أحدث المقالات

ـ القسم الأوّل ـ

د. الشيخ محمد علي رضائي الإصفهاني(*)

ترجمة: حسن علي مطر الهاشمي

نظرةٌ إجمالية في رؤية الشيخ معرفت

لقد كان الشيخ معرفت& من أصحاب التجديد الفكري في مجال التفسير وعلوم القرآن، وكان يهتم بكل جديد في ما يتعلق بهذا الشأن، ومنه: موضوع التفسير العلمي والإعجاز العلمي في القرآن، في الكثير من كتبه.

وقد أفرد سماحته الجزء السادس من كتاب «التمهيد في علوم القرآن» لبحث الإعجاز العلمي، وأشار إلى عدد من المسائل في هذا الشأن، ومنها:

أولاً: المباني النظرية للتفسير العلمي والإعجاز العلمي للقرآن، حيث تناول الأمور التالية:

أـ الإشارات العلمية في القرآن.

ب ـ ما هي الغاية الرئيسة من الهداية القرآنية؟

ج ـ هل يشتمل القرآن على جميع العلوم البشرية؟

د ـ هل التحدي القرآني يشمل الإعجاز العلمي أيضاً؟

إن حصيلة كلامه في هذه الموارد أن القرآن يشتمل على الكثير من الإشارات العلمية بشأن العالم والإنسان والطبيعة، مما يأتي فهمه في ضوء العلوم القطعية، ولكنْ يجب في التفسير العلمي للقرآن تجنب تحميل الآراء والنظريات على القرآن الكريم. وبطبيعة الحال فإن الهدف الرئيس والعام للقرآن هو هداية الإنسان إلى الله. وتأتي هذه الإشارات بدورها في هذا الإطار. فعلى الرغم من اشتمال القرآن على الكثير من الإشارات إلى الأسرار والحقائق العلمية للعالم، إلا أنه ليس كتاباً في العلوم الطبيعية، ولم يبيّن كافة الجزئيات العلمية. بَيْدَ أن الإعجاز العلمي للقرآن يثبت من خلال هذا المجال الذي بيّن الحقائق والأسرار العلمية للعالم. وحيث إن الإعجاز العلمي شاملٌ لجميع الأجيال والعصور فإن الإعجاز القرآني يشمل الإعجاز العلمي، مضافاً إلى الفصاحة والبلاغة أيضاً([1]).

ثانياً: المسائل العلمية وموارد الإعجاز العلمي في القرآن، ومنها: الماء أصل الحياة، ومراحل خلق الإنسان، والرجع والصدع، واتساع العالم، وقانون الجاذبية، والرتق والفتق، وتوتيد الأرض بالجبال، وحركة الأرض، وقانون الزوجية العام، والعسل، والحيض، وما إلى ذلك.

كما أبدى الشيخ معرفت في كتابه القيِّم (التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب) ـ ضمن بحث الاتجاهات التفسيرية تحت عنوان (ألوان التفسير) ـ اهتماماً بالتفسير العلمي للقرآن، وتناول التفاسير العلمية بالدراسة والنقد والتحليل. وقد قام سماحته في هذا الكتاب ـ من خلال بيان التعريف الإجمالي للتفسير العلمي ـ بالإشارة إلى مخاطر تحميل الآراء على القرآن. ثم قام بتعريف كتاب (كشف الأسرار النورانية القرآنية في ما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية)، لمحمد بن أحمد الإسكندراني(1306هـ)، وأثنى عليه. ثمّ عرّف بعد ذلك بكتاب (الهبة والإسلام)، للعلامة السيد هبة الدين الشهرستاني(1386هـ)، ومؤلفات عبد الله باشا فكري، والسيد عبد الله الكواكبي، والأستاذ مصطفى الرافعي، والأستاذ رشيد رشدي العابري.

كما عرّف بتفسير ونقد كتاب (الجواهر في تفسير القرآن)، للطنطاوي(1358هـ). وفي الختام عرَّف بـ (التفسير العلمي)، لعبد المنعم الجمّال، وأثنى عليه.

كما تعرّض سماحته في كتاب (علوم قرآني) ـ الذي ألَّفه باللغة الفارسية ـ إلى موضوع الإعجاز العلمي للقرآن وموارده. ومما ذكره في كتاب (علوم قرآني)، الصادر عن دار نشر التمهيد (ط5، عام 1383هـ.ش)، الموارد التالية: رتق وفتق السماوات والأرض، ودور الجبال في تثبيت الأرض، وصعوبة التنفُّس في الأماكن المرتفعة، والماء منشأ الحياة، والسقف الذي يحفظ الأرض من الأشعة الضارة.

وعليه يمكن القول بشكلٍ عام: إن الشيخ معرفت& من أولئك الذين يقولون بالتفسير العلمي للقرآن من طريق العلوم القطعية. ويرى أن الإعجاز العلمي للقرآن يمثِّل وجهاً من وجوه الإعجاز والتحدّي في القرآن الكريم. ولكنه في هذا الإطار يحذر من تحميل النظريات غير الثابتة علمياً على القرآن. إلا أن من الأفضل بيان آراء سماحته في هذا الموضوع وفهمها من خلال مقارنتها بالآراء الأخرى، وهو ما سنقوم به في هذا المقال.

المفاهيم

التفسير: هناك الكثير من التعريفات لمفردة «التفسير»([2])، وحاصلها: «الكشف عن معاني الكلمات والعبارات القرآنية الغامضة، وشرح مقاصدها».

العلم: إن المراد من «العلم» هنا هو المستعمل في عبارة «العلوم التجريبية»([3])، وهي العلوم التي تنقسم إلى قسمين: العلوم الطبيعية([4])، من قبيل: علم الفيزياء، وعلم الطبّ، وعلم الفلك، وما إلى ذلك؛ والعلوم الإنسانية([5])، من قبيل: علم الاجتماع، وعلم النفس، وما إلى ذلك.

التفسير العلمي: هناك الكثير من التعريفات التي تقدّم بها أصحاب النظر للتفسير العلمي. وفي ما يلي نشير إلى بعضها:

قال الدكتور محمد حسين الذهبي في تعريف التفسير العلمي: «نريد بالتفسير العلمى: التفسير الذى يُحَكِّم الاصطلاحات العلمية فى عبارات القرآن، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها»([6]).

وبطبيعة الحال فإن سماحته يرى أن التفسير العلمي أعم من التفسير الفلسفي، في حين إنه طبقاً للتعريف المشهور يعتبر هذان الأسلوبان التفسيريان منفصلين عن بعضهما. والمراد من العلوم التجريبية هنا ما يقع في مقابل العلوم العقلية (مثل: الفلسفة).

كما أشار سماحته إلى قسمين من التفسير العلمي، وهما: «تحميل النظريات على القرآن»؛ و«استخراج العلوم من القرآن». في حين إننا سنثبت لاحقاً أن هناك قسماً ثالثاً للتفسير العلمي أيضاً، وهو: «توظيف العلوم في فهم القرآن».

وقال الأستاذ أمين الخولي في تعريف التفسير العلمي: «هو التفسير الذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارة القرآن، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها… وقد اتسع القول في احتواء القرآن جمل العلوم جميعاً، فشمل إلى جانب العلوم الدينية، اعتقادية وعلمية، وظاهرة وخفية، سائر علوم الدنيا»([7]).

وقد أشار هذا التعريف أيضاً إلى كلا قسمي التفسير العلمي، أي استخراج العلوم من القرآن؛ وتحميل النظريات على القرآن. ولكنه لم يُشِرْ إلى القسم الثالث، وهو توظيف العلوم في فهم القرآن.

وقد أكد الأستاذ راترود ويلانت ـ في دائرة معارف ليدن القرآنية، في مقال له تحت عنوان: «تفسير القرآن في المرحلة الجديدة» ـ في تعريفه للتفسير العلمي على استخراج العلوم من القرآن، حيث قال: «يجب إدراك التفسير العلمي في ضوء فرضية القول بأن جميع أنواع معطيات العلوم الطبيعية الحديثة قد تمّ التنبّؤ بها في القرآن، وأن بالإمكان الكشف عن الكثير من القرائن والشواهد الواضحة عليها في آيات القرآن، وإن هذه المعطيات العلمية، ابتداءً من الهيئة الكوبرنيقية إلى الخصائص الإلكترونية، ونظم وترتيب الانفعالات الكيميائية، وصولاً إلى أسباب الأمراض والالتهابات، كلّها مرصودة في القرآن بشكلٍ مسبق»([8]).

وعمد عبد الرحمن العك إلى تعريف التفسير العلمي قائلاً: «إن هذا التفسير يقوم أصلاً على شرح وإيضاح الإشارات القرآنية التي تشير إلى عظيم خلق الله تعالى، وكبير تدبيره وتقديره لتلك الآيات المنظورة في هذا الكون المعمور»([9]).

وقد اقترب هذا التعريف إلى حدٍّ ما ـ بطبيعة الحال ـ من المراد الأصلي من التفسير العلمي، وابتعد عن تعريفه بصيغة الاستخراج والتحميل. ولكنْ لم يتضح من هذا التعريف ما إذا كان سيتم توظيف العلوم القطعية أو النظريات الظنية في التفسير العلمي.

وقال الأستاذ فهد الرومي في تعريف التفسير العلمي: «والذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن التعريف الأقرب إلى أن يكون جامعاً مانعاً أن يُقال: المراد بالتفسير العلمي هو اجتهاد المفسّر في كشف الصلة بين آيات القرآن الكريم الكونية ومكتشفات العلم التجريبي على وجهٍ يُظهر به إعجازٌ للقرآن يدلّ على مصدره، وصلاحيته لكل زمان ومكان»([10]).

هذا وقد عمد الأستاذ ناصر رفيعي ـ بعد بيان مختلف التعاريف بشأن التفسير العلمي، ومناقشتها ونقدها ـ إلى القول بأن التعريف المتقدِّم هو من أنسب تعاريف التفسير العلمي([11]).

وقال الشيخ معرفت في هذا الشأن: «وليُعلم أننا في هذا العرض إنما نحاول فهم جانب من الآيات الكونية، ربما صعب دركها من قبل، وأمكن الاهتداء إليها في ضوء حقائق علمية راهنة جهد المستطاع… إننا لا نحاول تطبيق آية قرآنية ذات حقيقة ثابتة على نظرية علمية غير ثابتة، وهي قابلة للتعديل والتبديل، إنما مبلغ جهدنا الكشف عن حقائق وأسرار كونية انطوت عليها لفيفٌ من آيات الذكر الحكيم، كشفاً في ضوء العلم الثابت يقيناً حسب ما وصلت إليه البشرية قطعيّاً»([12]).

وعليه يمكن لنا أن نستنتج أن لأسلوب التفسير العلمي للقرآن مختلف الأنواع والأقسام، وإن التعاريف إنما اختلفت بسبب اختلاف هذه الأنواع، حيث يتم التعبير عنها تحت عنوان استخراج العلوم من القرآن تارةً، وتحت عنوان تحميل المسائل العلمية على القرآن تارةً أخرى. وأما مرادنا في هذا المقال فهو ما أشرنا له بالقول: «توظيف العلوم في فهم آيات القرآن على نحوٍ أفضل، بمعنى اتخاذ مصدر العلوم التجريبية القطعية بوصفه وسيلةً لتفسير وتوضيح الإشارات العلمية لآيات القرآن الكريم، بحيث تمّ في هذا الإطار رعاية جميع ملاكات وضوابط التفسير الصحيح، دون أن يحصل أدنى تحميل أو استخراج»([13]).

الإعجاز العلمي للقرآن: إن القرآن هو معجزة رسول الله‘ الخالدة، وهو الكتاب الذي يمثّل الدليل على نبوّة النبيّ الأكرم وصدقه، بمعنى أنه الدليل على اعتبار الإسلام وأحقّيته. بَيْدَ أن إعجاز القرآن قد تمّ إثباته من جهاتٍ متعدّدة. من ذلك: الإعجاز في الألفاظ، والمضامين، وعدم التناقض في مفاهيمه، وفي نغمة القرآن، وفي نفوذه الآيات إلى القلوب، والمغيّبات والأخبار الغيبية في القرآن([14]).

بَيْدَ أن الإعجاز العلمي في القرآن قد حظي باهتمامٍ خاص من قبل المفسرين في القرون الأخيرة؛ وذلك حيث شهدت العلوم التجربية تكاملاً، وسجلت قفزات نوعية متسارعة كشفت عن الأسرار العلمية في القرآن الكريم. وفي المقابل كان الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) يمنى في كل يوم بانتكاسةٍ ونكوص أمام التقدّم الحاصل في هذه العلوم، الأمر الذي أثبت التحريف الحاصل فيه. من هنا فإن المفسرين يشيرون في الكثير من الموارد إلى الإعجاز العلمي في القرآن (الآيات التي تخبر عن القوانين والمعطيات العلمية للبشر قبل عدّة قرون من التوصُّل إليها)([15])، بل اعترف بهذه الأبعاد العلمية في القرآن علماء الغرب أيضاً.

إن المراد من الإعجاز العلمي في القرآن آياتٌ من القرآن الكريم تكون على الشكل التالي: «أن تشتمل على أسرار علمية، بمعنى المسائل العلمية التي لم يطلع عليها أحد قبل نزول القرآن، بحيث لا تُكتشف هذه الحقيقة العلمية إلا بعد مدّة طويلة من نزول القرآن بها؛ وأن تكون هذه المسألة العلمية بحيث لا يمكن التوصّل إليها من خلال الوسائل العادية التي كان الإنسان يمتلكها في عصر النزول؛ أو الأخبار الغيبية التي صدع بها القرآن في مورد الأحداث الطبيعية والتاريخية التي لم يكن بالإمكان التوصل إليها بأدوات ذلك العصر»([16]).

وقال الأستاذ الشيخ معرفت في هذا الشأن: «إن الإشارات العلمية التي جاءت في القرآن الكريم إنما كانت رشحات فاضت من عرض بيانه الحكيم؛ لأنها صدرت من منبع علم مكين: ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (الفرقان: 6)، ولم تكن مقصودة بالذات، ولا جاء القرآن لإفادة بيانها إفادة بالذات؛ ذلك لأن القرآن كتاب هداية وإرشاد إلى معالم الأخلاق الكريمة»([17]).

وقد أكّد سماحته في موضع آخر على هذه (المسائل العلمية الهامشية التي وردت في القرآن، وتثير إعجاب الإنسان)، مع إضافة هذه الحقيقة، وهي أن هذه الأمور قد جاء بها شخصٌ أمّي غير متعلم ولم يدرس على يد أستاذ متمرّس، وعاش بين أمة جاهلية منقطعة عن الحضارة وسط الصحراء القاحلة. في مثل هذه الأجواء يجد الإنسان نفسه أمام معجزة خارقة للعادة، ولا يمكن الشك فيها([18]).

كما صرّح سماحته في موضعٍ آخر بأن إعجاز القرآن كما يقع في سائر إعجاز القرآن (من قبيل: الفصاحة، والبلاغة، وما إلى ذلك) يشمل موارد الإعجاز العلمي أيضاً([19]).

تحدّي القرآن يشمل الإعجاز العلمي أيضاً

إن لتحدّي القرآن ثلاثة أنواع من الشمولية، وذلك كما يلي:

1ـ الشمول الأفرادي: من قبيل: قوله تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ (الإسراء: 88)، بمعنى: لو أن جميع أفراد البشر، بل وحتّى جميع أفراد الجنّ، تجمّعوا على أن يأتوا بما يُشبه هذا القرآن فإنهم لن يستطيعوا فعل ذلك أبداً، وذلك على نحو العموم الأفرادي، بحيث يشمل جميع أفراد الإنسان كافّةً، حتى أولئك الذين لم يُخلقوا بعد، وسيُخلقون في المستقبل.

2ـ الشمول الزماني: بمعنى أن هذه الدعوة وهذا التحدّي من قبل القرآن قد بدأ منذ صدر الإسلام، ويستمرّ إلى الأبد، ومن هنا يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ (البقرة: 24).

3ـ الشمول الأحوالي: بمعنى أنكم في جميع الأحوال التي تكونون عليها ـ سواء كنتم من العرب أو العجم، وسواء كنتم من الأدباء (المختصّين بالأدب العربي) أو من المتخصّصين في أيٍّ مجال من المجالات المعرفية الأخرى ـ لن تستطيعوا أن تأتوا بمثل هذا القرآن. وبطبيعة الحال فإن هذا الأمر يُستفاد من إطلاق الآية([20]).

يُمكن لنا أن نستفيد من هذا الشمول والعموم والإطلاق في الآية أن هذا الإعجاز يجب أن يكون بحيث يشمل جميع الأزمنة وجميع الأحوال.

إلا أن بعض العلماء، من أمثال: الشاطبي، يرى أن إعجاز القرآن يختصّ بعصر نزول القرآن فقط، فلو عجز الأدباء المعاصرون لنزول القرآن عن أن يأتوا بمثله كان ذلك دليلاً على إعجاز القرآن، ولا يحتاج الناس لغير هذا المقدار في ثبوت الإعجاز بالنسبة لهم أيضاً([21]).

ويُستفاد من كلمات العلامة الطباطبائي، وكذلك كلمات الشيخ معرفت، أن القرآن معجزة بجميع أبعاده، بَيْدَ أن هذا الإعجاز يختلف باختلاف المخاطبين، فالقرآن مثلاً معجزة أدبية بالنسبة إلى الأدباء، ومعجزة سياسية بالنسبة إلى الساسة، ومعجزة في الحكمة بالنسبة إلى الحكماء، وهكذا… وعليه فإن نظرية إعجاز القرآن تشمل جميع الأفراد، في جميع الأزمنة، وفي جميع الحالات([22]).

طبقاً لما تقدَّم فإن إعجاز القرآن يشمل جميع أنواع التحدي، من قبيل: الفصاحة والبلاغة، والمضمون، والإخبار الغيبي، وما إلى ذلك. وعليه فإن وجه وجهة التحدي في القرآن يشمل جميع وجوه الإعجاز القرآني (باستثناء الصرفة؛ لبطلانها).

وبطبيعة الحال فإن جهات إعجاز القرآن تختلف باختلاف المخاطبين، فالقرآن يتحدى صاحب كلّ اختصاص في اختصاصه، وعلى مستوى استعداده في ذلك الاختصاص. وإن إعجاز القرآن وتحدّيه يشمل جميع الأزمنة. وحيث إنه لم يتمكن أحد طوال القرون المنصرمة منذ عصر الإسلام إلى يومنا هذا من الإتيان بمثل القرآن كان ذلك كافياً في إثبات إعجاز القرآن، وأحقّية النبي الأكرم‘ وصدقه في ما ادعاه.

وقد اهتمّ الأستاذ معرفت بهذه المسألة في الجزء السادس من كتاب (التمهيد في علوم القرآن)، وبدأ ذلك ببحث تحت عنوان: «هل وقع التحدي بالجانب العلمي؟». وبعد ذكره لكلمات المخالفين، من أمثال: الدكتور عمر أبو حجر، والدكتور صبحي الصالح، وآخرين، شرع في بيان أدلتهم، قائلاً: «لا شَكَّ [في] أن الإعجاز قائمٌ ـ في الجملة ـ بهذا الجانب كسائر الجوانب، أما التحدّي فقد يُقال باختصاصه بجانب البيان فحَسْب؛ إذ لم تكن إشارات القرآن العلمية معروفة عند نزوله لأحدٍ من الناس، وإنما أثبتها العلم بعد ذلك بعدّة قرون».

وقال أيضاً: «إن الآيات الكونية التنزيلية لا تشمل سور القرآن كلها، ولا آياته جميعها، وإنما تقع فقط في بعض السور وفي بعض الآيات… ومعلومٌ أن التحدي يجب أن يكون بجميع السور والآيات».

ثم عمد الأستاذ معرفت إلى الإجابة عن ذلك، قائلاً: «ولا شَكَّ أن تحدياً موجّهاً إلى العرب يومذاك لا يعني سوى جانب البيان، الذي فاق أساليب العرب، وأعجزهم عن أن يأتوا بمثله. غير أن تحدّي القرآن لم يقتصر على فترةٍ من الزمان، ولا على أمة من الناس دون سواهم…، وإنما هو لكل الأجيال ومختلف الأقوام. وما شأنه ذلك لا يعقل اقتصاره على جانب الفصاحة والبيان؛ إذ ليس كل الناس عرباً، ولا كل العرب فصحاء… فلا بُدَّ أن في القرآن شيئاً هو الذي تحدّى به تحدياً على وجه العموم، ومن ثم كان بمجموع الكتاب، لا بسورةٍ واحدة أو آية أو آيات بالذات. قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ (الإسراء: 88). فهذا تحدٍّ عامّ وقع موجّهاً إلى كافة الأنام، سواء مَنْ عاصر نزول القرآن أو سائر الأيام»([23]).

الأرضيّات والدوافع

لقد بزغت شمس الإسلام على شبه الجزيرة العربية، وتمّت دعوة سكان تلك المنطقة ـ من الذين لم يتجاوز عدد المتعلِّمين منهم عدد الأصابع([24]) ـ إلى الإسلام وطلب العلم، وعرّف القرآن الكريم بوصفه معجزة الدين الجديد([25]).

وقد عمد القرآن الكريم ـ من خلال دعوة الناس إلى التفكير والتدبّر في الآيات الإلهية وخلق السماوات والأرض([26]) ـ إلى إيقاظ الناس من سبات الجهل والغفلة. وكان المسلمون من خلال الفتوحات الكبيرة التي استولوا خلالها على الكثير من البلدان الشاسعة طوال القرن الهجري الأول يواجهون في كل يوم أفكاراً جديدة وديانات أخرى. وبعد انخفاض حدّة الحروب نسبياً بدأ التبادل الثقافي بين الإسلام والأديان والحضارات الأخرى في إيران وروما واليونان، وأخذ المسلمون يترجمون أفكار الأمم الأخرى إلى اللغة العربية، وبلغ هذا النشاط الفكري ذروته في عهد هارون الرشيد والمأمون([27]).

قام المسلمون بأخذ علومٍ من قبيل: الطب، والرياضيات، والنجوم، والعلوم الطبيعية، والفلسفة، من اليونان، وأضافوا لها الكثير من عندهم، وعملوا على تطويرها، حتى بلغوا بها الذروة في بضعة قرون، حتّى تمكن المسلمون خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين من تصنيف أفضل الكتب في مجال الطبّ (مثل: كتاب القانون، لابن سينا)، وفي مجال الفلسفة (مثل: كتاب الشفاء، لابن سينا)، والرياضيات، والنجوم، وما إلى ذلك.

وقد أفضت عملية ترجمة بعض أفكار غير المسلمين في مجال مختلف العلوم ونقلها إلى البلاد الإسلامية مترامية الأطراف إلى حصول ما يبدو تعارضاً بين ظاهر بعض آيات القرآن والعلوم الحديثة.

وقد اختار العلماء المسلمون منذ القرون الأولى للإسلام سلوك طريقين؛ من أجل رفع هذه المعضلة:

أـ الردّ على المطالب الباطلة في هذه العلوم، في إطار إرشاد الناس وهدايتهم؛ إذ كان الكثير من المباني الفلسفية والعلمية المستوردة من الإغريقيين قابلاً للطعن والإشكال. وفاقم الأمر أن هذه المطالب كانت من جهةٍ أخرى معارضة لدين الإسلام. من هنا تم تأليف كتب من قبيل: تهافت الفلاسفة، لأبي حامد الغزالي، ومفاتيح الغيب، للفخر الرازي.

ب ـ تطبيق آيات القرآن على العلوم التجريبية الإغريقية؛ لإثبات أن القرآن على حقٍّ، وأن ما جاء به من المفاهيم العلمية صحيحٌ. من هنا تمّ تطبيق الآيات القرآنية من قبيل: حمل (السماوات السبع)([28]) على السيارات السبع في علم النجوم عند الإغريق. ومن هنا ظهر أسلوب التفسير العلمي، وبدأ بالتطور التدريجي.

بَيْدَ أن هذا الأسلوب التفسيري ـ الذي كان على الدوام مقروناً باجتذاب الطبقة الشابّة من الدارسين ـ لم يكن في تطوّره على وتيرةٍ واحدة على مرّ القرون، بل كان يبلغ الذروة تارةً في ظل بعض الظروف، ويفقد بريقه في فتراتٍ أخرى.

وقد مرّ هذا الأسلوب التفسيري بثلاث مراحل رئيسة يمكن إجمالها كما يلي:

المرحلة الأولى: تبدأ من القرن الثاني تقريباً، وتستمرّ إلى القرن الهجري الخامس([29])، حيث بدأت بترجمة التراث الإغريقي إلى اللغة العربية، وسعى عددٌ من المسلمين إلى تطبيق آيات القرآن على علم الهيئة البطليموسية (من أمثال: ابن سينا)، حيث نرى نماذج من تدوين التفسير العلمي في مؤلَّفات ابن سينا (370 ـ 428هـ).

المرحلة الثانية: تبدأ هذه المرحلة من القرن الهجري السادس، حيث مال بعض العلماء إلى القول بنظرية اشتمال القرآن على جميع العلوم، وأن بالإمكان استخراج جميع العلوم من القرآن الكريم (وكان أبو حامد الغزالي على رأس القائلين بهذا الرأي). وقد استمرّ هذان النوعان من التفسير العلمي (أي تطبيق القرآن على العلوم، واستخراج العلوم من القرآن الكريم) لقرون، وفي كل فترةٍ كان العلماء المسلمون يتناولون هذا الأسلوب بالبحث والنقاش، وينقسمون حوله بين موافق ومخالف.

المرحلة الثالثة: وقد أدَّت إلى حدوث قفزة نوعية كبيرة وجبارة في هذا الأسلوب من التفسير، حيث ظهر هذا النوع من التفسير في القرن الثامن عشر للميلاد، إثر التطوُّر العملاق الذي شهدته العلوم التجريبية في العالم الغربي، وتمّت ترجمة مختلف الكتب في مجال علم الفيزياء والكيمياء والطب والفلك إلى اللغة العربية. وقد تركت هذه المرحلة الجديدة بتأثيرها ـ ولا سيَّما في القرن الأخير ـ على العالم الإسلامي، وخاصّة في مصر والهند، الأمر الذي دعا العلماء والمفكرين من المسلمين إلى العمل على تطبيق القرآن على العلوم التجريبية. وقد بلغت هذه المسألة ذروة الأهمية عندما تأوّجت ظاهرة التعارض بين العلم والدين في أوروبا، وبدأ الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) يشهد انحساراً وتراجعاً يومياً في ظلّ التعارض المحتدم بينه وبين العلوم التجريبية الحديثة، الأمر الذي خلق بيئةً خصبة لظهور واستشراء الأفكار الإلحادية والمناهضة للدين. وقد أدّى هجوم هذه الأفكار على البلدان الإسلامية، محمولةً على متن التفوّق الصناعي الغربي، إلى اجتذاب الشباب المسلم وانبهاره بالثقافة والحضارة الغربية.

وفي خضمّ ذلك برز عددٌ من العلماء المسلمين ـ بسبب غيرتهم على الإسلام والقرآن ـ إلى الدفاع عن القرآن. وبالالتفات إلى الانسجام بين العلم والدين من وجهة نظر الإسلام فقد دخل العلماء في حلبة المعترك؛ ليثبتوا أن آيات القرآن لا تتعارض مع العلوم الجديدة، بل إنها على العكس من ذلك تثبت المعطيات العلمية، الأمر الذي من شأنه أن يؤكد اشتمال القرآن على الإعجاز العلمي أيضاً. من هنا فقد عملوا على توظيف العلوم في فهم القرآن، وألَّفوا الكتب في موضوع التفسير العلمي.

وبما أن البعض قد سلك سبيل الإفراط ـ في هذا الشأن ـ، وانجذب نحو الثقافة الغربية تماماً، وأخذ يعمل على تأويل الآيات القرآنية وتفسيرها برأيه([30])، وحيث إن المباني والقواعد التفسيرية لهذا الأسلوب لم تأخذ نصيبها من البحث والنقاش الكامل، فقد تعرَّضوا للانحراف، أو إن عدداً من المغرضين منهم قد عمدوا في إثبات أفكارهم المنحرفة إلى الإغراق في التفسير العلمي والتأويل الاعتباطي، الأمر الذي أثار حفيظة بعض المسلمين، ودفعهم إلى أخذ موقف متشدّد من التفسير العلمي، ومهاجمته بجميع أنواعه، واعتباره نوعاً من التفسير بالرأي، أو التأويل الخاطئ لآيات القرآن الكريم.

وفي البين سلك الكثير من العلماء والمفكّرين والمفسّرين في إيران ومصر طريق الإنصاف، وفصّلوا بين أنواع التفسير العلمي وأهداف القائلين به، وبعبارةٍ أخرى: قالوا بالتفصيل.

وباختصارٍ يمكن تلخيص الأسباب التي أدت إلى ظهور واتساع رقعة هذا الأسلوب التفسيري بين المسلمين في ما يلي:

1ـ اهتمام القرآن بالعلم، وذكر الأمثلة العلمية، والدعوة إلى التفكير والتدبّر في الآيات الإلهية في السماوات والأرض وفي نفس الإنسان، الأمر الذي أدى إلى ازدهار العلوم والتعاليم ومقارنتها بآيات القرآن الكريم.

2ـ ترجمة التراث الفكري في العلوم الطبيعية والفلسفية من اليونان والروم وإيران إلى اللغة العربية، ونشر هذا التراث بين المسلمين منذ القرن الهجري الثاني.

3ـ التصوّر القائل بأن القرآن الكريم يشتمل على جميع العلوم، وأن علينا استخراج هذه العلوم من الآيات القرآنية.

4ـ الاهتمام بالعلوم الطبيعية والاكتشافات الجديدة، من أجل إثبات الإعجاز العلمي للقرآن، الأمر الذي ساعد على ازدهار وتطوّر التفسير العلمي.

5ـ انتصار أصالة الحسّ في أوروبا، وتأثيرها على أفكار المسلمين، وظهور بعض الجماعات الالتقاطية أو المنحرفة بين المسلمين، الأمر الذي أدّى إلى تأويل وتطبيق الآيات القرآنية([31]).

6ـ إن اندفاع العلماء المسلمين إلى مواجهة الهجمات الغربية على الدين، والترويج لفكرة تعارض العلم والدين، قد أدى إلى إدخال الآراء القائلة بانسجام الآيات القرآنية مع العلوم التجريبية في التفاسير والكتب.

الجذور التاريخية لأهمّ الآراء والمؤلَّفات في مجال التفسير العلمي

شاع بين المفسرين والمفكرين والعلماء المسلمين بشأن التفسير العلمي للقرآن ثلاثة آراء مختلفة، نشير إليها باختصارٍ، آخذين مسارها التاريخي بنظر الاعتبار:

الرأي الأول: الموافقون على التفسير العلمي

هناك جماعةٌ من المفسرين للقرآن والفلاسفة والمفكرين، والكثير من المختصين في العلوم التجريبية، يؤيّدون التفسير العلمي، وقد استفادوا من العلوم التجريبية في تفسير آيات القرآن الكريم، ومن هؤلاء:

1ـ الشيخ الرئيس ابن سينا، الفيلسوف والطبيب الشهير. فقد حمل كلمة «العرش» في قوله تعالى: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ (الحاقّة: 17) على الأفلاك (أي الأفلاك التسعة في الهيئة البطليموسية)؛ وحمل كلمة «الملائكة» الثمانية على الأفلاك الثمانية (أي: القمر والشمس والزهرة وعطارد وزحل والمشتري والمريخ والفلك الثوابت)([32]).

2ـ وقال أبو حامد الغزالي(505هـ) في كتابه إحياء علوم الدين: «قال بعض العلماء: لكل آية ستون ألف فهم، وما بقي من فهمها أكثر؛ وقال آخرون: القرآن يحوى سبعة وسبعين ألف علم ومئتي علم؛ إذ كل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف؛ إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومطلع»([33]).

وقال في كتاب (جواهر القرآن): «إن العلوم وراء هذه كثيرة كعلم الطب والنجوم وهيئة العالم وهيئة بدن الحيوان وتشريح أعضائه وعلم السحر والطلسمات وغير ذلك، فاعلم أنا إنما أشرنا إلى العلوم الدينية التي لا بُدَّ من وجود أصلها في العالم حتّى يتيسّر سلوك طريق الله تعالى والسفر إليه»([34]).

3ـ عمد الفخر الرازي(606هـ) في التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) إلى تطبيق بعض المسائل العلمية على آيات القرآن. فقد استدل بقوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً﴾ (البقرة: 22) على سكون الأرض([35]). وعلى هامش تفسير الآية 164 من سورة البقرة بحث في الفلكيات القديمة، وآراء بطليموس وقدماء الهند والصين وبابل ومصر والروم والشام.

4ـ وذهب ابن أبي الفضل المرسي(570 ـ 655هـ) إلى الاعتقاد قائلاً: «جمع القرآن علوم الأوَّلين والآخرين… وقد أحتوى على علوم أُخَر من علوم الأوائل، مثل: الطّب، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر، والمقابلة، والنجامة، وغير ذلك من العلوم… وذكر آيات للخياطة والنجارة والصيد والحدادة والزراعة والملاحة»([36]).

5ـ وذهب بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي(764هـ)، صاحب كتاب (البرهان في علوم القرآن)، إلى الاعتقاد بإمكانية استخراج جميع العلوم من القرآن الكريم أيضاً. حيث استنبط عمر السيد المسيح×، إذ قال: قوله تعالى مخبراً عن عيسى: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾ (مريم: 30 ـ 33) ثلاث وثلاثون كلمة، وعمره الشريف ثلاث وثلاثون سنة([37]).

6ـ ذهب جلال الدين السيوطي(911هـ)، صاحب كتاب (الإتقان في علوم القرآن)، إلى القول باشتمال القرآن الكريم على جميع العلوم أيضاً. فعلى سبيل المثال: عمد إلى توظيف قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ (المنافقون: 11)، الوارد في بداية سورة المنافقين([38])، وتسلسل هذه السورة في القرآن هو (63)؛ ليستفيد منها عمر النبيّ الأكرم‘، حيث فارق الحياة عن ثلاثٍ وستين سنة([39]).

7ـ تحدّث محمد باقر المجلسي(1111هـ)، صاحب موسوعة (بحار الأنوار)، في بعض أجزاء هذا الكتاب القيّم حول مسائل بشأن السماوات. كما قام في الكثير من الموارد بالتفسير العلمي. ومن ذلك: ما قاله في تفسير الآية 29 من سورة البقرة: «(هُنَّ) ضمير السماء… بدل أو تفسير، والسبع لا ينافي التسع التي أثبتها أصحاب الأرصاد؛ إذ الثامن والتاسع مسميان في لسان الشرع بالكرسي والعرش»([40]).

8ـ كما احتمل كلٌّ من: صدر المتألهين الشيرازي(1050هـ)، الفيلسوف الشهير، في تفسيره([41])، وكذلك الملاّ هادي السبزواري، الفيلسوف الشهير، في كتابه (شرح المنظومة) ([42])، ما تقدّم بشأن السماوات السبع والعرش والكرسي.

9ـ تعرّض السيد عبد الرحمن الكواكبي(1320هـ) في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) في الكثير من الموارد إلى تطبيق القرآن على العلوم التجريبية. وقد استدل لانفصال القمر عن الأرض (طبقاً لنظريات علماء الفلك) بالآية 1 من سورة القمر، والآية 41 من سورة الرعد([43]).

10ـ السيد أحمد خان الهندي(1817 ـ 1898م) والسيد أمير علي (1265 ـ 1347هـ)، وكلاهما من علماء الهند، وقد قاما بتأسيس جامعة خاصة بالتفسير العلمي في مدينة (عليكرة)، فسّرا الصلاة والصوم والزكاة والحج على أساس ما يترتب عليها من الفوائد الجسدية والاجتماعية، بل كانا يعتبران حتّى الظواهر الطبيعية، من قبيل: الماء والهواء والغيوم، ملائكةً، وأنكرا إمكان وقوع المعجزة أو تأثير الدعاء. وقد خالف السيد جمال الدين الأسدآبادي تفسيرهما في الهند([44]).

11ـ الدكتور محمد بن أحمد الإسكندراني، في كتابه (كشف الأسرار النورانية القرآنية في ما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنبات والجواهر المعدنية (طبعة عام 1880م)، يعتبر من طلائع التفسير العلمي في العصر الحديث. وقد اعتبره العلامة معرفت كتاباً هامّاً في هذا الشأن، وقد اشتمل على آراء العلماء قديماً وحديثاً([45]).

12ـ الشيخ طنطاوي جوهري (المولود سنة 1862م)، صاحب تفسير (الجواهر في تفسير القرآن)، يمكن اعتبار تفسيره ذروة الاستفادة من العلوم في تفسير القرآن الكريم. فقد عمد في الكثير من الموارد إلى توظيف مختلف العلوم في تفسير القرآن، ومن ذلك: علم تحضير الأرواح، حيث استخرجه من الآيات التي تتحدّث عن بقرة بني إسرائيل([46]). وقد أقحم في كلّ مبحث تفسيري الكثير من العلوم الحديثة في تضاعيف تفسيره([47]).

وقال الأستاذ الشيخ معرفت في نقد هذا الكتاب: «وهكذا نراه يستخرج كثيراً من علوم القرآن بواسطة حساب الجمل، الذي لا نكاد نصدّق بأنه يوصل إلى حقيقة ثابتة… هذا وإنا نجد المؤلف يُفسّر آيات القرآن تفسيراً يقوم على نظريات علمية حديثة غير مستقرة في ذاتها، ولم تمْضِ فترة التثبّت منها. وهذا ضرب من التكلُّف ارتكبه المؤلف، إنْ لم يكن يذهب بغرض القرآن أحياناً»([48]).

13ـ عبد الرزاق نوفل، كاتب مصري، له في الحدّ الأدنى خمسة كتب في مجال التفسير العلمي، من قبيل: «القرآن والعلم الحديث»، و«الله والعلم الحديث»، و«الإسلام والعلم الحديث»، و«بين الدين والعلم»، و…

14ـ السيد هبة الدين الشهرستاني(1301 ـ 1369هـ)، في كتابه (الهيئة والإسلام)، استفاد حركة الأرض([49]) من قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً﴾ (طه: 53؛ الزخرف: 10)، وذهب إلى القول: «بيان تصديق وتأييد العلوم والاكتشافات الجديدة من طريق الدين وكلام العلماء يستوجب تعزيز إيمان الناس»([50]).

15 ـ كما أن بعض المؤلفين المعاصرين في إيران قد كتبوا في موضوع التفسير العلمي، ومنهم: السيد محمود الطالقاني في تفسيره (پرتوي أز قرآن)؛ ومحمد تقي شريعتي في (تفسير نوين)؛ وحجة الإسلام اهتمام في (فلسفه أحكام)؛ والدكتور پاك نجاد في كتابه (أولين دانشگاه وآخرين پيامبر)؛ والمهندس مهدي بازرگان في كتبه: (راه طي شده)، و(باد وباران در قرآن)، و(مطهرات در إسلام)؛ ومحمد علي رضائي إصفهاني في كتبه: (در آمدي بر تفسير علمي قرآن) عام 1375هـ.ش، و(پژوهشي در إعجاز علمي قرآن) عام 1381هـ.ش، و(إشارات علمي إعجاز آميز قرآن) عام 1383هـ.ش؛ وناصر رفيعي في كتابه (تفسير علمي قرآن) عام 1382هـ.ش، وآخرين.

مناقشةٌ وتحليل

يمكن تقسيم هؤلاء الأشخاص إلى عدّة مجموعات، ولكل مجموعة منهم أهدافها الخاصة.

1ـ هناك مَنْ سعى إلى تكوين فهم أفضل للقرآن من خلال العلوم التجريبية، بل عمدوا إلى بيان شرائط وضوابط التفسير العلمي، مع تجنّب الإفراط والتفريط، من أمثال: الدكتور پاك نجاد في كتابه (أولين دانشگاه وآخرين پيامبر)، والدكتور محمد علي رضائي إصفهاني في (تفسير علمي قرآن).

2ـ هناك مَنْ يسعى إلى إثبات الإعجاز العلمي للقرآن، فادعى ـ على سبيل المثال ـ الإعجاز العلمي في مورد قانون الزوجية العام، والزوجية في النباتات، ومن هؤلاء: مصطفى صادق الرافعي(1938م) في كتابَيْه: (إعجاز القرآن)؛ و(البلاغة النبوية)، والدكتور محمد علي رضائي إصفهاني في (پژوهشي در إعجاز علمي قرآن)([51]).

3ـ هناك جماعة بصدد إثبات أهمية العلم من وجهة نظر الإسلام. ومن هؤلاء: السيد طنطاوي جوهري، والسيد هبة الدين الشهرستاني. وقد تقدَّم أن ذكرنا كلماتهم في هذا الشأن.

4ـ الأشخاص الذين حاولوا استخراج مختلف العلوم من القرآن الكريم، من أمثال: الشيخ محمد الغزالي، والمرسي، والزركشي، والسيوطي، وطنطاوي. وكان الدليل الأهم لأكثر هؤلاء الأشخاص هو القول بوجود جميع العلوم في القرآن الكريم، ولذلك يمكن استخراج هذه العلوم من خلال التدقيق والتمعّن في الآيات واستخدام الأدوات والأساليب الخاصة والاستعانة بسائر العلوم الأخرى.

5ـ الأشخاص الذين طبقوا النظريات الظنية للعلوم على آيات القرآن الكريم. ويمكن لنا أن نذكر من هؤلاء: الفخر الرازي (في ما يتعلق باستفادة سكون الأرض من الآية 22 من سورة البقرة)، والعلامة المجلسي، وصدر المتألهين الشيرازي، والسيد عبد الرحمن الكواكبي، وعبد الرزاق نوفل.

وقد عمد بعض هؤلاء الأشخاص ـ بطبيعة الحال ـ إلى تحميل النظريات العلمية على القرآن الكريم. ومن ذلك: ما ذهب إليه عبد الرزاق نوفل بشأن قول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ (الأعراف: 189)، حيث قال: إن المراد من النفس الواحدة هو البروتون، والزوج هو الإلكترون، وإن هذين العنصرين هما اللذان يكوّنان الذرّة. واعتبر ذلك دليلاً على الإعجاز العلمي للقرآن([52]). وبطبيعة الحال من الواضح أن هذا التفسير لا ينسجم مع المعاني اللغوية والاصطلاحية وظاهر الآية، بل هو نوعٌ من تحميل الرأي على القرآن، وهو نوعٌ من التفسير بالرأي.

6ـ هناك مَنْ سعى إلى إثبات أفكاره المنحرفة من خلال توظيف العلوم التجريبية، وقام بإنكار معجزات الأنبياء المذكورة صراحةً في القرآن الكريم. ويمكن لنا أن نذكر من هؤلاء: السيد أحمد خان الهندي، والسيد أمير علي، ورشيد رضا (1865 ـ 1935م)، في تفسير المنار.

فقد ذهب رشيد رضا في تفسير الآية 243 من سورة البقرة إلى تفسير موت الأشخاص بفقدانهم للاستقلال، وحياتهم بعودة الاستقلالية إليهم ورجوع القوّة مجدّداً([53]). كما فسّر إحياء الطيور الأربعة في الآية 260 من سورة البقرة، في معرض تفسيره لقصّة النبي إبراهيم×، بتربيتها واستئناسها([54]). في حين أن هذا النوع من التفسير مخالفٌ لظاهر الآيات، ويُعَدّ نوعاً من التفسير بالرأي.

وربما كانت هذه الإشكالات هي التي دعت بعض المفسّرين، من أمثال: العلامة الطباطبائي&، إلى رفض تطبيق القرآن على العلوم التجريبية([55]).

الرأي الثاني: المخالفون للتفسير العلمي

1ـ أبو إسحاق الشاطبي الأندلسي(790هـ)، الفقيه المالكي، أنكر التفسير العلمي في كتاب الموافقات، وردّ على أدلة القائلين بالتفسير العلمي؛ إذ يقول: «إن العرب كان لها اغتناء بعلوم ذكرها الناس… ثم ذكر من العلوم الصحيحة التي كان للعرب اعتناء بها: علم النجوم وما يختص به من الاهتداء في البر والبحر، واختلاف الأزمان باختلاف سيرها… وذكر علم الأنواء، وأوقات نزول الأمطار، وإنشاء السحاب، وهبوب الرياح المثيرة لها… وذكر من العلوم التى عني بها العرب، وأكثرها باطل أو جميعها: علم القيافة، والزجر، والكهانة، وخط الرمل، والضرب بالحصى، والطَيْرة، قال: (فأبطلت الشريعة من ذلك الباطل، ونهت عنه، كالكهانة، والزجر، وخط الرمل)… ثم بعد هذا البيان الذي أوضح فيه الشاطبي أن الشريعة في تصحيح ما صححت وإبطال ما أبطلت قد عرضت من ذلك إلى ما تعرفه العرب من العلوم»([56]).

وقال بعد ذلك في موضع آخر: «إن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه ما يُذكر للمتقدّمين والمتأخّرين من علوم الطبعيات والتعاليم، كالهندسة وغيرها من الرياضيات، والمنطق وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها. وهذا إذا عرضناه على ما تقدَّم لم يصح… ثم يصحح الشاطبي رأيه هذا ويحتج له بما عُرِف عن السَلَف من نظرهم في القرآن فيقول: …إن السَّلَف الصالح ـ من الصحابة والتابعين ومَنْ يليهم ـ كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أُودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحدٌ منهم في شيء من هذا المدَّعى سوى ما تقدَّم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك»([57]).

ثم قام بردّ أدلة القائلين بالتفسير العلمي، كالاستناد إلى آيات القرآن، من قبيل: قوله تعالى: ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89)، و﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ (الأنعام: 38)، قائلاً: «أما الآيات فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبّد، والمراد بالكتاب في آية (اللوح المحفوظ)، وفواتح السور، فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهداً، كعدد الجمل الذي تعرَّفوه من أهل الكتاب حَسْب ما ذكره أصحاب السير، أو هي من المتشابهات»([58]).

2ـ الشيخ محمود شلتوت (1893 ـ 1963م)، من علماء الأزهر الشريف في مصر الكنانة، هاجم التفسير العلمي في مقالاتٍ كتبها في مجلة الرسالة عام 1941م، حيث كان يذهب إلى الاعتقاد بخطأ هذا التفسير؛ وذلك أوّلاً: لأن القرآن الكريم لم ينزل لبيان نظريات العلوم والفنون؛ وثانياً: إن هذه الطريقة تؤدي إلى تأويل القرآن بشكل متكلف (تحميلي)، وهذا النوع من التأويلات يتنافى مع إعجاز القرآن والذوق السليم؛ وثالثاً: إن هذا النهج يؤدي بالقرآن إلى السعي في كل زمان ومكان وراء مسائل العلوم، في حين إن العلوم ليس لها حالة استقرار وثبات، وليس لديها ما تقوله بضرس قاطع، وقد تعمل اليوم على إثبات شيءٍ لتنقضه في اليوم التالي، ومن هنا سوف تتسلل أخطاء العلوم إلى القرآن، وسوف نضطر إلى التصدّي والدفاع باستمرار (رغم وجود إشارات في القرآن إلى العلوم والفنون).

ثم استطرد في بيان بعض الموارد من الأخطاء في التفسير العلمي، التي أدّت إلى استخراج مسائل عجيبة من آيات القرآن الكريم([59]).

3ـ الدكتور الذهبي، من أساتذة علوم القرآن والحديث في الأزهر الشريف في مصر، مؤلِّف كتاب (التفسير والمفسرون)، ويعدّ من العلماء المعاصرين في مصر، قال في معرض تأييده لرأي الشاطبي في الاعتراض على التفسير العلمي: «أما أنا فاعتقادي أن الحق مع الشاطبي&؛ لأن الأدلة التي ساقها لتصحيح مُدَّعاه أدلة قوية، لا يعتريها الضعف، ولا يتطرق إليها الخلل؛ ولأن ما أجاب به على أدلة مخالفيه أجوبة سديدة دامغة لا تثبت أمامها حججهم، ولا يبقى معها مُدَّعاهم»([60]).

4ـ ذكر بعض العلماء في بعض المؤلَّفات بوصفهم من المخالفين للتفسير العلمي، ونذكر منهم([61]):

أ ـ الأستاذ أمين الخولي(1956م).

ب ـ الأستاذ عباس محمود العقّاد(1964م).

ج ـ الأستاذ محمد عزّة دروزة (المولود سنة 1888م).

د ـ الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني، مؤلّف كتاب (مناهل العرفان في علوم القرآن).

وبعد مراجعة الأدلة التي يسوقها هؤلاء الأشخاص ندرك أنهم لم يضيفوا شيئاً جديداً إلى ما قاله الشاطبي. ولا بُدَّ من التنبيه إلى أن الأستاذ عباس محمود العقّاد في كتابَيْه: (الإنسان في القرآن)، و(القرآن ومدرسة التكامل)، تناول التفسير العلمي بالبحث، وعليه لا يمكن عدُّه من المخالفين للتفسير العلمي بالمطلق.

مناقشةٌ وتحليل

من خلال التدقيق في كلمات المخالفين للتفسير العلمي يتضح أنهم إنما خالفوا نوعاً خاصاً من التفسير العلمي، وهو المتمثِّل باستخراج العلوم من القرآن، أو تحميل النظريات العلميّة على القرآن، حيث نجد إشكالاتهم في هذا الشأن واردةً ومتينة، ولم يتمكّن أحدٌ من الردّ عليها وإبطالها. بَيْدَ أن القائلين بالتفصيل في التفسير العلمي قد سعوا من خلال بيان بعض المعايير إلى العمل على تقديم تفسير علمي معتدل أو توظيف العلوم القطعية في فهم القرآن؛ كي يدفعوا بذلك إشكالات المخالفين.

الرأي الثالث: القول بالتفصيل في التفسير العلمي

ذهب بعض المفسرين وعلماء الإسلام إلى القبول بقسمٍ من التفسير العلمي ضمن شروط محدَّدة، ورفضوا قسماً آخر منه. وهذا يعني القول بالتفصيل في التفسير العلمي. ومن بين القائلين بهذا التفصيل يمكن أن نذكر الأسماء التالية:

1 ـ سيد قطب (1906 ـ 1966م)، مفكّر إسلامي مصري، مؤلّف كتاب في ظلال القرآن. أشكل سيد قطب في كتابه التفسيري (في ظلال القرآن) على التفسير العلمي، قائلاً: «وإني لأعجب لسذاجة المتحمّسين لهذا القرآن، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصده، وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطبّ والكيمياء والفلك وما إليها، كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه»([62]).

ثم تعرّض إلى نوعين من التفسير والفهم للآيات العلمية للقرآن، وقال بجواز أحد هذين النوعين، وعدم جواز الآخر.

ومثّل للنوع غير الجائز بتطبيق نظرية التكامل على قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ (المؤمنون: 12)، وردَّ ذلك بإمكان أن تتغير هذه النظرية.

ومثّل للنوع الجائز من التفسير العلمي بقوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ (الفرقان: 12)، قائلاً: تكشف الملاحظات العلمية أن هناك موافقات دقيقة وتناسقات ملحوظة بدقة في هذا الكون… الأرض بهيئتها هذه، وببعد الشمس عنها هذا البعد، وبعد القمر عنها هذا البعد، وحجم الشمس والقمر بالنسبة لحجمها، وبسرعة حركتها هذه، وبميل محورها هذا، وبتكوين سطحها هذا… وبآلاف من الخصائص… هي التي تصلح للحياة وتوائمها… فليس شيءٌ من هذا كله فلتة عارضة ولا مصادفة غير مقصودة… هذه الملاحظات تفيدنا في توسيع مدلول: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾، وتعميقه في تصورنا… فلا بأس من تتبُّع مثل هذه الملاحظات لتوسيع هذا المدلول وتعميقه([63]).

2ـ محمد مصطفى المراغي (1881 ـ 1945م)، شيخ جامع الأزهر الشريف، ومن كبار العلماء في مصر والسودان، كان من بين العلماء الذين اتّخذوا موقفين مختلفين من التفسير العلمي؛ إذ قال في مقدمته على كتاب (الإسلام والطب الحديث)، لعبد العزيز إسماعيل: «لست أريد من هذا ـ يعني ثناءه على الكتاب ومؤلّفه ـ أن أقول: إن الكتاب الكريم اشتمل على جميع العلوم جملة وتفصيلاً بالأسلوب التعليمي المعروف، وإنما أريد أن أقول إنه أتى بأصول عامة لكل ما يهم الإنسان معرفته به، ليبلغ درجة الكمال جسداً وروحاً، وترك الباب مفتوحاً لأهل الذِكر من المشتغلين بالعلوم المختلفة ليبينوا للناس جزئياتها بقدر ما أوتوا منها في الزمان الذي هم عائشون فيه»([64]).

ليقول في الختام: «يجب أن لا نجر الآية إلى العلوم كي نُفسِّرها، ولا العلوم إلى الآية، ولكنْ إنْ اتفق ظاهر الآية مع حقيقة علمية ثابتة فسّرناها بها».

وقد قام المراغي في الكثير من مواضع تفسيره بانتهاج أسلوب التفسير العلمي. ومن ذلك: تفسيره كلمة «العَمَد» في الآية الشريفة من سورة لقمان: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ (لقمان: 10) بقانون الجاذبيّة([65]).

3ـ أحمد عمر أبو حجر، صاحب كتاب (التفسير العلمي في الميزان)، حيث ذكر في هذا الكتاب أدلة الموافقين والمخالفين للتفسير العلمي، وصار في نهاية المطاف إلى القول بالتفصيل في التفسير العلمي، إذ يقول: «والذي تطمئن إليه النفس بعد النظر في وجهة نظر الفريقين هو أن الذين ينادون بإبعاد القرآن عن التفسير العلمي مصيبون كل الإصابة إذا كان هذا التفسير قائماً على الظنّ والوَهْم أو التعسُّف في التأويل؛ أما إذا كان مستنداً إلى الصريح من القول، معتمداً على اليقين الثابت من العلم، فليس هناك ما يمنع من الاستفادة بنور العلم في إيضاح حقائق القرآن»([66]).

وقال في موضعٍ آخر: «إنما نذهب مذهب الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط؛ لأنه ما دام القرآن كلام الله، والكون خلق الله، فلا بُدَّ أن تنسجم آيات القرآن مع حقائق العلم»([67]).

4ـ العلامة الطباطبائي(1360هـ.ش)، صاحب كتاب (الميزان في تفسير القرآن)، وهو من كبار مفكّري ومفسري وفلاسفة الشيعة في الوقت الراهن. قال سماحته بشأن التفسير العلمي: «نشأ في هذه الأعصار مسلك جديد في التفسير، وذلك أن قوماً من منتحلي الإسلام إثر توغُّلهم في العلوم الطبيعية وما يشابهها، المبتنية على الحسّ والتجربة، والاجتماعية المبتنية على تجربة الإحصاء، مالوا إلى مذهب الحسّيين من فلاسفة أوروبا سابقاً، أو إلى مذهب أصالة العمل: (لا قيمة للإدراكات إلاّ ترتُّب العمل عليها بمقدار يعينه الحاجة الحيوية بحكم الجبر)، فذكروا أن المعارف الدينية لا يمكن أن تخالف الطريق الذي تصدقه العلوم، وهو أن لا أصالة في الوجود إلا للمادة وخواصها المحسوسة، فما كان الدين يخبر عن وجوده مما يكذب العلوم ظاهره، كالعرش و الكرسي و اللوح و القلم، يجب أن يؤوَّل تأويلاً، وما يخبر عن وجوده مما لا تتعرَّض العلوم لذلك، كحقائق المعاد، يجب أن يوجَّه بالقوانين المادية، وما يتّكي عليه التشريع من الوحي والملك والشيطان والنبوة والرسالة والإمامة وغير ذلك إنما هي أمور روحية، والروح مادية ونوع من الخواص المادية، والتشريع نبوغ خاصّ اجتماعي يبني قوانينه على الأفكار الصالحة، لغاية إيجاد الاجتماع الصالح الراقي. ذكروا أن الروايات؛ لوجود الخليط فيها، لا تصلح للاعتماد عليها، إلاّ ما وافق الكتاب، وأما الكتاب فلا يجوز أن يبنى في تفسيره على الآراء والمذاهب السابقة المبتنية على الاستدلال من طريق العقل الذي أبطله العلم بالبناء على الحسّ والتجربة، بل الواجب أن يستقل بما يعطيه القرآن من التفسير إلا ما بيَّنه العلم»([68]).

ثم استطرد العلامة الطباطبائي قائلاً: «إنما الكلام في أن ما أوردوه على مسالك السلف من المفسرين (إن ذلك تطبيق، وليس بتفسير) واردٌ بعينه على طريقتهم في التفسير»([69]).

بَيْدَ أن العلاّمة نفسه قام في تفسيره لبعض آيات القرآن بالاستفادة من العلوم التجريبية وما يترتب عليها من النتائج، كما نجد ذلك في كلامه في معرض تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (الأنبياء: 30)، إذ قال: «المراد أن للماء دخلاً تاماً في وجود ذوي الحياة… وقد اتضح ارتباط الحياة بالماء بالأبحاث العلمية الحديثة»([70]).

وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ (الذاريات: 47): «من المحتمل أن يكون (موسعون) من أوسع في النفقة، أي كثرها، فيكون المراد توسعة خلق السماء، كما تميل إليه الأبحاث الرياضية اليوم»([71]).

سيأتي في المباحث القادمة أن هذين النوعين من تعاطي العلاّمة تجاه التفسير العلمي يعود إلى أن التفسير العلمي على أنماط مختلفة، لا يمكن إصدار حكم واحدٍ بشأنها. من هنا يمكن تصنيف العلامة الطباطبائي في عداد القائلين بالتفصيل في مجال التفسير العلمي.

5ـ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، صاحب كتاب (تفسير نمونه)([72]). يتمّ تصنيف سماحته في عداد القائلين بالتفسير العلمي، ولكنْ بشكل معتدل؛ إذ قبل بالتفسير العلمي بأحد نوعيه، واستفاد من هذا النوع في الكثير من مواضع (تفسير نمونه)؛ لإثبات الإعجاز العلمي للقرآن([73]). وخالف النوع الآخر من التفسير العلمي، معتبراً إياه من التفسير بالرأي([74]).

وحيث وافق التفسير العلمي قال: «نشاهد أحياناً أن العلم يتدخل ويعمل على تفسير القرآن، ولا بُدَّ من التأكيد على أن المراد من العلم هنا هو الاكتشافات العلمية الثابتة والقطعية، وليس مجرد ما كان على مستوى النظرية؛ كي يُشكل بأن الفرضيات العلمية تتغير بتغيُّر الزمن، ولا يمكن تفسير القرآن الثابت بالفرضيات المتغيّرة. فعلى سبيل المثال: إن قانون الزوجية بين الذكر والأنثى في عالم النبات لم يكتشف إلا في القرن السابع عشر للميلاد، أو حركة الأرض حول نفسها، مما لم يعُدْ مجرد فرضية علمية يمكن أن تتغير بتغيُّر الزمن»([75]).

6ـ محمد هادي معرفت. يقول سماحته: «إذن فليست الشريعة دراسة طبيعية، ولم يكن القرآن كتاب علم بالذات، سوى إشارات عابرة جاءت في عرض الكلام، وإلماعات خاطفة وسريعة إلى بعض أسرار الوجود، وإلى طرف من كوامن أسباب الحياة، لكنْ إجمالاً، وفي غموض تامّ يعرفها العلماء الراسخون؛ إذ لم تصدر على سبيل القصد والبيان، وهي في نفس الوقت تنمّ عن خضمّ بحر لا ينفد، وعن مخزون علمٍ لا يتناهى»([76]).

يرى سماحته ضرورة العلوم القطعية والمعارف البشرية لفهم القرآن، وأن هناك إشارات علمية في القرآن لا يمكن فهم حقيقتها دون الاعتماد على العلوم، وقال في هذا الشأن: «إننا لا نحاول تطبيق آية قرآنية ذات حقيقة ثابتة على نظرية علمية غير ثابتة، وهي قابلة للتعديل والتبديل، وإنما مبلغ جهدنا الكشف عن حقائق وأسرار كونية انطوت عليها لفيفٌ من آيات الذكر الحكيم، كشفاً في ضوء العلم الثابت يقيناً، حَسْب ما وصلت إليه البشرية، مما لا يحتمل تغييراً أو تعديلاً في سيره، نظير: ما وصل إليه العلم من دورة المياه في الطبيعة، والجاذبية العامة، ودرجات ضغوط الأجسام، وما شابه»([77]).

وقال سماحته في موضعٍ آخر: «إن القرآن قطعي بخلاف العلوم، وعليه لا بُدَّ من تطبيق العلوم على القرآن، دون العكس، بمعنى أننا بالالتفات إلى الاكتشافات العلمية نفهم شيئاً من الآية، ولكنْ لا يمكن لنا القول بأن الآية تشير إلى هذه المسألة العلمية على نحو القطع واليقين، وإذا عمد شخص إلى القول بهذه النسبة على نحو القطع يكون قوله من التحميل غير الجائز»([78]).

وعليه من الواضح أن سماحته يحتمل الفرق بين إسناد العلوم التجريبية القطعية إلى القرآن، وتفسير القرآن بالعلوم التجريبية. كما يفرّق سماحته بين العلوم التجريبية القطعية وغير القطعية في التفسير العلمي. من هنا فقد ذكرنا سماحته ضمن قائمة القائلين بالتفصيل العلمي للقرآن. وقد أفرد سماحته الجزء السادس من كتابه (التمهيد في علوم القرآن) للتفسير العلمي والإعجاز العلمي للقرآن، وتعرّض إلى هذه المسائل بالتفصيل.

7ـ يُعدّ الشيخ جعفر السبحاني من المعتدلين في ما يتعلق بالتفسير العلمي. ويبدو ذلك من كلامه بشأن شرائط المفسّر، حيث قال: «إن الوعي الفلسفي والعلمي يشكّل مادة للتفتح الذهني واستنباط التعاليم القيّمة من القرآن الكريم (من شرائط تفسير القرآن بالمعنى الحقيقي للكلمة). لقد تقدّم الإنسان المعاصر خطوات كبيرة بشأن معرفة الأرض، والكون، والحيوان، والإنسان، وفتح آفاقاً جديدة في علم النفس والاجتماع. صحيحٌ أننا لا نستطيع القول: إن كل ما قلناه في هذه المقولة صحيح تماماً، بَيْدَ أن الإحاطة بمثل هذه الاكتشافات العلمية سبب في شحذ الذهن الفلسفي والعلمي لدى الإنسان، ويؤدي إلى ازدهار ذهن المفسّر، ويمنحه المقدرة الخاصة كي يستفيد من القرآن بشكلٍ أكمل. ليس القصد أن نستعين بالفلسفة الإغريقية أو الإسلامية أو العلوم الحديثة على تفسير القرآن، وتطبيق القرآن على هذه الأفكار غير المحصَّنة من الخطأ؛ لأن هذا لا يعدو أن يكون تفسيراً بالرأي الممنوع شرعاً وعقلاً»([79]).

وقد أشار سماحته في كتابه (برهان رسالت) إلى القرآن والعلم بشأن قانون الجاذبية، وكروية الأرض، وحركة الأرض، والأجرام السماوية، وزوجية النباتات، مستدلاًّ بذلك على إعجاز القرآن([80]). ورغم مخالفة سماحته تطبيق القرآن على العلوم الحديثة، يؤكِّد في الوقت نفسه على ضرورة توظيف الاكتشافات العلمية في تفسير القرآن (وعليه يبدو أنه يوافق على الاستعانة بالعلوم في فهم القرآن)، وهذا يُعدّ من القول بالتفصيل في التفسير العلمي.

8ـ التفصيل بين ثلاثة أنواع من التفسير العلمي للقرآن، وهي: استخراج العلوم من القرآن؛ وتحميل النظريات العلمية على القرآن؛ وتوظيف العلوم في فهم القرآن، على ما ذكرته في كتابي (در آمدي بر تفسير علمي قرآن). وسنذكره في ما يلي بمزيدٍ من التوضيح.

ـ يتبع ـ

الهوامش

(*) أستاذٌ وباحثٌ متخصِّصٌ في العلوم القرآنيّة، وعضو الهيئة العلميّة في جامعة المصطفى‘ العالميّة.

([1]) انظر: محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 6 ـ 26.

([2]) انظر: الراغب الإصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن، تاج العروس، مادة (فسر)؛ محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 4؛ عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 2: 192؛ الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 13.

([3]) experimental scinces.

([4]) natural scinces.

([5]) humantiles.

([6]) محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون 2: 474.

([7]) أمين الخولي، مناهج التجديد؛ وقد ذكر ذات هذا التعريف السيد محمد علي إيازي في كتابه (المفسرون حياتهم ومنهجهم): 93.

([8]) Rotraud Wielandt, Exegesis of the Quran: Early Moern and contemporary. In Excyclopadia of the Quran V: 2, pp. 141 – 142.

([9]) خالد عبد الرحمن العك، أصول التفسير وقواعده: 217.

([10]) فهد الرومي، اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 2: 549.

([11]) انظر: ناصر رفيعي محمدي، تفسير علمي قرآن 1: 140.

([12]) محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 12. وانظر أيضاً: محمد هادي معرفت، علوم قرآني: 342 فما بعد؛ محمد هادي معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2: 443.

([13]) لمزيدٍ من التوضيح انظر: محمد علي رضائي إصفهاني، در آمدي بر تفسير علمي قرآن: 274 و378.

([14]) انظر في هذا الشأن، على سبيل المثال: محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 83 ـ 85؛ ناصر مكارم الشيرازي، تفسير نمونه (الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل) 1: 131؛ 2: 432؛ 3: 3؛ 7: 64؛ 8: 289؛ 11: 410؛ 12: 275؛ 15: 568؛ 20: 289.

([15]) انظر في هذا الشأن: ناصر مكارم الشيرازي، تفسير نمونه (الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل) 5: 435؛ 8: 227؛ 10: 119؛ 11: 138؛ 15: 568.

([16]) انظر: محمد علي رضائي إصفهاني، پژوهشي در إعجاز علمي قرآن 1: 85.

([17]) محمد هادي معرفت، علوم قرآني: 342. وانظر أيضاً: محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 7 فما بعد.

([18]) محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 12.

([19]) انظر: المصدر السابق 6: 26.

([20]) انظر: محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 4: 22.

([21]) انظر: الإعجاز البياني: 65 ـ 68، نقلاً عن: محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 2: 24.

([22]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 57 ـ 67؛ محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 4: 23 و134.

([23]) محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 26 ـ 30.

([24]) كان مجموع عدد المتعلّمين سبعة عشر رجلاً، وبضعة نساء. انظر: فتوح البلدان 3: 580.

([25]) انظر: البقرة: 23.

([26]) انظر: الرعد: 2 فما بعد؛ يس: 38 فما بعد.

([27]) انظر: جرجي زيدان، تاريخ التمدّن الإسلامي 2: 153.

([28]) انظر: البقرة: 29.

([29]) وبطبيعة الحال هناك في بعض الروايات المأثورة عن أهل البيت^ إثارات علمية في تفسير آيات القرآن. ففي ما يتعلق بوجود 360 مشرق ومغرب في المعارج: 40 (انظر: الصدوق، معاني الأخبار: 221)، وأسماء السيارات في تفسير سورة التكوير: 15 ـ 16 (انظر: الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 677)، و…، مما يُعتبر واحداً من الموارد التفسيرية المأثورة عن أهل البيت^، بَيْدَ أنها ليست من التفسير العلمي المصطلح؛ إذ لا تعدّ توظيفاً للمعطيات العلمية في تفسير القرآن، بل يعمد فيها الأئمة من أهل البيت^ إلى بيان الأسرار العلمية الكامنة في الآية من خلال الاستعانة بعلم الإمامة، وبذلك يدخل هذا الأمر في دائرة التفسير الروائي.

([30]) أشار الأستاذ راترود ويلانت، في مقالةٍ له بعنوان: (تفسير القرآن في المرحلة الجديدة والمعاصرة)، إلى نماذج من هذه الموارد في تفاسير السيد أحمد خان الهندي، حيث ذهب فيها إلى تأويل وإنكار معجزات من قبيل: معراج القيامة، وتفسير (الجنّ) بالبدو وسكان الغابات. (دائرة معارف ليدن، المصدر)، كما فُسر الجنّ بالميكروبات (انظر: محمد عبده، تفسير الجزء الأخير من القرآن: 158).

([31]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 7 ـ 8.

([32]) انظر: رسائل ابن سينا: 124 ـ 125؛ محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون 2: 426.

([33]) أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين 1: 289 (الباب الرابع من أبواب آداب تلاوة القرآن).

([34]) أبو حامد الغزالي، جواهر القرآن: 25، الفصل الخامس. بَيْدَ أن الغزالي إنما ذكر هذا الكلام بوصفه قولاً قد يقوله قائلٌ، ولم يتبنَّه، فلاحِظ. (المعرِّب).

([35]) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب 2: 94.

([36]) انظر: محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون 2: 478 ـ 482؛ أحمد عمر أبو حجر، التفسير العلمي للقرآن: 159.

([37]) بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 181.

([38]) الصحيح أن هذه الآية قد وردت في نهاية السورة، وليس في بدايتها. (المعرِّب).

([39]) انظر: عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 2: 271 ـ 282؛ الإكليل في استنباط التنـزيل: 2.

([40]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 57: 5.

([41]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي (صدر المتألهين)، تفسير القرآن الكريم 2: 289 ـ 293.

([42]) انظر: الملاّ هادي السبزواري، شرح المنظومة: 269 (قسم الفلسفة).

([43]) انظر: عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد: 43 ـ 46.

([44]) انظر: بهاء الدين خرمشاهي، تفسير وتفاسير جديد: 59 ـ 71؛ تاريخ نهضت هاي ديني إسلامي معاصر: 143 ـ 146.

([45]) انظر: محمد هادي معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2: 443 ـ 444.

([46]) انظر: البقرة: 67 ـ 72.

([47]) انظر: طنطاوي جوهري، الجواهر في تفسير القرآن 1: 84 ـ 89.

([48]) محمد هادي معرفت، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب 2: 446 ـ 449.

([49]) انظر: هبة الدين الشهرستاني، إسلام وهيأت (الترجمة الفارسية): 110.

([50]) هبة الدين الشهرستاني، الإسلام والهيئة: 110.

([51]) تعرّضنا في كتابنا (پژوهشي در إعجاز علمي قرآن)، الصادر في جزءين عن دار نشر كتاب مبين عام 1380هـ.ش، إلى ادعاءات الإعجاز العلمي في ما يقرب من 300 آية من القرآن، ولم يثبت لدينا منها سوى ستّ آيات فقط، ورفضنا سائر الموارد الأخرى.

([52]) انظر: عبد الرزاق نوفل، القرآن والعلم الحديث: 156.

([53]) انظر: محمد رشيد رضا، المنار 2: 458.

([54]) انظر: المصدر السابق 1: 55.

([55]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 7.

([56]) محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون 2: 458، نقلاً عن: كتاب الموافقات، للشاطبي 2: 69 ـ 76 (باختصارٍ).

([57]) انظر: المصدر السابق: 488 (باختصارٍ).

([58]) محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون 2: 489.

([59]) مجلة الرسالة، الأعداد: 407، 408 (سنة 1941م،)، نقلاً عن: التفسير العلمي في الميزان: 299 ـ 302، لأحمد عمر أبو حجر (طبعة دار قتيبة).

([60]) محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون 2: 491 ـ 494.

([61]) انظر: التفسير العلمي في الميزان: 297 فما بعد.

([62]) سيد قطب، في ظلال القرآن 1: 260.

([63]) انظر: سيد قطب، في ظلال القرآن 1: 261 ـ 263.

([64]) عبد العزيز إسماعيل، الإسلام والطب الحديث: 5، تقديم: الشيخ محمد مصطفى المراغي، نقلاً عن: التفسير والمفسرون 2: 519.

([65]) انظر: الدروس الدينية: 61 ـ 64، نقلاً عن: التفسير العلمي في الميزان: 231.

([66]) أحمد عمر أبو حجر، التفسير العلمي في الميزان: 113 (ط1، عام 1991م ـ 1411هـ، دار قتيبة، بيروت).

([67]) المصدر السابق: 118.

([68]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 7 ـ 8.

([69]) المصدر نفسه.

([70]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 14: 279 (طبعة إسماعيليان).

([71]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 18: 382.

([72]) ترجم إلى العربية تحت عنوان: (الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل).

([73]) انظر: ناصر مكارم الشيرازي، تفسير نمونه 1: 131؛ 11: 410؛ 12: 275؛ 15: 568.

([74]) انظر: ناصر مكارم الشيرازي، تفسير به رأي: 69 ـ 79.

([75]) ناصر مكارم الشيرازي، مجلة پيام قرآن، العدد التمهيدي: 48 (انتشارات دار القرآن الكريم، قم المقدسة).

([76]) محمد هادي معرفت، التمهيد في علوم القرآن 6: 6، 13 فما بعد.

([77]) المصدر نفسه.

([78]) محمد علي رضائي الإصفهاني، در آمدي بر تفسير علمي قرآن: 340.

([79]) جعفر السبحاني، تفسير صحيح آيات مشكله قرآن: 315.

([80]) انظر: جعفر السبحاني، برهان رسالت: 253 ـ 283.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً