نقد مقالة «القراءة المنسية» لكديور
أ. محمد جواد رضائي(*)
تمهيد ــــــ
نشر في العدد الثالث من مجلة «مدرسة» مقالة حول القراءة المنسية، للدكتور الشيخ محسن كديور. ادّعى كاتب المقال أنّ هدفه منها «إعادة قراءة نظرية العلماء الأبرار»([1])، ونفض غبار ألف عام من النسيان عن «التصور الأولي للإمامة لدى الإسلام الشيعي». وهو هدف مطلوب بحد ذاته، ويستحق التقدير، بغض النظر عن آليات تحققه.
لكن ما حدث هو أنّ الكاتب تنصل من موقعه كمحقِّق محايد، وتمسك بشتى الذرائع الواهية؛ لإثبات مدعاه، وهو ما نريد تسليط الضوء عليه في هذا المقال. وأودّ أن يُهديني الصديق القديم الدكتور كديور، وكل ذي رأي حريص، أخطائي؛ في سبيل كشف الحقيقة.
بيان الموضوع والمدعى ـــــــ
هذا المقال نقد لمقال «القراءة المنسية». وقد ادعى كاتبه أن الشيعة في القرون الثالث والرابع والخامس لم يعتقدوا بعصمة الأئمة، أو تمتعهم بعلم لدني، أو أنهم منصوبون من قبل الله، أو أنّ هناك نصاً على إمامتهم، وقد نسب الغلاة كل ذلك إليهم. وعلى الرغم من معارضة الأئمة وعلماء الشيعة، وخاصة مشايخ قم، لهذا المعتقد، إلا أنه انتشر، وأصبح المعتقد الرسمي للتشيع منذ القرن الخامس، بعد دخول بعض التعديلات الكلامية عليه. وقد تذرّع المؤلف بمقاطع من كتابات العلامة المامقاني والشيخ وحيد البهبهاني والشهيد الثاني، وجاء بها شاهداً ودليلاً على مدعاه، واستنتج منها مراده. في حين أنهم من المؤمنين بنظرية الأئمة المعصومين. وقد عدّ الكاتب في الختام ابن الغضائري وابن الجنيد، وحتى مشايخ قم، كأبرز المعتقدين بنظرية العلماء الأبرار أو الأئمة غير المعصومين.
وبما أنّني من المعتقدين بصحة نظرية الأئمة المعصومين، وأرى علماء الشيعة في تلك الفترة أيضاً مؤمنين بها، أجد نظرية العلماء الأبرار خاطئة وسقيمة من نواحٍ عديدة. وأسعى في هذا المقال إلى إيضاح أنّ الشواهد والدلائل المقدمة في إثبات ذلك المدعى غير منطقية، وأن المؤلف قد وقع في شرك سوء الفهم والمغالطة.
إذاً لستُ في هذا المقال في مقام الإثبات التاريخي لاعتقاد عامة الشيعة آنذاك بعصمة الأئمة، وعلمهم اللدني، أو تنصيبهم الإلهي.
منهج البحث ـــــــ
لإثبات المدعى، أي سقم دلائل المؤلِّف واستنتاجاته في ذلك المقال، ندرس المدعى واستدلالاته واحداً تلو الآخر، ثم نناقش علاقة الأدلة بالمدَّعى على أسس منطقية، ومن ثَمَّ ننقدها.
الدراسة والنقد التفصيليان ـــــــ
يطرح المؤلف في ذلك المقال نظريتين حول أئمة الشيعة. وينسب إحداها إلى الشيعة في القرون الثالث والرابع والخامس، ويعزو الأخرى إلى الغلاة والمفوضة في تلك الفترة، وعموم الشيعة منذ القرن الخامس.
تبيين نظريتي «العلماء الأبرار»([2]) و«الأئمة المعصومين» ــــــ
تشترك هاتان النظريتان في الاعتقاد بالله ونبوة الرسول الخاتم‘، وأفضلية أئمة الشيعة^، ووجوب اتباعهم. لذلك لا يمكننا عدّ أيّ من هذه الأمور من مختصات إحدى هاتين النظريتين.
يصرّح المؤلِّف أنّ الاختلاف بينهما يكمن في أمور ثلاثة: التنصيب الإلهي للأئمة؛ علمهم اللدني أو غير الاكتسابي؛ وعصمتهم.
إذاً يعتقد المؤمنون بنظرية الأئمة غير المعصومين ـ وهم يدّعون ضرباً من التشيع ـ بأنّ الأئمة غير منصوبين من قبل الله، ولم يتمتعوا بالعلم اللدني أو غير الاكتسابي، كما أنّهم غير معصومين، و«أنّ العصمة بين البشر تختص بشخص النبي فحسب».
وفي المقابل يعتقد المؤمنون بنظرية الأئمة المعصومين بأنّ الأئمة الاثني عشر «منصوبون من قبل الله، وهناك نص من الرسول يدلّ على ذلك؛ وأنّهم يتمتعون بالعلم اللدني؛ وأنهم معصومون مطلقاً عن الخطأ والمعصية، كبيرة كانت أو صغيرة، عن عمد كانت أو عن سهو».
مدعى كديور في مسألة الإمامة ـــــــ
يدّعي كديور أنّ غالبية الشيعة حتى القرن الخامس كانوا لا يعتقدون بتنصيب أئمة أهل البيت^ من قبل الله؛ ووجدوا أنّ علمهم اكتسابي، كالآخرين، وأنهم لم يتمتعوا بعلم لدني أو غير اكتسابي؛ وأنهم أتقياء، لكنهم كسائر الناس معرَّضون للزلل.
الشواهد المؤيدة للادعاء ـــــــ
يأتي المؤلف بأقوال ثلاثة عن علماء الشيعة؛ لدعم مدَّعاه، ويسعى لاستخراج تأييدات من ثناياها.
1ـ اعتدال اليوم غلوّ الماضي ــــــ
الشاهد الأول: من كتاب تنقيح المقال للمامقاني، حيث يقول: «إنّ أكثر ما يعدّ اليوم من ضروريات المذهب في أوصاف الأئمة^ كان القول به معدوداً في العهد السابق من الغلو»([3]).
يستند المؤلف إلى عبارة المامقاني هذه، والتي أطلقت في موضوع مختلف تماماً، ولهدف آخر، ويخرج باستنتاجات، بعضها ليس ذا صلة ببحثنا. أما ما يرتبط به فهو:
1ـ «يراد بالغلو، على وجه الدقة، ما ينسب إلى الأئمة من أوصاف فوق بشرية، وبالطبع لا ينضوي تحتها الخلق والتدبير والتصرف المستقل في التكوين والتشريع، بل كلها فضائل خارقة وتفويضات لهم بإذن من الله تعالى (أي ما أطلقنا عليه الغلو والتفويض غير المفرط). ومن البديهي أنّ المؤمنين بالغلو والتفويض المفرط كانوا يحسبون خارج دائرة الإسلام من قبل كافة المسلمين»([4]).
2ـ «كان هناك اختلاف جذري عميق، وجدال حادّ، بين العلماء حول أوصاف الأئمة في القرون الخمسة الأولى، حتى اتّهم بعضهم الآخر بالغلو والتفويض، أي كان المتهَمون من المؤمنين بالفضائل فوق البشرية للأئمة^، والمتهِمون من المنكرين لهذه الأوصاف»([5]).
3ـ «تدل عبارة: «ما يعدّ اليوم من ضرورات المذهب في أوصاف الأئمة^» على غلبة هذا الرأي على معتقدات الشيعة في الألفية الأخيرة. ويدلّ القول: «كان يعدّ الاعتقاد بهذه الأمور غلواً في العهد السابق» على أنّ الرأي المعارض لتمتع الأئمة بفضائل فوق بشرية، والمؤيد لصفاتهم البشرية، كان الرأي السائد في القرون الأولى، وظلّ كذلك لمدة قرنين بعد الغيبة، حتّى أصبح سمة الفكر الشيعي»([6]).
دراسة ونقد ـــــــ
بما أنّ المؤلف دمج بين إثبات نظرية «الإمامة غير المعصومة» والاختلاف التأريخي لعلماء الشيعة في ما يخص «الغلو» و«التقصير» في حق النبي‘ والأئمة المعصومين^؛ وعدّ أتباع المدرسة الحديثية في قم وابن الغضائري، الذين اعتبروا نسبة بعض الفضائل للنبي والأئمة غلواً، من مصاديق المؤمنين بتلك النظرية، وقد أكّد ذلك في الشاهد الثاني، كما في المرحلة الثالثة من بحثه، أي «معرفة العلماء المعتقدين بنظرية العلماء الأبرار»، وجدتُ من الضروري شرح اختلاف القدماء ونزاعهم على الغلو والتقصير، ثم مناقشة استنتاجات المؤلف ونقدها.
اختلاف المتقدمين في الغلو والتقصير ـــــــ
من البديهي أنّ من يجد النبي أو الإمام متصفاً ببعض الفضائل لا يجيز الاعتقاد بما دونها أو ما فوقها، ويعدّ الأول منكراً لشأنهم الحقيقي، ومقصراً في معرفتهم، ويعتبر الثاني مغالياً. وذلك هو الحال دائماً.
وقد شكّل ذلك أساس اختلاف القميين والبغداديين في القرنين الثالث والرابع. فقد أنكر القميون بعض الدرجات والفضائل والكمالات المنسوبة للنبي والأئمة، وعدّوا القائل بها مغالياً، ورواياته ضعيفة. وفي المقابل أنكر البغداديون ذلك على القميين، ووصفوهم بالمقصِّرين. ومن تلك الأمور: سهو النبي، الذي أجازه القميون، وأنكره البغداديون([7]).
وقد اختلف حتى الذين ذكرهم المؤلف كمؤيِّدين لنظرية الأئمة المعصومين^ فيما بينهم حول أوصاف النبي والأئمة.
فمثلاً: يعتقد الشيخ المفيد([8]) والسيد المرتضى([9]) أنّ النبي والأئمة يتمتعون بعلم لدنّي، لكنهم لا يعلمون تفاصيل الأمور وجزئيات الحوادث، إلا ما شاء الله.
وفي المقابل نجد عدداً من المتكلمين وعلماء الشيعة يعتقدون بعلم النبي والأئمة المعصومين الفعلي بما كان وما يكون وما هو كائن، وإن كان غير ذاتي لهم، بل رشحة من غيب الله، مستندين في ذلك إلى روايات صحيحة ومعتبرة. ويؤيدهم في ذلك أغلب علماء الشيعة المتأخرين، كالعلامة الطباطبائي، والشيخ المظفر.
ومما يجدر الانتباه إليه أنّ كلا التيارين يستشهدون بروايات الأئمة^. فهناك روايات في كتبنا الحديثية تدلّ على علم الأئمة الشأني، في حين تشير أخرى إلى علمهم الفعلي([10]).
ونجد اليوم أيضاً من يعدّون الاعتقاد بعلم الأئمة الفعلي ضرباً من الغلو، في حين أنهم معتقدون بنظرية الأئمة المعصومين^. وعلى سبيل المثال: يصرّح الشيخ صالحي النجف آبادي، مؤلِّف كتاب «شهيد جاويد» (الشهيد الخالد): «إنّ النبي والإمام، عدا علمهم بالأحكام، يتمتعون بأصناف من علم الغيب بموهبة من الله تعالى، وليس لأحد غور أعماق هذا العلم الموهوب، أو إدراك كنهه. فعلمنا أمامه كقطرة من البحر. لكن لعلم المعصوم مع كل عظمته حدّاً ينتهي إليه، فلا يطّلع على ما بعده»([11]).
يتفق الشيخ النجف آبادي مع عامة علماء الشيعة في ذلك. وكل ما في الأمر أنّ العلامة الطباطبائي، والعلامة رفيعي القزويني، وأمثالهما، يعتقدون أنّ للنبي والأئمة علماً بأمور، كوقت موتهم أو استشهادهم، بينما يعدّ الشيخ صالحي ذلك من الأمور التي لا يعلمها إلا الله، ولا علم للنبي أو الإمام بها([12]).
يرى الشيخ صالحي النجف آبادي أنّ أمثال العلامة الطباطبائي، على الرغم من إيمانهم بمحدودية علم النبي والإمام، وأنّ لله علماً يختص به، ولا يطلع عليه ملك مقرب أو نبي مرسل، قد سقطوا في شرك الغلو؛ لاعتبارهم أموراً، كالعلم بوقت موتهم، أو موت الناس، في نطاق علم النبي والإمام. وفي المقابل يعتبر أولئك الشيخ النجف آبادي مقصِّراً في معرفة مكانة وشأن النبي‘ والأئمة المعصومين^([13]).
إن نفس هذا الجدل كان دائراً في الفترة الممتدّة بين القرنين الثاني والخامس، والتي يشير إليها الكاتب. فقد وُصف بعض الرواة المعتقدين بفضائل خاصة للأئمة بالمغالين من قبل مَنْ لا يؤمنون بها. وفي معرض الحديث عن ذلك يقول المامقاني: لا يخفى على المتتبع لأخبار السلف، وخاصة القميين، أنهم كانوا يتهمون الراوي لأدنى سبب، وما إن يجدوا رواية في كتابه تدلّ على الانحراف في فرعيات أصول الدين حتى يصفوه بالمنحرف. فعلى المجتهد في علم الرجال دراسة هذا الموضوع، وإن ثبت أنّ راوياً شيعياً وثقة بشهادة ذوي الاختصاص، كالشيخ النجاشي والشيخ الطوسي والعلامة الحلي، فعليه رفض التهم المنسوبة إليه في فروع أصول المذهب والدين([14]).
يذكر المامقاني هنا أحمد بن محمد نوح السيرافي كشاهد على من وثّقهم علماء معتمدون، كالشيخ الطوسي وابن شهرآشوب والعلامة الحلي، لكن اتهمه أناس غير موثّقين. ويتابع المامقاني موضِّحاً أنّ احتمال الخطأ في توثيق الراوي أقل بكثير من جرحه، ثمّ يقول: من يمعن النظر في أقوال علماء الرجال ويتتبع سيرتهم يجد أنّهم لا يوثّقون أحداً إلا أن يكون في أسمى مراتب العدالة. لكن في جرحه يتمسكون بأدنى ملاحظة عليه. في حين أن الخطأ في الجرح قد يقع لأسباب عديدة؛ إذ إنّ كثيراً مما نعتقد به اليوم في شأن النبي والأئمة كان القائل به في الماضي متَّهماً بالغلو والإفراط([15]).
ويقول في موضع آخر مدافعاً عن محمد بن سنان في ما اتهم به من غلو: وقد بيّنّا مراراً عديدة أنه لا وثوق لنا برميهم رجلاً بالغلو؛ لأنّ ما هو الآن من الضروري عند الشيعة في مراتب الأئمة كان يومئذ غلواً. حتى أنّ مثل الصدوق& عدّ نفي السهو عنهم غلواً، مع أنّ نفي السهو عنهم اليوم من ضروريات مذهبنا([16]).
وجدير بالقول أنّه لم يُتَّفق على تحديد ضروريات المذهب في أي زمن. وليس هناك اليوم إجماع عليها من قبل العلماء، ولم يُحدَّد أصلاً تعريف لضروري المذهب. إذاً قد يكون اليوم أمر ما ضرورياً في رأي عالم شيعي، في حين لم يكن بالأمس ضرورياً عند عالم آخر، بل في عصرنا، وفي كل عصر، قد يعتبر بعض العلماء أموراً، ومنها: أوصاف الأنبياء أو الأئمة، من ضروريات المذهب، ولا يعدّها آخرون من الضروريات، أو قد ينكرونها من الأساس، فكيف يثبت ذلك أنّهم يعتبرون الأئمة أناساً مثلهم، معرضين للزلل، وفاقدين للعلم اللدني، وغير منصوبين من قبل الله تعالى؟!
مدى دلالة هذا الشاهد على مدعيات الكاتب ــــــ
أولاً: الاستنتاجان، الأول والثاني، مقبولان تماماً. فإضافة إلى المامقاني صرّح بها كثير من علماء الرجال. أما نحن فنخطو خطوة أخرى لنقول: استمر هذا الاختلاف، وإن بشكل أقل حدة، في القرون العشرة الأخيرة أيضاً، وبقي الاختلاف بين أصحاب نظرية الأئمة المعصومين في ما يخصّ مراتب فضلهم وكمالاتهم. ومن الطبيعي أنّ من يعتقد بدرجة من الفضل والكمال للأئمة يعتبر مَن يتجاوزه في ذلك مغالياً ومفرطاً. لكن هذا الغلو يختلف جذرياً عن الغلو في الذات، الذي يكون القائل به كافراً. ولا يختص ذلك بالشيعة، بل يشمل سائر المذاهب والأديان أيضاً.
ثانياً: لم يتوصل الكاتب إلى النتيجة الثالثة بطريقة سليمة. وقد وقع في مغالطتين:
أـ لا يمكن، بأي شكل من الأشكال، الاستنتاج من «أنّ أغلب ما نعتقد به اليوم من ضروريات المذهب كان يعتبره البعض غلواً» أنّهم الأغلبية في ذلك الزمان. يصرّح الكاتب نفسه أنّ «القميين» كانوا على هذا الرأي. وحتى لو كان جميع القميين يعدّون الاعتقاد بالفضائل المختلف عليها غلواً فكيف لهم أن يكونوا أغلبية الشيعة في العالم الإسلامي؟ هل كانت مدارس المدينة وسامراء والكوفة وبغداد وغيرها أقلية في قبال مدرسة قم؟
إذاً، خلافاً لتصور الكاتب، لا تدلّ عبارة «عدّ الاعتقاد بها غلواً» على طغيان ذلك الرأي، وإنما تدلّ على أنّ منكري تلك الفضائل كانوا يعدّون المعتقدين بها غلاة، بغض النظر عن كونهم أكثرية أو أقلية في المجتمع. ولا يمكن استنتاج ذلك من هذه العبارة، بل يجب مراجعة المصادر التاريخية.
ب ـ علمنا في الفقرة الماضية أنّ الكاتب انتهج مغالطة «التعميم المجحف»، ولم ينتهِ بالمغالطة عند هذا الحد. وخطأه الأساسي هو أنّه يعتبر هذا القول شاهداً على مدعاه. وقد ادعى أنّ غالبية الشيعة حتى القرن الخامس كانوا يعتقدون بأنّ أئمة الشيعة غير منصوص عليهم، ولا يتمتعون بالعلم اللدني، وهم معرَّضون للزلل كسائر الناس، فكيف استشف من هذا القول أنّ الأمور المذكورة من الأمور الخلافية؟ ألم يصرّح بأنّ الشيخ الصدوق من الذين عدّوا إنكار سهو النبي والإمام غلواً وتجاوزاً، وفي المقابل اعتبر الشيخ المفيد جواز سهو النبي والإمام من مصاديق التقصير في حقهم؟ وألم يعتقد كلاهما بنص صريح أنّ الأئمة منصوص عليهم، ومنصوبون من قبل الله تعالى، ويتمتعون بالعلم اللدني والعصمة؟ وقد أيّد الكاتب ذلك.
وسواء كانت الأكثرية مع المفيد أو الصدوق، وكلاهما من التابعين لنظرية الأئمة المعصومين، فما علاقة الأمر بتأييد نظرية الأئمة غير المعصومين؟ والحق أنّ نزاع القميين والبغداديين، وإن عكّر الماء، لا يدع الكاتب أن يصطاد ما يشاء.
وقد وقع الكاتب هنا في مغالطة «وضع ما ليس بعلة علة»([17])؛ إذ عدّ إثبات النزاع حول سهو النبي إثباتاً للنزاع حول التنصيب الإلهي، والعلم اللدني، والعصمة. فما يحتاجه الكاتب لإثبات رأيه لا يمكن استنباطه منطقياً من تلك الأقوال.
2ـ اضطراب المتقدّمين في درجات الغلوّ والتقصير ــــــ
الشاهد الثاني: نقل الكاتب شاهده الثاني لإثبات مدعاه عن الوحيد البهبهاني، حيث قال: «إنّ الظاهر أنّ كثيراً من القدماء، ولا سيما القميين منهم (وابن الغضائري)، كانوا يعتقدون للأئمة^ منزلة خاصة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معينة من العصمة والكمال، بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوِّزون التعدي عنها، وكانوا يعدون التعدي ارتفاعاً وغلواً حسب معتقدهم، حتى أنهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلواً، بل ربما جعلوا مطلق التفويض إليهم، أوالتفويض الذي اختلف فيه كما سنذكر، أو المبالغة في معجزاتهم، ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم، أو الإغراق في شأنهم، وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص، وإظهار كثير قدرة لهم، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض، ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة به، ولا سيما أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين. (وبالجملة) الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية أيضاً. فربما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً، غلواً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً أو غير ذلك، وكان عند آخر مما يجب اعتقاده، أو لا هذا ولا ذاك([18]).
دراسة ونقد ـــــــ
قبل مناقشة ما استنتجه الكاتب من كلام الشيخ وحيد البهبهاني تجدر الإشارة إلى أمرين:
أـ تبدأ عبارة البهبهاني ﺒ «إن الظاهر…»، في حين أسقطها الكاتب في ترجمته لها. وقد نقلها بشكلها الصحيح بعد عدة أسطر حين عاد إليها. وتكمن أهمية ذلك في دلالتها على أنّ الشيخ البهبهاني لم يمتلك دليلاً خاصاً يستند إليه. وهو، كالمامقاني والخوئي وسواهما من علماء الرجال، يستند إلى الشواهد والقرائن المتوفرة لديه.
إذاً هذا الموضوع أساساً، كما الشاهدين الأول والثالث، لا يتعدى كونه رأياً، وإن كان صائباً، وتمتع بقبول عام في القرون المتأخرة.
ب ـ يصدق الجزء الأخير من كلام الشيخ البهبهاني، أي اختلاف العلماء في أصول العقائد، على كافة العصور، ولاسيما عصرنا الحاضر، ولا يختص بالقدماء. وقد وجدنا من كبار علماء الشيعة ومراجعهم من اختلفوا في الأصول، وحتى في أهم أصول معتقدات الموحِّدين، وهو توحيد الباري تعالى. فقد اعتبر البعض وحدة الوجود الشخصية، التي جاء بها ابن عربي وأتباعه في آثارهم، كفراً وإلحاداً، وفي المقابل عد ّبعض العلماء تلك النظرية توحيداً محضاً، وأطلقوا عليها توحيد خاصّ الخاص، كما اعتبروا إنكارها «تقصيراً» جلياً في التوحيد، وأرجعوه إلى القصور في الإدراك. لكن في نفس الوقت يؤمن كلا الطرفين بوحدانية الله، ويرى الآخر في مراتب عالية من الإيمان، ويؤيده. ولا توحي هذه الخلافات بأنّ أحدهم موحِّد، والآخر منكر للتوحيد.
وكذلك هو حال علماء الشيعة الإمامية الذين اختلفوا في كمالات الأئمة المعصومين وفضائلهم، فجميعهم مؤمن بتنصيبهم من قبل الله تعالى، وتمتعهم بالعلم اللدني، والعصمة، لكنهم اختلفوا في سعة هذا «العلم اللدني»، ومدى «قدرتهم». وهو ما يشير إليه الشيخ البهبهاني في ما ذكر من خلاف.
استنتاجات الكاتب من كلام الشيخ البهبهاني ـــــــ
الاستنتاج الأول: «كان رأي المتقدمين (علماء الشيعة حتى منتصف القرن الخامس) مختلفاً بشأن الأئمة. فما نسبه القدماء للأئمة كان أقل مما نسبه أخلافهم، حتى عدّوا الاعتقاد بأكثر من ذلك غلواً وإفراطاً في المذهب».
لقد وقع الكاتب في استنتاجه هذا في مغالطة «التعميم المجحف».
يقول الشيخ البهبهاني: «كثيراً من المتقدمين…»، لكن الكاتب عمَّم ذلك، فقال: «المتقدمين (علماء الشيعة حتى منتصف القرن الخامس)…».
إذاً هذا الاستنتاج باطل منطقياً.
وإن قيل: إنّ عبارة الشيخ كديور هذه قضية مهملة، وليست موجبة كلية، والمهملة في حكم الجزئية، إذاً ليس هناك مغالطة في الأمر.
أجبتُ: إننا لو فرضناها مهملة، وفي حكم الجزئية، فلا تؤدي غرضه؛ لأنّ الجزئية تصدق بتحقق أحد مصاديقها.
ويجب التنبيه أيضاً إلى أنّ «كثيراً من المتقدمين…»، لا تعني «غالب المتقدمين…»، أو «أكثر المتقدمين…». ولعلّ هذه الصيغة تستعمل للدلالة على عدد لا يتجاوز الأصابع. فمثلاً: إن قيل: كثيرٌ من المتقدمين كانوا علماء فلا يدلّ ذلك أبداً على أنّ غالب المتقدمين كانوا علماء، بل إنّ عدد العلماء الذي اعتبر «كثيراً» يكون قليلاً إن قيس بعدد غير العلماء.
الاستنتاج الثاني: «ممثلو الشيعة في القرون الأولى، أي المتقدمين، لم يسمحوا بتجاوز حدود معينة في أوصاف الأئمة. وكثير من الأوصاف فوق البشرية، التي نتحدث عنها، تقع خارج الدائرة التي حدَّدوها. هذا الرأي كان غالباً في عصره».
لقد تكررت مغالطة «التعميم المجحف» هنا أيضاً، فقد قال في الختام: «هذا الرأي كان غالباً في عصره». ومن الواضح أنّه لا يمكن الاستنتاج من كلام الشيخ البهبهاني غلبة معتقد القميين وابن الغضائري من القرن الثاني وحتى القرن الخامس، أو في عام ما، إلا بتعميم مجحف. ولا ننسى أنّ «كثيراً من المتقدمين» لا تعني «غالب المتقدمين» إطلاقاً، كي تستنتج غالبيتهم.
الاستنتاج الثالث: «كان مشايخ قم ـ وسوف نتطرق لتعريفهم بشكل مستقل ـ وأحمد بن الحسين البغدادي، المشهور بابن الغضائري (450هـ)، من منتقدي المعتقد الذي ينسب صفاتٍ فوق بشرية للأئمة».
وهنا نقول: إن أراد بـ «منتقدي المعتقد الذي ينسب صفاتٍ فوق بشرية للأئمة» من لا يعتقدون بتنصيب الأئمة من قبل الله، والنص على ذلك، وتمتعهم بالعلم اللدني والعصمة، فذلك ما لا يمكن استنتاجه من كلام الشيخ البهبهاني حول مشايخ قم وابن الغضائري، وحينئذ يكون الاستنتاج مبنياً على مغالطة وضع ما ليس بعلة علّة، وهي كاذبةٌ منطقياً.
وإن أراد بذلك من يعتقدون بنظرية الأئمة المعصومين، لكن يخالفون الغلو والتفويض حسب فهمهم، فهذا كلام صحيح، ولكن لا علاقة له بمدَّعاه.
الاستنتاج الرابع: «إنّ محاور الخلاف في صفات الأئمة، كما يرويها البهبهاني، هي: إمكان حدوث السهو، تفويض الأمور إلى الأئمة، المعجزات، الأمور الخارقة، شأن الأئمة، تنزيههم عن كثير من النواقص، علم الغيب، قدرة الأئمة. وتشترك جميع هذه المحاور في الأمور فوق البشرية المنسوبة للأئمة».
وهنا نقول: صحيح أنّ القميين والبغداديين اختلفوا في هذه الأمور، لكن ينبغي الالتفات إلى أنّه في بعضها، كحدوث السهو أو التفويض، كان الاختلاف على السلب أو الإيجاب. في حين أنّ الخلاف في أخرى كان على الشدة والضعف. كما أنّ القميين لم ينكروا معاجز الأئمة، ولذلك قال البهبهاني: «المبالغة في معاجز الأئمة»، ولم يقل أصل الإعجاز. وكذلك هو الأمر بالنسبة للقدرة، وخرق العادة، والعلم.
الاستنتاج الخامس: «لم تذكر صفة العصمة في تقرير الشيخ البهبهاني من الموارد الخلافية. فقد اعتبر المتقدمين مؤمنين بدرجة متدنية من العصمة. فهل العصمة من الأمور المشككة، ولها مراتب، أم أنّ الأمر متواطئ، ويدور بين النفي والإثبات (فإما أن يعتقدوا بعصمة الأئمة أو لا)؟ لا يبدو هذا الأمر صائباً في تقرير البهبهاني، كما سنذكر في الشاهد الثالث، إذ شمل الخلاف العصمة أيضاً».
وهنا نقول: خلافاً لرأي الكاتب فإن العصمة أمر مشكك ذو مراتب. فجمهور متكلمي الشيعة ينزِّهون النبي والأئمة عن أية معصية أو خطأ أو نسيان. في حين أنّ جماعة أخرى، كبعض القميين، يجوِّزون الخطأ والنسيان في الأمور التي لا تتعلق بتلقي الوحي، أو حفظه، أو إبلاغه، أو تفسيره في ما يخصّ النبي، وما عدا تلقيه في ما يخص الأئمة؛ إذ يختص النبي بذلك. فحتى لو لم يصدق القول تاريخياً، وقد صدق، فقد أخطأ كديور في عدم تعدد مراتب العصمة، وتخطئة الوحيد البهبهاني؛ إذ إنّ الأمر متصوّر.
3ـ موقف الشهيد الثاني ومعياريّة الإيمان ـــــــ
نقل الكاتب مقاطع من كتاب «حقائق الإيمان»، للشهيد الثاني، وعدّها شاهداً على مدعاه. فقد بدأ بتساؤلات الشهيد الثاني حول الإيمان بالنبوة، قائلاً: وهل يعتبر في تحقق الإيمان التصديق بعصمته وطهارته وختمه الأنبياء، بمعنى أنه لا نبي بعده، وغير ذلك من أحكام النبوات وشرائطها؟
يظهر من كلام بعض العلماء ذلك، حيث ذكر أن من جهل شيئاً من ذلك خرج عن الإيمان، ويحتمل الاكتفاء بما ذكرناه من التصديق بها إجمالاً.
ويقول محقاً: «إنّ الشهيد الثاني يميل إلى الإجابة الأخيرة، أي الاكتفاء بالتصديق الإجمالي، وعدم وجوب التصديق التفصيلي، كشرط للإيمان». ثم ينقل كلام الشهيد حول الأصل الرابع الذي يتوقف عليه الإيمان، حيث يقول: «الأصل الرابع: التصديق بإمامة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين. هذا الأصل اعتبره في تحقق الإيمان الطائفة المحقّة الإمامية، حتى أنه من ضروريات مذهبهم، دون غيرهم من المخالفين، فإنه عندهم من الفروع. ثم إنه لا ريب أنه يشترط التصديق بكونهم أئمة يهدون بالحق، وبوجوب الانقياد إليهم في أوامرهم ونواهيهم؛ إذ الغرض من الحكم بإمامتهم ذلك، فلو لم يتحقق التصديق بذلك لم يتحقق التصديق بكونهم أئمة».
ثم يتساءل الشهيد عما إذا كان التصديق التفصيلي بعصمتهم، والنص عليهم، وعلمهم اللدني، وكونهم محدَّثين، وأمثالها، ضرورياً في تحقق الإيمان، أو يكتفى بالاعتقاد الإجمالي بإمامتهم ووجوب طاعتهم؟ ثم يقول مجيباً: فيه الوجهان السابقان في النبوة. ويمكن ترجيح الأول بأنّ الذي دلّ على ثبوت إمامتهم دلّ على جميع ما ذكرناه، خصوصاً العصمة؛ لثبوتها بالعقل والنقل. وليس بعيداً الاكتفاء بالأخير، على ما يظهر من حال رواتهم ومعاصريهم من شيعتهم في أحاديثهم؛ فإن كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون عصمتهم؛ لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار. يعرف ذلك من تتبع سيرهم وأحاديثهم. وفي كتاب أبي عمرو الكشي جملة مطلعة على ذلك، مع أنّ المعلوم من سيرتهم^ مع هؤلاء أنهم كانوا حاكمين بإيمانهم، بل عدالتهم([19]).
استنتاجات كديور، مطالعة وتقويم ــــــ
وقد استنتج الكاتب أموراً غريبة من كلام الشهيد:
أـ يرى الشهيد الثاني أنّ من يعتقد بالإمامة، ويلتزم باتباع أوامر الأئمة ونواهيهم، لكن لا يؤمن بتفاصيل، كالعصمة، والنص الإلهي عليهم، وتمتعهم بالعلم اللدني، لا يستبعد إيمانه وتشيعه. إذاً قد يكون شخص ما شيعياً، ومعتقداً بالإمامة، بمعنى أن يتبع في الفكر والعمل الأئمة، دون أن يعتقد بصفات فوق بشرية لهم. فليس الاعتقاد بعصمتهم، وتمتعهم بالعلم اللدني، والنص الإلهي عليهم، من ذاتيات التشيع؛ إذ لا يستبعد التشيع والإيمان المذهبي لمن لا يعتقد بها.
إن ما قاله الكاتب ينم عن سوء فهم لكلام الشهيد الثاني. ولاستبانة رأي الشهيد ينبغي مراجعة كلامه حول النبوة في نفس الفصل، والذي لم يترجمه كديور.
يذكر الشهيد في مستهل نفس الفصل أنّ ثالث أمر يجب الإيمان به هو تصديق نبوة محمد‘، وجزئيات تعاليمه المعلومة بتفصيل، وإجمال ما هو معلوم مجملاً. ثم يقول: لا يستبعد أن يجزي التصديق الإجمالي لكل ما أتى به لتحقق الإيمان. وإن أمكن للمكلف تحصيل العلم التفصيلي به فعليه ذلك في ما يتعلق بالعمل.
لكن كيف الأمر في ما يتعلق بالمبدأ والمعاد، اللذين أخبر عنهما الرسول، كالسؤال في القبر، والمعاد الجسماني؟ هل يشترط في تحقق الإيمان التصديق التفصيلي بها؟
يقول الشهيد الثاني: صرّح بعض العلماء بوجوب التصديق التفصيلي بها، لكن يبدو أن التصديق الإجمالي بها مجزٍ، بمعنى أن يؤمن المكلَّف بكل ما أتى به النبي، وحيثما اتضح لديه تفصيل أمر عن النبي يؤمن به، وإن لم يسمع به من قبل.
وما يؤيد هذا الرأي أنّ المسلمين في الصدر الأول لم يعرفوا تفاصيل تعاليم النبي، بل تعلَّموها تدريجياً، وعلى الرغم من ذلك عدّوا مسلمين. فلو اشترط العلم التفصيلي لخرج هؤلاء جميعاً من دائرة الإسلام.
ثم يطرح الشهيد الثاني نفس السؤال الذي أورده كديور، فيتساءل عما إذا اشتُرط التصديق التفصيلي بعصمة النبي وطهارته وخاتميته، أو اكتفي بالتصديق الإجمالي؟
يميل الشهيد ـ كما يقول كديور ـ إلى الوجه الثاني، أي الاكتفاء بالتصديق الإجمالي. لكن هل يتيح لنا ذلك الاستنتاج بأنّ الشهيد لا يعتبر الاعتقاد بعصمة النبي وخاتميته من شروط تحقق الإيمان، فيمكن ـ حسب رأي الشهيد الثاني ـ الاعتقاد بعدم عصمة النبي وخاتميته، وتحقق الدخول في الإسلام؟
كل ما يسعنا قوله هنا علينا قوله عن عصمة الإمام، والنص عليه، وعلمه اللدني؛ إذ أجاب الشهيد صراحة، حين السؤال عن وجوب التصديق التفصيلي بهذه الأمور: «فيه الوجهان السابقان في النبوة»، أي وجه لزوم الاعتقاد التفصيلي، ووجه كفاية التصديق الإجمالي. ثم قال: يؤيد البعض الوجه الأول، ولا يستبعد أن يجزي الوجه الثاني.
ولا نغفل أنّ الشهيد يرى الإيمان أمراً مشككاً ذا مراتب([20]). ويتّضح من بيانه هذا أنه يجد الاعتقاد الإجمالي بالنبوة ولوازمها، والإمامة ولوازمها (أي الصفات التي نتحدث عنها)، مرتبة دانية من الإيمان. فعلى حد تعبيره: لا يستبعد أن يتحقق الإيمان بالتصديق الإجمالي لإمامتهم. فهل تدلّ عبارة «لا يستبعد» على أنه يجدها مرتبة عالية من الإيمان، أو تكشف عن تشكيكه في أصل تحقق الإيمان، وإن لم يكن شكّك في أصل تحقق الإيمان فقد اعتبرها أدنى مراتب الإيمان، أي على حدّ عدم الإيمان.
ب ـ كان لدى كثير ممن عاصروا الأئمة انطباعاً بشرياً عنهم، ولم يتصوّروا أموراً فوق بشرية لهم. وقد نزعوا إلى التشيع من بين التصورات المختلفة عن الإسلام؛ لأنهم وجدوا الصيغة العلوية، والمنطبعة عن باقي الأئمة، أتقن وأفضل. كما وجدوا الأئمة أسوة عملية للإسلام الحقيقي.
من الواضح أنّ التعامل مع العلماء الأبرار لم يكن تعبدياً، ولا تقليداً أعمى، بل تعاملاً عن وعي وتمحيص. يمكن مناقشة العالم البار، وحتى نقده ومساءلته، والأخذ برأيه بعد الاقتناع.
هؤلاء الشيعة، وإن عدّوا أئمتهم أعلم وأفضل، لكن لم يتّبعوهم لتمتعهم بأوصاف فوق بشرية، بل لأنهم وجدوهم على حق نظرياً وعملياً، فاقتدوا بهم. وهذه هي ملامح التشيع الأول.
وفي سياق تقييمنا لهذا الكلام نقول: هل يُستنبط هذا الدفاع الحداثوي عن نظرية الأئمة غير المعصومين حقاً من كلام الشهيد؟! ألا يمكن الدفاع عن الاعتقاد بعدم عصمة النبي بنفس الطريقة؟ وهل أن اتّّباع النبي والأئمة المعصومين تقليد أعمى، لكن التعامل مع العلماء الأبرار عن وعي وتمحيص؟ لسنا في معرض الحديث عن هذا الموضوع، لكن هل يفهم هذا الرأي (في تعريف التشيع الأول) من كلام الشهيد؟!
إضافة لذلك، فإن الشهيد الثاني ـ وحسب قول الكاتب ـ يعتبر كتاب الكشي مصدره في قوله، وكتاب الكشي موجود بين أيدينا. إذاً التقرير التاريخي الذي نقله الشهيد يساوي في اعتباره الشواهد الموجودة في كتاب الكشي على هذا المدعى. فرأي الشهيد الثاني في هذا الموضوع، حتى وإن دلّ على ما يدّعيه الكاتب، لا قيمة له بحد ذاته. إذاً، الشاهد الثالث ـ وخلافاً لتصور الكاتب ـ ليس أفضل من الشاهدين السابقين.
العلماء المؤيدون لنظرية «العلماء الأبرار» ـــــــ
خصص الكاتب شطراً من بحثه لتعريف العلماء البارزين المعتقدين بنظريته «المنسية». وبناء على ما مضى لا يعتقد هؤلاء بتنصيب الأئمة من قبل الله تعالى، ولا بتمتعهم بالعلم اللدني، والعصمة. فإن تمكّن الكاتب من تقديم أدلة ومستندات معتبرة على ذلك علينا القبول بأنهم يعتقدون بنظرية الأئمة غير المعصومين، وإلاّ فإن مدّعاه كدعوى مَنْ عدّ الحلاج شيوعياً. أما هؤلاء العلماء، فهم:
1ـ ابن الغضائري ـــــــ
أول من عدّه كديور من المعتقدين بنظرية الأئمة غير المعصومين هو ابن الغضائري.
يقول الكاتب: إنّ ابن الغضائري «كان يدرس نص الروايات المنقولة عن كل راوٍ، فإن وجدها تتجاوز الحد المتعارف في الاعتقادات، وتبلغ حدّ الارتفاع والغلو، حسب مبانيه، ضعّف الراوي، واتهمه بالكذب ووضع الحديث».
ثمّ ينقل رأي جماعة من علماء الرجال في ابن الغضائري، ويقول: ما نستنتجه من كلام العلماء عن ابن الغضائري، وتؤيده مراجعة كتابه، أن اعتقاد ابن الغضائري بالأئمة يختلف جوهرياً عن الاعتقاد السائد منذ القرن الخامس…، وإن لم يسعنا الحديث بجزم عن رأيه في «حدود الاعتقاد المعتدل حول صفات الأئمة»؛ لعدم وصول أغلب كتاباته إلينا، لكن يمكننا القول بثقة: إنّه من المنتقدين المهمين لنسبة الأمور فوق البشرية للأئمة. كما أنه من أشد علماء الشيعة غيرة وحرصاً على القول بالمنحى البشري في الإمامة، أو نظرية العلماء الأبرار.
إن مطالعة كتابه، وإمعان النظر في آرائه الاجتهادية، والتي تعتمد على رؤيته الاعتقادية الخاصة بالأئمة ـ والتي أشار إلى مبانيها بإيجاز ـ، يبدد أيّ إبهام في هذا الخصوص.
نقد وتعليق ــــــ
ترد على هذا الكلام عدة ملاحظات:
الأولى: مَنْ كان دأبه نقل النصوص مطولة عن الشهيد الثاني والوحيد البهبهاني؛ للتشبث بأضعف شاهد، لو وجد أقل مؤيد من كلام ابن الغضائري لنقله، ولم يكتفِ بادعاء أنّ «إمعان النظر في الآراء الاجتهادية لابن الغضائري يبدد أي إبهام في هذا الخصوص»، بدل تقديم الدليل عليه.
إلى هنا يمكن للطرف المقابل أيضاً الادعاء بثقة أنّ ابن الغضائري لم يكن من المنتقدين الأساسيين، أو حتى غير الأساسيين، لنظرية النص على الأئمة من قبل الله، وتمتعهم بالعصمة، والعلم اللدني.
الثانية: يكشف التأمل في كتاب ابن الغضائري، الموجود بين أيدينا، أنّه لم يتهم الرواة بالغلو بسبب نقلهم فضائل أهل البيت، بل إنّ الاتهام بالغلو في كلامه جاء من سنخ الاتهام بالغلو في الذات.
فأولاً: من الرواة الذين وثّقهم محمد بن أورمة القمي. وهو من رواة فضائل أهل البيت. فلو كان يعتبر هذه الفضائل غلواً لما وثّقه.
وثانياً: إن روايات الفضائل التي يعتبرها الكاتب صفات فوق بشرية قد وردت بكثرة في كتب «الكافي»، و«بصائر الدرجات»، و«كامل الزيارات». وهي من الكتب التي كانت في متناول ابن الغضائري. فلو كان يتهم الرواة بالغلو بسبب نقل أمثال هذه الروايات لاتهم كثيراً من هؤلاء.
وثالثاً: لو كان ابن الغضائري يتهم الرواة بالغلو؛ لنقلهم روايات الفضائل، كان لزاماً عليه اتهام جميع الرواة في سلسلة السند، لا بعضهم فقط. في حين أنه يتهم بعض الرواة من أول السند، وبعض من الوسط، وآخرين من نهايته. وهذا دليل على أنه لم يتهمهم لنقلهم هذه الروايات. فلعله وجد أموراً عندهم تكشف شكلاً من أشكال الغلو في الذات لديهم.
وفي نفس الوقت قد يكون ابن الغضائري وقع في نوعين من الخطأ: الأول: تشخيص مفاد الرواية، وهل أنها تعكس الغلو في الذات، أو الغلو في الصفات؟ فمثلاً: إن نُسب علم الغيب في الرواية إلى الأئمة المعصومين، وفهمت على أنها علم الغيب الذاتي والمطلق، عدّت من صنع الغلاة؛ في حين لو فهمت بمعنى علم الغيب الملهم والمحدود، وكان السند صحيحاً، عدّت صحيحة. الثاني: إن ابن الغضائري لم يلتفت إلى أنّ الغلاة الوضّاعين، كالمغيرية والخطابية، الذين كانوا يضعون الحديث مع سنده، قد ينسبون أحاديثهم الموضوعة إلى الرواة الذين اتهمهم.
الثالثة: لنفترض أنّ ابن الغضائري اتهم البعض بالغلو؛ بسبب نقل بعض الروايات في فضائل الأئمة، فهل يدلّ ذلك على إنكاره عصمة الأئمة وعلمهم اللدني؟ ألم يذهب الشيخ الصدوق مذهب أستاذه ابن الوليد في أنّ منكر جواز سهو النبي والإمام غالٍ، فهل كان منكراً لعصمة الأئمة وعلمهم اللدني؟ وكذلك هو الحال بالنسبة لابن الغضائري.
2ـ ابن جنيد الإسكافي ـــــــ
إن ثاني من نسب له كديور نظرية الأئمة غير المعصومين هو ابن الجنيد. ودليله في ذلك رأي ابن الجنيد في علم الأئمة، وهو أنّ «كلام الأئمة يمثّل آراءهم».
ويستشهد كديور؛ لإثبات هذا المدعى، بأمرين: الأول: كلام الشيخ المفيد؛ والثاني: كلام السيد المرتضى. وقد استنتج الكاتب من كلامهما أن ابن الجنيد أنكر علم الأئمة اللدني. إذاً هو لا يعتبرهم معصومين.
الشاهد الأول من كلام الشيخ المفيد: يشير الشيخ المفيد في رسالة «المسائل السروية» إلى المسائل المصرية لابن الجنيد، قائلاً: وأجبت عن المسائل التي كان ابن الجنيد جمعها وكتبها إلى أهل مصر، ولقّبها بـ «المسائل المصرية»، وجعل الأخبار فيها أبواباً، وظنّ أنّها مختلفة في معانيها، ونسب ذلك إلى قول الأئمة^ فيها بالرأي([21]).
ولتقييم هذا الشاهد ينبغي الالتفات إلى أمرين:
أولاً: إن ابن الجنيد من المعدودين الذين اختلف العلماء فيهم، وقد وردت آراء متناقضة حوله. أمّا اختلاف القميين معه فأمر طبيعي؛ إذ إنه من أصحاب مدرسة بغداد. لكن البغداديين، كالشيخ المفيد([22])، والسيد المرتضى، والشيخ الطوسي([23])، لم يبالوا به أيضاً، ولم يعتبروا آراءه الفقهية المخالفة مخلّة بانعقاد الإجماع([24])، وكان مذهبه الفقهي مهملاً إلى القرن السادس. ثم منذ هذا القرن قام بعض العلماء بتوثيقه وتبرئته من القول بالقياس، كابن إدريس، والعلامة الحلي، والسيد بحر العلوم([25])، والعلامة المامقاني([26])، والسيد الخوئي([27])، والسيد السيستاني([28]). وعلى الرغم من ذلك ما زال بعضٌ من كبار العلماء في هذه الفترة لا يعدّون آراءه الفقهية المخالفة مخلة بالإجماع([29]).
ثانياً: لقد شكك بعض المختصين في انتساب رسالة المسائل السروية إلى الشيخ المفيد.
يقول السيد الخوئي: إنّ النجاشي والطوسي، اللذين استقصيا تأليفات المفيد، لم يذكرا هذا الكتاب. ثمّ إنّ كلّ هذا الجدل واللغط الذي أثير حوله كان بسبب رأيه في القياس، وهو من مسائل أصول الفقه، فكيف يمكن أن يغفلا مسألة أساسية كهذه، أي نسبة الرأي للإمام، والتي يسبب القول بها الخروج من المذهب؟([30]). إذاً تنتفي هذه النسبة من الأساس.
