أحدث المقالات

يغيبُ عن بال الشيعة اللبنانيين على الدوام أن الآخر ينظر إليهم بعين الحكم المسبق دون البحث عن اي تبرير عاطفي أو شعبي في مسألة إحياء الايام العشرة الأولى من شهر محرم من كل عام، ويعتبرون ان ما يقومون به من مظاهر حزن هو واجب وعلى الآخر تقبّل ذلك بل ربما (على عادة أبناء المذاهب) التأييد والمساعدة.

يعتبر الشيعة أن من حقهم، بل من واجبهم احياء مراسم الحزن بكل الوسائل المتاحة بدءا من ارتداء الأسود وانتقالا الى توزيع الحلوى والمياه واطلاق الندبيات.

ولكن مؤخرا لا سيما هذا العام، انتشرت في بعض الأحياء الشعبية في الضاحية مسألة مبالغ فيها الا وهي اقامة زوايا صغيرة متواضعة الشكل والترتيب، أشبه بـ(كيوسك)، على شكل محطات مُلتّفة بالسواد كليّا، يقف داخلها شبان صغار ينصّبون مكبرات الصوت باتجاه الأبنية يوزعون الحلوى والمياه من أجل التأسيّ بحزن أهل البيت عليهم السلام.

وداعي الإستغراب هنا في المشهد الشعبي هذا، هو المزيد والمزيد من الحزن، إضافة الى إلباس الأطفال والصغار الثياب السوداء والعصبات الحمراء أو الخضراء أو السوداء.

فهل ان شيعة أهل البيت عليهم السلام، لا يعيشون من عقيدتهم سوى الاحزان؟ ولماذا؟. اعتقد أن شيعة لبنان لم يعيشوا الفرح الا في سنة 2000 عام تحريرالجنوب اللبناني من يد اسرائيل.

والسؤال المطروح هنا: هل ان عودة التواصل ما بين الشيعة في لبنان وشيعة العراق هي السبب في انتشار هذه العادات المبالغ فيها بشكل او بآخر؟ وهل ان العادات العراقية الشيعية التي تظهر وتُعلن ان ثمة حياة تتعطّل في العراق ومدنه لمدة 3 اشهر بسبب عادات المسير نحو كربلاء من كافة المدن العراقية، هي التقليد الجديد الذي سيسعى شيعة لبنان اليه بعد استفادتهم سابقا من عادات عاشورائية ايرانية في التنظيم واللطم والإحياء المكثّف ايضا لكل مناسبة دينية سواء كانت صغيرة ام كبيرة؟

مع الاشارة الى حيز الاهتمام باحياء مناسبات الموالد لا يرى حقه في أي عملية احياء.

والسؤال الاهم، بحسب المهتمين بمسألة هذه المبالغة الاعلامية في عاشوراء، انه "كلما اشتد الضغط علينا سنتبّع المظاهر الدينية اكثر فأكثر". من يضغط على اقوى طائفة في لبنان؟ وهل وصول الاسلاميين الى سدة الحكم في دول الثورات الربيعية هو هذا الضغط؟ وأين يقف الشيعة اليوم، الذين وصلوا الى سدة الحكم منذ عقدين ونصف تقريبا؟ وهل سيتجه الشيعة الايرانيين واللبنانيين نحو إسلام اكثر مذهبة على الطريقة الشيرازيّة؟ ام سينكفئون نحو ليبرالية تساعد على التخفيف من قساوة الصورة الإسلامية وفجاجتها؟

والمعلوم ان الشيرازيين مجموعة شيعية تنفي الآخر المسلم لدرجة التكفير والنبذ وهي تقف مقابل المتشددين السُّنة من حيث تكفير الآخر، حيث انهم يعتبرون المسلم السني "مؤمن في الدنيا، كافر في الآخرة".

وان صراعهم الحقيقي والأصيل ليس مع اسرائيل، بل مع ظالمي آل البيت كونهم غاصبي الحكم من الامام علي عليه السلام ومن ابنائه الأئمة من بعده، ويقع ضمنهم الخلفاء الراشدين، وبعض زوجات النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

فهل سنشهد يوما تكبُر فيه طائفة الشيرازيين الشيعة وتقف بوجه المتشددين السُنّة؟ وهل الحرب القادمة هي حربهما معا بعد أن ينهي الربيع العربي الأنظمة الطويلة العمر والأمد؟ وهل سنترّحم على نظام مبارك، وبن علي، والأسد، وصالح، والقذافي، وغيرهم؟ 

في احدى الندوات التي عُقدت لمناقشة الربيع العربي قال الباحث رضوان السيد ان:" ولاية الفقيه خرّبت الشيعة كما خرّبت البروتستانية المسيحية". فهل يكون الإصلاح الشيعيّ على يد الشيرازيين، والإصلاح السنيّ على يد المتشددين من إخوان ووهابيين وسلفيين؟

علما ان البعض، لاسيما المتدّينين المؤيدين للتقارب السني – الشيعي، قد عبّروا عن تخوفهم من تسلّم الإسلاميين، ومنها فروع حركة الإخوان المسلمين الحكم في بعض المناطق اللبنانية كنتيجة للإنتخابات النيابية، كونهم قد يعملون على تنشيط الثقافة المتشددة في الحياة الإجتماعية العامة، علما انه كان من المستحيل صيرورة ذلك دون دعم قوي من المركز، وهو الذي وصل الى سدة الحكم في كل من مصر، وتونس، والمغرب، وربما في سوريا قريبا..

وهل الحل، فعلا، في النزاع الذي يتطور بشكل كبير جدا في حرب واضحة المعالم بينهما؟ ويستغرب البعض كيف ان الولايات المتحدة الأميركية التي حاربت ايران كونها نظاما متشددا ترحب- وعلى لسان جيفري فيلتمان شخصيّا- بتسلّم الإسلاميين الحكم في الدول التي وصلوا اليها عبر الانتخابات النيابية؟

اذن لماذا كان على الجزائريين تحمّل تبعات المجازر بُعيد الإنقلاب على نتائج الإنتخابات في تسعينيات القرن الماضي؟

ولعلنا نترّحم على(ايران ولاية الفقيه) بعد ان نجرّب الشيرازية المتشددة، والتي ترفض فكرة التقارب الاسلامي- الاسلامي، التي تسير فيها ايران ولو ظاهريا على الاقل منذ تأسيسها الجديد1979؟

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً