أحدث المقالات

 محاولات للتأصيل والتعميق، السيد فضل الله نموذجاً

السيد محمد الحسيني(*)

(a)      تمهيد

من المسائل المهمة التي لم يبلغ البحث فيها مداه مسألة تحكيم مرجعية الكتاب الكريم. ولا نعني به كونه المصدر الأساسي للتشريع، فإن ذلك مما لا ريب فيه عند المسلمين جميعهم، بل نعني به مرجعية الكتاب الكريم في فهم الأخبار والروايات، وأن يشكل المناخ الفكري ومنظومة القيم والأفكار التي يستضاء بها في فهم الأخبار والروايات في مجال الفقه. وهو ما عناه السيد محمد حسين فضل الله في محاولة منه لتوسعة الحضور القرآني في هذا المجال، في وقتٍ يقتصر فيه معظم الفقهاء على عدد يسير من الآيات المباشرة التي تتعرض للأحكام الشرعية أو تكون على صلة بها. وبمعنى آخر فإن السنة الشريفة من وجهة نظر السيد فضل الله ينبغي أن تفهم وتحدّد دلالاتها في إطار المنظومة القرآنية؛ إذ لا يمكن فهم السنة بمعزل عن المرجعية الأساسية للقرآن، وخصوصاً أن هناك سياقاً واضحاً لبعض الروايات يتصدى فيها (المعصوم) للإشارة إلى العناوين القرآنية، كما سنشير إليه.

ويلاحظ الباحث على منهج السيد فضل الله الحضور الفاعل لهذه المرجعية، وفي موارد فقهية عديدة، ومنها موارد حرجة، وتشكّل إشكاليات على مستوى الروايات، في وقت يمكن تجاوزها مع تحكيم المرجعية القرآنية. ومن هذه الموارد:

1ـ يلاحظ الباحث على الفقه التقليدي أن هناك إشكاليات واضحة في صياغة العلاقة الزوجية ومفاعيلها. ويبرز ذلك بوضوح في مسألة سلطة (الرجل / الزوج) على (المرأة / الزوجة)، وطبيعة الوفاء بحقوق كل منهما تجاه الآخر، بل وتبرز الإشكالية بشكل أعمق في مسألة حل الخلافات وبلوغها الذروة، حيث تصل إلى النهاية.

وبتحديد أكبر يمكن الإشارة إلى حق الزوجة الجنسي، الذي يرى بعض الفقهاء أن ليس لها حق أكثر من مرة واحدة كل أربعة أشهر، وذلك تبعاً لروايات في هذا المجال، في وقت لا يمكن فيه ـ من وجهة نظر السيد فضل الله ـ  قبول هذه الروايات وفق الرؤية القرآنية، كما في قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وقوله تعالى: ﴿ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة ﴾(البقرة: 228). وقوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾(البقرة: 229).

وفي ضوء هذه الآيات الكريمة عالج السيد فضل الله مسائل شديدة الحراجة، كما في طلاق المرأة التي يغيب عنها زوجها؛ إذ يرى إمكان طلاقها في ضوء المفهوم القرآني، وإن أنفق عليها وليّ الزوج؛ لأن مثل هذا الإنفاق لا يفي بحاجات الزوجة الأخرى([1]).

2ـ ومن الموارد التي وقع فيها الجدل مسألة إرث الزوجة من العقار، حيث إن المشهور عند الإمامية حرمانها من الأرض ـ على تفصيل  ـ، وأخذها قيمة العقار من غير الأرض؛ وذلك لعددٍ من الروايات.إلاّ أن السيد فضل الله لاحظ على ذلك أن مثل هذه الروايات مخالفة للقرآن الكريم، بل إن ما ورد في خبر ابن أبي يعفور من كونها ترث من الزوج من أي شيء ـ كما يرث منها ـ هو الموافق للقرآن الكريم، فيكون مقدَّماً على الأخبار الأخرى، بل لا يمكن الإذعان لروايات الحرمان في وقتٍ لم يُشِرْ فيه القرآن الكريم إلى شيء من ذلك، ولو كان ثمة تخصيص للقرآن لكان صدر عن النبي|. وليس هناك ما يشير إليه، وخاصة أن المسألة ابتلائيّة جداً، والدواعي كثيرة على النقل([2]).

3ـ ولعل من أهم الموارد الفقهية التي حاول السيد فضل الله أن يعالجها في ضوء المنهج القرآني مسألة الخلع، وكونه واجباً على الرجل عندما تبذل الزوجة أولا؟ ومن الجدير بالذكر أن هناك عدداً من فقهاء الإمامية، وفي مقدمتهم الشيخ الطوسي، اختاروا وجوب الخلع، واستدلوا له بأن النهي عن المنكر واجب، وإنما يتمّ بهذا الخلع، فيجب([3]).

أما السيد فضل الله فقد حاول التنظير له بعيداً عن استدلال الشيخ الطوسي وأمثاله، وردّه إلى المنهج القرآني، وذلك استناداً إلى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾(البقرة: 229)، بمعنى أن الحل مما يريده الله على كل حال في حالة من هذا القبيل، بحيث يخشى أن لا يقيما حدود الله، ويتم تجاوزها أو انتهاكها، ولو ترك للرجل أن يمتنع على نحو يكون كالطلاق فعندئذٍ يكون الأمر عديم الفائدة. هذا فضلاً عن أن روايات شروط البذل يمكن أن يستفاد منها أنها تؤكد على أن الطلاق واقع على كل حال.

4ـ ومن التطبيقات الفقهية لما نسمّيه بالمرجعية القرآنية موقف السيد فضل الله من روايات وجوب الحج مرة أو أكثر في كلّ عام على المستطيع، حيث وردت روايات متعارضة في هذه المسألة.

ففي بعض الروايات ما دلّ على وجوب الحج مرة واحدة. ومن تلك الروايات:

ما روي عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله×، قال: ما كلَّف الله العباد إلاّ ما يطيقون، إنما كلَّفهم في اليوم والليلة خمس صلوات، إلى أن قال: وكلَّفهم حجة واحدة، وهم يطيقون أكثر من ذلك([4]).

وما عن الفضل بن شاذان، عن الرضا×، قال: إنما أُمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك؛ لأن الله وضع الفرائض على أدنى القوة، كما قال: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ـ يعني: شاة ـ؛ ليسع القوي والضعيف، وكذلك سائر الفرائض إنما وضعت على أدنى القوم قوة، فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحداً، ثم رغَّب بعدُ أهل القوة بقدر طاقتهم([5]).

وعن محمد بن سنان أنّ أبا الحسن علي بن موسى الرضا× كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله، قال: علة فرض الحج مرّة واحدة لأنّ الله تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوة، فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحداً، ثم رغَّب أهل القوة على قدر طاقتهم([6]).

وفي هذه الطائفة من الأخبار ما هو صحيح، ومنه وإنْ لم يسلم سنده، كما في رواية محمد بن سنان، فإنه قد يصحَّح ـ عند السيد فضل الله ـ لجهة عدم الداعي للكذب، ومطابقته للأخبار الصحيحة، فيكون شاهداً. وهي تدل بوضوح على عدم وجوب الحج أكثر من مرة في العمر. ولكنها معارضة بما ورد من الأخبار ممّا ادُّعي دلالته على وجوب الحج أكثر من مرة، كما في صحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى ×، قال: إنَّ الله عزّ وجلّ فرض الحجّ على أهل الجدة في كل عام، وذلك قوله عزّ وجل: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾(آل عمران: 97). قال: قلتُ: فمَنْ لم يحجّ منّا فقد كفر؟ قال: لا، ولكن من قال: ليس هذا هكذا فقد كفر([7]).

وفي صحيح أبي جرير القمي، عن أبي عبد الله×، قال: الحجّ فرض على أهل الجدة في كل عام([8]).

وما تقدم من الأخبار الدالة على وجوب الحج على أهل الجدة في كل عام يُنافي ما سبق من الأخبار، مما دلَّ على كفاية المرّة وأنَّ الحج لا يجب في العمر على المكلَّف أكثر من مرة وإنْ كان ذلك ممّا يطيقه المكلَّف؛ لأن الواجبات وضعت على الأدنى قوة من المكلَّفين. ولذلك وقع البحث عند العلماء في طريقة الجمع بين هذه الأخبار المتعارضة.

وثمة عدة طرق للجمع، نقل بعضها الحر العاملي، اثنان منها عن الشيخ الطوسي، واختار الحر العاملي الطريق الثالث.

الطريق الأول: ويكون بحمل الطائفة الثانية على الاستحباب، وقد نقل ذلك عن الشيخ الطوسي، كما في وسائل الشيعة؛ وذلك لظهور الطائفة الثانية في الوجوب، وكون الأولى نصّاً فيه.

وقد لاحظ السيد فضل الله على هذا الطريق أن الحمل على الاستحباب إنما يجوز ويصحّ إذا كانت الروايات الأخرى ممّا يصلح قرينة على تفسير الروايات المتنافية ظاهراً، أما إذا لم تكن كذلك في نظر العرف، بحيث يرون أنها من المتعارض، فلا يصحّ مثل هذا الجمع بين المتعارضين.

الطريق الثاني: وهو ما نقله الشيخ الحر العاملي عن الشيخ الطوسي، وذلك بحمل الطائفة الثانية من الروايات على إرادة الوجوب على طريق البدل، على نحو يجب فيه الحج على كل مكلَّف أخلَّ بواجب الإتيان به في عام الاستطاعة السابق، فمن وجب عليه الحج في السنة الأولى، ولم يفعل، فإنه يجب عليه الحج في السنة الثانية، وهكذا.

وسجل عليه السيد فضل الله أنه خلاف الظاهر، فإنّ ظاهر الروايات وجوب الحج في كل عام على نحو الشمولية، لا البدل، ولا قرينة على البدلية.

الطريق الثالث: ما عليه الشيخ الحر العاملي من كونه واجباً كفائياً في كل عام، فلا يقع التنافي بين الطائفتين؛ وذلك لكون الطائفة الأولى في الوجوب العيني، والثانية في الكفائي. فهي في مقام بيان حكم عدم جواز خلوّ الكعبة من الحاجّ، بلحاظ  ما دلّ على عدم جواز ذلك، وما دلّ على حمل الحاكم الشرعي المكلَّفين على الحج في مثل هذه الحالات([9]).

وقد رد السيد فضل الله هذا الوجه بأنَّ هذه النصوص شاملة لأهل الجدة وغيرهم، وقد أخذ في لسان هذه الروايات قيد التعطيل، وليس كذلك في هذه النصوص الواردة التي مرَّ ذكرها في الطائفة الثانية.

الطريق الرابع: ما ذكره السيد الخوئي، حيث قال: «فالصحيح أن يقال في وجه الجمع: إن هذه الطائفة من الروايات ناظرة إلى ما كان يصنعه أهل الجاهلية، فإنهم كانوا لا يحجون في بعض السنين القمرية، وكان يعدون الأشهر بالحساب الشمسي، ويؤخرون الأشهر عمّا رتبها الله تعالى، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَة فِي الْكُفْرِ﴾، فربما يمر عام قمري ولا يحجون فيه، فأنزل الله تعالى آية الحج ردّاً عليهم بأنّ الحج يجب الإتيان به في كلّ شهر ذي الحجة. فالمنظور في الآية والروايات أن كلّ سنة قمرية لها حجٌّ يجب الإتيان به، لا أنه يجب الحج على كل أحد في كل عام»([10]).

وقد علّق السيد فضل الله على رأي  أستاذه بأنه غريب ـ مع جلالة قدره ـ؛ لأن الآية الكريمة في مقام الاستنكار لما عليه الجاهليون يومذاك من عدم احترام خصوصية الأشهر الحرام، إذ لا يحترمون خصوصية التوقيت فيها، ولذلك يعمدون إلى احترام أشهر بديلة لتتم المواطأة مع الأشهر الحرم، ولا علاقة للآية الكريمة بما ذكره من التداخل بين الحساب الشمسي والقمري.

وقد استظهر السيد فضل الله أن الروايات في الطائفة الثانية على وزان قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾، وسياقها سياقها، فكما أن الآية في مقام بيان وجوب الحج متى ما تحقَّق المستطيع والقادر، وأن الحج واجب على المسلمين مع تحقق الشرائط، فالروايات في مقام بيان عدم توقيت الحج بوقت واحد واجب شرعي في كل سنة إن وجد المستطيع، فتكون الروايات في مقام بيان استمرار وجوب الفريضة، من قبيل قوله: «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة»، خصوصاً وأن الإمام وهو في مقام الحديث عن وجوب الحج على أهل الجدة في كل عام استشهد بالآية الكريمة المشار إليها آنفاً، مما يوحي بأن الحكم على وزان الحكم فيها.

فمن وجهة نظر السيد فضل الله أقرب وجوب الجمع؛ بلحاظ الاستشهاد بالآية الكريمة في حديث الإمام×، ما ذكره هو، وإن كان على خلاف الظاهر، فإنّ العدول عن الظاهر جائز؛ وذلك لجهة مخالفة هذه الروايات لما هو ضروري عند المسلمين من عدم وجوب الحج أكثر من مرة واحدة في العمر.

وقد فسَّرها بهذه الطريقة استيحاءً من المنهج القرآني الذي ورد في حديث الإمام× نفسه([11]).

5 ـ وفي بحثه مسألة ما أسماه (الصوم القرآني) توقف عند الاختلاف بين ما ورد في القرآن الكريم من ذكر لعددٍ من المفطرات وبين ما ورد في الأخبار من مفطِّرات لم ترِدْ في القرآن الكريم، ولو على نحو الإشارة. ولذلك ارتأى أن تكون للقرآن الكريم إطلالة مرجعية على نحو تفهم الأخبار في ضوء هذه المرجعية، لا بمعزلٍ عنها.

ولذلك ينأى السيد فضل الله بنفسه عن الفهم السائد والمنهج الحرفي لفهم هذه الأدلة. وهو إذ يؤكد أنَّ ما ورد في القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾(البقرة: 187)، وإن لم يكن في مقام الحصر اصطلاحاً؛ لأن إهمال غير ما ذكر من المفطرات في النصّ لا يعني نفي مفطريته، إلاّ أنَّ واقع الحال يؤكد الحصر في المقام؛ وذلك لأن دراسة المسألة من الناحية التاريخية كفيلة بإثبات ذلك أو الإشعار به على أقلّ تقدير، والوجه فيه أن الآية لم ترِدْ لتشريع أصل الصوم ـ كما في الصلاة والزكاة مثلاً ـ بعيداً عن التفاصيل، بل وردت في سياق التفاصيل والنصّ على المفطِّرات، فضلاً عمّا ذكر من شروط للتكليف بالصوم، من قبيل: خلوّ المكلَّف من المرض والسفر، وغير ذلك من التفاصيل التي تتصل بالعجز عن الصيام، وما فرض بديلاً عنه.

ولذلك يرى السيد فضل الله أن الآية في مقام بيان الحكم الشرعي للمفطِّرات، ولذلك يمكن نفي عدا ما ذكر من مفطِّرات في القرآن الكريم بالإطلاق المقامي، لا الإطلاق اللفظي. هذا فضلاً عن المناقشة في الروايات التي ورد فيها ذكر مفطِّرات لم ترِدْ في القرآن الكريم، وذلك لجهة الإشكال في أسانيد هذه الروايات أو دلالتها على المفطرية([12]).

6ـ ومن تطبيقات قاعدة حاكمية المرجعية القرآنية وسموّها على الروايات موقف السيد فضل الله من مسألة اشتراط الفلس في السمك لحلّية أكله، حيث ورد ذلك في طائفة من الروايات معارضة بروايات أخرى لم تشترط ذلك.

وقد جمع السيد فضل الله بين هذه الروايات على نحو يكون مرجعها الكتاب الكريم، فيكون ما ورد فيالروايات من اشتراط الفلس في حلية أكل السمك محمولاً على الكراهة؛ وذلك لأن عدداً من الروايات، وبعضها نقله أكابر رواتنا وفقهائنا من أصحاب الأئمة، تضمّن الإشارة إلى القرآن الكريم، فقد روى زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبد الله× عن الجرّيث؟ فقال: وما الجرّيث؟ فنعتُّه له، فقال: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ إلى آخر الآية، ثم قال: لم يحرّم الله شيئاً من الحيوان في القرآن إلاّ الخنزير بعينه، ويكره كل شيء من البحر ليس له قشر، مثل: الورق، وليس بحرام، إنما هو مكروه([13]). وروى ذلك محمد بن مسلم الطائفي ـ وهو من أكابر أصحاب الصادق× ـ قال: «سألت أبا عبد الله× عن الجريّ والمارماهي والزمير ـ وما ليس له قشر ـ من السمك أحرام هو؟ فقال لي: يا محمد، اقرأ هذه الآية التي في الأنعام ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً﴾، قال: فقرأتها حتى فرغت منها، فقال: إنما الحرام ما حرَّم الله ورسوله في كتابه، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها»([14]).

والروايتان ظاهرتا الدلالة في نفي الحرمة، سواء في رواية زرارة التي قابلت بين الحرمة والكراهة في إشارة واضحة إلى الكراهة بالمعنى الاصطلاحي، أم في رواية محمد بن مسلم التي نفت الحرمة بلسانٍ واضح لا لبس فيه، وذلك بالإشارة إلى التنزّه عن أكل ما سأل عنه وأنه ليس حراماً، فضلاً عن استدلال الإمام× بالقرآن الكريم وجعله المرجع في ذلك. وعليه كان لزاماً أن يكون الفيصل في فهم الروايات والجمع بين المتعارض منها. وهو ما اختاره السيد فضل الله في هذه المسألة. ولذلك ردّ السيد فضل الله محاولات بعض الفقهاء في ترجيح روايات الحرمة على الروايات الأخرى، بدعوى حمل الروايات المجوّزة على التقية؛ وذلك لجهة أنَّ الحمل على التقية متأخِّر رتبة عن العرض على الكتاب، فضلاً عن أنَّ حمل بعض الروايات على التقية ممّا يأباه الذوق السليم، وخصوصاً بالنسبة لروايات أمثال زرارة ومحمد بن مسلم؛ إذ إنهم من أكابر الأصحاب أولاً، ولجهة افتراض أن يكون مقام التقية مقتصراً على الضرورات، وهي تقدَّر بقدرها، فكيف يسهب الإمام× في الجواب، ويستدلّ بالقرآن الكريم، دون أن يكون مضطراً لذلك([15]).

ولذلك يقرِّر السيد فضل الله أنه «لا يكفي في صحة حمل خبر ما على التقية أن يكون موافقاً لما اشتهر العمل به عند العامة أو شاع من رأي أو مذهب أو فتوى، بل لابدّ من دراسة طبيعة الخبر الموافق؛ ذلك أن التقية تتأدّى بأقل قدر ممكن من البيان، والخبر لكي يكون في مقام بيان الحكم على وجه التقية لابدّ أن يتعرض لبيان أصل الحكم الموافق، من دون الدخول في التفاصيل، وخصوصاً ما يعضد الحكم ويؤكِّده من الأدلة والحجج، وما يدعمه من المؤيِّدات والشواهد»([16]).

7ـ ومن تطبيقات ما أسميناه بالمرجعية القرآنية كمبدأ أساسٍ في المنهج الفقهي عند السيد فضل الله قراءته للأدلة الشرعية المتعلِّقة بموضوع البلوغ، وتكليف الأنثى من وجهة نظر الشريعة وتوجّه الخطابات الشرعية إليها، مما يجعلها موضوعاً للأحكام الشرعية.

والمعروف والمشهور عند فقهائنا ـ المسلمين الشيعة ـ أن الأنثى تبلغ إذا أتمَّت التاسعة الهجرية من عمرها، بالرغم من ورود روايات أخرى يفيد بعضها أنها مكلّفة ببلوغها السنّ العاشرة، أو إذا بلغت ثلاث عشرة سنة، أو إذا رأت الدم وحاضت، حيث رُجِّحت روايات البلوغ بالتسع على غيرها لجهات فنية قد يختلف عليها الفقهاء.

أما السيد فضل الله فقد جعل الكتاب الكريم مرجعيته في ترجيح طائفة على أخرى؛ لأن القرآن هو المرجع في ذلك، وما ورد في السنّة الشريفة محكوم بالعنوان القرآني، وهو وارد مورد القاعدة، ما يعني أن دائرة إطلاق تلك العناوين الواردة في السنة ينبغي أن تُقيّد بالعنوان القرآني([17])، حيث ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى عنوان البلوغ في قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ﴾(النساء: 6)، وفي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاة الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَة وَمِن بَعْدِ صَلَاة الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(النور: 58 ـ 59).

وظاهر الآية الأولى أنها تشير إلى بلوغ النكاح، وهو قابلية النكاح من حيث طبيعة الجسد، وهو ما يعبّر عنه بالنضوج الجنسي، حيث ينتقل الإنسان معه من مرحلة الطفولة إلى مرحلة أخرى، وهي مرحلة الشباب، حيث يكون للطاقة الجسدية معنى آخر من خلال ممارسة العملية الجنسية. وأما الآية الثانية فإنها في صدد تنويع الخطاب بلحاظ بلوغ الحلم، وهو معنى واضح عند العرب، حيث تشير الآية الكريمة إلى الحُلُم، كناية عن النضج الجنسي الذي يقطع مرحلة الصبا الجسدي، وتبدأ معه الرجولة الجسدية بالنحو الذي يصبح فيه البالغ معرَّضاً لإثارة الشهوة والوطء وخروج المني وما إلى ذلك.

وفي ضوء ما أسميناه بالمرجعية القرآنية يعالج السيد فضل الله مسألة اختلاف الروايات وتعارضها، سواء في مسألة البلوغ أم في المسائل الأخرى، وفي مسألة البلوغ تحديداً وجد السيد فضل الله من اللازم جعل الكتاب الكريم المرجع الأساس في ترجيح الروايات التي تشير إلى حصول البلوغ بالحيض عند الأنثى، والاحتلام عند الذكر، ما لم يكن ثمّة عوارض.

مع الإشارة إلى أن السيد فضل الله يرجِّح ـ بغضّ النظر عن حاكمية المرجعية القرآنية على الروايات ـ روايات البلوغ بالحيض على غيرها؛ لجهة التعليل الذي ورد في بعض الروايات: «…وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك؛ لأنها تحيض لتسع سنين»([18]).

كما رفض السيد فضل الله محاولات بعض الفقهاء ردّ الروايات المعارضة للبلوغ بالتسع في الأنثى لجهة التقية؛ لأنها محاولات غير صحيحة تاريخياً؛ وذلك لأن أهل السنة مطبِقون على أنّ البلوغ بالتسع.

8ـ وفي ضوء ما أسماه السيد فضل الله بالمرجعية القرآنية يُحدِّد موقفه من مسألة الغناء وحرمته، وأنه حرام في ذاته أو لجهة ما يعرض عليه من عناوين قد تكون محرَّمة.

ويرى السيد فضل الله أنْ ليس ثمة آية في الكتاب الكريم تدل على تحريم الغناء بعنوانه، كما في تحريم الخمر أو الميسر مثلاً، وأنّ ما استدلّ به من روايات في هذا الصدد ممّا روي عن أهل البيت^ فهو يشير إلى القرآن الكريم، ويجعله مرجعاً في المسألة.

نشير إلى أنَّ الآيات القرآنية التي جعلت مرجعاً في مسألة الغناء هي قوله تعالى: ﴿… ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾(الحج: 30)، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً﴾(الفرقان: 72)، وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾(لقمان: 6)، وقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾(الأنبياء: 16 ـ 18).

وإلى هذه الآيات أشارت بعض الروايات. فقد روي عن زيد الشحَّام قال: «سألت أبا عبد الله× عن قوله عز وجل: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾؟ قال: قول الزور الغناء»([19]).

وعن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله×، قال: في قوله عزّ وجلّ: ﴿لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾؟ قال: الغناء»([20]).

وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر×، قال: «سمعتُه يقول: الغناء مما وعد الله عليه النار، وتلا هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾»([21]).

وعن عبد الأعلى قال: «سألت أبا عبد الله× عن الغناء، وقلت: إنهم يزعمون أن رسول الله| رخص في أن يقال: جئناكم جئناكم، حيّونا حيونا نحييكم؟ فقال: كذبوا، إنَّ الله عز وجل يقول: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾، ثم قال: ويلٌ لفلان مما يصف، رجل لم يحضر المجلس»([22]).

وعن عبدالله بن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم ـ في حديث ـ قال: دخلتُ على أبي عبد الله× فقال: «الغناء، اجتنبوا الغناء، اجتنبوا قول الزور، فما زال يقول: اجتنبوا الغناء اجتنبوا، فضاق بي المجلس وعلمتُ أنه يعنيني»([23]).

وعلى أية حال يرى السيد فضل الله أن الأصل في حرمة الغناء هو الآيات القرآنية، وما ورد من الروايات فهو في مقام التطبيق، وهي تشير إلى هذا الأصل، ولذلك لا يمكن فهمها بمعزل عن الآيات القرآنية.

وفي ضوء هذا الأصل يرى السيد فضل الله أنّ حرمة الغناء لم تكن لجهة عنوانه بنفسه وبذاته، وإنما حرمته لجهة صدق عنوان قول الزور عليه، أو لهو الحديث للإضلال عن سبيل الله تعالى، وكل ما ورد في الروايات من منع فهو ناظر إلى مداليل هذه الآيات. وعليه فإذا كانت هذه الروايات ظاهرة في معانٍ معيّنة فلابدّ من حمل هذه الروايات على تلك المعاني الظاهرة في الآيات الشريفة، فتكون الحرمة مختصة بما كان يصدُّ عن سبيل الله ويشغل الناس عنه، دون ما لم يكن كذلك([24]).

وبناءً على ما تقدم لم يجد السيد فضل الله حاجة لإخراج ما كان مضمونه حقّاً من الغناء من الغناء الحرام، كما هو موقف مشهور الفقهاء، حيث اضطروا لتخصيص الحرمة بغير ما كان مضمونه حقّاً، كما هو حال التعازي والإنشاد في المواليد وغير ذلك. بل إن السيد فضل الله أشكل عليهم لهذه الجهة، مع إصرارهم على اعتبار الحرام مرتبطاً بالكيف لا بالمضمون، وهو عندئذٍ يشمل ما كان مضمونه حقّاً أو باطلاً، وهو ما لا يرِدُ على السيد فضل الله؛ لأنه اعتبر أنّ ما كان مضمونه باطلاً فهو حرام، لأنه يصدُّ عن سبيل الله، ويشغل الناس عن ذكره، أو يكون مصداقاً للزور والباطل وغير ذلك من العناوين، وما عداه يكون حلالاً.

الهوامش

(*) باحث وكاتب، وأستاذ في الحوزة العلمية، ورئيس مركز ابن إدريس الفقهي، من العراق.

([1]) رسالة في الرضاع (تقريراً لأبحاث السيد فضل الله، بقلم: الشيخ محمد قبيسي): 31، دار الملاك.

([2]) فقه المواريث (تقريراً لأبحاث السيد فضل الله، بقلم: د. الشيخ خنجر حمية) 2: 261 ـ 279.

([3]) مختلف الشيعة 7: 382.

([4]) الوسائل، كتاب الحج، باب 3 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح1.

([5]) الوسائل، كتاب الحج، باب 3 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح2.

([6]) الوسائل، كتاب الحج، باب 3 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح3.

([7]) الوسائل، باب 2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح1.

([8]) الوسائل، كتاب الحج، باب 2 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح8.

([9]) الوسائل كتاب الحج، باب 4 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح2؛ وباب 5 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح1.

([10]) تقرير: السيد رضا الخلخالي، قم، ط1، 1409هـ.

([11]) فقه الحج، بحوث غير منشورة، بقلم: محمد الحسيني.

([12]) كتاب الصوم، بحوث غير منشورة، بقلم: محمد الحسيني.

([13]) الوسائل، كتاب الأطعمة والأشربة، باب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، ح19.

([14]) المصدر نفسه، ح20.

([15]) بحوث فقهية، مخطوط، بقلم: محمد الحسيني.

([16]) فقه المواريث والفرائض (تقريرات بحث السيد فضل الله، بقلم: د. الشيخ خنجر حمية) 1: 353.

([17]) البلوغ (تقرير بحث السيد فضل الله، بقلم: السيد جعفر فضل الله): 175.

([18]) الوسائل، كتاب الوصايا، باب 44 من أحكام الوصايا، ح12.

([19]) الوسائل، كتاب التجارة، باب 88 من أبواب ما يكتسب به، ح2.

([20]) المصدر نفسه، ح3.

([21]) المصدر نفسه، ح6.

([22]) المصدر نفسه، ح15.

([23]) المصدر نفسه، ح24.

([24]) بحوث فقهية، غير منشورة، بقلم: محمد الحسيني.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً