أحدث المقالات

د. قاسم جوادي(*)

ترجمة: حسن علي مطر

 

مقدمة ــــــ

رغم أنّ الإمامة تحتلّ المحور في بحوث علم الكلام والعقيدة الشيعيّة فإنّ الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ الذي يجب تسميته بحقٍّ رائد المعارف الإسلاميّة المعاصرة ـ قلّما خاض في هذا البحث، وربما عاد ذلك إلى انشغاله بأبحاث ضرورية أخرى كانت تشكِّل خطراً على أصل الدين. وعندما تعرّض السيد الشهيد& لمسألة الإمامة شدّد على الزاوية غير الروائية من الموضوع، وهذا ما صرّح به السيد نفسه مراراً، حيث قال: إنه يسعى إلى تحليل مسائل الإمامة من زاوية عقليّة، ومقنعة لأولئك الذين لا يرومون الاكتفاء بالرواية في هذا المجال. من هنا فقد تطرّق سماحته إلى مسائل لم يتطرّق إليها الآخرون أو قلّما تطرَّقوا إليها. لقد واكب السيد الشهيد في بحث موضوع الإمامة بعض المنظِّرين ـ من أمثال: الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري، والإمام الخميني، وغيرهما ـ في التفكيك بين الإمامة والقيادة السياسيّة، وبين الإمامة والزعامة العلميّة والمرجعيّة الدينيّة. ونحن هنا سوف نتعرّض إلى بيان آراء السيد الصدر في خصوص مسألة الإمامة. وفي ختام المقالة ـ بالالتفات إلى التفكيك الذي عمد إليه الشهيد وغيره من العلماء بين مختلف مراتب الإمامة وشؤونها ـ سوف نستعرض بعض الأسئلة التي نهيب بأصحاب الأقلام والمفكِّرين من علماء الشيعة أن يُدْلُوا بِدَلْوِهِم فيها.

 

الأمّة بعد رحيل النبيّ من وجهة نظر السيد الشهيد الصدر ــــــ

هناك بحثٌ يطرح في العالم الإسلاميّ يرى أنّ الاتّجاه الشيعيّ الناقد للصحابة سوف ينعكس بحسب النتيجة إلى شخص النبيّ الأكرم|؛ إذ لازم انتقاد هذا الحشد الكبير من الصحابة هو عدم نجاح النبيّ في أداء الرسالة.

وبالالتفات إلى هذه الشبهة عمد السيد الشهيد في الخطوة الأولى إلى التأكيد على أنّ مرحلة صدر الإسلام كانت نموذجاً ومثالاً سامياً وبارزاً في تاريخ الإنسانيّة؛ إذ أطاحت تلك المرحلة بكلّ القيم والامتيازات المادّيّة، فقال: «إنّ عصراً تُلغى فيه قيمة الفوارق المادّيّة على الإطلاق، ويستوي فيه الحاكم والمحكوم في نظر القانون ومجالات تنفيذه، ويجعل مدار القيمة المعنويّة والكرامة المحترمة فيه تقوى الله التي هي تطهير روحيّ وصيانة للضمير…، ويسارع فيه إلى الجهاد لصالح النوع الإنسانيّ، الذي معناه إلغاء مذهب السعادة الشخصيّة في هذه الدنيا…، أقول: إنّ العصر الذي تجتمع له كلّ هذه المفاخر لهو خليقٌ بالتقديس والتبجيل والإعجاب والتقدير… ماذا أراني دفعت إلى التوسّع؟!.. ولكنها الحماسة لذلك العصر هي التي دفعتني إلى ذلك، فهو بلا ريب زين العصور في الروحانيّة والاستقامة. أنا أفهم هذا جيداً، وأوافق عليه متحمّساً، ولكنّي لا أفهم أن يمنع عن التعمّق في الدرس العلميّ أو التمحيص التاريخيّ… وأكبر الظن أنّ كثيراً منّا ذهب في تعليل مناقب ذلك العصر ومآثره مذهباً جعله يعتقد أنّ رجالات الزمن الخالي ـ وبتعبير أوضح تحديداً أنّ أبا بكر وعمر وأضرابهما الذين هم من موجِّهي الحياة العامة يومئذٍ ـ لا يمكن أن يتعرّضوا لنقدٍ أو محاكمة؛ لأنهم بناة ذلك العصر والواضعون لحياته خطوطها الذهبيّة، فتاريخهم تاريخ ذلك العصر، وتجريدهم عن شيء من مناقبهم تجريدٌ لذلك العصر عن مثاليّته التي يعتقدها فيه كلّ مسلم»([1]).

يعتقد السيد الشهيد أنه على الرغم من أنّ عصر رسول الله كان عصراً ساطعاً ومشرقاً وذهبيّاً، وقد أفضى إلى تلك الإنجازات العظيمة، بيد أنّ الأمّة لم تصل في تلك المدّة القصيرة إلى الرشد الكافي الذي يمكِّنها من التحكُّم بمصيرها. وصرّح في موضع آخر بأنّ أمّة رسول الله| لم تكن معصومة من الخطأ، حيث قال: «وبالرغم من أننا نعترف ونفتخر ونمتلئ اعتزازاً بالإيمان بأنّ الأمّة الإسلاميّة التي أسَّسها وحرسها النبيّ| ضربت أروع نموذج للأمّة في تاريخ البشريّة على الإطلاق… وبالرغم من كلّ هذا نقول: إنّ الأمّة لم تكن معصومة»([2]).

بل إنه يذكر شواهد تثبت عدم ترسّخ الإيمان في قرارة روح الأمّة. ومن ذلك: اعتراض الأنصار على تقسيم الغنائم، حيث اتَّهموا رسول الله بمحاباة أهله وعشيرته على حسابهم؛ حيث كانت الذهنيّة والنزعة القبليّة راسخة في أذهانهم، وكان ذلك يظهر على فلتات أعمالهم([3]).

مع ذلك يذهب السيد الشهيد إلى القول بأنّ النبيّ كان يسعى إلى منح الأمّة أصالتها وكرامتها، ولذلك ألزم نفسه وألزمه الله بأن يشاور أمّته في مختلف المسائل، ليعمل بذلك على تربية المسلمين وإعدادهم لتحمّل المسؤوليّات الجسام في المستقبل، وليعلموا أنهم الأمّة التي ستقوم بأعباء الرسالة العظيمة التي سيتركها الرسول أمانة في أعناقهم.

وقد برزت أولى بوادر عدم بلوغ الأمة وعدم رشد ونضوج المجتمع في صدر الإسلام من خلال سقيفة بني ساعدة؛ ذلك أنّ السقيفة كانت بحسب الظاهر عبارة عن اعتراف بوجود الأمة، واعتبارها مظهراً للتشاور بين أفراد الأمة في تعيين الحاكم بعد النبيّ، بيد أن الحقيقة التي تجلّت في السقيفة لم تكن سوى إلغاء الأمة ووجودها، وإنكار شخصيّتها وأصالتها؛ لأنّ مَنْ حضر في تلك السقيفة كان ينظر إلى الرسول بوصفه سلطاناً على قريش، وتنزَّلوا به إلى مستوى رئيس قبيلة، وأنّ تلك القبيلة هي التي يجب أن ترث سلطانه! وهذه الرؤية في الحقيقة تعني إحياء نظريّة السيادة القَبَليّة التي هي إنكار لأصالة الأمة التي كان النبيّ يسعى إلى تحقيقها. قال&: «كان يُنظر إلى النبوّة على أنها سلطان قريش، إنها سلطان عشيرة معيّنة، وهذه العشيرة المعيّنة هي التي يجب أن تحكم وأن تسود، نظريّة مالكيّة العشيرة التي تتحدّى وجود الأمة، وتنكر عليها أصالتها ووجودها وشخصيّتها، هذه النظريّة طرحت كمفهوم في السقيفة، ثمّ بعد هذا امتدَّت واتَّسعت عمليّاً ونظريّاً»([4]).

وقد أشار السيد الشهيد في موضع آخر إلى أنّ الخليفة الثاني نفسه كان يخشى من التعبير بـ «الأمّة»؛ وذلك لعلمه بأنّ حضور الأمّة يعني حضور الإمام عليّ×، وهذا يعني حضور المعارضة والرأي الآخر المخالف لرأيه. ولذلك فإنه ما إن سمع باجتماع الأمّة للتشاور في شأن الحاكم حتى ارتقى المنبر وقال ما مضمونه: «إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المؤمنين شرَّها». وبذلك حالَ دون عودة أمّة رسول الله إلى تفكيرها الحرّ وقرارها المستقلّ، بحيث اعتبر حادثة انتخاب أبي بكر قد حدثت على حين غفلة من التاريخ وغرّة من الزمن، (وقد وقى الله شرّها). من هنا فقد عمد في سياق انتخاب الحاكم اللاحق إلى إلغاء الدور المستقلّ للأمّة، وعيَّن شورى من ستّة أشخاص، وهذه الشورى بدورها لم تكن منتخبة من قبل أبناء الأمّة([5]).

يذهب السيد الصدر إلى القول بأنّ الأمّة لو اجتمعت في حينها بشكل مستقلّ، وتشاورت فيما بينها في شأن الخليفة والحاكم، كان هناك احتمالٌ كبير بأن يكون المنتخب للخلافة هو الإمام عليّ×. ومن خلال ذكر حادثة تاريخيّة يسردها السيد الشهيد؛ ليُثبت أنّ غالبية الأمّة كانت إلى جانب الإمام عليّ×، يقول: إنّ عبد الرحمن بن عوف الذي هو أحد الأعضاء الستّة في مسألة الشورى لم يستطع تجاوز دور الأمّة في حلّ اختلاف الشورى في خصوص تعيين الخليفة، من هنا فقد توجَّه إلى الأمّة، وسأل الناس في شأن تعيين الخليفة. يقول عبد الرحمن بن عوف نفسه: «ما سألت عربيّاً إلاّ وقال: عليّ بن أبي طالب، وما سألتُ قريشيّاً إلاّ وقال: عثمان بن عفّان. يعني أنّ جماهير المسلمين كانت تقول: عليّ بن أبي طالب، بينما كانت عشيرة واحدة معيّنة تريد أن تنهب الحكم من الأمّة كانت تقول: عثمان؛ لأنّ عثمان بن عفّان كان تكريساً لعمليّة النهب، بينما عليّ بن أبي طالب× كان تعبيراً وتأكيداً لوجود الأمّة في الميدان، ولهذا أرادته الأمّة، وأرادت العشيرة عثمان»([6]).

إنّ هذا البحث الذي يتعرّض له الشهيد الصدر يتعارض مع الكثير من الكلمات التي وردت في كلٍّ من كتابَيْه: «فدك في التاريخ» و«بحث حول الولاية». وهذا ما سوف نشير إلى جانبٍ منه في المستقبل، وفي بحث الشورى، في معرض الإجابة عن انتقادات الدكتور علي شريعتي.

 

دراسة تحليليّة لانتخاب الإمام عليّ× ــــــ

لقد عمد السيد الشهيد إلى تحليل انتخاب الإمام عليّ× بوصفه خليفة ـ بقطع النظر عن الوحي ـ قائلاً بأنّ الرسالة الإسلاميّة تقوم على خلق حالة من الثورة في المجتمع، والهداية إلى نهج جديد في الحياة. لقد كان رسول الله| قد تكفّل بمسؤوليّة بناء أمّة جديدة، وقد تعهَّد من أجل ذلك بإزالة جميع الرواسب الجاهلية، واستئصال جذور التخلّف عن صفحة المجتمع. لم تعِشْ الأمة الإسلاميّة في ظلّ الثورة إلا برهة قصيرة لا تتجاوز عشر سنوات. طبقاً للكثير من المدارس الثورية لا تعتبر هذه المدّة كافية لتحقيق أهداف الثورة، والتأسيس لقِيَمها، ولا يمكن للمجتمع ـ في ظلّ هذه الفترة القصيرة ـ أن يبلغ مرحلة من الوعي والتقدُّم والتحرُّر والانفصام عن الرواسب الفكريّة والجاهلية، واستيعاب روح الرسالة الجديدة، بحيث تكون مؤهَّلة لقيادة مستقبل الإسلام، وتحمُّل مسؤوليّات الدعوة، ومواصلة نهج الثورة دون إمام. بل إنّ المدارس العقائدية والبنّاءة تقول بضرورة بقاء الأمة في المرحلة الأولى لمدّةٍ تحت الوصاية الاعتقاديّة؛ حتّى تكتسب صلاحيّة الزعامة وقيادة المجتمع والدين([7]).

إنّ هذا البحث ينسجم مع التفكيك الذي عمد إليه السيد الصدر في الإمامة، وسوف نشير إلى هذا التفكيك في تضاعيف هذه المقالة.

يرى السيد الصدر هنا كفاية القيادة السياسيّة لمدّة قصيرة فقط، حتّى تغدو الأمة قادرةً على تولّي قيادة نفسها. إلاّ أنه بعد رحيل النبيّ| لم تستمر قيادة المجتمع من خلال الوصاية، وبالتالي لم يتمّ إعداد المجتمع بالشكل الذي يساعده على التجرّد من الرواسب الجاهليّة والقَبَليّة، بل جاءت حكومات غير شرعيّة وعملت على تكريس تلك الرواسب.

إنّ هذا الكلام من السيد الشهيد يستدعي طرح بعض الاستفهامات، من قبيل: إنّ العالم الإسلاميّ يفتقر حالياً إلى قيادة من نوع الوصاية، إذاً كيف يمكن للعالم الإسلاميّ أن يمتلك زمام إدارة شؤونه ليصل إلى غايته؟ وسوف نتعرَّض لهذا النوع من الاستفهامات في الجزء الأخير من هذه المقالة.

 

الانتخاب، الحقّ الطبيعيّ للإمام عليّ× ــــــ

كما ذكرنا فإنّ السيد الصدر يميل إلى تحليل المسائل عقليّاً، وبغضّ النظر عن النصوص الدينيّة المتمثِّلة بالوحي والروايات. من هنا فإنّه من خلال استناده إلى القاعدة العقليّة القائلة بضرورة أن تعطى مقاليد الحكم لمَنْ هو أكثر كفاءة من غيره يرى الخلافة وقيادة الدولة من حقّ الإمام عليّ×. أي حتى لو فرضنا عدم الحاجة إلى القيادة الإلهية من أجل استمرار رسالة النبيّ|، وسلَّمنا جدلاً بأنّ الله سبحانه وتعالى لم يعيِّن عليّاً وصيّاً وخليفة لرسول الله، مع ذلك إذا تحدّثنا عن الأجدر والأكثر كفاءة لقيادة الأمّة بعد رسول الله| فإنّ الأنظار ستتجه إلى الإمام عليّ× بوصفه الأحقّ بالخلافة من غيره. قال السيد الشهيد: «ماذا حصّل [عليّ بن أبي طالب] عند الحرمان الطويل الطويل غير الإقصاء عن حقّه الطبيعيّ، بقطع النظر عن نصٍّ أو تعيين من الله سبحانه وتعالى؟ كان حقّه الطبيعيّ أن يحكم بعد أن يموت النبيّ|؛ لأنّه الشخص الثاني عطاءً للدعوة، وتضحية في سبيلها. أُقصيَ عن حقّه الطبيعيّ، وقاسى ألوان الحرمان، وأنكرت عليه كلّ امتيازاته. معاوية بن أبي سفيان هو الذي يقول لمحمّد بن أبي بكر: كان عليٌّ كالنجم في السماء بعد أيّام رسول الله|، ولكنّ أباك والفاروق ابتزّا حقّه، وأخذا أمره»([8]).

 

سبب عدم استدلال الإمام عليّ× بأحاديث النبيّ| لإثبات إمامته ــــــ

من الأسئلة المطروحة في هذا السياق: لماذا لم يستدلّ الإمام عليّ× على خصومه بحديث الغدير أو غيره من الأحاديث الدالّة على حقّه في ولاية أمر المسلمين؟

هناك مَنْ يسعى جاهداً إلى نبش ذاكرة التاريخ، والبحث في تضاعيف الكتب الروائيّة؛ ليحصل على شاهدٍ يثبت أنّ الإمام عليّاً× قد استدلّ بتلك الأحاديث والروايات المتضافرة عن رسول الله|. بيد أنّ السيد الشهيد& يذهب إلى الاعتقاد بأنّ الإمام عليّاً× لم يستدلّ بها، ويذكر سبب عدم استدلاله بتلك الروايات على النحو التالي:

«نحن نتبيّن من الصورة المشوَّشة التي عرفناها عن تلك الظروف والأوضاع أنّ الاعتراض بتلك النصوص المقدَّسة والاحتجاج بها، في ساعةٍ ارتفع فيها المقياس الزئبقيّ للأفكار المحمومة، والأهواء الملتهبة التي سيطرت على الحزب الحاكم إلى الدرجة العالية، كان التقدير المعقول افتراض النتائج السيّئة له؛ لأنّ أكثر النصوص التي صدرت من رسول الله| في شأن الخلافة لم يكن قد سمعها إلاّ مواطنوه في المدينة من مهاجرين وأنصار. فكانت تلك النصوص إذاً الأمانة الغالية عند هذه الطائفة التي لابدّ أن تصل عن طريقهم إلى سائر الناس في دنيا الإسلام يومئذٍ، وإلى الأجيال المتعاقبة والعصور المتتالية. ولو احتجّ الإمام على جماعة أهل المدينة بالكلمات التي سمعوها من رسول الله| في شأنه، وأقام منها دليلاً على إمامته وخلافته، لكان الصدى الطبيعيّ لذلك أن يكذِّب الحزب الحاكم صدّيق الأمّة في دعواه»([9]).

من جهة أخرى فإنّ الإمام عليّاً× كان يعلم بأنه لن يكون هناك مَنْ يُعِينه وينصره على استعادة حقّه المغتصَب، وعليه فقد كان الإمام يقدّر أنه سوف يدفع الحزب الحاكم إلى إنكار النصوص، والاستبسال في هذا الإنكار إذا جاهر بها، ولا يقف إلى جنبه حينئذٍ صفٌّ ينتصر له في دعواه؛ لأنّ الناس بين مَنْ قادهم الهوى السياسيّ إلى إنكار عمليٍّ للنصّ يسدّ عليهم مجال التراجع بعد ساعات، وبين مَنْ يرى فكرة النصّ تجعل من الخلافة وقفاً على بني هاشم لا ينازعهم فيها منازع. وإذا سجّلت الجماعة الحاكمة وأنصارها إنكاراً للنصّ، واكتفى الباقون بالسكوت في الأقلّ، فمعنى هذا أنّ النصّ يفقد قيمته الواقعيّة، وتضيع بذلك مستمسكات الإمامة العلويّة كلّها، ويؤمّن العالم الإسلاميّ الذي كان بعيداً عن مدينة النبيّ| على إنكار المنكرين؛ لأنّه منطق القوّة الغالب في ذلك الزمان([10]).

 

شمول الاعتقاد بالعصمة لجميع الحقول الاعتقاديّة ــــــ

يذهب الشهيد الصدر إلى عدم اعتبار مفهوم الإيمان بالعصمة من مختصّات المسلمين أو الشيعة، وإنما يقول: بل هذا ما تؤمن به كلّ الاتّجاهات العقائديّة في العالم على الإطلاق، فإنّ أيّ اتّجاه عقائديّ في العالم يريد أن يبني الإنسان من جديدٍ في إطار عقيدته، ويريد أن يُنشئ للإنسانيّة معالم جديدة فكريّة وروحيّة واجتماعيّة، هذا الاتجاه العقائدي يُشترط؛ لكي ينتج، ويتنجّز، ويأخذ مجراه في خطّ التاريخ، أن يكون القائد الذي يمارس تطبيق هذا الاتّجاه معصوماً([11]).

وبطبيعة الحال فإنّ ملاكات العصمة تختلف باختلاف الاتجاهات والمذاهب والمدارس. ففي المذهب الماركسي يُشترط في القيادة التي تطبِّق الماركسيّة أن تكون معصومة، والقائد الذي يمارس زعامة التجربة الإسلاميّة أن يكون معصوماً بمقاييس إسلاميّة. والعصمة في الحالتين بمفهوم واحد، وهو عبارة عن: «الانفعال الكامل بالرسالة، والتجسيد الكامل لكلّ معطيات تلك الرسالة في النطاقات الروحيّة والفكريّة والعمليّة، هذه هي العصمة»([12]).

وعليه فإنّ الشيعة لم يشذّوا باشتراط العصمة في الإمام عن أيّ اتجاهٍ عقائدي آخر. وبطبيعة الحال فإنّ الشهيد الصدر ينوِّه بأنّ مفهوم العصمة في الفكرالإسلاميّ أوسع منه في الأفكار والمدارس الأخرى، حيث يقول: إذاً فأصل الفكرة وجوهرها تؤمن به كلّ الاتّجاهات العقائديّة، وإنّما المقاييس لها تختلف باختلاف طبيعة تلك الاتّجاهات العقائديّة الأخرى، وهذه السعة في صيغة العصمة تنبع من طبيعة سعة الإسلام نفسها، فالإسلام رسالة سماويّة تشمل الكرة الأرضيّة بأسرها، فهي تعالج الإنسان من كلّ نواحيه، ولهذا تكون الصيغة المحدودة من العصمة على أساس هذه الرسالة أوسع نطاقاً، وأرحب أفقاً([13]).

إنّ السيد الشهيد من خلال توسعته لمفهوم العصمة، وتعميمه على جميع المذاهب والمدارس العقائديّة والأيديولوجيّة، يشير إلى هذه النقطة المهمّة، حيث يقول: نفس العصمة إذا حوّلناها إلى مفهوم النزاهة والتجاوب الكامل مع الرسالة تكون أمراً مقولاً بالتشكيك، مختلفاً في الشدّة والضعف، وبوصف أنّ أئمة أهل البيت× المرتبة الأسمى والأكمل من هذه المراتب المقولة بالتشكيك، والمختلفة شدّة وضعفاً، نقول بإمامتهم([14]).

ثم يضيف السيد الشهيد ـ رغم قوله بكون العصمة مقولة مشكِّكة ـ قائلاً: إنّ هؤلاء الذين تسلَّموا أمر التجربة الإسلاميّة وزعامتها بعد النبيّ| لم يكونوا معصومين، حتّى بأدنى مراتب العصمة([15]).

والبحث الآخر الذي يطرحه السيد الصدر بالتفصيل، وهو على درجة بالغة الأهمّية، موضوع «عصمة الأمّة». بمعنى أنّ الأمة بوصفها المجموعي هل يمكنها أن تبلغ ملكة العصمة، بحيث تشكِّل لها ضمانة من الانحراف؟ لا ينكر الشهيد الصدر في مقام الإجابة عن هذا السؤال الإمكان العقليّ في هذا المجال؛ إذ يقول: «لقد كان من الممكن أن تبلغ الأمّة درجة العصمة من خلال تربية طويلة. فلو أنّ رسول الله| والأئمّة^ قد توالوا على أمّة واحدة، ومارسوا عمليّة التجربة، كان من الجائز أن تبلغ الأمّة بوصفها المجموعيّ مستوى العصمة، بحيث لا تحتاج بعد هذا إلى قائد معصوم، بل هي تحكم نفسها بنفسها، هذا أمرٌ جائز عقلاً»([16]).

يتّضح من هذا الكلام أنّ العصمة ليست أمراً تكوينيّاً بالضرورة، وإنّما هي مسألة قد يبلغها المجتمع بوصفه المجموعيّ بفعل التربية. إلاّ أنّ السيد الشهيد يقول صراحةً بأنّ أمّة رسول الله رغم كونها خير أمّة أخرجت للناس على طول التاريخ لم تكن معصومة من الخطأ، كما هو الحال بالنسبة إلى الخلفاء الذين استولَوْا على الزعامة بعد وفاة النبيّ|، حيث لم تتوفَّر فيهم العصمة، حتّى بأدنى مراتبها([17]).

ومن الطبيعيّ أنّ مجموع كلمات السيد الشهيد في العصمة إذا لم تقبل النقد فإنها تدعو إلى التأمُّل في الأقلّ. فما هو معنى العصمة في جميع المذاهب والعقائد والأيديولوجيّات بما في ذلك الماركسيّة؟

فنحن نعلم أنّ معنى العصمة ـ مثلاً ـ هو أنّ النبيّ معصومٌ في استلام الوحي وإبلاغه، كما هو معصوم في تطبيق مضمون الوحي، أي إنه لا يخطئ في استلام الوحي وتبليغه، فهل هذا المستوى من العصمة موجودٌ في الماركسيّة وسائر الأيديولوجيّات الأخرى أيضاً؟ يبدو أنّ إثبات هذا المعنى لا يخلو من الصعوبة والتعقيد.

كما أنّ السيد الشهيد لم يبيّن المراد من كون العصمة من المراتب التشكيكيّة؛ فهل يريد القول باعتبار الذي يخطئ ولا يعصي ـ مثلاً ـ غير خارج عن دائرة العصمة؟ وهل المقرّب الذي يعمل عمل الأبرار وحسناتهم مذنبٌ وعاصٍ؟

على كلّ حال فإنّ المسألة محفوفة بالغموض. وهكذا الأمر بالنسبة إلى معنى الإمكان العقليّ لبلوغ الأمة مرحلة العصمة؟ فهل يريد السيد الشهيد بذلك مجرّد الإمكان الذاتيّ، كما في قولنا بإمكان بلوغ جميع الناس مستوى العبقريّة التي بلغها ابن سينا، أم أنّه يريد شيئاً أبعد من ذلك؟

 

الدور الإثباتيّ لأئمّة الشيعة ــــــ

من الأمور التي قلّما أخذت حقّها من الاهتمام مسألة الدور الإثباتيّ لأئمة الشيعة، والجهود التي مارسوها في حياتهم المفعمة بالعطاء.

يذهب السيد الصدر إلى الاعتقاد بأنّ الأئمّة^ رغم حرمانهم من الكثير من حقوقهم الطبيعيّة والإلهيّة لم يألوا جهداً في إصلاح المجتمع الإسلاميّ. فرغم إبعاد الأئمّة عن ممارسة السلطة والحكم الإسلاميّ كانوا يقومون بواجبهم في الحفاظ على الرسالة الإسلاميّة، وكانوا يحولون دون سقوط هذه الرسالة. وحيث كان الخلفاء يعجزون عن حفظ الكيان الإسلاميّ كان الأئمّة يتدخَّلون بقوّة. وهنا يذكّر السيد الشهيد بحادثة اعتلاء عمر المنبر، وقوله للمسلمين: ماذا كنتم تعملون لو أنّا صرفناكم عمّا تعلمون إلى ما تنكرون؟! فأجابه الإمام عليّ×: لو فعلت ذلك لقوّمناك بسيوفنا([18]).

وقد أشار السيد الشهيد إلى بعض الأمثلة في شأن الموارد الجزئيّة، من قبيل: جواب الإمام زين العابدين× عن إشكال ملك الروم الذي بعث به إلى عبد الملك بن مروان، الذي عجز عن جوابه؛ وكذلك الحلّ الذي وضعه الإمام الباقر× أمام هشام بن عبد الملك في مواجهة ملك الروم؛ ودفاع الإمام الحسن العسكريّ× عن القرآن الكريم في جوابه عن شبهات الكنديّ في دعوى تناقضات القرآن؛ وما إلى ذلك([19]).

 

تحليل مسائل المهدويّة ــــــ

تعرّض الشهيد الصدر في كتابه «بحث حول المهديّ» إلى الإجابة عن الشبهات المثارة حول الإمام المهديّ#. وتدور هذه الشبهات والأسئلة حول المحاور التالية:

1ـ كيف تأتّى للمهديّ# أن يعيش هذا العمر الطويل؟

2ـ ما هو سرّ المعجزة والعمر الطويل؟

3ـ ما هو مكمن السرّ في طول العمر والغيبة؟

4ـ ما هو الإعداد الفكريّ والدينيّ الكامل للإمام المهديّ لليوم الموعود؟

5ـ كيف نؤمن بأنّ المهديّ قد وُجد؟

6ـ ما هي أسباب عدم ظهور المهديّ حتّى هذه اللحظة؟

7ـ هل يمكن لشخصٍ واحدٍ أن يضطلع بتنفيذ مثل هذه الثورة العالميّة؟

8 ـ ما هي طريقة التغيير والثورة في اليوم الموعود؟

ومن مجموع الأجابات التي أفادها السيد الشهيد& سنكتفي بما يتعلق بالسؤال الثالث والرابع فقط.

يقول السيد الشهيد: إذا أردنا الإجابة عن السؤال القائل: لماذا أعطى الله الإمام المهديّ# هذا العمر الطويل؟ فإنّه استناداً إلى الإيمان بالغيب لن يكون جوابنا كافياً؛ ذلك أنّ السائل يريد سماع جواب قائم على أساس القيم الملموسة والمنسجمة مع التحليل الاجتماعيّ. من هنا يجدر بنا التجرُّد مؤقَّتاً عن عقائدنا، وأن نصوغ جوابنا على النحو التالي: في ضوء الحقائق العلميّة إذا كان الإمام المهدي مرصوداً لإحداث التغيير العالميّ وجب عليه الحضور في جميع المراحل؛ ليختزن المعرفة الكاملة؛ لأنّ الذي يريد إحداث هذا التحوّل الاجتماعيّ يجب عليه أن يختبر كافة أنواع وأقسام المواقف والسلوكيّات، وما تشتمل عليه من نقاط القوّة والضعف، والخطأ والصواب؛ كي يتمكَّن من إحداث التغيير المطلوب والناجع.

