د. الشيخ حسين توفيقي(*)
تنويهٌ
لقد تعرَّضت الشخصية المتناقضة لـ «محيي الدين بن عربي» منذ ما يقرب من ثمانية قرون ـ حيث بدأ بنشر أفكاره ـ وإلى هذه اللحظة، وسوف يستمرّ هذا الأمر ـ على ما يبدو ـ حتّى في المستقبل، إلى الثناء والتجريح. ويسعى كاتب هذا المقال إلى مناقشة أفكار الشهيد مرتضى مطهّري بشأن ابن عربي، مع بيان بعض آراء الموافقين والمخالفين.
ولد الشيخ الأكبر محيي الدين أبو بكر محمد بن عليّ الحاتمي الطائي (المعروف بابن عربي) سنة 560هـ، في مدينة مُرْسية في الأندلس، وتوفي في دمشق الشام سنة 638هـ، ليدفن في سفح جبل قاسيون المعروف.
يُعَدّ محيي الدين من بين العرفاء الكبار، ولا تزال جاذبته ودافعته القوية ـ حتّى بعد ثمانية قرون من وفاته ـ تدعو الكثير من المدافعين الأشدّاء عنه والأعداء الألدّاء له على السواء إلى اتخاذ مواقف متناقضة بشأنه؛ فبينما ذهب كبار العلماء من الشيعة وأهل السنّة إلى اعتباره واحداً من أولياء الله؛ ذهب آخرون إلى رَمْيه بالكفر والزندقة.
فهو الذي قال عنه الإمام الخميني&، في رسالته المعروفة التي بعث بها إلى (ميخائيل غورباتشوف) [آخر رئيس للاتحاد السوفياتي]: «لن أطيل عليكم أكثر من ذلك، فلا أتطرّق إلى كتب العارفين، ولا سيَّما محيي الدين بن عربي، فإذا أردتم الاطلاع على مباحث هذا العظيم فيمكنكم أن تختاروا عدداً من خبرائكم من الأذكياء الذين لهم باعٌ طويل في أمثال هذه الأبحاث، وترسلوهم إلى مدينة قم؛ ليتعرَّفوا ـ بعد التوكّل على الله، وبعد سنواتٍ من البحث ـ على العمق الحسّاس والدقيق غاية الدقّة على منازل المعرفة. ومن المستحيل الحصول على هذه المعرفة إلاّ من خلال هذه الرحلة الطويلة»([1]).
وهو الذي كتب عنه الشهيد مرتضى مطهّري&: «يذهب العلاّمة الطباطبائي إلى الاعتقاد بأن الإسلام لم يشهد عالماً كتب سطراً واحداً مثل محيي الدين [ابن عربي]»([2]).
هذان نموذجان من آراء الموافقين لمحيي الدين بن عربي. بَيْدَ أن كلمات المخالفين له ـ في المقابل ـ لا تقلّ حدّةً عن كلمات الموافقين، وسوف نشير إلى بعضها في هذه المقالة.
لقد عمدت كلتا الطائفتين من الموافقين والمخالفين لابن عربي ـ في مؤلَّفاتهم ومقالاتهم الكثيرة ـ إلى مناقشة ومحاكمة كلماته وآرائه. وقد تعرّض الدكتور محسن جهانغيري، في كتابه (محيي الدين بن عربي)، إلى بعض هذه المناقشات والمحاكمات.
وفي هذا المقال نسعى إلى دراسة رأي الشهيد مرتضى مطهّري& بشأن ابن عربي ـ والذي لم يُذْكَر في هذا الكتاب ـ مع الإشارة إلى عددٍ من المسائل الأخرى في هذا الشأن.
1ـ دور ابن عربي في تكامل العرفان الإسلامي
لقد تعرّض الشهيد الكبير الشيخ مرتضى مطهّري& في الكثير من آثاره القيِّمة للإشادة الكبيرة بشخصية محيي الدين بن عربي لأكثر من مرّةٍ. وإليك بعض كلماته في الثناء على هذا العارف الكبير، وبيان دَوْره في تكامل العرفان الإسلامي:
«لا شَكَّ في أن محيي الدين ـ الذي اشتهر بـ (ابن عربي) ـ هو من أكبر العرفاء في الإسلام، فلم يبلغ شأوه أحد ممَّنْ سبقه أو جاء بعده، ولذلك لقّب أيضاً بـ (الشيخ الأكبر)… لقد تكامل العرفان الإسلامي منذ بدايته عبر القرون بشكلٍ تدريجي، فقد ظهر في كلّ قرن ـ كما أشرنا ـ عرفاء كبار، كان لهم الأثر في هذا التكامل التدريجي للعرفان، حتّى ظهر ابن عربي في القرن الهجري السابع، فأحدث قفزةً كبيرة في العرفان، بلغ به إلى قمّة الكمال، وأدخله مرحلةً جديدة لم يسبق لها مثيلٌ… كما أسس ابن عربي القسم الثاني من العرفان (أي شطره العلمي والنظري والفلسفي)… هذا وقد عاش جميع العرفاء ممَّنْ جاء بعد ابن عربي على فتات مائدته. ومضافاً إلى ذلك، فقد كان ابن عربي أعجوبةَ زمانه، حتّى تضاربت الآراء فيه؛ فرفعه بعض إلى درجات الأولياء الكاملين، ووجده قطباً من الأقطاب؛ بينما خفضه آخرون، وهبطوا به إلى حضيض التكفير، ونعتوه بألقاب من قبيل: «مميت الدين»، و«ماحي الدين»… وقد كان صدر المتألهين الفيلسوف الكبير ونابغة الإسلام العظيم يجلّه ويحترمه كثيراً، ويفضِّله حتّى على الفارابي وابن سينا»([3]).
وفي ما يلي نتناول ما ذكره الشهيد مرتضى مطهَّري آنفاً بمزيدٍ من التوضيح:
«إن العرفان النظري يمثِّل في الواقع ركيزة للرؤية العرفانية التي يعبِّر عنها البعض بـ (العرفان الفلسفي). لقد بدأ العرفان النظري منذ أن تمّ تدوين العرفان على شكل فلسفة وبيان ورؤية بشأن الوجود. وقد سبق لنا أن شهدنا ذلك إلى حدٍّ ما ـ بطبيعة الحال ـ وعلى نحوٍ متفرِّق في كلمات العرفاء منذ صدر الإسلام، بَيْدَ أن الذي بَلْوَر العرفان على شكل علمٍ، وعمل على فلسفة العرفان، وحوَّله إلى مدرسة في مقابل الفلاسفة، وعمل على الإزراء بالفلاسفة، وترك تأثيره عليهم، حتّى لم يجِدْ الفلاسفة اللاحقون أمامهم غير العناية بنظريّاته، لم يكن سوى محيي الدين بن عربي. ومن هنا فإننا لا نشكّ في أن أعجوبة الدهر «محيي الدين بن عربي» كان هو الأب والمؤسِّس للعرفان النظري في الإسلام».
«لقد كان محيي الدين بن عربي راسخ القَدَم في العرفان العملي ـ أي إنه كان منذ بداية عمره من أصحاب الرياضة ومجاهدة النفس ـ، كما كان فذّاً في عرض العرفان النظري أيضاً».
«لقد كان محيي الدين بن عربي هو أوّل مَنْ فلسف العرفان، بمعنى أنه أوّل مَنْ أخرجه على شكل مذهب منظَّم. فإن بحث مسألة وحدة الوجود ـ التي تمثِّل محور العرفان ـ إنما ظهرت للوجود أوّل الأمر على يد محيي الدين بن عربي. إن العرفان النظري بوصفه علماً مدوَّناً يبدي رأيه في المسائل بشكلٍ فلسفي، وإنْ كانت له سابقةٌ بشكلٍ وآخر، إلاّ أن الذي قام بتدوينه في المرحلة الإسلامية هو محيي الدين بن عربي الطائي الأندلسي».
«إن العرفان النظري السابق على محيي الدين بن عربي يشبه المنطق السابق على أرسطوطاليس. والذي يمكن القول: إنه كان موجوداً ومعدوماً في الوقت نفسه. فهو موجودٌ لأن الناس بفطرتهم يطبِّقون القواعد المنطقية في حياتهم العملية إلى حدٍّ كبير. ولكنّه معدوم أيضاً بمعنى أنه لم يكن مدوَّناً على شكل علمٍ مبوَّب ومنظَّم».
«وهكذا الأمر بالنسبة إلى العرفان النظري أيضاً؛ حيث العثور على شواهد لجميع مسائل العرفان النظري في آيات القرآن الكريم وكلمات الأولياء العظام والصالحين، ولا سيَّما أمير المؤمنين×؛ بَيْدَ أن الذي أخرجه أول مرّة على شكل علم موضوعه ذات الحقّ تعالى هو محيي الدين بن عربي. لقد كان ابن عربي شيخ العرفاء ـ سواء في العرفان النظري أو العرفان العملي ـ، وبذلك استحقّ لقب (الشيخ الأكبر)».
«وبعده اكتسب العرفان لوناً ونكهةً جديدة. فإن الشهرة التي نالها ابن عربي في العرفان، والتي جعلته شيخاً في هذا الفنّ على الإطلاق، إنْ لم تكُنْ أكثر من الشهرة التي جعلت من ابن سينا «شيخاً» في الفلسفة، وجعلت من الشيخ الطوسي «شيخاً» مطلقاً في الفقه بين القدماء، ومن الشيخ الأنصاري في الفقه والأصول في القرن الأخير، وجعلت من الشيخ (عبد القاهر)([4]) «شيخاً» مطلقاً في فنّ الفصاحة والبلاغة، فهي ليست أقلّ منها».
«لقد أثار محيي الدين بن عربي عاصفةً عرفانية في العالم الإسلامي، بدأها من الأندلس فمصر ثم الشام، وصولاً إلى بلاد فارس وشبه القارّة الهندية. فكان صدر الدين القونوي (نسبة إلى قونية)، وفخر الدين العراقي، وابن الفارض المصري، وداوود القيصري، وعبد الرزّاق الكاشاني، والمولوي البلخي، ومحمود الشبستري، وحافظ الشيرازي، والجامي، كلّهم من تلاميذ مدرسته»([5]).
وقال العلاّمة الشهيد [مطهّري] بشأن تأثير محيي الدين بن عربي على الفلسفة والفلاسفة الإسلاميين: «بطبيعة الحال يجب علينا القول هنا: إن العرفاء كان لهم هنا إبداعٌ فَذٌّ، وإن هذا الإبداع الكبير يُعْزَى إلى ابن عربي. وفي الأساس إن هذا النوع من الإبداعات يأتي من قِبَل محيي الدين بن عربي. إن هذا الفكر الذي صَدَع به ابن عربي متقدِّمٌ جدّاً على كلمات الفلاسفة، ثم وجد طريقه إلى أقوال الفلاسفة لاحقاً»([6]).
وأشار في موضعٍ آخر إلى بعض العرفاء، معتبراً ـ في الوقت نفسه ـ محيي الدين بن عربي بوصفه المظهر الكامل الممثِّل للعرفان الإسلامي، وقال في ذلك: «هناك الكثير من الأتباع للمنهج العرفاني. وقد ظهر الكثير من العرفاء الكبار في العالم الإسلامي، من أمثال: بايزيد البسطامي، ومنصور الحلاّج، والشبلي، وجنيد البغدادي، وذي النون المصري، وأبي سعيد أبو الخير، والخواجة عبد الله الأنصاري، وأبي طالب المكّي، وأبي نصر السرّاج، وأبي القاسم القشيري، ومحيي الدين بن عربي الأندلسي، وابن الفارض المصري، والمولوي الرومي. بَيْدَ أن المظهر والممثّل الكامل للعرفان الإسلامي، والذي أخرج العرفان على شكل علمٍ منظَّم، وكلّ مَنْ جاء بعده كان متأثِّراً به، إنما هو (محيي الدين بن عربي)»([7]).
بل إنه يرى حتّى المولوي، الذي كان معاصراً لمحيي الدين بن عربي ـ والذي توفي بعده بأربع وثلاثين سنة ـ، «قد تأثَّر إلى حدٍّ كبير» بـ «أبي العرفان الإسلامي» محيي الدين بن عربي. ويقول في ذلك: «لقد كان المولوي على صلة بمحيي الدين بن عربي من طريق صدر الدين [القونوي]. فقد كان هؤلاء متعاصرين، وكانوا في الوقت نفسه أصدقاء ورفاق… وإنّ ما نجده من مصطلحات محيي الدين بن عربي في كلمات المولوي إنما هي في الواقع مقتَبَسةٌ من عرفان ابن عربي. فإن مصطلح «ما عدم هاييم هستي نما ـ تو وجود مطلق وهستيّ ما [وترجمته: نحن أعدامٌ تحاكي الوجود، وأنت الوجود المطلق، وأنت الموجد لنا]» إنما هو في الأصل لمحيي الدين بن عربي. فهذه المصطلحات قد وصلَتْ إلى المولوي من محيي الدين بن عربي. صحيحٌ أن المولوي كان في حدّ ذاته نابغةً وشخصية استثنائية فذّة في شرح الحقائق وتجسيدها من خلال السرد القصصي وذكر الأمثال، ولكنّه في الوقت نفسه كان شديد التأثُّر بعرفان محيي الدين بن عربي. وفي الأساس فإن كلّ ما جاء في العالم الإسلامي بعد ابن عربي كان متأثِّراً به إلى حدٍّ كبير، ويجب في الواقع أن نعدّ محيي الدين بن عربي أباً للعرفان الإسلامي»([8]).
وقال بشأن المثنوي، الذي اكتسب شهرةً عالمية، وهَامَ فيه الكثير من الناس: «إن المثنوي في الأساس يدور حول محور وحدة الوجود، التي صدع بها الشيخ محيي الدين بن عربي»([9]).
وإليك في ما يلي نموذجٌ آخر من كلمات هذا الفيلسوف الإلهي في الثناء على محيي الدين بن عربي، إذ يقول: «لقد كان محيي الدين أعجوبة، وكذلك صدر المتألِّهين أيضاً. إن محيي الدين بن عربي مثل الكثير من النوابغ والعباقرة من أمثاله، غاية ما هنالك أننا يجب أن نقول في وصفه: «أعجوبة»، ولا يمكن لنا أن نصفه بغير هذه الكلمة. وفي الأساس فإن أغلب هؤلاء الأشخاص لا يمكن لنا أن نضعهم ضمن إطار محدّد. فتارةً تراه في القمّة والذروة العليا، وتارةً أخرى تراه في الحضيض السحيق. وفي الأساس لا يمكن للفرد أن يفهم حقيقة هؤلاء الأشخاص، بمعنى أنهم لم يحشروا أنفسهم ضمن إطار محدَّد، ولم يسيروا على نَسَقٍ واحد أبداً. ومن هنا تتضارب الآراء بشأن هؤلاء الأشخاص. وليس هناك مَنْ تناقضت الآراء بشأنه مثل محيي الدين بن عربي؛ فهناك مَنْ يراه ولياً من أولياء الله، ويصفه بالإنسان الكامل، والقطب الأكبر؛ وفي المقابل يذهب آخرون إلى القول بتكفيره وارتداده. فهذا هو أسلوبه، وهكذا هي كلماته. وربما كانت بعض كلماته التي سمعت منه هي من أكثر الكلمات انحطاطاً، وفي المقابل سمعت عنه أيضاً أكثر الكلمات رقيّاً وارتفاعاً وسموّاً. وفي الأساس فإن بعض الفلاسفة، من أمثال: (صدر المتألهين)، لم يخضعوا لأحدٍ كما خضعوا لمحيي الدين بن عربي، بمعنى أن صدر المتألِّهين لا يَعُدّ أمثال: ابن سينا شيئاً في مقابل محيي الدين بن عربي. أو العلاّمة الطباطبائي الذي يعتقد بعدم وجود شخص بين المسلمين كتب سطراً واحداً مثل الذي كتبه محيي الدين بن عربي»([10]).
تقطيع كلام الشهيد مرتضى مطهّري
في الأعوام الأخيرة جازف الأستاذ محمد رضا الحكيمي ـ شارح المدرسة التفكيكية ـ، واعتبر جماعةً من مشاهير الفلاسفة ابتداءً من صدر المتألهين([11]) إلى الدكتور علي شريعتي([12])، معتبراً إيّاهم من القائلين بالتفكيك أو المتأثِّرين به. فقد عمد في سياق نيل مراده إلى تقطيع وانتقاء كلمات كبار العلماء، وعند مواجهته لكلامين: أحدهما فيه «تردّد»؛ والآخر «قاطع» في بيان المراد، ليؤثر ترجيح الأول، ويعمل على الترويج له في مختلف مؤلَّفاته وآثاره.
فلكي يظهر الأستاذ الحكيمي الشهيد مرتضى مطهّري متناغماً مع أنصار المذهب التفكيكي في نبذ محيي الدين بن عربي يعمد إلى النصّ الطويل السابق ويختار منه عبارة ذات شقّين، ويختار من بينهما الشقّ الأول المشتمل على عبارة «رُبَما»، ويعمل على تعميمها وإشاعتها في مؤلَّفاته([13]):
فهو يختارالعبارة القائلة: «رُبَما كانت بعض كلماته التي سُمعَتْ منه هي من أكثر الكلمات انحطاطاً»، دون الإشارة إلى المقطع الثاني المشتمل على العبارة «القاطعة» والحازمة التي يقول فيها: «وفي المقابل سُمعَتْ عنه أيضاً أكثر الكلمات رقيّاً وارتفاعاً وسموّاً».
إن هذا الانتقاء «التقطيري» و«الجائر» من العبارة الطويلة المتقدّمة هو من قبيل: اجتزاء «لا إله» من آية الكرسي!
ولكي يثبت الأستاذ الحكيمي تناغم العلاّمة الطباطبائي مع التفكيكيين في طرد محيي الدين بن عربي يختار من بين كتبه العبارة «المتردّدة» التالية([14]): «كيف يمكن عدّ محيي الدين [بن عربي] من أهل الطريقة وهو يعتبر المتوكِّل [العباسي] من أولياء الله؟!»([15]).
ولكنه لا يشير أبداً إلى الدفاع «القاطع» للعلاّمة الطباطبائي عن محيي الدين بن عربي في نهاية النصّ المتقدِّم، الذي نقله عالمٌ فَذٌّ مثل: الشهيد مرتضى مطهّري.
يتّضح من مجموع كلمات العلاّمة الطباطبائي والشيخ الشهيد مرتضى مطهّري بشأن ابن عربي أن هذين الفيلسوفين المفكّرين يحملان موقفاً معتدلاً منه، حيث يلتفتان إلى الجوانب الإيجابية والسلبية من شخصيته. ويمكن لكلام العلاّمة التالي أن يلقي ضوءاً على هذا المعنى: «نحن نتعامل مع محيي الدين بن عربي وغيره من الناحية الاستدلالية على قَدَم المساواة. [فهو] في بداية أبحاثه قد ذكر بعض القصائد التافهة والفجّة، ولكنّه بعد ذلك يطرح ـ للإنصاف ـ مسائل في غاية الرَّوْعة والإبداع»([16]).
2ـ مذهب ابن عربي
إن الشخصية السامية لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب× بحيث إنها من جهة جعلت أتباع التشيُّع والتسنُّن (ومختلف المذاهب والمشارب من كلا المدرستين من فلاسفة وعرفاء وفقهاء وأخباريين ومعتزلة وأشاعرة ومن أهل الحديث والسَّلَفية وغيرهم) يعتبرونه منهم؛ ومن ناحية أخرى ذهب الخوارج والنواصب إلى البراءة منه. إن عظمة مولى المتقين جعلت فهمه أمراً مستصعباً؛ ومن هنا فقد ذهبت طائفةٌ إلى تأليهه؛ وذهبت طائفةٌ أخرى إلى تكفيره. إن جاذبة أمير المؤمنين قد استقطبت إليه محبّين بالغوا في محبّته، كما أن دافعته قد خلقَتْ له أعداء بالغوا في بغضه ومناوأته.
وعلى الرغم من استحالة مقارنة أحدٍ من المسلمين بشخصية هذا الإمام المعصوم، إلاّ أن الاختلاف بشأن محيي الدين بن عربي قريبُ الشَّبَه من الاختلاف بشأن هذا الإمام الهُمام. فقد ذهب بعضٌ إلى اعتبار ابن عربي صدِّيقاً؛ وذهب آخرون إلى اعتباره زنديقاً. كما وقع الاختلاف بشأنه على أساس الموافقة أو المخالفة للعرفان المصطلح على النحو التالي:
1ـ الشيعة من الموافقين للعرفان يعتبرونه شيعياً.
2ـ السنّة من الموافقين للعرفان يعتبرونه سنّياً.
3ـ الشيعة من المخالفين للعرفان يعتبرونه سنّياً.
4ـ السنّة من المخالفين للعرفان يعتبرونه شيعياً.
يقوم منطق المجموعة الأولى والثانية الموافقة للعرفان على القياس التالي:
أـ لقد انتخبنا مذهبنا على أساس البحث عن الحقيقة.
ب ـ ابن عربي باحثٌ عن الحقيقة.
ج ـ إذن كان ابن عربي على مذهبنا.
وأما منطق المجموعة الثالثة والرابعة المخالفة للعرفان فيقوم على القياس التالي:
أـ لقد انتخبنا مذهبنا على أساس البحث عن الحقيقة.
ب ـ لم يكن ابن عربي باحثاً عن الحقيقة.
ج ـ إذن لم يكن ابن عربي على مذهبنا.
ثم عمدت كلتا المجموعتين إلى جمع الشواهد والأدلة من المصادر. وحيث كان ابن عربي يتمتَّع بشخصية متناقضة جعلته يطلق كلمات متشابهة فقد رجع الجميع وجعبته ملأى بما يشتهي.
وفي ما يتعلَّق بالمعتقدات والمصادر لا بُدَّ من الالتفات إلى أن الإنسان لا يختبر معتقداته بميزان المصادر أبداً، وإنما يعمل قبل كلّ شيء على تحكيم العواطف والمشاعر في ما يعتقده، وبعد ذلك يعمل على تفسير المصادر وتأويلها على طبق معتقده. ومن هنا فإن جميع الناس ـ حتّى أصحاب التعدُّدية منهم ـ مغرمون بما يعتقدون به، ويتمنّون لو آمن جميع الناس بما يؤمنون به، وكما يقول الشاعر:
أنا حنبليٌّ ما حييتُ وإنْ أمُتْ *** فوصيّتي للناس أن يتحنبلوا
تشيُّع ابن عربي
إن المفكِّرين، من أمثال: الإمام الخميني& والشهيد مرتضى مطهّري&، من الذين كانوا يرَوْن أن الناس يكتسبون معتقداتهم بالوراثة، ومن البيئة التي يعيشون فيها ـ وقد ذكرت كلماتهم في هذا الشأن في مقالٍ لي منشور في العدد الخامس عشر من مجلة «هفت آسمان» ـ، على الرغم من اعتبارهم ابن عربي شخصيةً كبيرة، إلاّ أنهم لم يتّخذوا أيّ خطوةٍ في إثبات تشيُّعه.
وعن العلامة الطباطبائي& ـ بحَسَب نقلٍ لا يتمتّع بدقّةٍ كبيرة ـ أنه قال: «لقد كان محيي الدين قريباً جداً من التشيُّع([17]). فقد كان لمسألة التشيُّع في الصدر الأول والأزمنة السابقة صورة أخرى، حيث كان أغلب العلماء والعرفاء هم من الشيعة في واقع الأمر، ولكنّهم كانوا يضطرون إلى إخفاء ذلك بداعي التقية، وكانوا يسعَوْن إلى كتمان تلك الحقيقة بما لا يصطدم مع الموانع الخارجية، فكانوا لذلك يتستّرون على عقيدتهم ولا يشيعونها، إلا من خلال الرموز والإشارات والكنايات»([18]).
ويمكن لبيان الشيخ الشهيد مرتضى مطهّري& في هذا الشأن أن يفسِّر هذا الكلام من العلامة الطباطبائي؛ إذ يقول: «إن من بين أهل السنّة هناك طبقة من الصوفية هي وحدها التي تقبل بهذا المفهوم [الحجّية والإنسان الكامل]، ولكنْ بألفاظ أخرى. ومن هنا نرى أن الصوفية من أهل السنّة، رغم انتمائهم إلى التسنُّن([19])، يؤمنون بمسألة الإمامة في بعض كلماتهم، على نحو إيمان الشيعة بها. لقد كان محيي الدين بن عربي أندلسياً، والأندلس من الأراضي التي يغلب على أهلها طابع التسنُّن، بل كانوا من المعاندين للتشيُّع، وتفوح منهم رائحة النَّصْب. ويعود السبب في ذلك إلى أن الأندلس قد فُتحت أوّل الأمر على يد الأمويين، واستمرّت خلافة الأمويين عليها بعد ذلك لفتراتٍ طويلة. وقد عرف الأمويون بعدائهم لأهل البيت، ولذلك كان عموم علماء أهل السنّة المعروفون بالنصب من الأندلسيين. وربما لا نرى شيعةً في الأندلس. وإذا كان هناك في الأندلس بعض الشيعة فهم مثل الكبريت الأحمر. لقد كان محيي الدين أندلسياً، ولكنّه حيث كان يتّصف بالذائقة العرفانية، واعتقاده باستحالة أن تخلو الأرض من الوليّ والحجّة، فقد ذهب في هذا الشأن إلى ما يذهب إليه الشيعة، ويأتي على ذكر أسماء الأئمة^، وصولاً إلى الحجّة المنتظر، ويدّعي أنه قد التقى محمد بن الحسن العسكريّ بعد سنة ستّمائة [للهجرة] في موضع كذا. وبطبيعة الحال فإن بعض كلماته [الأخرى] تناقض هذ الكلام، وتثبت أنه سنّي متعصّب [لمذهب التسنُّن]. إلاّ أن ذوقه العرفاني ـ في الوقت نفسه ـ كان يدعوه إلى القول بأن الأرض لا تخلو من الوليّ، على حدّ تعبيره (والحجّة، كما يقول أئمتنا)، بل كان يدّعي المشاهدة، حيث يقول: لقد التقيتُ الإمام محمد بن الحسن العسكري، الذي تجاوز عمره القرن الثالث، ويعيش متخفّياً»([20]).
وفي تأييد كلام الشهيد مرتضى مطهَّري&، القائل بأن محيي الدين بن عربي قد أخذ مذهبه ـ بطبيعة الحال ـ من بيئته الجغرافية في الأندلس، يجب القول: إن الأندلس الإسلامية التي حضنَتْ ابن عربي(1240م) ضمن رياض العرفان الإسلامي، قد تحوَّلت سنة 1492م إلى إسبانيا المسيحية، ولم تَعُدْ تحتضن العرفاء المسلمين. ومنذ ذلك التاريخ أخذت تلك الأصقاع تشهد نشوء العرفان المسيحي، وكان «إغناطيوس دي لويولا»(1556م)([21]) واحداً من هؤلاء العرفاء. ومن البديهي أن إسبانيا لو أضْحَتْ يوماً ما أرضاً وَثَنيّة فإنها ستنتج ـ لا محالة ـ عرفاناً وَثَنيّاً([22]).
الرجبيّون
لقد ذكر محيي الدين بن عربي بشأن بعض «الرجبيين»، تقريراً، حيث صوّر في مكاشفاته «الرافضة» على هيئة الخنازير، فأثار بذلك حفيظة الشيعة، وأخذ المخالفون لابن عربي من الشيعة ينتقدونه على ذلك في مؤلَّفاتهم بشدّة.
وإليك نصّ تقرير ابن عربي في هذا الشأن:
«ومنهم ـ رضي الله عنهم ـ الرجبيون. وهم أربعون نفساً في كلّ زمانٍ، لا يزيدون ولا ينقصون. وهم رجالٌ حالهم القيام بعظمة الله. وهم من الأفراد. وهم أرباب القول الثقيل من قوله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ (المزَّمل: 5). وسُمُّوا (رجبيّون)؛ لأن حال هذا المقام لا يكون لهم إلاّ في شهر رجب، من أوّل استهلال هلاله إلى انفصاله، ثم يفقدون ذلك الحال من أنفسهم، فلا يجدونه إلى دخول رجب من السنة الآتية. وقليلٌ مَنْ يعرفهم من أهل هذا الطريق. وهم متفرِّقون في البلاد، ويعرف بعضهم بعضاً؛ منهم مَنْ يكون باليمن وبالشام وبديار بكر، لقيت واحداً منهم بـ «دُنيسير» ـ من ديار بكر ـ ما رأيتُ منهم غيره، وكنتُ بالأشواق إلى رؤيتهم؛ ومنهم مَنْ يبقى عليه في سائر السنة أمرٌ ما مما كان يكاشف به في حاله في رجب؛ ومنهم مَنْ لا يبقى عليه شيء من ذلك، وكان هذا الذي رأيته قد أبقى عليه كشف الروافض من أهل الشيعة سائر السنة، فكان يراهم خنازير، فيأتي الرجل المستور الذي لا يعرف منه هذا المذهب قطّ، وهو في نفسه مؤمن به يدين به ربّه، فإذا مرّ عليه يراه في صورة خنزير، فيستدعيه ويقول له: تُبْ إلى الله، فإنك شيعيٌّ رافضيّ، فيبقى الآخر متعجِّباً من ذلك، فإنْ تاب وصدق في توبته رآه إنساناً، وإنْ قال له بلسانه: تبْتُ وهو يضمر مذهبه لا يزال يراه خنزيراً، فيقول له: كذبْتَ في قولك: «تبْتُ»، وإذا صدق يقول له: صدقْتَ، فيعرف ذلك الرجل صدقه في كشفه، فيرجع عن مذهبه ذلك الرافضي. ولقد جرى لهذا مثل هذا مع رجلين عاقلين من أهل العدالة من الشافعية، ما عرف منهما قطّ التشيُّع، ولم يكونوا من بيت التشيُّع، أدّاهما إليه نظرهما، وكانا متمكِّنين من عقولهما، فلم يظهرا ذلك، وأصرّا عليه ـ بينهما وبين الله ـ، فكانا يعتقدان السوء في أبي بكر وعمر ويتغالون في عليٍّ، فلما مرّا به، ودخلا عليه، أمر بإخراجهما من عنده، فإن الله كشف له عن بواطنهما في صورة خنازير، وهي العلامة التي جعل الله له في أهل هذا المذهب، وكانا قد علما من نفوسهما أن أحداً من أهل الأرض ما اطَّلع على حالهما، وكانا شاهدين عدلين مشهورين بالسنّة، فقالا له في ذلك، فقال: أراكما خنزيرين، وهي علامة بيني وبين الله في مَنْ كان مذهبه هذا، فأضمرا التوبة في نفوسهما، فقال لهما: إنكما الساعة قد رجعتما عن ذلك المذهب، فإني أراكما إنسانين، فتعجَّبا من ذلك، وتابا إلى الله…»([23]).
وهذا نصٌّ واضح وصريح. بَيْدَ أن بعض الشيعة من أنصار ابن عربي شكَّكوا في صحّته سنداً ودلالة، وقالوا:
1ـ لقد مدح ابن عربي أهل البيت^ كثيراً. وعليه يستحيل أن يجري على لسانه مثل هذا الكلام بحقّ شيعة أهل البيت^.
والجواب عن ذلك: إن أهل السنّة يفصلون بين الشيعة وأهل البيت^؛ فهم يثنون على أهل البيت^؛ وفي الوقت نفسه يعتبرون الشيعة رافضةً، وينتقدونهم([24]).
2ـ إن مؤلَّفات ابن عربي لم تخْلُ من التحريف، وإنّ هذا النصّ هو من إضافات الآخرين.
والجواب عن ذلك: إن هذا النصّ موجودٌ في طبعة «الفتوحات المكية» التي حقَّقها الدكتور عثمان يحيى والدكتور إبراهيم مدكور على مخطوطةٍ بخطّ المؤلِّف، فلا مورد للشكّ من هذه الناحية.
3ـ إن المراد من «رافضة الشيعة» في هذا النصّ هم الخوارج، دون الشيعة.
وجوابه: إن النصّ المتقدِّم يعتبر أن «الرافضة من الشيعة» هم المخالفون للشيخين، والغلاة في حبّهم للإمام عليّ×. وهذا لا ينطبق على الخوارج. ثم إن مفردة «الرافضي» ذات المدلول السلبيّ قد شاع إطلاقها على الشيعة منذ عصر الأئمّة الأطهار^، ولذلك ورد بابٌ في بحار الأنوار عنوانه: «باب فضل الرافضة، ومدح التسمية بها»([25]).
ثم إن الإمام الخميني&، في معرض دفاعه عن حياض الشيعة، لم يتمسَّك بمثل هذه الأمور الضعيفة، وبيَّن المسألة على النحو التالي: «قد يشاهد السالك المرتاض نفسه وعينه الثابتة في مرآة المشاهَد؛ لصفاء عين المشاهِد، كرؤية بعض المرتاضين من العامّة الرافضة بصورة الخنزير بخياله، وهذا ليس مشاهدة الرافضة كذا، بل لصفاء مرآة الرافضي رأى المرتاض نفسه التي هي على صورة الخنزير فيها، فتوهَّم أنّه رأى الرافضي، وما رأى إلاّ نفسه»([26]).
الشيعة الإمامية في كلام ابن عربي
إن التعليقات السطحية الصادرة من بعض الموافقين والمخالفين لابن عربي في مسألة «الرجبيون» تعكس أن أحكامهم قد صدرت منهم دون الرجوع المباشر إلى نصّ العبارة الواردة في كتاب «الفتوحات المكية»، ولذلك لم يطَّلعوا على الاستناد القطعي لذلك الكتاب إلى مؤلِّفه وكونه بخطّ يده([27]). وعليه لا غرابة في أن يغيب عن أنظارهم النصّ التالي في الفتوحات بشأن الشيعة الإمامية، ولا يشيرون إليه في مؤلَّفاتهم. وهذا النصّ بدَوْره يؤيِّد رؤية الشيخ الشهيد مرتضى مطهّري& بشأن مذهب محيي الدين بن عربي؛ إذ يقول: «وأكثر ما ظهر ذلك في الشيعة ـ ولا سيَّما في الإمامية منهم ـ، فدخلت عليهم شياطين الجنّ أوّلاً بحبّ أهل البيت، وإفراغ الحبّ فيهم، ورأَوْا أنّ ذلك من أسنى القُرُبات إلى الله، وكذلك هو لو وقفوا ولا يزيدون عليه، إلاّ أنهم تَعَدَّوْا من حبّ أهل البيت إلى طريقين:
منهم مَنْ تعدّى إلى بُغْض الصحابة وسبّهم، حيث لم يقدِّموهم، وتخيَّلوا أن أهل البيت أَوْلى بهذه المناصب الدنيوية، فكان منهم ما قد عرف واستفاض.
وطائفةٌ زادت إلى سبّ الصحابة القَدْح في رسول اللهﷺ، وفي جبريل×، وفي الله ـ جلَّ جلاله ـ، حيث لم ينصّوا على رتبتهم وتقديمهم في الخلافة للناس، حتّى أنشد بعضهم: ««ما كان مَنْ بعث الأمين أميناً»!
وهذا كله واقعٌ من أصلٍ صحيح، وهو حبّ أهل البيت، أنتج ـ في نظرهم ـ فاسداً؛ فضلّوا وأضلّوا، فانظر ما أدّى إليه الغلوّ في الدين، أخرجهم عن الحدّ، فانعكس أمرهم إلى الضدّ…»([28]).
المتوكِّل أحد الأقطاب!
من بين الأمور التي يأخذها الشيعة المخالفون لابن عربي، وينتقدونه عليها، وصفه المتوكِّل الخليفة العباسي بأنه قطبٌ من الأقطاب؛ إذ يقول: «ومنهم مَنْ يكون ظاهر الحكم، ويحوز الخلافة الظاهرة ـ كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام ـ، كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ والحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والمتوكِّل؛ ومنهم مَنْ له الخلافة الباطنة خاصّة، ولا حكم له في الظاهر، كأحمد بن هارون الرشيد السبتي وكأبي يزيد البسطامي، وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر»([29]).
هذا، في حين أن المتوكِّل العباسي كان ناصبياً بشهادة التاريخ، قد سعى في فتح مجرى الفرات على الضريح الطاهر لسيّد الشهداء×؛ ليعفي بذلك أثره، ويمحو ذكره([30]).
إن إدراج اسم المتوكِّل ضمن قائمة الخلفاء الراشدين والصالحين يأتي من أنه خالف مذهب الاعتزال، وقام بدعم مذهب أهل الحديث، حتّى لقب بـ «محيي السنّة». إن علماء أهل السنّة ينظرون إلى المتوكِّل من هذه الزاوية، ولا ينظرون بعد ذلك إلى موقفه من زيارة قبر سيد الشهداء×، وسعيه إلى إعفاء مرقده الطاهر ومحو آثاره، بل ربما اعتبروا ذلك من فضائله ومحاسن أعماله. وعليه من الطبيعي أن ينظر محيي الدين بن عربي (السنّي) إلى المتوكِّل العباسي بوصفه محيي السنّة، ويرى له هذه المنزلة الرفيعة، ويعتبره لذلك قطباً من الأقطاب. وهذا يؤيِّد رأي الشيخ الشهيد مرتضى مطهّري& بشأن مذهب محيي الدين بن عربي.
3ـ تراث ابن عربي
قال الشيخ الشهيد مرتضى مطهّري& بشأن تراث ابن عربي: «بلغت مؤلَّفات محيي الدين بن عربي أكثر من مئتي كتاب، وقد تمّ طبع الكثير منها، وربما طُبعت جميع كتبه الموجودة نسخها، والتي يبلغ عددها حوالي ثلاثين كتاباً، أهمّها: «الفتوحات المكية»، وهو كتابٌ كبير جدّاً، بل هو في الواقع دائرة معارف في العرفان؛ وكتاب «فصوص الحكم»، وهو برغم صغر حجمه من أدقّ النصوص العرفانية وأعمقها، وقد كتبت عليه شروح كثيرة، وربما لم يفهمه سوى شخص أو شخصين في كلّ عصر»([31]).
ادّعاء الكشف والشهود
يعمد الشيخ الأكبر في بداية كلٍّ من: «الفتوحات المكية» و«فصوص الحكم» إلى إثبات حجّية كلامه من خلال إسناده إلى رؤيته رسول الله| في المنام. وإن أتباعه يعتبرون هذه المنامات كَشْفاً وشهوداً، ومن هنا فإن داوود القيصري ـ شارح فصوص الحكم ـ في بحث إيمان فرعون يُلجم لسان كلّ معترضٍ بقوله: «فلا ينكر على الشيخ ما قاله مع أنه مأمورٌ بهذا القول؛ إذ جميع ما في الكتاب مسطورٌ بأمر الرسولﷺ، فهو معذورٌ. كما أن المنكر المغرور معذورٌ»([32]).
كما ذهب مؤيّد الدين الجَنْدي ـ أوّل شارح لكامل الفصوص ـ إلى القول بعصمة محيي الدين بن عربي. وعمد العلامة السيد جلال الدين الآشتياني إلى ردّ هذا الادّعاء في الهامش، قائلاً: «وأما الشيخ الأكبر ـ مع جلالة قدره، وعلوّ مقامه ـ ليس من المعصومين؛ لكثرة وجود الهَفَوات في فتوحاته وغيرها من آثاره، كما لا يخفى على أحدٍ، وهو قد عدّ جماعةً من الفسقة في زمرة الأقطاب، كالمتوكِّل وغيره من الفجّار»([33]).
كما ذهب الإمام الخميني& إلى القول بتفاهة بعض كشوفات ابن عربي، وطعن فيها بقوله: «إلاّ أن كشف الشيخ يقتضي أن يكون داوود، بل [جميع] الأنبياء المرسلون، مخطئين في أحكامهم، وقوم نوح وسائر الكفّار، كفرعون، عرفاء شامخين»([34]).
ثم إن نفس محيي الدين بن عربي يقول في الباب رقم (301) من (الفتوحات المكية): «وإذا خالف الكشف الذي لنا كشفَ الأنبياء كان الرجوع إلى كشف الأنبياء^».
وعلى كلّ حال فإن لابن عربي مدَّعيات طويلة وعريضة. فعلى سبيل المثال: نجده في الباب (555) من (الفتوحات المكية) يدَّعي أنه يعلم أسماء وخصائص جميع الأقطاب الذين سيأتون في المستقبل إلى يوم القيامة. ولكنّه يحجم عن ذكر هذه الأسماء وتلك الخصائص في كتابه؛ حفاظاً على خصوصيات أصحابها؛ وإشفاقاً على سائر المسلمين. وإليك نصُّ كلامه في هذا الشأن:
«اعلم ـ وفقنا الله وإيّاك ـ أن الكتب الموضوعة لا تبرح إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، وفي كلّ زمان لا بُدَّ من وقوف أهل ذلك الزمان عليها، ولا بُدَّ في كل زمان من وجود قطبٍ، عليه يكون مدار ذلك الزمان، فإذا سمَّيناه وعيَّناه قد يكون أهل زمانه يعرفونه بالاسم والعين، ولا يعرفون رتبته، فإن الولاية أخفاها الله في خلقه، وربما لا يكون عندهم في نفوسهم ذلك القطب بتلك المنزلة التي هو عليها في نفس الأمر، فإذا سمعوا في كتابي هذا بذكره أدّاهم إلى الوقوع فيه، فينزع الله نور الإيمان من قلوبهم ـ كما قال رُوَيم ـ، وأكون أنا السبب في مَقْت الله إيّاهم، فتركتُ ذلك؛ شفقةً مني على أمّة محمدﷺ. وما أنا في قلوب الناس، ولا في نفس الأمر، ولا عند نفسي، بمنزلة الرسول، يجب الإيمان بي عليهم، وبما جئت به، ولا كلَّفني الله إظهار مثل هذا، فأكون عاصياً بتركه»([35]).
وقال العالم الكبير الملاّ محسن الفيض الكاشاني&([36])، في ردّ مدَّعيات محيي الدين بن عربي: «هذا شيخهم الأكبر محيي الدين بن عربي، وهو من أئمّة صوفيّتهم، ومن رؤساء أهل معرفتهم، يقول في فتوحاته: «إني لم أسأل الله أن يعرِّفني إمام زماني، ولو كنتُ سألتُه لعرَّفني». فاعتبروا يا أولي الأبصار. فإنه لما استغنى عن هذه المعرفة مع سماعه حديث: «مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية»، المشهور بين العلماء كافّة، خذله الله وتركه ونفسه، فاستهوَتْه الشياطين في أرض العلوم حَيْران، فصار مع وفور علمه ودقّة نظره وسيره في أرض الحقائق وفهمه للأسرار والدقائق لم يستقِمْ في شيءٍ من علوم الشرائع، ولم يعرض على حدودها بضرسٍ قاطع. وفي كلماته من مخالفات الشرع الفاضحة ومناقضات العقل الواضحة ما يضحك منه الصبيان، وتستهزئ به النسوان، كما لا يخفى على مَنْ تتبّع تصانيفه، ولا سيَّما الفتوحات، خصوصاً ما ذكره في أبواب أسرار العبادات. ثم مع دعاويه الطويلة العريضة في معرفة الله، ومشاهدة المعبود وملازمته في عين الشهود، وتطوافه بالعرش المجيد، وفناه في التوحيد، تراه ذا شطح وطامّات وصلف ورعونات وتخليط ومناقضات تجمع الأضداد، وحيرة محيّرة تقطع الأكباد. ويأتي تارةً بكلامٍ ذي ثبات وثبوت، وأخرى بما هو أوهن من بيت العنكبوت. وفي كتبه وتصانيفه من سوء أدبه مع الله سبحانه في الأقوال ما لا يرضى به مسلمٌ بحالٍ»([37]).
وقد أشار العلاّمة المجلسي& إلى ضرورة أن يكون للإنسان ملجأٌ في يوم القيامة، معترضاً على كشف وشهود محيي الدين بن عربي، قائلاً: «أو تلجأ إلى محيي الدين، وقد سمعتَ خزعبلاته في أوّل الكتاب وآخره، والقائل: إن جمعاً من أولياء الله يرَوْن الرافضة على صور الخنازير. والقائل: إني لمّا عرجْتُ رأيتُ رتبة عليٍّ أقلّ من رتبة أبي بكر وعثمان، ورأيتُ أبا بكر في العرش، فلما رجعتُ قلتُ لعليّ: كيف كنتَ تدَّعي في الدنيا أنك أفضل منهم، ورأيتُك الآن في أدنى المراتب»([38]).
ابن عربي والمولوي
لقد اعتبر الشيخ الشهيد مرتضى مطهّري& المولوي «متأثِّراً إلى حدٍّ كبير» بابن عربي. وقال بشأن المثنوي: «إن المثنوي في الأساس يدور حول محور وحدة الوجود، التي صدع بها الشيخ محيي الدين بن عربي»([39]).
وفي هذا المورد نذكّر بمسألةٍ، وهي أن محيي الدين بن عربي قد سعى في الفصّ الموسوي من كتاب (فصوص الحكم) ـ من خلال الاستناد إلى بعض الآيات القرآنية ـ إلى تبرير توبة وإيمان فرعون أثناء غرقه. وبطبيعة الحال فإنه قد ذهب في الباب الرابع والستين من (الفتوحات المكّية)([40]) إلى القول بخلود فرعون في النار؛ بسبب ادّعائه الألوهية. لقد اعترض المخالفون لابن عربي على ادّعائه قبول توبة وإيمان فرعون بشدّةٍ، واثبتوا مخالفة هذا الادّعاء لصريح القرآن الكريم، ولكنْ لم تتّضح الغاية من ذهاب ابن عربي إلى مثل هذا الادّعاء. إن العرفان لا شأن له بظاهر الأمور، ويمكن لوحدة الوجود أن تجمع بين كفر وعناد فرعون وبين عبوديته وتسليمه (وهذا هو مكمن اللطف في ذلك). وهذا ما ذهب إليه المولوي جلال الدين الرومي، إذ يقول ما مضمونه باللغة العربية: عندما تتكثر الألوان في الأشياء تقوم الحرب بين موسى ونفسه، وعندما يفقد الشيئان لونَيْهما سيتّحدان في الشاكلة، ويسود السلام بين موسى وعدوّه([41]).
أجل، لقد تنزّل ابن عربي في هذا الموضع من مستوى العارف إلى مستوى المتكلِّم. ويا حبَّذا لو أمكن لابن عربي أن يستفيد من المولوي، كما استفاد المولوي من ابن عربي! إلاّ أن هذا لم يكن ممكناً؛ لأن المولوي قد تحدَّث باللغة الفارسية، ثم إنه جاء إلى هذه الدنيا بعد وفاة محيي الدين بسنواتٍ.
توظيف علم الحروف
كما عمد محيي الدين بن عربي من أجل نشر أفكاره العرفانية إلى توظيف حتّى علم الحروف أيضاً، وقد عرضها بتفخيمٍ. فنراه في (الفتوحات المكّية)([42]) ـ على سبيل المثال ـ ينسب الأبجدية المشرقية([43]) إلى «أهل الأنوار» (= أهل المشرق)، والأبجدية المغربية إلى نفسه و«أهل الأسرار»([44]). وقد تحدَّث عن فضائل كل واحد من حروف المعجم، شعراً ونثراً.
وبالإضافة إلى الخصائص العَدَدية للحروف، هناك عنايةٌ من ابن عربي بسائر الجوانب الأخرى في الحروف أيضاً. فهو ـ على سبيل المثال ـ يرى في الحروف المنفصلة لكلمة «داوود»، وعدم اتصالها ببعضها أوّل نعمةٍ يمنّ بها الله سبحانه وتعالى على هذا النبي؛ إذ يقول: «فأول نعمة أنعم الله بها على داوود× أن أعطاه اسماً ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك؛ إخباراً لنا عنه بمجرّد هذا الاسم، وهي: الدال، والألف، والواو. وسمّى الله محمداً| بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به [أي بالحقّ]، وفصله عن العالم، فجمع له بين الحالتين في اسمه، كما جمع لداوود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصاً لمحمد على داوود ـ صلوات الله عليهما ـ، أعني التنبيه عليه باسمه، فتمّ له [أي لمحمدﷺ] الأمر من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله»([45]).
وبالتالي فإنه يقترح في الفصّ الموسوي أن تؤخذ كلمة «مسجون» في الآية 29 من سورة الشعراء لا من مادة «سجن»، بل من مادة «جنّ» (بمعنى «ستر»)، واعتبار السين فيها حرفاً زائداً.
وهذه نماذج من بين أكثر الكلمات التي قالها محيي الدين بن عربي انحطاطاً وتفاهة، على حدّ تعبير الشيخ الشهيد مرتضى مطهَّري.
الهوامش
(*) أستاذٌ حوزويّ وجامعيّ بارز، متخصِّصٌ في الأديان المقارنة، مترجِمُ أهمّ النصوص المسيحيّة إلى الفارسيّة.
([1]) مقطع من رسالة الإمام الخميني إلى غورباتشوف.
([2]) مرتضى مطهّري، الأعمال الكاملة 9: 192 (مصدر فارسي).
([3]) مرتضى مطهّري، مدخل إلى العلوم الإسلامية (قسم الكلام والعرفان والحكمة المتعالية): 90 ـ 91، تعريب: حسن علي الهاشمي، دار الكتاب الإسلامي، ط5، قم، 1413هـ ـ 2010م.
([4]) المراد هو عبد القاهر الجرجاني، وقد ورد في الأصل (عبد القادر) سَهْواً.
([5]) انظر: تماشاگه راز: 55 ـ 57، انتشارات صدرا، طهران، 1359هـ.ش (مصدر فارسي).
([6]) انظر: مرتضى مطهّري، مجموعه آثار (الأعمال الكاملة) 9: 316 (مصدر فارسي).
([7]) انظر: المصدر السابق 5: 149.
([11]) جاء في بداية كتاب (معاد جسماني در حكمت متعالية): 5، قم، انتشارات دليل ما، 1381هـ.ش، التعبير بـ (إهداء إلى صدر المتألهين الشيرازي، الفيلسوف الكبير والتفكيكي القدير) (مصدر فارسي).
([12]) انظر: محمد رضا الحكيمي، عقل سرخ: 425 ـ 426، 428، انتشارات دليل ما، قم، 1383هـ.ش (مصدر فارسي).
([13]) انظر: محمد رضا الحكيمي، مكتب تفكيك: 104، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، طهران، 1375هـ.ش؛ متأله قرآني، مقدّمة الأستاذ: 76، انتشارات دليل ما، قم، 1382هـ.ش (مصدر فارسي).
([14]) انظر: اجتهاد وتقليد در فلسفه: 221، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، طهران، 1378هـ.ش؛ معاد جسماني در حكمت متعالية: 224؛ مكتب تفكيك: 103 ـ 104؛ متأله قرآني: 76؛ عقل سرخ: 74 (مصادر فارسية).
([15]) عند مراجعة مصدر هذا الكلام يتّضح أن العلاّمة قد ذكر هذا الموضوع على شكل سؤال، وفي فضاء وأوضاع وأجواء المدرسة: (دار الحديث ذات يوم مع أستاذنا الأكرم العلامة الطباطبائي ـ قدَّس الله نفسه ـ حول هذا الموضوع، حتّى طال النقاش والجدل؛ إذ كان سماحته يقول: كيف يمكن اعتبار محيي الدين [بن عربي] من أهل الطريقة، وهو يعتبر المتوكِّل من أولياء الله؟! فقلتُ له: لو ثبت أنه قال مثل هذا الكلام، وأن كلامه لم يطله التحريف ـ كما يدّعي الشعراني؛ إذ يقول: لقد تعرّض كتاب (الفتوحات) لابن عربي إلى الكثير من التحريفات، مع اعتقادنا بأنه رجلٌ منصف، إذا انكشف له الحقّ لا ينكره ـ، عندها يجب اعتباره في ما يتعلق بهذا النوع من العبارات في زمرة المستضعفين! فابتسم سماحته باستغراب، وقال: وهل يمكن عدّ محيي الدين ضمن المستضعفين؟! فقلتُ: وأيّ ضير في ذلك؟…). السيد محمد حسين الطهراني، روح مجرّد: 411، انتشارات حكمت، طهران، 1414هـ.
([16]) مهر تابان: 173، انتشارات باقر العلوم× (مصدر فارسي).
([17]) في ما يتعلق بتشيُّع محيي الدين بن عربي ذكر الملاّ محمد صالح الخلخالي ـ في مقدّمته على كتاب (مناقب محيي الدين)، الذي قام بشرحه ـ الكثير من الأدلة حول تشيُّعه.
([18]) مهر تابان: 173، انتشارات باقر العلوم×.
([19]) جاء في الأصل كلمة (متصوّفة)، بَدَلاً من (التسنُّن) سهواً.
([20]) مرتضى مطهّري، مجموعه آثار (الأعمال الكاملة) 4: 944. يمكن لهذا البيان الكامل بشأن مذهب محيي الدين بن عربي أن يكون ناظراً إلى الكلام المعروف للشيخ البهائي في كتابه (الأربعون)، ذيل الحديث رقم 36.
([21]) إغناطيوس دي لويولا (1491 ـ 1556م): فارس إسباني من أسرةٍ نبيلة باسكية، تنسَّك وتكهَّن ليصبح عالماً لاهوتياً، ثم أسَّس اليسوعية وأصبح أوّل قائد لها. (المعرِّب).
([22]) بشأن (العارف الوثني) في كلام العلاّمة الطباطبائي انظر: مجلة هفت آسمان، العدد 22: 79 (مصدر فارسي).
([23]) محيي الدين بن عربي، الفتوحات المكّية 11: 285 ـ 288، طبعة عثمان يحيى وإبراهيم مدكور.
([24]) إن فرية أن الرافضة يمسخون في قبورهم خنازير كانت شائعة بين أهل السنّة قبل عصر محيي الدين بن عربي. وقد سبق للغزالي أن أشار إليها بوصفها شائعة لا أساس لها من الصحّة قبل ابن عربي بقرنٍ من الزمن. (انظر: مقالتنا في مجلة هفت آسمان، العدد 15).
وفي إشاعةٍ أخرى: إن الرافضي إذا أشرف على الموت يقلب الله صورة وجهه وجه خنـزير، فلا يموت إلاّ إذا مسخ وجهه وجه خنـزير، ويكون ذلك علامةً على أنه مات على الرفض، فيستبشرون بذلك الروافض، وإنْ لم يقلب وجهه عند الموت يحزنون، ويقولون: إنه مات سنّياً. (انظر: الأميني، الغدير 7: 256، طهران، 1372هـ).
([25]) انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 68: 96 ـ 98.
([26]) روح الله الموسوي الخميني، تعليقات على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس: 221، مؤسسة پاسدار إسلام، قم، 1406هـ.
([27]) وقد تسلّل هذا الأمر من كتاب (مستدرك الوسائل) 3: 422، لمؤلِّفه الميرزا حسين النوري، طهران، 1321هـ.ش، إلى الكتب والمؤلَّفات اللاحقة، حيث نقل قضية الرجبيين من كتاب (محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار)، تأليف: محيي الدين بن عربي. والعجيب في البين أننا بعد مراجعة كتاب محاضرة الأبرار: 295 ـ 296، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1422هـ، نجد الرجبيين يشاهدون الروافض على (هيئة الكلاب)، وقد وردت (هيئة الخنازير) في الفتوحات المكّية. ولا يمكن العثور على مفردة (المرتاض) و(الارتياض) في أيّ واحدٍ من هذين المصدرين، وإنما هما من إضافات (مستدرك الوسائل)، ومنه تسلَّلت إلى المؤلَّفات اللاحقة.
([28]) محيي الدين بن عربي، الفتوحات المكّية 4: 280 ـ 281، طبعة عثمان يحيى وإبراهيم مدكور.
([30]) أما مسألة قطع أيدي زوار الإمام الحسين×، والتي تنسب إلى المتوكِّل فهي مجرّد إشاعة لا يؤيِّدها التاريخ، ولم يكن يجوز للشيعة من الناحية الفقهية أن يستجيبوا لهذه السياسة؛ لمجرّد الزيارة أو من أجل أيّ عبادةٍ أخرى.
([31]) مرتضى مطهّري، مدخل إلى العلوم الإسلامية (قسم الكلام والعرفان والحكمة المتعالية): 91، تعريب: حسن علي الهاشمي، دار الكتاب الإسلامي، ط5، قم، 1413هـ ـ 2010م.
([32]) شرح القيصري على فصوص الحكم: 453، انتشارات بيدار، قم، 1363هـ.ش.
([33]) انظر: مؤيد الدين الجَندي، شرح فصوص الحكم: 114، انتشارات دانشگاه مشهد.
([34]) روح الله الموسوي الخميني، تعليقات على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس: 195.
([35]) محيي الدين بن عربي، الفتوحات المكّية في معرفة الأسرار الملكية والمالكية 6: 397.
([36]) إن الملاّ محسن الفيض الكاشاني هو صهر وتلميذ صدر المتألِّهين، وقد تقدم بيان تعلُّقه بمحيي الدين بن عربي في كلام الشيخ الشهيد مرتضى مطهّري.
([37]) الملا محسن الفيض الكاشاني، بشارة الشيعة: 150، طهران، 1311هـ.ش.
([38]) محمد باقر المجلسي، عين الحياة: 647، مؤسسة مطبوعاتي أمير كبير.
([39]) مرتضى مطهّري، مجموعه آثار (الأعمال الكاملة) 9: 61.
([40]) انظر: الفتوحات المكّية 4: 393، طبعة عثمان يحيى وإبراهيم مدكور.
([41]) المثنوي، الكتاب الأول، البيتان رقم 2467 ـ 2468. وقد ورد البيت الثاني في طبعة نيكلسون بصيغة أخرى.
([42]) انظر: محيي الدين بن عربي، الفتوحات المكية 1: 295 ـ 361 (الباب الثاني).
([43]) إن الأبجدية المعروفة هي الأبجدية المشرقية، ولكنْ هناك أبجدية مغربية أيضاً، وهي تنتمي إلى الأندلس ومراكش. وفي هذه الأبجدية المغربية نجد ترتيب (صعفض، قرست، ثخذ، ظغش)، بَدَلاً من (سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ). وعلى أساس ذلك فإن الأعداد من 60 إلى 100 تختلف في بعض المواضع عن الأبجدية المشرقية. انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 10: 164. وقد أثرت الأبجدية المغربية على ترتيب الأبجدية المتعارفة (أ، ب، ت، ث) في تلك الأصقاع أيضاً.
([44]) لأن الأبجدية المغربية بمنـزلة السرّ، وقلَّما يكون هناك مَنْ اطّلع عليها.
([45]) محيي الدين بن عربي، فصوص الحكم، الفصّ الداوودي. وانظر أيضاً: الفتوحات المكّية 1: 110 ـ 111، في ما يتعلَّق بأهمية الحروف المنفصلة (ا، أ، و، ز، ر، د، ذ).