالةٍ من أجل حياة الإنسان وكماله ومطلوبه النهائي، في حين أن هذا النوع من الحرّية، الذي يقوم على أساس حقّ تقرير المصير، يُعتَبَر بمثابة مقدّمةٍ ضرورية وأرضيّة لازمة لرشد الإنسان وكماله. ويمكن للإنسان استخدام هذه المقدّمة الضرورية من أجل سعادته أو شقائه. وهكذا نرى فَرْقاً كبيراً بين الحرّية بمثابة «الكمال النهائي للإنسان» والحرّية التي هي «مقدّمة من أجل الوصول إلى الكمال النهائي»([30]).
8ـ حقّ تقرير المصير في نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة
تمّ إقرار حقّ تقرير المصير للناس في إدارة الدولة في القانون الأساسي لجمهورية إيران الإسلاميّة في موارد عديدة، سواء من باب التصريح أو الإشارة. ومن جملتها: ما جاء في مقدّمة القانون الأساسي، من تأكيد أن الهدف من إقامة الثورة الإسلامية منح الشعب حقّ تقرير مصيره بنفسه، كما يقوم القانون الأساسي بتهيئة الظروف اللازمة لمشاركة جميع أفراد المجتمع في جميع مراحل اتخاذ القرارات السياسيّة والمصيريّة([31]).
وكذلك اعتبر البند الثامن من المادة الثالثة في القانون الأساسي «مشاركة جميع الناس في تقرير مصيرهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي» من وظائف حكومة الجمهورية الإسلاميّة.
وجاء في المادّة السادسة أيضاً: «تدار شؤون البلاد في جمهورية إيران الإسلامية بالاعتماد على رأي الأمّة الذي يتجسَّد في الانتخابات، بما فيها انتخاب رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي، وأعضاء سائر مجالس الشورى ونظائرها، أو عن طريق الاستفتاء العامّ في الحالات التي ينصّ عليها القانون الأساسي».
وأخيراً، جاء في الفصل الخامس من القانون الأساسي، تحت عنوان «سيادة الشعب والسلطات الناشئة عنها»، في المادّة السادسة والخمسين، ما يلي: «السيادة المطلقة على العالم والإنسان لله، وهو الذي جعل الإنسان سيّداً على مصيره الاجتماعي، ولا يحقّ لأحدٍ سلب هذا الحقّ الإلهي أو تسخيره في خدمة مصالح فردٍ أو جماعةٍ معينة. والشعب يمارس هذا الحقّ الممنوح من الله بالطرق المبيَّنة في المواد اللاحقة».
وفي ثنايا خطابات الإمام الخميني، مؤسِّس الجمهورية الإسلامية، تطالعنا حالاتٌ تمّ التأكيد فيها على هذا الأساس؛ من أجل الرجوع إلى الرأي العام؛ ففي عدّة مناسباتٍ، في خطاباته ومقابلاته قبل انتصار الثورة، وفي حالاتٍ كثيرة، كان يستدلّ على اللاشرعيّة السياسيّة للمَلَكيّة بأن على الأمّة أن تقرِّر بنفسها، ولا يمكن للسابقين في أمّةٍ ما أن يقرِّروا بالنيابة عن اللاحقين، أو يجعلوا من أبناء فلان حكّاماً عليهم. يعترف الإمام الخميني أن القرار الخاطئ للماضين بقبول المَلَكيّة يسري عليهم فقط، ولا يحقّ لأحدٍ أن ينقضه، ولكنهم لا يستطيعون أن يقرِّروا عن الأجيال اللاحقة، ويجعلوا من أبناء ذلك المَلِك حاكماً عليهم، يقول: «إذا افترضنا أنه تمّ تأسيس مجلسٍ وطني ـ مئة بالمئة وطنيّ ـ، ونصّب شخصاً ما مع نَسْله في السلطة، فإننا نقول لهذا المجلس التأسيسي: حسناً، أنتم يحقّ لكم أن تقرِّروا مصيركم بأيديكم حينما كنتم موجودين، ولكنْ بأيِّ مناسبةٍ تقرِّرون مصيرنا، نحن الذين جئنا إلى الدنيا بعدكم بمئتي سنةٍ؟ أيّ قانونٍ وأيّ حقٍّ يخوّلكم تقرير مصيرنا نحن الذين نعيش في هذا الزمان؟ حقوق الإنسان تقتضي أن مصير كلّ إنسان في يدَيْه. بمجرّد أن نكون جميعاً في إيران، بمجرّد أن نكون جميعاً مسلمين، فلا يمكننا تقرير مصير أيّ جماعةٍ غير موجودةٍ الآن، حتّى تكون مجبورةً على تعيين هذا السيّد بصفته جلالة المَلِك»([32]).
وقال يوم 12 بهمن عام 1357هـ.ش، في جنّة الزهراء: «لنفترض أن أمّةً بأكملها صوَّتَتْ لشخصٍ واحد؛ ليكون المَلِك. حسناً؛ لأنهم يتحكَّمون في مصيرهم، وهم أحرار في تعيين مصيرهم، فإن تصويتهم صالحٌ لهم. ولكنْ إذا صوَّتَتْ أمّةٌ ما ـ ولو عن بكرة أبيها ـ على أن أبناء هذا المَلِك أيضاً ملوكٌ فما هو هذا الحقّ الذي يسمح لأمّةٍ قبل خمسين سنة من الآن أن تقرِّر مصير الأمّة التي تليها؟! مصيرُ كلّ أمّةٍ بيدها»([33]).
كما قال، ردّاً على مَنْ اعتبر أن المشاركة في الانتخابات حقّاً فقط لرجال الدين والمجتهدين: «الانتخابات ليست حِكْراً على أحدٍ، وليست حِكْراً على رجال الدين، وليست حِكْراً على الأحزاب، وليست حِكْراً على الجماعات. الانتخابات مُلْكٌ لكلّ الناس. مصير الناس بأيديهم هم أنفسهم. والانتخابات من أجل التأثير على مصيرك. سمعتُ أن بعض الناس ذهبوا إلى الجامعة، وقالوا: إن التدخُّل في الانتخابات تدخُّلٌ في السياسة، وهذا حقّ المجتهدين. حتّى الآن كانوا يقولون: لا ينبغي على المجتهدين التدخُّل في السياسة، وهذا يتعارض مع حقّ المجتهدين. لقد فشلوا هناك، والآن يقولون العكس تماماً. وفي المجال نفسه يقولون: إن الانتخابات من الأمور السياسيّة، والأمور السياسيّة من حقّ المجتهدين. القولان خطأٌ؛ فالانتخابات تقرِّر مصير الأمم. وعلى فرض أن الانتخابات سياسيّةٌ، وهي كذلك، فإنّها تقرِّر مصير الشعب كلّه، أي إن مصير أفراد الأمّة وحياتهم في الدنيا والآخرة منوطٌ بهذه الانتخابات. ليس الأمر أنه ينبغي إجراء الانتخابات من قِبَل عددٍ قليل من المجتهدين. يجب أن يعلم الأكاديميّون أنه مثلما يجب على المجتهد أن يتدخَّل في مصيره يجب على الطالب الشابّ أيضاً أن يتدخَّل في مصيره. لا فرق بين جامعيٍّ وطالبٍ ومدرِّسٍ وبين هؤلاء. هم جميعاً معاً»([34]).
وخاطب نوّاب مجلس الشورى الإسلامي، قائلاً: «فما تقوله الأكثريّة هو النافذ، حتّى لو كان مخالفاً أو مضرّاً لهم، فأنتم لستم مخوَّلين أن تقولوا: إن هذا يضرّ بالشعب، ولا نريد تنفيذه، فأنتم وكلاء الشعب، ولستم أولياء أمره. وأنا أرجو من أولئك الذين يريدون طرح أمرٍ مخالفٍ لإرادة الشعب ومسيرته أن لا يطرحوه منذ البداية، فأنتم نوّابٌ فقط بالأمور التي أُعطيَتْ نيابتها لكم، والطريق الذي اختاره شعبنا هو الذي يجب أن نسير فيه جميعاً، وإنْ كنتم تعتقدون أن هذا الطريق لا يصلح. الشعب هو مَنْ يريد هذا، فلا دخل لي أو لكم به، هو أراد خلاف مصلحته. الشعب أبدى رأيه؛ والرأي الذي أبداه مُتّبَعٌ»([35]).
وأوضح الإمام الخميني هذا الحقّ الشعبي في مواضع أخرى([36]).
9ـ نتائج مبدأ حقّ تقرير المصير
اتّضح ممّا مرّ أن الاعتماد على الرأي العامّ انطلاقاً من حقّ تقرير المصير يرتكز على أدلّةٍ عقليةّ مُحْكَمة. كما سيأتي بحث الأدلة النقليّة فيما بعد.
ولمبدأ حقّ تقرير المصير في اعتبار رأي الأكثريّة في القرارات الجماعيّة نتائج عقليّة، نستعرض بعضها على النحو التالي:
أوّلاً: لا بُدَّ من الرجوع إلى الرأي العامّ في أيّ قرارٍ جماعي. وفي هذه الحالة لا تُقْبَل أيُّ استثناءاتٍ؛ لأنه ـ بغضّ النظر عمّا هو صوابٌ أو خطأٌ ـ يجب على الناس أن يقرِّروا عمليّاً فعل الصواب وترك الخطأ، أو العكس؛ من أجل رشدهم وكمالهم. وحتّى في عصر المعصومين^ كانت كلّ القرارات الجماعية في المجتمع مبنيّةً على إرادة الأكثرية.
ثانياً: أصحاب القرار في الحكومة هم من آحاد الناس، والحكّام ممثِّلون عن الناس في تنفيذ قراراتهم.
ثالثاً: لا تتعارض القوانين الإلزامية في المجتمع التي تطالب بها الأغلبيّة مع حقّ تقرير المصير والحرّية التكوينيّة للبشر.
رابعاً: لكلّ فردٍ في المجتمع رأيٌ واحد فقط. وقيمة الآراء واحدةٌ. إيمان الأفراد وأخلاقهم وتخصُّصهم لا يزيد من قيمة آرائهم؛ لأن كلَّ الناس متساوون في الوصول إلى الكمال، وبالتالي في مقدّمته، التي هي الاختيار الحُرّ.
المبدأ الثاني: كشف الحقيقة
مبدأ كشف الحقيقة في اعتبار رأي الأكثرية، يعني أنه في الحالات التي تكون فيها الحقيقة متنازعاً عليها، وغيرَ معروفةٍ، فإن رأي الأكثرية يكون كاشفاً عنها. وعليه كلما كانت الحقيقة بالنسبة لأصحاب القرار في الحياة الاجتماعية مجهولةً فإنهم يرجعون إلى رأي جميع الناس، أو رأي جماعةٍ من العلماء والمختصّين، والخيار الذي تتبنّاه الأكثريّة يقبلون به على أنه الحقيقة، ويقرِّرون بناءً عليه.
ولمزيدٍ من التوضيح ننتقل الآن إلى تقرير وجهات النظر المطروحة من قِبَل المتخصِّصين المؤيِّدين والمعارضين لاعتبار رأي الأكثرية، القائم على أساس كشف الحقيقة.
1ـ تقرير رأي المؤيِّدين والمعارضين
من خلال تفحُّص كلمات ذوي الخبرة يتَّضح أن معظم أولئك الذين يوافقون أو يعترضون على اعتبار رأي الأكثرية لديهم رأيٌ في مبدأ كشف الحقيقة، وأنهم قد غفلوا عن مبدأ حقّ تقرير المصير. وعلى هذا الأساس قد توصَّلوا جميعاً إلى هذه النتيجة الصحيحة، بأن رأي الأكثرية لا اعتبار له؛ لأنه لا يكشف الحقيقة، بل قد يكون رأي الأقلِّية في المجتمع هو الذي يوافق الحقيقة.
ولأن أكثريّة مجتمعٍ ما قد اتَّفقَتْ على رأيٍ معين فهو لا يعني أن خيارَهم صحيحٌ، وأنه لا بُدَّ من الرجوع إليه في أيّ قرارٍ جماعيّ أو فرديّ. وهذه الجماعة من أصحاب النظر؛ بسبب عدم توجُّهها إلى مبدأ حقّ تقرير المصير، قد وصلوا بالضرورة إلى عدم اعتبار رأي الأكثرية، وأن سيرة العقلاء في حياة البشر اليوم، من الرجوع إلى الرأي العام في القرارات الجماعية، غير مبرَّرةٍ وغير معقولةٍ.
رأي هذه الجماعة المعارضة لاعتبار رأي الأكثرية القائم على أساس كشف الحقيقة صحيحٌ، إلاّ أن الخَلَل في نظريتهم أنهم لم ينتبهوا إلى مبدأ حقّ تقرير المصير، أو أنهم انتبهوا له لكنْ لم يأخذوه بالاعتبار.
وقد سبق أن أثبَتْنا أن الاعتماد على الرأي العامّ وترجيح رأي الأكثرية ليس لأجل كشف الحقيقة، بل لأن الناس أنفسهم ـ بغضّ النظر عن الحقّ والباطل ـ يجب أن يقرِّروا لحياتهم؛ ليصلوا إلى الرشد والكمال.
وننتقل الآن إلى تقريرٍ قصيرٍ حول آراء أصحاب النظر بهذا الشأن:
تعتقد مجموعةٌ من المفكِّرين الغربيين المؤيِّدين للديمقراطية أن أيّ نوعٍ من اتّخاذ القرارات الجماعية في نظامٍ ديمقراطي يتمّ تعيينه بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من خلال الرجوع إلى رأي أفراد المجتمع، ثمّ في شكل البرهان الإنّي (الاستدلال من المعلول إلى العلّة) يصلون إلى هذه النتيجة، وهي أن الديمقراطية تقوم على النسبية، أي «في حكم الأكثرية تُعتَبَر هذه الحقيقة من المُسلَّمات، وهي أن كلّ الأفراد يستطيعون تعيين مصالحهم، ولا يمكن لأيّ مجموعةٍ أن تدّعي احتكار الحقيقة أو التعقُّل السياسي. ولذلك فإن حكم الأكثرية لا ينسجم مع هذا الادّعاء الذي يقول: إن ثمّة حقيقة واحدة تخصّ ماهية الإنسان، الحياة الجيّدة السعيدة، أو المجتمع العادل بيد شخصٍ ما أو مجموعةٍ ما، ويمكن أن يطبِّقوه على الآخرين»([37]).
في اعتقاد هذه الفئة من المفكِّرين الغربيين بما أن الحقيقة نسبيّةٌ، ولا يوجد أيّ حقيقةٍ مطلقة وواضحة، ينبغي الرجوع إلى الرأي العام في كلّ القرارات الجماعية. ومن الواضح أن أساس هذه الفئة من الدفاع عن اعتبار رأي الأكثرية هو الوصول إلى الحقيقة.
انتقد بعضٌ مسألة اعتماد فكرة الديمقراطية على النسبية، قائلين: إن «النسبيّة المطلقة تؤدّي إلى هذه النتيجة، وهي أن الديمقراطية بصفتها مجموعةً من القِيَم السياسية ليست أفضل من الأنظمة الأخرى»([38]). وبعبارةٍ أخرى: إن هذا النوع من النسبيّة سيشمل أيضاً فكرة الديمقراطية، ويُسقطها من الاعتبار. وهذا الإشكال على الرأي السابق يستند أيضاً على مبدأ أن سبب الرجوع إلى الرأي العامّ هو التوصُّل إلى الحقيقة.
لقد برَّر بعضُ المعاصرين ادّعاءهم بـ «مفارقة الإسلام والديمقراطية» بالقول: «إن أحد الأسس المعرفية للديمقراطية هو غموض الحقيقة وتوزّعها على البشريّة جمعاء»؛ أما الإسلام فإنه يعتبر نفسه «مظهر الحقّ والحقيقة، ويعتبر سواه من الأديان والمذاهب تجلّياً للكفر والشرك والضلال»، لذلك «لن يكون مكانٌ للحكم الديمقراطي»([39]). فهم هذه المجموعة لملاك قبول الديمقراطية والرجوع إلى الرأي العامّ هو الوصول إلى الحقيقة أيضاً.
ومن الواضح، بناءً على هذا الاستدلال، أن أيّ فردٍ أو جماعةٍ توصّلوا إلى حكمٍ عقليّ وعلميّ واضح حول أيّ موضوعٍ سوف يعتبرون أن تطبيق الديمقراطية وأخذ آراء الناس حول ذلك الموضوع أمرٌ عبثيّ لا معنى له؛ لأن مبدأ وفرضية الديمقراطية «عدم وضوح الحقيقة». وعلى هذا الأساس يجب على المطالبين بالديمقراطية إمّا أن يعترفوا بأنهم لم يتوصّلوا إلى أيّ حقيقةٍ واضحة، وأنه لا يمكن الدفاع عن حقوق الإنسان وسواها من العناوين التي يدَّعيها العالم الحديث، ولا يمكن إثباتها علميّاً؛ أو أن يقرِّروا إمكان الدفاع عن هذه الأمور، وإثباتها علميّاً، ولكنْ لا يمكن تطبيق الديمقراطية عليها.
وهذا تهافتٌ واضح تقع فيه هذه المجموعة من المدافعين عن الديمقراطية وسيادة رأي الأكثرية بناءً على مبدأ كشف الحقيقة.
وقد تحدَّثنا فيما سبق عن هذا التحدّي المهمّ للعالم الحديث تحت عنوان «الحدّان الأدنى والأقصى من الديمقراطية» و«استبداد الأكثريّة».
لذلك فإن بعض المعاصرين الذين ينادون بالديمقراطية القائمة على كشف الحقيقة قد قيَّدوا من إطلاق الديمقراطية، ويعتقدون أنه في الأمور التي تكون فيها الحقيقة واضحة؛ أو هناك طريقةٌ لتحقيقها من خلال البحث العلميّ، من غير الجائز الرجوع إلى رأي الناس. وفي الحالات التي يتوجَّب فيها الرجوع إلى الرأي العامّ تكون الحقيقة غير واضحة([40]).
إذن، فالذين ينادون بالديمقراطية القائمة على كشف الحقيقة؛ إما أنهم بنَوْا نظامهم المعرفي على النسبيّة؛ ليبرروا الرجوع إلى الرأي العام؛ أو أنهم قيَّدوا من إطلاق الديمقراطية، واعتبروا أن الرجوع إلى الرأي العام محصورٌ في الأمور التي تكون فيها الحقيقة مجهولةً.
ومن ناحيةٍ أخرى يعتقد بعضُ معارضي الديمقراطية أيضاً أن أساس الديمقراطية واعتبار رأي الأكثرية هو كشف الحقيقة. وبما أنهم لا يعتبرون أن رأي الأكثرية يمكن أن يؤدّي إلى كشف الحقيقة فإنهم يعتقدون أن الرجوع إلى الرأي العامّ من أجل اتّخاذ القرارات في الأمور الجماعية غير مقبول.
وفي غضون ذلك كان الكثير من المعترضين على اعتبار رأي الأكثرية، وبعض المؤيِّدين لها من بين علماء الدين، يأخذون بعين الاعتبار مبدأ كشف الحقيقة كأساسٍ يستدلّون من خلاله على اعتبار رأي الأكثرية أو رفضه.
خلال الثورة الدستوريّة الإيرانيّة (المشروطة) نشأت خلافاتٌ بين مجموعتين من علماء الدين الشيعة؛ للدفاع عن الدستورية أو معارضتها. وكان أهمّ زعيمٍ للمعارضة الشيخ فضل الله النوري، وأحد القادة المدافعين عن الدستورية في النجف الميرزا محمد حسين النائيني. كان من مطالب الدستوريين تشكيل البرلمان، وكان انتخاب أعضاء البرلمان من قِبَل الشعب على أساس إجراء انتخاباتٍ حُرّة واعتبار رأي الأكثرية، كما استندت القرارات البرلمانية على تصويت النوّاب واعتبار رأي الأكثرية. من هنا كان «اعتبار رأي الأكثرية» من نقاط الخلاف بين المؤيِّدين والمعارضين للدستوريّة. وبحَسَب الشيخ فضل الله النوري فإن «اعتبار رأي الأكثرية غيرُ جائزٍ في مذهب الإمامية»([41]).
لم يقبَلْ النائيني هذا الرأي، وقال في جوابه: إن أساس الحكم في الإسلام قائمٌ على الشورى. وإذا اختلف أطراف الشورى فيما بينهم فإن أكثرية الآراء تكون «أقوى المرجِّحات النوعيّة»([42]).
رأي النائيني هذا قائمٌ على الرؤية التي تقول: إن الرجوع إلى الرأي العامّ أو آراء النوّاب المنتخبين من قِبَل عامّة الناس في القرارات الجماعية، وتفضيل رأي الأكثرية على الأقلِّية، إنما يعتمد على كشفه عن الواقع؛ بينما تتمّ الشورى في الحالات التي لا تكون فيها الحقيقة واضحةً، ويسعى المستشار للوصول إلى الحقيقة.
ويمكن القول؛ لتوضيح رأي النائيني: إن سيرة العقلاء تنصّ على أنه في الحالات التي يكونون فيها جاهلين بأمرٍ ما، ويحتاجون للرجوع إلى العالم، ولكنّ العلماء وأهل الاختصاص أيضاً مختلفون في ذلك الموضوع، فإنهم ـ أي العقلاء ـ يجعلون من رأي أكثرية العلماء مرجِّحاً ظنّياً لتقوية أحد الأقوال، مثل: المريض الذي يختلف الأطباء في طريقة علاجه، ولا خبرة للمريض أيضاً في أمور الطبّ، فإنه يختار رأي أكثرية الأطباء، فهو الاحتمال الأرجح بالنسبة لشخصٍ غير متخصِّص. كما سيأتي بحث رأي النائيني فيما بعد.
إن أكثر الفقهاء وعلماء الإسلام المعاصرين الذين تناولوا مسألة الحكومة في الإسلام لا يرَوْن أن رأي الأكثرية معتبرٌ على أساس كشف الحقيقة. يعتبر العلاّمة السيد محمد حسين الطباطبائي أن الإسلام يعارض اتّباع رأي الأكثرية والديمقراطية. ويستدلّ على ادّعائه بهذه النقطة، وهي أن الإسلام يدافع عن اتّباع الحقّ، ورأي أكثرية الناس في كثيرٍ من الأحيان لا يتوافق مع الحقّ([43]).
هذه الطريقة من الاستدلال تقول بوضوحٍ: حَسْب رأيه، بما أن رأي الأكثرية لا يكشف عن الحقيقة فهو فاقدٌ للاعتبار.
يقول الشيخ لطف الله الصافي الگلبايگاني: «من مساوئ الديمقراطية أن رأي الأكثرية ـ سواء كان حزبيّاً أم غير حزبيّ ـ لا يتّفق دائماً مع المصلحة؛ بل غالباً ما يكون رأي الأقلِّية أقرب للصواب، وخاصّة عندما لا يكونون تابعين لحزبٍ، أو كانوا أكثر موثوقيّة من حيث الكيفيّة؛ كما لو كانوا مثلاً من المتخصِّصين السياسيين والقانونيين، وأبدَوْا في قضيّةٍ سياسية أو قانونية رأياً مخالفاً لرأي الأكثرية»([44]).
وأيضاً يعتمد الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، في رفضه اعتبار رأي الأكثرية، على مبدأ كشف الحقيقة. وبحَسَب نظره «بما أن برامج وأحكام الأنبياء الصادقين خاليةٌ من كلّ عَيْبٍ ونقصٍ وخطأ»، ومن ناحيةٍ أخرى «الأكثرية معرَّضةٌ للخطأ»، فالمجتمع المؤمن برسالة الأنبياء لا يرى في نفسه مُلْزَماً باتّباع رأي الأكثرية في سنّ القوانين». وهو يعتقد أن استناد العالم المعاصر على الأكثرية هو في الحقيقة نوعٌ من الإكراه والإلزام الاجتماعي، وحَسَكةٌ في حَلْق المجتمعات»([45]).
يقول السيد محمد حسين الطهراني: «الرجوع إلى الرأي العامّ رجوعٌ إلى الأكثرية الجاهلة وغير المطَّلعة. يجب الرجوع الى أهل الخبرة والمتضلِّعين وأهل اليقين والدراسة»([46]). إنه يعتبر أن رأي الأكثرية في انتخاب الحاكم والفقيه في عصر الغيبة لا قيمة له([47]).
وفي قسمٍ آخر من كتابه يبحث بالتفصيل في بعض الآيات القرآنية التي تذمّ الأكثرية([48]). ومن ثمّ يقسِّم الناس إلى: خواصّ؛ وعوامّ. ويوجِّه سؤالاً الى أتباع الديمقراطية الذين يمنحون الحقّ في اختيار الحاكم والإمام لجميع أفراد وجماهير الشعب»، قائلاً لهم: «أنتم تمنحون الحقّ في التصويت بناءً على سواد الناس وتعداد الأفراد، سواء كان أحدهم فاضلاً وعالماً أو جاهلاً وأحمقاً، وسواء كان العقل المفكِّر للبلد أو ذا عقلٍ فارغ. وهذا خطأٌ في منطق العقل والدراية. هذا الإجراء والتقليد يقوِّض قيمة العقل والعقلاء، والعلم والعلماء. وفي ميزان القياس يساوي بين قيمة رأي وتبصُّر الحكيم والحكماء وعلماء الاجتماع ورأي شخصٍ جاهل غير مطَّلع. ويضيع أصحاب الدراية والبصيرة في صفٍّ واحد مع الناس العاديّين جدّاً… ولذلك فإن الذهاب إثر الأكثرية في كلّ مكانٍ باطلٌ. مثلاً: التصويت لأولئك الذين يذهبون إلى مجلس الشورى في الوضع الانتخابي الحالي لا أساس له من القرآن والأخبار»([49]).
ومن ثمّ فإنه يعتبر أن الطريقة المحمودة في الإسلام هي «التشاور مع أهل الحلّ والعقد»، وليس «التشاور مع الأكثرية». ولهذا السبب يعتبر أن الصحيح فقط هو رأي أكثرية أهل الخبرة عند الشكّ، كعلامةٍ من أجل كشف الواقع. ورأيه هذا يشبه رأي النائيني في أن رأي الأكثرية كاشفٌ ظنّي عن الحقيقة. ومن هنا «إذا صوَّتَتْ أغلبية مجلس النواب لشيءٍ ما فإن الوليّ الفقيه يستطيع أن يفضِّل رأي الأقلِّية، وإذا صوَّتَ جميع أعضاء البرلمان بالإجماع فيمكنه أن يعارضهم جميعاً، ويختار رأيه».
ومن ثم يشير إلى طريقة مشورة النبيّ الأكرم|، فقد كانت عبارة عن مقدّمةٍ لقراره النهائي. «فالمشورة ليست تصويتاً واختياراً لرأي الأكثرية، إنما المشورة من أجل أن يكون الموضوع واضحاً بالنسبة إلى الإنسان نفسه، والرأيُ النهائي يكون لذلك الشخص الذي هو صاحب المشورة. وفي مقام الولاية لا يمكن لأيّ شخصٍ أن يساوي الوليّ فكراً ودرجةً، ويجعل من مشورته منافسةً له وفي ميزانٍ واحد»([50]).
وكلام السيد محمد حسين الطهراني أيضاً يدلّ بوضوحٍ على أن رأيه في الرجوع للرأي العام قائمٌ على مبدأ كشف الحقيقة، وأنه لم يُبْدِ أيّ اهتمامٍ بمبدأ حقّ تقرير المصير.
بعد إشكاله على الديمقراطية الغربية بأنها تقف بشكلٍ مطلق مع رأي الأكثرية، الأمر الذي جعلها تشرِّع أكثر القضايا اللاأخلاقية، يقدِّم أحد المعاصرين الإسلام على أنه معارِضٌ لهكذا ديمقراطيّة، ويقول: «ما هو الدليل على أن الآراء المقبولة من قِبَل الأكثرية يجب أن تكون دائماً متطابقةً مع العقل والمنطق والضوابط الصحيحة؟ القرآن الكريم يعلِّمنا أن لا نعتبر آراء وعقائد ونظريات الأكثرية دائماً صحيحة: ﴿بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ (المؤمنون: 70)».
ومن ثمّ يستنتج أنه «في النظام الإسلامي المثالي يكون اتّباع الأكثرية شرعياً فقط إذا كان خاضعاً للحقّ، وإلاّ إذا كان جميع الناس أيضاً يؤيِّدون رأياً ما أنزل الله به من سلطانٍ فلا يمكن العمل به في الحكومة الإسلامية… وإذا كانت بعض مطالب الناس ليست ضدّ القِيَم الإسلامية، ولكنْ بحَسَب تشخيص المرشد الأعلى ومسؤولي النظام الإسلامي فإن العمل بهذه المطالب سيؤدّي إلى التضحية بمصالح كثيرة ومهمّة وأساسية لذلك المجتمع، هنا… لأن مسؤولي النظام الإسلامي مسؤولون أمام الله والناس فلا ينبغي أن يقعوا في خداع العوامّ، وإنّما عليهم أن يتَّخذوا الإجراءات الضرورية بشجاعةٍ»([51]).
2ـ نتائج مبدأ كشف الحقيقة
قد توصَّلْنا حول اعتبار رأي الأكثريّة على أساس مبدأ كشف الحقيقة إلى هذه النتائج:
الأولى: الرجوع إلى الرأي العامّ غير صحيح في الحالات التي تكون فيها الحقيقة واضحةً للمراجع، مهما كان الدليل الذي يعتمد عليه، سواء كان علمياً أو دينياً أو سوى ذلك.
الثانية: آراء الناس ليس أنها لا تقرِّر ما هو حقٌّ وما هو باطلٌ فحَسْب، بل إنها لا تكشف الحقّ والباطل بشكلٍ قاطع. الحقّ والباطل تابعٌ لعللٍ خارجية، والكشف عنه منوطٌ بالأدلة العلمية، ورأي الأكثرية ليس علّةً خارجية لإيجاد الحقّ والباطل، وفي أكثر الحالات يعجز عن الكشف المطمئن عن الحقيقة. وبالطبع فإن رأي الأكثرية؛ بالنظر إلى شخصيّة أصحاب الرأي، والحالات التي يدلون فيها بآرائهم، يمكن أن يكون قرنيةً احتماليّة ظنّية أو يدعو إلى الاطمئنان في سبيل الوصول إلى الحقيقة؛ ويمكن أن لا يكون كذلك أيضاً. لذلك لا يمكن الادّعاء أن رأي الأكثرية يكشف الحقيقة دائماً.
الثالثة: بناءً على مبدأ كشف الحقيقة فإن صانع القرار أو صنّاع القرار يختلفون عن الأفراد الذين يُدْلُون بآرائهم. صانع القرار أو صنّاع القرار هم أفرادٌ أو مجموعاتٌ محدَّدة اعتراهم الشكّ في القرارات التي يريدون اتّخاذها، فطلبوا مشورة الآخرين؛ لاكتشاف الحقيقة واتّخاذ القرار الصحيح؛ خلافاً لمبدأ حقّ تقرير المصير، فإن الناس يكونون صنّاع القرار، وما الحكّام سوى ممثِّلين ومنفِّذين لقرارهم.
الرابعة: أحياناً يستخدم العقلاء في الأنظمة الإدارية آليّة المجلس المعتمدة عقلاً وشرعاً من أجل التوصُّل إلى القرار الصحيح. الهدف من المجلس ـ كما سيأتي ـ هو الوصول إلى الحقيقة، بمعنى «التشاور» والاطلاع على آراء وحجج الآخرين واختيار أفضلها. وفي مثل هذه الأنظمة؛ ومن أجل الاستفادة الواضحة والمنهجية من آراء الاستشاريين، فإنهم يجعلون من رأي الأكثرية ملاكاً لاتّخاذ القرار، لكنّ الإدارة في المجموعة المذكورة تتحوَّل الى «إدارة المجلس»، وتفوِّض حقّ اتّخاذ القرار إلى كلٍّ من أعضاء المجلس بمقدار حقّ الرأي الذي لديه. لذلك فإن الغرض من تشكيل «إدارة المجلس» هو كشف الحقيقة، وفي الوقت نفسه الاستفادة من آراء المستشارين بطريقةٍ منهجيّة ومنضبطة، ويتمّ منحهم الحقّ في اتّخاذ القرار وفقاً لنظام اعتبار رأي الأكثرية.
الخامسة: موافقة رأي الأكثرية في مبدأ كشف الحقيقة غالباً يكون قرينةً ظنّية، وسيرة العقلاء في التعامل مع القرائن الظنّية هي دراسة وتقييم القرائن الموافقة والمخالفة معاً، ففي النهاية إذا رجحَتْ بنظرهم قرائن اعتبار رأي الأقلِّية فسوف يتخلّون عن رأي الأكثرية، وبعبارةٍ أخرى: العقلاء يعملون بالظنّ على افتراض فقدان العلم. والقرائن الظنّية غير محصورةٍ في رأي أكثر العلماء؛ وإنّما توجد قرائن أخرى. إذن، بالإضافة إلى العلم ـ في بعض الحالات ـ بمخالفة رأي الأكثرية للحقيقة، توجد حالاتٌ أخرى أيضاً لا يتمّ العمل فيها وفقاً لرأي الأكثرية، وهي التي يحصل فيها الظنّ برأي الأقلِّية بعد تزاحم القرائن.
السادسة: يمكن لنوع المعرفة والالتزام الأخلاقي للأشخاص الذين يدلون بآرائهم، إلى جانب عددهم، أن يلعب دَوْراً حاسماً في كشف الحقيقة. ورُبَما يكون رأي أقلِّية عالمة ملتزمة أفضل لكشف الحقيقة من رأي أكثريةٍ من العوامّ، بل من الحكمة أن يتمّ الرجوع إلى الواعين والمتخصِّصين في الحالات التي يوجد فيها جهلٌ بموضوعٍ ما. وفي هذه الحالة يمكن لرأي أكثرية العلماء في ذلك الموضوع أن يكون قرينةً ظنّية أو تؤدّي إلى الاطمئنان في كشف الحقيقة. إذن بناءً على مبدأ كشف الحقيقة ـ وخلافاً لمبدأ حقّ تقرير المصير ـ قيمة آراء أفراد المجتمع ليست متساويةً، ورأي الخبراء وأهل الاختصاص يتمتَّع بقيمةٍ أكبر.
السابعة: على هذا الأساس لا يمكن أن يكون الرجوع إلى الرأي العامّ لكشف الحقيقة؛ فإنه يمكن الإقدام على ذلك في حال كان الطرفان أو الأطراف المختلفون يقرّون بجهلهم، ويعتبرون أن الرجوع إلى الرأي العامّ يشكِّل طريقاً لكشف الحقيقة؛ أما إذا كانوا يعتبرون أنفسهم، أو كان بعضهم يعتبر نفسه، عارفاً بالحقيقة، ولا يرى من سببٍ مقنع للرجوع إلى الرأي العامّ، فلا يمكن والحال هذه أن يتمّ بهذه الطريقة التوصُّل لحلّ النزاعات والخلافات بين الناس في إدارة المجتمع.
الثامنة: على هذا الأساس لا يمكن تبرير معظم الحالات الشائعة في الرجوع إلى الرأي العامّ في المجتمعات والدول المختلفة، ويتقلَّص كثيراً نطاق الرجوع إلى الرأي العامّ. فعلى سبيل المثال: لا يمكن تبرير أوّل انتخاباتٍ بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران بقبول الجمهوريّة الإسلامية أو عدم قبولها؛ لأن منظِّمي هذه الانتخابات لم يكونوا يشكّون في شرعيّة الجمهورية الإسلامية.
التاسعة: الكثير من الإشكالات التي أثارتها هذه المجموعة من علماء الدين على اعتبار رأي الأكثرية بناءً على مبدأ كشف الحقيقة صحيحةٌ. أما الإشكال ضدّهم فهو أنهم تجاهلوا سائر المبادئ لاعتبار رأي الأكثرية، وخاصّة حقّ تقرير المصير، ومن ثمّ بعد رفض اعتبار رأي الأكثرية بناءً على مبدأ كشف الحقيقة توصَّلوا إلى هذه النتيجة الخاطئة. إن الرجوع إلى الرأي العامّ وتفضيل رأي الأكثرية لا يملك أيّ أساسٍ قابلٍ للدفاع عنه.
ـ يتبع ـ
الهوامش
(*) باحثٌ في الفقه الإسلاميّ والدراسات القانونيّة المعاصرة، وباحثٌ في مؤسّسة دائرة المعارف لفقه أهل البيت^. له كتاباتٌ علميّة متعدِّدة.
([1]) أكَّد أمير المؤمنين عليّ× عند مواجهته لطلب التحكيم أنه لا يخالف تحكيم القرآن، إلاّ أن القرآن مكتوبٌ في كتاب، وكلامه يحتمل تفاسير مختلفة، والتحكيم به لا يتحقَّق إلاّ بتفسير مَنْ يملك الصلاحية لتفسيره، وهذا ما جاء في كلامه×: «إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ، هَذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْطُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانٍ، وَلا بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ، وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ. وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى». (الشريف الرضي، نهج البلاغة: الخطبة 125، تحقيق صبحي صالح، دار الهجرة، قم، ط1، 1414هـ).
([2]) حميد عنايت، أنديشه سياسي در إسلام معاصر (الفكر السياسي في الإسلام المعاصر): 221، ترجمة: بهاء الدين خرّمشاهي، خوارزمي، طهران، ط4، 1380هـ.ش؛ السيد حسين نصر، جوان مسلمان ودنياى متجدّد (الشباب المسلم والعالم المعاصر): 287، ترجمة: مرتضی أسعدي، طرح نو، طهران، ط4، 1382هـ.ش.
([3]) سيمور مارتين ليپست، دايرة المعارف دموكراسي (موسوعة الديمقراطية) 2: 700، ط3، المكتبة التخصصية في وزارة الخارجية، طهران، 1385هـ.ش.
([4]) حسين بشيريه، درسهاي دموکراسي براي همه (دروس في الديمقراطية للجميع): 19، 47، نگاه معاصر، طهران، ط2، 1381هـ.ش.
([5]) فصليّة المدرسة، العدد 1، عدد خاصّ بالديمقراطية في حدّها الأدنى والديمقراطية في حدّها الأقصى، تير 1384هـ.ش.
([6]) آرش ﺳــﺮﻛﻮهي، تنش وتضاد دموكراسي وحقوق بشر أز نگاه ﻳﻮرﮔﻦ ﻫﺎﺑﺮﻣﺎس (تناقض الديمقراطية وحقوق الإنسان من وجهة نظر يورغن هابرماس)، (www.radiozamaneh.com)، 28/12/2016.
([7]) ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الأنفال: 28).
ـ ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾ (الإسراء: 60).
ـ ﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (طه: 131).
ـ ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ (الحج: 53).
ـ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً﴾ (الفرقان: 20).
ـ ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت: 2 ـ 3).
ـ ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ﴾ (ص: 24).
ـ ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ﴾ (ص: 34).
ـ ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: 49).
ـ ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ (الدخان: 17).
ـ ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ﴾ (القمر: 27).
ـ ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً﴾ (الجنّ: 17).
ـ ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ (المدَّثر: 31).
ـ ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 124).
ـ ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155).
ـ ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 249).
ـ ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 152).
ـ ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (آل عمران: 154).
ـ ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ (آل عمران: 186).
ـ ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (المائدة: 48).
ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (المائدة: 94).
ـ ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنعام: 165).
ـ ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ (الأعراف: 163).
ـ ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال: 17).
ـ ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (هود: 7).
ـ ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (الكهف: 7).
ـ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (الأنبياء: 35).
ـ ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ (الأحزاب: 11).
ـ ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ (محمد: 31).
ـ ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ (الملك: 2).
ـ ﴿فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ (الفجر: 15).
ـ ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ (الفجر: 16).
ـ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الحجرات: 3).
([8]) حسن مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، 1: 335، مركز الكتاب للترجمة والنشر، طهران، ط1، 1402هـ.
([9]) المصدر السابق، 9: 22: «فما أوجب هذين الامرين فهو فِتْنَةٌ. ولها مصاديق: كالأموال، والأولاد، والاختلاف في الآراء، والغلوّ في الأمر، والعذاب، والكفر، والجنون، والابتلاء، وغيرها إذا أوجب الأمرين».
([11]) ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾.
([12]) الصدوق، التوحيد: 341، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين في قم، قم، ط1، 1398هـ؛ الصدوق، عيون أخبار الرضا×، 1: 134، نشر جهان، طهران، ط1، 1378هـ: «حدَّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدَّثنا أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون يوماً عليّ بن موسى الرضا× فقال له: يا بن رسول الله، ما معنى قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ﴾؟ فقال الرضا×: حدَّثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب×، أن المسلمين قالوا لرسول الله|: لو أكرهْتَ يا رسول الله مَنْ قدرْتَ عليه من الناس على الإسلام كثر عددنا وقوينا على عدوّنا، فقال رسول الله|: ما كنت لألقى الله عزَّ وجلَّ ببِدْعَةٍ لم يحدث إليّ فيها شيئاً، وما أنا من المتكلَّفين، فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً﴾ على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا، كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلتُ ذلك بهم لم يستحقّوا منّي ثواباً ولا مدحاً، لكنّي أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين؛ ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾؛ وأما قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ﴾ فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها، ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلاّ بإذن الله، وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلفة متعبدة، وإلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبد عنها. فقال المأمون: فرَّجْتَ عني يا أبا الحسن فرَّج الله عنك».
([13]) الرضي، نهج البلاغة، الخطبة 192: «وَلَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ يَخْطَفُ الأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ، وَيَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ، وَطِيبٍ يَأْخُذُ الأَنْفَاسَ عَرْفُهُ، لَفَعَلَ، وَلَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ الأَعْنَاقُ خَاضِعَةً، وَلَخَفَّتِ الْبَلْوَى فِيهِ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ؛ تَمْيِيزاً بِالاخْتِبَارِ لَهُمْ؛ وَنَفْياً لِلاسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ؛ وَإِبْعَاداً لِلْخُيَلاَءِ مِنْهُمْ».
([14]) المصدر السابق، الخطبة 192: «وَلَوْ أَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ لأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ وَمَعَادِنَ الْعِقْيَانِ وَمَغَارِسَ الْجِنَانِ، وَأَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ السَّمَاءِ وَوُحُوشَ الأَرَضِينَ، لَفَعَلَ، وَلَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلاءُ، وَبَطَلَ الْجَزَاءُ، وَاضْمَحَلَّتِ الأَنْبَاءُ، وَلَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَيْنَ، وَلا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ، وَلا لَزِمَتِ الأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا، وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ، وَضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الأَعْيُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ، مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلأُ الْقُلُوبَ وَالْعُيُونَ غِنًى، وَخَصَاصَةٍ تَمْلأُ الأَبْصَارَ وَالأَسْمَاعَ أَذًى، وَلَوْ كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لا تُرَامُ، وَعِزَّةٍ لا تُضَامُ، وَمُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ، وَتُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ، لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى الْخَلْقِ فِي الاعْتِبَارِ، وَأَبْعَدَ لَهُمْ فِي الاسْتِكْبَارِ، وَلآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ، أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ، فَكَانَتِ النِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً، وَالْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً، وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الاتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ، وَالتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ، وَالْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ، وَالاسْتِكَانَةُ لأَمْرِهِ، وَالاسْتِسْلاَمُ لِطَاعَتِهِ، أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً، لا تَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى وَالاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَالْجَزَاءُ أَجْزَلَ».
([15]) المصدر السابق، الخطبة 192: «أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صلوات الله عليه إِلَى الآخِرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَسْمَعُ، فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً، ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الأَرْضِ حَجَراً، وَأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً، وَأَضْيَقِ بُطُونِ الأَوْدِيَةِ قُطْراً، بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ وَرِمَالٍ دَمِثَةٍ وَعُيُونٍ وَشِلَةٍ وَقُرًى مُنْقَطِعَةٍ، لا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ، وَلا حَافِرٌ، وَلا ظِلْفٌ، ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ× وَوَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ، فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ، وَغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ، تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الأَفْئِدَةِ، مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ، وَمَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ، وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ؛ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً، يُهَلِّلُونَ للهِ حَوْلَهُ، وَيَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ، قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ؛ ابْتِلاءً عَظِيماً، وَامْتِحَاناً شَدِيداً، وَاخْتِبَاراً مُبِيناً، وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً، جَعَلَهُ اللهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ، وَوُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ. وَلَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَمَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وَأَنْهَارٍ، وَسَهْلٍ وَقَرَارٍ، جَمَّ الأَشْجَارِ، دَانِيَ الثِّمَارِ، مُلْتَفَّ الْبُنَى، مُتَّصِلَ الْقُرَى، بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وَعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ، وَرِيَاضٍ نَاضِرَةٍ وَطُرُقٍ عَامِرَةٍ، لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلاءِ، وَلَوْ كَانَ الإِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا وَالأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَيَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَنُورٍ وَضِيَاءٍ لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ، وَلَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ، وَلَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّ اللهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، وَيَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ، وَيَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ؛ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ؛ وَإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ؛ وَلِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ، وَأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ».
([16]) إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء، 4: 460، الدار الإسلامية، بيروت، ط1، 1412هـ.
([17]) الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، 5: 206، انتشارات ناصر خسرو، طهران، ط3، 1372هـ.ش.
ـ مرتضى مطهري، مجموعة آثار الشهيد مطهَّري، 1: 96، صدرا، طهران ـ قم، ط8، 1377هـ.ش: «ثم إن فلسفة وحكمة هذا المقدار من تسلط الشيطان على الإنسان هي «حرية الإنسان»، فقيمة الوجود الإنساني توجب أن يكون حرّاً مختاراً، والموجود الحرّ لا بُدَّ أن يكون دائماً على مفترق طريقين، وأمام دعوتين؛ حتى يستطيع تحقيق كماله الذاتي، عن طريق اختياره الخاص».
ـ المصدر السابق، 23: 319: «فهل الحرية كمالٌ؟ لا شَكَّ في ذلك؛ لأنه إذا لم تكن الحرية موجودة لا يمكن للإنسان أن يصل إلى كماله. لقد خلق الله الإنسان بنحوٍ يستطيع معه أن يصل إلى كمال نفسه عبر طريق الحرّية والانتخاب والاختيار.لا يمكن طيّ طريق الكمال بأيّ طريقةٍ، إلاّ إذا كانت خطى الإنسان بإرادةٍ حرّة. طالما كان هناك إكراهٌ لم يعُدْ بالإمكان عبور هذا الطريق».
ـ المصدر السابق، 28: 536: «أما امتحان الله فليس بشيءٍ من هذين النوعين. امتحان الله يعني وضع الإنسان في خضمّ المشاقات والمصاعب؛ ليتمكَّن بنفسه من إيصال نفسه إلى الكمال. هذا مثل الامتحان التطبيقي الذي يختبر به مدرِّبي القيادة طلاّبهم، ويريدون من ذلك أيضاً تمرينهم وإيصالهم إلى الكمال».
ـ حسين علي منتظري، مجمع الفوائد، 381، قم، ط1: «الكمال المطلوب للإنسان لا يحصل إلاّ إذا بقي فاعلاً مختاراً، ينتخب بحسن نيّته ما فيه الخير والصلاح، أو يختار بسوء سريرته ما فيه الشرّ والفساد… وعلى هذا فاللازم أن توجد له أرضيّة السعادة والشقاوة كلَيْهما، وأن يخلّي هو وطبعه المختار».
ـ ناصر مكارم الشيرازي، تفسير نمونه (الأمثل في تفسير كتاب الله المُنْزَل) 9: 281، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط1، 1374هـ.ش: «حرّية الإِرادة هي أساس خلق الإِنسان ودعوة جميع الأنبياء، وأساساً لا يستطيع الإِنسان بدونها أن يخطو ولو خطوةً واحدة في مسير التكامل «التكامل الإِنساني والمعنوي». ولهذا فقد أكَّدَتْ آياتٌ متعدِّدة على أنّه لو شاء الله أن يهدي الناس بإِجباره لهم جميعاً لفعل، لكنّه لم يشأ».
ـ عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني للقران، 2: 319: «إن تحرير ضمير الفرد من الضلال والعمى، وفكّ عقله من الضّيق والإظلام، لا يكون إلاّ بتحرير إرادة الإنسان وإطلاقها من كلّ قَهْرٍ أو قَسْرٍ… وإنه لن تصحّ إنسانيّة الإنسان، ولن يكتمل وجوده، إلاّ بالضمير الحرّ، والعقل المتحرِّر».
([19]) أخبر القرآن الكريم في آياتٍ كثيرةٍ عن تجسُّم أعمال الإنسان يوم القيامة: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ (الكهف: 57)؛ ﴿بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ (القيامة: 14)؛ ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى﴾ (النازعات: 35)؛ ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ (الطارق: 9)؛ ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾ (النساء: 123)؛ ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف: 147)؛ ﴿لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ﴾ (إبراهيم: 51)؛ ﴿وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (يس: 54).
وكذلك عرَّف القرآن الكريم الآخرة بأنها انعكاسٌ ونتيجة تكوينية للأعمال الاختياريّة التي قام بها الإنسان، وهي باطنٌ وحقيقة تلك الأعمال: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ (الروم: 7).
وفي آياتٍ متعددة أخبر القرآن أن الله عزَّ وجلَّ ينسى مستحقّي العذاب في الدار الآخرة؛ أي يتركهم ويهملهم؛ ليهلكوا بنتيجة أفعالهم وباطن أعمالهم: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ (الأعراف: 51)؛ ﴿نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ (التوبة: 67)؛ ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ (طه: 126)؛ ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ (السجدة: 14)؛ ﴿الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ (الجاثية: 34).
([20]) حسين علي منتظري، نظام الحكم في الإسلام: 26، نشر سرايي، قم، ط2، 1417هـ: «إنّ الإنسان مدنيٌّ بالطبع، ولا يتيسَّر له إدامة حياته إلاَّ في ظلّ التعاون والاجتماع، ولازم الاجتماع غالباً التضادّ في الأهواء والتضارب والصراع، فيحتاج لا محالة إلى حاكمٍ يدبِّر الأمور ويرفع المظالم، فتجب إطاعته بحكم العقل، لا سيَّما إذا عاهدوه على ذلك؛ إذ الفطرة حاكمة بلزوم الوفاء بالعهد».
([21]) الشهيد الأول محمد بن مكي، القواعد والفوائد 1: 356، تصحيح: السيد عبد الهادي الحكيم، المفيد، قم، ط1، 1400هـ؛ المقداد بن عبد الله السيوري الحلّي، نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية: 414، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم، ط1، 1403هـ؛ المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي، القواعد الفقهية (جامعة الأصول): 276؛ الملا حبيب الله الشريف الكاشاني، تسهيل المسالك إلى المدارك: 28، المطبعة العلمية، قم، ط1، 1404هـ؛ السيد محمد جعفر المروّج الجزائري، هدى الطالب في شرح المكاسب 2: 508، مؤسسة دار الكتاب، قم، ط1، 1416هـ؛ السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه، القواعد الفقهية: 192، مؤسّسة الإمام الرضا×، بيروت، ط1، 1413هـ؛ السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه، السلم والسلام: 91، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1426هـ؛ حسين علي منتظري، حكومت ديني وحقوق إنسان (الحكومة الدينية وحقوق الإنسان)،: 106، أرغوان دانش، قم، ط1، 1429هـ؛ السيد محمد حسين الحسيني الطهراني، ولاية الفقيه في حكومة الإسلام 4: 180، دار المحجة البيضاء، بيروت، ط1، 1418هـ؛ محمد اليزدي، فقه القرآن 2: 218، مؤسّسة اسماعيليان، قم، ط1، 1415هـ.
([22]) محمد بن حسن بن يوسف (فخر المحققين)، إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد 4: 509، مؤسسة اسماعيليان، قم، ط1، 1387هـ؛ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 29: 172، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط7، 1404هـ؛ محمد بن محمد التقي بحر العلوم، بلغة الفقيه 3: 214، منشورات مكتبة الصادق، طهران ـ إيران، ط4، 1403هـ؛ السيد محسن الطباطبائي الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 11: 123، مؤسّسة دار التفسير، قم ـ إيران، ط1، 1416هـ؛ السيد روح الله الخميني، كتاب البيع 2: 693، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1، 1421هـ؛ السيد عبد الأعلى السبزواري، مهذَّب الأحكام 16: 361، مؤسّسة المنار، قم، ط4، 1413هـ؛ محمد علي الآراكي، كتاب البيع 2: 21، مؤسّسة در راه حقّ، قم ـ إيران، ط1، 1415هـ؛ السيد محمد الصدر، ما وراء الفقه 9: 67، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1420هـ؛ حسين علي منتظري، نظام الحكم في الإسلام: 25؛ حسين علي منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 1: 27، نشر تفكُّر، قم، ط2، 1409هـ؛ محسن الآراكي، نظرية الحكم في الإسلام: 309، مجمع الفكر الإسلامي، قم ـ إيران، ط1، 1425هـ؛ ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الفقاهة ـ كتاب البيع: 402، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب×، قم ـ إيران، ط1، 1425هـ؛ السيد صادق الحسيني الروحاني، فقه الصادق× 13: 297، دار الكتاب ـ مدرسة الإمام الصادق×، قم ـ إيران، ط1، 1412هـ؛ السيد تقي الطباطبائي القمي، مباني منهاج الصالحين 7: 499، منشورات قلم الشرق، قم، ط1، 1426هـ.
([23]) مرتضى بن محمد أمين الأنصاري، المكاسب 3: 99، المؤتمر العالمي لتراث الشيخ الأنصاري، قم، ط1، 1415هـ؛ ميرزا حبيب الله الرشتي، كتاب الإجارة: 57، ط1، 1311هـ؛ آغا رضا بن محمد هادي الهمداني، مصباح الفقيه 5: 244، مؤسسة الجعفرية لإحياء التراث ومؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1416هـ؛ السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، حاشية المكاسب 1: 72، مؤسسة اسماعيليان، قم، ط2، 1421هـ؛ السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى (المحشّى) 5: 321، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1419هـ؛ الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، منية الطالب في حاشية المكاسب، 1: 255، المكتبة المحمدية، طهران، ط1، 1373هـ؛ محمد حسين بن علي كاشف الغطاء، تحرير المجلة 1: 90، المكتبة المرتضوية، النجف الأشرف، ط1، 1359هـ؛ السيد أحمد بن يوسف الخوانساري، جامع المدارك في شرح مختصر النافع 5: 210، مؤسسة إسماعيليان، قم، ط2، 1405هـ.
([24]) محمد بن زين الدين (ابن أبي جمهور الأحسائي)، عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية 1: 222، دار سيد الشهداء للنشر، قم، ط1، 1405 هـ؛ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، بحار الأنوار 2: 268، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1403هـ.
([25]) محمد باقر الصدر، القواعد الفقهية (مباحث الأصول) 4: 616، نشر مكتب المقرِّر، قم، ط1، 1408هـ؛ ناصر مكارم الشيرازي، القواعد الفقهية 2: 21، مدرسة الإمام أمير المؤمنين×، قم، ط3، 1411هـ؛ السيد مصطفى (المحقِّق الداماد)، قواعد الفقه 2: 116، مركز نشر العلوم الإسلامية، طهران، ط12، 1406هـ.
([26]) أبو جعفر الطوسي، الخلاف 3: 176، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1407هـ؛ حسن بن أبي طالب اليوسفي (الفاضل الآبي)، كشف الرموز في شرح المختصر النافع 1: 465، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط3، 1417هـ؛ جعفر بن حسن (المحقّق الحلّي)، نكت النهاية 3: 354، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1412هـ؛ حسن بن يوسف بن مطهر الأسدي (العلاّمة الحلّي)، تذكرة الفقهاء 10: 247، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، ط1، 1414هـ؛ حسن بن يوسف بن مطهر الأسدي (العلاّمة الحلّي)، مختلف الشيعة 5: 224، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط2، 1413هـ؛ فخر المحقِّقين، إيضاح الفوائد 1: 444؛ الشهيد الأول محمد بن مكّي، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 2: 79، مؤسسة التبليغ الإسلامي، قم، ط1، 1414هـ؛ أحمد بن محمد الأسدي الحلّي، المهذَّب البارع في شرح المختصر النافع 2: 458، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1407هـ؛ علي بن حسين الكركي، جامع المقاصد في شرح القواعد 4: 42، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، ط2، 1414هـ؛ الشهيد الثاني زين الدين بن علي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 302، مكتبة الداوري، قم، ط1، 1410هـ؛ الشهيد الثاني زين الدين بن علي، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 3: 149، مؤسّسة المعارف الإسلامية، قم، ط1، 1413هـ؛ محمد محسن بن شاه مرتضى (الفيض الكاشاني)، مفاتيح الشرائع 3: 98، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم، ط1؛ يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 18: 65، قم، ط1، 1405هـ؛ النجفي، جواهر الكلام 8: 298؛ الأنصاري، المكاسب 2: 98.
([27]) محمد حسين الکمپاني الأصفهاني، حاشية كتاب المكاسب 5: 381، أنوار الهدى، قم، ط1، 1418هـ؛ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 23: 31، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم، ط1، 1418هـ؛ السيد محمد رضا الموسوي الگلبايگاني، كتاب القضاء 1: 239، دار القرآن الكريم، قم، ط1، 1413هـ؛ محمد علي الآراكي، رسالة في الإرث: 84، مؤسسة در راه حقّ، قم، ط1، 1413هـ؛ الطهراني، ولاية الفقيه في حكومة الإسلام 4: 180؛ محمد تقي الشوشتري، النجعة في شرح اللمعة 6: 368، مكتبة الصدوق، طهران، ط1، 1406هـ؛ السيد محمد الحسيني الشيرازي، فقه العولمة: 227، مؤسّسة الفكر الإسلامي، بيروت، ط1، 1423هـ؛ ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الفقاهةـ (كتاب النكاح): 238، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب×، قم، ط1، 1425هـ؛ القمّي، مباني منهاج الصالحين 8: 412.
([28]) السيد حسين الطباطبائي البروجردي، تقريرات ثلاثة: 181، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1413هـ.
([29]) المصدر نفسه؛ الخميني، كتاب البيع 1: 41؛ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، مصباح الفقاهة 2: 5؛ السيد حسن الخرَّم آبادي الطاهري، كتاب البيع (تقريرات درس الإمام الخميني): 50، مؤسَّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم، ط1، 1418هـ؛ السيد صادق الحسيني الروحاني، المسائل المستحدثة: 297.
([30]) مطهَّري، مجموعة آثار الشهيد مطهَّري 23: 317: «كمال هدف وكمال وسيلة؛ هناك مسألة أخرى وهي خلط هؤلاء الوجوديين بين الهدف والوسيلة. الحرّية كمال الإنسان، لكنها «كمال وسيلة»، وليست «كمال هدف». ليس هدف الإنسان أن يكون حرّاً، لكن الإنسان يجب أن يكون حرّاً؛ لكي يصل إلى كماله، فالحرّية تعني الاختيار والإنسان هو الموجود الوحيد الذي يختار طريقه بنفسه، ويملك حرية الاختيار، وبتعبيرٍ أدقّ: على الإنسان أن يختار ذاته بذاته. إذن، الإنسان حرٌّ ومختار، أما إذا كان حرّاً فهل هذا يعني أنه وصل إلى كماله؟ أو بما أنه مختارٌ يختار كماله؟ يمكن للإنسان مع الحرّية أن يصل إلى أعلى المراتب والكمالات، ومع هذه الحرّية ذاتها يمكنه أن يسقط إلى أسفل السافلين. موجودٌ مختارٌ يعني أنه موجودٌ يقود نفسه بنفسه، يعني قالوا: أيها الإنسان، أنت الابن البالغ لهذا العالم وهذه الطبيعة؛ وجميع الأبناء الآخرين غير بالغين، ويجب أن يُشْرَف عليهم ما عداك أنت البالغ والمختار والحرّ، ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾، نحن نرشدك فقط إلا أنك أنت مَنْ يجب أن يختار. إن الحرية بذاتها ليست كمال البشرية، إنها وسيلة لكمال البشرية، بمعنى أن الإنسان إذا لم يكن حرّاً فلا يستطيع أن يحصل على الكمالات البشرية. فموجودٌ مجبور لا يمكنه أن يصل إلى هناك. إذن الحرِّية كمال وسيلة، وليست كمال هدف».
([31]) فقرات من مقدّمة القانون الأساسي للجمهورية الإسلامية: «…ومع ملاحظة جوهر هذه النهضة الكبرى فإن القانون الأساسي يضمن رفض كافّة أشكال الدكتاتورية الفكرية والاجتماعية والاحتكار الاقتصادي، ويسعى إلى الخلاص من النظام الاستبدادي، ومنح الشعب حقّ تقرير مصيره بنفسه: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾… ويقوم القانون الأساسي بتهيئة الظروف اللازمة لمشاركة جميع أفراد المجتمع في جميع مراحل اتخاذ القرارات السياسية والمصيرية، ليصبح كلّ فرد، في مسير تكامل الإنسان، هو بالذات مسؤولاً ومباشراً في مجال نموّ القيادة ونضجها، وهكذا تتحقَّق حكومة المستضعفين في الأرض: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾».
([32]) الخميني، صحيفة الإمام 3: 507، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1، 1378هـ.ش.
([36]) المصدر السابق 3: 503؛ 5: 243.
([37]) ليپست، دايرة المعارف دموكراسي (موسوعة الديمقراطية) 1: 221.
([38]) بشيريه، درسهاي دموکراسي براي همه (دروس في الديمقراطية للجميع): 27.
([39]) حميد پايدار، پارادوکس إسلام ودموکراسي (مفارقة الإسلام والديمقراطية): 23، صحيفة کيان، العدد 19، خرداد 1373هـ.ش.
([40]) مصطفى ملكيان وديگران، سنّت وسكولاريسم (التراث والعلمانية): 250، منشورات الصراط، طهران، ط2، 1382هـ.ش؛ محمد سروش محلاّتي، دين ودولت در أنديشه إسلامي (الدين والدولة في الفكر الإسلامي): 119، مؤسسة التبليغ الإسلامي، قم، ط1، 1378هـ.ش.
([41]) فضل الله النوري، رساله حرمت مشروطه (رسالة حرمة المشروطة): 154، طُبعت في رسائل مشروطيت، إعداد: غلام حسين زرگري نژاد، کوير، طهران، ط2، 1377هـ.ش.
([42]) محمد حسين النائيني، تنبيه الأمّة وتنـزيه الملّة: 86، تصحيح وتحقيق: السيد جواد ورعي، بوستان كتاب، قم، ط1، 1382هـ.ش.
([43]) السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، 4: 105، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين في قم، قم، ط5، 1417هـ؛ الطباطبائي، بررسي هاى إسلامي (دراسات إسلامية): 182، مؤسسة التبليغ الإسلامي، قم، ط1، 1396هـ.
([44]) لطف الله الصافي الگلبايگاني، سلسله مباحث إمامت ومهدويّت (سلسلة مباحث في الإمامة والمهدوية) 1: 295، دار القرآن الكريم، قم، ط5.
([45]) ناصر مكارم الشيرازي، تفسير نمونه (الأمثل في تفسير كتاب الله المُنْزَل) 5: 416.
([46]) الطهراني، ولاية الفقيه في الحكومة الإسلامية 1: 137.
([51]) مصطفى كواكبيان، دموکراسي در نظام ولايت فقيه (الديمقراطية في نظام ولاية الفقيه): 82 ـ 84، مؤسّسة التبليغ الإسلامي، طهران، ط1، 1370هـ.ش.