ثم هل تجوز نسبة اعتقاد كهذا إلى شخصية كابن الجنيد دون توفر وثائق عنه أو عن أشخاص غير منحازين يروون مباشرة عنه أو عن كتاباته، والحكم عليه معتمدين في ذلك على كلام شخص واحد، وإن كان عادلاً وثقة؟ فإن اعتبرنا الناقل معصوماً جاز الاعتماد عليه، وإلا فلا يمكننا ذلك.
وقد يقول الكاتب: إنه لم يحكم بالاعتماد على كلام شخص واحد، بل لديه شاهدان عادلان. لكن الحقيقة أنّ الشاهد الآخر يشهد ضده، وليس ضد ابن الجنيد.
الشاهد الثاني من كلام السيد المرتضى: عدّ السيد المرتضى رأي ابن الجنيد ضرباً من الاجتهاد والاستنباط، فرفضه. ثم قال في بيان خطأ ابن الجنيد: «ووجدت لابن الجنيد كلاماً في هذه المسألة غير محصل؛ لأنه لم يكن في هذا دلالة، ولا إليه دراية، يفرّق بين علم النبي بالشيء وبين علم خلفائه وحكامه. وهذا غلط منه؛ لأن علم العالمين بالمعلومات لا يختلف، فعلم كل عالم بمعلوم بعينه كعلم كل عالم به.
فلو شهد النبي‘ أو الإمام علي× أو خلفائه حدوث الجريمة المسببة للحد الشرعي فعلمهم جميعاً على حد سواء في الاعتبار. ثم ينقل السيد المرتضى استدلال ابن الجنيد على بطلان الحكم بالعلم لغير النبي كما يلي: وجدت الله تعالى قد أوجب للمؤمنين فيما بينهم حقوقاً، أبطلها فيما بينهم وبين الكفار والمرتدين، كالمواريث، والمناكحة، وأكل الذبائح. ووجدنا الله تعالى قد أطلع رسوله‘ على من كان يبطن الكفر ويظهر الإسلام، فكان يعلمه، ولم يبيّن‘ أحوالهم لجميع المؤمنين، فيمتنعون من مناكحتهم وأكل ذبائحهم.
إذاً يختلف علم النبي عن علم الأئمة والقضاة من حيث المنشأ، فينبغي أن تختلف آثاره الفقهية.
يعدّ السيد المرتضى استدلال ابن الجنيد في اختلاف علم النبي عن عامة المؤمنين غير تام؛ إذ يرفض من ناحية أنّ الله أطلع نبيه على نفاق المنافقين، ومن ناحية أخرى يعتبر إسقاط حقوق، كجواز النكاح، والإرث، وأكل الذبائح، مختصاً بمن يعلن كفره وارتداده، ولا يشمل من يضمره في قلبه([31]).
وقبل أن أشرع في بيان المواضع التي أختلف فيها مع فهم الدكتور كديور للنص الذي استشهد به أرى من الضروري توضيح أمر حول موضوع البحث. يقول السيد المرتضى في «الانتصار»: «ومما ظنّ انفراد الإمامية به، وأهل الظاهر يوافقونها فيه، القول بأنّ للإمام والحكام من قبله أن يحكموا بعلمهم في جميع الحقوق والحدود من غير استثناء، وسواء علم الحاكم ما علمه وهو حاكم، أو علمه قبل ذلك، وقد حكي أنه مذهب لأبي ثور»([32]).
ثم ينقل السيد الأقوال التسعة لأبناء العامة، ويضيف: «فإن قيل: كيف تستجيزون ادعاء الإجماع من الإمامية في هذه المسألة، وأبو علي بن الجنيد يصرّح بالخلاف فيها، ويذهب إلى أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في شيء من الحقوق والحدود.
قلنا: لا خلاف بين الإمامية في هذه المسألة. وقد تقدم إجماعُهم ابن الجنيد، وتأخَّر عنه، وإنّما عوّل ابن الجنيد فيها على ضرب من الرأي والاجتهاد. وخطأه ظاهر»([33]).
ثم يذكر السيد شواهد من حياة النبي‘ والإمام علي×. وهي مشهورة لدى الإمامية، فلا تخفى عن ابن الجنيد، وهو غير معذور في تفرّده وخروجه على إجماع الإمامية.
ويتابع السيد المرتضى قائلاً: «والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه، زائداً على الإجماع المتردد، قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ} (النور: 2)، وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} (المائدة: 38). فمن علمه الإمام سارقاً أو زانياً، قبل القضاء أو بعده، فواجبٌ عليه أن يقضي فيه بما أوجبته الآية من إقامة الحدود»([34]).
ثم يصرّح السيد بأنّ هاتين الآيتين تحملان على علم القاضي أو الحاكم، لا على الشهادة أو الإقرار. فلو أقرّ أحد بالزنا أو السرقة، أو شهد عليه جماعة، لا يمكن اعتباره زانياً أو سارقاً، بل إن تنفيذ الحدود في هذه الموارد من باب اتباع حكم الشارع. أما الزاني أو السارق الحقيقي فهو من يقوم بهذه الأفعال في العالم الخارجي([35]).
ويقول السيد متابعاً: «ووجدت لابن الجنيد كلاماً في هذه المسألة غير محصل، لأنه لم يكن في هذا دلالة، ولا إليه دراية، يفرّق بين علم النبي‘ بالشيء وبين علم خلفائه وحكامه. وهذا غلط منه؛ لأن علم العالمين بالمعلومات لا يختلف، فعلم كل عالم بمعلوم بعينه كعلم كل عالم به. وكما أنّ النبي‘ أو الإمام× إذا شاهدا رجلاً يزني أو يسرق فهما عالمان بذلك علماً صحيحاً، فكذلك من علم مثل ما علماه من خلفائهما، والتساوي في ذلك موجود. ووجدته يستدل على بطلان الحكم بالعلم بأن يقول: وجدت الله تعالى قد أوجب للمؤمنين فيما بينهم حقوقاً أبطلها فيما بينهم وبين الكفار والمرتدين، كالمواريث والمناكحة وأكل الذبائح، ووجدنا الله تعالى قد أطلع رسوله‘ على من كان يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وكان يعلمه، ولم يبيّن‘ أحوالهم لجميع المؤمنين، فيمتنعون من مناكحتهم وأكل ذبائحهم. وهذا غير معتمد؛ لأنا…»([36]).
إنّ الصيغة المنطقية لاستدلال ابن الجنيد كما يلي:
أـ جعل الله بين المسلمين حقوقاً، كالإرث والزواج، ولم يجعلها بينهم وبين الكفار.
ب ـ كان هناك من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وعرّف الله نبيه بهم، لكن النبي لم يعمل بعلمه اللدني، ولم يطلع المسلمين على ذلك، فكان المسلمون يأكلون ذبائحهم، ويناكحونهم.
والنتيجة: علم القاضي لا حجية له، وإن كان نبياً.
ويرى السيد المرتضى استدلال ابن الجنيد على عدم اعتبار علم القاضي وحجيته خاطئاً، ولا يؤيده في أنّ الله أطلع نبيه على نفاق المنافقين. ثمّ يحصر إبطال بعض الحقوق، كجواز الزواج والإرث وأكل الذبائح، بمن أشهر كفره، لا من أضمره في قلبه([37]).
اتضح مما مضى أنّ السيد المرتضى ادعى الإجماع في أنّ القاضي، سواء كان نبياً أو إماماً أو من القضاة المنصوبين من قبلهم، يمكنه الحكم بموجب علمه. وفي المقابل ـ وبناء على نقل السيد في هذا الكتاب ـ يرى ابن الجنيد عدم جواز ذلك مطلقاً.
إذاً، خلافاً لما تصوّر وادعى كديور، لم يختلف السيد وابن الجنيد، لتمييز الأخير بين علم النبي والأئمة، وإنكار علم الأئمة اللدني، بل إن خلافهم هو حول حجية علم القاضي بشكل عام. وهناك ثلاث قرائن عليه:
أـ سياق النص: إنّ موضع الخلاف ـ كما رأينا ـ هو حجية علم القاضي بشكل مطلق، حيث يعتقد السيد بحجيته، ويدّعي انعقاد الإجماع على ذلك. وبناء على نقل السيد فإن ابن الجنيد يرفضه مطلقاً.
يقول السيد محاججاً ابن الجنيد: كما أنّ النبي أو الإمام لو شاهدا أمراً يكون علمهما به معتبراً فكذلك هو الأمر بالنسبة للقضاة المنصوبين من قبلهم.
فهل من الممكن أن يحاجج السيد ابن الجنيد بهذا الأسلوب لو كان الأخير يرى فارقاً أساسياً بين منشأ علم النبي والإمام؟ من الواضح أنه لا يمكنه ذلك. إذاً لم يفهم السيد من كلام ابن الجنيد أنه ينكر علم الإمام اللدني، أو يميّز بين علمه وعلم النبي. ولذلك لم يسْعَ السيد لإثبات أنّ علم الإمام لدني، كعلم النبي. بل سعى لإثبات أن علم القاضي غير المعصوم حجة في أمر القضاء، كما هو الحال بالنسبة لعلم النبي والإمام.
ولو لم يقتطع كديور النص، وترجم هذه الفقرة المكملة لما اقتطعه من استدلال السيد المرتضى، وتدبّر فيها، لما أساء فهمها، ولما أوردها شاهداً على مدعاه.
ب ـ يؤيدني تفسير العلماء لهذه العبارات على مدى القرون. ففي حين طرح عشرات الفقهاء المسألة كما بيّنتها([38]) لم يروها أحدٌ منهم كما جاء بها كديور.
ج ـ المؤيد الآخر للبيان المشهور، الذي أوردته، هو التعارض الذاتي لقراءة كديور.
فأولاً: لقد أخطأ كديور في ترجمة عبارة السيد المرتضى. وقد تكون هذه الترجمة الخاطئة هي منشأ التفسير الخاطئ الذي قدّمه؛ إذ قال السيد المرتضى في بيان استدلال ابن الجنيد، نقلاً عنه: «ووجدنا الله تعالى قد أطلع رسوله‘ على من كان يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وكان يعلمه، ولم يبيّن‘ أحوالهم لجميع المؤمنين». ومن الواضح أنّ فاعل (أطلع) هو الله، لكن فاعل (لم يبيّن) هو النبي. لكن الشيخ كديور عدّ الله فاعلاً لكلا الفعلين في ترجمته. وقد أدّى هذا الخطأ، وكذلك الفهم الخاطئ لمجموع القضية، إلى استنتاجٍ خاطئٍ بأنّ علم النبي يختلف من حيث المنشأ عن علم الأئمة والقضاة، ولذلك تكون آثاره الفقهية مختلفة أيضاً.
وثانياً: بناء على ترجمة كديور فقد ميّز ابن الجنيد من ناحية بين علم النبي وعلم الأئمة، وأعطى النبي علماً لدنياً، دون الأئمة. ومن ناحية أخرى رفض السيد المرتضى رأي ابن الجنيد، وأنكر علم النبي اللدني بنفاق المنافقين. إذاً ينبغي أن لا يعتقد السيد المرتضى بالعلم اللدني للإمام، ولا حتى للنبي. ولو التفت كديور إلى ذلك لاتخذه شاهداً أقوى على شيوع القراءة البشرية للإمامة لدى الشيعة في تلك العصور، قراءة تنكر الصفات فوق البشرية للنبي أيضاً، وخاصةً أنّ أحداً لم يشكّك في اعتبار السيد المرتضى.
إضافة لكل ذلك فإن هناك مصدراً مهماً آخر يكشف أنّ رأي ابن الجنيد حول علم القاضي كان على نحو آخر؛ إذ ينقل الشهيد الثاني في كتابه «مسالك الأفهام» رأي ابن الجنيد الوارد في كتابه «فقه الأحمدي» كما يلي: «يحكم الحاكم في ما كان من حدود الله عزّ وجلّ بعلمه، ولا يحكم في ما كان من حقوق الناس إلا بالإقرار أو البيّنة»([39]).
وبعد أن نقل الشهيد هذا الرأي، وما نسبه السيد المرتضى في «الانتصار» إلى ابن الجنيد، تابع قائلاً: «فلعلّ ابن الجنيد ذكر ذلك في كتاب آخر. وهذا القول الذي نقلناه عنه من كتابه لم يذكره الأصحاب عنه، وإنما نقلوا عنه القول بأنّ الحاكم لا يحكم بعلمه في شيء من الحقوق ولا الحدود. وهذا نقل ثالث عنه»([40]).
إذاً هناك رأيان منسوبان لابن الجنيد؛ فقد عدّه السيد المرتضى قائلاً بعدم جواز الحكم استناداً لعلم القاضي بصورة مطلقة؛ واعتبره الشهيد الثاني قائلاً بالتفصيل بين الحدود والحقوق، بمعنى أنّه يقبل القضاء استناداً لعلم القاضي في الحدود، لكنه يرفضه في الحقوق.
فهل يمكن نسبة ما ادعاه كديور لابن الجنيد، والخروج بتلك النتائج؟!
3ـ مشايخ قم ـــــــ
ادّعى كديور في الختام أنّ «مشايخ قم كانوا من منكري نسبة الأوصاف فوق البشرية للأئمة، ومن القائلين بالنزعة البشرية في الإمامة».
لكن ولإثبات هذا المدعى عليه الإتيان بوثائق تدل على عدم اعتقاد مشايخ قم بتمتع الأئمة بالعصمة والعلم اللدني، والنص عليهم. لكنّه أشار إلى كلام المامقاني والبهبهاني الذي مرّ ذكره، ثمّ قال: «مراجعة الكتب الرجالية، كرجال النجاشي، أو رجال الكشي، واستخراج أسماء الرواة الذين هم في عداد غير الموثوق بهم من قبل مشايخ قم، يكشف التباين الأساسي بين مبانيهم الكلامية والاعتقادية وبين المعتقدات الشائعة لدى الشيعة منذ القرن الخامس».
ثمّ دخل عالم البحث والتمحيص، ونقل شواهد عن الشيخ الصدوق والشيخ المفيد؛ لإثبات مدعاه.
وفي ما يلي أنقل شواهده وما خرج به من نتائج:
أـ الشيخ الصدوق: أول شاهد نقله كديور عن الناطق باسم القميين وممثلهم، الشيخ الصدوق، وهو بدوره رواه عن أستاذه ابن الوليد، كما يلي: «أوّل درجة في الغلو نفي السهو عن النبي‘، ولو جاز أن تردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن تردّ جميع الأخبار، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة([41]).
وبعد أن نقل الكاتب نصين آخرين عن الشيخ الصدوق، وأقرّ بأنّ «الشيخ الصدوق هو من المعتقدين بالأوصاف فوق البشرية للأئمة، ومنها: العصمة، والعلم اللدني، والنص الإلهي، والمعجزة، و…»([42])، قال: نظراً لتقرير الشيخ الصدوق يمكننا القول بأنّ الأمور الثلاثة التالية كانت مقبولة لدى القميين في القرنين الثالث والرابع:
1ـ أجاز الشيعة السهو على النبي خارج دائرة التبليغ والنبوة. فمن الأولى أن يجيزوه للأئمة. وهذا الأمر متفرِّع على المنحى البشري بالنسبة للأئمة.
2ـ لم تكن الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة غير معروفة لدى الشيعة في هذا العصر فحسب، بل كانوا يعتبرون القائل بها من المفوِّضة والغلاة.
3ـ كان رأي مشايخ قم في تقابل تام مع رأي المفوضة. فمن اتهم مشايخ قم بالتقصير في حق الأئمة، ولم يُقرّ باعتدالهم العقائدي، وعدّ للأئمة أوصافاً لم يقولوا هم^ بها، كان في عداد المفوِّضة.
إن نزاع المفوضة مع مشايخ قم، وقد سمّاه المفوضة نزاع الشيعة مع المقصِّرة، يكشف عن وجود رؤيتين مختلفتين لأوصاف الأئمة؛ فيعتقد المفوضة بتمتع الأئمة بأوصاف فوق بشرية؛ بينما ينكر مشايخ قم هذه الأوصاف.
وتجدر الإشارة إلى عدة نقاط حول تقييم هذه الاستنتاجات:
1ـ من لوازم الاستنتاج الأول كون مشايخ قم من منكري الأوصاف فوق البشرية للنبي‘، كالوحي والعصمة؛ فإنهم لم يقولوا بجواز السهو للأئمة فقط، بل عنوان القضية هو جواز «سهو النبي» أو «سهو النبي والإمام». فإن كان الاعتقاد بإمكان سهو الإمام «متفرعاً على المنحى البشري للإمامة» فكذلك الحال بالنسبة للاعتقاد بإمكان سهو النبي؛ إذ يكون متفرِّعاً على المنحى البشري للنبوة.
2ـ كيف يلازم الاعتقاد بإمكان السهو في غير تبليغ الدين وتبيينه إنكار النص الإلهي والعلم اللدني والعصمة؟! نعم، يتنافى القول بإمكان سهو النبي أو الإمام مع عصمتهم من السهو في غير مجال تبليغ الدين، الذي كان القميون يعتقدون به، لا مع العصمة بصورة مطلقة. وقد أشرنا في ما سبق إلى أن اختلاف القميين عن الآخرين في درجة العصمة، والشدة والضعف، لا السلب والإيجاب.
3ـ لا صلة للاستنتاج الثاني، أي فتوى الشيخ الصدوق حول الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، بالموضوع إطلاقاً.
4ـ بناء على المقطع الأخير من كلام كديور، حيث قال: «اعتقد المفوِّضة بتمتع الأئمة بصفات فوق بشرية، وأنكر مشايخ قم مثل هذه الصفات»، ينبغي اعتبار الشيخ الصدوق من المفوِّضة. فقد أقرّ كديور بنفسه أنّ الصدوق «من المعتقدين بالصفات فوق البشرية للأئمة». ولكي ندفع هذا الاتهام عن الشيخ الصدوق فإمّا أن لا نعدّه من مشايخ قم، وهو منهم؛ أو نعتبره غير معتقد بتمتع الأئمة بأوصاف فوق بشرية، وهو معتقد بها!
ب ـ الشيخ المفيد: ينقل كديور في هذا المقطع «أكثر التقارير صراحة عن آراء مشايخ قم» عن الشيخ المفيد، حيث يقول: «وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قم يقصرون تقصيراً ظاهراً في الدين، وينزلون الأئمة^ عن مراتبهم، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيراً من الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم. ورأينا من يقول: إنهم كانوا يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون، ويدّعون مع ذلك أنهم من العلماء. وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه»([43]).
ثم يستنتج من هذا التقرير أنّ ميزات مشايخ قم الاعتقادية هي:
1ـ كانوا ينكرون تمتع الأئمة بالعلم اللدني، ويعتبرون علمهم اكتسابياً، كسائر الناس، وأنهم يسعون للحصول على الحكم الشرعي من خلال التصورات والظنون المعتبرة.
2ـ أنكرت جماعة أخرى من مشايخ قم تمتع الأئمة بالعلم اللدني من زاوية أخرى. فهم يعتقدون بأنّ الأئمة كانوا يجهلون كثيراً من الأحكام الشرعية قبل أن يلقى العلم على قلوبهم. وقد يتم هذا الإلقاء من خلال إلهام إلهي، بواسطة الوحي أو من دونه، أو الاكتساب البشري. لكن ضميرهم قبل إلقاء العلم خالٍ من هذه العلوم، كسائر البشر.
3ـ تكشف نسبة الغلو لمنكري سهو النبي والإمام عن نزوع بشري لهذه القضية. فهم بلا ريب كانوا من منكري الأوصاف فوق البشرية للأئمة.
وقبل تقييم هذه النقاط أود الإشارة إلى أن الشيخ كديور أخطأ في ترجمة كلام الشيخ المفيد. فعبارة المفيد كانت «…ورأينا من يقول…»، وهي تدل على المفرد، لكن كديور ترجمها بصيغة الجمع. فينبغي الالتفات إلى هذا الأمر.
نقد وتقويم ــــــ
ويرد على ما ذكره:
1ـ لا تستنبط النتيجة الأولى من كلام الشيخ المفيد ـ منطقياً ـ إذا وُجد شخصٌ واحدٌ يحمل هذه العقيدة الباطلة. فكيف للكاتب الاستنتاج بأنّ مشايخ قم أو جماعة منهم كانوا يعتقدون بذلك؟!
2ـ تفند النقطة الثانية رأي الكاتب أكثر مما تؤيده؛ إذ تقول بأنّ الأحكام الدينية تلقى من قبل الله سبحانه وتعالى على قلوب الأئمة. وهذا علم لدني، وليس باكتسابي، وإن كان ضميرهم قبل ذلك خالياً من هذه المعارف.
ومن الواضح أننا لا نناقش صحة الفكرة أو سقمها، بل الكلام عن ثبوت مدعى الكاتب أو بطلانه.
3ـ أشرنا سابقاً إلى أن القول بسهو النبي أو الإمام يلازم إنكار العصمة وسائر صفات النبي والأئمة فوق البشرية المذكورة. ولا يمكن استناداً لهذا الرأي اعتبار مشايخ قم من منكري عصمة النبي والأئمة وعلمهم اللدني.
اقتصرنا في بحثنا هذا على مناقشة دعاوى الشيخ كديور، وإثبات عدم وفاء حججه بمدعاه؛ إذ يمكن دراسة هذا الأمر من زاوية أخرى، وهي إثبات اعتقاد مشايخ قم بعصمة الأئمة^. ولدينا من الشواهد والقرائن ما هو كفيل بالأمر، لكن ضيق المقام يحول دون ذلك.
ونكتفي بالإشارة إلى أنّ نظرةً في الروايات التي تتحدث عن وجود النص على الإمامة، والتنصيب الإلهي للأئمة، وتمتعهم بالعلم اللدني والعصمة، يزيل أي شك وريب في الأمر.
وقد وردت هذه الروايات في كتب كـ: «الكافي»، للكليني؛ و«بصائر الدرجات»، لمحمد بن حسن الصفار القمي؛ و«كامل الزيارات»، لجعفر بن محمد بن قولويه القمي؛ و«الإمامة والتبصرة»، لابن بابويه القمي؛ و«كمال الدين وتمام النعمة»، للشيخ الصدوق؛ و«كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر»؛ لعلي بن محمد الخزاز القمي؛ و…، وقد وقع القميون في سلسة سند كثير من رواياتها. وكذلك فإن ما أورده سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي عن اعتقاد الشيعة بأئمة أهل البيت^ في كتاب «المقالات والفرق»([44]). يكشف جلياً بأن مشايخ قم شيعةٌ سليمو العقيدة، ومعتقدون بأنّ الأئمة يتمتعون بالعلم اللدني والعصمة، وأن هناك نصاً على إمامتهم.
محصل الكلام ـــــــ
ادّعى الشيخ كديور في مقاله «القراءة المنسية» أنّ غالب الشيعة منذ القرن الثاني وحتى منتصف القرن الخامس كانوا معتقدين بنظرية الأئمة غير المعصومين، ولا يقرّون بتمتعهم بالأوصاف فوق البشرية، كالعلم اللدني، والعصمة، وتنصيبهم من قبل الله تعالى. وكان علماء الشيعة يرفضون هذه العقائد تحت مسمّى الغلو.
وقد نقل الكاتب؛ لإثبات مدعاه، نصوصاً من العلامة المامقاني، والوحيد البهبهاني، والشهيد الثاني، والشيخ الصدوق، والشيخ المفيد، والسيد المرتضى. لكن لم يدلّ أيٌّ منها على مدعاه. فإما أنه قد أخطأ في فهمها ونقلها؛ وإما أنه قد غالط في الاستنتاج منها.
الهوامش
(*) باحث في علم الكلام الإسلامي.
([1]) جميع العبارات الموضوعة داخل قوسين «…»، ولم يذكر لها مصدر، منقولة من المقال الذي نناقشه، وهو «القراءة المنسية»، لمحسن كديور، مطبوع في مجلة «مدرسة»، العدد الثالث: 92 ـ 102، 2/ 1358هـ ش.
([2]) بما أنّ جميع الشيعة يعتقدون بأنّ الأئمة علماء أبرار فالعنوان الذي وضعه الكاتب لتمييز الذين لا يعتقدون بعصمة الأئمة غير مناسب. إذاً من الأفضل أن نسميها نظرية «الأئمة غير المعصومين»، في قبال نظرية «الأئمة المعصومين». ولذلك سوف نشير إليها بهذا الاسم في بحثنا.
([3]) تنقيح المقال: 211 ـ 212.
([7]) راجع في هذا الخصوص: آراء الشيخ الصدوق في «من لا يحضره الفقيه»، والشيخ المفيد في «تصحيح اعتقادات الإمامية». وقد نقل الشيخ كديور نفسه هذه الخلافات في مقالته.
([8]) الشيخ المفيد، أوائل المقالات: 27، تحقيق: إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني، دارالمفيد، بيروت، 1414هـ.
([9]) السيد المرتضى، الانتصار: 243، المطبعة الحيدرية، النجف، 1391ﻫ.
([10]) كشاهد على ذلك راجع: الكافي، كتاب الحجة، باب «أن الأئمة^ إذا شاؤوا أن يعلموا علموا»، وباب «أنّ الأئمة^ يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن»، وبابان بعده.
([11]) نعمة الله صالحي النجف آبادي، عصاي موسى يا درمان بيماري غلو: 55، أميد فردا، طهران، 1380هـ ش.
([13]) راجع: النقد الذي ورد على بحث علم الإمام في كتاب «شهيد جاويد»، ونقل بعضه الشيخ النجف آبادي في كتاب «عصاي موسى».
([14]) عبدالله المامقاني، تنقيح المقال 1: 208، النجف، 1350ﻫ.
([17]) The fallacy of Ignoratio Elenchi
([18]) الفوائد الرجالية، الفائدة الثانية: 38؛ التعليقة على منهاج المقال: 21.
([19]) الشهيد الثاني، حقائق الإيمان: 149 ـ 151، تحقيق: سيد مهدي رجائي، مكتبة آية الله العظمى مرعشي النجفي، قم، 1409ﻫ.
([21]) سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، المسائل السروية 7: 75.
([22]) يقول الشيخ المفيد عن عمل ابن الجنيد بالقياس: «ولذلك أهمل جماعة من أصحابنا أمره، وطرحوه، ولم يلتفت أحد منهم إلى مصنف له، ولا كلام» (المسائل الصاغانية: 59).
([23]) يقول الشيخ الطوسي: «محمد بن أحمد بن الجنيد، يكنّى أبا علي، وكان جيّد التصنيف حسنه، إلا أنّه كان يرى القول بالقياس، فترك لذلك كتبه، ولم يعوّل عليها» (الفهرست: 134).
([24]) راجع: السيد المرتضى، الانتصار: 78، 81، 83، 217 ـ 218، 227، 236 ـ 237.
([25]) راجع: بحر العلوم، الفوائد الرجالية 3: 213، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، مكتبة الصادق، طهران، 1363ﻫ.
([26]) راجع: المامقاني: تنقيح المقال 2: 67.
([27]) راجع: السيد أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث 15: 337، 1413ﻫ.
([28]) راجع: السيد منير الخباز، الرافد إلى علم الأصول (تقريرات بحوث السيد السيستاني) 1: 11.
([29]) راجع: الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، دار الكتب الإسلامية.
([30]) الخوئي، معجم رجال الحديث 15: 337.
([37]) رفض العلماء المتأخرون ردود السيد المرتضى على ابن الجنيد، وردّوا عليه بدورهم قائلين:
1ـ ما علاقة هذا الكلام بباب القضاء؟ السؤال المطروح هو هل علم القاضي حجة أم لا؟ وتجيب بأنّ علم النبي لم يكن حجة في غير باب القضاء!
2ـ قد عمل النبي على هذا النحو مراعاةً لبعض المصالح.
3ـ علم الغيب ليس معياراً للتكليف، ولا مناطاً له، بل ما يحصل من الطرق الاعتيادية يكون مداراً للتكليف.
([38]) راجع: العلامة الحلي، مختلف الشيعة 8: 388 ـ 389، مؤسسة النشر الإسلامي؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 13: 384، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1416هـ؛ الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 40: 77 ـ 78؛ الميرزا حسن الآشتياني، كتاب القضاء: 51، دار الهجرة، قم، 1362ﻫ.
([39]) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 13: 384، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1416ﻫ.
([41]) من لا يحضره الفقيه 1: 360، ذيل الرواية 1031.