ثمّ تعرّض السيد الشهيد للإجابة عن السؤال القائل: كيف تأتّى للإمام المهديّ أن يكتمل إعداده لتحمُّل أعباء الإمامة، في حين لم يكن له سوى خمس سنوات، فقال: بالالتفات إلى الخصائص التي يرصدها الشيعة للأئمّة، من قبيل: العلم والشجاعة والفكر وما إلى ذلك، فلو أنّ أحداً من الأئمّة لم تتوفَّر فيه واحدة من هذه الأوصاف لسارع المعارضون ـ الذين كانوا في الوقت نفسه من المتربِّعين على سدّة السلطة ـ إلى التشبُّث بهذه الظاهرة، وروّجوا لها إعلاميّاً ودعائيّاً، في حين أننا لا نرى التاريخ إلاّ ساكتاً عن ذلك، ممّا يثبت أنّ الأئمة صغاراً وكباراً لم يشذّ منهم واحدٌ عن استجماع هذه الأوصاف. ثم أشار السيد الشهيد إلى النبيّ يحيى، مستشهداً بآيات من القرآن الكريم على إمكان الإمامة للصغير، ثم استطرد قائلاً: «إنّ الإمامة المبكِّرة ظاهرة واقعيّة في حياة أهل البيت، وليست مجرّد افتراض… كما أنّ هذه الظاهرة الواقعيّة لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتدّ عبر الرسالات والزعامات الربّانيّة. ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكِّرة في التراث الرباني لأهل البيت^ يحيى×؛ إذ قال الله سبحانه: ﴿يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾ (مريم: 12). ومتى ثبت أنّ الإمامة المبكِّرة ظاهرة واقعيّة ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت^ لم يعُدْ هناك اعتراضٌ في ما يخصّ إمامة المهديّ#، وخلافته لأبيه وهو صغير»([20]).

إنّ الآراء التحليليّة للسيد الشهيد تعمل على حلّ المشاكل في الكثير من الموارد، ولكنْ بالقياس إلى الإجابة عن السؤالين يبدو أنّه كان من الأفضل الاكتفاء بالاستدلال فقط، وأن يعالج المسألة بعيداً عن النصوص. وفي الإجابة عن السؤال الرابع كان من الخير أن لا يُستعان بآيات القرآن واللجوء إلى الإعجاز والقدرة الإلهيّة؛ إذ عندما نحاول تحليل المسألة من خلال النصوص الإلهيّة والتمسُّك بالإعجاز سيؤدّي ذلك بنا إلى سؤال آخر، وهو أنّ الله عندما يكون قادراً فلماذا لا يؤخِّر مسألة ولادة الإمام المهدي إلى مراحل قريبة من عصر الظهور؟ فالله سبحانه وتعالى الذي يستطيع أن يؤتي الرسالة النبيّ يحيى× يستطيع أن يمكِّن الإمام المهديّ من الاطّلاع على كلّ ما يلزمه، دون الحاجة إلى إبقائه حيّاً طوال هذه الفترة التي تمتدّ لقرون.

وعلى أيّة حال من الأفضل الاقتصار في الإجابة عن هذا النوع من الأسئلة على النصوص، دون اللجوء إلى التحليل والخوض في المسائل الاجتماعيّة. وربما كان أحسن الأجوبة من غير النصوص هو مسألة ضرورة حضور الوليّ في جميع العصور، رغم أنّ السيد الشهيد لا يُظهر ميلاً إلى آراء العرفاء.

 

التشيُّع مولود الإسلام الطبيعيّ ــــــ

إنّ للسيد الشهيد محمد باقر الصدر& كتاباً تحت عنوان «بحث حول الولاية»([21]). وقد تعرّض فيه لمسائل الإمامة أكثر من تعرُّضه لها في سائر مؤلَّفاته الأخرى. وفي حياته كُتبَ نقدٌ على هذا الكتاب، وقد أجاب السيد الصدر عن هذا النقد قبل استشهاده بقليل. وقد كان السيد الصدر في هذا الكتاب في صدد الإجابة عن السؤالين القائلين: كيف وُلد التشيُّع؟ وكيف وُلد الشيعة؟.

وفي معرض الإجابة عن السؤال الأوّل عمد السيد الصدر إلى إشارةٍ إجماليّة مفادُها أنّ التشيُّع هو مولود الإسلام الطبيعيّ، ثم قال: بقطع النظر عن الوحي وما هو حكم الله سبحانه وتعالى هناك ثلاث طرق لتعيين خليفة النبيّ|، وهي:

1ـ أن يكون النبي قد ترك أمّته هملاً لتختار لنفسها.

2ـ أن يترك النبيّ الأمر لشورى الأمّة، بمعنى أنّ الأمة هي المسؤولة عن تشكيل مجلس استشاريّ مهمّته عقد الأمور وحلّها.

3ـ أن يكون النبيّ في حياته قد عيَّن مَنْ يخلفه بعد وفاته.

ثمّ توصَّل السيد الشهيد إلى بطلان الفرضيّة الأولى والثانية، وعمد إلى تأصيل الفرضيّة الثالثة، واستعرض بطلان الفرضيّتين الأوليين بالالتفات إلى الحقائق والشواهد التاريخيّة.

وفي ما يتعلّق بالسؤال الثاني: كيف وُلد الشيعة؟ يقول السيد الشهيد: إننا إذا تتبَّعنا المرحلة الأولى من حياة الأمّة الإسلاميّة في عصر النبيّ| نجد أنّ اتّجاهين رئيسين مختلفين قد رافقا نشوء الأمّة، وبداية التجربة الإسلاميّة منذ السنوات الأولى، وكانا يعيشان معاً داخل إطار الأمّة الوليدة، وهما:

أولاً: الاتّجاه الذي يؤمن بالتعبّد بالدين والتسليم المطلق للنصّ الدينيّ في كلّ جوانب الحياة، وكانت سنّة النبي تمثِّل بالنسبة له ملاكاً لاتّخاذ القرارات.

ثانياً: الاتّجاه الذي لا يرى أنّ إيمانه بالدين يتطلب منه التعبُّد إلاّ في نطاق خاصّ من العبادات والغيبيات، ويؤمن بإمكانيّة الاجتهاد وجواز التصرّف على أساسه بالتغيير والتعديل في النصّ الدينيّ وفقاً للمصالح في غير ذلك النطاق من مجالات الحياة([22]).

وقد أدّى اختلاف نهج وغاية هذين الاتّجاهين بعد رحيل رسول الله| إلى ظهور مجموعتين متعارضتين، تحملان أهدافاً مختلفة ومتناقضة.

إنّ من بين عوامل انتشار الاتّجاه الثاني (الاجتهاديّ) في صفوف المسلمين أنه يتَّفق مع ميل الإنسان بطبيعته إلى التصرُّف وفقاً لمصلحة يدركها ويقدّرها، بدلاً من التصرُّف وفقاً لقرارٍ لا يفهم مغزاه. وقد قُدّر لهذا الاتّجاه ممثِّلون من كبار الصحابة، من قبيل: عمر بن الخطاب، الذي ناقش الرسول|، واجتهد في مواضع عديدة خلافاً للنصّ. وفي هذا الصدد يمكن أن نلاحظ موقفه من «صلح الحديبية»، واحتجاجه على هذا الصلح؛ وموقفه من الأذان، وتصرّفه فيه بإسقاط (حيّ على خير العمل)؛ وموقفه من إبطال المتعة؛ إلى غير ذلك من المواقف الاجتهاديّة. وقد بلغ الأمر بهذا الاتّجاه الاجتهادي فيما بعد إلى التغطية على جرائم معاوية ويزيد وعمرو بن العاص وبسر بن أرطاة وغيرهم تحت ذريعة الاجتهاد.

وقد ظهر هذان الاتّجاهان المتعارضان في مجلس الرسول في آخر أيّام حياته، واستمر الخلاف بين هذين الاتّجاهين إلى ما بعد رحيل رسول الله|.

يقول السيد الصدر، بالالتفات إلى التحليل المذكور حول مسألة استخلاف النبيّ الأكرم|: إنّ جماعةً تمسَّكت بالنصّ، وجماعة تمسَّكت بالاجتهاد. وعليه نلاحظ أنّ الشيعة ـ الذين هم الجماعة المتعبِّدة بالنصّ ـ قد وُلدت في حياة النبيّ، وأظهر الشيعة منذ ذلك الحين وقوفهم إلى جانب الإمام عليّ×.

وفي ختام هذا الفصل عمد السيد الشهيد إلى ذكر آراء لبعض العلماء، من أمثال: الشيخ كاشف الغطاء، والسيد عبد الحسين شرف الدين، حول عدد الشيعة عند رحيل النبيّ الأكرم|. فقد ذهب الشيخ كاشف الغطاء إلى القول بأنّ عدد الشيعة كان آنذاك 300 نسمة، بينما ذهب السيد شرف الدين إلى القول بأنهم كانوا 250 نسمة، ثم أضاف كلا العَلَمين بأنّ التتبُّع الدقيق في المصادر التاريخيّة سيقودنا إلى عدد أكبر من الصحابة الذين يحملون نزعةً شيعيّة.

وفي نهاية البحث تعرّض السيد الشهيد إلى موضوع تحت عنوان «التشيُّع الروحيّ والتشيُّع السياسيّ»، وأنّ هناك من الباحثين مَنْ يحاول التمييز بين نوعين من التشيُّع. إلاّ أنّ السيد الشهيد& لا يستصوب هذا التقسيم([23]).

نقد الدكتور علي شريعتي على السيد الشهيد، وإجابات حجتي كرماني ــــــ

أورد الدكتور علي شريعتي في رسالة بعث بها إلى «حجّتي كرماني»([24]) ثلاثة نقود على كتاب السيد الشهيد&، وهي:

1ـ من بين الفرضيات الثلاث التي ذكرها السيد الشهيد، وهي: (الإهمال؛ وأصل الشورى؛ وتعيين الخليفة)، تمّ إبطال الفرضيّة الثانية المتمثِّلة في احتمال أن يكون النبيّ قد ترك مسألة تحديد وتعيين القائد إلى شورى المسلمين وأكثريّة الآراء. وقد ذهب السيد الصدر إلى القول بأنّ أحد الأدلّة على بطلان هذه الفرضية هو عدم كفاءة واستعداد ووعي أصحاب النبيّ في ما يتعلق بأمر القيادة والحكومة والسياسة، في حين أنّ التاريخ والأحداث الخارجيّة تثبت عكس ذلك تماماً. لسوء الحظّ كان يعيش في عصرهم شخصٌ اسمه عليّ، والذي كانت جميع القِيَم تبدو عنده بلا قيمة.

2ـ «إنّ دليلكم على نفي الشورى هو سلوك وأقوال الذين لا ترضى عنهم الشيعة، خاصّة في ما يتعلق بالسياسة والخلافة. وبعبارة أوضح: إنّ الذين كتموا حقّ الإمام عليّ من أجل مصلحتهم السياسيّة لماذا لا يحتمل تجاهلهم للشورى؟».

3ـ أما الإشكال الثالث الذي أورده الدكتور علي شريعتي فيتعلّق ببحث النصّ والاجتهاد. وقد أشار فيه إلى كلام السيد الشهيد القائم على تقسيم الصحابة إلى جناحين: الجناح المؤيِّد للنصّ؛ والجناح المؤيِّد للاجتهاد، واعتبار الشيعة من أنصار النصّ، والسنة من أنصار الاجتهاد، فقال: «إنّ قارئ كلامكم إذا كان من المستنيرين المسلمين فإنه يريد معرفة ما إذا كان الحقّ مع عليّ أو مع عمر؟ وما هو فهم كلّ واحد من هذين الجناحين للإسلام وسلوك النبيّ؟ لا تشكّ في أنهم سيميلون مع التيّار المناصر للاجتهاد، دون التيّار المناصر للنصّ والتعبُّد. وبطبيعة الحال فإنّ الشيعة هم أكثر الفرق الإسلاميّة تسنُّناً. إلا أنّ طريقة تعبيركم واستدلالكم واختياركم للكلمات ـ بالالتفات إلى انعكاسها على نفسيّة ورؤية المستنيرين في الوقت الراهن والجيل المترقّي والصاعد ـ قابلٌ للانتقاد. والنتيجة الوحيدة التي نحصل عليها من كلامكم هو أن نخسر الميزة الوحيدة التي تسجَّل للشيعة في مقابل السنّة، والتي تتمثَّل بفتح باب الاجتهاد عند الشيعة المغلوق عند السنّة، لتنعكس الآية، فيكون الشيعة هم المتعبِّدون، والسنّة هم أهل الاجتهاد».

وقد أجاب السيد حجّتي كرماني عن جميع هذه الإشكالات الثلاثة التي أوردها الدكتور شريعتي. وسنذكر تلك الأجوبة في ما يلي باختصار.

قال السيد حجّتي في الإجابة عن الإشكال الأول: «ليس الكلام في أنّهم وقفوا في وجه الإمام عليّ×، وإنما لبّ الكلام في أنّ استمرار الحركة الإصلاحيّة والإسلام في تحويل الإنسان الجاهليّ إلى إنسان إسلاميّ، واجتثاث العناصر الاجتماعيّة والأخلاقيّة والثقافيّة الجاهليّة والأرستقراطيّة التي كانت لا تزال ـ بحسب تعبيركم ـ راسخة في أعماق مجتمع المدينة الفتيّ، كانت بحاجة إلى وصاية وخلافة الإمام عليّ× بعد النبيّ مباشرةً. نعم، إننا لو تجاوزنا عليّاً× سنشهد سطوع نجم الكثير من شخصيّات الصحابة من المهاجرين والأنصار. لا يمكن مقارنة أبي بكر وعمر بالقادة الوطنيّين والسياسيّين والسلاطين والملوك. ولكن ما الذي يمكننا فعله بعد أن كانت هناك شخصيّة مثل شخصيّة الإمام عليّ×، والتي لا يسعنا تجاهلها، فكانت نتيجة ما توصَّلنا إليه هي تلك التي وضعناها بين يديكم».

وقال السيد حجتي في معرض الإجابة عن الإشكال الثاني: «إنّ هذه الجماعة [التي اجتمعت في السقيفة] لو كانت تحمل أصلاً قانونيّاً ومفهوماً ذهنيّاً وأيديولوجيّاً حول نظام الشورى فلماذا لم تبرِّر عملها وموقفها من خلاله؟ إنّ من بين الأدلّة البارزة والمتقنة على نفي الشورى في صلب الإسلام ـ كصيغة محدَّدة للحكومة الإسلاميّة ـ عدم وجودها في ذهن هذه الجماعة الأولى. فلماذا لا نستطيع التمسُّك بها، والحال أنّهم عملوا بها؟ لو كان مثل هذا القانون موجوداً عندهم لتمسّكوا به بشكل طبيعيّ، وبرَّروا به عملهم».

وكأن السيد حجّتي لم يلتفت إلى كلام الدكتور علي شريعتي، حيث يقول مخاطباً الشهيد الصدر: «إذا كان المجتمعون في السقيفة قد انتهكوا حقّ الإمام عليّ× في الوصيّة فربما أرادوا من خلال إنكار الشورى القضاء على حقّ سعد بن عبادة. ومن هنا لا يكون هناك لتمسُّك أصحاب السقيفة بها محلٌّ من الإعراب». وكلام السيد الشهيد لا يخرج عن هذه الفرضيّات الثلاث. كان على السيد حجّتي كرماني أن يبطل الفرضيّة الثانية المتمثِّلة بالشورى، في حين أنّ القرآن نفسه قد ذكر مسألة الشورى. وهذا الأمر لا يزال متناقضاً مع موقف السيد الشهيد في كتابه «أهل البيت، تنوُّع أدوار ووحدة هدف».

أما جواب السيد حجّتي عن الإشكال الثالث الذي أورده الدكتور شريعتي في شأن النصّ والاجتهاد فيتلخّص في أنّ الدكتور شريعتي قد خلط بين الاجتهاد في مقابل النصّ، الذي لا يعني سوى التلاعب بالوحي واعتبار الكتاب والسنّة قابلين للتغيير والتبديل [الاجتهاد في الأصول]، وبين الاجتهاد المعقول عند الشيعة [الاجتهاد في الفروع]، والذي هو مفتوح عندهم إلى الأبد، خلافاً لأهل السنّة.

 

إجابات السيد الشهيد الصدر عن إشكالات الدكتور شريعتي ــــــ

يبدو من بعض إشكالات الدكتور علي شريعتي أنها كانت ناشئة من عدم التدقيق في القراءة الأولى لكتاب السيد الصدر، ومع ذلك فقد بادر& إلى الإجابة عن تلك الإشكالات، وضمّنها في الطبعات اللاحقة للكتاب، دون تسمية صاحبها.

وفي ما يلي نستعرض إجابات السيد الشهيد عن تلكم الإشكالات باختصار:

في ما يتعلق بالإجابة عن النقد الأول المرتبط بصحابة النبيّ وقدرتهم بدأ السيد الشهيد بذكر عدّة نقاط:

الأولى: إنّ الفترة الزمنيّة التي بُعث فيها النبيّ إلى الناس كانت محدودة وقصيرة لا تتجاوز عشرين سنة، بل قد لا تتجاوز ثلاث أو أربع سنوات بالنسبة إلى الكثير من الصحابة، حيث لم تدخل الجموع الغفيرة من الصحابة في الإسلام إلاّ بعد عام الفتح.

الثانية: إنّ الظروف التي كان يعيشها المجتمع الجاهليّ قبل الإسلام كانت ظروفاً خاصّة.

الثالثة: إنّ النبي لم يكن مثل السيد المسيح الذي اقتصرت رسالته على تربية الأفراد، بل كان| يمارس علاج الكثير من العُقَد السياسيّة والاجتماعيّة والعسكريّة.

الرابعة: في تلك الفترة كانت هناك الكثير من المشاكل الفكريّة، من قبيل: مواجهة الثقافات الدينيّة المتعدِّدة، الأمر الذي كان يأخذ الكثير من وقت النبيّ للإجابة عن تلك المشاكل.

الخامسة: كان الكثير من الصحابة بعد رحيل النبيّ من الذين أسلموا بعد الفتح، فكانت تربيتهم الدينيّة في حدود الصفر تقريباً؛ إذ لم يعيشوا مع النبيّ سوى فترة قصيرة جدّاً.

ورغم وجود جميع هذه المشاكل فقد حقَّق النبيّ| نتائج كبيرة في تربية المجتمع، بيد أنّ هذا لا يعني أنّ الأمّة كانت قادرةً على الإمساك بزمام قيادة المجتمع. إنّ تسليم زمام القيادة إلى المجتمع يتوقّف على أن يكون لدى أفراد المجتمع إيمان راسخ ومتين، وأن تكون لديهم إحاطة شاملة بأحكام ومفاهيم الرسالة. كما يجب على المجتمع الذي يريد أن يتولّى شؤون الحكم أن يُطهِّر صفوفه من المنافقين. إنّ وجود بعض الشخصيّات الخاصّة في المجتمع لا يعني أنّ المجتمع قد بلغ حدّاً من الرشد والبلوغ يؤهِّله لتولّي قيادة أمره. علاوةً على أنّ هؤلاء الأفراد المعدودين رغم إخلاصهم لم يكونوا ليصلحوا لمثل هذه القيادة؛ لأنّ الذي يريد أن يتولّى القيادة يجب أن يكون محيطاً بجميع أبعاد الرسالة الإسلاميّة، وإلاّ فإنه سينجرف نحو المتبنيات القَبْلية والقَبَلية([25]).

وفي ما يتعلق بجواب السيد الشهيد عن الإشكال الثاني للدكتور علي شريعتي، القائم على إمكان أن يكون النبيّ قد طرح فكرة الشورى، ولكن حالت الدوافع السياسيّة دون ظهورها، قال: إنّ هذا الافتراض لا يمكن أن يكون عمليّاً وواقعيّاً؛ لأنّه مهما بلغت تلك الدوافع المزعومة من القوّة لا يمكن أن تكون على هذا المستوى من الشمول، حتّى لا ينقلها ولو فردٌ واحدٌ من المسلمين، مهما بلغ الطغيان السياسيّ. من هنا نستطيع أن ندرك أن النبيّ لم يُرَبِّ المسلمين على هذه الفكرة، وإلاّ لكان من الطبيعيّ أن تنعكس وتتجسَّد في الأحاديث المأثورة عن النبيّ، كما وصلت إلينا الروايات المأثورة في حقّ الإمام عليّ×([26]).

ذكر السيد الشهيد هذه المسألة بشكلٍ تفصيليّ تقريباً. إلا أنّ هذا الكلام لا ينسجم مع ما ورد في كتابه «أهل البيت، تنوّع أدوار ووحدة هدف». وقد ذكرنا جوانب من بحوث هذا الكتاب. وفي ما يلي نكتفي بذكر هذه الفقرة: «هذه المؤامرة ـ المؤامرة على وجود الأمّة الإسلاميّة ـ صحيحٌ أنها تمتدّ بجذورها إلى أمدٍ طويل قبل هذا التاريخ، فإنّ الأمّة الإسلاميّة التي سهر عليها رسول الله|، وأكَّد على إعطائها أصالتها وشخصيّتها وكرامتها ووجودها، حتّى كان قد ألزم نفسه وألزمه ربّه بالشورى والتشاور مع المسلمين؛ لأجل تربية المسلمين تربية نفسيّة، وإعدادهم لتحمُّل مسؤوليّاتهم، وإشعارهم بأنّهم هم الأمّة التي يجب أن تتحمّل مسؤوليّات هذه الرسالة التي خلَّفها رسول الله|، وهي تعيش هذه الروحيّة، وتعيش على هذا المستوى عاطفيّاً ونفسيّاً، وبدأت جذور المؤامرة للقضاء على وجود الأمّة، وتحويل الوجود إلى السلطان والحاكم»([27]).

إنّ كلام السيد الشهيد هنا يُثبت أنّ الله أمر النبي بالشورى والتشاور، وأن يربّي الأمة على الشورى وعلى تقبّل المسؤوليّة. وكانت مؤامرة السقيفة تسعى إلى الحيلولة دون ذلك. من هنا يبدو أنّ هذا الكلام يقف على الطرف النقيض من كلامه في كتاب «بحث حول الولاية». من جهة أخرى فإنّه يقول: لو كان النبيّ قد تحدّث حول الشورى لنقل ذلك إلينا. ولكننا لا نزال نشهد غياباً للإجابة عن التساؤل القائل: مع وجود صريح القرآن والسنّة النبوية هل تبقى هناك من حاجة إلى نقل هذه الحقيقة لنا؟ وعلى أيّة حال لولا بحوث كتاب «أهل البيت، تنوّع أدوار ووحدة هدف» كان هناك إمكان في أن نصل إلى نتيجة ثابتة من خلال أبحاث السيد الصدر. غير أنّ اختلاف البحث في هذين الكتابين أدى إلى بقاء المشكلة على حالها. ويبدو أنه لم يتمّ الجواب عن نقد الدكتور علي شريعتي بعد.

أما الجواب الذي أفاده السيد الشهيد عن الإشكال الثالث للدكتور علي شريعتي فيقول: «إنّ الاجتهاد الذي يمارسه الشيعة، ويرونه جائزاً، بل واجباً وجوباً كفائياً، هو الاجتهاد في استنباط الحكم من النصّ الشرعيّ، لا الاجتهاد في رفض النصّ الشرعيّ، بمعنى الرأي يراه المجتهد، والمصلحة يخمّنها، فإنّ هذا غير جائز، والاتّجاه الشيعي يرفض أيّ ممارسة للاجتهاد بهذا المعنى… ومن المهمّ أن نشير في هذا الصدد أيضاً إلى أنّ التعبُّد بالنصّ لا يعني الجمود الذي يتعارض مع متطلّبات التطوّر وعوامل التجديد المختلفة في حياة الإنسان، فإنّ التعبُّد بالنصّ معناه كما عرفناه: التعبُّد بالدين، والأخذ به كاملاً دون تبعيض»([28]).

لقد تناول السيد الصدر في مؤلَّفاته بعض المسائل المتعلِّقة بالإمامة، ولكن البحث الذي لم يتمّ التعرُّض له ـ وهو يحتاج إلى بحث مستقلّ ـ، وهو بطبيعة الحال بحثٌ مرتبطٌ بمسألة الإمامة، فهو بحث النفاق.

يبدو من خلال الالتفات إلى القرآن الكريم والتاريخ أنّ المجتمع الإسلاميّ ـ وخاصّة في المرحلة المدنيّة ـ واجه تيّار النفاق. وإنّنا إذا أجرينا مقارنة بين الآيات الواردة حول النفاق في سورة البقرة؛ بوصفها من أوائل ما نزل بعد الهجرة، وبين الآيات الواردة حول ذات الموضوع في سورة التوبة؛ بوصفها آخر ما نزل من القرآن، يتّضح أنّ تيار النفاق قد اشتدّ وتفشّى وانتشر في أواخر حياة النبيّ الأكرم. ولا يمكن نسبة هذه الظاهرة إلى إسلام المجتمع المكّي بعد الفتح، فقد كانت هذه الظاهرة موجودة في صلح الحديبية أيضاً. فإذا كان تيّار النفاق قد استفحل في حياة النبيّ على هذه الشاكلة فكيف لنا أن نطمئنّ إلى نجاح الإمام عليّ× في التغلّب عليه فيما لو ثُنيت له الوسادة؟ وهل يصحّ ما ذهب إليه أمثال السيد الميرداماد من القول بعدم سعي أئمة الشيعة للحصول على السلطة؛ إذ يقول في بيان موقف الإمام علي×: «رضي بما جرى به القلم، وتسليماً يؤدّي إليه القدر، وعملاً بوصيّةٍ سبقت من رسول الله|»([29])؟.

ومن الجدير بالذكر أنّ بعض أبحاث السيد الشهيد قد طُبعت في حياته، كما طُبع بعضها بعد استشهاده، ولا يزال البعض منها حتى الآن غير مطبوع. وإنّ بين ما هو غير مطبوع ما هو موجودٌ حاليّاً ضمن أشرطة صوتيّة. ومن البديهيّ أنّ تحليل آراء وأبحاث السيد الصدر بشكلٍ كامل يتوقَّف على نشرها وطباعتها بأجمعها.

 

أقسام الإمامة ــــــ

لقد تحمّل علماء الشيعة على طول التاريخ جهوداً مضنية في ما يتعلَّق بموضوع الإمامة، وطرحوا الكثير من المسائل، وأجابوا عنها. ورغم أهمّية مسألة خلافة النبيّ| فإنّه بعد تثبيت مسألة الإمامة، واتّضاح موقع التشيُّع بوصفه مذهباً يتمتَّع بأوصاف خاصّة، تأتي ضرورة الخوض في المسائل الأخرى أيضاً. ومن تلك المسائل مسألة أقسام الإمامة.

في مرحلة المتكلِّمين الأوائل لم تكن هناك مثل هذه الضرورة؛ فقد كان بحث الإمامة في الكثير من الكتب الكلاميّة يبحث بشكل مبسَّط، وقلّما يتمّ التفكيك بين أقسام الإمامة. وأما المتأخِّرون من علماء الشيعة فمنهم مَنْ يقول بأنّ النبيّ الأكرم| هو الذي بيَّن العديد من أقسام الجعل والتنصيب في ما يتعلق بمسألة الإمامة، وبالتالي فإنّ هذا البحث يطرح تقسيمات لمسألة الإمامة، من قبيل:

1ـ الإمامة والقيادة السياسيّة.

2ـ الإمامة بوصفها مرجعيّة دينيّة.

3ـ الإمامة بمعنى منصب القضاء.

4ـ الإمامة الباطنيّة.

5ـ الإمامة التكوينيّة، أو بتعبير أخفّ: «الولاية التكوينيّة».

وفي حدود معرفتنا هناك ثلاثة من علماء الشيعة بحثوا في تقسيمات إمامة أهل البيت^، وهم: الشهيد مطهري؛ والإمام الخميني، والسيّد الصدر.

ويبدو أنّ بحث السيد الشهيد يتَّسم بصراحة أكثر؛ حيث يقول: «قد جُمعت كلتا المرجعيّتين لأهل البيت^، بحكم الظروف التي درسناها، وجاءت النصوص النبوية الشريفة تؤكّد ذلك باستمرار، والمثال الرئيس لنصّ النبيّ على المرجعيّة الفكريّة حديث الثقلين… والمثال الرئيس للنصّ النبويّ على المرجعيّة في العمل القياديّ الاجتماعيّ حديث الغدير»([30]).

وعليه يكون السيد الصدر من العلماء الذين قالوا بالتفكيك بين أقسام الإمامة، حيث عمد سماحته إلى تقسيم الإمامة إلى قسمين، وهما: الإمامة السياسيّة، والمرجعيّة الفكريّة.

وإنّ أوّل مَنْ قام بهذا التفكيك، وكان له قصب السبق على الجميع، هو الشهيد مطهَّري&. ويبدو أنه كان متأثِّراً في هذه المسألة إلى حدٍّ كبير بأستاذه السيد البروجرديّ.

ذهب الشهيد مطهري إلى القول بأنّ النبيّ الأكرم من خلال حديث الثقلين عرّف الأئمة بعده بوصفهم مرجعيّة دينيّة معصومة من الخطأ. فالإمامُ مرجعٌ حاسم إذا صدرت عنه جملةٌ لا يمكن أن نحتمل فيها الخطأ، ولا أن نحتمل فيها الانحراف المقصود والمتعمَّد. وهذه هي العصمة. «يقول الشيعة: إنّ ما روي عن النبيّ أنه قال: إني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله؛ وعترتي أهل بيتي… إنّما هو نصٌّ في هذا المفهوم… علاوةً على ذلك فإنّ كلّ مَنْ كان مرجعاً دينيّاً كان هو الزعيم الدينيّ. وقد صرّح النبيّ بسند الزعامة. وإنّ أحد الأمثلة على ذلك حديث الغدير، الذي قاله النبيّ الأكرم في غدير خمّ وفي حجّة الوداع»([31]).

وقد روى الشهيد مطهَّري في موضع آخر كلاماً عن السيد البروجرديّ، قال فيه: «أتذكَّر أنّ الراحل السيد البروجرديّ كان يذكر على الدوام هذه المسألة قائلاً: هناك أمران يجب التفكيك والفصل بينهما، وعندها سوف يتمّ حلّ الخلاف بيننا وبين أهل السنّة، وسيكون ذلك الحلّ في صالحنا. وذانك الأمران هما: مسألة الخلافة والزعامة؛ والأخرى: مسألة الإمامة. وفي ما يتعلّق بالخلافة والزعامة فإننا نقول: إنّ الذي يجب أن تنتقل إليه الزعامة بعد رحيل النبيّ هو الإمام عليّ×، بينما يذهب أهل السنّة إلى القول بأنّه أبو بكر، وهذا خلاف. والمسألة الأخرى هي الإمامة، أي إننا لا نتحدّث عن مجرّد الزعامة وحكومة النبيّ؛ إذ كان للنبيّ علاوة على ذلك شأنٌ آخر أيضاً، وهو كونه نبيّاً ومبيِّناً للأحكام. فعلينا أن نأخذ هذه المسألة بنظر الاعتبار، ونبحث عن الذي يجب أن يخلف النبيّ في التصدّي لمرجعيّة بيان الأحكام، أي مَنْ الذي تثبت لحكمه الحجّية علينا؟ ثم كان سماحته يقول: هناك بعض الروايات تنصّ على أنّ النبيّ| قال: إنّ عليّاً× هو الخليفة والإمام بعدي. وهناك منها ما يضيف إلى ذلك أنّ الرسول الأكرم قال: عليّ هو المرجع في الأحكام بعدي… وعليه ففي مقام الإجابة عن السؤال القائل: لمَنْ تثبت الحجّيّة بعد رحيل النبيّ؟ نجد أنّ حديث: إنّي تارك فيكم الثقلين… يثبت مقام المرجعيّة العلميّة للعترة»([32]).

كما قال الإمام الخميني في إحدى خطبه بمناسبة حلول ذكرى عيد الغدير: «إنّ الحكومة الممتزجة بالسياسة هي التي ثبتت لأمير المؤمنين في يوم غدير خم… ورد في بعض الروايات: (بُني الإسلام على خمس:…والولاية)، وإنّ هذه الولاية ليست هي كلّ ولاية الإمامة. فإنّ الإمامة التي لا يقبل أيّ عمل إلاّ من خلال الإيمان بها لا يمكن أن تعني مجرّد هذا الحكم وإدارة الدولة، بل إنّ الكثير من أئمّتنا لم يمارسوا السلطة… إنّ الذي جعله الله تبارك وتعالى، وثبت لأئمّة الهدى إثر هذا الجعل، هو الحكومة… إنّ الحكومة قد جعلها الله لأمير المؤمنين سلام الله عليه، وإنّ هذه الحكومة تعني السياسة»([33]).

يرى الشهيد مرتضى مطهَّري& أنّ البُعد السياسيّ للإمامة لا يشكِّل سوى بُعداً صغيراً جدّاً من أبعاد الإمامة، وذلك حيث يقول: «علينا أن لا نرتكب هذا الخطأ أبداً. بمعنى أنه ما إنْ يأتي الحديث على ذكر الإمامة عند الشيعة حتّى يقفز الذهن إلى القول بأنّ المراد من الإمامة مسألة الحكومة… هذا خطأٌ فاحشٌ ارتكبه حتى بعض المتكلِّمين القدامى. هذا في حين أنّ مسألة الحكومة لا تشكِّل إلاّ هامشاً وحيّزاً صغيراً من مسألة الإمامة، وعليه لا ينبغي الخلط بين هاتين المسألتين. وعليه نقول: ما هي مسألة الإمامة؟ إنّ ما هو المهمّ في الدرجة الأولى بالنسبة إلى الإمامة هي مسألة خلافة النبيّ في بيان وتوضيح الدين بمعزل عن الوحي. وبطبيعة الحال لا شكّ في أنّ الذي كان يُوحى إليه هو النبيّ الأكرم فقط وفقط، وبرحيله انقطع الوحي وختمت الرسالة بشكل كامل»([34]).

بيد أنّ الإمام الخمينيّ ـ في خطبة الغدير التي سبق أن استشهدنا ببعض فقراتها ـ والسيد الشهيد الصدر ـ خاصّة في المسائل المطروحة في كتابه: أهل البيت، تنوّع أدوار ووحدة هدف ـ يؤكِّدان على مسألة «السياسة» أكثر من الشهيد مطهري. ويمكن القول باستحالة المقارنة بين هذين الرأيين، بل يذهب الشهيد مطهري إلى حدّ القول: «إذا كانت المسألة مجرّد مسألة سياسيّة فإنّ ما عند أهل السنّة أكثر جاذبيّة ممّا عند الشيعة؛ لأنهم يقولون: ليس من حقّ الحاكم أن يعيِّن مَنْ يخلفه، بل هذا من حقّ الأمّة وأهل الحلّ والعقد، وإنّ انتخاب الحاكم يجب أن يقوم على أسس ديمقراطية. إنّ للناس كامل الحقّ في الانتخاب. بيد أنّ المسألة ليست على هذا المستوى من التبسيط. من مجموع ما نشاهده عند الشيعة نجد أنّ الخلافة المنصوصة للإمام علي× وسائر الأئمّة^ أكبر بكثير من الخلافة السياسية، من هنا ندرك أنّ هذه الخلافة السياسية مجرّد تفريع على مسألة أخرى أكبر بكثير منها»([35]).

كما يذهب الشيخ مصباح اليزدي إلى اعتبار الإمامة أوسع من ذلك بكثير، وأنّ الحكومة لا تشكِّل سوى شأن من شؤونها، حيث يقول: «إنما يستطيع الدين الإسلاميّ أن يطرح نفسه بوصفه ديناً كاملاً ـ يتمكّن من تلبية جميع مطالب البشريّة على جميع العصور إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها ـ إذا كان يحتوي في ذاته على نهج يضمن المصالح الضروريّة للمجتمع، وهي المصالح التي تكون بعد رحيل رسول الله عرضةً للخطر والتضييع. وذلك النهج ليس سوى تنصيب الخليفة اللائق والكفوء للنبيّ الأكرم. وينبغي لهذا الخليفة أن يتمتَّع بعلم مستلهم من الله سبحانه وتعالى([36])؛ ليتمكن من بيان حقائق الدين بجميع أبعاده ودقائقه، وأن يكون حاصلاً على مَلَكَة العصمة؛ كي لا يقع فريسة للأهواء النفسيّة والشيطانيّة، فلا يرتكب تحريفاً عمدياً، وأن يتمكَّن من الاضطلاع بدور النبيّ الأكرم| التربويّ، وأن يبلغ بالملتزمين أعلى مدارج الكمال، وإذا توفّرت الظروف الاجتماعيّة يتّصدى حينها للحكم وتدبير أمور المجتمع، ويعمل على تطبيق القوانين الاجتماعيّة للإسلام، وبسط الحقّ والعدل في العالم»([37]).

كما يذهب العلاّمة الطباطبائيّ& إلى القول بإمامتين، بيد أنّه لا يخوض في بحث التنصيب، وما إذا كان هناك تنصيبان أم لا. إنّ الذي يتصدّى لحفظ الدين من قبل الله هو الإمام. كما أنّ الذي يحمل روح الوحي والنبوّة، ويتصدّى لاستلام الأحكام والشرائع السماويّة من الله، هو النبيّ. فإذا كان الدليل المذكور يُثبت عصمة الأنبياء فإنه يُثبت العصمة للأئمّة أيضاً؛ إذ يجب على الله أن يحفظ دينه من التحريف دائماً وأبداً؛ ليمكن تبليغه إلى الناس، واعتباره حجّة عليهم([38]). وقد تحدّث العلاّمة الطباطبائي عن الإمامة الباطنية، فقال: «إذا كان الإمام يعمل على هداية أعمال الناس على المستوى الظاهري فهو يعمل أيضاً على هداية القافلة الإنسانيّة في مسيرتها إلى الله على المستوى الباطنيّ»([39]).

أشار الشيخ الشهيد مطهري في موضع من تقسيمات الإمامة إلى بحث الولاية التكوينيّة، حيث قال: «يُنقل عن الفقيد السيد محمد باقر درشه إي ـ أستاذ السيد البروجردي ـ أنه كان يُنكر هذه المرحلة الثالثة من مراحل الإمامة، حيث توقَّف عند المرحلتين الأوليين منها، فلم يتجاوزهما في اعتقاده. في حين أنّ الغالبيّة من علماء الشيعة تذهب إلى الاعتقاد بالمرحلة الثالثة أيضاً»([40]). وهكذا نجد الشهيد مطهري يعود إلى هذا الموضوع ثانيةً، ويقول: «أنا شخصيّاً أعتقد بذلك، وأراه أساسيّاً وجوهريّاً، ولكن يبدو أنّ هذا ليس من أركان التشيُّع»([41]).

كما هناك للشيخ صافي الكلبايكاني كتابٌ تحت عنوان (الولاية التكوينيّة والولاية التشريعية) أثبت فيه الولاية التكوينيّة والتشريعيّة للأئمّة^.

إنّ البحوث المرتبطة بمسألة الإمامة متشعِّبة للغاية. والغرض من تناول هذا الموضوع المتشعِّب في هذه المقالة المقتضبة هو إثبات أنّ السيد الشهيد& كان من القائلين بالتفكيك والفصل بين هاتين المسألتين من مسائل الإمامة. وبمناسبة هذا التفكيك يجب الخوض في مسائل يتعيَّن على الشيعة في اللحظة الراهنة تناولها على نطاق أوسع. وربما كانت هذه المسائل من المسائل الضروريّة في الفكر الشيعيّ. وهي على النحو التالي:

1ـ هل تنحصر الإمامة بهذين القسمين أم حصل التنصيب في أقسام أخرى من مراتب الإمامة؟ من باب المثال: هناك مَنْ ذهب إلى القول باعتبار منصب القضاء من جملة مناصب الإمامة([42]).

2ـ كم يبلغ عدد مناصب الإمامة؟ وكم هو عدد الأقسام القابلة للتنصيب؟ وكم هو عدد الأقسام التي لا تقبل التنصيب؟ فمثلاً: يذهب المحقِّق الإصفهاني إلى القول بعدم قابلية الولاية التكوينية للجعل والتنصيب([43]).

3ـ هل هناك إجماع من قبل علماء الشيعة على هذه المناصب بأجمعها أم لا؟ وهل يُعتبر الإجماع في هذا البحث مفيداً في الأساس أم لا؟.

4ـ لأيّ قسم من أقسام الإمامة تثبت الأصالة في ما يتعلق بأبحاث التنصيب؟ وهل هناك موضوعيّة لطرح مثل هذا السؤال؟ يذهب الشهيد مطهري إلى تأصيل المرجعيّة الدينيّة. فإذا ثبتت الأصالة لجميع أقسام الإمامة فهل هناك أولويّة لبعض الأقسام على الأقسام الأخرى؟.

5ـ إذا ثبتت الأصالة لجميع أقسام الإمامة، وكانت الإمامة ضروريّة، فهل يلزم من ذلك وجوب تحقُّق الإمامة في الخارج على جميع الأبعاد، وفي جميع الأزمنة؟ وبعبارة أخرى: إذا كنّا بحاجةٍ إلى إمام فهل تنحصر تلك الحاجة بالإمامة السياسيّة، أم الإمامة السياسيّة والمرجعيّة الدينيّة، أم كلاهما مع إضافة الإمامة الباطنيّة وما إلى ذلك؟ وهل تشمل هذه الحاجة جميع الأزمنة أم بعضها؟.

6ـ المسألة الأخرى مسألة العصمة. بمعنى أننا إذا قلنا بالتفكيك بين أقسام الإمامة فهل تشترط العصمة في جميع أنواع الإمامة؟ فنحن قطعاً نحتاج إلى العصمة في الإمامة بمعنى المرجعيّة الدينيّة مثلاً، فهل نحتاج إلى هذه العصمة في المرجعيّة السياسيّة والإمامة الاجتماعيّة أيضاً ـ على غرار المرجعيّة الدينيّة ـ أم لا؟ وبطبيعة الحال فإنّ هذا إنما يكون بغضّ النظر عن إمامة المعصوم×. فعندما تكون للفرد المعصوم مرجعيّة سياسيّة تكون له العصمة في هذا النوع أيضاً.

7ـ تكمن الفائدة في طرح هذه المسألة في العصر الراهن فيما إذا قلنا بالتفكيك بين أقسام الإمامة، وكانت العصمة لازماً لا ينفكّ عن كلا نوعي الإمامة، فهل هناك إمكانية لنقل المسؤوليّة السياسيّة في عصر الغيبة أيضاً؟ وهل يمكن القول بأنّ الإمامة السياسيّة في بعض مراحلها الزمنية تلازم العصمة، ولا تلازمها في بعض مراحلها الأخرى؟ يجب بيان هذه النقطة بالأدلّة الواضحة والكافية.

8ـ هل المرجعيّة الدينيّة واجبة في جميع الأزمنة أم أنها واجبة في مرحلة محدودة فقط؟ وإذا كانت المرجعيّة الدينيّة للمعصوم واجبة في جميع الأزمنة فهل لمثل هذا الشيء تحقّق خارجيّ أم لا؟ هل يُمكن القول: ليست المرجعيّة الدينيّة أصلاً محوريّاً، ولا المرجعيّة السياسيّة (كما عليه العرفاء)، بل الولاية التكوينيّة هي الأصل الذي يمكن الاستدلال له في جميع الأزمنة. ومن هنا فإنه على الرغم من عدم وجود المرجعيّة السياسيّة والفكريّة والدينيّة للمعصوم في عصر الغيبة إلاّ أنّ الولاية التكوينيّة والإمامة الباطنيّة موجودة.

الهوامش:

(*) عضو الهيئة العلمية في جامعة المصطفى| العالمية.

([1]) السيد محمد باقر الصدر، فدك في التاريخ: 37 ـ 38، مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر، ط3، قم المقدسة، 1427هـ.

([2]) السيد محمد باقر الصدر، أهل البيت، تنوّع أدوار ووحدة هدف: 76، دار التعارف للمطبوعات، بيروت.

([3]) المصدر السابق: 89 ـ 90.

([4]) المصدر السابق: 27.

([5]) المصدر السابق: 28.

([6]) المصدر نفسه.

([7]) محمد باقر الصدر، تشيّع مولود طبيعي إسلام، ترجمه إلى الفارسية: علي حجّتي كرماني، طهران، كانون نشر بجوهشهاي إسلامي.

([8]) أهل البيت، تنوّع أدوار ووحدة هدف: 15.

([9]) فدك في التاريخ: 87.

([10]) المصدر السابق: 89.

([11]) أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف: 73.

([12]) المصدر السابق: 74.

([13]) المصدر السابق: 74 ـ 75.

([14]) المصدر السابق: 75.

([15]) المصدر نفسه.

([16]) المصدر السابق: 123.

([17]) انظر: المصدر السابق: 76 ـ 77، 123.

([18]) المصدر السابق: 144. يتمّ التعبير أحياناً بعبارة: (قام شخصٌ وقال: لو فعلت ذلك لقوّمناك بسيوفنا)، ويبدو أنّ السيد الشهيد يعتقد بأن قائل هذه العبارة هو الإمام عليّ(ع).

([19]) المصدر السابق: 144 ـ 145.

([20]) محمد باقر الصدر، بحث حول المهدي: 50.

([21]) ترجم هذا الكتاب الأستاذ علي حجّتي كرماني إلى اللغة الفارسية، تحت عنوان (تشيّع مولود طبيعي إسلام)، في حياة السيد الشهيد.

([22]) السيد محمد باقر الصدر، بحث حول الولاية: 80، دار التعارف للمطبوعات، ط2، بيروت، 1989م.

([23]) يبدو أنّ رأي السيد الشهيد في ما يتعلق بهذه المسألة قريب من موقف الدكتور عبد العزيز الدوري. يرى الأستاذ كامل مصطفى الشيبي أن موقف الدكتور الدوري هو الجمع بين رأي الشيخ كاشف الغطاء ورأي الأستاذ طرحين؛ إذ يذهب طرحين إلى الاعتقاد بأن التشيُّع ظهر بعد الإمام عليّ(ع)، بينما يذهب الشيخ كاشف الغطاء إلى وجود التشيُّع في حياة رسول الله|. وقد حاول الدكتور عبد العزيز الدوري إلى الجمع بين هذين القولين من خلال التفكيك بين التشيّع الروحيّ والتشيّع السياسي، فوافق رأي الشيخ كاشف الغطاء في ما يتعلق بالتشيُّع الروحيّ، ووافق الأستاذ طرحين في ما يتعلق بالتشيُّع السياسي. هذا وإن بحوث الأستاذ كامل مصطفى في هذا الإطار تدعو إلى التأمُّل.

([24]) أصل هذه الرسالة موجود في الطبعات الأخيرة لكتاب (تشيّع مولود طبيعي إسلام)، الترجمة الفارسية لكتاب (بحث حول الولاية).

([25]) انظر: بحث حول الولاية: 51 ـ 85.

([26]) انظر: المصدر السابق: 36 ـ 40.

([27]) أهل البيت، تنوّع أدوار ووحدة هدف: 26 ـ 27.

([28]) بحث حول الولاية: 79 ـ 81.

([29]) محمد باقر الحسيني (الميرداماد)، نبراس الضياء وتسواء السواء في شرح باب البداء وإثبات جدوى الدعاء: 10، مع تعليقات الملاّ علي النوري، تحقيق: حامد ناجي الإصفهاني، وزارة الإرشاد الإسلامي، مكتب نشر ميراث مكتوب، طهران، 1374هـ.ش.

([30]) بحث حول الولاية، 83 ـ 84.

([31]) مرتضى مطهري، إمامت ورهبري: 83 ـ 84، انتشارات صدرا، ط3، طهران، 1368هـ.ش.

([32]) مرتضى مطهري، إسلام ومقتضيات زمان 1: 176 ـ 177، انتشارات صدرا، طهران، 1368هـ.ش.

([33]) الإمام الخميني، صحيفه نور 20: 28 ـ 29، انتشارات سروش، طهران، 1369هـ.ش.

([34]) إمامت ورهبري: 70 ـ 71، انتشارات صدرا، ط3، طهران، 1368هـ.ش.

([35]) المصدر السابق: 70.

([36]) إنّ للشيخ الشهيد مرتضى مطهري عبارة ربما تعارضت مع عبارة الشيخ مصباح اليزدي، وذلك حيث يقول الشيخ مطهري: «إنّ ذلك الشخص [الإمام] لن يتعرّف إلى الأحكام من طريق الوحي، وإنما يكون قد تعلَّمها مسبقاً بتعليم من النبيّ» (انظر: إسلام ومقتضيات زمان: 177). بيد أنّ هناك تأمّلاً في إمكان التعويل على المؤلَّفات التي طبعت بعد استشهاد الشيخ مطهري في التعبير عن آرائه. وعلى أيّة حال فإننا نجد حاليّاً ظاهرة متفشية ـ للأسف الشديد ـ في اعتماد هذه المؤلَّفات بوصفها دليلاً على آرائه الحقيقيّة.

([37]) محمد تقي مصباح اليزدي، آموزش عقائد: 354، انتشارات سازمان تبليغات إسلامي، طهران، 1370هـ.ش.

([38]) العلامة محمد حسين الطباطبائي: 251، شيعة در إسلام، تقديم: حسين نصر، انتشارات كتابخانه بزرگ إسلامي، ط6، طهران، 1354هـ.ش.

([39]) المصدر السابق: 254.

([40]) إمامت ورهبري: 75.

([41]) المصدر السابق: 81.

([42]) إسلام ومقتضيات زمان 1: 177.

([43]) المحقق الغروي الإصفهاني، حاشية المكاسب، منشورات مجمع الذخائر الإسلاميّة.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً