أحدث المقالات

قراءة جديدة

ترجمة: حيدر حب الله

كعادتها، تفتح مجلّة «نصوص معاصرة» المجال للرأي والرأي الآخر، فتطلق حواراً خصباً حول موضوع ساخن، فتعرض هذا الحوار الذي أثار ضجةً في إيران، ثم تعقبه فوراً بالردّ عليه، وتترك للقارئ الحصيف المجال للتقييم (التحرير).

أهمية الحكومة في الشريعة الإسلامية ـــــــ

& المحور الأول من محاورنا هو القيادة والحكومة في نهج البلاغة؛ لهذا إذا جزتم التفضل ـ بدايةً ـ والحديث عن شروط الحاكم الإسلامي من وجهة نظر أمير المؤمنين×.

^ أعتقد أنه لابدّ في المرحلة الأولى من تشريح مكانة الحاكم الإسلامي عند الإمام علي× طبقاً لما يُستفاد من نهج البلاغة، والذي يبدو لي ـ أولاً ـ أنه جرى التعرّض مراراً وتكراراً في نهج البلاغة لمسألة الحكومة، سيما في الفترة التي حكم فيها الإمام علي× فعلاً، حيث كانت حكومته على تماس مع الكثير من القضايا المختلفة، لهذا أكثر من الحديث عن هذا الموضوع، كلاماً وخطباً و..

واحدة من القضايا المهمة ـ من وجهة نظري ـ والتي جرى الحديث عنها في نهج البلاغة مما يتصل بقضايا الدولة، هي أهمية الدولة الإسلامية وضرورتها ولزوم تشكيلها مهما كانت الظروف القائمة، وكأنّما كانت قضية الحكومة عنده على رأس المسائل الإسلامية، ولم تكن قضية هامشية، ولعلّ سائر الديانات لا تتصوّر أن لمسألة الدولة، وقضايا السياسة بشكل عام، هذه الأهمية، اللهم إلا بعض الشيء مما جاء في التوراة وفي ديانة اليهود، فيما مفْصَل كل قضايا الإسلام هو الدولة والحكومة، فالدولة في الإسلام هي الضامن لإجراء الكثير من الأحكام الإسلامية، بل حتّى الكثير من الأحكام العبادية، مثل صلاة الجمعة، والجماعة وإقامة الحج وأمثال ذلك، فإجراء هذه الأمور تتكفّلها الدولة بالمباشرة أو مع الواسطة، ولكي يثبت الإمام علي× هذا الأمر الهام نجده عندما رفع الخوارج شعار: «لا حكم إلا لله» وأنكروا بذلك خلافة علي والتحكيم، أجابهم× بقوله: «كلمة حقّ يراد بها الباطل»، نعم فالحكم الإلهي لابدّ له من ينفذه، فهؤلاء يقولون: «لا إمرة»، والحال أنه «لابدّ للناس من أمير برّ أو فاجر» لقد شرّحت في مقالةٍ هذا الكلام لعليّ×، فإننا لو حلّلنا لوجدنا أنّ الإمام× يرى أهمية فائقة لوجود الحاكم والدولة الإسلاميين، إلى حدّ أنه لو لم يتوفر الحاكم العادل طبقاً للشروط المقررة في شرع الإسلام، فلابدّ من وضع حاكم آخر حتّى لو كان فاقداً للشروط، بل ولو كان ظالماً جائراً، حتّى يحفظ بذلك نظام البلاد، وإلاّ فستختلّ أوضاع بلاد المسلمين وأحوالها وسيسود الهرج والمرج، حتّى لا يبقى ما يحفظ المال والنفس والعرض.

وهذا كلّه يستدعي بدوره تناول قضية أُخرى يمكن ـ فيما بعد ـ أن نستفيد منها في تحليل أسلوب تعامل الإمام علي× مع الخلفاء السابقين عليه، وكذلك تحليل عمل الأئمة^ بعد علي، إنّنا نستنبط أن الفقه الإسلامي يرى أنه إن لم تكن هناك دولة إسلامية شرعية واجدة للشرائط فيجب أن يقوم بالمهمة الأمراء والحكّام القادرون عليها، ويجب على الناس إطاعتهم في أحكامهم المطابقة للشرع الحنيف وتكون حكومتهم ودولتهم شرعيةً، أما إذا أصدروا أحكاماً مخالفةً للإسلام فلا تجب إطاعتهم بل لا تجوز، انطلاقاً من قانون: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل يمكن القول: إن المعنى الأساس لفكرة الحكومة في القرآن هو إجراء الأحكام، وهو وظيفة تمام الأنبياء والإلهيين، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 24)؛ فالميزان هو تلك الضوابط العادلة التي لابدَّ أن يقيمها الحكّام، فإجراء العدالة ليس وظيفة الحاكم الإسلامي فحسب، بل جزءٌ من وظائف الحكّام في تمام الأديان، وعليه؛ فالعدالة الاجتماعية والسياسية أصلٌ قرآني.

ولكي نتلمّس أهمية الدولة في الإسلام، يمكننا الاستدلال بقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ} (المائدة: 67)، حيث أفادت الروايات أن هذه الآية تتحدّث عن إبلاغ ولاية علي× للناس، فهذه الآية الشريفة تضع أمر الحكومة في كفّة والرسالة بأكملها في كفّة أُخرى حيث تقول: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ…}، وهذا بنفسه دليلٌ على أهمية مسألة الحكومة والإمامة في الإسلام، وهنا من الضروري أن نلتفت في هذه الآية إلى أنّ القرآن الكريم خاطب الرسول الأكرم بخطاب: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، ومرتان فقط في سورة المائدة ـ وهي السورة الأخيرة نزولاً على قول المشهور، والتي تتحدّث بشكّل أساسي حول القضايا السياسية ـ وجّه الخطاب للرسول بـ {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ}: إحداهما الآية التي نتحدث عنها، والأُخرى الآية 41، والتي تمثل في الحقيقة الشروع في الحديث عن موضوع الخلافة والولاية، حيث جاء فيها: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا} (المائدة: 41)، وهذا النوع من الخطاب الذي يجعل مسؤولية رسول الله’ بوصف الرسالة يؤكّد على أهمية الحكومة ويضاعفها.

شرائط الحاكم في الإسلام ـــــــ

وبعد هذه المقدّمة والتي بيّنا فيها أهمية، بل ضرورة، إقامة الحكومة الإسلامية، أشرع بالجواب عن سؤالكم الأول، فأذكر فهرساً بشرائط الحاكم الإسلامي مع الأخذ بعين الاعتبار ولو جملة واحدة حولها في نهج البلاغة، ثم أعرّج على خطبةٍ لعلي× تحوي القسم الأهم من هذه الشروط:

الشرط الأول: العدالة، والتي تقع في أساس الدولة الإسلامية، بل إنها أصل الخليقة فـ «بالعدل قامت السماوات والأرض». وقد تحدّث علي عن العدالة كثيراً، ومن أقواله: «فإن عطفك عليهم قد يعطف قلوبهم عليك، وإن أفضل مدّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد»([1]). ويقسم عليّ على أخذ حقّ المظلوم من الظالم، فيقول: «وأيم الله، لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، ولأقودنّ الظالم بخزامته»([2]).

الشرط الثاني: الأمانة، فالقضية أنه لا ينبغي للحاكم الإسلامي أن يعتبر نفسه قيّماً على الناس ومالكاً لأموالهم، وإنّما يراها أمينةً مؤتمنة عليهم، وأن لا يرى السلطة غنيمةً وفرصة وطعمة لنفسه، بل يراها مسؤولية وأمانة في عنقه، وضعها الله تعالى كذلك والشعب، وأنه أمين الله والناس، وفي هذا يقول علي×: «وإن عملك ليس لك بطعمة، ولكنه في عنقك أمانة، وأنت مسترعى لمن فوقك»([3])، أي أنك تمثل الله في الرعية، وتجري حقّ الله الذي فوقك على الرعية ممّن تحتك، ويجب أن نعلم هنا أن المصطلح الإسلامي (الراعي والرعية) لا يعني المضمون السلبي الذي ينصرف إلى أذهاننا، وإنما يعني إدارة الناس ورعاية شؤونها.

الشرط الثالث: رعاية الحقوق، فعلى الحاكم في حكمه أن يختار الحق على الباطل، ويحمي الضعفاء، ويؤيد الحقّ على الدوام، لا أن يكون تبعاً للسلطة والمتسلّطين، يقول علي×: «الذليل عندي عزيز حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتّى آخذ الحق منه»([4]).

الشرط الرابع: الصدق وصواب العمل، فعلى الحاكم أن يكون صادقاً بعيداً عن الغش والخيانة، وهذا أمرٌ مغاير للشرطين: الثاني والثالث، فعلي× يقول: «وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمّة، وأفظع الغش غش الأئمة»([5]).

الشرط الخامس: التواضع للشعب والتعاطف معه، فلا ينبغي للحاكم أن يرى نفسه أرفع من الناس، ولا يتخذ لنفسه موقعاً طاغوتياً، يقول علي× لمالك الأشتر: «فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وابسُط لهم وجهك»([6])، بل لقد كان علي× كذلك، فعندما وقعت محاكمة بينه وبين طرفٍ آخر، وخاطبه القاضي بـ «يا أبا الحسن» ملقياً عليه الكنية احتراماً له، انزعج لتمييز القاضي بينه وبين خصمه، فخاطبه بكنيته دون أن يخاطب خصمه بالكنية أيضاً. نعم، فالحاكم عند علي واحدٌ من آحاد الناس لا سلطاناً متسلّطاً عليهم.

الشرط السادس: الاهتمام بمشورة أهل الحلّ والعقد وأهل الحجى والرأي، فهذه من وظائف الحاكم المهمّة، فحتى الرسول الأكرم’ كان مأموراً بشورى الناس… بل إنّ علياً كان يرى أنه في بعض الظروف تصحّ الشورى في انتخاب الخليفة نفسه، وسنذكر كلامه في هذا الموضوع من نهج البلاغة.

الشرط السابع والثامن: العلم والقدرة؛ إذ يلزم أن يكون الحاكم عالماً قادراً في النطاق الذي يعمل فيه، فيحكم عن علمٍ وقدرة، يقول×: «أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه»([7]).

الشرط التاسع: مراعاة السنّة، أي أن على الحاكم أن يراعي وبدقة القانون الثابت الدائم لله ورسوله، ولا يتساهل في تنفيذه، وفي هذا يقول×: «فإذا حُكِم بالصدق في كتاب الله فنحنُ أحقّ الناس به، وإن حكم بسنّة رسول الله’، فنحن أحقّ الناس وأولاهم بها»([8]).

كانت هذه تسعة شروط للحاكم الإسلامي في نهج البلاغة، وهنا إذا لاحظنا مجموع هذه الشروط وأضفنا إليها شرط التقوى، وهو الشرط العاشر، نعرف أنّ هذه الشروط شروطٌ للحاكم الإسلامي، لا للإمامة التي تمثل العصمةُ ركنَها، وهذا ما يشهد على التناغم مع هذه الشرائط في عصر الخلفاء. وقد جمعت أكثر هذه الشروط في هذه الخطبة، حيث يقول: «وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين، البخيلُ؛ فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيهلك الأمّة»([9]).

لقد أوضح علي× في مطلع خطبته هذه دوافعه للتصدّي لمنصب الحكومة وأنّه ليس هناك سوى إحقاق الحق لا غير، ومن الطبيعي أنّ هذه الخطبة ليست سوى أنموذج لشرائط الحاكم وآداب الحكم لا غير، وإلا فإذا أردنا أن نطّلع على هذا الأمر بشكل كامل ومفصّل، فعلينا أن نأخذ بنظر الاعتبار عهد علي× إلى مالك الأشتر.

خطأ شائع في فهم فقه السلطة عند أهل السنّة ـــــــ

وبهذه المناسبة هنا، أجد من الضروري الإشارة إلى أمر في باب شرائط الحاكم

عند أهل السنّة، ذلك أن الشيعة يتصوّرون أنّ أهل السنّة لا يشترطون في الحاكم الإسلامي أيّ شرط، وأن أي متسلّط ظالم يعدّ عندهم خليفةً وحاكماً على المسلمين، والحال أن أهل السنّة يشترطون ـ في كتب الأحكام السلطانية التي تشتمل المباحث السياسية ـ في الحاكم أن يكون فقيهاً عالماً قادراً وعادلاً، فإذا أمكن وجب على الناس انتخاب شخص يحمل هذه المواصفات، لكنهم يضيفون: إنه إذا لم يحصل ذلك وأحكم شخصٌ ما قبضته على السلطة بالقدرة والقوة دون أن يحمل هذه الشرائط.. فما هي وظيفتنا تجاهه؟ وهنا يفتي أهل السنّة بعدم جواز الثورة و الخروج عليه؛ إذ ذلك باعث على اختلال النظام وإحداث الاضطراب، وإنما المطلوب إطاعته ما دام يحكم بحكم الله، وإذا حكم على خلاف حكم الله تسقط طاعته؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الله، وإذا ما لوحظ أن حكومةَ مثلِه سوف تؤدي إلى زوال الإسلام ممّا يهدّد بيضة الإسلام بالخطر، فهنا يمكن الخروج عليه وإسقاطه، إذا كان ذلك ممكناً.

هذه هي النظرية الفقهية لأهل السنّة هنا، إلا أن الشيعة غالباً ما لا يكون لهم علمٌ بهذه النظرية، فيكتبون في ردودهم على أهل السنّة شيئاً غير هذا، والحال أن عمل علماء أهل السنّة وأتباعهم كان على ذلك حيث كان يمكنهم، ولم يكونوا ليثوروا على الحاكم إلا عند الشعور بالخطر على الإسلام منه.

ومن الطبيعي أنّ وعاظ السلاطين وعلماء البلاط كانوا كُثُراً أيضاً، فلم يكونوا ليأخذوا هذا الحكم بعين الاعتبار، وكانوا دوماً حماةً لسلاطين الجور، وفي هذه النقطة لا فرق في علماء البلاط بين الشيعة والسنّة، وبقطع النظر عن هذا الصنف من العلماء يبدو أن منهج علماء الدين الشيعة الملتزمين والمتدينين في التعامل مع السلاطين غير الشرعيين كان كأهل السنّة أيضاً ما لم يروا أن أهل الإسلام في خطر، أي أنهم لم يكونوا ليثوروا على الحاكم، لكنهم في الوقت عينه وخفاءً كانوا لا يرون شرعيةً لسلطته، ولم يعتبروا إطاعته واجبة، مع اعتقادهم بوجوب التقية في أغلب هذه الحالات، نعم يمكن اعتبار الحركة الدستورية (المشروطة) ثورةً ضدّ حكام الجور، كذلك الحال في نهضة الإمام الخميني وظاهرة الثورة الإسلامية.

 

صلاحيات الحاكم الإسلامي ـــــــ

& حبذا لو تحدّثونا عن دائرة عمل القيادة الإسلامية ونفوذها في الإسلام فيما يتعلّق بالمسائل السياسية والاجتماعية.

^ نعم، هذا السؤال مهم جداً، ففي القرآن ومن وجهة نظر علماء الإسلام وعامة المجتمع الإسلامي.. لا حدود لصلاحيات الرسول الأكرم’ في دائرة الأحكام الإلهية، لكنه كالآخرين لابدّ له أن يطيع حكم الله تعالى، وإذا ما تخطّينا هذا الأمر فإن يد الرسول مطلقة مفتوحة في تمام القضايا السياسية والمالية والاقتصادية وغيرها ضمن إطار المقررات الإسلامية، وما يراه من مصلحةٍ عليه العمل به، ولا ينبغي أن نتوهم أن رسول الله كانت وظيفته تعيين أئمة الجمعة والجماعات، ولا شأن له بسائر القضايا الاقتصادية والسياسية ومسائل الحرب والسلام، فهذا التصوّر يخالف ضرورة الإسلام، وإنكار ذلك إنكار لضروريات الإسلام، وحكم منكرها معلوم.

وللشيعة هذه العقيدة عينها في حقّ أهل البيت^، فهم لا يرون ولايتهم محدودة إلا بحدود الأحكام الإلهية، كما أن القائلين بولاية الفقيه المطلقة يذهبون إلى ذلك في حقّ الفقيه الجامع للشرائط والذي وصل إلى مقام القيادة، وغدا حاكماً مبسوط اليد، إنهم يقولون: إن الصلاحيات التي ثبتت لرسول الله بوصفه حاكماً لا بوصفه شارعاً، وللأئمة بوصفهم حكّاماً لا بوصفهم أئمةً معصومين.. تثبت بعينها للفقيه المبسوط اليد الذي هو خليفة الإمام فيده مفتوحة ومطلقة، كما أن حكومته غير محدودة بحدّ في نطاقها ودائرتها وسعتها، فلا يمكن لأحد أن يقول له: أصدر أحكامك في دائرة العبادات فقط، أما سائر أمور البلاد فأوكله لنا، وعلى حدّ تعبير المعارضين للنظام الإسلامي (في إيران) في بداية الثورة: إن متراسكم المسجد لا كرسي رئاسة الجمهورية ولا رئاسة الوزراء.

انطلاقاً من صريح قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ} (النساء: 59) ، فإن لبّ الولاية في الإسلام هو الإطاعة، فكون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأحقّ بهم معناه أنه حيث يأمر يكون مأموره واجباً، كذلك الحال في الإمام إذ له الولاية فتكون طاعته واجبة، وذلك كلّه ـ طبعاً ـ في إطار الأحكام الإلهية، ولا حدّ لولايته غير ذلك، ومعناه أنه لابدّ من تقديم رأيه على رأينا، وهذا ما لا يناقض مبدأ الشورى إطلاقاً، كما أنه لا يستلزم الاستبداد؛ فعلي× يقول: «فوالله إنّي لأولى الناس بالناس»([10]) .

حقوق الحاكم والرعية ـــــــ

& فيما يتعلّق بالوظائف المتبادلة بين الحاكم والشعب، ثمّة ملفات وقضايا كثيرة لو توضحوها لنا.

^ نعم، هذه المسألة مهمة، فعلي× عندما يريد بيان حقوق الوالي على الرعية يبيّنها بشكل متبادل، أي أنه يقول: «إنّ لكم عليَّ كذا وكذا، ولي عليكم كذا وكذا»، وهذا له معانيه ودلالته وذلك:

أولاً: إنه يبعد عن أذهان عامة الناس الإحساس باستبداد الحاكم وعدم حديثه سوى عن حقوقه، ولا يأتي على ذكر حقوق الشعب. إن هذا بنفسه نوع من العدالة والمساواة بين الحاكم والرعية، بين القائد والشعب، وهي تنطبق تماماً مع الشروط التي أسلفنا ذكرها.

يقول علي في هذا الإطار: «أيُّها الناس! إنّ لي عليكم حقاً ولكم عليّ حق، فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعملوا. وأما حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم»([11]).

إنه لمن المهم جداً من الناحية النفسية أن يشرع الإمام ـ وعند بيانه الحقوق المتبادلة بينه وبين الرعية ـ ببيان حقوق الناس، إذ عندما تتضح حقوقهم، يستعدّون للتحمل، وعندما يعترف الحاكم بحقوقهم عليه فإنهم ينصتون له ويسمعونه في حقوقه عليهم، إنه يشير إلى النصيحة حقاً لهم عليه، ولا يراد بالنصيحة هنا الموعظة، بل يقصد إرادة الخير، أي أن يريد الحاكم لرعيته الخير دوماً ويراعي مصالحهم، وهذا حق مشترك بين الحكّام والشعب، فعلى الحاكم أخذ مصالح الناس بعين الاعتبار، وعلى الناس أيضاً أخذ مصالح الحاكم بعين الاعتبار، ذلك أن مصالحه ـ في الحقيقة ـ هي مصالحهم، ولهذا قال الإمام عن حقّه على الناس: «والنصيحة في المشهد والمغيب»،أي أن يراعوا مصالح الحاكم في حضوره وغيابه، فيدفعوا التهمة عنه ويدافعوا عن شخصيته واحترامه،وعليه فالآمر والمأمور ملزمان معاً بإرادة الخير لبعضهما.

الحق الثاني للشعب على الحاكم، أن يقسّم بالعدل أموال الفيء عليهم،أي تلك الأموال التي ترجع على المسلمين من الأعداء ويشترك فيها الناس بالتساوي، والفيء مغاير للغنائم الحربية التي تختصّ بالمقاتلين، فالحقوق وأموال الدولة لها في الفقه الإسلامي أحكام خاصّة.

أما الحقّ الثالث والرابع، فهو حق معنوي في غاية الأهمية، ألا وهما التعليم والتربية، فالحاكم في الإسلام لا يقتصر عمله على قضايا المعيشة والسياسة والاقتصاد، بل يتحمل مسؤولية تربية الناس وتعليمهم بوصف ذلك حقاً للشعب وواجباً لهم عليه.

كانت هذه مجموعة حقوق الشعب وواجبات الحاكم، وهي حقوق ثقافية وسياسية واجتماعية ـ أي إرادة الخير والمصلحة للناس ـ وحقوق اقتصادية.

وعلى صعيد الحقوق السياسية والاجتماعية، على الحاكم أن يقدّم مصالح الناس على مصالحه الشخصية، ولا يجعل مصالح الأمّة فداءً لمصالحه، وكذلك الحال على مستوى الحقوق الاقتصادية فلا يسيء الاستفادة من الأموال العامة للشعب، فلا يعطي نفسه وقومه وأهل عشيرته من هذه الأموال بغير حق.

أهمية البيعة في الفقه السياسي الإسلامي ـــــــ

بعد هذا، يشرع الإمام علي× في سرد حقوقه على الناس؛ وأول هذه الحقوق الوفاء له بالبيعة، ومع الأسف ليس هناك متسع لكي أبيّن هنا الدور الهام للبيعة في نظم الأمور السياسية والحكومية، فالحاكم في الإسلام يشرع بالعمل ببيعة الناس له وهي تقوي أواصر العلاقة بينه وبين الشعب، فيلتزم الناس بالبيعة الإطاعةَ لأوامره وعدم العصيان، إلا إذا تمرّد هو نفسه على طاعة الله عزّ وجلّ. نعم، ما دام الناس غير عاقدين للبيعة مع الحاكم، فلا تكون أوامره ملزمةً لهم، إلا أنه بمجرّد حصول البيعة له تصبح سلطته عليهم شرعيةً، وتغدو إطاعته واجبةً شرعاً، ولهذا رأينا رسول الله’ وفي مواضع عدّة، منها ما حصل قبل صلح الحديبية في العام السادس للهجرة،حينما توجّه لأداء العمرة نحو مكّة ومنعه المشركون من دخولها، ولكي يحكم أمر الحرب أو السلم مع الكفّار.. أخذ البيعة من الناس، ثم عقد الصلح مع المشركين، ونتيجة هذا الصلح الذي سمّي باسم المنطقة التي عقد فيها (الحديبية) أن رجع رسول الله’ إلى المدينة دون أداء العمرة، وقد كان هذا الأمر ثقيلاً جداً على المسلمين، لكنهم سلّموا به انطلاقاً من البيعة التي عقدوها، إنّ هذه البيعة مهمة جداً إلى حدّ أن الله تعالى تحدّث مرتين عنها في سورة الفتح التي نزلت للحديث عن هذا الصلح، مقدّراً ومثنياً على المسلمين، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح: 10)، إلى آخر الآية مما احتوى سلسلة أمور ملفتة، وقال سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ..} (الفتح: 18) إلى آخر الآية أيضاً، والتي اشتملت على أمور أكثر جذباً وإلفاتاً، ويحظى موضوع البيعة مع رسول الله’ بأهمية عالية في تاريخ الإسلام، والتي كان منها بيعة الأنصار الأولى والثانية، والتي سميت ببيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية، وذلك قبل الهجرة إلى المدينة.

وقد تحدّث الإمام علي× مرات ومرات عن البيعة التي تعدّ أساساً لأعمال الدولة كافة. ومن هنا أخذ رسول الله’ لعلي× البيعة في صحراء الغدير من الناس، دون أن يكتفي بالإعلان عن ولاية علي× عليهم.

ما زلت أذكر أنه في أوائل أيام الثورة الإسلامية (في إيران)، كتبت رسالة للسيد القائد (الخامنئي)، وكان آنذاك رئيساً للجمهورية، وقلت فيها: إن هناك أمرين في الدستور مهمين: أحدهما بيعة الناس للقائد، وثانيتهما مشورة الحاكم للرعية في القضايا الهامة؛ ذلك أن البيعة بوصفها حقاً من جهة الحاكم هي التي تعطي حكومته الشرعية، وتدفع الناس للطاعة، كما أن المشورة بين الحاكم والناس بوصفها حقاً متبادلاً بين الناس والقيادة تدفع شبهة الاستبداد. نعم قد ترفع البيعة أحياناً كشعار، كما أنّ أساس اعتبار رأي الناس قد جاء في الدستور، وهو نوع من المشورة مع الشعب، إلا أنني أعتقد أنها لم تظهر بشفافية وصراحة ووضوح.

وعلى أيّة حال، الذي نحصل عليه من مراجعة تاريخ صدر الإسلام أن البيعة مع الخلفاء ـ رغم أنه لم تكن لديهم تلك الصلاحية المنشودة ـ كانت مثل الحلقة في رقبة الناس تثقلهم، وقد كان من الصعب جداً خرق هذه البيعة، بل لقد كانت قضية البيعة موجودة قبل الإسلام عند عرب الجاهلية وكانت تمثل أساس الاتفاقات والعقود، فعندما كانت تحصل بيعةٌ ما كان الناس يسلّمون لمن بايعوه، ويرون نقض البيعة عملاً سيئاً جداً غير مرغوب فيه.

فعندما نقول: على الناس في نظام ولاية الفقيه وفي الجمهورية الإسلامية إطاعة القائد، فإنّ هذا حقّه الذي حصل عليه طبقاً للاتفاق مع الشعب حينما قبلوه والتزموا به، إن ذلك إلزام النظام الإسلامي ولا نظير له في الأنظمة الأُخرى في الدنيا؛ لهذا كان الحكام على امتداد تاريخ الإسلام السياسي يأخذون البيعة من الناس، بل إن ذلك ما زال موجوداً على نطاق محدود في المملكة العربية السعودية، ولعلّه موجود أيضاً في نقاط أُخرى من العالم حينما يُراد تطبيق السنن الإسلامية، وعليه فالحقّ الأوّل للحاكم على الناس أو الإمام على الرعية، هو الوفاء بالبيعة.

الحق الثاني هو ـ كما قلنا من قبل ـ حقٌ متبادل ألا وهو النصيحة وإرادة الناس الخير للحاكم مقابل إرادته الخير لهم، إن هذا الحقّ المتبادل فرع الرابط الوثيق القائم بين الدولة والشعب، فليست إرادة الناس الخيرَ للحاكم في الإسلام تملّقاً له أو ممارسةً للمدح والتمجيد والتزلّف، وإنما حفظ السلطة ورعاية مقام القيادة، وهما الأساس في إيجاد الوحدة، أي كما نقول اليوم: الضامن لوحدة الملّة. وهذا الحق يلزم على الناس فعله سواء كان الحاكم حاضراً أم غائباً «النصيحة في المشهد والمغيب».

الحق الثالث إجابة دعوة الحاكم، فعندما يطلب الناس للحرب أو الصلح أو النشاط الاقتصادي والسياسي فعليهم أن يجيبوه، فإجابته واجبة مثل الصلاة والصوم وسائر الفرائض الشرعية الأُخرى، وهذا الحق ناشئ من الحق الأول، أي الوفاء بالبيعة.

أما الحق الرابع الناشئ أيضاً من البيعة، فهو إطاعة أوامر القائد، وكما قلنا من قبل وسنقول ونؤكّد عليه: لا تعني طاعة الحاكم الاستبداد، أو كما يقول بعض من لم يشعر بولاية الفقيه: «إن قوامة القائد على الناس تحكي عن حاجة الناس إلى قيّم»، إنما المسألة تعبيرٌ آخر عن حقيقة البيعة، والالتزام بولاية وليّ الأمر وفاءٌ بالعهد وصدقٌ في القول والاتفاق الذي حصل مع البيعة.

إنني أقبل أنّ هذه المفاهيم لا وجود لها في الحكومات الحالية الموجودة في العالم، ولهذا لا يستسيغ الذين درسوا القانون الدولي أو اطلعوا على الأنظمة الديمقراطية التي تبهر الدنيا… لا يستسيغون هذا النوع من المفاهيم، وهم يقولون صراحةً في خطبهم وكتاباتهم: إنه استبداد، وأحياناً يعبّرون بالاستكبار وطلب الامتيازات والاستئثار بالسلطة، ويعدّون هذا النظام في مصافّ النظم السلطانية الاستبدادية، وهم يغفلون عن أنّ إطاعة الحاكم في حدود المقررات الإسلامية حقّ التزموه في البيعة معه شرعاً وقانوناً، وأن التخلّف عن هذا القانون جرم، ولا يعبّر عن مروءة وشهامة، بل عن جفاء أكيد.

مهما أوضحنا في هذا المجال فهو قليل، ذلك أن عقليات الكثير من مثقفينا لا تعرف سوى النظم الغربية، ولم تفهم لبّ ولا روح نظام الحكومة الإسلامية الذي أقامه الله ورسوله، ولعلّه لا تقصير لديهم إذ لا جهد كافي في هذا المضمار قد حصل أو أنجز.

ونتيجة الكلام أن علياً× قد عدّد في هذه الأسطر المعدودة عدّةَ حقوق للناس على الحاكم, وأربعة حقوق للحاكم على الناس، وأحد هذه الحقوق مشترك وهو إرادة الخير للطرف المقابل.

في موضعٍ آخر([12]) يعيد علي× ذكر هذه الحقوق باختلاف بسيط، لا بأس بذكره دون شرح أو تحليل، إنه يقول: «إنه ليس على الإمام إلا ما حُمِّل من أمر ربّه: الإبلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والإحياء للسنّة، وإقامة الحدود على مستحقيها، وإصدار السُّهْمان على أهلها».

إلى هنا يذكر× خمسة حقوق للشعب تقع في وظائف الإمام، يجمعها تحمّل مسؤولية العمل بأوامر الله: «ما حمّل من أمر به»، وتشمل حقوقاً أخلاقية وثقافية واقتصادية وقانونية: «الإحياء للسنّة»، وقضائية «إقامة الحدود على مستحقيها».

وفي مقابل هذه الوظائف، للشعب وظائف أيضاً تمثل تكاليف شرعية عليهم لا بوصفها من حقوق الحاكم، يقول: «فبادروا العلم من قبل تصويح نبته» أي سارعوا إلى العلم قبل جفاف نباته، «ومن قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله»، أي قبل أن تنشغلوا بأعمالكم فتتركوا استفادة العلم من أهله، «وانتهوا عن المنكر، وتناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي».

وهكذا يعدّد علي× ثلاث وظائف ثقافية واجتماعية، وهي التعلّم والنهي عن المنكر، والابتعاد عن المنكر قبل نهي الآخرين عنه، في مقابل خمس وظائف للإمام.

إن هذه الخطبة تحدّد رؤية الإمام علي× للحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية وتحدّد معالمها إلى حدّ ما.

 

لماذا لم يطالب الإمام علي× بحقّه في الخلافة؟! ـــــــ

& ثمة تحليلات كثيرة في تفسير انصراف الإمام علي× ـ بوصفه الحاكم الشرعي المنصوب ـ عن المطالبة بحقه، يقول بعضهم: إن كون علي× شاباً هو ما جعله يتنحّى، فهل يمكن أن توضحوا لنا ذلك؟

^ نعم، إن هذا السؤال مهم للغاية، ومن وجهة نظري يقع على رأس القضايا السياسية في الإسلام، وهي القضايا التي ظلّت حاضرةً بين الفريقين: الشيعي والسنّي، وأدّت إلى ظهور الكثير من الدراسات والأبحاث والتجاذبات والحروب والصراعات والنزاعات والعداوات والردود المتبادلة الهامّة في المجال العلمي والاجتماعي، كما كانت مادّةً خصبة للحكّام والسلاطين الظالمين، وكذلك لعلماء الفريقين من النحل المختلفة، سواء جاء ذلك منهم بعنوان الدفاع عن الحق والحقيقة، أم بدافع الدفاع عن حكّام عصرهم ولو كان ذلك بغير حق، من طرف وعاظ السلاطين وعلماء البلاط.

وهنا لابدّ أن ندرس هذه القضية من جانب الطرفين مهما كان الباعث لها، فكل واحد منهما لديه دليل، فالشيعة عندهم أدلّة كثيرة من الآيات والروايات، لا سيما حديث الغدير المتواتر، ومقاطع من نهج البلاغة، سيما الخطبة الشقشقية، يعتمدون عليها لإثبات نظريتهم، أما أهل السنّة فهم ينكرون هذه الأدلّة أو يقومون بتفسيرها وتبريرها انطلاقاً من عمل الصحابة والمهاجرين والأنصار بعد وفاة الرسول الأكرم’، واعتماداً على الآيات والروايات الدالّة على فضل الصحابة، سيما المهاجرين والأنصار، واتكاءً أيضاً على حوادث تاريخية وروايات في فضل أبي بكر وسائر الخلفاء، وهذا معناه أن كل طرف يُثبت نظريته وتصوّره اعتماداً على ما ذكرناه.

لقد فاقت الكتب والدراسات التي قدّمها الطرفان حدّ الإحصاء وما تزال مستمرةً حتّى عصرنا الحاضر، ولا أريد أن أدخل في هذا الأمر أيضاً، فلا تفي مقالة واحدة ولا حوار واحد بحقّ هذا الموضوع، بل هو خارج ـ من الأساس ـ عن نطاق سؤالكم.

السؤال هو: لماذا حُرم الإمام علي× من حقّه أو لماذا تنحّى عن المطالبة به؟ وأريد هنا أن أجيب عن هذا السؤال من خلال نصوص نهج البلاغة. والملفت أن هذا السؤال اتفق أن وجّه إلى علي× نفسه حيث سأله بعض أصحابه: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به؟ فقال: «… أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً، والأشدّون بالرسول نَوْطاً، فإنها كانت أثرة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله والمعَودُ إليه القيامة».

لقد أقفل الإمام علي× الحديث هنا، مثلما فعل في مواضع أُخرى دون أن يذكر اسم شخص بعينه، وقد وضع هذا الكلام الخلفاء موضع تساؤل ومساءلة، إلا أن هذا لا يفتح الموضوع ولم يكن يريد علي× فتح الموضوع، لأن الآخرين موجودون يسمعون، ولم يكن علي× يريد أن يُبعد أنصاره عنه، ويشتتهم من حوله، فالناس غالباً ما ترى الخلفاء السابقين على حقّ، كما أنهم بايعوه على أساس أنه الخليفة الرابع، وقد كنت تعرّضت لهذا الموضوع في مقالة لي حملت عنوان «الإمام علي والخدمة الإسلامية»، وقد كنت أرسلتها إلى اللجنة المنظمة لبرامج عام الإمام علي× وشرحت هناك هذا الأمر.

لقد قلت: إن المستفاد من خطبة الشقشقية ـ وهو ما لم يسمعه أصحاب علي منه بهذه الصراحة والشفافية حتّى ابن عباس وهو ابن عمّه ـ أن علياً× قد عاتب أصحابه بالكناية والإشارة، وأنكم في الماضي اتخذتم مواقف لم تكن مرضيةً بالنسبة لي، من هنا أنصح بالرجوع إلى تلك المقالة.

حسناً، هذه وجهة نظر تبنّاها الشيعة دائماً، ويصرّون عليها، وهي حق طبعاً، غاية ما في الأمر أنه عند توضيح هذه الحقيقة وبيانها، كما سائر كلمات علي× سواء في نهج البلاغة أم في مواضع أُخرى، وكذلك على مستوى تحليل سلوكه وتعامله مع الخلفاء السابقين عليه، سيما الشيخين (أبي بكر وعمر).. لا ينبغي إبعاد تمام نصوصه وكلماته، بل المفترض استحضارها.

نقطة ضعف في القراءة الشيعية لموقف الإمام علي× ـــــــ

نعم، ظلّ الشيعة على الدوام متخذين هذا الموقف الصريح حول إمامة علي× وهو موقف لا صلح فيه ولا مصالحة، لكن دون ملاحظة الكلمات الأخرى لعلي× فيما يتعلّق بخلافته وخلافة الخلفاء السابقين عليه، كما ودون الاهتمام بالمسائل التاريخية وكذلك المناخات التي كانت متوفرة للآخرين في وسط الصحابة لا سيما لأبي بكر، بدوري قمت بدراسة طويلة لهذا النوع من القضايا، ولا أقلّ ليس بوصف ما توصّلت إليه عقيدةً قطعية، وإنما وجهة نظر قابلة للبحث والدراسة، والذي رأيته أنّ مسألة الخلافة لها مرحلتان وأولويتان هما:

الأولوية الأولى: الالتزام بالنصّ القائم على خلافة علي× وإمامته وأهل بيته من بعده، وشواهد ذلك وأدلّته كثيرة لا تقبل الإنكار، كما أنّ هناك شواهد على ذلك في نهج البلاغة، رغم أنّ قصّة الغدير لا نراها موجودة في هذا الكتاب لما ذكر من سبب قبل قليل، ألا وهو مراعاة عواطف الجماهير فيما يخصّ الخلفاء السابقين على علي.

الأولوية الثانية: وهي التي تظهر في أوضاع خاصّة، مثل فقدان المناخ الاجتماعي المساعد على تحقيق الأولوية الأولى أو انحراف المجتمع الإسلامي وأكثر الناس ـ لأيّ سببٍ كان ـ عن هذه الأولوية، وبذلك تمثل باب الضرورة للحدّ من حركة المنافقين المعارضين لأساس الإسلام وخوف هيمنتهم بعد رسول الله’ على الكيان الإسلامي، وهو أمر قطعي مؤكّد وفقاً لما تقدّمه الشواهد التاريخية والنصوص الكثيرة القرآنية والحديثية، من هنا فإنّ شورى أهل الحلّ والعقد والأنصار والمهاجرين يمكنها أن تحول دون عودة المنافقين والمرتدين، وكذلك اليهود والنصارى، من الذين تلقّوا ضربات جارحة من الإسلام وكانوا ينتظرون وفاة رسول الله’.

اعتراف الإمام علي× بخلافة الثلاثة السابقين وفق الأولوية الثانية، تخريج فقهي ـــــــ

لقد كان هذا هو السبيل للحلّ، وقد كان علي× محترماً لهذه الشورى معتبراً لها بل مسلّماً لها عملياً بغية حفظ الإسلام. وهنا يمكن تبرير هذه الأولوية الثانية بشكلين وعلى صورتين:

الأولى: أن يستخدم قانون المهم والأهم الأصولي، حيث يقع التضاد بين حكمين متضادين يترتب أحدهما على الآخر، ويكون الأول مطلقاً فيما الثاني مشروطاً بعصيان الحكم الأول، بمعنى أن المكلّفين إذا لم يعملوا بالحكم الأول يصل الدور إلى الحكم الثاني، وإذا عملوا به فلا يصل الدور إليه، أي يكون الحكم الثاني ـ على تقدير عصيان الحكم الأول ـ فعلياً ناشطاً نظراً لأهمية الموضوع.

لقد كان المسلمون مكلّفين بالتسليم لخلافة علي× بعد وفاة رسول الله ’ إلا أنهم عصوا وارتكبوا ذنباً، وفي هذه الحالة تبلور التكليف الثاني، أي تشكيل الخلافة بإجماع المهاجرين والأنصار، ومن الطبيعي أنّ المراد بالإجماع هو التبعية للأكثرية لا الإجماع العام الكلي، فلا ينبغي السعي وراء مخالفات أفراد محدودين كي نخدش في هذا الإجماع، وبهذا ظهرت فعلية ومشروعية المرحلة الثانية، نظراً لخطورة وضع الإسلام في تلك الفترة.

نعم، إن هذا الكلام لا يبرّؤ الصحابة،ولا أقلّ بعضهم، ممن كان له دور أساس في قضية الخلافة، ومن هنا فلابد أن نلاحظ الحقد والضغينة التي كانت في القلوب لعلي× وأهل بيته.

الثانية: لا من باب الترتب مع قبول مسؤولية وتقصير المسبّبين الأوائل، وإنّما من باب الضرورة وعدم إمكان العمل ضمن الأولوية الأولى، وعدم وجود أرضية لازمة لإقامتها وللعمل بالنص، كما سأشير عما قريب.

والآن، لنرى شواهد الأولوية الثانية في نهج البلاغة:

1 ـ يكتب علي لمعاوية، فيقول: «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضاً، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولّى»([13]).

ففي هذه الرسالة يصرّح الإمام بأن إجماع المهاجرين والأنصار على إمامة شخص باعث على شرعية إمامته، ويرى ذلك مصحّحاً ـ في الجملة ـ لإمامته هو نفسه، وأن ذلك مورد رضا الله، بل يرى منه الطعن عليهم وجواز قتالهم.

وهنا يمكن أن يقول شخص: إن هذا الكلام حجة على معاوية الذي يعتبر أنّ شورى المهاجرين والأنصار سبيلٌ لاختيار الخليفة، وهو لا يعني أن الإمام علياً يرى أن هذا الشرط هو الأولوية الثانية وأن الخلافة تصبح شرعية بذلك .. جيّد …، إن هذا احتمال، فما المانع من القول ـ كما قلت ـ: إن علياً× يعتبر هذه الضرورة باعثاً على حكم ثانوي، كسائر العناوين الثانوية.

2 ـ وقال الإمام علي× عندما اتخذت الشورى المؤلّفة من ستة أشخاص بعد عمر بن الخطاب موقفها مبايعةً عثمان: «لقد علمتم أني أحقّ الناس بها من غيري [وهنا يكرّر طرح مسألة الأحقية] والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصّة»([14]). فهو هنا يعترض على أهل الشورى مذكّراً بأحقيته وأولويته للخلافة، لكنه يخضع لرأي هذه الشورى رعايةً لمصالح المسلمين.

3 ـ ويبدي علي× عدم رغبته في قبول الخلافة، فيقول: «والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنّكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها»([15]). ومن الواضح أن مراده من الخلافة هو هذه الأولوية الثانية التي لم يكن راغباً فيها، لكنه في نهاية المطاف يراها مشروعةً، يسلّم لها، إنّ عدم رغبته هذه في الخلافة قد ورد مكرراً في نهج البلاغة، قاصداً بها الأولوية الثانية، وإلا فالأولوية الأولى لها لم تتحقق، يضاف إلى ذلك أنها منصب إلهي لا يمكن التخلّي عنه، كما لا يمكن وضع أثقاله عن الأكتاف.

4 ـ ويرى علي× أن حضور جماعة كافٍ لتبلور البيعة وتحققها، ولا يرى إجماع تمام المسلمين ضرورياً، بل يعدّه غير ممكن، إنه يقول: «ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك سبيل، ولكنّ أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع، ولا للغائب أن يختار..»([16]).

5 ـ ويحتجّ علي× على طلحة والزبير وأصحاب الجمل ممّن بايعوه، ويرى أن بيعتهم في رقبتهم، مع أنّ بيعتهم هذه كانت على خلافته بعد الخلفاء الذين جاؤوا قبله، لا على إمامته، إنه يقول: «وأبرزا حبيس رسول الله’ لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة، وسمح لي بالبيعة، طائعاً غير مكره…»([17]).

6 ـ وكذلك يتحدّث علي× عن بيعة الناس له، فيقول: «وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها»([18]).

وأساساً؛ خطب الإمام علي× غالباً ما جاءت بعد الخلافة، ولهذا كان جوّ الأولوية الثانية حاكماً عليها، إلى حدّ أنه لا يتحدث عن الأولوية الأولى، أي الإمامة الخاصّة به، إلا على نحو الإشارة، أما الأولوية الثانية والتي هي عبارة عن إجماع أهل الحلّ والعقد فيتحدث عنها مراراً وتكراراً وبشكل صريح، وعلى أية حال فعلي× يؤكّد مراراً على بيعة الناس له ويحتج بذلك على مخالفيه، وهو ما يحكي عمّا أسميناه مشروعية الأولوية الثانية، بل لابدّ من القول: إنّ علياً قد بيّن ضوابط هذه الأولوية ولأوّل مرة في تاريخ الخلافة الإسلامية، مثل حديثه عن كون رأي الحاضرين في المدينة أو في جلسة البيعة ميزاناً وحجةً على الغائبين، فلا يمكن لهم بحجة عدم الحضور ردّ ما جاء في تلك الجلسة، كما تحدّث عن عدم شرطية إجماع الكلّ على البيعة حتّى تصبح شرعيةً، والذي يبدو من مجمل ذلك كلّه أنه× كان يركّز على رأي المهاجرين والأنصار ويعتمد عليه.

وثيقة تاريخية هامّة في موقف الإمام علي× من الخلافة السابقة ـــــــ

وهنا، إذا قبلنا هذه الأولوية الثانية لأيّ دليل من الأدلّة، فمن المسلّم أنّ هذه الأولوية هي التي كانت حاكمةً على الموقف بعد وفاة رسول الله’، ولهذا سلّم لها علي في نهاية المطاف، وبايع الخلفاء، بل تعاون معهم في العديد من الأعمال وبجدّ، ورافقهم فيها. وفي هذا المجال، وإضافة إلى مقاطع عديدة من نهج البلاغة في هذا المضمار لا مجال لاستعراضها، إلا أنني أشير إلى رسالة واحدة للإمام× جاءت في كتاب «الغارات» لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي الإصفهاني (283هـ)، وأكتفي بها.

مؤلّف هذا الكتاب من أسرة أبو عبيدة الثقفي والمختار الثقفي، والتشيع في هذه الأسرة عميق ومتجذر، وقد كتبوا حوله أنه كان زيدياً ثم تحوّل إلى المذهب الإثني عشري، وألّف كتابه في الكوفة، حيث محلّ سكناه وسكن عائلته، إلى حدّ أن أهل إصفهان في ذلك الزمان ـ وأكثر من أي مكان آخر ـ كانوا يعادون علياً×، وقد روى هذا الكتاب في إصفهان، حتّى أنه لم يقبل دعوة أحمد بن محمد بن خالد إلى قم أن يهاجر إليها، ويعدّ هذا الكتاب من نفائس المصادر التاريخية الشيعية، والذي أحياه المغفور له مير جلال الدين المحدث الأرموي عبر تصحيحه ودرج تعليقاته عليه وطباعته في مجلّدين، وقد طبعته «انجمن انتشارات علي» فلتراجع مقدّمة الكتاب.

وقد جاء في هذا الكتاب أنه بعد شهادة محمد بن أبي بكر، دخل على علي× عدّةٌ من أصحابه الخاصين به، مثل: عمرو بن الحمق، وحجر بن عدي، وحبة العرني، والحارث الأعور، وعبدالله بن سبأ (يُذكر أن ورود اسم عبدالله بن سبأ في عداد كبار أصحاب علي×، وفي نص تاريخي من هذا النوع ملفت وجدير بالملاحظة، سيما لمن ينكرون وجود شخص بهذا الاسم)، وقد كانت مصر آنذاك قد سقطت بيد معاوية، وكان علي مهموماً مغموماً، وقد وجّهوا إليه سؤالاً طالبوه فيه بالصراحة والوضوح عن موقفه من أبي بكر وعمر، فأجابهم× بنوع من الاستنكار؛ أفهل صرتم فارغي الوقت والعمل لا عمل لكم حتّى تسألوا عن هذا الأمر، فيما مصر تفتح على يد معاوية وشيعتي يقتلون هناك؟! لكن مع ذلك أجابهم كاتباً رسالةً في هذا الصدد، مطالباً إياهم بحفظ حقّه الذي أضاعوه، وبأن يقرؤوا هذه الرسالة على شيعته وأن يكونوا من أنصار الحق.

لكن قبل أن نبحث في أصل هذه الرسالة، أذكّر كيف أن هذه النخبة من أصحاب علي× لم تكن على علم بعقيدته في أبي بكر وعمر، بل حتّى عن أصل إمامته وولايته المنصوصة له رغم مرور ثلاث سنوات أو أكثر على خلافته، وخوضه حروب الجمل وصفين والنهروان، فإذا كان هؤلاء غير مطّلعين على هذه الحقائق فما ظنّك بعامة الناس ممّن بايعوه خليفةً بعد عثمان، فكيف تكون معلومات هؤلاء عن الأمر؟

إنّ على هذا الأمر شواهد كثيرة في تاريخ صدر الإسلام الأول، استعرضتّ بعضها في مقالة «الإمام علي× والوحدة الإسلامية»، والذي يبدو لي أن مسألة الغدير قد أخذت بالنسيان تدريجياً في عصر الخلفاء، وأنّ علياً× عمل على إحيائها في زمان خلافته. فأكثر أسانيد حديث الغدير ترجع إلى قصّة استشهاده× في ضربة مسجد الكوفة.

ونعرض الآن بعض الجمل من نصّ رسالة علي×، فبعد الحمد والثناء الإلهي وشرح بعثة الرسول الأكرم، وبيان كليات الفرائض والأحكام، وشرح حال العرب في الجاهلية، وكذلك ذكر المصيبة الفاجعة بوفاة رسول الله’، يقول علي×: «فلما مضى لسبيله، تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أنّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد’ عن أهل بيته، ولا أنهم منحّوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي، ورأيت أنّي أحق بمقام رسول الله’ في الناس ممن تولّى الأمر من بعده، فلبثت بذاك ما شاء الله (حتّى رأيت راجعةً من الناس رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين الله وملّة محمد’ وإبراهيم×)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً، يكون مصيبته أعظم عليّ من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب، وكما يتقشع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتّى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا، ولو كره الكافرون.

فتولّى أبو بكر تلك الأمور، فيسّر وشدّد وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً، وما طمعت أن لو حدث به حدث ـ وأنا حيّ ـ أن يردّ إليّ الأمر الذي نازعته فيه طمع مستيقن ولا يئست منه يأس من لا يرجوه، فلما احتضر بعث إلى عمر فولاّه، فسمعنا وأطعنا وناحنا، وتولّى عمر الأمر، وكان مرضيّ السيرة، ميمون النقيبة، حتّى إذا احتضر قلت في نفسي: لن يعدلها عني، فجعلني في سادس ستة..»([19]).

وخلاصة الرسالة أن الذي يبدو أن علياً كان يريد فيها كشف الستار ـ ولأوّل مرّة ـ عن أحداث الخلافة، لبيان أحقيته بها للناس، إلا أن سيل الناس نحو أبي بكر لمبايعته، وهو ما يحكي عن أرضية شعبية نشير قريباً إليها، حال دون ذلك، فعزف عن البيعة الى مدّة حتى رأى طلائع المنافقين والمرتدّين تبدو، من هنا؛ ولكي يحفظ الإسلام بايع أبا بكر دون إكراه ولا إجبار بل بمحض اختياره، مبدياً تمام تعاونه معه من خلال أحداث أهل الردّة بأكملها، مواصلاً نصحه له وإرادة الخير له حتّى يرتفع ذلك الخطر، ثم بايع عمراً فيما بعد، مادحاً سلوك هذين الرجلين، ومتحدّثاً بعد ذلك عن أهل الشورى، ذاماً طريقة عمل عثمان بن عفان، وشارحاً بعد ذلك كيفية انتقال الخلافة إليه بعد عثمان.

ومن الضروري أن نعلم أنّ هذه الرسالة جاءت في شرح ابن أبي الحديد أيضاً بوصفها خطبةً([20])، كما يلاحظ وجودها مقطّعة قطعةً قطعة في ثنايا نهج البلاغة بوصفها كذلك خطبةً من خطبه×، كما كرّرت المطالب التي جاءت مطلع الخطبة وتحدثت عن بعثة الرسول الأكرم، وما جرى بعد وفاته، وكذلك مطلع رسالة الإمام علي× إلى أهل مصر مع مالك الأشتر([21]).

ومن المعلوم أن هذه الكلمات قد نشرت على شكل رسالة معمّمة إلى مختلف نقاط بلاد المسلمين، وهي مغايرة لعهده إلى مالك الأشتر، والذي هو أيضاً من رسائل نهج البلاغة.

يظهر لنا من هذا البحث الطويل أنّ القبول بكلتا الأولويتين في مسألة الخلافة يؤدي ـ قهراً ـ إلى ظهور وجهتي نظر في مسألتنا هنا: إحداهما الاكتفاء بالأولوية الأولى ورفض الثانية، وهي وجهة نظر تؤدي إلى سلب الشرعية عن خلافة الخلفاء، وهي وجهة النظر المستقرّة في وعي المسلمين الشيعة كما نعترف بذلك. وثانيهما الاعتراف بشرعية خلافة الخلفاء، ضمن الظروف الخاصّة التي حصلت، تحت عنوان الضرورة، ومن باب رعاية المصالح الإسلامية وحفظ كيان الإسلام.

والآن إذا نظرنا إلى وجهتي النظر هاتين، وأنا أصرّ على ضرورة دراسة هذه النظرية وتحليلها، ولا أقل من أن دعاة الوحدة الإسلامية وأيضاً التقريب بين المذاهب يرون أن الوحدة اليوم تقف في مقابل المؤامرات التي تُحيكها القوى العالمية، ويرون أن إفشال هذه المؤامرات واحدة من الضرورات، ويعتقدون أن على المسلمين ـ مع اختلاف ميولهم واتجاهاتهم ـ أن يكونوا صفاً واحداً {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ} وذلك في مواجهة أعداء الإسلام، وفي حال من هذا النوع لابدَّ من دراسة هذه النظرية من أفق وسيع، والبحث عن شواهدها من الكتاب والسنّة وفي ثنايا التار يخ.

ما هي الصورة الحقيقية للمهاجرين والأنصار؟ ـــــــ

إذا أراد أنصار التقريب أن يصرّوا على الوحدة الإسلامية معتمدين على النظرية الأولى، فإنّ الوحدة ستغدو محالاً عادة، وسيقول لهم أهل السنّة: إنكم بنظريّتكم تضعون علامات استفهام على تمام المهاجرين والأنصار، وتغضون الطرف عن تمام تلك الآيات الواردة في حقهم، ومعه فكيف يمكننا أن نتّحد وأن نقف في صفّ واحد مع بعضنا؟!

نعم، إنّ آيات القرآن حول المهاجرين والأنصار لا تقف عند الآية أو الآيتين، بل في مناسبات متتالية بعد الهجرة، وهنا أختار آيةً من السنة الثانية للهجرة وأخرى من السنة التاسعة، وهما تشملان تمام المهاجرين والأنصار؛ ففي سورة الأنفال التي نزلت في السنة الثانية للهجرة بعد سورة البقرة نقرأ: {وَالسَّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالأَْنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَْنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100).

ففي هاتين السورتين جاء ذكر المهاجرين والأنصار، بكل خير ومدح ووعد بالجنة، كما جاء ذم المنافقين، وكأن القرآن يريد أن يؤكّد على فصل المنافقين وتمييزهم عن المهاجرين والأنصار، حتّى لا يجري خلطهم ببعضهم، والآيات في أتباع رسول الله’ كثيرة، والمسلمون يقرؤون هذه الآيات، ولا يتصوّرون أنهم جميعاً ارتدوا دفعةً واحدة، فلا أقلّ من أنه كانت لديهم حجّة بينهم وبين أنفسهم؛ ولذا لن يستمعوا إلى كلامكم الذي يضع أكثرية المهاجرين والأنصار في موضع الاستفهام والاتهام انطلاقاً من النظرية الأولى في مسألة الخلافة، وعين هذه الأحداث كانت في صدر الإسلام مشكّلةً وعي عامة المسلمين، إنني أتوقع ممن يرى هذا الكلام ويسمعه أن ينظر بالخصوص إلى سورة الفتح بتمامها سيّما الآية الأخيرة منها التي تتحدث عمّن كان حاضراً صلح الحديبية كي يعطي المسلمين الحق في تصوّرهم حول الصحابة.

والذي يبدو أن الفضائل التي ملأت ثنايا التاريخ وحياة الصحابة وأحوالهم تؤيد هذا التصوّر الإسلامي العام عن الصحابة، فلا يمكننا أن نتغاضى عن هذا كلّه.

مطالعة تاريخية مثيرة لحادثة السقيفة ـــــــ

لقد دوّنت الأحداث التي حصلت في الأيام الأولى عقب وفاة الرسول الأكرم بأشكال مختلفة وغير منسجمة، وبالتأكيد فإن ميولاً مختلفة لعبت دوراً في نقل تلك الأحداث، وهو ما يحتاج إلى دراسات دقيقة وجادة فيها، والأمر المسلّم الذي نتوصل إليه من خلال تحليل الأحداث وتفكيكها أنه كانت هناك منافسات في عصر النبي، وكان هناك بين الفينة والأخرى حالات من إبراز النفس وإظهار الذات بين فئات ثلاث هي: 1ـ الأنصار. 2 ـ المهاجرون. 3 ـ أقرباء النبي أو بنو هاشم، وبعد وفاة الرسول الأكرم امتازت هذه الفئات الثلاث عن بعضها، وقد بات معلوماً أن كل واحدة منها كان يريد الخلافة لنفسه، وقد كان بنو هاشم ـ مع عدّة من حماتهم وأنصارهم مثل سلمان وأبو ذر والمقداد ـ في بيت النبي منشغلين بتجهيزه ودفنه، ليجتمعوا فيما بعد في بيت علي.

إلا أن السبّاقين في هذه القضية كانوا «الأنصار»، وأنا مستاء منهم أكثر من المهاجرين، فقد اجتمعوا دون مشاورة الآخرين أو اطلاعهم في سقيفة بني ساعدة التي كانت مركز اجتماعات الأوس والخزرج قبل الإسلام، قاصدين من وراء ذلك مبايعة سعد بن عبادة الذي كان زعيم الخزرج، والحال أن منافسات كانت قائمة بين هاتين القبيلتين من قبل وما تزال مستمرة، والذي يظهر أن المهاجرين كان عندهم اجتماع معهم في هذا الوقت أو أنهم بعدما اطلعوا على اجتماع الأنصار انضمّوا إليه، فلا يعلم هذا الأمر بالضبط، لكن الشيء المؤكد أن هناك ثلاثة أشخاص من المهاجرين كانوا مطّلعين على اجتماع سقيفة بني ساعدة، وهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة الجراح، وقد عجّلوا بعد اطلاعهم على الأمر في الوصول إلى الاجتماع قبل أن تتمّ البيعة من الأنصار لسعد بن عبادة، وهنا دارت الحوارات بينهم في السقيفة، وقد بيّن فريقٌ منهم أحقيته في الخلافة، لا سيما أبو بكر الذي حال دون الكلام الحادّ لعمر بن الخطاب، مستخدماً أسلوباً ليناً ليقول في نهاية المطاف: «نحن الأمراء وأنتم الوزراء».

وهنا وافقت قبيلة الأوس على العرض، وهي التي كان بينها وبين قبيلة الخزرج منافسات قديمة، ووقعت بيعة أبي بكر من طرفهم، وشيئاً فشيئاً بايعه الخزرج وتركوا سعد بن عبادة لوحده، وهو ما لبث فيما بعد أن رحل إلى الشام ليعيش فيها حتّى نهاية عمره.

في هذا الحدث، انجلت المنافسات التي كانت قائمةً، وصارت واضحة، ولم يُذكر في تلك السقيفة أيّ شيء عن علي وبنو هاشم. والعجيب أن بعضهم يرى أن الأنصار كانوا موالين لعلي وكان قصدهم من وراء هذا الاجتماع أخذ الخلافة من المهاجرين من خلال سعد بن عبادة لتسليمها إلى علي، وهو ما لا يمكن قبوله أبداً، نعم في التجاذبات التي حصلت فيما بعد كان الأنصار ـ في الأكثر ـ مدافعين عن علي وأهل البيت. وعلى أية حال، ففي ذلك الاجتماع وقعت بيعة أوّلية غير محكمة مع أبي بكر، لتعلن في اليوم التالي بشكل رسمي في مسجد النبي.

والذي نخرج به من تحليل هذه الأحداث عدّة نقاط:

أولاً: إنّ الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة التي كانت آنذاك مكاناً مهجوراً، ولم يلتقوا في مسجد النبي؛ ذلك أنهم ما كانوا ليستطيعوا ـ مع وجود المهاجرين ـ اللقاء في المسجد وإحكام قبضتهم على الخلافة.

ثانياً: إنّ بيعة أبي بكر لم تكن ـ كما يقال ـ مؤامرة مبيّتة أو خطّة محسوبة سلفاً، وإنّما حدثٌ اتفق أن وقع، أو على حدّ تعبير عمر بن الخطاب فيما قاله أيام خلافته: «إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها».

ثالثاً: لم يأتِ أحد في ذلك الاجتماع على ذكر عليّ وبني هاشم، وقد تمّ تجاهل النصّ على خلافة علي× تماماً،مهما كان السبب فعلاً، وهنا فرضنا أن الأولوية الأولى كانت موجودة،كما أن مناخ الأولوية الثانية ـ وهو الشورى والعمل برأي أكثرية الصحابة ـ كان موفراً أيضاً.

لماذا مال المسلمون لمبايعة أبي بكر دون علي؟ نظرية جديدة في فضائل أبي بكر ـــــــ

وهنا لابد أن نجيب عن سؤالكم وهو: لماذا لم يبايع الناس علياً وقد كان صاحب الحق فيما بايعوا أبا بكر؟ هل كان السبب أن علياً كان شاباً؟ كلا، ليس هناك تأثير أساسي لشباب علي، وإنّما أرضيات ومناخات كانت متوفرةً لأبي بكر فيما لم تكن كذلك لعلي، وأوضح هذا الأمر بقطع النظر عن قصّة الغدير والفضائل الكثيرة لعلي×، فلعليّ بعض الفضائل التي كان يراها الناس ـ بصرف النظر عن الواقع وحقيقة الأمر ـ متوفرةً في أبي بكر، إنني أكرر هنا: لا أريد أن أثبت هذه الفضائل لأبي بكر في الواقع ونفس الأمر، وإنّما أتحدث عن شهرة أبي بكر وفضائله حتّى غدت له مكانة في وعي عامة المسلمين أو الصحابة، وهذا كلّه أدّى إلى توفر المناخ الملائم للقبول به وميل الأكثرية نحوه. على خط آخر، ثمة فضائل لعلي× من بينها مشاركته في الحروب، وقتله للكثير من رؤوس قريش وساداتها، أدّت إلى تخفيف حضوره.

وهذه الفضائل هي:

1 ـ كان علي أوّل من أسلم في صغره وفي بيت النبي’ مع خديجة زوج رسول الله وزيد بن الحارثة ابن رسول الله’ بالتبني، أما خارج هذا البيت فيعدّ أبو بكر في الوعي الإسلامي العام أول الناس إسلاماً، وقد أسلم من خلال إسلامه جماعةٌ من المشركين انطلاقاً من شهرته آنذاك ومكانته الاجتماعية، ومهما بذلت من جهد فلن تتمكّن من سلب هذه الفضيلة عن أبي بكر من ذهنية المسلمين العامة، لا في ذلك الزمان ولا اليوم أيضاً.

2 ـ لقد نام علي× عند هجرة رسول الله’ في فراشه رغم كلّ الخطر بالموت من ذلك، لاحتمال قتله على يد المشركين المجتمعين من القبائل كافة في مكّة، وهذه الفضيلة تظلّ كالشمس في حياة علي×، لكن في هذه الحال ومع خروج رسول الله غريباً كل الغربة ووحيداً من مكة أو بتعبير أصحّ: فراره من مكّة، لم يكن معه من أقربائه أو المؤمنين أحد، سوى أبي بكر، فاختفيا في غار ثور، حتّى تحدّث القرآن الكريم نفسه عن هذه الغربة والوحدة، فقال: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 40).

ولنتجاوز فعلاً الأبحاث الموسّعة حول هذه الآية والواردة في تفاسير الفريقين، وكذلك في الكتب الإسلامية الكلامية، في دلالة هذه الآية على مدح أبي بكر أو على ذمّه، كما يقول الشيعة، إذ يرون أن جملة: {لا تحزن} تدلّ على خوف أبي بكر أو على ذمه، كما أن تخصيص نزول السكينة على الرسول ـ مع الأخذ بعين الاعتبار أن القرآن نفسه ذكر نزول السكينة في موضع آخر على المؤمنين ـ دليلٌ على عدم إيمان أبي بكر.

أما أهل السنّة فيقولون بأن العناية الإلهية اقتضت أن يصاحب أبو بكر رسول الله، ويجري التعبير عن ذلك بـ {ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ} وكذلك جملة: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنا} حيث تدلّ على نصرة الله تعالى لهذين الرجلين معاً، والحال أنه عندما وقع موسى وبنو إسرائيل في وسط البحر عند خروجهم من مصر، واعتقد بنو إسرائيل أنهم علقوا هناك، قال موسى: {إِنَّ مَعِي رَبِّي} فنسب المعية الإلهية إلى نفسه فقط، وطبقاً لما يقوله الشيخ محمود شلتوت في تفسير هذه الآية، هناك فرقٌ بين الخوف والحزن، فالله تعالى قال لموسى: {لا تخف}، إلا أن الرسول’ في هذه الآية يقول لأبي بكر: {لا تحزن}، فالخوف ناشئ عن ضعف في النفس، أما الحزن فناشئ عن محبة شيء في يدك تخشى زواله وكأنه على شُرُف الزوال، فقد رأى أبو بكر أن تمام الجهود والمعاناة التي بذلها تتجه نحو التلاشي، وأن المشركين سوى يقتلونه ومحمداً، وهذا ما يضع الإسلام على نهاياته، فقول رسول الله’ له هذا الكلام إنّما هو تعاطفٌ ومواساة، لا توبيخاً أو غيره.

وهنا، حتّى لو استمرّت هذه الأبحاث واعتبرت الآية تمدح أبا بكر أو تذمّه، فإنّه لن يغيّر شيئاً من الذهنية العامة عند المسلمين عنه، سيما في تلك الأيام، ففي تجاذبات قضية البيعة جاء ذكر أبي بكر بوصفه «صاحب الغار» دون أن ينكر أحد ذلك.

3 ـ في السنة التاسعة للهجرة، وفي أول حجّ رسمي للمسلمين، حيث أدّوا الحج مع كامل الحرية بعد فتح مكّة، نزلت سورة براءة، ولابد من إبلاغ مضمون السورة للمشركين، وهو ينصّ على إلغاء الاتفاقات الموقعة بين الرسول ومشركي مكة، وفي هاتين الحادثتين جاء ذكر علي وأبي بكر معاً، وقد صارت ـ مثل آية الصلاة ـ مورداً للبحث والجدل بين المسلمين، وقد استند الفريقان هنا إلى الروايات لمدح أبي بكر أو لذمّه، وهم يتفقون على أنّ الرسول أعطى سورة براءة بداية الأمر لأبي بكر، بعدها وبأمر من الله أخذها منه وأعطاها إلى علي حتّى يبلّغها الكفار من طرف النبي’،كما لا خلاف بينهم في أنه أعطى إمارة الحج لأبي بكر، غايته أنّ هذه الإمارة ظلّت ـ من وجهة نظر أهل السنّة ـ إلى نهاية الحج، فيما يذهب الشيعة ـ حسب الظاهر ـ إلى أنها أيضاً أخذت منه وأعطيت إلى علي، فيما الذي يبدو لنا أن ظروف مكّة تنسجم مع جعل الإمارة لأبي بكر أكثر من علي، فهناك الكثير من الصناديد القرناء وآخرين أيضاً من القبائل الأخرى كانوا قتلوا على يد علي، والحال أن أبا بكر بشخصيته وروحيته الهادئة بين القبائل وما قدّمه من رأي في حقّ أسرى معركة بدر.. لهذا كان مناسباً أكثر لإمارة الحج.

وأنقل هنا روايةً عن الإمام الباقر× كما أنقل كلاماً عن الشيخ محمود شلتوت لعل ذلك يضفي هدوءاً وسكينةً على هذا النزاع الحار الملتهب، أما الرواية، فقد جاء في سيرة ابن هشام([22])، قال ابن اسحاق: وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه، أنه قال: «لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحج، قيل له: يا رسول الله! لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي، ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال له: أخرج بهذه القصّة من صدر براءة، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنه لا يدخل الجنّة كافر، ولا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عهدٌ فهو له إلى مدته، فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلّم العضباء، حتّى أدرك أبا بكر بالطريق، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال: أأمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم مضيا، فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج، التي كانوا عليها في الجاهلية، حتّى إذا كان يوم النحر، قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله’ ـ إلى أن قال: ـ ثم قدما على رسول الله».

لكن في رواية أُخرى جاء أن سورة براءة أرسلت في البداية مع أبي بكر، ثم لحقه عليّ في الطريق كي يأخذ منه السورة، لكن في هذه الرواية التي ينقلها محمد بن إسحاق بواسطة واحدة عن الباقر× في كتاب «المغازي».. جاء أن سورة براءة نزلت وأعطيت لعلي، وأن علياً ذهب وظلّ مع أبي بكر كي يعلن أمر النبي للكفار، وأنه بعد أن تمّت الأعمال عاد الرجلان معاً إلى المدينة.

لاحظوا هنا التفاسير ـ لا سيما تفسير الميزان([23]) في البحث الروائي ـ فستجدون كم من الاختلافات والجدال وقع بين الفريقين في هذا المجال، وكذلك بين رواياتهم، ومن المعلوم أن حساسيةً خاصة موجودة في هذه القصّة، وقد بذلت جهود كي يستخرج من هذه الحادثة مدحٌ لأبي بكر أو ذم. وما أريده هنا أن أبا بكر كان نصب أميراً للحاج من جانب النبي ولو في البداية، ألا يحكي ذلك عن مكانة الرجل آنذاك؟ وأن رسول الله في الظروف الحساسة لم يجد من هو أليق بهذه المهمة من أبي بكر؟ وعلى أية حال فالشيء المؤكّد هو أن إبلاغ سورة براءة كان موكولاً إلى علي.

وأما كلام الشيخ شلتوت، فهو أن الرسول الأكرم في تلك الساحة الحساسة المهمة أبدى مظهرين: مظهر السلم والصلح والهدوء وهو ما تجلّى في كون أبي بكر أميراً للحاج، ومظهر الغضب والاستياء وهو ما تجلّى في علي، ويعبّر شلتوت عن هذين المظهرين بالجلال والجمال، ويقول: «.. إنّ الصديق رضي الله عنه كان مظهراً لصفة الرحمة والجمال، كما يرشد إليه موقفه في حادث أسرى بدر.. فأحال النبي عليه السلام والصلاة أمر المسلمين إليه في حجّهم الذي هو مورد الرحمة، أما علي فقد كان كرّم الله وجهه أسد الله ومظهر جلاله، ففوّض إليه نقض عهد الكافرين، الذي هو من آثار الجلال وصفات القهر، فكانا معاً في هذا الموسم كعينين فوّارتين، تفور من أحدهما صفة الجمال وتفور من الأخرى صفة الجلال…»([24]).

ما تقدم كان حديثاً عن موارد ثلاثة من مناخ الاعتراف العام بأبي بكر آنذاك، دون أن يعني ذلك صلاحيته للإمامة أو الخلافة، فكما نعرف فإن كل واحدة من هذه الموارد قد خضعت للمناقشة فيما بعد على مستوى الثبوت، إلا أن أكثرية المسلمين لم يكونوا على علم ـ إثباتاً ـ بهذه المناقشات وكلّ ما كانوا يرونه هو أصل الحادثة، وهو ما كان كافياً للإقرار للخليفة الثاني كي يمدّوا رقابهم لأبي بكر.

إن مثل هذه الوقائع والأحداث التي توحي في ظاهرها بالمدح كثيرةٌ في حياة أبي بكر، وهنا يلزم على الباحثين مراجعة كتب السيرة والتراجم المتعلّقة بالصحابة ـ لا سيما طبقات ابن سعد ـ كي يطلعوا على الجوّ الذي كان قائماً في ذلك الزمان، فمن جملة هذه الحوادث التي أثارت ضجّة وجدلاً، إقامة أبي بكر الصلاة مكان رسول الله حال مرضه، فرغم كل المناقشات التي تلت هذه الحادثة فيما بعد إلا أنها في وقتها تركت أثرها على المسلمين.

ومن الواضح أن ذكر هذه السوابق هنا، إنّما هو بهدف الإجابة عن سؤالكم: لماذا أعطى الناس حقّ عليٍّ لأبي بكر؟ وإلا فما ذكرناه ليس دليلاً على الحقانية والصواب، فنحن لا نريد أن نعتقد من خلال هذه السوابق إلا أنه كانت لأبي بكر مكانة وسط الصحابة آنذاك، وأنهم لأيّ سبب آنذاك لم يختاروا علياً الذي كان يمثل ـ بشكل مسلّم ـ الأولوية الأولى، وإنّما اتجهوا نحو أبي بكر، نعم قد يتردّد على بعض الألسن أن شباب علي الذي كان عمره آنذاك نصف عمر أبي بكر هو السبب، إلا أن ذلك مجرد حجة لا أكثر.

والآن، نعرف أن رسول الله’ كان على علم بهذه الأحداث أكثر من أيّ شخص آخر، فإضافة إلى العلم الغيبي والوحي الإلهي كان يمكنه’ بملاحظة الوقائع والأحداث أن يتنبأ بهذا الوضع، لهذا لم تكن هناك مصلحة في أن تقع الأمور بيد وجوه المنافقين الذين ورد الحديث عنهم وعن كثرتهم في المدينة وأطرافها في سورة التوبة وفي آيات أُخرى، ولا أقلّ من أن رجوع الأمور إلى المهاجرين الأوائل الذين يراعون ظواهر الإسلام كان مرجّحاً على ذلك، ولهذا ربما عاد السكوت النبوي عن بعض هذه الحوادث لصالح أبي بكر بوصفه ضرورةً، وتهيّأت بذلك الظروف له.

ضرورة التمييز بين الصحابة والمنافقين ـــــــ

واختم الحديث حول هذا الموضوع الذي لا نهاية له، بأنه يجب علينا مطالعة القرآن والتاريخ الإسلامي لنضع فرقاً وتمييزاً بين المهاجرين والأنصار والصحابة المعروفين من جهة، وبين المنافقين من جهة أخرى، كي تحلّ أمامنا المشكلات والعُقَد، وإلا فسيظل المشكل قائماً، لهذا كانت معرفة المنافقين مهمّة. لاحظوا كيف أنه بعد البيعة الأوّلية مع أبي بكر جاء أبو سفيان ـ وهو رأس المنافقين ـ إلى علي× وأراد أن يبايعه، وأن يُعلِمَه بأنه يمكنني أن أملأ المدينة بمن يحميك ويدعمك، لكن علياً× ردّ عليه بأنك ما زلت على نفاقك، رادّاً له، من هنا نفهم أن أبا سفيان لم يكن له من دور في وصول أبي بكر إلى الخلافة، بل كان معارضاً له، وكان يهدف إسقاط خلافته على يد علي بن أبي طالب، كما كانت له علاقات بكلّ المعارضين والمنافقين داخل المدينة وخارجها، وكذلك مع أهل مكة الذين كانوا يريدون الارتداد بعد وفاة رسول الله إلا أن سهيل بن عمرو أوقفهم عن ذلك، وإلا فمن أين كان يمكنه جمع الأنصار والأتباع بهذا العدد الكبير؟!

 

الفقيه والمثقف في الدولة الإسلامية، مشاكل وثغرات ـــــــ

& يرى بعضهم أن العلاقة بين مؤسّسة علماء الدين وبين الشعب علاقة تعود إلى عهد بعيد، أما اليوم فإن المثقفين يملكون نفوذاً بين الناس أكثر من رجال الدين، هل هذا صحيح؟ وحبذا لو تفصّلون في مسألة بسط يد الحاكم.

^ هاتان مسألتان، والثانية منهما لا ترتبط كثيراً ببحثنا هنا، بل هي في الأغلب سياسية، أما المسألة الأولى فهي من لواحق ومستتبعات مسألة الدولة الإسلامية، وأنا أجيب عن المسألتين معاً.

إذا ألقينا نظرةً على نظرية الإسلام الحقيقية بشكل عام على مستوى الشريعة ولا سيما على صعيد المصادر الشيعية، نجد أن سلسلة العلماء أو ما نسميه رجال الدين أو المؤسّسة الدينية، وهو اصطلاح جديد، بل يوصف بالفقيه والفقهاء وعلماء الإسلام .. لها أهمية وموضوعية، فلدينا في هذا المجال الكثير من الروايات التي تمسّك بها الإمام الخميني وآخرون لإثبات مسألة ولاية الفقيه، وتطبيقات هذه الروايات وآثارها مشهودة في مجتمعنا، كانتصار الثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران.

وهنا كل من يدين بالشريعة ويرتبط بها سواء كان مثقفاً أم لم يكن، أكان من «حزب الله» أم لم يكن، عليه أن يقبل بهذا الأمر، إنّ حقيقة ولاية الفقيه ـ كما قلنا من قبل ـ هي أنه عندما يبايع الناس الفقيه الجامع للشرائط فإنّ عليهم أن يطيعوه، ويقدّموا رأيه على رأيهم. ولا مانع من أن يقولوا آرائهم، بل هذا أمر واجب عليهم من باب النصيحة وإرادة الخير للإسلام ووليّ الأمر، وهو ما قلنا سابقاً: إنه من الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية، فعلى الناس أن تبدي رأيها وعلى القائد ـ انطلاقاً من وظيفته في المشاورة والشورى ـ أن يستمع إلى ما يقولون، وعليه أن يقبل بكلامِهم عندما يكون صحيحاً، إلا أنه ليس من الواجب عليه التسليم برأي الأكثرية كما هو المتعارف المرسوم في سائر الحكومات والدول.

يقول القرآن للنبي: {وَشاوِرْهُمْ فِي الأَْمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (آل عمران: 159)، كما توجد في القرآن سورة باسم «الشورى»، وقد جاء فيها قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38)؛ وطبقاً للآية الأولى فإن الرسول الأكرم مأمور بمشاورة الناس في القضايا الهامة، إلا أن القرار النهائي يرجع إليه هو، لا أنه يمثل أحد الآراء فيما يمثل كل واحد من أفراد الشعب رأياً آخر. وهذا هو ما نقوله تماماً فيما يتعلّق بالولي الفقيه، ويقبله أيضاً علماء أهل السنّة، إلا أن بعض ا لمثقفين ـ وليس جميعهم ـ لا يقبلون هذا الأمر، لا سيما منذ الحركة الدستورية وحتى عصرنا الحاضر.

إن المثقفين مجموعات عدّة، فهناك مجموعة تمثل الأكثرية توافق عامة الناس فيما يرونه، وقد قبلت هذه المجموعة برأي العلماء سواء في عصر الحركة الدستورية أم في عهد الثورة الإسلامية، وليس هناك ضرورة أن أذكر أسماء هذه المجموعة، وهي مجموعة كثيرة العدد في أوساط أساتذة الجامعات وخرّيجيها، نعم الذي يبدو أنّ هذه المجموعة تطالب بالمزيد من حقوقها معتبرةً أنها منقوصة الحقوق، فهم لا يعارضون سوى حصر السلطة بيد رجال الدين، وعلى أية حال يمكن الجلوس مع هذه المجموعة ومحاورتها والتعرف إليها.

المجموعة الثانية تعبّر عن مجموعة من المسلمين المعتقدين بالإسلام والملتزمين بالأحكام العبادية، إلا أنهم يفصلون بين الدين والسياسة. إنهم يقولون: لا ينبغي أن تحكم المؤسّسة الدينية قبضتها على السلطة، والآن حيث حصل ذلك فإنّ عليها التنحّي، وهذه المجموعة ساهمت في تقدّم حركة الثورة، إلا أنهم ـ من وجهة النظر هذه ـ لا يعبرون سوى عن وسيلة لوضع نهاية للنظام الدكتاتوري للشاه، متصوّرين أن السلطة ستصل إليهم، ولعلّ أكثرية من يسمّون اليوم «القوميون ـ الدينيون» من هذه المجموعة، إنهم يمارسون الدعاية التي تقول: إنّ رجال الدين غير منتجين في مجال العمل السياسي، وعليهم أن يتنحّوا، وهم يشنّجون تفكير الشباب وطلبة الجامعات من المؤسّسة الدينية.

المجموعة الثالثة، هم المشتهرون بالقوميين، ومن بينهم من هو معتقد بالإسلام وملتزم بالأحكام الإسلامية، وهؤلاء منذ البداية كانوا رافضين لتدخل رجال الدين في السياسة، ومنذ بداية الثورة انسحبوا ومازالوا حتّى الآن، ولعلّ نشاطهم أقلّ من نشاط المجموعة الثانية في مواجهة الثورة، إلا أن المجموعتين معاً تعمل بشكل واحد في لقاءاتها واجتماعاتها، وقد كانتا منذ البداية ـ سيما في زمان الدكتور مصدّق ـ في خندق واحد.

ونحن نجد أن بعض أخطاء المسؤولين أو حدّتهم في التعامل مع الأمور شكّلت مادةً جيدة للدعاية ضدّ المؤسسة الدينية من جانب هاتين المجموعتين، كما أن وسائل الإعلام والدعاية الأجنبية تدافع عن هاتين المجموعتين أيضاً.

ما زلت أذكر أن بعضاً من الفئة الثانية كانوا يقولون علناً في بداية الثورة: الآن وقد أخذتم الدولة من يد الشاه، إذاً فعليكم أن تسلّموها لنا، وكان أحد المتناغمين معهم فكرياً يقول: على المؤسسة الدينية ورجال الدين أن يذهبوا لحفظ متاريس المساجد، أي أن عليهم أن يذهبوا للانشغال بالعبادة وأن يتركوا السياسة لنا. إن هذا النوع من التفكير هو تفكير يدعو لحصر السلطة بيد جماعة، وهي التهمة عينها التي يوجّهونها إلى رجال الدين.

وقضية المثقفين في إيران قد تعرّضت لأزمات ومشاكل منذ اليوم الأوّل لها، فالحركة الدستورية وأحداثها أثبتت هذا الأمر، وهو أن جماعة من المثقفين قد نحّوا بعض رجال الدين أيضاً مثل السيد عبدالله البهبهاني، وهو الذي ظلّ لسنوات يناضل بقوّة للمطالبة بالحرية وبالدستور، لكنهم شطبوه في نهاية المطاف. وقد تكرر هذا المشهد في عهد مصدق، واليوم نرى الإناء نفسه وما فيه من حساء.

أكتفي بهذا المقدار ولن أتحدث عن هذا الأمر أكثر من ذلك، وأركّز على سؤالكم الثاني مما يرتبط ببحثنا هنا عن الدولة الإسلامية، ومعنى أن يكون الحاكم مبسوط اليد.

الحاكم المبسوط اليد، مصطلح فقهي كان له رواج في السابق، فقد كانت للفقهاء على الدوام منطقة نفوذ في الإسلام، وغالباً ما كانت في مسائل القضاء وإجراء الحدود، لا في تمام شؤون الدولة الإسلامية، مما كان القرار فيه يرجع إلى الخلفاء والسلاطين والحكّام، فإذا أعطى الحكّام للفقهاء المجال كي يجروا الأحكام الإسلامية فإن الفقهاء في هذه الحالة سيكونون مبسوطي اليد، وإذا لم يكن ذلك لم يكن الفقيه مبسوط اليد، وفي بعض الأحيان قد يطلق الحكام العنان للفقهاء في بعض الأمور مما يسمّى في الاصطلاح بالأمور الحسبية مثل كفالة اليتيم وردّ المظالم وما كان من هذا القبيل، لكنهم يحولون بينهم وبين إجراء الحدود، وفي هذه الحالة لا يطلق على الفقيه أنه مبسوط اليد. إنّ «مبسوط اليد» اصطلاح فقهي لا مورد له اليوم، ذلك أن الدولة الإسلامية في إيران تدار حاليّاً تحت إشراف الولي الفقيه، كما أن محاكمنا إسلامية، وللفقيه تمام السلطة والإمكانات والصلاحيات.

الإسلام السياسي بين سلطة الشعب وسلطة الفقيه ـــــــ

& يشيع اليوم مصطلح «سيادة الشعب» ما معنى هذا المصطلح؟ وهل يعني اللياقة للسيادة والسلطة؟

^ بدايةً أنا لا أوافق على هذا المصطلح، ذلك أنه عندما تأتي هذه العبارة إلى الذهن فإنها تعني سيطرة الشعب على الدولة والحكومة وكلّ الأعمال الأُخرى، فأنت بهذا المصطلح تكون قد أعطيت للناس أكثر مما هو لهم، لقد قلنا بأن للناس في الدولة الإسلامية حقّ الرأي والمشورة وانتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء المجلس النيابي، وحتى حق انتخاب القائد عبر انتخاب أعضاء مجلس الخبراء، إلا أنه بعد تعيين القائد ـ وهو الفقيه الجامع للشرائط ـ ليس لهم سوى حق إبداء الرأي لا حقّ فرضه على القيادة، بل لو أصدر القائد حكماً واتخذ قراراً حاسماً في إدارة البلاد لزمتهم الطاعة له جميعاً، سواء منهم العالم المجتهد أم العامي، فإذا كانت سيادة الشعب تعني الاختيار المطلق فهي لا تنسجم مع إطاعة الفقيه القائد، وإذا حصرناها بالمعنى الذي ذكرناه فلن يكون هناك معنى للسيادة.

على خط آخر، نحن لا نعتقد أيضاً بسيادة الفقيه، ذلك أنه مأمور بمشاورة أصحاب الرأي من الناس، كما أنه ملزم برعاية الأحكام الإلهية والسنن الإسلامية، ومع هذه الأمور لن يكون هناك معنى لسيادة الفقيه بشكل مطلق، وإلا دخلنا في الاستبداد، وهي التهمة التي يحاول معارضو النظام الإسلامي إلصاقها ـ خطأ ـ بالحاكم الإسلامي، وقد أشرت إلى ذلك من قبل.

وعليه، فللناس حقّ إبداء الرأي في قضايا البلاد في إطار الدستور القائم على الإسلام، ومن نوع إبداء الرأي.. ممارسةُ حق الانتخاب على مختلف المستويات والمجالات، لكن ذلك لا يعني الوقوف في مقابل الولي الفقيه الحائز على الشروط الإسلامية، يقول تعالى: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (الأحزاب: 36)، فهذه الآية جاءت في مورد الأحكام الولائية الحكومية لا الأحكام الشرعية، ففي مثل حالات الحرب والسلم إذا أصدر الله ورسوله حكماً موردياً فلا مجال للمؤمنين في الاختيار، بل عليهم إطاعة الحكم الصادر، ويكون عصيانه ضلالاً وانحرافاً، والحاكم الشرعي الإسلامي والولي الفقيه له هذه الحال في أحكامه وأوامره، وليس الوليّ الفقيه فقط من هذه حاله، وإنّما كل رؤساء الجمهوريات في الحكومات العالمية لهم هذا الحق في قراراتهم ضمن إطارهم القانوني، ولا يمكن لأحد أن يقف في وجههم.

إننا نعلم أنه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم يوجد مجمع تشخيص مصلحة النظام المؤلّف من أهل الحلّ والعقد، وهو يشكّل عضد القيادة على مستوى المشاورات والاستشارات، والقائد يقدم في القضايا الهامّة والمصيرية على اتخاذ قراراته انطلاقاً من وجهة نظرهم، وفي هذا المجلس يتواجد رؤساء السلطات الثلاث، وهم منتخبو الشعب سواء بالواسطة أم بلا واسطة، سيما رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشورى الإسلامي، ومع هذا كلّه لا معنى لتهمة الاستبداد في حقّ القائد.

 

مسألة التقريب في العصر الراهن: لا تقريب دون اعتراف ـــــــ

& لا حاجة إلى الحديث عن خدمات سماحتكم في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية، فهو أمرٌ يجري على لسان العام والخاص، وفي الحقيقة يعتبركم الجميع أبَ التقريب في إيران، ويكفي لتجليل جهودكم القيّمة في هذا المضمار أن نشير إلى البيان الهام للقائد (الخامنئي) في تقدير خدماتكم، حيث وصفكم من جهة بـ «العلامة» كما عبّر عنكم بـ «العاقل الحكيم» وأنتم تستحقون ذلك، حبذا لو تعطونا كلمة حول التقريب بين المذاهب، وأنتم الآن عضو الشورى المركزية لهذا العمل.

من جهة أُخرى، لو تحدّثونا أيضاً عن جهدكم الثمين الذي قدّمتموه للجامعيين والمحافل العلمية والمراكز الثقافية، والحوزات العلمية، ألا وهو (معجم فقه لغة القرآن الكريم وسرّ بلاغته) وقد صدر منه حتى الآن خمسة مجلدات، حبذا لو تحدّثونا عن هذا العمل، وعن عدد المجلدات المترقبة لهذا المشروع.

^ بالنسبة للتقريب، فأنتم لاحظتم وقرأتم لي مقالات وحوارات كثيرة حول هذا الموضوع، وعدد من هذه الحوارات جاء في كتابي باللغة الفارسية وهو «بيام وحدت / نداء الوحدة»، وكذلك بعض الخطب في صلاة الجمعة في طهران جاءت في كتاب «نداى وحدت»، كما طبعت مقالاتي العربية حول التقريب في كتاب «الوحدة الإسلامية»، وهناك عدد أكبر من حواراتي وخطبي الطويلة لم يطبع حتّى الآن.

بشكل عام، تتلخص عقيدتي حول التقريب بين المذاهب الإسلامية في أننا لو أردنا هذا التقريب حقيقة، فلا يصحّ أن نكتفي بالمجاملات والخطب الجميلة الظاهرية، بل لابدَّ لنا أن نعلن جميعاً المذاهب السنّية المعروفة، وكذلك المذهبين الشيعيين: الإمامية والزيدية إضافةً إلى المذهب الأباضي الذي يملك تاريخاً وفقهاً ودولةً مستقلة هي سلطنة عمان… أن نعلن جميعاً هذه المذاهب برمّتها مذاهبَ إسلامية رسمية.

دعنا من المذاهب النادرة والمشكوكة التي تتواجد هنا وهناك في زوايا العالم الإسلامي، والتي ما زالت عقائدها خافيةً مختفية، مثل العلويين في تركيا، وبعض الفرق الصوفية، والدروز في لبنان.. فهؤلاء جميعاً خارجون عن محلّ بحثنا، ولابد من التعرّف عليهم بدقة، حتّى يُعلم هل يأخذون بأصول الإسلام وإلى أي حدّ؟ إنما نقول: على أهل السنّة أن يقبلوا الشيعة الإمامية الإثنا عشرية والمذهب الزيدي مذهبين إسلاميين، والعكس هو الصحيح، على الشيعة قبول المذاهب السنية بوصفها مذاهب إسلامية، وهذا هو العمل القيّم الذي أعلنه المرحوم الشيخ محمود شلتوت في زمان رئاسته للجامع الأزهر.

من العجيب أنّ علماءنا الكبار في كتبهم الفقهية يقبلون آراء فقهاء وأئمة أهل السنّة بوصفها آراء فقهية، وينقلونها، ويخضعونها للبحث والمناقشة، فلابدَّ أن يقوم أهل السنّة بهذا الأمر أيضاً، وعلى نطاق واسع لا محدود.

إن وجود هذه المذاهب أمر واقع، وقد قامت على أساس الاجتهاد والاستنباط من الكتاب والسنّة، ولكل منها إمام تدين له، وقد قبل الشيخ الطوسي (460هـ) وآخرون هذه الحقيقة، فذكروا آراء أهل السنّة في كتبهم، مثل مسائل الخلاف للطوسي وكتب العلامة الحلي ككتاب تذكرة الفقهاء، وآخرون، أما أهل السنّة فلم يعتنوا بآراء الشيعة سابقاً، أما في العصر الحاضر وإصدارتهم فيه وكتب دوائر المعارف الفقهية فقد ذكروا فيها رأي الشيعة، وفي بعض الأوقات اختاروا فتاوى شيعية نظراً لإحكام أدلّتها، ومن المعلوم أنه عندما يكون المجال للبحث والاجتهاد والاستنباط فإنّه قد يُقبل هذا الرأي وقد يردّ، وهذا أمر لا مشكلة فيه، بل هو موجود بين فقهاء المذهب الواحد، فعلينا الرجوع إلى عصر الشيخ الطوسي والعلامة الحلي وآخرين وأن ننظر بأفق رحب ونظر واسع إلى آراء الآخرين بوصفها آراء فقهية، وأن نرفع يدنا عن ألوان التعصّب، ولا نعتبر آراء الآخرين بدعة، فإذا اتبعت المذاهب كافة هذا المنهج فإنهم يصدقون في ادّعائهم التقريب وإلا فلو ظلّوا مثل الماضي حيث تحقير آراء الغير وتقزيمها فلا صدق في ادعاء التقريب حينئذٍ.

مرجعية حديث الغدير أم حديث الثقلين، نظرية الأستاذ البروجردي ـــــــ

يفترض بالجميع أن لا يبالغوا في القضايا الخلافية بالحساسية، فلننظر إلى منهج مؤسس التقريب في إيران وبين الشيعة، أستاذنا الجليل المرحوم السيد البروجردي، فقد كان يقول: لدينا مع أهل السنّة مسألتان: إحداهما قضية الخلافة وثانيهما المرجعية العلمية لأئمة أهل البيت^ في الفقه وسائر المسائل الإسلامية، واليوم لا وجود للخلافة في العالم الإسلامي حتّى نختلف حولها ونتصارع، فماذا يريد المسلمون اليوم من وراء البحث حول الخلافة ومن إبداء كل هذه الحساسية المتعلّقة بها، نعم هذا البحث كان في السابق وكانت هناك خلافة أما اليوم فلا وجود لذلك.

كان السيد البروجردي يقول: ليست هذه المسألة اليوم محلّ حاجة المسلمين، بل ما هو محلّ حاجتهم تحديد من أين يأخذون دينهم ومعارفهم وعقائدهم وأحكامهم؟ فقد حدّد رسول الإسلام المسؤوليات والوظائف وجعل في حديث الثقلين المعروف عترته وأهل بيته المرجعَ العلمي للمسلمين إلى جانب القرآن الذي يقرّ به الجميع، في الماضي لم يكن هناك حديث عن دولة إسلامية بل عن حجية حديث الإمام ومرجعيته العلمية، وقد كان البروجردي يؤكّد دائماً على هذا الموضوع، وكان يلتزم الصمت والسكوت إزاء قضية الخلافة، ليس إنكاراً وإنما لعدم الحاجة.

انظروا كم هذا الفكر حكيمٌ وواعٍ؟ فعلينا أن لا نطرح قضيةً للتنازع تحول دون تقارب المسلمين، والحال أنه لا حاجة إليها ولا يمكن تطبيقها عملياً، بل علينا أن نتجه نحو المسألة الثانية التي يحتاجها المسلمون اليوم. يقول بعضهم: إنني قلت في حواري مع مجلّة «هفت آسمان / السماوات السبع»: إن البروجردي قد أنكر مسألة الخلافة، كلاً وأبداً لم أقل ذلك إطلاقاً، فقد كان البروجردي راسخ القدم في قضية إمامة أهل البيت^ للمسلمين، وكان يقول: لو فصلنا هاتين المسألتين عن بعضهما أمكننا ترسيخ القضية الثانية في وسط أهل السنّة، سيما وأنه لم يعد لنظام الخلافة من وجود اليوم في العالم، فلو كان لها وجود لقال لنا أهل السنّة: لماذا لا تدافعون عن الخلافة، ولأبدوا حساسيةً في هذا المجال، ولم يقبلوا بالمسألة الثانية، وهي المرجعية العلمية، لكن هذه الحساسية زالت اليوم، لذا يمكننا إقناعهم بالمرجعية العلمية عبر السكوت عن مسألة الخلافة.

لقد أعطى هذا المنهج الذي ارتآه السيد البروجردي ثماره في عصره، وكان منها الفتوى الشهيرة للشيخ محمود شلتوت، فبعد أن اطّلع شلتوت على الأسانيد المتعدّدة لحديث الثقلين أصدر فتواه المشهورة، هذه هي نظرية الأستاذ البروجردي وهذه هي نتائجها العملية، وهذا هو السبيل الذي يتبعه اليوم المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، وعلى المسلمين اتّباعه. لقد شرحت مفصلاً في كتاب «نداى وحدت»([25]) نقاط افتراق المسلمين واختلافهم، وسبل التقريب بين المذاهب، كما تعرّضت لهذا الأمر في مقالةٍ لي حملت عنوان «أساسيات التقريب»، وأرجو من قراء هذا الحوار أن يراجعوا هذين المصدرين.

هذه صورة مجملة عن مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

مشروع «معجم لغة القرآن وسرّ بلاغته»، عرض وتعريف ـــــــ

أما سؤالكم الثاني عن كتاب «معجم فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته»، والذي حاز على لقب «كتاب العام» من جانب وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران، وكذلك من طرف جماعة المدرّسين في قم، فهو ما يعلم من الشرح الذي ذكرته في مقدّمة هذا الكتاب، حيث بيّنت منطلقات هذا العمل والأهداف التي يسعى إليها، والدور الذي سيلعبه هذا الكتاب في تاريخ الجهود العلمية حول القرآن.

وبشكل إجمالي، فقد بدأ العمل في ثنايا الجهود العلمية لمؤتمر الشيخ الطوسي الألفي الدولي الذي انعقد في مشهد باقتراحي وبجهودي قبل سنين طويلة (33 عام)([26])، أي عام (1341 ـ 1350هـ. ش/1970 ـ 1971م) ، وهناك جمعت الآراء اللغوية للشيخ الطوسي من «تفسير التبيان» ولاحظت أن الطوسي (385 ـ 460هـ) كان صاحب رأي في اللغة وأن آراءه هامة وأساسية مثل آراء الراغب الإصفهاني في «المفردات» وانتصرت الثورة الإسلامية في إيران وتمّ تأسيس «بنياد بزوهشهاي إسلامي/ مركز الأبحاث الإسلامية» من جانب الحضرة الرضوية في مشهد، متشكلاً من مجموعات علمية وثقافية متنوعة، كان واحداً منها فريق القرآنيات الذي كان تحت إشرافي، ومنذ ذلك الوقت جعلنا هذا المشروع أساساً لعمل هذا الفريق، وبعد دراسات متعدّدة وإجراء تعديلات وإعادة نظر مكرّرة في الموضوع.. تقرّر عدم الاكتفاء بما طرحه الشيخ الطوسي، وإنما المطلوب توسعة نطاق العمل، وجمع كل الآراء اللغوية في التفاسير المختلفة من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر، وكذلك النصوص اللغوية في كتب اللغة مما يتعلّق بكلمات القرآن الكريم، ثم إخضاعها للدرس والبحث، وهو جهدٌ يقوم به فريق عمل من الأعضاء المحترمين المتكوّن من طلاب الحوزة العلمية، وخريجي الجامعة، وقد صدر منه حتّى الآن خمسة مجلدات تمّت طباعتها، وبها يتمّ تقريباً حرفا: «أ» و «ب»، فيما حرف «التاء» يشرف على الانتهاء، وهو يجهّز للطباعة الآن.

وقد تمّ في هذا المعجم ترتيب الآراء اللغوية والبلاغية للمفسّرين المسلمين حسب التسلسل الزمني لدى التعرّض لكل كلمة من كلمات القرآن، وبدا لنا أن البارز من هذه الآراء والذي يظلّ مضيئاً من بين الجميع هو آراء الشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي والراغب الإصفهاني، نسأل الله أن يوفقني وفريق العمل في قسم القرآنيات لإنجاز هذا المشروع حتّى نهاياته.

& كم سيبلغ عدد مجلدات المعجم؟

^ لا يمكنني التنبؤ بذلك، تماماً كما صعب على كتّاب الموسوعات ودوائر المعارف تحديد ذلك منذ البداية، لكنني أظن أنه سوف يبلغ قريباً من الثلاثين مجلداً.

نعم، لقد أخذنا بعين الاعتبار المجلّد الأوّل الذي سيكون مدخلاً للمعجم، وسيحتوي على موضوعات قرآنية هامّة، وقد جاء في مقدمة المعجم فهرس ومسرد بهذه الموضوعات، وقد أنجزت بعض أعمال هذا المدخل، والباقي قيد الإنجاز، نسأل الله التوفيق.

& سماحة الشيخ واعظ زاده! نشكركم كثيراً كثيراً على لطفكم، ونسأل الله لجنابكم العزّة والسلامة وطول العمر، وإن شاء الله تستفيد الأمّة الإسلامية من إفاداتكم وأبحاثكم دوماً، وحقيقةً هناك الكثير من الأصدقاء والمعارف والأساتذة المحترمين وعلماء الدين ممّن يعدّونكم إحدى الذخائر الإسلامية.

^ ليست لي طاقة بهذا الذي ذكرتموه، إلا أن قلبي مشتاق لأن أترك عملاً علمياً خالداً يبقى ولا يزول فكراً مستمراً، كي يتابع إنجازاته اللاحقون، نعم إنني أبحث من خلال هذه الدعوات عن أمرٍ واقعي يمكن أن يتحقق، والسلام عليكم ورحمة الله.

الهوامش

 

 

 

(*) فقيه وعالم دين بارز، من تلامذة الإمام البروجردي، ومن منظّري التقريب بين المذاهب، أثارت أفكاره أكثر من جدل في إيران.

([1]) نهج البلاغة: 433، الرقم: 53، كتابه إلى مالك الأشتر.

([2]) المصدر نفسه: 194، الخطبة: 136.

([3]) المصدر نفسه: 366، الرسالة: 5.

([4]) المصدر نفسه، 81، الخطبة: 37.

([5]) المصدر نفسه، 283، الرسالة: 26.

([6]) المصدر نفسه، الرسالة: 46.

([7]) المصدر نفسه، الخطبة: 373.

([8]) المصدر نفسه، الخطبة: 125.

([9]) المصدر نفسه، الخطبة: 131.

([10]) المصدر نفسه، الخطبة: 34.

([11]) المصدر نفسه، الخطبة: 34.

([12]) نهج البلاغة، الخطبة: 105.

([13]) المصدر نفسه، الرسالة: 6.

([14]) المصدر نفسه، الخطبة: 173.

([15]) المصدر نفسه، الخطبة: 74.

([16]) المصدر نفسه، الخطبة: 205.

([17]) المصدر نفسه، الخطبة: 172.

([18]) المصدر نفسه، الخطبة: 229.

([19]) كتاب الغارات 1: 307.

([20]) شرح ابن أبي الحديد 2: 35.

([21]) نهج البلاغة، الخطبة: 26.

([22]) سيرة ابن هشام 4 : 190، طبعة الحلبي.

([23]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 9: 162.

([24]) تفسير الشيخ محمود شلتوت: 911، طبعة طهران.

([25]) نداى وحدت، المقال الحادي عشر، راههاى سياسي وعلمي وحدت اسلامي وتقريب مذاهب: 251 ـ 291.

([26]) هذا انطلاقاً من تاريخ إجراء الحوار (المترجم).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً