الاحتجاب أم العفاف
قراءة في التصوّر الإسلامي
حميدة عامري – ترجمة: محمّد تقي معدّل وآلاء معدّل
((اللهم إني أَسأَلك الهدى والتقى والعفاف والغنى والعمل بما تحب وترضى))([1])
أرسل الله تعالى الرسل والأنبياء والقادة المصلحين إلى الاُمم المختلفة، وبيّن لهم سبل هداية وسعادة البشرية، فكان الإسلام أكملها وأتمّها، فأحكامه القائمة على أساس المعرفة الدقيقة بأبعاد حياة الإنسان المختلفة، تضمن له الفوز بالحياة الكريمة وبلوغ الكمال الحقيقي، وسلامة الروح والبدن.
وقد بُنيت برامج التربية – طبق تعاليم الإسلام المقدسة – على أساس إحياء جميع النـزعات الفطرية وتوجيه الميول الطبيعية، وأهم أسس تربية الإنسان معرفة نزعاته الفطرية وإشباعها بصورة صحيحة متوازنة.
وهذه التربية المتناسقة مع النظام الحكيم والدقيق لخلقة الإنسان، والمطابقة لقانون الوجود، تجعل منه إنساناً قويماً وراعياً قيّماً، وتهيئ له مُستلزمات سعادته الأبدية.
قال تعالى: >فأقم وجهكَ للدين حنيفاً فطرة الله التي فطرَ الناسَ عليها<([2]).
إنّ منشأ الميل إلى الجمال كحبّ الأناقة، واللباس الجميل، والكلام الحسن، والزينة واستعمال العطور، والنـزعات الجنسية، منشأها جميعاً الفطرة الإنسانية.
والمهم هو حفظ الحرمات وعدم الخروج عن حدّ الاعتدال فيها، دون التفريط بالميول والنـزعات الفطرية والروحية ووأدها وإماتتها، ولا الإفراط فيها وتجاوز حد الاعتدال في إشباعها، وهذا هو معنى العفاف، أي إنّ العفيف الطاهر هو ذلك الشخص الذي يستطيع السيطرة على شهواته وغرائزه، ويحفظها من الزيغ عن حدود التوازن والاستقامة.
وقد أكّد الدين الإسلامي على العفاف ومنـزلته، حتى قرن إمام المتقين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وساوى بين منـزلتي العفيف والشهيد في سبيل الله ومقاميهما، قال قال(ع): ((ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة))([3]).
ولكن، وللأسف الشديد، نرى – في حين تعرج البشرية إلى آفاق السماء وتتجلى التقنية العلمية والفنية من عقول وتصميم البشر – في مثل هذا الحال أنّ ملائكة العفّة والأخلاق قد رحلت وتلاشت في كثير من المجتمعات، إذ أصبحت المرأة التي هي مظهر العفاف والحياء، ومثال الطهارة والنقاء وأمّاً للبشرية، وتجسيداً لصفات الملائكة على وجه الأرض، وحفظ العلائق الأسرية، أصبحت وسيلةً رخيصة في الشوارع، وسلعة بأيدي الطامعين، يتداولها أصحاب أسواق الأهواء والنـزوات النفسية، تتعرض لمخاطر التيارات المنحرفة السياسية والإعلامية الخبيثة، من جميع الجهات، فسقطت في هاوية الانحطاط، ودفنت كرامتها الإنسانية تحت غبار الغفلة والنسيان.
منذ ذلك الحين، انقلبت معايير الزواج، واستبدلت بالالتفاف والحوْم حول لهيب الشهوة ونيرانها، وتفكّكت النظم الدقيقة التي وضعت خلال القرون المنصرمة من حياة البشرية لإدارة الأسرة وبقائها، وكذلك تقطّعت أعظم الروابط الروحية الإنسانية بين المرأة والرجل، وقلّ اعتبار قيمة المرأة لدى الرجال الذين كانوا قد شيدوا سوراً ملكوتياً للوصول إلى كعبة وجود المرأة، حتى أُبيح كل ما ينطوي تحت عنوان: الإساءة والإثم والمعصية والخيانة وضعف الإرادة والاعتداء على المرأة ومقامها الشامخ.
لا شك أنّ احتفاظ الدول الرأسمالية والاستعمارية بالهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية على سائر الدول والمناطق المتخلفة لا تستمر ولن تدوم بدون الهيمنة الثقافية والسيطرة على ثقافة شعوب هذه البلاد وأفكارها وعقائدها، لذا استغل الاستعمار مختلف الوسائل والسبل من كتب دراسية، ومقالات علمية، وأفلام سينمائية، وبرامج إذاعية وتلفزيونية، وأقمار صناعية، وأشرطة فيديوية وغيرها، وبمختلف الصور من أجل الوصول إلى أهدافه الخبيثة متوخياً فصل الناس عامة والأمة الإسلامية خاصة – سيما المفكرين الشباب منهم – وعزلهم عن تاريخ حضارتهم وإشاعة الفكر الاستعماري فيهم بدلاً من فكرهم الأصيل، والأكثر خطراً من ذلك التركيز على انحطاطهم الذاتي وغرس حب التبعية للأجانب فيهم.
إنّ الحل الوحيد الذي يصون المجتمعات من هذه الأفكار الخبيثة ومن الاضمحلال والسقوط في هاوية الفناء إنّما هو إشاعة ثقافة العفاف الدقيقة وتبيين أبعاده المختلفة في المجتمع، وقد اختير هذا المقال لأداء هذا الغرض.
مفهوم العفاف وتعريفه
العفّة في التعاليم الإسلامية تعني السيطرة على الشهوات ومنعها من تجاوز حدّ الاعتدال.
هذه الكلمة مأخوذة من جذر عففَ بمعنى احترزَ من المحرّمات، وامتنع من القول أو الفعل المذموم([4])، وجميع المشتقات المأخوذة منه تدلّ على هذا المعنى.
فمعنى التعفّف هو: ((كفّ النفس عن المحرمات، وعدم الطلب من الناس))([5]).
يقول الراغب الإصفهاني: ((العفّة: حصول حالةٍ للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة))([6]).
إذن، العفّة: ترك الشهوات من كل شيء، وغلب في حفظ الفرج مما لا يحلّ([7]).
وفي القرآن الكريم جاء كذلك بنفس المعنى؛ أي الحالة النفسية التي تردع الشهوة، ويطلق لفظ العفيف في القرآن الكريم على الشخص الذي هو منيع الطبع رادع للنفس([8]).
ويختلف معنى هذا اللفظ باختلاف المصاديق والموارد المختلفة، فمثلاً:
أ: العفّة – بالنسبة إلى الفقير – تعني القناعة وحفظ النفس وكبحها عن الميول الشهوانية، تحاشياً من الوقوع في المحرمات.
قال تعالى: >للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهلُ أغنياءَ من التعفّفِ تعرفهم بسيماهم لا يسألونَ الناسَ إلحافا<([9]).
ب: العفّة – بالنسبة إلى الغني – تعني كف النفس وحفظها عن الشهوات التي تحصل للغني نتيجة سعة حاله ووفرة إمكاناته المالية، قال تعالى: >ومن كان غنيا فليستعفف<([10]).
ج: العفّة – بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يستطيعون النكاح – وهو: كفّ النفس عن الشهوات وحفظها عن التلوّث بالذنوب بالصوم والعبادة وذكر الله بلسانه وقلبه والتفكّر فيما يرضيه، قال تعالى: >وليستعفف الذينَ لا يجدونَ نكاحاً حتى يغنيهم اللهُ من فضلهِ<([11]).
د: العفّة – بالنسبة إلى القواعد من النساء – تعني حفظ النفس مما يستهويها، كإظهار الزينة والتزين([12])، قال تعالى: >والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجاتٍ بزينةٍ وأن يستعففن خير لهنّ<([13]).
وأمّا في علم الأخلاق: فالعفّة مقابل القوة الشهوانية والنفس البهيمية، أي أنّ القوى الشهوانية كلّما اعتدلت ولم تتجاوز عن حدّها وأطاعت العقل ولم تغرق في الشهوات ولم تخالف أوامر القوة العاقلة أو تخرج عن سلطانها – سيما في الموارد الشهوانية – يقال لصاحبها حينئذ: عفيف، ويتّصف بصفة العفّة الحميدة([14]).
يقول الملاّ أحمد النراقي صاحب كتاب معراج السعادة في تعريفه العفّة: ((العفّة عبارة عن طاعة القوة الشهوانية وانقيادها للقوة العاقلة فتَتّبع أوامر العقل في مجال الأكل والشرب والنكاح والجماع، وتجنب ما ينهى عنه))([15]).
جذور العفاف في الفطرة
حقيقة البشر واحدة ولكن الحياة ذات بعدين، مادي ومعنوي، ولكلّ من هذين البعدين القابلية على التكامل والنمو، ولتكامل أي منهما أو تناقصه تأثير مباشر على الآخر، ورغم انفصال كل من هذين البعدين عن الآخر، ولكن لا ينفك تأثير أحدهما عن صاحبه.
ويؤثر على الحياة الإنسانية أكثر من هذين البعدين (المادي والمعنوي) نوع وكيفية رؤية كلّ فرد إلى نفسه، وإلى العالم الذي يحيط به، وهذه الرؤى والتغييرات لها أثر مباشر على قبض وبسط سعة الحياة المادية والمعنوية للإنسان، ولذا تختلف حياة الإنسان وأهدافه الحالية عن الماضي اختلافاً شاسعاً.
مع ذلك، يجب ألاّ نتصور تغيرُّ كلّ شيء مع هذه التغيرات والتحولات بحيث لم تبق هناك نقطة اشتراك، بل هناك نقاط اشتراك عديدة بقيت ثابتة ومهمّة في جميع العصور، كحبّ العدالة، وحبّ النوع البشري، وحبّ الصدق، وتكريم المصلحين الاجتماعيين، ومقاومة الظلم، و… ذلك كلّه يدلّ على أنّ هناك اعتقادات ومفاهيم عامّة مشتركة لدى جميع أفراد البشر وفي جميع العصور؛ وإن تفاوتت المصاديق، وتتسمى هذه الاعتقادات في الأديان السماوية بـ ((الفطرة)).
الفطرة أمر جعله الله تعالى في ذات كلّ فرد، بحيث يميل ويرغب إليه كلّ شخص بدون أي اكتساب، والعفاف أحد هذه الاعتقادات التي قلنا: إنها فطرية، حيث تحكم العفّة والتعفّف روح الإنسان منذ بدء خلق البشر وحتى الآن.
طبعاً، يمكن أن تتغير بعض أبعادها كالشكل والمقدار والكيفية في مختلف الأدوار، ولكنها تبدو ظاهرة دائماً.
يذكر القرآن الكريم هذه الخصلة الفطرية في قصّة خلق آدم وحواء، فيقول: >فدلاّهما بغرور فلمّا ذاقا الشجرةَ بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة<([16]).
كما أُوصي بالعفاف والحياء في الأديان الإلهية الأُخرى كثيراً.
وردَ في رسالة بولس في العهد الجديد ما يلي: ((فلتتزين النساء بلباس الحياء والتقوى لا بالشعر والذهب والدرّ والثياب الفاخرة))([17]).
واستنتج البعض – استناداً إلى التماثيل والرسوم والخطوط التاريخية والآثار الباقية – أنّ العلة الأساسية لانتخاب الملابس الحياء وستر العورة، وليس الحرّ والبرد([18]).
وكانت النساء الإيرانيات في العصور المختلفة يرتدين الملابس للستر، في عهد الهخامنشيين والأشكانيين والساسانيين.. ([19]).
كتب فريد وجدي في هذا المجال: عادة احتجاب النساء قديمة جداً، فقد جاء في دائرة معارف ((لاروس)) ما خلاصته: كان من عادة نساء اليونانيين القدماء أن يحجبن وجوههنّ وأجسامهنّ بطرف مآزرهن إلى الأقدام… وقد ذكر الحجاب بين كلمات قدماء المؤلّفين اليونان، حتى أنّ بنيلوب زوجة الملك عوليس كانت ترتدي الحجاب أيضاً وتظهر محتجبة، كما كان لنساء مدينة ثيب حجابٌ خاص بحيث كنّ يغطين وجوههن بقماش ترك فيه ثقبان أمام العينين كيما يرين بصورة واضحة، وفي إسبرطا كانت الفتيات ترتدي الحجاب بعد الزواج.
وهناك نقوش وآثار باقية تدل على أن المرأة كانت ترتدي حجاباً يغطي رأسها عدا وجهها، ولكنها عندما تذهب إلى السوق تغطي حتى وجهها سواء كانت عذراء أم متزوجة.
ونساء سيبريا وسكان آسيا الصغرى أيضاً، كان لهنّ حجاب، وأما حجاب نساء رومانيا فكان أشدّ التزاماً، لدرجة أن المرأة كانت لا تخرج من دارها إلاّ مخفورةً ملثمة باعتناء زائد، وعليها رداء طويل يلامس الكعبين، وفوق ذلك عباءة لا تسمح برؤية شكل قوامها([20]).
هذه الموارد جميعها تشير إلى أنّ الحياء والعفاف خصلة إنسانية يميل إليها البشر بأجمعهم – طبقاً للفطرة والخلقة – وما زالت القوانين العالمية تؤكد على منع الأعمال المنافية للعفة، وإن كان العمل بها وميزان تطبيقها لا يستوي في جميع المناطق.
إنبات العفاف في ظل الوراثة والتربية
لعاملي التربية والوراثة دور مهم ومؤثّر في تربية السجايا الأخلاقية كالعفّة والسعادة وتوفيق الإنسان، حيث يمكن تربية جيل طاهر وسليم وسعيد باتّباع الاُسس التربوية والتعليمية الصحيحة والمناسبة، لذا وجب على الإنسان أن يولي هذين الموضوعين معرفة واهتماماً كافيين.
((الوراثة هي: انتقال القوى الطبيعية من الموجود الحي إلى الجيل الذي يليه، سواء كانت خاصة بهذا الجيل أو مشتركة بين جميع أفراد هذا النوع أو ببعض أفراده))([21]).
وبتعبير آخر: ((انتقال الصفات والخصوصيات الجسمية والروحية والحالات والخصوصيات الأخلاقية والعملية من الأب والاُم والأجداد إلى الأجيال التالية))([22]).
هذه الصفات والخصوصيات تؤثر على الأفراد سلباً وإيجاباً، فصحّة الوالدين وسقمهما، والاختلالات الروحية والعاطفية، والعفّة والدعارة، ومستوى الإدراك والاستيعاب، والثقافة، والإيمان، والعقائد، والصفات، وأخلاق الوالدين تؤثر جميعها على حياة الإنسان.
((وقد أثبت علم نفس الأجنّة أنّ حالة الزوج والزوجة النفسية حين انعقاد النطفة تؤثر في الأولاد؛ فالاضطراب والتشويش والشعور بالاطمئنان والأمن وحتى الإحساس بالذنب والانخداع كلّها عناصر تؤثر في مصير الطفل))([23]).
يقول أمير المؤمنين (ع) في بيان هذا الموضوع المهم: ((إذا كرم أصل الرجل كرم مغيبه ومحضره))([24]).
ويقول في مكان آخر: ((حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق))([25]).
كما روي أيضاً عن النبي الأكرم(ص) أنه قال: ((الشقي شقي في بطن أمه، والسعيد سعيد في بطن أمه))([26]). وبناءً على هذا، فإنّ في الاهتمام ببناء وتقوية جسد وروح الوالدين بالتقوى والعفاف وتجنّب المحرمات والمعاصي تأثيراً عميقاً في سعادة الطفل.
ويعتبر الشيخ المرحوم مرتضى الأنصاري(ره) أنّ تقدّمه العلمي والمعنوي كان نتيجة جهود والدته واهتمامها، وهكذا يرى علماء وشخصيات آخرون كآية الله المطهري وآية الله البهشتي – ممن كان لهم دور مهم في نشر الثقافة والمعارف الإسلامية – أنّهم كانوا يحظوْن بأمهات عفيفات مؤمنات شجاعات طاهرات([27])، وهذا ما دلّ عليه الحديث النبوي الشريف: ((طوبى لمن كانت اُمه عفيفة))([28]).
وأمّا المحيط الذي يلد ويتربى فيه الطفل وينمو في ظلّه فله تأثير كبير في سعادته أو شقاوته، فإنّ الآباء والاُمهات الذين يهيئون الأجواء المساعدة على تربية أولادهم تربيةً صحيحة، ويخاطبونهم بكلام طيّب ويتعاملون معهم بالحسنى، ويطبقون التعاليم التربوية الصالحة والفضائل الأخلاقية الحميدة في تربية أولادهم خطوةً خطوة، يمكنهم تربية أفراد صالحين من جميع الجهات؛ وهم – عبر ذلك – يؤدّون وظائفهم وواجباتهم تجاه أولادهم ومجتمعهم، ويطيعون الأوامر الإلهية فيهم.
إنّ معظم المشاكل الاجتماعية والانحطاطات الأخلاقية وفساد الشباب إنما يقع بسبب محيط الأسرة، ونتيجة التربية الخاطئة، أو نتيجة عدم مراقبة الآباء أولادهم.
فقد جاء في الحديث المأثور: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه))([29]).
وبناءً على هذا، فإن الوراثة وتربية الأسرة، هما معاً أساس شخصية الفرد، فيمكنهما أن يجعلاه إنساناً عفيفاً خلوقاً وموفقاً، أو إنساناً فاسداً منحرفاً ومضراً.
سعة العفاف
إنّ دراسة أبعاد العفاف المختلفة ومدى سعته في الشؤون الفردية والاجتماعية تشمل آفاقاً واسعة نستطيع – بالاستفادة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة – أن نشير إلى الموارد التالية منها:
1 – عفّة الفكر:
نور العقل أعظم رأسمال وهبه الله للبشر، فجميع الأعمال والمشاعر والسلوكات وحتى القدرات والإمكانات الذاتية قائمة على أساس الفكر، وكلّ عمل وسلوك – سواءٌ كان حسناً أو سيئاً وكانت نتائجه خيراً أو شراً – منشؤه الفكر، بعبارة أخرى: إنّنا نعمل بما نفكّر.
وكلّما ترقّى فكر الإنسان أكثر، ووافق فطرته التي تميل إلى الكمال أكثر وتنـزّه عن الدنس والخبث مضى في طريق الكمال أسرع فأسرع، وكما قال مولى المتقين علي (ع): ((من عَقِل عَفَّ))([30])، وقال أيضاً في موضع آخر: ((يستدلّ على عقل الرجل بالعفّة والقناعة))([31]).
ولذا، كان العقل أحد العوامل المؤثرة في تقويم الأهواء النفسانية وانقياد الغرائز البشرية، إنّه يحدّد حرية الإنسان بموازين دقيقة ومقاييس صحيحة، ويبين له – في مسيرة حياته – الطريق السوي والسبيل المنحرف المضلّ، ويميز له الحق من الباطل، ويمكن أن يقيس العقل رغبات الإنسان وشهواته ويقوّم أهواءه ويصحّحها، كما يمكنه أن يقود الغرائز ويهديها نحو الخير والصلاح، ويمنعها من الطغيان والتعدّي، فالعقل – إذاً – هو الدليل الذي يؤدي باتّباعه إلى السعي والعمل على فوز البشرية وفلاحها، يقول الإمام علي (ع) في هذا المجال: ((فكرك يهديك إلى الرشاد))([32]).
فالشريف من كانت أفكاره شريفة، والوضيع المذنب من كانت أفكاره خبيثة وملطّخة.
والخلاصة: نحتاج من أجل بلوغ الحياة السعيدة الكاملة إلى فكر عفيف وعقل صادق وموثوق به.
2 – عفة البصر:
ترجع أهمية هذا الموضوع إلى أنّ البصر بوابة القلب، فما يراه المرء من هذه النافذة قد يوصله إلى رياض السعادة ومواطنها، وقد يؤدّي به إلى هاوية السقوط وحضيضها. إنّ ما يراه البصر يحسّه القلب ويشعر به، فيحلّله ويهيئ الأرضية المناسبة للانفعال به طبقاً للظروف والشروط التي تحيط به، ثمّ يتحرك نحو كسب الحالات وتسخيرها، وهذا صحيح؛ إذ يقال: ما تراه العين يذكره القلب، ولا فرق بين كون هذه النظرة صواباً أو شططاً غير مسموح به.
وبما أنّ الله خالق الإنسان ويعلم جميع صفاته وحالاته وأخلاقياته، وبالتالي يعلم مصلحته وخيره وصلاحه في كل شيء، لذا أوصانا بعفّة النظر، وحذّر الإنسان من النظرة المريبة قائلاً عز من قائل: >قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم… * وقل للمؤمناتِ يغضضن من أبصارهن<([33]).
تصرّح هذه الآيات بحرمة نظر الرجل الأجنبي للمرأة الأجنبية وبالعكس، فكلمة ((يغضوا)) مشتقّة من ((غَضَّ))، وقد ذكر المفسرون لها معانٍ متعددة منها:
1 – غضّ البصر: بمعنى غمْض العين، وعدم النظر، أي إطباق الجفن على الجفن([34]).
2 – عبر عنه البعض بتقليل النظر، وعدم الإمعان في الشيء، أي ينقصوا نظرهم عمّا حرم الله([35]).
الجدير بالذكر أنّ متعلّق الفعل لم يُذكر في هذه الآية، أي لم يذكر الله تعالى ما يلزم غض النظر عنه، ولكن يتبيّن من سياق الآيات – خصوصاً الآية 31 من سورة النور التي ذكر فيها مسألة الحجاب – بوضوح أنّ معنى غض البصر، عدم النظر إلى النساء الأجنبيات.
ولكن الآية لم تذكر بدقّة حدود ومشخّصات النظر، لذا يعتقد البعض حرمة مطلق النظر دون أيّ قيد أو شرط لمنع النظر عموماً، ولذا تشمل كلّ نظرة.
ولكن البعض الآخر يرى عدم وجوب ستر الوجه والكفين؛ لقرينة وجود ((من)) في الآية السالفة والتي تفيد التبعيض، ولقوله تعالى: >إلا ما ظهر منها<، لذا لا منع للنظر مطلقاً، وإنما هناك استثناءات، وهي:
1 – النظر إلى البنت أو المرأة التي يُقصد الزواج منها، بشرط أن يكون النظر:
أ – بدون تلذّذ وشهوة.
ب – احتمال الموافقة على الزواج منها.
ج – عدم وجود مانع من الزواج، كأن تكون المرأة في عدّة شخص آخر.
د – النظر لازدياد معرفته بها، وإلاّ فلا.
هـ – الاكتفاء بالنظر بمقدار يؤمّن قصده للتعرف عليها.
و – لا يحق للرجل النظر إلى النساء الأجنبيات ليجد من يتزوج منها.
2 – النظر إلى نساء أهل الكتاب وأهل الذمّة والكفار جائز، بشرط:
أ – ألاّ يكون بقصد التلذذ والشهوة.
ب – ألاّ يخشى منه خطر ارتكاب الذنب والحرام.
ج – اختصاص جواز النظر إلى ما يظهر عادةً للآخرين.
3 – يمكن للطبيب أو الممرّض النظر إلى المرأة الأجنبية أو لمس بدنها – بقدر الضرورة – بشرط:
أ – إذا انحصرت الطبابة بالرجل فقط.
ب – إذا كان النظر أو اللّمس ضرورياً لتشخيص المرض.
ج – يجب الاكتفاء بمقدار الضرورة إذا كان جائزاً.
4 – يشمل الحكم أعلاه – أي جواز النظر – نجاة الغريق وإطفاء الحريق والسوانح الاُخرى.
5 – يجوز النظر إلى الأطفال الذين لم يبلغوا بعدُ العمر المتعارف إذا لم يكن بريبة([36]).
وأمّا ثاني التعاليم التي وردت في هذه الآيات فهو: حفظ الفروج >…ويحفظوا فروجهم…<، >…ويحفظن فروجهنّ…<، ويراد منها سترها عن الأجانب، وليس بمعنى حفظها من الزنا واللواط؛ يقول الإمام الصادق (ع) في هذا المجال: ((كل آية في القرآن فيها ذكر الفروج نهي عن الزنا، إلاّ هذه الآية فإنها من النظر)).
وعبارة: >… ذلك أزكى لهم… <التي وردت في الآية السالفة، تشير إلى التوصية بالعفاف ولزوم غض النظر وامتناع المرأة من التبرّج، ذلك كلّه من أجل تطهير الروح والنفس من الذنب والدنس والانحطاط الأخلاقي في الاُسرة والمجتمع، وهذا يرتبط أيضاً بسعادة كلّ من الرجل والمرأة والأجيال الإنسانية جمعاء.
إنّ النظر شرارة تشتعل منها نار الشهوة: ((النظرة بعد النظرة تزرع في القلب شهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة))([37])، و((النظر سهم مسموم من سهام إبليس، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة))([38]).
إن الذين لا يغضّون أبصارهم يتعبون ويجهدون أرواحهم وأنفسهم أكثر من الآخرين، كما يعرّضون أنفسهم للإصابة بالقلق والاضطراب، وثورة الانفعالات وهيجانها، وهذه الطعمة الملوثة بالأهواء الشيطانية توقعهم وغيرهم في وحل الفضيحة، ولهذا كان الأئمة E يحدّثون أتباعهم في مدح من يغضّ بصره، ويحذرونهم من عاقبة الوقوع في دوامة النظر المريب بأنّ لهم عذاباً شديداً.
يصرّح الإمام الصادق (ع) في هذا المجال قائلاً: ((من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غضّ بصره لم يرتد إليه بصره حتى يزوّجه الله من الحور العين))([39]).
ويقول الرسول الأكرم(ص): ((ما من مسلم ينظر إلى المرأة أوّل رمقة ثم يغضّ بصره إلاّ أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه))([40]).
ويقول الإمام الصادق (ع) أيضاً: ((من ملأ عينه حراماً ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلاّ أن يتوب ويرجع))([41]).
3 – عفّة المعاشرة:
من الواضح أنّ نشاطات النساء الاجتماعية وحضورهنّ في مختلف الميادين سيكون باعثاً على خلق أرضية تعامل وارتباط أكثر بين المرأة والرجل، وإثر الحضور الاجتماعي للمرأة تبرز كثير من الاستعدادات والقابليات، كما تتحقّق كثير من الأمور في مجالات كثيرة ومختلفة، كالتعلّم والتعليم، والتقدم والتنمية التكنولوجية، وارتفاع مستوى الفهم السياسي، ومعرفة التحولات الاجتماعية.
كما يتحقّق أداء الوظيفة الشرعية إثر النشاطات الاجتماعية، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذا فمن محفّزات الدعوة إلى مشاركتها الاجتماعية رفع مستواها العلمي والمعنوي والاجتماعي، ولا يمكن تحقيق هذا الدور المهم إلاّ بحضورهن الفعلي، وإلا سيكون عسير المنال.
من جهة أخرى، تمتاز شريعة الإسلام والسنّة النبوية الشريفة بكونها سهلة يسيرة سمحة، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: >يريد الله بكم اليسرَ ولا يريد بكم العسر<([42])، ولو فرضنا أن المرأة أدّت ما يلزمها من تكاليف وواجبات عن طريق محارمها وبقيت هي في البيت تؤدّي شؤون منـزلها، وتهتم بتربية الأطفال وإنجابهم وإرضاعهم، فسوف لا تخلو حياة الجميع من الحرج والصعوبة.
لقد كانت النساء في عصر الرسالة الأول يسألنَ رسول الله(ص) ما لديهنّ من أسئلة، ولم يمنعهنّ رسول الله قط، ويبدو من آيات القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة وسيرة الأئمة المعصومين E أنّ النساء كنَّ يعاشرن ويتحدثنَ مع رسول الله(ص) والأئمة المعصومينE، وكان هذا أمراً عادياً وطبيعياً.
وقد ذكر القرآن الكريم مسألة بيعة النساء، وهي إحدى أبرز نماذج مشاركة المرأة سياسياً واجتماعياً، قال تعالى: >يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ<([43]). وقد بايعت النساء النبي الأكرم(ص) في أكثر من موضع، عند اعتناقهنّ الإسلام، وعند مبايعته(ص) رئيساً للدولة الإسلامية.
وفي موقع آخر، يؤكّد القرآن – صراحةً – مالكية النساء والرجال، كل حسب كسبه، قال تعالى: >وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ الله مِن فَضْلِهِ إِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا<([44])، وهذا يدلّ على أنّ الله لا يخصّ الرجال بالملكية والكسب والعمل الاقتصادي، وإنما يرى للنساء في ذلك نصيباً أيضاً.
ونجد مثل هذا التعامل بوضوح في القرآن الكريم، ففي سورة القصص – مثلاً – يتحدث عن رعي بنات شعيب (ع) الأغنام: >ولمّا ورد ماءَ مديَن وجَد عليه اُمة من الناس يسقون ووجد من دونهم إمرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير<([45]).
ولا يخفى على أحد دور النساء الهام في صدر الإسلام وما بعده، ومشاركتهنّ في ميادين الحروب، كتحضير الطعام، ومداواة المجروحين، بل وحمل السلاح، ومجابهة العدو أحياناً، وهذا كلّه يدلّ على حضور المرأة المؤثر، وهو أمر بمنتهى الوضوح، بحيث خصّصت له أبواب في كتب الحديث والسيرة، وهناك باب في صحيح البخاري وصحيح مسلم باسم: غزوة النساء مع الرجال.
إذن، فمن وجهة نظر الإسلام يجوز للمرأة المشاركة الاجتماعية والتعامل مع الآخرين في المجالات السالفة، لكن لهذه الروابط والعلاقات آداب وضوابط، سميناها: عفّة الروابط الاجتماعية أو عفّة المعاشرة، ومن جملة هذه الآداب:
أ – الاحتراز من مفاكهة المرأة: وهي عبارة عن التحدّث الذي يمتزجه اللهو والهزل والفتنة، يقول الرسول الأكرم(ص): ((من فاكه امرأةً لا يملكها حبسه الله بكل كلمة كلّمها في الدنيا ألف عام))([46]).
ب – الاحتراز من الاختلاء: يقول الإمام موسى بن جعفر (ع) نقلاً عن الرسول(ص): ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبت في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم))([47])، ويقول الرسول الأكرم(ص) أيضاً: ((ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ كان ثالثهما الشيطان))([48]).
ج – الاحتراز من المصافحة: يقول الرسول الأعظم(ص): ((من صافح امرأةً تحرم عليه فقد باء بسخطٍ من الله عزوجل))([49])، ويقول(ص) أيضاً في مكان آخر: ((من صافح امرأةً تحرم عليه يقاد يوم القيامة بالأغلال ويلقى في جهنم)).
د – عدم استعمال العطور: يقول رسول الله(ص): ((أيّ امرأة تطيّبت وخرجت من بيتها فهي تُلعن حتى ترجع إلى بيتها ما رجعت))([50]).
ويقول في مكان آخر: ((إذا تطيّبت المرأة لغير زوجها فإنّما هو نار وشنار))([51]).
4 – العفّة في الزينة:
أحد ميول البشر الفطرية ميله إلى الجمال، وتلذّذه بالمناظر الجميلة مخامرٌ لذاته ورشح من فطرته، قال تعالى: >قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده<([52]).
يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسير هذه الآية: ((يشير الله عزوجل في هذه الآية إلى الزينة التي خلقها لعباده، يبيّن الزينة التي أوجدها في فطرتهم وألهمهم استعمالها، ومن الواضح أنّ الفطرة لا تلهم شيئاً إلاّ وكان وجود وبقاء البشر منوطاً به ومحتاجاً إليه))([53]).
ومن البيّن – أيضاً – أنّ معرفة الأشياء الجميلة ودَرك الجمال الطبيعي ليس فقط يحتاج إلى الحسّ الفطري وحب الجمال، وإنّما يجب صقل وتنمية هذه القدرة الطبيعية على ضوء خطّة تربوية صحيحة.
ويمكن للتربية الصحيحة أن تكشف القابليات وتُخرجها من القوّة إلى الفعل، وكلّما ارتفع مستوى العلم والثقافة في بلدٍ ما أكثر وبرزت عواطف الناس أكثر، عُرف الجمال أكثر؛ إذ قد اتجهت أنظار الشعوب والمجتمعات الراقية في العصر الحاضر وفي كل الطبقات الاجتماعية.. اتجهت نحو الجمال في شتى اتجاهاته ومجالاته، وأظهر الناس حبهم وتعلّقهم به، مما أدّى إلى تزايد هذا الشعور والإحساس يوماً بعد يوم.
إنّ الشريعة الإسلامية المقدّسة التي لها منهاج شامل لإسعاد البشر قد اهتمت بهذا الموضوع اهتماماً خاصاً، وإلى جانب اهتمامها بتربية حسّ الحب والجمال لدى الإنسان أوصت أتباعها بالاستفادة منه، وبإسنادها لهذه القوة وهذا الحسّ تلبّي إحدى رغبات البشر الطبيعية واحتياجاتهم.
وقد وردت أحاديث وروايات كثيرة في المصادر الإسلامية حول أهمية الجمال في الإنسان، فقد قال رسول الله(ص) في هذا المجال: ((عليكم بالوجوه الملاح والحدق السود))([54])، ويقول الإمام علي (ع): ((حسن وجه المؤمن حسن عناية الله به))([55]).
إذن، فارتداء الثياب الجميلة، والسواك، وتمشيط الشعر وتدهينه بالزيت، والتطيب، ولبس الخاتم الثمين، وتزيين أنفسنا عند العبادة، ومعاشرة الناس في المسجد أو في محيط الاُسرة والمجتمع من المستحبات المؤكّدة، وجزء من برامج المسلمين اليومية، وقد ورد هذا في آيات القرآن الكريم: >يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد<([56])، وقال سبحانه: >قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق<([57])، وأمّا كلمة ((زينتكم)) والموارد التي تشملها فقد جاءت بمعان متعدّدة في كتب التفاسير، ويعتقد البعض أنّها جاءت بشكل مطلق، لذا فهي تشمل الزينة الجسدية والمعنوية([58]).
يقول العلامة الطباطبائي حول إباحة هذه الزينة: ((إنّ ذكر كلمة الطيّبات من الرزق وعطفها على الزينة، وجعل هذا العطف في سياق الاستفهام الإنكاري دليل على: أنّ الزينة والرزق الطيب مباحان من قبل الشرع والعقل والفطرة))([59]).
وممّا يروى أنّ الإمام الحسن المجتبى (ع) كان يرتدي أفخر ثيابه للصلاة، ويقول في جواب سائليه: ((إنّ الله جميل ويحبّ الجمال فأتجمل لربي))([60]).
قال عبّاد بن كثير – وكان يتظاهر بالزهد – معترضاً على الإمام الصادق لارتدائه ثياباً وملابس أنيقة: يا أبا عبدالله أنت من أهل بيت النبوة، وأبوك علي (ع)كان يرتدي ثياباً خشنة زهيدة الثمن، فما هذه الملابس الفاخرة التي ترتديها؟ لماذا لم تكتف بالملابس العادية؟ فأجابه الإمام (ع): ((ويحك يا عَبّاد، ما هذا الاعتراض؟! إذا أنعم الله على عبده، يحبّ أن يرى نعمته باديةً عليه))([61]).
إذن، فالله لا ينهى عن الزينة لذاتها، بل نهى عن التبرّج بقوله تعالى: >ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الاُولى<([62])، كما نهى عن إظهار الزينة في المحافل الاجتماعية والأماكن التي يتواجد فيها النساء والرجال معاً، >ولا يبدين زينتهن<([63]).
وبناءً على هذا فإنّ الإستفادة من الزينة مباح من الناحية الشرعية، بل هي إرضاء للرغبة النفسية في التزيين، وهي إحدى الميول الفطرية التي تنمّي الذوق والفن، وتساعد على تنامي الأحاسيس وازدهارها، وتقود الإنسان إلى التسامي الروحي والتقدّم العاطفي.
ولكن يجب الانتباه إلى عدم الإفراط وتجاوز حدّ الاعتدال في الزينة، فإنّ الإفراط فيها يؤدّي إلى نتائج محذورة، وإذا تجاوزت هذه الغريزة حدّها الشرعي فإنها تخدع الإنسان، وتضرّ به وتنكّد حياته، وتضيق عليه دنياه، وتجلعه أسيراً بيد الشيطان.
يقول العلاّمة الطباطبائي في هذا المجال: ((فقلّما ظهر فساد في البر والبحر وتنازع يفضي إلى الحروب المبيدة للنسل المخربة للمعمورة إلاّ عن إتراف الناس وإسرافهم في أمر الزينة أو الرزق، وهو الإنسان إذا جاوز حدّ الاعتدال، وتعدّى ما خطّ له من وسط الجادة، ذهب لوجهه لا يقف على حدّ ولا يلوي على شيء، فمن الحري ألاّ يرفع عنه سوط التربية ويذكر حتى بأوضح ما يقضي به عقله))([64]).
يقول الامام الصادق (ع): ((نهى النبي أن تتزين المرأة لغير زوجها، فإن فعلت كان حقاً على الله أن يحرقها بالنار))([65]).
5 – العفّة في الكلام:
إنّ سعة نشاطات النساء اليوم تبيّن أهمية بحثنا في هذا الموضوع، فالأحكام التي استخرجناها من المصادر الإسلامية، كلّها تبين اهتمام الإسلام الدقيق بسلامة الفرد والمجتمع، فقد أمرنا القرآن الكريم ألاّ يكون كلامنا مع الأجنبي رقيقاً وجذاباً لئلا يطمع فينا الذين في قلوبهم مرض، يقول تعالى: >فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلنَ قولاً معروفاً<([66]).
وتشير جملة: >فلا تخضعن بالقول< إلى كيفية التكلّم مع الأجنبي، أي أن يكون الكلام جادّاً وعادياً.
وأمّا جملة: >قلن قولاً معروفاً< فإنّها تشير إلى محتوى الكلام، أي يجب أن يكون بشكل لائق يرضي الله ورسوله(ص) مقروناً بالحق والعدل، ولا شكّ أنّ لفظ: >قولاً معروفاً< ذو معنى واسع ينفي كلّ كلام باطل وعبث مأثوم عليه ومخالف للحق([67]).
إذن، فكلّ كلام يقترن بخضوع ومَيَعان، وبحركات أو تغيير صوت – بحيث يطمع الذين في قلوبهم مرض ويستميلهم إلى اقتراف الإثم – باطل من وجهة نظر القرآن الكريم، ومردود قطعاً.
6 – العفّة في الستر والحجاب:
الستر أحد أوسع الموضوعات المطروحة في العصر الحاضر حول المرأة والحياة الاجتماعية، فقد كتبت حوله بحوث كثيرة موافقة ومخالفة في الشرق والغرب، إذ طرح مخالفو الستر والحجاب شبهات كثيرة ليصدّوا بها تأثير مبلّغي أنصاره المتدينين، وبالتالي يتاح لهم الاعتداء على عفّة النساء.
ومن جملة هذه الشبهات: أنّ الحجاب مانع دون العمل، وهو قيد يحدّ من الحرية، وأنّه دليل على التخلف، و… و…
وقد ألقوا هذه الشبهات في أذهان النساء، وطلبوا منهنّ مقاومة هذه الأعراف والأحكام الفقهية والفرائض والسنن الإلهية.
إنّ مسألة الستر وحفظ العفّة من الدنس لا يختصّ بها الدين الإسلامي، كما لا تتعلّق بالأديان الأخرى فقط، بل اهتمت بها المجتمعات البدائية البعيدة عن التمدن والثقافة والدين بدافعٍ من الفطرة.
فقد جاء: ((إنّ نساء التتر لا مثيل لهنّ في العفّة والوقار وأداء مسؤوليتهن تجاه أزواجهن، مما يستدعي الثناء عليهن، إن تدنيس العفّة الاجتماعية وهتك النواميس إثم عظيم. وقد جاء في قانون ((ياسا)) المغولي: إنّ الإعدام جزاء هتك النواميس والزنا وإزالة البكارة))([68]).
وكتب ويل ديورانت: ((في بريطانيا القديمة كان الآباء الأثرياء يحبسون بناتهم الشابات حوالي خمس سنوات (مدة فوران الشباب وهيجانات الجنس الخطيرة)، ويجعلون النساء المسنّات العفيفات حارسات عليهن، ولا يحق لهؤلاء الفتيات الخروج من مقصوراتهن ولا لأحد رؤيتهن إلاّ الأقارب والمعارف، وبعض قبائل جزيرة برونئو كانوا يعملون ما يشابه ذلك أيضاً))([69]).
والدليل على فطرية العفّة قصّة آدم وحواء وأكلهما من الشجرة المنهي عن الأكل منها التي ذكرناها سالفاً.
إذن، فمسألة الحجاب والعفاف كانت موجودةً منذ القدم في جميع المجتمعات والاُمم وبصور مختلفة، ولكن أصبحت هذه المسألة في الشريعة الإسلامية فريضة وحكماً شرعياً، وقد ذكره الله العزيز في عدة آيات من القرآن الكريم، وبيّن أهميته وقيمته وهدفه وفائدته.
ذكر الله الستر في القرآن، وبيّن أهدافه، فهو كساء يكسو الأعضاء، ويستر العورة، ويحفظ البدن، وزينة، ووسيلة تصون حرمة المرأة وشخصيتها، وتحول دون أذية الآخرين والفاسدين.
قال تعالى: >يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً<([70]).
وجملة: >يواري سوءاتكم< صفّة للباس، تدلّ على أنه ستر واجب لا يُستغنى عنه، وهو غطاء عضو خلْعه عنه عمل قبيح وفضيحة للإنسان([71]). وكلمة ريش عربية تعني: ((ما يغطّي أبدان الطيور، ولأنّ ريش الطيور مختلف الألوان وجميل غالباً، فقد تضمّن فيه مفهوم الزينة))([72]).
لذا فإنّ الهدف من اللباس – في هذه الآية الكريمة – لا يعني تغطية الجسد وستر قبائحه فحسب، بل اللباس زينة وجمال للبدن، قال تعالى: >يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين…<([73]).
فعندما تخرج المرأة من بيتها وقورةً ترعى جانب العفّة والطهارة فلا يجرؤ الفاسدون والمتحرّشون على التعرض لها، وأما الذين في قلوبهم مرض، ويبحثون عن صيد يصطادونه، فلا حول ولا قوة لهم إلاّ أن يغضّوا النظر ويبعدوا فكرة استغلال النساء عن مخيلتهم.
إن الرجل والمرأة متساويان من ناحية الأصول العامّة، أما من حيث الخصال الطبيعية الخاصة بالمرأة، كالرقة واللطافة والجذابية، فلا شكّ أن هناك اختلافاً شاسعاً بينها وبين الرجل، وقد وردت في هذا المجال روايات، منها: ((المرأة ريحانة))([74])، فالمرأة لطيفة كالزهرة أو الريحانة، إن أهملت من قبل زرّاعها فلا يؤمن عليها – من نظر أو أيدي العابثين – من أن تقطف.
وقد شبّه القرآن الكريم النساء النموذجيات في الجنة باللؤلؤ المكنون، فقال عزّ من قائل: >كأمثال اللؤلؤ المكنون<([75])، أو بالمجوهرات الأصيلة كالياقوت والمرجان؛ إذ يحتفظ بها الصاغة وبائعو المجوهرات داخل قماش مخصوص ليبعدوها عن متناول الأيدي العابثة، ولكي تمتاز عن المجوهرات الصناعية فيزيدها قدراً وقيمة.
وقد قرّر قانون الخلقة الإلهي وجوب الستر ليصون هذه الجوهرة اللطيفة من عبث أيدي العابثين وأحاطها بستر ليحفظها مطمئنة.
ثمرات العفاف ونتائجه:
1 – تماسك الأسرة وتلاحمها:
الأسرة أصغر بناء اجتماعي في المجتمع وأهمّه، وهي مركز ثقل المحبة والأمل وتحقيق الأماني والآمال الحلوة الجميلة للبنين والبنات، وكلما كان ارتباط الزوجين أقوى وأعمق كان انسجام الأسرة وتماسكها أقوى وأحكم.
بإشاعة العّفة والحجاب في المجتمع تنحصر الروابط والعلاقات الجنسية في إطار الأسرة وحدودها، وعندها تراعى حرمة كلّ من المرأة والرجل، سيما خارج المنـزل، وبالتالي سيرغب الشباب في تشكيل الأسرة وبنائها، وستكون هذه الأسر أحكم بناء وأكثر ثباتاً.
وأمّا إذا ساد التبرّج وكشف محاسن المرأة وزينتها في المجتمع، فسوف تضعف وتتفكّك العلاقات الزوجية بين المرأة والرجل، وتأخذ الحريات السلبية طريقها بازدياد، وتتزايد الأفكار المنحرفة شيوعاً وضراوة، وبالتالي ستؤول العلاقات الاُسرية الحميمة إلى البرود والجمود، وتحلّ النفرة والبغضاء مكان المحبّة والمودّة، وعندها يتهاوى ويتداعى أول وأهم مركز للتربية وغرس المحبة والعاطفة والاستقامة في الأطفال، وبالتالي ستزداد نسب الطلاق والفواحش.
لاشك أنّ بناء الأسرة سيزداد تماسكاً وازدهاراً وتسامياً نتيجة الدفاع عن حرمة الحجاب والعفاف، كالمصباح يضيء عندما تكون أجزاؤه سالمة، وبعكس ذلك سيؤول الوضع إلى الظلام وقد يتسبب من جرّاء ذلك الحريق أيضاً.
ومثل المرأة والرجل في الأسرة كسلكي كهرباء، سالب وموجب. إن تعاونا فيما بينهما ونسقا أمرهما أضاءا مصباح الأسرة، فيجب أن يجعلا العفاف والثقة المتبادلة ركناً أساسياً في هذا الاقتران، وإلاّ فسيتضاءل نور هذا المصباح ويلتهب بنار الشهوة والأهواء، ويستحيل إلى دخان ورماد.
2 – السكينة الروحية:
إنّ الحجاب حصن يحول غالباً دون ثورة الجنس وهيجانه، وعدم استقرار الروح، وانعدام الحدود وذوبان الحرمات بين المرأة والرجل، وإشاعة العلاقات المنحرفة الخاوية وترويجها، وتزايد الميوعة والتحلّل الأخلاقي.
وبدون الحجاب تتحوّل الجاذبة الجنسية وطلب الشهوة إلى عطش روحي لا يمكن إشباعه، وبما أنّ إشباع الغريزة في جميع الموارد غير ممكن، ويقترن دائماً بالشعور بنوع من الحرمان، لذا سيسبب اختلالات روحية وتزلزلاً عاطفياً في أعماق الفرد.
وقد حرص الإسلام على توجيه هذه الثورات العاطفية والهيجانات الجنسية وتحديدها عن طريق غض البصر، وعدم الخضوع بالقول، وفرض الحجاب، ورعاية العفاف، وبهذا أهدى للفرد استقراره الروحي وهدوءه النفسي.
3 – سلامة المجتمع:
إنّ تواجد النساء والرجال النافع في المجتمع – دون إثارة جنسية – يجعله محكم البناء راسخ الأسس، وإنّ مراعاة العفّة في محيط الدراسة والعمل والإدارة والسوق و… يوفر الأرضية المناسبة لسلامة المجتمع وتقدّمه ورقيّه، أمّا إذا لم يرع العفاف ولم تحفظ الحرمات وشاع الفساد في المجتمع فقد توفرت دواعي سقوطه وفنائه.
يقول منتسكيو في هذا المجال: ((انتفاء العّفة في الحركة الديمقراطية يسبب أعظم المصائب والمفاسد بحيث ينهدم أساس الحكومة))([76]).
وقد أثبت التاريخ البشري سواء في المجتمع الإسلامي أو في المجتمعات اللاإسلامية هذا الأمر بوضوح، فقد اعترف المارشال پتن القائد العسكري الفرنسي في خطابه قائلاً: ((من أهم أسباب اندحار فرنسا في الحرب أمام ألمانيا الغرق في دوامة الشهوات والابتلاء بالكسل والإباحية))([77]).
وأشار إلى ذلك الدكتور غوستاف لوبون العالم الفرنسي الشهير حول هزيمة المسلمين في الأندلس، قائلاً: ((حكم المسلمون في إسبانيا حوالي 800 عام، فكانت طوال هذه الفترة مهداً للعلم والمدنية، إلى أن قام الأعداء بنشر الفساد وترويج المشروبات الكحولية وإشاعة الإباحية، وعندها انتصروا على الدولة الإسلامية، وأجبروا المسلمين – بالقوة – على اعتناق الدين المسيحي، ثم أقاموا محاكم تفتيش العقائد، وأمروا بحرق معتنقي الدين المسيحي الجدد بحجّة أنهم لم يعتنقوا الدين المسيحي حقيقةً، وأجبروا الباقين على الهجرة من تلك البلاد))([78]).
وينقل لنا القرآن الكريم ما جرى على كثير من الاُمم التي فسدت فهلكت، ففي سورة العنكبوت يذكر لنا هلاك قوم لوط وقوم عاد وقوم ثمود وفرعون وهامان وقارون، فقال عز من قائل: >فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون<([79]). هذه هي نتيجة المجتمعات المنحرفة الغارقة في دوّامة الفساد.
4 – حفظ الجمال والنضارة:
نظراً للهدوء الروحي الذي تحظى به المرأة عند مراعاتها العفّة والحجاب فسيكون جمالها أكثر بهاء وطراوتها أكثر بقاء، يقول الإمام الصادق (ع): ((حجاب المرأة أنعم لحالها وجمالها))([80]).
أمّا استعمال مواد التجميل والماكياج الحديثة، فنظراً لعدم الاطلاع على نوع وكيفية ومواد صنعها، ففي كثير من الموارد تضرّ بصحة الجلد والشعر وسائر الأعضاء، وتسبب مشاكل عديدة للنساء.
5 – تركيز الحواس:
إنّ رعاية العّفة والحجاب يوجّه امتيازات المرأة من الزينة والجمال الظاهريين إلى وجهة صحيحة، ويقلّل من انحراف الفكر والذهن المتأثّر بوسوسة الشيطان، وبالتالي تتجه الحواس والفكر معاً إلى قيمها الحقيقة في طلب الكمال، ويتّخذ الفرد طريقه – بحرية – إلى نيل العلم والفنّ والأدب والأخلاق، فتزدهر الاستعدادات والإبداعات، ويتاح المجال له كي يفكّر بشكل صحيح ويخطّط لمصيره ومصير أسرته ومجتمعه، وبالتالي، فالمجتمع الذي يعيش أفراده بهذا النمط من الحياة سيتسلق سلم المدنية والرقي بسرعة.
6 – الصحة والسلامة البدنية:
إنّ العفاف لينفي أرضية الفساد والانحراف اللذين يوجدان ويسببان نمو وانتشار الكثير من الأمراض والأخطار الجسمية، وبالتالي يؤدّي – العفاف – دوره في سلامة أفراد المجتمع الجسمية.
وبعكسه الانحرافات الجنسية، فهي تسبّب استفحال الكثير من الأمراض الجلدية والتناسلية كالسفلس والإيدز و… فقد اكتشف مرض الإيدز – لأول مرة – عام 1981م عند ممارسي اللواط، وأُعلن بعد 13 عاماً أنّه أصبح مرضاً شائعاً في جميع نقاط العالم، وفي تزايد وانتشار مستمرين لحظة بعد لحظة.
وقد نشرت منظمة الصحّة العالمية في كانون الأول عام 2000م تقريراً، ذكرت فيه: أنّ هناك 36.1 مليون امرأة ورجل وطفل يحملون فيروس الإيدز، ومنذ نهاية عام 2000م ولحدّ الآن توفي حوالي 21.8 مليون شخص إثر إصابتهم بهذا المرض([81]).
ومن أهم طرق انتقال هذا المرض العلاقات الجنسية اللامشروعة، وأفضل طريق للحدّ من هذا المرض وتقليله والوقاية منه هو مراعاة العلاقات الجنسية ورعاية أحكام وتعاليم الإسلام.
والملفت للنظر والباعث على التفاؤل ما حدث في المؤتمر الدولي للطب في طهران، وقد شارك فيه ما يقرب من 200 متخصّص من 60 دولة، إذ سأل أحد الحاضرين قائلاً: ماذا يجب علينا أن نفعل للوقاية من الأمراض التناسلية الجنسية؟ فأجابته الدكتورة ((M.O.D-UNCAN)) – بعد أن بدا عليها التأثر والانفعال – صارخة: ((إطاعة وتطبيق قوانين الإسلام))([82]).
7 – طهارة الأرحام ونقاوة الجيل الإنساني:
إنّ الالتزام بالعفاف ورعايته يجعل الأرحام طاهرةً والأجيال معلومة الأصل.
يجب أن يحسّ الطفل بأنّ له قيّماً وحامياً، وأنّ له شخصية وعزّة وكرامة، وأنّه ليس موجوداً مهملاً لا قيّم له، أو أنّه جاء نتيجة حبّ آثم ولّذة دنسة آنيّة.
لقد أعارت تعاليم الإسلام السامية أهمية كبيرة للحفاظ على طهارة الرحم ودوره في سلامة الفرد والأسرة والمجتمع، حتى عدَّت الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة مسألتين أساسيتين في التأثير على مسيرة الإنسان والمجتمع، وأعظم أفراد البشرية هم ممن ترعرع في أحضان عفيفة.
وهناك مفاسد كثيرة تحدث بسبب إيجاد طفل غير شرعي، من أهمّها عدم تقبّل مسؤولية تربيته، وإذا فرضنا أنّه تقبل قيمومته فإنّ القيّم لا يحسّ بتعلّق الطفل به، وبعبارة أخرى: إنّ حب الذات يجعل الإنسان متعلّقاً بالمسائل التي تعنيه وكذلك بذويه أكثر، فعند علمه أن الطفل ولده تثار أحساسيسه وحبّه وعاطفته نحو ولده بشكل كامل وطبيعي، مما يدفعه للحرص – بعزم وتصميم راسخين – على حفظه والاهتمام به والسهر على تربيته، أمّا إذا كان الإنجاب عن طريقٍ غير مشروع فسيواجه بعدم قبول مسؤوليته، وخلوّ علاقته به من المحبة والعاطفة، وهذا ما ينتج عنه مفاسد وأضرار واختلالات اجتماعيةكثيرة.
أسباب تضاؤل الاهتمام بالعفاف والحجاب في المجتمع الإسلامي
إنّ قدر العفاف والحجاب ونتائجهما لا تعرف إلاّ عندما نواجه فقدانهما في مجتمع ما، ولكي نعلم آثار فقدان الحجاب والعفاف في المجتمع علينا أن نراجع المجتمعات التي سبقتنا في هذا المجال، عندها سنعلم ما أصاب المجتمع من تبعات وصدمات ثقافية وصحّية وروحية وأخلاقيّة واقتصادية وسياسية كثيرة باسم التمدّن والحرية.
وإن عدم الاهتمام بالعفاف والحجاب وتطبيقه في المجتمع يهـيئ أرضية الانحطاط، وتتبعه آثار فردية واجتماعية مضرة، وبمعرفة العوامل المؤثرة في تضاؤل الاهتمام بالعفاف والحجاب، يمكننا معرفة السبل التنفيذية المساعدة عليهما، وأدناه بيان تلك العوامل:
1 – عدم تبيين الثقافة الإسلامية بالشكل المطلوب: تنامى الإقبال على الدين والتدين وتطبيق تعاليم الإسلام في المجتمع (الإيراني) بعد انتصار الثورة الإسلامية بشكل جيد، فلمّا رأى ساسة الدولة نقاء المجتمع وسلامته تصوروا أن هذه الحالة ستبقى وتستمر، لذا أغفلوا برمجة التثقيف الديني، ومن جملة ذلك الحجاب والعفاف، واهتموا بمسائل أخرى ظنوها أكثر أهمية مما سواها.
2 – إثارة الأعداء للعديد من الأزمات: لقد سببت هذه الأزمات انشغال رجالات الدولة الإسلامية بها، وصرفتهم عن البرمجة الصحيحة، بل وحالت دون إمكان تحقيقها، ومن جملة هذه الأزمات: الحرب (العراقية الإيرانية) العسكرية المفروضة، والأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية، والاضطرابات الاجتماعية، وقد شاهدنا الكثير من مصاديق هذه الأزمات منذ انتصار الثورة الإسلامية وإلى اليوم.
3 – من جملة الأسباب المؤثرة في تضاؤل الاهتمام بالعفاف والحجاب في المجتمع (الإيراني) السياسات الثقافية، فالساحات الثقافية تفتقر إلى أفراد ذوّاقين ومتدينين وملتزمين من ذوي الاختصاص، يستخرجون مسائل الأحكام المناسبة من المصادر الإسلامية الغنية بشكل دقيق وعميق، ويعرضونها بشكل صحيح أيضاً، فمثلاً – وللأسف الشديد – لم يتغير كتاب المعارف الإسلامية للثانويات والجامعات، منذ سنين عديدة، علماً بأنّ محتويات الكتاب لا تمتلك الذوق المناسب والجاذبية والقدرة على استقطاب اهتمام الشباب، ولا تتلاءم مع روحية شباب اليوم وأذواقهم.
4 – الإفراط في التساهل والتسامح: الأفراد الذين يرون الحجاب قيداً لهم، ومراعاته تحدّ من حرّيتهم المادية الجسدية، ويسعون وراء الراحة والترف، انساقوا – بسرعة – وراء أفكار وآراء العدو التي روّجها وأشاعها في هذا المجال.
5 – فقدان القدوة والأسوة الثقافية المناسبة: استفاد الأعداء من هذا الفراغ الثقافي، وحاولوا أن يشيعوا الانحطاط الأخلاقي بين الشباب والمراهقين عبر شاعة النماذج المنحطّة، لتغطية بشاعة الأعمال والقضايا غير الأخلاقية.
6 – ارتفاع متوسط أعمار الزواج: بارتفاع متوسّط أعمار الزواج تصعب رعاية الحجاب والعفاف والمحافظة عليهما، فقد سببت بعض المشاكل، كازدياد طلبات أسر البنات التي طلبت يدهن للزواج من الطرف الآخر، وكذلك فقدان أو نقصان الدخل المعيشي، وفقدان العمل، وعدم توفر المسكن المناسب، هذه الأمور كلّها سببت عدم إقبال الشباب على الزواج وتحفّظهم وتخوّفهم منه، وبالتالي الاكتفاء بإرضاء الغريزة بمبالغ يسيرة – بطرق غير مشروعة – بالقياس إلى تكاليف الزواج.
من جهة أخرى، فإنّ سحر المرأة وجمالها وجذابيتها تغوي وتفتن الجنس الآخر، وإذا لم تُرض غريزتها بالطرق الإلهية المشروعة فسترضيها بالطرق اللامشروعة الأخرى، ولا شك أنّ ارتفاع مستوى سنّ الزواج يؤثر على هبوط مستوى الحجاب والعفاف، مسبّباً التحلّل والإباحية.
7 – تراجع التأثير الديني وانخفاضه، لعدم تطبيق أحكام الشريعة بأساليب صحيحة، فالإفراط والتفريط في تطبيق الأحكام وإجرائها، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم اتّباع الأساليب الصحيحة المنطقية، وضع بيد الأعداء مستمسكاً وسلاحاً إعلامياً ضد المتدينين، لأن يلقبوهم بالقوى المتشددة مما جعل المتدينين يتراجعون.
8 – المشاكل الروحية الباطنية لدى المرأة وتصوّرات خاطئة لذاتها: إنّ النظرة التي يُنظر بها للمرأة في بعض المجتمعات الإسلامية نظرة غير صحيحة ولا ترضيها، فالمجتمع – وللأسف – يرى المرأة موجوداً ضعيفاً انفعالياً، ووسيلة لإرضاء الغريزة الجنسية، وغير منتجة اقتصادياً، وغير مفيدة بل وهامشية في الحياة، وهذا التصوّر ينافي ما بيّنه الإسلام عنها، فهي تصير في التاسعة من عمرها عضواً رسمياً في المجتمع، وفيها تبلغ سن التكليف من الناحية الشرعية والعقائدية، ولكن بما أن تربيتها بعيدة عن الأحكام الإلهية فإن ما نتصورهُ وننقله إلى أذهان بناتنا تصور خاطئ، بل نرى – أحياناً – بعض الشخصيات الثقافية تنظر مع كامل الأسف إلى المرأة نظرةً غير صحيحة.
وهناك أيضاً من ينظر إليها بوصفها وسيلةً لا يمكن وضع برنامج لرقيها وتعاليها، ولذا ومن هذه الرؤية عاد عمل المرأة أصلاً وهدفاً أساسياً، وكأنّ جميع احتياجات المرأة باتت تنحصر في لوازمها المادية فقط([83]).
9 – إحدى حراب الأعداء محاولة فصل الشباب عن محيط الأسرة ولا سيما البنات، لأنّ انفصالهن عن الأسرة سيسبّب لهنّ أزمة عاطفية من الصعب إشباعها، ويجعلهنّ معرضات لتلقّي أفكار العدو أكثر فأكثر.
10 – قام الأعداء باتّباع أساليب لإزالة تأثير الثقافة الدينية بشعارات براقة خادعة، وإضعاف الحسّ العقائدي في الناس، فعمدوا إلى محاولة حذف الدين ومحوه، فعبّروا عن الحجاب والعفاف بأنّه سدّ يحول دون حرية المرأة، ثم قالوا: إنّ الإسلام عائق أساس أمام حريات المرأة التي وهبها الله إياها، أو مانع يحول دون وصولها المراحل الدراسية العليا، أو ممارستها النشاطات الاجتماعية.
ومن أهم ما استطاع العدو أن يشحذ سلاحه فيه نفوذه وتأثيره في تحاليل الشباب الفكرية وما يفكر فيه الآباء، فالكثير من التحاليل تتنافى مع القيم الدينية، وهذا يعني أن الكثير من الأحاسيس والمشاعر والقيم والعقائد الدينية ضعفت وانحلّت إثر دعايات العدو الواسعة، بل وتبدّلت القيم إلى ضدها أحياناً. أمّا الآباء فلم يعيروا – ومع الأسف – اهتماماً كافياً بتربية أولادهم تربيةً دينية سليمة.
إنّ تأسيس أنواع الفرق والمجاميع المنافية للعفّة وللأخلاق، والتحاق الشباب بها، مثل: ((الرَّپ – هيفي متال)) و.. وتبرج البنات بمختلف الموديلات المخزية شاهد على هذا المدّعى.
الأساليب العمليّة للعفاف
لا شك أنّ الإنسان – اليوم – كلّما تقدّم وارتقى واتسعت دائرة علمه ازداد عطشه واحتياجه للأخلاق الروحية والقيم الإنسانية. ولنتساءل لماذا تظهر الاتجاهات الدينية في العالم وتتزايد يوماً بعد يوم؟ ألا يعني هذا أنّ التقدم والتوسع الفني والتكنولوجي دون ملاحظة احتياجات الإنسان الحقيقية لأمور أخرى لا يلبّي ميول الإنسان وحاجاته الذاتية؟
فيا ترى ما العمل؟ وكيف يمكن وضع حلّ عملي لتحسين حالة البشر سيما الشباب الذين لهم الدور الأهم والأعظم في بناء مستقبل المجتمع؟
وأدناه بعض الحلول التي بتطبيقها والاهتمام بها يمكن إيجاد مجتمع ذي هوية ومتنامٍ:
1 – تقوية الإيمان وترسيخه: إحدى بل أهم وسائل مكافحة الفساد والإثم تقوية الإيمان والعمل على إحياء الضمائر والتذكير بالله وبالحساب يوم الجزاء، فلكلّ فعل رد فعل في نظام الخلقة، وهذه – كلّها – تسبب تقوية إيمان الفرد وترسيخها، ذلك الإيمان الحاجز عن ارتكاب المعاصي والآثام، والعامل على زيادة حدّة البصر والبصيرة، ومعرفة الطريق الصحيح، وحفظ الوجود وحراسة أساس التقوى.
يجب الاعتقاد بأن العالَم لم يُخلق لهواً وعبثاً، وأنّ كلّ إنسان سيلقى نتائج أعماله.
ومن لم يعتقد بالله المتعال ولم تأخذ التقوى والإيمان مكانهما من قلبه فلا شك أنّه لن يرتدع عن القيام بأي عمل مناف للدين والأخلاق، وكما قال داستايفسكي: ((جميع الأعمال جائزة فيما لم يكن الله)).
2 – الإرشادات والتعاليم الثقافية والاجتماعية: من أهم طرق إصلاح المجتمع السعي إلى تنبيه الغافلين عن الحياة وضروراتها، وبيان المفاسد ومساوئ الإباحية، وعواقب الأمور السلبية وتبعات الإنحلال الأخلاقي، وزوال الحجاب والعفاف من أفراد المجتمع.
يجب تحذير الأفراد وإرشادهم إلى أن ترويج الإباحية وإشاعتها، وانعدام العفاف والحجاب في المجتمعات إنما هو نتيجة خطط ودسائس وحيل الأجانب والمستعمرين وأعداء الدين.
فقد كتب مستر همفر الجاسوس البريطاني في البلدان الإسلامية في خاطراته: ((وأمّا عن مسألة خلع الحجاب عن النساء، فعلينا القيام بجهد عظيم لتشويق المسلمات إلى نزع حجابهن وترك جلابيبهن، وبعد خلع الحجاب – بالإعلام المكثّف الواسع المتواصل – على أنصارنا وأتباعنا أن يرغّبوا الشباب في ارتكاب الفحشاء، وتكوين علاقات غير مشروعة مع النساء، وبالتالي إشاعة الفساد في المجتمعات الإسلامية، وعلى النساء غير المسلمات أن لا يرتدين الحجاب لكي تقتدي بهنّ المسلمات))([84]).
ويقول فرانتس فانون في كتابه ثورة الجزائر: ((إذا أردنا العزف على أوتار المجتمع الجزائري والسيطرة عليه وإحباط مقاومته فعلينا السيطرة على نسائه أوّلاً)). وكانوا يقولون بصراحة: ((استمالة النساء والسيطرة عليهن سيجلب لنا كل شيء)).
يقول فرانتس فانون أيضاً: ((إن كلّ جلباب وحجاب يُخلع ويُلقى جانباً يفتح لنا أفقاً جديداً كان ممنوعاً علينا، ويرينا الجسد الجزائري الذي عاد عرياناً تماماً، وبعد رؤية كل الوجوه بلا حجاب، ستتضاعف آمال الهجمة الاستعمارية عشرة أضعاف، كلّ حجاب يلقى جانباً وكلّ وجه يكشف للناظرين العابثين الوقحين يعني أنّ الجزائر بدأت تتنكّر لوجودها، وأنها تنصّلت عن قيمها، وتقبّلت هتك الغاصبين لناموسها))([85]).
وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم مكر المنافقين وتخطيطهم لمتزيق العفاف الشامل العام فقال عز من قائل: >إنّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة و…<([86]).
أي أنّ المنافقين هم الذين يشيعون الفساد والفتنة، وأول مرحلة من تنفيذ خطتهم أن ينشروا الوسوسة والشهوة، ويحاولوا إثارة الأحاسيس العاطفية للشباب، ليشيع الفساد بين المؤمنين، وليصبح علنياً.
3 – تحسين وضع معيشة الناس ورفع المشكلات الاقتصادية: يقول العلاّمة الطباطبائي: ((لا شكّ أن أهم شيء يتقوّم به المجتمع الإنساني ويقوم على أساسه هو الاقتصاد والموارد الاقتصادية والجانب المالي، وقد جعله الله قياماً للناس وللمجتمع، ولو تابعنا وبحثنا ودرسنا علل الآثام والجرائم والجنايات والتجاوزات والمظالم لتوصلنا – في النتيجة – إلى ما يلي: أنّ سبب كل ذلك إما الفقر المفرط الذي يدعو ويجبر الإنسان لأن يتلافاه باختلاس أموال الناس بالسرقة أو قطع الطريق وقتل النفوس أو البيع بأسعار فاحشة أو التطفيف والبخس في الكيل والوزن أو الغصب وسائر التعدّيات المالية، وإما إلى غنى مفرط نتيجة الثروة الفاحشة العظيمة والترف والإسراف في المأكل والملبس والمنكح، ومراودة ومعاقرة أماكن إباحة الشهوات، وهتك الحرمات وإشاعة التجاوزات والتسلط على أموال ونواميس وأعراض وأعمار الناس))([87]).
ولو سلكنا سبيل القناعة بدلاً من هذا الفقر المفرط والغنى الفاحش المذمومين لعشنا في طمأنينة واستقرار ودعة، وعندئذ يكون للعفاف معناه الحقيقي، وتنفتح أمامنا سبل الرقي والتسامي ((من اقتنع بالكفاف أدّاه إلى العفاف))([88]).
وبناءً على هذا، فمحاولة تحسين أوضاع الناس الاقتصادية والمعيشية وتقسيم الثروة بالقسط والعدل في المجتمع أحد عوامل وصول المجتمع إلى السعادة والصلاح والحياة الطيبة.
4 – تقديم نماذج (القدوة) مناسبة للشباب: يحتاج الشباب الذين هم أمل المستقبل وبُناته إلى قدوات ليتخذوهم قادة لهم، إنّ أولادنا يكبرون خلال فترة قصيرة ثم يردون المجتمع فيتزوجون ويمارسون أدوارهم ووظائفهم كأمهات أو كآباء، ولا بد لهم من اتخاذ أسلوب واحتلال موقع يحددان لهم مسيرتهم في الحياة، وهذا مهم بالنسبة لهم، فلا بد من أسوة وأنموذج ومثال يقتدون به، ولا بد لهم معرفة من يمكنهم أن يكونوا أسوة لهم، فأحد أسس وأركان حياتهم أن يجدوا أسوةً وأنموذجاً يتأسون به، وبالطبع كلما كانت النماذج أكمل وأسلم وأسمى كان احتمال وإمكان رقيهم أكثر.
إنّ أرضية التقليد في الإنسان وميله إلى البطولة تدفع الكثير من الأشخاص وبشكل غير إرادي إلى اتّباع نماذج معينة، فيقلدون جميع حركاتهم وسكناتهم، ويحاكونهم في ملبسهم وزينتهم. وقد اهتم النظام التربوي الإسلامي بمسألة تقديم نماذج وأمثلة وقدوات جيدة.
فقد عرّف الله تعالى لنا في القرآن الكريم نماذج وقدوات أعمّ من كونها رجالاً أو نساءً، وأرشد المؤمنين إلى انتهاج سبيلهـم، فقـد وصف رسول اللـه(ص) بالأسوة الحسنة والقدوة العامّة في التربية، فقال عز من قائل: >لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة<([89])، ثم تتبعه السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) لتكون أسوة نساء العالمين وسيدتهم، ورئيستهم في المحافظة على حرمة العفاف.
ويوسف (ع) ومريم (سلام الله عليها) كل منهما أسوة لنا ومظهر للعفة، ((إذا صلح إنسان صار أسوة لجميع الناس، سواء كان ذلك الإنسان الاُسوة رجلاً أو امرأة، كل منهما يصير أسوة لكل من النساء والرجال، وليس لجنس دون خاتم))([90]).
وبناء على ما ذكرناه، على المتصدين للشؤون الثقافية في الدول الإسلامية أن يهتموا بهذا المبدأ والأساس، ويقدّموا للشباب نماذج وقدوات مناسبة وموفقة، ليملؤوا هذا الفراغ في المجتمع، حتى لا ينحرف الشباب ويتخذ أحد المطربين أو الممثلين المنحرفين أنموذجاً لهم.
5 – تسهيل أمر الزواج وتوفير مراكز إعلامية متخصّصة به: النكاح أحد المراحل المعقولة في حياة كل فرد، والابتعاد عنه والاحتراز منه يسبّب آثاراً وخسائر لا يمكن التعويض عنها في الحياة.
ومن أهم وظائف المبرمجين والمسؤولين والعوائل و… أن يهيئوا الأرضية المناسبة ويمهدوا للزواج ويقلّلوا من الصعوبات والعراقيل التي تواجهه، ويحثّوا الشباب عليه ويرفعوا الموانع والمشاكل التي تعترضه، ومنها: العمل، والسكن، وعدم الاستقلال الاقتصادي الذي يراه الشباب سدّا يحول دون زواجهم، وتقريب المعايير والمقاييس ووجهات النظر المتعارضة بين الشباب وآبائهم، والذي يكمن في اختلاف نظرات جيلين للأمور المتفاوتة، ويتم هذا عن طريق الوسائل الإعلامية، ومحاولة إقناع الشباب باتّخاذ تجارب آبائهم دروساً، وإقناع الآباء بالاهتمام باختيارات الشباب واحترام آرائهم، وإيجاد مراكز تشاور لتعليم الشباب وإرشادهم في مجال الزواج.
وكذلك تأسيس مراكز تعليم اختيار الزوج المناسب، وعقد مؤتمرات لبحث موضوع الزواج؛ لكي تتهيأ الأرضية المناسبة للزواج الموفق، ولمحو أرضية الانحراف شيئاً فشيئاً.
6 – اتخاذ سياسات مناسبة لإيجاد جوّ آمن للنساء: إذا كان محيط عمل النساء مناسباً بحيث يكون اتصالها بالرجال الأجانب أقلّ ما يمكن، فسيقلّل من الضغط الذي يحدث للبعض نتيجة الالتزام بالحجاب والحفاظ عليه.
7 – إيجاد مراكز ترفيهية ورياضية وفنية ذات جاذبية كبيرة ومشوقة، تؤمّن محيطاً سالماً لملء أوقات فراغ الشباب.
8 – الإشراف على النتاجات الثقافية المستوردة.
9 – تعريف السلطة القضائية الناسَ بالأحكام والحدود الشرعية الرادعة، وكشف هوية المفسدين، وملاجقتهم، وتعزيرهم، وتهديدهم من قبل الأجهزة القضائية وقوى الأمن، لمواجهة المفاسد الاجتماعية والانحرافات الأخلاقية.
من مجلة نصوص معاصرة – العدد الأول
الهوامش:
[1]) الصحيفة الفاطمية، ص96 دعاؤها عليها السلام في يوم الخميس.
[2]) الروم: 30.
[3]) نهج البلاغة: الحكمة 474.
[4]) لسان العرب9: 290، أقرب الموارد3: 803، المعجم الوسيط:611، ((كف عما لا يحل ولا تجمل من قول أو فعل)).
[5]) مجمع البحرين، فخر الدين بن محمد الطريحي2: 208.
[6]) معجم مفردات ألفاظ القرآن.
[7]) المعجم الوسيط: 611.
[8]) قاموس القرآن5: 18 ـ 19.
[9]) البقرة: 273.
[10]) النساء: 6.
[11]) النور: 33.
[12]) مصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم: 180 ـ 181.
[13]) النور: 60.
[14]) طهارة الأعراق، ابن مسكويه، ترجمة السيدة مجتهدة أمين: 33.
[15]) معراج السعادة، ملا أحمد النراقي: 190.
[16]) الأعراف: 22.
[17]) العهد الجديد: 336.
[18]) مجلة ((بيام زن))، مقالة: ((الإنسان، الستر وجذوره التاريخية))، ج19: 69.
[19]) ((زن به ظن تاريخ)): 71، 141، 115.
[20]) دائرة المعارف، فريد وجدي، ج3: 336.
[21]) التربية وطرق التدريس، صالح عبدالعزيز 1: 124.
[22]) إسلام وتعليم وتربيت، حجتي، سيد محمد باقر ، ج1: 79.
[23]) خانواده وكودكان گرفتار، علي قائمي: 10 ـ 12.
[24]) غرر الحكم1: 327.
[25]) المصدر نفسه: 379.
[26]) السيوطي، الجامع الصغير 2: 36.
[27]) المجلة الفصلية ((شوراى فرهنگى اجتماعي زنان))، العدد العاشر: 46.
[28]) المستدرك14: 159.
[29]) مسند أحمد بن حنبل2: 275.
[30]) غرر الحكم2: 611.
[31]) المصدر نفسه: 863 ((يستدلّ على عقل الرجل بالعفّة والقناعة)).
[32]) محمد تقي فلسفي، جوان: 365.
[33]) النور: 30 و31.
[34]) تفسير الميزان15: 10، روض الجنان 14: 122.
[35]) مجمع البحرين 4: 218، تفسير نمونة، بالفارسية 14: 436.
[36]) تحرير الوسيلة2: 243 ـ 245.
[37]) وسائل الشيعة7: 139.
[38]) المصدر نفسه: 138.
[39]) المصدر نفسه: 139.
[40]) نهج الفصاحة: 551.
[41]) وسائل الشيعة7: 142.
[42]) البقرة: 185.
[43]) الممتحنة: 12.
[44]) النساء: 32.
[45]) القصص: 23.
[46]) وسائل اشيعة14: 133.
[47]) المصدر نفسه: 134.
[48]) كلمة الرسول: 413.
[49]) وسائل الشيعة14: 142.
[50]) بحار الأنوار103: 247.
[51]) نهج الفصاحة: 36.
[52]) الأعراف: 32.
[53]) تفسير الميزان8: 81.
[54]) سفينة البحار: 546.
[55]) غرر الحكم: 379.
[56]) الأعراف: 31.
[57]) الأعراف: 32.
[58]) تفسير نمونه6: 148.
[59]) تفسير الميزان 8: 82.
[60]) تفسير مجمع البيان 2: 12.
[61]) وسائل الشيعة 3، أبواب اللبس، باب 7.
[62]) الأحزاب: 34.
[63]) النور: 32.
[64]) تفسير الميزان8: 82.
[65]) وسائل الشيعة7: 154، وبحار الأنوار103: 243.
[66]) الأحزاب: 33.
[67]) تفسير نمونه17: 289.
[68]) زن در عصر مغول (بالفارسية).
[69]) تاريخ تمدن (بالفارسية)1: 72.
[70]) الأعراف: 26.
[71]) تفسير الميزان8: 69.
[72]) تفسير نمونة6: 131.
[73]) الأحزاب: 59.
[74]) وسائل الشيعة20: 168.
[75]) الواقعة: 23.
[76]) منتسكيو، روح القوانين: 107.
[77]) راجع: لماذا انهزمت فرنسا ـ اندريه موروا.
[78]) مدنية الإسلام والعرب: 333 ـ 335.
[79]) العنكبوت: 40.
[80]) المستدرك، باب النكاح، ج5: 69.
[81]) صحيفة آفتاب الإيرانية، العدد: 404.
[82]) صحيفة جمهوري اسلامي الإيرانية، العدد: 2063، بتاريخ 21/4/1380هـ.ش.
[83]) مقتبس من كتاب فرهنگ حجاب (بالفارسية)، بيم ها واميدها: 46 ـ 49.
[84]) خاطرات همفر، ترجمة الدكتور محسن مؤيدي، ص4.
[85]) فرانتس فانون، ثورة الجزائر،: 14.
[86]) النور: 19.
[87]) تفسير الميزان9: 248.
[88]) شرح غرر الحكم5: 357.
[89]) الأحزاب: 21.
[90]) آية الله جوادي آملي، زن در آيينه جلال وجمال: 153.