أحدث المقالات

ترجمة: صالح البدراوي

    تمهيد

الهدف من هذه الدراسة استنباط الحكم الشرعي (للإساءة) لأكبر شخصية في الديانة المسيحية، وهو السيد المسيح عيسى ـ على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ، بناءً على ما جاء في (سنّة الديانة المسيحية). وفي هذا الصدد سنقوم في البداية بدراسة مكانة (السنّة)، ومدى أهميتها لدى مذاهب الديانة المسيحية، ورأي الكاثوليك بشأن استمرار وديمومة السنّة. وبعد ذلك نقوم بتوضيح نظرية (عصمة) البابا، والقرائن والأدلة على سلطة الكنيسة والبابا، وحقهما في التشريع. ومن ثم نستنبط الحكم الشرعي لتوجيه الإهانة للسيد المسيح عيسى×، حسب ما جاء في نصوص سنة الديانة المسيحية وفتاوى البابا. وأخيراً سنقوم بتقصّي ودراسة الحكم الشرعي لتوجيه الإهانة إلى رسل السيد المسيح، وعقوبة توجيه الإهانة للبابا. وكذلك أحكام وعقوبات محكمة تفتيش عقائد الكنيسة في روما؛ لما لها من دور في الكشف عن الحكم الشرعي لتوجيه الإهانة للسيد المسيح×، على أساس ما جاء في سنّة الديانة المسيحية.

 

   مقدّمة

أهمّ مصدر لدى المسيحيين في العالم، بعد الكتاب المقدَّس، هي «السنّة». وبناءً على ذلك فإنّ السنّة هي المصدر الموثوق، والمرجع المقدَّس الثاني للديانة المسيحية، وبالإضافة إلى الكاثوليك والأرثوذكس، الذين يؤكِّدون دائماً على مرجعية ومكانة السنّة([1])، فإن البروتستانت أيضاً اضطرّوا إلى الاعتراف بنوع من السنّة، ويذكرون الاعتراف الباطني لروح القدس، والدعوات الرسولية للحياة الدينية، والعمل الصالح بما يتطابق مع السنّة المسيحية، من النصوص المقدَّسة والكنيسة([2]).

وحسب رأي الكاثوليك والمجلس العالمي للمسيحيين فإنّ السنّة تعتبر مصدراً إلهيّاً مستقلاًّ، إلى جانب الكتاب المقدَّس. أراده الله تعالى ليكون كوحي إلهيّ؛ لتلافي النواقص الموجودة في الكتاب المقدَّس. وإن حجّيتها واعتبارها مقارن للكتاب المقدَّس([3]). والسنّة برنامج متجدِّد يقبل التجديد والتطوّر، وتصدر عنها قوانين جديدة للكنيسة والمسيحيين. ورغم أنّ السنّة بدأت منذ عصر الرسل وآباء الكنيسة، إلاّ أنها في حالة تكامل وتطور مستمر، وتلبي احتياجات المجتمع. إن حركية السنّة وفاعليتها، وبقاءها وديمومتها، تعدّ من عوامل تطوّر واتّساع التعاليم المشروعة والقانونية للكنيسة العالمية([4]).

ولغرض إثبات حجّية السنة واعتبارها، واستمراريتها وثباتها، تمّ الاستدلال بالكتاب المقدَّس([5]) والوحي، والهداية واللطف الإلهي([6])، وتجسيد الحضور، وتعليم الكنيسة وإلهامها وإرشادها من قبل روح القدس([7]).

وترى الكنيسة الكاثوليكية أنّ البابا يمتلك سلطة مطلقة وغير محدودة، وأن الالتزام الكامل بآرائه واجبٌ على جميع المسيحيين([8]). إنه خليفة الله، ونائب عيسى المسيح× على الأرض، وفوق الإمبراطور، ويمتلك الحقّ الإلهي في سنّ القوانين والتشريع لجميع المسيحيين([9]). إنّ مشروعية فتاوى البابا واعتبارها ولزوم تنفيذها أمرٌ نافذ لا يتوقَّف على موافقة الناس([10]). ويرى علاء بطرس غوري أنّ الكتاب المقدَّس([11])، والدليل العقلي، والسنّة الكنسية([12])، تمثِّل الوثائق والمستندات على امتلاك سلطة وضع قوانين وحقّ التشريع للكنيسة الكاثوليكية، بقيادة البابا. والبابا منزَّهٌ عن الخطأ في إبداء آرائه، فهو لا يخطئ إطلاقاً في الأوامر البابوية الرسمية، التي يصدرها كزعيم للمسيحيين. ومقام عصمة البابا وعدم اقترافه الذنب امتيازٌ إلهيّ، تمت الموافقة عليه، وإقراره في المجلس المسيحي العالمي والمجلس الأول والثاني للفاتيكان([13]).

وفي ما يتعلّق بالنصّ الذي تم إقراره حول عصمة البابا في مجلس الفاتيكان الأول فقد تمّ الاستناد في ذلك إلى السنّة المسيحية لإثبات هذا المبدأ الإيماني والعقائدي، وعلى تعظيم وتكريم المذهب الكاثوليكي، وخلاص المسيحيين، ومكاشفة الإلهام الإلهي، وتأييد المجلس المقدّس، ومساعدة الربّ، وخلافة بطرس والقدرة الرسولية العظيمة، والقيام بأداء المسؤولية في تعليم المسيحيين([14]). وجاء في الوثيقة المسيحية لمجلس الفاتيكان الثاني أيضاً اعتبار مبدأ «القدرة التعليمية المقدَّسة للبابا» في عرض الكتاب المقدّس والسنة المقدّسة كمصدر مسيحيّ ثالث ومعتبر، وبأنه يستلم كلام الله تعالى بوحيٍ من روح القدس، ويعلّم باسم عيسى المسيح×([15]). وبناء على ذلك فإنّ الأوامر البابوية وتعاليمه الدينية، وقرارات المجلس الكنسي العالمي والفاتيكان والمسيحيين، معزَّزة بوجود البابا، وموافقته، وإقراره لها، تعدُّ مصدراً معتبراً آخر لمعرفة الشخصيات المسيحية المقدَّسة، والحكم الشرعي لتوجيه الإهانة لهم.

 

     حكم الإساءة للمسيح في التراث المسيحي

وبإزاء نظرية «ديمومة واستمرارية السنّة» فإنّ أوامر البابا، وقرارات المجالس المسيحية العالمية، تعدّ هي الأساس في نشر وتطوير السنّة المسيحية لدى المسيحيين والكنيسة الكاثوليكية. وبناءً على نظرية «عصمة البابا» فإن الأوامر البابوية لا يمكن تعديلها، وغير قابلة للتغيير. واستناداً إلى هاتين النظريتين عندما يُصدر البابا أمراً، وهو في منصب الزعامة الرسمية للكنيسة المسيحية، فإنّ أمره يأخذ موقعه الطبيعي في السنّة المسيحية، ويُعتبر من القوانين الكنسية الرسمية والقطعية، وحكماً إلهياً مسيحيّاً مائة في المائة، وحجّة شرعية على الجميع، ويجب اتّباعه. كما أن مواقف وقرارات المجالس الكنسية العامة تعدّ هي الأخرى أداةً لتبيين وتطوير السنّة المسيحية. ومن هنا فإن مجموع آراء البابا، وبيانات المجالس العالمية للمسيحيين، في ما يتعلَّق بـ «الهرطقة» والبدعة، النفاق و«تدنيس المقدسات sacrilege»، والارتداد والكفر، بإمكانها أن توضِّح حكم السنّة المسيحية حول موضوع الإساءة لعيسى المسيح×.

 

    البابا والهيئة العامّة للكنيسة مصدر تشريع الأحكام

إذا كان ينظر للسنّة على أنها تقتصر على سنّة قساوسة الكنيسة والرسل وحواريي عيسى×، فإنّ أوامر البابا، والمجلس العامّ للمسيحيين، ستكون من جهة أخرى حجةً معتبرة أيضاً. والكنيسة هي مصدر تشريع الحكم الإلهي. وللبابا والمجلس العامّ الحقّ في تشريع القوانين، وبمقدورهم الإقدام على تشريع الأحكام، وتسميتها بشريعة الله وأوامره. وعلى الجميع القبول بذلك([16]).

وينحصر حقّ التشريع في الديانة المسيحية بالله تعالى. والله هو المشرِّع الذاتي الحقيقي. وتُستمد سلطة التشريع بالنسبة لجميع المشرِّعين من الله تعالى، بالواسطة أو بدون واسطة. وجاء في الكتاب المقدَّس: إنّ الملوك يمارسون السلطة بواسطتي، والمشرِّعون يُشرِّعون بإذني، ويضعون الأحكام الإلهية بواسطتي([17]). وكتب بطرس الرسول: لا توجد أيّ سلطة أو حكومة بدون إذنٍ من الله، ولا وجود لأيّ سلطة خلا سلطة الله([18]). وأثبت العلاّمة المسيحي يوحنّا بطرس غوري، في كتابه الموسوم مختصر اللاهوت الأدبي؛ استناداً إلى الكتاب المقدّس، أثبت الدليل العقلي والسنّة الكنسية بإعطاء حقّ التشريع وسنّ القوانين إلى الكنيسة من قبل الله تعالى([19]). وقال النبيّ عيسى المسيح× لبطرس: ما تعقده في الأرض سيُعقد في السماء، وما تفتحه في الأرض سيفتح في السماء([20]). وقال للحواريين: مَنْ سمع حديثكم كأنّما سمع حديثي، ومَنْ استحقر (أحكامكم) استحقرني، ومَنْ استحقرني استحقر في الواقع الربّ الذي أرسلني، وردّ عليه([21]). وجاء في الكتاب المقدَّس عن أذى رسل عيسى المسيح×: رأيُنا ورأي روح القدس أنْ لا نُثقل أعباءكم بأكثر من الأوامر والضروريّات الواردة أدناه([22]).

ويعتقد يوحنّا بطرس غوري أنّه يستفاد من هذه النصوص الواردة في الكتاب المقدّس ملكية الكنيسة وسلطتها على التشريع. وبناء على ذلك فإن رجال الكنيسة يتمتَّعون بحق الجعل وتشريع الأحكام الإلهية([23]). ويقدّم كذلك الدليل العقلي على تمتّع الكنيسة بحقّ تشريع الحكم الإلهي، وكتب يقول: بما أن الكنيسة تمثِّل في حدّ ذاتها هيئة اجتماعية كاملة، تتصدّى لإدارة المجتمع دينياً، لذا يجب أن تتمتَّع هذه الإدارة بحقّ «الولاية»، وبما يتناسب ومسؤولياتها الخاصّة. ولن تكتمل هذه الولاية ولا تتمّ إلاّ بامتلاك حقّ التشريع على مستوى الأحكام. أضِفْ إلى ذلك أن القيام ببعض الواجبات، من قبيل: منع المؤمنين من ارتكاب الموبقات، وحملهم على الأمور التي تؤدي إلى التقرّب إلى الله تعالى، والاستمرار على العبادة، والنجاة من الهلاك، يجعل من هذا الحقّ أمراً لازماً وضروريّاً للكنيسة([24]).

وفي ما يتعلَّق بالإجابة عن التساؤل في شأن الذين لهم الحقّ بالتشريع ووضع الأحكام في الكنيسة كتب يقول: البابا، ومجمع الأساقفة، والهيئة العامّة لهم، والمجامع والهيئات الخاصّة. وأمّا البابا ـ أي أسقف روما ـ له الحقّ بتشريع الأحكام لجميع الكنائس؛ لأنه ورد في الكتاب المقدّس أن السيد المسيح× قال لبطرس: أطعم غنمي، واحرسها([25]). ومن الواضح أنّ المراد «بالرعاية والحراسة» في هذا الأمر الصادر من السيد المسيح× لبطرس هي السياسة والإدارة والتدبير. كما قال× لبطرس: ما تعقده في الأرض يُعقد في السماء([26]). وهذا الحديث الموجَّه إلى بطرس يشمل البابا أيضاً؛ لأنّه خليفة السيد المسيح في كنيسة روما العالميّة والعامّة، بل هو الأسقف الأعظم، والسادن، وصاحب المفاتح، وحارس الحرّاس، ونائب السيد المسيح في الأرض. ولكنْ بإمكان المجمع والمجلس العامّ أيضاً أن يشرِّع الأحكام لجميع الكنائس؛ لأن ذلك المجلس ينوب عن الكنيسة في جميع الأمور المتعلِّقة بالتعليم والتدبير. ولذا يجب أن يمتلك الحقّ في تشريع الحكم الشرعي لكلّ الكنائس؛ ولكنْ يجب الالتفات إلى أنّ الأحكام الصادرة عن هذا المجلس لا تحظى بالصفة الرسمية في حدّ ذاتها، إلاّ إذا ترأّسه البابا أو نائبه، وصادق على أحكامه؛ لأن المجلس ليس بمقدوره أن يخلف الكنيسة، دون الحصول على موافقة البابا. وأمّا الأساقفة فبإمكانهم تشريع بعض الأحكام لمناطقهم؛ لأن هذه الولاية ضروريّة لتدعيم إدارة مناطقهم.

وتطرق يوحنّا بطرس غوري، في كتابه الذي يعدّ كتاباً في الفقه المسيحي الكاثوليكي، إلى توضيح السلطة العظمى والفريدة من نوعها للكنيسة وزعيمها البابا في تشريع الأحكام، ودراسة المسائل المتعلِّقة بها. وأشار في دراسته إلى أنّ كل ما يستلزم المعرفة والاعتقاد إنما يعود إلى قانون «إيمان الرسل». وهذا القانون ينطوي على ثلاثة معتقدات دينية يجب الإيمان بها، إلاّ أنّه كتب حول العقيدة الثالثة منهنّ يقول: العقيدة الثالثة تشتمل في حدّ ذاتها على ثلاثة أمور، يجب معرفتها والإيمان بها، وهي: إنّه توجد كنيسةٌ واحدة فقط على وجه البسيطة، والرئيس الذي يقودها ويدير شؤونها هو شخصٌ واحد. وتتمّ قيادة الكنيسة وإدارة شؤونها والمحافظة عليها بمساعدة روح القدس. والكنيسة معصومةٌ، وساحتها منزَّهة عن الخطأ والزلل، في كلّ ما يرتبط بالإيمان والآداب والأحكام. ومن حقّ الكنيسة وجوب أن يصغي الجميع لكلامها، والأخذ به([27]).

وتمتلك الكنيسة السلطة والقوة اللازمتين، والتي تتمكن على أساسهما من حمل المؤمنين على العمل بتوصياتها على نحو الواجب الكبير؛ لأنّ السيد المسيح× فوّض مسألة تشريع الأحكام إلى الكنيسة([28]).

والمبدأ الأساس في شريعة الكنيسة البابوية هو أنّ تطبيقها أمرٌ إلزامي، ولا تستلزم قبول الناس بها؛ لأنه لو كانت مكانتها وضرورتها تتبع قبول الناس وموافقتهم فإن السلطة الشرعية للكنيسة وقوّة الشرائع تتلاشى، ويصار إلى تعطيل القانون العامّ للمجتمع([29]).

فالأصل هو أنّ العمل بالشريعة الكنسية وتنفيذها أمرٌ إلزامي، حتى مع نهي الحكم المدني والدولة عن قبولها والعمل بها؛ لأنّ الكنيسة تشرِّع الأحكام بناءً على سلطتها الذاتية المستقلّة الممنوحة لها من قبل السيد المسيح×، وليس من قبل الحاكم المدني. ولا يملك الأساقفة الحقّ في عدم تنفيذ الشرائع البابوية، ورفضها؛ لأنهم أدنى مرتبة من الأسقف الأعظم لروما. والأسقف الأعظم لروما هو النائب المباشر دون واسطة للسيد المسيح× في الأرض، وهو الرئيس والرأس المدبِّر لجميع الكنائس. أما الأساقفة فعلى الرغم من أنهم أمراء وقادة في كنائسهم، إلاّ أنه يجب عليهم، وعلى مَنْ تحت سلطتهم، إظهار طاعتهم للبابا، والاقتداء به، وتنفيذ شرائعه، والعمل على نشرها. ولا توجد هناك شريعةٌ ما إلاّ وكان تنفيذها واجباً قطعيّاً لا نقاش فيه. والفرق بين «الشريعة» و«الاستشارة» في أنّ المتعدي على الشريعة والمتجاوز عليها يجب أن يُعاقب، وهذا أمرٌ مُجمعٌ عليه([30]).

والولاية التشريعية للبابا عامّة وشاملة لجميع الكنائس. ومن أشكال تلك الولاية التشريعية الولاية في توجيب الأعياد على كلّ الكنائس. وهذه الولاية خاصّة بالبابا، ولا يتمتَّع شخصٌ آخر غيره بهذه الولاية([31]).

وبإمكان البابا والأسقف الأعظم أن يصرف ما كان معيَّناً في الوصيّة للإنفاق في وجوه البرّ والإحسان، أن يصرفها في غير ذلك؛ لأسباب مقبولة وحميدة؛ لأن السيد المسيح نصّب البابا مدبِّراً في جميع وجوه البرّ والإحسان، بحيث يمتلك حقّ التصرّف في وجوه البرّ بمقتضى الحاجة والمنفعة الروحية([32]).

وطبقاً لهذه الأقوال والآراء الفقهية ليوحنّا بطرس غوري فإنّ شخص البابا هو الرجل الوحيد الذي يمتلك سلطة وضع الأحكام وتشريعها في الكنيسة المسيحية؛ لأن المجلس العامّ والأساقفة والمجالس الخاصّة بإمكانهم إصدار الحكم الشرعي بترخيصٍ من البابا وموافقته فقط. ومن هنا فإن أوامر البابا وبياناته وآراءه تبيِّن الحكم الشرعي للديانة المسيحية. وإنّ كل ما يطبَّق في العالم المسيحي بأمر البابا وحكمه الشرعي يعدّ نقطة الهداية والدلالة أمام أنظار المسيحيين الكاثوليك في العالم. إنّ أقوال الكنيسة وأفعالها بقيادة البابا تجاه أهل البدع والمرتدين والكافرين تعبِّر عن الحكم الشرعي للبابا، ونظرية الديانة المسيحية بشأن الإساءة للمقدَّسات، وفي وسعها أن تبيِّن طبيعة حكم الإساءة لأكبر شخصيّة مسيحية، ألا وهي شخصية السيد المسيح×.

 

   حكم الإساءة لعيسى المسيح× في آراء البابا والمجلس الكنسي العالمي

شرّعت الكنيسة الكاثوليكية بزعامة البابا، وعلى مرّ التاريخ المسيحي، أحكاماً تتعلَّق بالبدع والارتداد والكفر. وقد أصبحت شرعة رسميّة وقطعية للديانة المسيحية. ومعرفتها والقبول بها، والاعتقاد والإيمان بها، يعدّ أمراً لازماً على جميع الأساقفة والكرادلة والقساوسة وأتباعهم. وسوف يُصار إلى دراسة البعض من آرائهم ونظريّاتهم؛ بهدف توضيح شرائع الكنيسة والبابا حول الإساءة للمقدَّسات.

تأسَّس مجلس «نيقيه الأول» في حزيران من عام 325 ميلادي، بحضور حوالي 220 إلى 318 أسقفاً([33]). وجميع المسيحيين في العالم تقريباً، بما فيهم الكاثوليك الروم والأرثوذكس والبروتستانت، موافقون على أحكام هذا المجلس([34]). وقد أدان هذا المجلس في اللائحة العقائدية التي أصدرها بعض الأقوال المتعلِّقة بشخصيّة السيد المسيح×، ولعن قائليها: تلعن الكنيسة المقدَّسة للكاثوليك والرسل الذين يقولون الأقوال التالية: «في وقتٍ لم يكن الابن مخلوقاً»، و«لم يكن مخلوقاً ومن ثم جاء إلى الوجود»، و«إنّه مخلوق من العَدَم». كما أنّ الكنيسة تلعن أولئك الذين يعتقدون بأن خَلْقَه مستمَدٌّ من ماهيّة الأب، أو من شيء آخر سوى ماهيّة الأب، أو أنه كان قابلاً لأنْ يطرأ عليه التغيير، وكان عرضةً للتغيير والتبديل([35]).

وفي الإسكندرية كان أحد القساوسة المسيحيين، ويدعى الأب آريوس، يعتقد بأنّ عيسى المسيح هو كلمة الحقّ، إلاّ أنه ـ كسائر المخلوقات الأخرى في الوجود ـ يعتبر كائناً مُحدَثاً ومخلوقاً، وجاء من العَدَم إلى الوجود. وعلى العكس من الأب، فإنّ عيسى المسيح له بداية. فأدان أسقف المدينة معتقداته هذه، واعتبرها بدعةً، وتمّ عزل آريوس من قبل هيئة الكنيسة. كما تمّ إقرار مادة عقائدية ضدّ آريوس في مجلس «نيقيه». وأُدينت عقائد الآريوسيّة، ولُعن آريوس وأتباعه([36]).

كما أصدر مجلس القسطنطينية الثاني، والذي يحظى بتأييد جميع المسيحيين، أصدر في عام 553 أربعة عشر «قرار لعن». وجاء في «اللعن» السابع: مَنْ يستخدم عبارة «في كلا الطبعين»، ويقصد بذلك أنّ لفظة «كِلا» تفصل أطباع السيد المسيح عن بعضها، أو يريد من خلال هذا الاستخدام أن يقول بأن كلا الطبعين هما شخصين منفصلين، فهو ملعون. وجاء في «اللعن» الثامن: مَنْ يستخدم عبارة «من كلا الطبعين» أو «المتوحِّد الطبيعة، المجسِّد لكلمة الله»، ولم يفهم هذه العبارات بالشكل الذي درَّسها الآباء المقدَّسون، بل يسعى من أجل أن يخلط الطبيعة الإلهية والإنسانية للسيد المسيح أو جوهره، فهو ملعون. كما جاء في «اللعن» العاشر أيضاً: مَنْ لم يعترف بأن ربنا عيسى المسيح، الذي صُلب بجسمه، هو الربّ الحقيقي، وربّ الجلال، وأحد أركان التثليث المقدَّس، فهو ملعون([37]).

ومن خلال ما تمَّت إدانته من قبل هذين المجلسين تتَّضح لنا عقائد أولئك الذين كانوا يفكِّرون بهذه الطريقة. وبناء على ذلك فإنّ التعليمات الرسمية للكنيسة والبابا هي المعيار في الاستقامة. وأهل البدع ملعونون. كما أن عدم الاعتقاد ببعض الأوصاف لشخصيّة السيد المسيح× يمهِّد لتوفير موجبات اللعنة، حتّى وإنْ كان مقروناً بالاحترام الكامل للسيد المسيح×، والإقرار بأصول العقيدة المسيحية، وسائر أوصافه. وعليه فمن المؤكَّد أن مَنْ يقترف أبسط إساءة بحقّ هذه الشخصية العظيمة والمقدّسة، أو يهينها، فهو ملعونٌ.

كما أنّ حكم «التكفير الصغير»، و«التكفير الكبير»، و«اللعن»، هي من الأحكام التي كان يصدرها البابا والمجالس المسيحية والأساقفة. «التكفير الصغير» كان يحرم المسيحي من القيام بالشعائر. وكانت هذه بمثابة عقوبة يحقّ لكلّ قسٍّ أن يقوم بتنفيذها. ولو أنّ أحد المذنبين المحكوم عليهم بهذا الحكم مات قبل أن يطلب الغفران، ويُغفر له، فإنّ هذا النوع من التكفير، وحسب اعتقاد المؤمنين، يكتسب صفة الحكم القطعي والأبدي بالعذاب الأخروي. وبالنسبة لـ «التكفير الكبير»، والذي يعدّ اليوم النوع الوحيد من أنواع التكفير المستخدمة من قبل الكنيسة، فقد كان حكماً يصدر من قبل الهيئات الدينية المسيحية أو البابا والأساقفة فقط. وحكم التكفير الكبير كان يحرم المحكوم من أيّ نوع من أنواع التعاضد القانوني أو الديني مع المجتمع المسيحي؛ بمعنى أنّ الشخص المُكفَّر لم يكن باستطاعته اللجوء إلى المحكمة الكنسية، لتقديم الشكوى ضدّ أحد الأشخاص، والمطالبة بحقّه، أو أنْ يمتلك الحقّ في الميراث، أو أن يقوم بعملٍ ذا قيمة من الناحية القانونية، في حين أن البقيّة بإمكانهم ملاحقته.

وعندما تمّ تكفير ملك فرنسا في عام 998م تخلّى عنه جميع رجال البلاط، وتقريباً جميع مَنْ كان يقوم على خدمته. والشخصان اللذان بقيا في القصر لخدمته كانا يلقيان بالطعام المتبقّي من مائدة الملك في النار؛ لئلا يتلوَّثون عن هذا الطريق. وفي بعض الأوقات، عندما يكون الجرم عظيماً، فإن الكنيسة كانت تلعن المذنب، بالإضافة إلى حكم التكفير الصادر في حقّه؛ بمعنى أنها كانت تضيف حكماً باللعن، يشتمل على سلسلة من العبارات القانونية التفصيلية الحازمة والدقيقة([38]).

كما تعدّ أحكام المجالس العامة قوانين كنسية لدى القانون الكنسي وأحكام البابا. وفي القانون الكنسي لم يتمّ التطرُّق إلى دراسة شكل المؤسَّسات وأصول الدين وعمل الكنيسة فقط، بل إنّ مجموعة القوانين الكنسية تحتوي على جملة من الأنظمة بشأن علاقات الأقوام المسيحية مع الشعوب غير المسيحية في بلاد المسيحيين، وقانون التحقيق وقمع البدع، ولجنة تضحيات الصليبيين، وقانون عدم احترام المقدَّسات، والكفر، وإدارة المحاكم الأسقفية والبابوية، وحالات صدور أحكام التكفير واللعن والتحريم وأمر الاعتقال، وتنفيذ العقوبات الصادرة من قبل المحاكم الدينية، وتنظيم العلاقات بين المحاكم الكنسية والمدنية. وتعتقد الكنيسة بوجوب مراعاة هذه القوانين من قبل جميع المسيحيين. وإنّها ستَّتخذ أنواع العقوبات البدنية والمعنوية تجاه أيّ مخالفة يتمّ ارتكابها([39]).

وأصدر الإمبراطور ليو الثالث أمراً في القسطنطينية عام 726م منع بموجبه تعليق الصور في الكنيسة. وكانت هذه بمثابة الخطوة الأولى على طريق تحطيم الأصنام في العالم المسيحي. فقام البابا غرغوريوس الثاني بالدعوة لعقد اجتماعٍ للمجلس الديني، وأصدر هذه الفتوى: مَنْ كانت له صورةٌ وتمثالٌ في الكنيسة، بشكلٍ مخالف لأصول الاحترام، فهو خارجٌ عن زمرة المؤمنين. والحقيقة أن البابا كفَّر الإمبراطور بهذه الفتوى([40]).

وكانت لـ (پلاجيوس) آراء معينة حول مسائل الذنب، والفيض الإلهي، والتعميد، والتجسيد، وموت السيد المسيح، أُدين بسببها عام 416م، من قبل مجلس «كرتاج». وصادق البابا إينو سنت الأول على إدانته. واعتبره الإمبراطور هونوريوس مبتدعاً يستحقّ العقاب،. وكفَّره البابا زاسيموس في رسالة له أيضاً. وفي سنة 431م أدين پلاجيوس گري بتهمة البدعة في مجلس «أفسس»([41]).

وطلب البابا لوكيوس الثالث في سنة 1184م من جميع أساقفته العمل على التحقُّق والتفحّص في نطاق المناطق الخاضعة لمسؤوليتهم عن البدعة، والتأكُّد من استئصال البدع في دوائر مسؤوليتهم، وخلوّها منها. وكتب إلى جميع الأساقفة قائلاً: بعد التشاور مع الأساقفة، ونيابة عن الإمبراطور وبلاطه، أقول: يجب على كلّ أسقف أن يقوم شخصياً، أو عن طريق معاونه أو الأشخاص الأكفاء، في كلّ عام مرّة واحدة على الأقلّ، بتفقُّد النواحي التابعة لمنطقة مسؤوليّته، والتي تصل منها التقارير عادةً على أنّ المبتدعين ينشطون في تلك المناطق. ويختار ثلاثة أو أربعة أشخاص من ذوي الصلاح، وحتّى إذا اقتضى الأمر أن يُقسِم على جميع الجيران، ويكلِّفهم إنْ كان بإمكانهم، القيام بالكشف عن مكان الذين ينتهجون سلوكاً مغايراً للإيمان، وللعقيدة العامّة للمجتمع، وإخبار الأسقف الأعظم أو معاونه بهويّة هؤلاء الأفراد. وعلى الأسقف أو معاونه القيام باستدعاء المتَّهمين إلى مقرّه. وإذا لم يقوموا بدفع التهمة عن أنفسهم، ويلتزموا بمنهج الدولة وتقاليدها، أو أنهم رجعوا إلى وضعهم السابق الذي كانوا عليه، سيعاقبون بما يصدره الأساقفة من حكم بشأنهم. وإذا امتنعوا عن أداء اليمين سيُصار إلى التعامل معهم على أساس أنّهم «من أهل البِدَع»([42]). كما أمر أيضاً بتسليم جميع المبتدعين، الذين تمَّ تكفيرهم، وطردهم من عضوية الكنيسة، وحُرموا من حماية الكنيسة، إلى مسؤولي الدولة، والجيش غير الديني، ومدراء البلدات، وبقيّة المسؤولين المحليّين، المسؤولين عن معاقبة المذنبين. وكان ممثِّلو البابا في كلّ مكان مخوَّلين بعزل الأساقفة المقصِّرين في القضاء على المبتدعين. وقد أصدر هذه الأوامر بفتوى بابوية، وأمرٍ رسمي([43]).

وتقلّد إينو كنتيوس الثالث منصب البابا سنة 1198م. وبعد شهرين من تسنُّمه منصب البابا أرسل كتاباً إلى أسقف أوش الأعظم جاء فيه: الشيء الذي يحزنني أكثر من غيره هو أننا نرى في هذه الأيام مجموعة من الشياطين الضالّين، الذين يوقعون الأفراد السذّج والبسطاء في أحابيلهم، بأساليب أكثر وقاحةً وإيذاءً من السابق. وتقوم هذه الجماعة بتحريف معاني أقوال الكتاب المقدَّس بخرافاتهم وما يضعونه من أقوال، ويرمون إلى القضاء على وحدة الكنيسة الكاثوليكية…. وبدورنا نوجِّه إليكم الأمر الحازم بضرورة التصدّي لجميع هؤلاء المبتدعين، والقضاء عليهم، بأيّ وسيلة متاحة لديكم، وإبعاد الذين تلوَّثوا بسبب آرائهم من منطقة مسؤوليتكم. وبإمكانكم إذا لزم الأمر أن تحثّوا الملوك والناس بهدف القضاء عليهم بحدّ السيف([44]). ولم يؤمن الكاتاريون ببعض معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، من قبيل: القيمة الدينية لشعائر الكنيسة، والعشاء الرباني، والمفاهيم الكاثوليكية بشأن البرزخ والنار. كما أنهم لم يقولوا بأنّ عيسى الناصري هو ابن الله، وكانوا يؤمنون بتطبيق المسيحية الحقّة الأولى([45])، فقضى البابا بأنّ «المذهب الكاتاري» هو بدعةٌ، وكفَّر الكاتاريين، وسمّاهم «الثعالب الصغيرة التي تشيع الخراب في تاكستان»([46]). وكفَّر رمون السادس الكونت تولوز، الذي رفض أن يحارب الكاتاريين، ومنع إقامة المراسم الدينية في جميع المناطق التابعة له، وصادر جميع ممتلكاته، وأعلن بأنّ أي مسيحي يسيطر على هذه الأراضي ستكون ملكاً حلالاً له. ودعا إلى الجهاد للقضاء على الكاتاريين، ووعد جميع المشاركين في هذا الجهاد بأنه سيشملهم أمر الغفران العامّ، كالذين كانوا يتوجَّهون إلى الحروب الصليبية. وقام سيمون دو مونفور بالهجوم على المدن، بجيش قوامه 4500 شخص، بتشجيعٍ من ممثِّل البابا، وانتصر على جميع المعارضين، وخيَّر أهالي المدن المفتوحة بأن يُقسِموا على أنّهم ملزمون باتّباع الديانة الكاثوليكية، أو يسلموا رقابهم لحدّ السيف، كمبتدعين. ويقول كايساريوس، راهب أهالي مدينة «هايسرباخ»، في مذكّراته: عندما سُئل آرنو ممثِّل البابا: هل يجب الامتناع عن قتل الكاثوليك أم لا؟ أجاب قائلاً: اقتلوهم جميعاً؛ لأن الله يعلم مَنْ هو على الحقّ([47]).

وكتب ممثِّل البابا في «آلبي»، في تموز سنة 1209م، رسالة إلى إينو كنتيوس، وتطرَّق فيها إلى شرح ما حصل في مدينة «بزية»، وهي إحدى قواعد الكاتاريين التي ابتليت بالحرب الصليبية، فقال: بدأ الهجوم، وارتفعت الأصوات: استعدوا للقتال! استعدوا للقتال! وخلال ساعتين أو ثلاث ساعات عَبَر رجالنا الخنادق والجدران، وسيطروا على مدينة «بزية»، ولم يرحموا أحداً، من أيّ مقام أو جنس أو عمر، وعرضوا أكثر من عشرين ألف شخص على حدّ السيف، وارتكبوا مذبحة كبيرة، ونهبوا المدينة، وأحرقوها، وهذه النار كانت تمثِّل غضب الله الذي حلّ بالمدينة بهذه الطريقة المدهشة. ونفس هذا المبعوث كتب من قلعة «بروم»، وهي إحدى قواعد الكاتاريين، إلى إينو كنتيوس يخبره: إنّ المحاربين الصليبيّين قلعوا أعين أكثر من مائة شخص من المدافعين عن المدينة، وقطعوا أنوفهم، وتركوا لكلّ شخص منهم عيناً واحدة فقط، لكي يصبحوا بقيّة حياتهم أضحوكةً لأعدائنا. وكان البابا إينو كنتيوس مسروراً لما قام به مجاهدوه الصليبيّون، وأخذ يشيد بهم في رسالةٍ له بعثها إلى سيمون دومونفور، يقول فيها: الحمد والشكر لله، الذي اقتلع وقمع ألدّ أعدائه بهذه الصورة القاسية والمدهشة على أيديكم وأيدي الآخرين([48]).

وكتب أحد القساوسة إلى البابا إينو كنتيوس من شمال فرنسا يقول: إنّ تديُّن الناس في هذه البلاد بلغ حدّاً أصبحوا فيه مستعدّين بأجمعهم، ليس فقط لحرق الأشخاص الذين هم من زمرة المبتدعين علانيةً، بل حتّى القيام بحرق الذين يُظنّ بأنهم من المبتدعين بالنار أيضاً([49]).

وفي سنة 1215م كلّف البابا إينو كنتيوس الثالث مسؤولي الدولة بأن يُقسِموا رسميّاً «بالقضاء على جميع المبتدعين، الذين حكمت عليهم الكنيسة بالعقوبات المنصوص عليها، في المناطق التابعة لهم»، وبغيره سيحكم عليهم بجريمة البدعة([50]).

هذه المواجهة والحرب الدموية المعلنة على المبتدعين، والتي نُفِّذت بأمر البابا وقيادة ممثِّليه، تدلّ بكلّ وضوح على عِظَم الحكم القاسي للإساءة للسيد المسيح×. ومن خلال هذا المستوى من التعامل مع بعض الآراء المتباينة مع الكنيسة، والذي قاد إلى هذا التصدّي القاسي لها، تتَّضح لنا طبيعة الحكم في الإساءة للسيد المسيح×. إنّ الإساءة للسيد المسيح×، وسبّه، يعدّ المصداق الواضح للبدعة، التي لم يلبث أن يصدِّق بها كلّ مسيحي، بغضّ النظر عن فهمه لها. وانطلاقاً من أنّ أوامر البابا وفعله يعدّان حجّة على المسيحيين، وأنهما يبيِّنان الشريعة، ويشغلان موقع الشارع المقدَّس في الكنيسة الكاثوليكية، ويتصدّى لتشريع الأحكام، فإن أوامر البابا وأقواله وأفعاله تعدُّ بناءً على ذلك حجّة وحكماً شرعياً. وفي مجلس «لاتران» الرابع، الذي انعقد بدعوة البابا إينو كنتيوس الثالث سنة 1215م([51])، تناول أكثر من أربعمائة أب ديني بارز والأساقفة موضوعة البدعة، وكيفية التصدّي لها وقمعها. واتَّفقوا في هذا المجلس على أنّ النفي ومصادرة الأموال من أهل البدع، الذين يرفضون العودة إلى تعاليم الكنيسة، تمثِّل عقوبة مناسبة ومقبولة. ويجب أن يُصار إلى منع المبتدعين من العمل في الوظائف الحكومية، ولا يحقّ لهم أن يصبحوا أعضاءً في مجلس المدينة، ولا يحقّ لهم الحضور في المحاكم بصفة شاهد، ولا يمكنهم كتابة الوصيّة، ولا أخذ الميراث([52]).

وأشدّ القوانين صرامةً لسحق الجماعات المبتدعة هي القوانين التي أقرّت من قبل فريدريك الثاني خلال الأعوام 1220 ـ 1239م. وتقرَّر بموجب هذه القوانين تسليم كلّ مَنْ تحكم عليه الكنيسة بجريمة البدعة إلى الحكومة المحلّية؛ لكي يحرق بالنار. وإذا ندم هؤلاء الأفراد على ما اقترفوه فسيُحكم عليهم بالسجن المؤبَّد، بدلاً من الحرق بالنار… وكانت السلطات مخوَّلة بتخريب بيوتهم، ومنع أقربائهم من إعادة بنائها وترميمها([53]).

وفي عام 1231م ضمّ گرگوريوس التاسع القوانين التي أقرّها فردريك عام 1224م بشأن التعامل مع المبتدعين إلى الأحكام الكنسية. ومنذ ذلك التاريخ وافقت كلٌّ من الكنيسة والحكومة على أنه إذا قال أحد الأشخاص بالبدعة، ولم يعلن توبته، فإنّ عمله هذا يعدّ جريمة تستوجب الموت([54]). والملحدين، الذين تصدر بحقّهم أحكامٌ من هذا القبيل من قبل المحاكم الشرعية، يجب أن يخضَعوا لملاحقة المحاكم العرفيّة؛ لغرض معاقبتهم([55]).

وفي عام 1252م اتّخذت الكنيسة رسمياً الموقف التالي، وهو أن المبتدعين الذين يمتنعون عن إظهار ندمهم يتمّ تسليمهم إلى السلطات الحكومية؛ لإعدامهم حرقاً. وتمّت المصادقة على هذه السياسة، والاعتراف بها رسمياً، بفتوى من البابا على وضع عقوبة الموت كعقوبة للمبتدعين غير النادمين. كما وافقت هذه الفتوى أيضاً على استخدام التعذيب كوسيلة للحصول على المعلومات من المشتبَه بهم([56]).

وأصدر البابا نيكولاوس الثالث منذ عام 128م أمراً جاء فيه: نحن نكفِّر ونلعن جميع المبتدعين ـ مهما كانت مسمَّياتهم وعناوينهم ـ. وعندما تتمّ إدانة هؤلاء الأفراد من قبل الكنيسة يجب تسليمهم إلى القاضي. ومَنْ يعلن توبته بعد الاعتقال، وطالب بعقوبة الكفّارة، يجب أن يُسجَن مدى الحياة. وكلّ مَنْ يؤوي المبتدعين أو يدافع عنهم أو يساعدهم يجب أن يعاقبوا بالتكفير واللعن كمبتدعين. وكلّ مَنْ كان مُكفَّراً وملعوناً لمدّة عام ويوم واحد يجب أن يُنفى. والذين يُظنّ بأنّهم من المبتدعين إذا لم يكن بوسعهم القدرة على إثبات براءتهم وعدم ارتكابهم الذنب سيتمّ تكفيرهم ولعنهم. وإذا بقي طوق التكفير واللعن لمدّة سنة على أعناقهم سينظر إليهم على أنهم مبتدعون، وسينالون جزاءهم الخاصّ بهم. وليس لهؤلاء الأفراد الحقّ في أيّ نوع من أنواع الاستئناف… ومَنْ يسمح لهم القيام بمراسم التكفين والدفن طبقاً للشعائر المسيحية سيحكم عليه بالتكفير، حتّى يحصل على موافقة الكنيسة على أحسن وجه. وأمثال هذا الشخص لن يحظى بالعفو والصفح، إلاّ إذا أخرج الأجساد المودعة في القبر بيده من تحت التراب، وألقاها بعيداً… وإذا عصى أيُّ فرد تنفيذ هذا الواجب سيُكفَّر. ليس للمبتدعين وكلّ مَنْ يؤويهم ويحميهم أو يساعدهم، وكذا جميع أطفالهم لجيلين لاحقين، ليس لهم الحقّ في التصدّي لمسؤوليات الكنيسة. وبهذه الطريقة سنحرم جميع هؤلاء الأفراد من عوائدهم، وللأبد([57]).

ومن خلال التأمُّل والتمعُّن في هذا الأمر البابوي، والذي يأتي بمنزلة الحكم الإلهي، تتّضح لنا تماماً طبيعة عقوبة الإساءة للسيد المسيح×. وأصدر البابا أوريانوس الخامس سنة 1362م فتوى أدان فيها المبتدعين، وأقرّ اللجوء إلى استخدام التعذيب من قبل المسؤولين عن تفتيش العقائد، وقضى بتخصيص عقوبة الموت للمبتدعين غير النادمين([58]).

وبادر البابا ليون العاشر، بتاريخ 15 حزيران من عام 1520م، إلى تكفير مارتن لوثر([59]). وكتب البابا پول الثالث في مرسوم أصدره: منذ أنْ جلسنا على الكرسي الرسولي كنا حريصين، منذ البدء، على ازدهار الإيمان الكاثوليكي، وتطهيره من البدع. فالذين تمَّ إغواؤهم بالحيل الشيطانية يجب أن يرجعوا إلى أحضان الكنيسة ووحدتها. إنّ عدو الجنس البشري نشر المزيد من البدعة بين المؤمنين، ومزق رداء السيد المسيح. وفي هذه الرسالة عيّن جيوفاني بيترو كرافا رئيساً لمحكمة تفتيش العقائد، وكتب بشأن واجباته يقول: يجب عليه وعلى مرؤوسيه القيام باستجواب جميع الأفراد المنحرفين عن سبيل الله والإيمان الكاثوليكي، وكذلك الذين اتّهموا بالبدعة، هم وأتباعهم وشركاؤهم، العوامّ والخواصّ، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق محاكم التفتيش. ويجب أن يسجن المجرمون والمتّهمون، وتقام عليهم الدعوى، حتّى يصدر الحكم النهائي بحقّهم. والذين يُحكَم عليهم كمجرمين يجب أن يُعاقَبوا طبقاً للقوانين الجزائية. وبعد تنفيذ عقوبة الموت تُباع أموالهم. ومَنْ يتجرّأ على منع هذا الأمر سيواجه غضب الله تعالى والرسل المقدّسين بطرس وبولس([60]). ويرى جيوفاني بيترو كرافا، الذي أصبح فيما بعد البابا باولوس الرابع، أنّه عندما يتعرَّض الإيمان إلى خطر فإنّ أيّ تأخير غير جائز، بل يجب اللجوء إلى اتّخاذ الإجراءات الاحتياطية المشدَّدة والجادّة في حالة بروز أدنى شكّ. ولا ينبغي لأيّ شخص القيام بتلويث اسمه وسمعته، من خلال تهاونه وتسامحه مع المبتدعين ـ ومن أيّ فرقة كانوا ـ، وبخاصّة مع أتباع كالوين. وقال: لو أنّ أبي كان مبتدعاً لجمعتُ ما يكفي من الحطب لكي أحرقه([61]).

دييغو دواوسدا إسباني بروتستانتي، أدين من قبل المحكمة الشرعية لتفتيش العقائد البابوية، وأودع السجن. وجاء في الحكم الصادر من قبل مسؤولي المحكمة في حقّه: نحن مسؤولو تفتيش العقائد توصَّلنا إلى أنّ المتَّهم ارتكب جريمة البدعة والارتداد عن الدين الكاثوليكي المقدَّس، في الحالات المذكورة أدناه. وجاء في بقية قرار الحكم دفاعه عن الراهب الشرير المبتدع المنبوذ مارتن لوثر، ومجالسته للمبتدعين، ودفاعه عنهم، ويقول القرار: نُعلن أن دييغو دواوسدا مبتدع ومرتدّ عن المذهب الكاثوليكي المقدّّس، والدين المسيحي، وأنّه اشترى حكم التكفير، ومصادرة جميع أمواله في حياته. ونعلن أنّ أمواله هي ملكٌ لخزانة السلطة، اعتباراً من اليوم الذي ارتكب فيه هذه الجرائم ضدّ الدين، ونحيله إلى السلطة العرفية؛ (لإعدامه)([62]).

وفي مجلس «ترنت» تمّت المصادقة على منصبين، هما: «أنغيزيسيون»، وتعني المحكمة النهائية للحكم بحقّ المرتدين؛ و«أندكس» (Index)، وتعني فهرس بالكتب التي تعدّ خطراً على الإيمان والأخلاق الكاثوليكية، والتي راقبها ممثِّلو الكنيسة، ومنعوا قراءتها على أعضاء كنيسة روما([63]).

وتمّ إعداد «الفهرس البابوي» في روما عام 1559م. وأعلن البابا ليون العاشر: لا يحقّ لأيّ شخص في المستقبل القيام بطبع أيّ كتاب أو مقالة أخرى، أو يساعد على ذلك، سواء في روما أو في أيّ مدينة أو أسقفية أخرى، إلاّ بعد حصوله على تأييد وموافقة قائمّقام البابا أو رئيس القصر المقدَّس في روما، أو الأساقفة أو غيرهم من الأشخاص ذوي الدراية العلمية، في المدن أو الأسقفيات الأخرى. وفي سنة 1571م استحدث البابا پيوس الخامس «مجمع الفهرس»، والذي كان يمثِّل إدارة منفصلة للإشراف على الفهرس. وكان جهاز محاكم التفتيش يراقب نشر الكتب الضالّة المخرّبة. ودخلت آلاف الكتب إلى قائمة الفهرس البابوي. ومنعت كتب بعض المؤلِّفين، من قبيل: آراسموس، سافونارولا، ماليا فولي، وبوكاتشيو. كما نشرت قائمة رسمية جديدة من الكتب الممنوعة، من قبل «الدائرة المقدَّسة» عام 1948م([64]).

ويرى يوحنا بطرس غوري، في كتابه في فقه المسيحية، أنّ قراءة الكتب الممنوعة والمحرّمة حرامٌ، حتّى بالنسبة لمَنْ يُؤمَن عدم تضرّره وتأثّره بها؛ لأن تلك الكتب تعرّض المرء للخداع. ويعدِّد ثمان جمعيات من جمعيات الكنيسة الرومية، وإحداها هي جمعية «أندكس والفهرس»، حيث يقوم فيها فريق من العلماء والمحقِّقين بفحص الكتب وتأشيرها؛ بهدف إدخال الكتب التي تتنافى مع الدين أو الآداب الحسنة المقبولة، أو يكون فيها شيءٌ يلحق الضرر بالمؤمنين، في قائمة الكتب المحرَّمة. وكلّ كتاب تُشَمُّ منه رائحة البدعة يدخل اللائحة الممنوعة. وأحياناً يعرب أسقف روما الأعظم عن براءته من بعض الكتب، وتدخل قائمة الكتب الممنوعة. ويصبح لزاماً على المؤمنين الامتناع عن مطالعة كتب القائمة الممنوعة، كامتناعهم عن تناول الطعام المسموم. فهو يُفتي بعدم جواز طبع الكتب التي تحمل من جهة أموراً جيِّدة، ولكنّها من جهة أخرى تجلب الفساد. ولا يجوز التعامل بالكتب المفسِدة بيعاً وشراءً، إلاّ للعلماء القادرين على الوقوف على انحراف هذه الكتب وضلالها، ومن ثمّ كشفها والردّ عليها. كما لا يجوز هبة الكتب الفاسدة، وتأجيرها، وإعادتها إلى مالكها([65]).

ومن هنا أصبح واضحاً أنّ الكتاب الذي يحمل أبسط إساءة لشخصيّة السيد المسيح× المقدَّسة سيدخل لائحة الكتب الممنوعة والمحرَّمة حتماً، وأنّ بيعه وشراءه وتأجيره وإهداءه وقراءته ستكون حراماً. وبالإضافة إلى البابا والمجلس الكنسي العامّ فإن عموم الناس والأساقفة والعلماء المسيحيين حاربوا أيضاً البدعة والارتداد والكفر، وبخاصّة الإساءة لعيسى المسيح×.

وكان أسقف مدينة «ليون» في القرن الميلادي الثاني إيرنه يعدّ من أقوى المخالفين للبدعة، ويرى أنّ البدعة هي انحراف عن الكتب المقدّسة وقانون الإيمان([66]). ولطالما كان يقوم بنفسه بقتل المبتدعين أمام الملأ بدون محاكمة، وقبل أن تتخذ الكنيسة أيّ إجراء رسمي. وكان المؤمنون يشتكون من أنّ الكنيسة تبالغ في التسامح مع المبتدعين. وفي بعض الأوقات كانوا يخطفون المبتدعين من أيدي القساوسة، الذين كانوا يتولّون حراستهم. وفي عام 1114م قام الأسقف سواسون بسجن بعض المبتدعين، بينما كان هو بعيداً عن مقرّه. وخوفاً من تعامل القساوسة معهم بلطفٍ ولين قام الناس بكسر أبواب السجن، وأخذوا المبتدعين عنوةً إلى تلٍّ من الحطب، وأحرقوهم أحياءً. وعندما قال پير دوبروئي: إنّ القساوسة عندما يتظاهرون بقلب ماهيّة جسم عيسى في مذهب القربان المقدَّس يكذبون، وأنّهم أحرقوا عدة صلبان في يوم الجمعة الذي صلب فيه السيد المسيح، قام الناس بقتله عند الصباح([67]).

ويرى جيمس هوكس أنّه لا يبغض عيسى المسيح× إلاّ الأشرار([68]). كما يرى فلويد فيلسون أيضاً أنّ مَنْ يرفض دعوة السيد المسيح× عمداً سينتظره مستقبل محزن، ومَنْ لا يقبل السيد المسيح×، ويمتنع عن القبول به، سيواجه مصيراً محزناً، ويحرم نفسه من المزايا المجانية التي يمنحها الإنجيل للإنسان([69]).

 

     شخصنة المسيحيّة

قبل أن تعتمد المسيحية «النصّ والقانون» كمحور اعتمدت الشخص كمحور في بنائها. والدين المسيحي يعدّ من أكثر الأديان اعتماداً على عنصر الشخصيّة؛ إذ إن تاريخ حياة السيد المسيح× وشخصيته وأوصافه متغلغلة في النصّ الديني، بحيث إن إنكار أيٍّ منها يعدّ إنكاراً للديانة المسيحية([70]). وكتاب الإنجيل المقدَّس يتحدّث عن ابن الله عيسى المسيح×([71]). والإنجيل في الحقيقة هو عبارة عن شرح للأحداث التي وقعت في حياة السيد المسيح×([72]). كما أنّ أكثر من ربع ما جاء في الأناجيل الأربعة يتعلق بتفاصيل قضية الأسبوع الأخير من عمر عيسى المسيح×([73]). وانطلاقاً من أن الأصول الأساسية للمسيحية هي نفس الأركان والقضايا المتعلِّقة بحياة السيد المسيح× فإنّ أيّ إساءة لثوابت الديانة المسيحية تعدّ في الواقع إساءة لعيسى المسيح×، وأيّ إساءة لعيسى المسيح× تعدّ كذلك إساءة للديانة المسيحية. وفي هذه الحالة يمثل تاريخ الدفاع عن المقدَّسات في الديانة المسيحية، وصحيفة أعمال المسيحيين في مواجهة المبتدعين والمرتدين والكافرين والمسيئين، يمثِّل في الواقع تاريخ الأحكام والعقوبات الصادرة في قضية الإساءة لشخصيّة السيد المسيح المقدّسة، وتعكس بمجملها السنّة المسيحية في التعامل مع قضية الإساءة لمؤسِّس الديانة المسيحية. وبناءً على ذلك فإنّ كلّ ما يجري تطبيقه بشأن الإساءة للحواريين وتلاميذ عيسى المسيح× ورسله([74])، والأحكام والقوانين والعقوبات المقرّة بشأن الإساءة للبابا([75])، وبخاصّة جميع ما حصل في أروقة محاكم التفتيش، إنّما يمثِّل في الواقع حكم الإساءة، وعقوبة توجيه الإهانة، للسيد المسيح× في الديانة المسيحية.

   عقوبة الإساءة للسيد المسيح× في محاكم التفتيش

بدأ التصدّي للمبتدعين والمرتدّين والكافرين والمسيئين ومحاربتهم منذ زمن السيد المسيح× ورسله، وما زال مستمرّاً إلى اليوم. وفي الوقت الذي كانت الكنيسة بزعامة البابا تمثِّل أقوى سلطة في أوروبا والعالم المسيحي([76]) ظهرت محكمة تفتيش العقائد الكنسية، استناداً إلى الكتاب المقدَّس([77]) والسنّة المسيحية([78])، في بداية القرن الثالث عشر، بأمرٍ رسمي من البابا إينوكنتويوس الثالث([79]). وبدعمٍ وتأييدٍ من البابا غريغوري التاسع تمّ تطويرها إلى مؤسَّسة كنيسة عالمية، ذات سلطة ونفوذ كبيرين واستثنائيّين([80]). واستمرت هذه الدوائر العملاقة المجهَّزة تماماً تواصل أعمالها بالإمكانيّات الهائلة للكنيسة أيضاً، حتّى أواخر القرن الثامن عشر، بصورة علنية وشاملة، بالاستعانة بسلطة البابا([81]). إلاّ أنّها انحسرت تدريجياً؛ بسبب ضعف السلطة الدنيوية للكنيسة والبابا([82]). وواصلت محكمة تفتيش العقائد مهامها في هذه القرون الستّة، من خلال التوجيه والإشراف المباشرين للبابا. وخلال هذه المدة وافق جميع مَنْ تسلَّم منصب بابا الكنيسة الرومية والفاتيكان([83])، والبالغ عددهم 76 شخصاً، على مبدأ تشكيل المحكمة. ووافقوا أيضاً على كيفية تعامل المحكمة. ولطالما أعلنوا عن دعمهم ومؤازرتهم لها. وبناءً على ذلك فإنّ سجل هذه المحكمة الشرعية الدينية وسلوكها يعدّان مصدراً هامّاً للكشف عن النظرية المسيحية في الدفاع عن المقدَّسات، وتقصّي الحكم الشرعي، وعقوبة المسيئين لشخصية السيد المسيح المقدّسة. وطبقاً لنظرية الشخصنة المسيحية فإنّ كلّ ما حصل في هذه المحكمة كان يرتبط بشكلٍ ما بمنهج الدفاع عن السيد المسيح×. ولكنّ وفق ما جاء في لائحة الجرائم والتهم الموجَّهة للمحكومين، والذين تمَّت معاقبتهم من قبل محكمة تفتيش العقائد المقدّسة، نجد أنّ جريمة الإساءة للسيد المسيح× كانت من أكبر الجرائم وأخطرها، وصدرت فيها أشدّ العقوبات([84]).

كما تمّ تنفيذ العقوبات المشدَّدة والثقيلة، من قبيل: السجن، والتعذيب، والحرق حيّاً، والخنق، والربط على الصليب، على جريمة الإساءة لشخصيّة السيد المسيح× المقدَّسة([85]).

    سلوك الكنيسة في التاريخ المسيحي المعاصر

خلال فترة الحكم المطلق للبابا والكنيسة الكاثوليكية في إيطاليا وجميع أنحاء أوروبا توفَّرت الأجواء الملائمة للتعبير عن وجهات النظر، وتنفيذ عقوبة الإساءة للمقدَّسات. وفي تلك المرحلة تمّ نشر حكم الديانة المسيحية، وتنفيذه من قبل البابا والكنيسة، بشكل علنيّ. ويعتبر تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وسيرة البابا في ذلك الوقت، مصدراً موثوقاً وكبيراً للوقوف من خلاله على حكم الإهانة للمقدَّسات المسيحية. ولم يكن البابا والفاتيكان والكنيسة قادرين على تحمُّل أيّ نوع من أنواع الإساءة للسيّد المسيح× في عصر هيمنتهم وسلطانهم. وطبقاً للشواهد والوثائق الكثيرة المتبقية من تلك الحقبة فإنّ أدنى إهانة موجَّهة للسيد المسيح× كانت تعدّ جريمةً كبرى للغاية، تواجه بعقوبة الموت القاسية، ويعاقب مرتكب الإهانة بأشد صيغة. كما أنّ انتقاد الكنيسة والاصطدام معها، وتقديم أيّ نوع من الفرضيات والتفسيرات الجديدة، والمتباينة مع التصوُّرات والمعتقدات الرسمية للكنيسة، بل وحتى الاختراعات والأبحاث العلمية، وإبداء وجهات النظر العلمية غير المنسجمة مع تفسير الكنيسة للكتاب المقدَّس، يُنظر إليها على أنّها تمثِّل إهانة للكنيسة الكاثوليكية، وإساءة لرأسها عيسى المسيح×، ويتمّ التصدّي لها بكلّ شدّة وحزم([86]).

البابا الذي كانت قدسيّته؛ تجسيداً لقدسيّة عيسى المسيح×، ومكانته وسلطته وحيثيّته كانت لها جذور في هيبة المسيح×، كان يُنظر إليه على أنه معصومٌ عن الخطأ. وكانت الإساءة إليه تعدّ جرماً عظيماً ذا عقوبة شديدة. إنّ عدم القبول بسلطة البابا، وعدم رفع القبعة عن الرأس احتراماً له، والاعتراض على صلاحيات البابا وانتقاده، يُعَدّ إهانةً لنائب عيسى المسيح×، تترتَّب عليها العقوبة، بحيث إنّ الكثير من المسيحيين حُكم عليهم بالموت، وتم إعدامهم؛ بجريمة إهانة البابا([87]).

وإثر عصر التجديد والثورة الفرنسية، وأفول سلطة الكنيسة، وانحسار نفوذها الواسع في العالم الغربي، وانهيار محكمة تفتيش العقائد، وتلاشي أحقّية رأي البابا والكنيسة ومكانتهم، تغيَّرت الظروف. ولم تعُدْ الكنيسة قادرةً بعدئذٍ على أنْ تنفّذ أحكامها، كما كانت تفعل في السابق. ولم تتمكَّن المسيحية في ظلّ الوضع الجديد من التصدي لمسألة إهانة المقدَّسات، كما كانت في السابق، على الإطلاق. إنّ إضعاف مكانة الكنيسة والبابا عالمياً، وضعفهم أيضاً، يمثِّل العامل الأساسي لهذا التقصير. إلاّ أنّ انعكاسات الممارسات القاسية للكنيسة في الدفاع عن المقدَّسات، والسلوك غير المنطقي وغير المعقول للكنيسة في القرون الوسطى، وعصر تفتيش العقائد أيضاً، أدَّت إلى أن يشعر زعماء الكنيسة بالخجل والاستحياء؛ بحيث اضطر الفاتيكان معها، في ظلّ الظروف المستجدة، إلى التظاهر برفض العنف، والتوجُّه إلى تبنّي أسلوبٍ يختلف عن الماضي. وفي ظلّ هذا الوضع الجديد والمرحلة الجديدة قامت الكنيسة، والبابا أيضاً، بالتصدّي لأيّ إساءة تصدر في نطاق سلطتهم ونفوذهم داخل المؤسَّسات المسيحية، واعتبار أيّ نوع من أنواع التعرُّض والإساءة للبابا والكاردينالات والقساوسة، قولاً وفعلاً، في معاهدة «لا ترانو» في عام 1929م، بمثابة توجيه الإهانة وعدم الاحترام لشخص الملك نفسه([88]). وتمّ التصدّي داخل مؤسَّسات الكنيسة والفاتيكان لكلّ ما يعتبر إهانةً للبابا والكنيسة والقساوسة بشكلٍ جادّ. وتستند هذه المحاربة، في ظلّ انتساب البابا والكنيسة لعيسى المسيح×، إلى قاعدة محاربة الإساءة للسيد المسيح×. ويتَّضح من خلال ذلك أنّه في عصر سيطرة الكنيسة وقوتها، وسلطة محكمة تفتيش العقائد على أوروبا، لم يجرؤ أيّ شخص على توجيه إهانة صريحة وواضحة للسيد المسيح×، هذا من جهة. واليوم أيضاً لا يمتلك أيّ شخص هذه الجرأة داخل مؤسّسات الكنيسة كذلك. ولكنْ من الممكن أن يُقدِم بعض الأفراد على الإساءة للبابا والقساوسة. ومن هنا فقد تم الإعلان عن أنّ أيّ نوع من أنواع الإساءة للبابا والقساوسة؛ وبحجة الإساءة لنائب السيد المسيح، يُعَدّ جريمة كبرى، ذات عقوبة مشدَّدة، وسيصار إلى محاربتها.

ومنذ أن تمّ إقرار موضوع «العصمة»، و«عدم خطأ البابا»، في المجلسين الأول والثاني للفاتيكان، واكتسب صفته الرسمية، تمَّت محاربة كلّ مَنْ لم يقبل به أو انتقده، وبقوّة، تحت عنوان إهانة ممثِّل عيسى المسيح×. مؤرِّخ الكنيسة البارز إيگنازون دولينگر رفض القبول بنظرية العصمة، وطُرد من الكنيسة إثر ذلك([89]). وظهرت في عهد ليون الثالث عشر (1878 ـ 1903م) حركة مجدِّدة في الكنيسة الكاثوليكية، وكان من قادتها: الفريد لوبيزي، وجورج تيرل، اللذان رفضا نظرية عصمة البابا. فأدان البابا هذه الحركة التجديدية، وأصدر عقوبة الطرد بحقّ قادتها. كما ألزم رجال الدين المسيحيين بالقَسَم ضدّ هذه الحركة، من خلال مرسوم آخر أصدره في هذا الخصوص([90]). الفريد نيومن لوزاي قسٌّ كاثوليكي، ولكنْ؛ بسبب مساعيه لضمان حرية إجراء الأبحاث التاريخية في الكنيسة، عوقب سنة 1908م بالتكفير([91]). وفي عام 1948م صدرت القائمة الرسمية الجديدة بعناوين الكتب الممنوعة من قبل إدارة الفاتيكان المقدَّسة، ولا تزال سارية المفعول إلى اليوم. وكان السبب الرئيس لمنع تلك الكتب هو الإساءة للمقدَّسات([92]). وفي عام 1971م تمَّت محاكمة كارل هانس دشنر، الذي أصدر الكثير من الكتب عن الكنيسة، وتاريخ المذهب؛ بجريمة الإساءة والافتراء على الكنيسة المسيحية([93]). وطريقة تعامل الكنيسة الكاثوليكية والبابا مع هانس كونگ في القرن العشرين يعدُّ نموذجاً بارزاً على محاربة الفاتيكان لأيّ نوع من توجيه النقد للبابا؛ بدعوى أنّها إساءة للسيد المسيح. وفي الأعوام 1962 إلى 1965م عُين هانس كونگ من قبل البابا بصفة متخصِّص، وشارك في المجلس الثاني للفاتيكان([94]). لقد كان مسيحيّاً متطرِّفاً، ولكنْ؛ بسبب انتقاده لنظرية «عصمة البابا»، أُقيل من الكنيسة الكاثوليكية، وكرسيّ تدريس إلهيات الكاثوليك([95]).

وفي يوم عيد ميلاد السيد المسيح× سنة 1385هـ.ش تحدَّث السيد حسن رحيم پور أزغدي في المراسم التي أقامتها كنيسة النبيّ إبراهيم× في طهران حول موضوع «المسيح في القرآن». وأشار في هذه الكلمة، التي تمركزت بنسبة تسعين في المائة حول تبيين الوجوه المشتركة بين الإسلام والمسيحية، أشار، وبشكلٍ ودّي، إلى بعض أوجه التباين بين الإسلام والمسيحية في معرفة المسيح. وإثر هذه الكلمة أقال الفاتيكان، بزعامة البابا، الرجل الثاني في سفارته في طهران، وكذلك القسّ الباكستاني المسؤول عن تنسيق شؤون القساوسة في كنيسة النبيّ إبراهيم×([96]).

 

    الخلاصة

من خلال التأمُّل في تعريف «السنّة» ومفهومها في الشريعة المسيحية، وبناءً على اعتقاد المسيحيين الكاثوليك بضرورة استمرارية السنّة وتطويرها، وبعد أن اتَّضحت درجة أهمّية السنّة المسيحية وحُجّيتها، وضرورة الاعتقاد بها، ووجوب قبولها من قبل جميع المسيحيين في العالم، نخلص إلى النتيجة التالية، وهي: إن الإساءة للسيد المسيح× تعدّ جريمة كبرى، تستوجب الحكم عليها بالتكفير الكبير، واللعن. وعقوبتها الدنيوية هي الحرق والقتل. وإنّ أيّ كتاب تَرِدُ فيه إساءةٌ للسيد المسيح يعتبر من الكتب الضالّة والخطرة، التي يعدّ طبعها ونشرها جُرْماً، وقراءتها حرامٌ، وممنوعٌ على أعضاء الكنيسة. وفي السيرة التي سارت بها المسيحية الحاكمة في عصر هيمنة الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى، والمحكمة العالمية المسيحية لتفتيش العقائد، والتي ظهرت على أساس السنّة المسيحية، ومارست أعمالها بإدارة البابا زعيم المسيحيين الكاثوليك لمدّة ستّة قرون، كانت عقوبة الإساءة للسيد المسيح× هي الموت دائماً. وعوقب المسيئون للسيد المسيح بأشدّ العقوبات، وتمّ حرقهم وإعدامهم.

 

الهوامش

([1]) مري جو ويفر، (در آمدي بر مسيحيت): 122 ـ 124، ترجمة حسن قنبري، قم، مركز دراسات وأبحاث الأديان والمذاهب، 1381؛ إينار مولندن، (جهان مسيحيت 9: 49، 54، 55، 89، ترجمة: محمد باقر أنصاري ومسيح مهاجري، ط. الثانية، طهران، دار نشر أمير كبير، 1381؛ آليستر مك كراث (مقدمه إي بر تفكّر نهضت إصلاح ديني): 357، 358، ترجمة: بهروز حدّادي، قم، مركز دراسات وأبحاث الأديان والمذاهب، 1382؛ كاليستوس وير، سنّت أز ديدگاه مسيحيت (مقدمة إى بر شناخت مسيحيت): 52، ترجمة: همايون همتي، طهران، دار نشر نقش جهان، 1379.

([2]) جي. لسلي دنستن، (آيين بروتستان): 84 ـ 89، 329، 331، ترجمة: عبد الرحيم سليمان أردستاني، قم، مؤسسة الإمام الخميني للدراسات والأبحاث، 1381؛ كاليستوس وير، المصدر السابق: 48.

([3]) آليستر مك كراث، مقدمه إى بر تفكّر نهضت إصلاح ديني: 296، 313 ـ 314؛ آليستر مك كراث، درسنامه إلهيّات مسيحي: 357 ـ 358، 360، ترجمة: بهروز حدادي، قم، مركز الدراسات وأبحاث الأديان والمذاهب الإسلامية، 1384؛ جُوان أُ. كريدي، مسيحيت وبدعتها: 204، 205، 206، ترجمة: عبد الرحيم سليماني أردستاني، قم، طه، 1377؛ توني لين، تاريخ تفكّر مسيحي: 491، ترجمة: روبوت آسريان، طهران، فروزان، 1380؛ كاليستوس وير، المصدر السابق: 48.

([4]) الإنجيل الشريف، الترجمة الفارسية الجديدة.

([5]) (العهد الجديد: الله ومنجينا عيسى المسيح) 18: 18 ـ 20، الذي ترجم من اللغة اليونانية، الطبعة الثالثة، طهران، مؤسسة الكتاب المقدّس الإيرانية؛ جان لاك، رسالة في باب التساهل: 63، ترجمة: شيرزاد كاشاني، طهران، دار نشر ني، 1375؛ جي. لسلي دنستن، المصدر السابق: 31.

([6]) إينار مولند، المصدر السابق: 90؛ جُوان أُ. كريدي، المصدر السابق: 208.

([7]) توني لين، المصدر السابق: 84، 139، 361، 362؛ توماس ميشيل، كلام مسيحي: 50، 51، ترجمة: حسين توفيقي، قم، مركز الدراسات وأبحاث الأديان والمذاهب الإسلامية، 1377؛ محمد علي أبطحي، حوار مع العلماء المسيحيين (الدين في العالم المعاصر): 89، 95، 96، طهران، دار نشر طرح نو، 1379؛ مري جو ويفر، المصدر السابق: 31، 93، 486.

([8]) هانس كونغ، تاريخ الكنيسة الكاثوليكية: 92 و146 و152 و190 و235 و236، ترجمة: حسن قنبري، مركز الدراسات وأبحاث الأديان والمذاهب الإسلامية؛ جان بايرناس، (تاريخ جامع أديان): 652، ترجمة: علي أصغر حكمت، تنقيح برويز تابكي، ط. السادسة عشر، طهران، (عامي وفرهنگي)؛ جان بالارد، الفاتكان والفاشية في إيطاليا 1929 ـ 1932م: 24، ترجمة: محمدي سحابي، طهران، دار نشر مركز، 1366؛ سارا فلاورز، الإصلاحات: 122، ترجمة: رضا ياسائي، ط. الثانية، طهران، ققنوس، 1382؛ ألن كير برانت، كليساي انقلابي (الكنيسة الثورية): 45 و60 و64 و71 و76، ترجمة: برويز هوشمند راد، طهران، دار نشر شباويز، 1367؛ فان لون، أنكيز سيون (تفتيش العقائد): 7، ترجمة: غلام رضا سعيدي، هندريك ويلم.

([9]) مايكل ب. فوستر، (خداوند أنديشه سياسي): 406 ـ  408، ترجمة: جواد شيخ الإسلامي، ط. الثانية، طهران، دار نشر أمير كبير، 1362؛ ويل دورانت وآريل دورانت، (تاريخ تمدن) 4: 678 و680 و708 و1084، ترجمة: أبو القاسم طاهري وآخرين، ط. الثامنة، طهران، دار نشر علمي وفرهنگي، 1381؛ هانس كونغ، المصدر السابق: 148 و251؛ إينار مولند، المصدر السابق: 87.

([10]) يوحنا بطرس غوري. مختصر اللاهوت الأدبي: 132 ـ 135، ترجمة: يوحنا حبيب الخوري، المطبعة العمومية الكاثوليكية، 1879.

([11]) إنجيل يوحنّا 21: 15 ـ 18؛ إنجيل متى 16: 13 ـ 19؛ إنجيل لوقا 10: 16؛ أعمال الرسل 15: 28.

([12]) يوحنّا بطرس غوري، المصدر السابق: 115.

([13]) توني لين، المصدر السابق: 481 و493؛ هانس كونغ، المصدر السابق: 227؛ إينار مولند، المصدر السابق: 91 و92؛ روبرت أي. فان فورست، مسيحيّت أز لابه لاي متون: 438، ترجمة: جواد باغباني وعبّاس رسول زاده، قم، مؤسّسة الإمام الخميني للأبحاث والدراسات، 1384.

([14]) روبرت أي فان فورست، المصدر السابق: 438 ـ 440؛ توني لين، المصدر السابق: 481؛ محمد رضا زيبايي نژاد، مسيحيت شناسي مقايسه إى: 267، ط. الثانية، طهران، دار نشر سروش، 1384.

([15]) ليلى مصطفوي كاشاني، المصدر السابق: 139 ـ 141 و147 و148.

([16]) ناصر مكارم الشيرازي وآخرين، دائرة معارف الفقه المقارن 1: 577، قم، مدرسة الإمام علي×، 1385.

([17]) أمثال سليمان 8: 15.

([18]) روميان 13: 1.

([19]) يوحنّا بطرس غوري، المصدر السابق: 114 ـ 115.

([20]) متى: 16: 19.

([21]) لوقا: 10: 16.

([22]) أعمال رسولان: 15: 28.

([23]) يوحنّا بطرس غوري، المصدر السابق: 114 ـ 115.

([24]) المصدر السابق: 115.

([25]) يوحنّا، 21: 15 ـ 17.

([26]) متى: 16: 19.

([27]) يوحنا بطرس غوري, المصدر السابق: 255.

([28]) المصدر السابق: 583.

([29]) المصدر السابق: 132 ـ 135.

([30]) المصدر نفسه.

([31]) المصدر السابق: 584.

([32]) المصدر السابق: 908.

([33]) توني لين، المصدر السابق: 51.

([34]) مري جو ويور، المصدر السابق: 446 و447.

([35]) توني لين، المصدر السابق: 51؛ جان بايرناس، المصدر السابق: 634.

([36]) جان بايرناس، المصدر السابق: 634.

([37]) توني لين، المصدر السابق: 117 ـ 118.

([38]) ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1015.

([39]) المصدر السابق: 1014.

([40]) جان بايرناس، المصدر السابق: 646؛ توني لين، المصدر السابق: 168.

([41]) جُوان أُ. كريدي، المصدر السابق: 177 ـ 182.

([42]) دبورا بكراش، تفتيش العقائد: 19، ترجمة: مهدي حقيقت خواه، طهران، ققنوس، 1383.

([43]) المصدر السابق: 21؛ ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1047.

([44]) ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1039 و1047.

([45]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 18 و19.

([46]) المصدر السابق: 20.

([47]) ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1039 ـ 1042؛ دبورا بكراش، المصدر السابق: 19 ـ 21.

([48]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 22 و23؛ توني لين، المصدر السابق: 193.

([49]) ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1045.

([50]) المصدر السابق 4: 1047.

([51]) مري جو فيور, المصدر السابق: 448؛ توني لين، المصدر السابق: 193.

([52]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 26 و27.

([53]) ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1046.

([54]) المصدر السابق 4: 1044 و1048.

([55]) فرانكو مارتينلي، تاريخ تفتيش العقائد (تاريخ سفك الدماء, والتعذيب والأعمال السادية): 12 و13، ترجمة: إبراهيم صدقياني، طهران، دار نشر (جهان رايانه أمين)، 1378.

([56]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 28؛ ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1050.

([57]) ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1049.

([58]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 29.

([59]) فرانكو مارتينلي، المصدر السابق: 219.

([60]) روبرت أي. فان فورست، المصدر السابق: 336 و337.

([61]) سارا فلاورز، المصدر السابق: 119.

([62]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 57.

([63]) مري جو فيور، المصدر السابق: 193 و194؛ دبورا بكراش، المصدر السابق: 29؛ جان بايرناس، المصدر السابق: 688.

([64]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 133 ـ 136.

([65]) يوحنّا بطرس غوري، المصدر السابق: 163 و171 و173 و308 و309.

([66]) روبرت أي. فان فورست، المصدر السابق: 118.

([67]) ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1045 ـ 1046.

([68]) جيمز هوكس، قاموس الكتاب المقدّس: 807، بيروت، المطبعة الأمريكية، 1928.

([69]) فلويد فيلسون، كليد عهد جديد: 49 و50، ترجمة: مسعود رجب نيا، طهران، دار نشر نور جهان، 1323.

([70]) هارفي كوكس، مسيحيت: 24 ـ 25، ترجمة: عبد الرحيم سليماني أردستاني، قم، مركز دراسات وأبحاث الأديان والمذاهب، 1378؛ توني لين، المصدر السابق: 336 و389 و516 ـ 517؛ كالين براون، فلسفه وإيمان مسيحي: 283، ترجمة: طاطاوس ميكائيليان، طهران، دار نشر علمي وفرهنگي، 1375؛ مري جو فيور، المصدر السابق: 31؛ ويل دورانت، المصدر السابق 4: 769؛ ج. ب. بوري، تاريخ آزادي فكر: 47 ـ 49، ترجمة: حميد نير نوري، طهران، مكتبة دانش، 1329؛ فيليب شرارد (إنسان شناسي مسيحي)، صحيفة انتخاب، العدد 110، ترجمة: مسعود غفور زاده؛ علي رضا شجاعي زند، عرفي شدن در تجربه مسيحي وإسلام: 213 و459، طهران، دار نشر باز ومركز دراسات الإسلام وإيران، 1381؛ جان بايرناس، المصدر السابق: 575.

([71]) الروم 1: 3.

([72]) لوقا: 1: 1 ـ 2؛ جيمز هوكس، المصدر السابق: 111 ـ 112؛ روبرت أي. فان فورست، المصدر السابق: 109؛ آليستر مك گراث، درسنامه إلهيات مسيحي: 528، ترجمة: بهروز حدّادي، قم، مركز الدراسات وأبحاث الأديان والمذاهب، 1384؛ جي لسلي دنستن، المصدر السابق: 68.

([73]) فلويد فيلسون، المصدر السابق: 21.

([74]) متى: 5: 21 ـ 23 و10: 40 ـ 42؛ أعمال رسولان 20: 28 ـ 29؛ العبريين 12: 9 ـ 11 و13: 17.

([75]) هانس كونغ، المصدر السابق: 129؛ ويل دورانت، المصدر السابق 4: 704 ـ 710؛ جان بالارد، المصدر السابق: 244 و330 و308؛ مجتبى عبد خدايي، المصدر نفسه: 382 و386 و387؛ ليلى مصطفوي كاشاني، المصدر السابق: 148.

([76]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 16 و23 و27؛ سارا فلاورز، المصدر السابق: 13 و16 و17 و120؛ توني لين، المصدر السابق: 111 و147 و241.

([77]) متى: 18: 8 ـ 9؛ مرقس: 10: 43 ـ 48؛ لوقا 14: 15 ـ 23؛ يوحنّا 15: 6؛ أول قرنتيان 6: 1 ـ 3؛ الروم 13: 1 ـ 4.

([78]) توني لين، المصدر السابق: 85؛ هانس كونغ، المصدر السابق: 97؛ جان لاك، المصدر السابق: 9؛ دبورا بكراش، المصدر السابق: 9 و11 و12 و41 و42 و96 و126؛ ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1044 و1045؛ ويلهلهم فريدريك هيجل، استقرار شريعت در مذهب مسيح: 79، ترجمة: باقر برهام، طهران، دار نشر آگه، 1369.

([79]) ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1040 و1048؛ دبورا بكراش، المصدر السابق: 27.

([80]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 27.

([81]) م. وفرآل، محكمة تفتيش العقائد (أنگيزيسيون): 523 و532، ترجمة: لطف علي بريماني.

([82]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 7 و8 و127 و130 و131.

([83]) مجتبى عبد خدايي، المصدر السابق: 445.

([84]) ويل دورانت، المصدر السابق 4: 128 و129 و493 و494 و500 و1033 و1044 و1045؛ جان بايرناس، المصدر السابق: 634 و645 و646 و680 و681؛ روبرت أي. فان فورست، المصدر السابق: 336؛ توني لين، المصدر السابق: 51 و117 و118 و168؛ فرانكو مارتينلي، المصدر السابق: 45 و103 و320 و428 ـ 437؛ دبورا بكراش، المصدر نفسه: 18 و55 ـ 57 و115؛ مايكل وايت، المصدر السابق: 19 و27 و105 و113 و114 و159 و213 و459؛ سارا فلاورز، المصدر السابق: 24؛ جُوان أُ. كريدي, المصدر السابق: 177 ـ 182؛ ميرجا إلياده، آيين گنوسي ومانوي: 79، ترجمة: أبو القاسم إسماعيل پور، دار نشر فكر روز، 1373.

([85]) مايكل وايت، المصدر السابق: 43؛ ويل دورانت، المصدر السابق 4: 1046 و1052، 7: 274 و723 و730 و762 و732 و731؛ دبورا بكراش، المصدر السابق: 57 و93 و107 ـ 111 و116 و119 و121؛ فرانكو مارتينلي، المصدر السابق: 209؛ جان بايرناس، المصدر السابق: 665؛ فان لون، المصدر السابق: 27؛ آليستر مك گراث، مقدّمه إي بر تفكّر نهضت إصلاح ديني: 17 و18.

([86]) فرانكو مارتينلي، المصدر السابق: 54، 216 و218, 122 و124؛ ويل دورانت، المصدر السابق 4: القسم الثاني 1025 و1052.

([87]) فرانكو مارتينلي، المصدر السابق: 52 و138 و209 و271 و309؛ دبورا بكراش، المصدر السابق: 6 و17 و100 و102 و117 و121؛ توني لين، المصدر السابق: 228 و500؛ سارا فلاورز، المصدر السابق: 26 و98 ـ 99؛ هانس كونغ، المصدر السابق: 262.

([88]) مجتبى عبد خدايي، المصدر السابق: 382، 386 و387؛ ليلى مصطفوي كاشاني، المصدر السابق: 148.

([89]) توني لين، المصدر السابق: 482.

([90]) المصدر السابق: 488 و489.

([91]) آرشيوبورد روبرتسون، عيسى أسطوره يا تاريخ: 72.

([92]) دبورا بكراش، المصدر السابق: 132 و136.

([93]) كارل هانس دشنر، فاشيسم وإيتاليا: 4.

([94]) هانس كونغ، المصدر السابق: 36؛ توني لين، المصدر السابق: 498 ـ 499.

([95]) هانس كونغ، المصدر السابق: 36، 262 و263؛ توني لين، المصدر السابق: 363، 500 و501؛ ليلى مصطفوي، المصدر السابق: 131.

([96]) صحيفة كيهان، العدد: 1877: 2، في 28 فروردين 1386؛ صحيفة قدس: 19، السنة العشرون، 29 فروردين 1386.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً