الشيخ علي رباني الگلپايگاني(*)
مقدّمةٌ
يرى الشيعة الإمامية (الاثنا عشرية) أن العصمة إحدى أهمّ خصائص الإمام، وشرطٌ لازمٌ لإحراز مقام الإمامة.
وقد بيَّن العلاّمة الحلّي رأي الشيعة الإمامية على النحو التالي: يرى الإمامية أن الأئمّة في وجوب عصمتهم من جميع الرذائل والخبائث، من الولادة وحتّى الوفاة، سواء تلك التي تصدر عمداً أو سهواً، مثل الأنبياء؛ لأنهم حفّاظ الشريعة، ولا يختلفون عن الأنبياء من هذه الناحية([1]).
وقد ذهبت الفرقة الإسماعيلية إلى اعتبار العصمة من الصفات اللازمة للإمام.
وقد استدلّ حميد الدين الكرماني الإسماعيلي على وجوب عصمة الإمام بسبعة وجوه([2]).
وهناك من المتكلِّمين مَنْ صرَّح بعقيدة الإسماعيلية بوجوب عصمة الإمام([3]).
بَيْدَ أن المذاهب الكلامية الأخرى لم تقُلْ بأن العصمة شرطٌ لازمٌ في الإمامة.
قال الآمدي: يرى أهل السنّة والجماعة أن العصمة ليست من شرائط الإمام؛ وقد وافقهم المعتزلة والخوارج والزيدية في هذه المسألة أيضاً؛ وأما الإمامية وأكثر الطوائف الشيعيّة فقد اعتبرت العصمة من شرائط الإمام([4]).
وسوف نعمل في هذا المقال على بيان الأدلة العقلية على وجوب عصمة الإمام من وجهة نظر المتكلِّمين الإمامية، ولكنْ لا بُدَّ قبل ذلك من بيان آراء المتكلِّمين بشأن حقيقة العصمة، باختصارٍ:
حقيقة العصمة
إن كلمة العصمة مشتقّة من مادة «عَصَمَ»، بمعنى الإمساك والمنع.
قال أحمد بن فارس: إن كلمة «عَصَم» تدلّ على الإمساك والمنع([5]).
وقال ابن منظور: إن «العصمة» في لغة العرب بمعنى المنع([6]).
وقد فسَّر الراغب الأصفهاني كلمة «عصم» بمعنى الإمساك([7]).
وليس هناك اختلافٌ ماهوي بين المعنى اللغوي للعصمة وبين المعنى الاصطلاحي لها. ولكنْ بالنظر إلى اختلاف المباني الكلامية فقد ذكروا لها تعريفاتٍ مختلفة:
فقد ذهب الأشاعرة في تعريف العصمة إلى القول بأنها تعني عدم خلق الذنب في المعصوم من قِبَل الله، كما ورد ذلك في تعريف عضد الدين الإيجي: إن العصمة تعني أن لا يخلق الله الذنب في المعصوم([8]).
وقال الجرجاني في شرح العبارة المتقدِّمة: إن العصمة عندنا ـ حيث نقول بإسناد الأشياء إلى الفاعل المختار «الله» من دون واسطةٍ ـ تقتضي أن لا يخلق الله الذنب في الشخص المعصوم([9]).
وقد ذهب المتكلِّمون من العدلية (الإمامية والمعتزلة) إلى تعريف العصمة على أساس قاعدة اللطف.
فقال المقداد السيوري في هذا الشأن: قال أصحابنا (الإماميّة) ومَنْ وافقهم من العدلية: إن العصمة لطفٌ يمنّ به الله على المكلَّف؛ بحيث يمتنع عنه صدور الذنب؛ إذ إنه مع امتلاكه القدرة على ذلك لا يحصل لديه الداعي إلى ارتكاب الذنب، بل يبغض الذنب. وعليه يكون صدور الذنب منه ـ بالنظر إلى إمكانه؛ لقدرته عليه، وبالنظر إلى عدم امتلاك الداعي مع وجود الصارف (كراهة الذنب) ـ ممتنعاً([10]).
وقد ذهب الفلاسفة والحكماء المسلمون في ضوء رؤيتهم في باب العلِّية، وقولهم بأن نفس الإنسان هي الفاعل الحقيقي للأفعال الداخلية والخارجية ـ على الرغم من إسنادهم السلسلة العلِّية إلى واجب الوجود ـ إلى القول بأن العصمة مَلَكةٌ نفسانية، وأن الفرد إذا حصل على هذه المَلَكة ـ وإنْ كان بمقدوره أن يرتكب المعصية ـ لا يعقد العزم على ارتكابها أبداً، ولا يصدر عنه الذنب.
وقد قال المحقِّق الطوسي في هذا الشأن: إن العصمة من وجهة نظر الحكماء مَلَكةٌ، مع وجودها لن يصدر الذنب من صاحبها([11]).
تقييمٌ وتحقيق
1ـ إن التفسير الذي يقدِّمه الأشاعرة عن العصمة غير مقبولٍ؛ لأن مبناهم في التوحيد الأفعالي وفي أصل العلِّية مرفوضٌ.
2ـ إن تفسير العصمة بأنها مَلَكةٌ نفسانية إذا تمّ تقريره على أنها تحصل بشكلٍ تدريجيّ لن يكون مقبولاً؛ إذ لا ينسجم هذا القول مع مبنى الشيعة في القول بعصمة الأنبياء والأئمّة منذ الولادة. وفي الأساس فإن العصمة تفضُّلٌ من الله، وليست صفةً مكتسبة. إن العصمة تفضُّل من الله على ذلك الشخص الذي يعلم أنه يتمسَّك بها([12]).
وأما إذا تمّ تقريره بحيث لا تستلزم الاكتسابية والحصول التدريجي للعصمة فهو مقبولٌ. قال العلاّمة الطباطبائي في هذا الشأن: «إن الله سبحانه خلق بعض عباده هؤلاء على استقامة الفطرة واعتدال الخلقة؛ فنشأوا من بادئ الأمر بأذهانٍ وقّادة، وإدراكاتٍ صحيحة، ونفوسٍ طاهرة، وقلوبٍ سليمة؛ فنالوا بمجرّد صفاء الفطرة وسلامة النفس من نعمة الإخلاص ما ناله غيرهم بالاجتهاد والكَسْب، بل أعلى وأرقى؛ لطهارة داخلهم من التلوُّث بألواث الموانع والمزاحمات. والظاهر أن هؤلاء هم المُخْلَصون ـ بفتح اللام ـ لله في عُرْف القرآن. وهؤلاء هم الأنبياء والأئمّة. وقد نصّ القرآن بأن الله اجتباهم؛ أي جمعهم لنفسه، وأخلصهم لحضرته… وآتاهم الله سبحانه من العلم ما هو مَلَكةٌ تعصمهم من اقتراف الذنوب وارتكاب المعاصي، ويمتنع معه صدور شيءٍ منها عنهم، صغيرة أو كبيرة. وبهذا تمتاز العصمة من العدالة؛ فإنهما معاً تمنعان من صدور المعصية، لكنّ العصمة يمتنع معها الصدور، بخلاف العدالة»([13]).
إن هذا التقرير لمَلَكة العصمة ينسجم مع كلام المتكلِّمين من العدلية في تفسير العصمة؛ لأن مَلَكة العصمة ـ بحَسَب هذا التقرير ـ مصداقٌ للطف الله في حقّ المعصوم، حيث مع وجودها لن يكون صدور الذنب ممكناً، وإنْ كان قادراً على ارتكاب الذنب، ويكون صدور الذنب عنه بلحاظ قدرته عليه ممكناً. وبعبارةٍ أخرى: إن امتناع صدور الذنب عن المعصوم امتناعٌ بالغير، وهو لا يتنافى مع الإمكان الذاتي.
حدود ومراتب العصمة
يمكن بحث عصمة الإمام ـ كما هو الحال بالنسبة إلى عصمة النبيّ ـ ضمن ثلاثة مجالات:
1ـ العصمة في العمل
أ ـ العصمة في الإتيان بالواجبات وترك المحرَّمات.
ب ـ العصمة في الإتيان بالأمور المستحبّة وترك الأمور المكروهة.
ج ـ العصمة في الأمور المباحة، بمعنى أن لا يتجاوز في الاستفادة منها حدود الاعتدال، ولا يكون له في القيام بها دافعٌ سوى مرضاة الله سبحانه وتعالى، وأن لا يرمي من ورائها مجرّد الاستمتاع وإصابة اللذّة.
2ـ العصمة في العلم
أ ـ العصمة في معرفة التعاليم والأحكام الدينيّة.
ب ـ العصمة في معرفة موضوعات الأحكام الدينيّة.
ج ـ العصمة في تشخيص المصالح والمفاسد المرتبطة بالمجتمع الإسلاميّ والبشريّ.
د ـ العصمة في أمور الحياة اليوميّة.
3ـ العصمة في الصفات النفسانيّة والجسمانيّة
إن العصمة في الصفات النفسانيّة عبارةٌ عن: البراءة من الرذائل الأخلاقية، من قبيل: الحَسَد، والبُخْل، والعُجْب، وما إلى ذلك.
والعصمة في الصفات الجسمانية عبارةٌ عن: البراءة من تلك العيوب المنفِّرة، والتي تخلّ في التواصل بين الناس وبين النبيّ أو الإمام.
وكذلك العصمة في مجال نسبة القرابة أو مجالسة الأشخاص الذين يحدثون فجوةً في ثقة الناس بالنبيّ أو الإمام.
وبشكلٍ عامّ فإن المتكلِّمين إنما يذكرون هذا النوع من الأمور بعنوان «التنزُّه من المنفِّرات»، وبشكلٍ ملحق بالعصمة. ولكنْ ـ كما قال المحقِّق اللاهيجي ـ يمكن عدّ هذه الأمور بدَوْرها ضمن مراتب العصمة أيضاً([14]).
الأدلّة العقليّة على عصمة الإمام
وبالالتفات إلى ما تقدَّم ذكرُه حول مراتب العصمة يجب التدقيق في الأدلة العقلية والنقلية لعصمة الإمام، وما إذا كانت تدلّ على جميع مراتب ومجالات عصمة الإمام أو على بعضها؛ وفي الفرض الثاني على أيّ مرتبةٍ من العصمة يدلّ مفادها.
وفي ما يلي سوف نبحث الأدلّة العقليّة على عصمة الإمام.
1ـ برهان امتناع التسلسل
خلاصة هذا البرهان أن الإمام إذا لم يكن معصوماً لزم من ذلك أن يكون هناك أئمةٌ متعدّدون في زمانٍ واحد، وهو محالٌ. وعليه؛ حيث يلزم هذا الأمر الباطل من عدم عصمة الإمام، والأمر الذي يستلزم الباطل باطلٌ، يكون القول بعدم عصمة الإمام باطلاً؛ وحيث يستحيل ارتفاع النقيضين سوف يكون القول بوجوب عصمة الإمام صحيحاً.
إن هذا البرهان من نوع برهان الخُلْف، حيث يتمّ إثبات صحّة المطلوب من خلال إبطال نقيضه. وبنيته عبارةٌ عن قياسٍ استثنائي من نوع استثناء نقيض التالي، من قبيل: برهان التمانع في قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا﴾ (الأنبياء: 22)، فحيث يكون التالي باطلاً يكون المقدَّم صحيحاً.
وفي هذا النوع من القياس يجب إثبات شيئين؛ أحدهما: صحّة الملازمة بين المقدَّم والتالي؛ والآخر: بطلان التالي. وإن بطلان التالي في البرهان المذكور بديهيٌّ؛ إذ إن استحالة تعدُّد الأئمّة في زمنٍ واحد أمرٌ بديهيّ.
وعليه، فإن الذي يجب إثباته هو الملازمة بين المقدَّم والتالي؛ بمعنى أن لازم عدم عصمة الإمام هو تعدُّد الأئمّة في زمانٍ واحد.
بيان الملازمة: إن من بين الملاكات الهامّة في احتياج الأمة الإسلامية إلى الإمام أن أفراد هذه الأمّة مكلَّفون بالتكاليف الدينية، ولكنّهم غير معصومين. ومن هنا تكون الأرضية لمخالفة الأحكام الدينية متوفِّرةً لديهم؛ ومن ناحية أخرى فإن وجود الإمام ـ بوصفه مسؤولاً على تطبيق الحدود وإقامة الأحكام الإلهية، ويعمل بالتالي على تشجيع وتأييد الصالحين، ويذكِّر ويُعاقب المسيئين والمجرمين ـ يلعب دَوْراً محورياً وحاسماً في نزوع الأفراد إلى تطبيق القوانين الإلهيّة، وتجنُّب اقتراف المعاصي والذنوب. وهذا الأمر يُعَدّ واحداً من الأدلّة على وجوب الإمامة من وجهة نظر المتكلِّمين ـ الأعمّ من الشيعة وأهل السنّة ـ؛ وذلك لأن الفرد سوف يتضرَّر من مخالفة القوانين الإلهية، وإن دفع الضرر عن النفس واجبٌ؛ بحكم العقل، وإجماع الأمّة([15]).
وعلى هذا الأساس لا يوجد اختلافٌ بين الأمّة الإسلامية حول وجوب وجود الإمام على أساس الملاك المذكور. والآن نقول: كلّما كان هذا الملاك متوفِّراً في الإمام سوف يكون وجود الإمام واجباً. وسوف يكون هذا الكلام جارياً في إمام الإمام وسائر الأئمّة الآخرين أيضاً، وبالتالي لن يقف عديد الأئمّة على عددٍ معيَّن. ولازم هذا الكلام أن يكون هناك ما لا يُحصى من الأئمّة بين الأمّة الإسلاميّة في كلّ زمانٍ. وبطلان هذا الأمر واضحُ بالبداهة. وإن بطلان اللازم لا ينفك عن بطلان الملزوم. وعلى هذا الأساس، فإن افتراض عدم عصمة الإمام باطلٌ، فيكون نقيضه ـ المتمثِّل بعصمة الإمام ـ صحيحاً.
إن هذا البرهان ـ الذي اعتبره السيد المرتضى من أقوى البراهين العقليّة على وجوب عصمة الإمام([16]) ـ قد ورد ذكرُه في أكثر الكتب الكلاميّة عند الإماميّة([17]).
مناقشاتٌ في برهان امتناع التسلسل
لقد أورد المُنْكِرون لوجوب عصمة الإمام بعض الإشكالات على هذا الاستدلال. وفي ما يلي نعمل على بيان هذه الإشكالات، وتقييمها:
أـ تحقُّق مراد الشارع بالإمام أو العالم غير المعصوم
إن ملاك حاجة الأمّة إلى الإمام لا يكمن في عدم العصمة من الخطأ، بل الملاك في ذلك هو دفع الأضرار المحتملة التي قد تتعرَّض لها الأمّة في فرض عدم وجود الإمام؛ إذ نعلم بداهةً أن مراد الشارع من الأحكام والشعائر والحدود الشرعية هو ضمان المصالح الدنيويّة والأخرويّة للناس. وهذا لا يكتب له التحقُّق إلاّ مع وجود إمامٍ من قِبَل الشارع. وعلى هذا الأساس فإن وجود الإمام يدفع أكبر الأضرار عن الأمّة الإسلامية، بل إن تنصيب الإمام من أهمّ مصالح المسلمين، ومن أكبر مقاصد الدين([18]).
ومن ناحيةٍ أخرى فإن دفع هذا الضرر لا يتوقَّف على وجود إمامٍ معصوم، بل يمكن تحقيق هذه الغاية من خلال اجتهاده وعدالته أيضاً، وعلى فرض أن وجود الإمام غير المعصوم ليس كافياً في تحقُّق هذه الغاية فإن الأمّة الإسلامية ـ التي هي خير الأمم ـ وكذلك علماء الشريعة يدفعون هذا الضرر المحتمل، وبذلك سوف يتحقَّق مراد الشارع([19]).
ردٌّ واعتراض
1ـ نحن بدَوْرنا لا ننكر أن يكون مراد الشارع من الأحكام والشعائر والحدود الإسلامية هو ضمان المصالح الدنيوية والأخروية لأفراد البشر. كما لا ننكر ضرورة وجود الإمام في تحقُّق هذه الغاية. وعليه، فإن النتيجة هي أن وجود الإمام يدفع عن الأمّة ضرراً كبيراً، بل هو من أكبر الأضرار التي تصيب الأمّة الإسلامية في فرض عدم وجود الإمام. ولكنْ لو كان جميع المكلَّفين بأحكام الشريعة معصومين لكتب التحقُّق لهذه الغاية بشكلٍ كامل، ولن تتعرَّض الأمّة الإسلامية لأيّ نوعٍ من أنواع الضرر. وفي الأساس فإن الحدود الإلهيّة إنما يتمّ وضعها لردع الخاطئين والمتمرّدين على القوانين، دون الصالحين والعاملين بالأحكام الإلهيّة. إن الشخص غير المعصوم قد يسرق أو يزني أو يقتل النفس المحترمة؛ فيكون بذلك مستحقّاً للعقاب وتطبيق الحدّ الشرعي بحقّه، وتطبيق ذلك من شؤون وصلاحيّات الإمام. وعلى هذا الأساس، فإن جذور التمرُّد على القوانين، والأضرار المترتِّبة على هذا التمرّد، إنما تنشأ من عدم عصمة الأشخاص. فإذا كان وجود الإمام ضرورياً لتطبيق الأحكام والحدود الإلهية فهذا إنما يعود سببه إلى وجود الأرضيّة لمخالفة الأشخاص، وعدم التزامهم بالأحكام الإلهيّة([20]).
2ـ إن القول بأن دفع الضرر عن الأمّة الإسلامية لا يتوقَّف على القول بعصمة الإمام، وأنه يمكن أن يتحقَّق بواسطة اجتهاد الإمام وعدالته، لا يعمل على حلّ إشكال التسلسل؛ إذ مع افتراض عدم عصمة الإمام تكون الأرضيّة لمخالفة القوانين الشرعية واستحقاق إقامة الحدود الإلهيّة في حقّه موجودةً، وإن تطبيق الحدود الإلهيّة من شؤون وصلاحيّات الإمام. وعلى هذا الأساس، سوف نحتاج إلى وجود إمامٍ آخر للإمام الأوّل، وهذه السلسلة لا تنتهي إلاّ بالقول بعصمة الإمام.
3ـ يذهب التفتازاني إلى الاعتقاد بأن غرض الشارع من الأحكام الشرعية ودفع الضرر ـ الذي يستهدف الأمّة، والذي ينشأ من مخالفة الأحكام الشرعيّة ـ إذا لم يتحقَّق بوجود الإمام لن يكون هناك إشكالٌ؛ لأن الأمّة الإسلامية ـ التي هي خير الأمم ـ وكذلك وجود علماء الشريعة سوف يكون كافياً في دفع هذا الضرر.
إن هذا الكلام لا يستند إلى أساسٍ؛ إذ لو كان هذا الفرض صحيحاً فلن تكون هناك حاجةٌ إلى الإمام من الأساس؛ في حين أن وجوب وجود الإمام موضع إجماع كافّة المذاهب والفِرَق الإسلاميّة؛ فقد صرَّح التفتازاني نفسه بأن إقامة الحدود، وحفظ الثغور، وقيادة الجيوش للجهاد، والدفاع عن حياض الإسلام، والكثير من الأمور الأخرى المتعلِّقة بحفظ النظام الإسلاميّ، لا يمكن أن يُكْتَب لها التحقُّق إلاّ بوجود الإمام. وقد استدلّ بذلك على وجوب الإمامة([21]).
ب ـ قابليّة المعصوم للخطأ
حتّى الشخص المعصوم قابلٌ للخطأ؛ لأنه مكلَّف مثل غيره من المكلَّفين، والعصمة لا ترفع الابتلاء والتكليف([22]).
تعليقٌ وبيان
إن قابلية الشخص للخطأ على نوعين؛ أحدهما: القابلية الذاتية للخطأ؛ والآخر: القابلية التحقُّقية للخطأ. والذي يصحّ في مورد المعصوم هو النوع الأوّل، دون الثاني؛ فالإنسان المعصوم؛ حيث هو إنسانٌ مثل سائر الناس، يمكن في حقّه الخطأ. ولكنّه؛ إذ يتّصف بالعصمة، لن يُكْتَب التحقُّق لهذا الإمكان أبداً؛ حيث يتمتّع بالمَلَكة التي تحول دون تحقُّق هذا الإمكان. ومن هذه الناحية يختلف المعصوم عن غير المعصوم، كما قال النبي يوسف×، على ما حكاه عنه القرآن الكريم: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لاَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ (يوسف: 53).
إن الشطر الأول من هذه الآية يتحدَّث عن القابلية الذاتيّة للخطأ؛ في حين أن الشطر الثاني منها يتحدَّث عن امتناع صدور الخطأ والذنب؛ بسبب وجود الرحمة الإلهية الخاصّة (المتمثِّلة بالعصمة). إن الملاك في الاحتياج إلى الملاك هو الإمكان التحقُّقي للخطأ والذنب في مورد الأشخاص، وليس الإمكان الذاتيّ له. وهذا الملاك لا يوجد في المعصوم.
ج ـ لزوم عصمة غير الإمام
لو وجب أن يتّصف الإمام بالعصمة؛ بسبب قيادته للمجتمع الإسلامي، وتطبيقه للحدود الإسلاميّة، لوجبَتْ هذه العصمة بالنسبة إلى الولاة والقضاة الذين ينصبهم الإمام أيضاً؛ لأنهم يتولَّوْن قيادة وإرشاد وتوجيه الناس، ويطبِّقون الحدود الإسلامية، في مساحةٍ أضيق من مساحة الإمام([23]).
تنبيهٌ وتنقيح
إن مبنى برهان امتناع التسلسل في وجوب عصمة الإمام ليس هو القول بأن الإمام؛ حيث يقود المجتمع ويطبِّق الأحكام الإسلامية، إذن يجب أن يكون معصوماً من الخطأ، حتّى يُقال: إن الملاك المذكور يجب أن يتوفَّر في الدائرة الأضيق أيضاً ـ أي في الذين ينوبون عن الإمام ويمثِّلونه (من الولاة والقضاة والجباة) ـ، وعليه يجب أن يكون هؤلاء معصومين من الخطأ أيضاً؛ في حين لم يقُلْ أحدٌ بوجوب عصمتهم.
وإنما مبنى البرهان المذكور هو: بما أن أفراد المجتمع الإسلامي ليسوا معصومين من الخطأ فإن أرضية صدور الخطأ موجودةٌ عندهم، وإن وجود الإمام من شأنه أن يسيطر على وقوع الذنوب، وأن يحول دون الضرر الكبير الذي يتعرَّض له أفراد المجتمع؛ بسبب مخالفتهم للأحكام الإلهية. وكما تقدَّم فإن هذا أحد وجوه وجوب الإمامة. وحيث إن الولاة والقضاة الذين يتمّ تنصيبهم من قِبَل الإمام هم ـ مثل سائر أفراد المجتمع ـ غير معصومين من الخطأ فسوف يكونون بحاجةٍ إلى الإمام المعصوم أيضاً. وحيث يكون المثال المذكور موجوداً في الإمام أيضاً سوف يكون بحاجةٍ إلى إمامٍ آخر، ونتيجةً لذلك سوف يلزم التسلسل في الإمامة، وهو باطلٌ([24]).
د ـ كفاية عصمة الأمّة
إن عدم عصمة الإمام لا يستلزم التسلسل في وجود الإمام؛ لأن مجموع الأمّة معصومٌ. وعليه، كلما صدر خطأٌ من الإمام فإن الأمّة سوف تذكِّره بخطئه، وسوف يعمل بدَوْره على تدارك الخطأ([25]).
نقضٌ ورفض
1ـ إن الإمام واحدٌ من أفراد الأمّة. وعليه، كلّما كان مجموع الأمّة كافياً لدفع ضرر الخطأ عنه سوف يكون ذلك كافياً بالنسبة إلى الأفراد الآخرين أيضاً. وعندها لن يكون وجود الإمام واجباً. وهذا مخالفٌ للإجماع.
2ـ لا يمكن لإجماع الأمّة أن يتحقَّق من دون وجود الإمام؛ لأن الإمام أحد أفراد أهل الحلّ والعقد (نخبة المجتمع)، وإن حضوره في المجتمع مصيريٌّ وحاسم.
هـ ـ عدم جواز وجود معصومٍ آخر غير الإمام
كلّما كان الملاك في وجوب عصمة الإمام هو عدم عصمة أفراد الأمّة الإسلامية فلن يكون وجود معصومٍ آخر غير الإمام جائزاً؛ لأن هذا المعصوم الآخر سوف لا يكون إماماً، ولا مأموماً، وهذا على خلاف الإجماع؛ في حين يقول الإمامية بعصمة الإمام عليّ أمير المؤمنين× في عصر النبيّ الأكرم|، وعصمة الإمامين الحسن والحسين’ في حياة أمير المؤمنين×، وعصمة الإمام الحسين× في حياة الإمام الحسن×، وهكذا. وهذا الكلام يتنافى مع القول بأن الملاك في احتياج الأمّة إلى الإمام هو عدم عصمتها([26]).
تعليقٌ وتحقيق
إن ملاك عدم عصمة أفراد الأمّة الإسلامية في وجوب عصمة الإمام إنما هو ملاكٌ غالب، وليس ملاكاً حَصْرياً. وعلى هذا الأساس، فإن الشخص المعصوم قد لا يكون بحاجةٍ إلى الإمام من حيث صدور الخطأ والذنب عنه، ولكنّ هذا لا يمنع من أن يكون بحاجةٍ إلى الإمام المعصوم من ناحيةٍ أخرى، من قبيل: العلم ببعض الأحكام الإلهيّة والشرعيّة، التي يتمّ تبليغها إلى الناس من قِبَله([27]).
وحتّى لو سلَّمنا أن هذا الشخص المعصوم لا يحتاج إلى إمامٍ معصوم في ما يتعلَّق بالعلم بالأحكام الشرعية، بَيْدَ أن عدم الاحتياج هذا إنما يرتبط بحياته الفردية؛ ولكنْ حيث يكون واحداً من أفراد المجتمع، ويعيش حياةً اجتماعية، فإن مصلحة المجتمع تقتضي أن يكون جميع أفراده مطيعين للإمام المعصوم. وفي هذه الحالة سوف يكون عنوان المأموم صادقاً على جميع أفراد الأمّة ـ باستثناء الإمام ـ، سواء أكانوا معصومين أم لا.
التقييم العامّ لبرهان امتناع التسلسل
اتّضح أن برهان امتناع التسلسل على وجوب عصمة الإمام برهانٌ ثابت ومتين. ولا يَرِدُ عليه أيٌّ من الإشكالات المتقدِّمة.
وعليه، سوف ننتقل هنا إلى تقييم مساحته المدلوليّة؛ كيما يتّضح أيّ واحدٍ من أبعاد عصمة الإمام يمكن إثباته بهذا البرهان.
لا شَكَّ في أن برهان امتناع التسلسل يثبت عصمة الإمام في مساحة العمل بالأمور الواجبة وترك الأمور المحرَّمة.
وهكذا هو الأمر بالنسبة إلى عصمة الإمام في دائرة العلم بأحكام الشريعة وموضوعها، وكذلك تشخيص المصالح والمفاسد الاجتماعية أيضاً.
غير أن عصمة الإمام في الموارد التالية لا تثبت بواسطة هذا البرهان:
1ـ العصمة العمليّة في الأمور المستحبّة والمكروهة والمباحة.
2ـ العصمة من المنفِّرات (العيوب الجسديّة والنسبيّة).
كما أن برهان امتناع التسلسل لا يدلّ على عصمة الإمام قبل فترة الإمامة، إلاّ إذا تمّ الاستناد في ذلك إلى الإجماع، بأن يُقال: إن الإجماع قائمٌ على أن الذين يعتقدون بوجوب عصمة الإمام في مرحلة الإمامة يعتقدون بعصمة الإمام في مرحلة ما قبل الإمامة أيضاً.
2ـ برهان حفظ الشريعة وبيانها
من البراهين العقلية التي يقيمها المتكلِّمون من الإمامية على إثبات وجوب عصمة الإمام البرهانُ الذي يعبِّرون عنه بعنوان: «حفظ الشريعة» أو «كون الإمام حافظاً للشريعة»؛ أو بعنوان «تبيين الشريعة» أو «كون الإمام مبيِّناً للشريعة».
وبطبيعة الحال هناك مَنْ بيَّن هذين الأمرين على شكل برهانين مستقلّين([28]).
النقطة الأخرى هي أن هذا البرهان قد تمّ طرحُه في موضعين: أحدهما: في بحث وجوب الإمامة؛ والآخر: في مبحث عصمة الإمام.
وعلى أيّ حالٍ، نحن نستعمل في عنوان البرهان كلمتَيْ الحفظ والبيان، ونقدِّم له ثلاثة تقريرات، وقد استعمل فيها واحدة من عبارتي حفظ وتبيين الشريعة.
التقرير الأوّل: خلود الشريعة يستدعي عصمة الإمام الحافظ لها
إن خلود الشريعة الإسلاميّة، وتكليف جميع الناس بها إلى يوم القيامة، مورد إجماع المسلمين قاطبة. وعلى هذا الأساس يجب الحفاظ على الشريعة الإسلاميّة على الدوام؛ كي يكون التعرُّف عليها، والإيمان بها، والعمل بتعاليمها، ممكناً لكافّة الناس على مرّ العصور؛ إذ في غير هذه الحالة يتعيَّن علينا القول بأحد أمرَيْن خاطئين:
الأوّل: إن الناس الذين وُلدوا بعد عصر النبيّ، أو الذين سيولدون، ليسوا مكلَّفين بجميع الأحكام الإسلامية، وإنهم يختلفون عن المسلمين الأوائل في عصر الرسالة من هذه الناحية.
الثاني: إنهم في الوقت الذي يكونون مكلَّفين بجميع الأحكام الإسلاميّة، إلاّ أنهم يفتقرون إلى إمكان الوصول إليها، وإن تكليفهم بالأحكام الإسلاميّة ضربٌ من التكليف بما لا يُطاق.
وليس هناك أدنى شكٍّ في عدم صوابية هذين الأمرين.
ومن ناحيةٍ أخرى فإن حفظ الشريعة يحتاج إلى حافظٍ. وحافظ الشريعة لا يخلو أمرُه؛ فإما أن يكون معصوماً؛ أو لا يكون معصوماً. والحالة الثانية واضحة البطلان؛ إذ في ما يتعلَّق بالحافظ غير المعصوم يكون احتمال الخطأ موجوداً، ومع وجود الحافظ غير المعصوم قد تضيع بعض أحكام الشريعة، ويحدث خَلَلٌ في حفظ الشريعة. وعليه، يجب أن يكون حافظ الشريعة معصوماً([29]).
التقرير الثاني: انحصار الحافظ للشريعة بالإمام المعصوم
إن الحفاظ على الشريعة بعد رسول الله يكون إمّا بهَدْي القرآن الكريم؛ أو بواسطة سُنّة الرسول الأكرم|؛ أو من خلال الرجوع إلى الإجماع أو القياس والاستحسان؛ أو بالرجوع إلى الإمام المعصوم. ولهذه الاحتمالات التي يتمّ بيانها من الناحية العقلية واقعيّةٌ تاريخية أيضاً، بمعنى أنها مذكورةٌ، وقد تمّ البناء عليها من قِبَل المتكلِّمين في مختلف المذاهب الإسلامية. وعلى هذا الأساس، فإنه على الرغم من إمكانية بيان احتمالاتٍ أخرى أيضاً، بَيْدَ أن الفرضيّات التي كانت مطروحةً بين مختلف المفكِّرين الإسلاميّين تنحصر بهذه الموارد فقط.
وفي ما يلي نقتصر على مناقشة هذه الموارد:
1ـ لا شَكَّ في أن القرآن الكريم هو المصدر الأوّل للأحكام الإسلاميّة. ولكنْ حيث إن القرآن الكريم لم يُبين تفسير الأحكام لا يكفي وحده أن يكون حافظاً ومشتملاً على جميع أحكام الشريعة.
وهذا الأمر ـ بطبيعة الحال ـ لا يتنافى مع جامعيّة القرآن الكريم([30])؛ لأن القرآن الكريم نفسه قد بيَّن الطريق إلى بلوغ تفسير أحكام الشريعة، وقد عرَّف النبيّ الأكرم| بوصفه مبيِّناً ومعلِّماً للشريعة([31]). كما قام الرسول| بدَوْره بالتعريف بعترته وأهل بيته^ بوصفهم الملازمين الدائمين للقرآن أيضاً([32]).
2ـ بالنظر إلى أن النبيّ الأكرم| قد تمّ التعريف به من قِبَل الله سبحانه وتعالى بوصفه مبيِّناً ومعلِّماً للشريعة تكون سنّته ـ قوله، وفعله، وتقريره ـ هي المصدر الثاني لأحكام الشريعة، ولها دَوْرٌ محوريّ في حفظ الشريعة. ولكنّها لا تكون كافيةً إلاّ إذا نُقلت عن المعصوم. وفي غير هذه الحالة لن تكون كافيةً لحفظ الشريعة؛ لأن السنّة المتواترة ـ اليقينية ـ في ما يتعلَّق بأحكام الشريعة قليلةٌ جدّاً؛ والسنّة غير المتواترة إنما تكون قابلةً للاستناد والتعويل إذا كانت منقولةً بالطرق المعتبرة، بَيْدَ أن عدد هذه المرويّات ليس بالمقدار المشتمل على جميع أحكام الشريعة. والشاهد على ذلك أن علماء أهل السنّة لم يجدوا بُدّاً في بيان أحكام الشريعة من اللجوء إلى القياس والاستحسان والمصالح المرسلة؛ ليتداركوا بذلك النقص الملحوظ في مصادر استنباط الأحكام الشرعيّة.
وهناك من علماء أهل السنّة مَنْ قد صرَّح بقلّة السنّة في مجال أحكام الشريعة. قال رشيد رضا: إن الأحاديث الأصلية في مورد الأحكام لا تتجاوز خمسمئة حديث، تدعمها أربعة آلاف حديث (فرعيّ)([33]).
وعمد في موضعٍ آخر إلى المقارنة بين نظام التشريع الإسلاميّ وسنّ القوانين الجديدة في الأنظمة الديمقراطيّة، وقال: «ليس بين القانون الأساسي الذي قرَّرته هذه الآية على إيجازها وبين القوانين الأساسيّة لأرقى حكومات الأرض في هذا الزمان إلاّ فرقٌ يسير، نحن فيه أقرب إلى الصواب، وأثبت في الاتّفاق منهم إذا نحن عملنا بما هدانا إليه ربُّنا.
هم يقولون: إن مصدر القوانين الأمّة، ونحن نقول بذلك في غير المنصوص في الكتاب والسنّة، كما قرَّره الإمام الرازي آنفاً. والمنصوص قليلٌ جدّاً»([34]).
وعلى هذا الأساس فإن السنّة النبوية المروية من طريق غير المعصوم لا تشتمل على جميع أحكام الشريعة.
3ـ إن الإجماع بدَوْره لا يكفي وحده في الحفاظ على أحكام الشريعة وبيانها؛ وذلك أوّلاً: لأن الأحكام المُجْمَع عليها محدودةٌ جدّاً، وإن أغلب الأحكام خلافيّةٌ، وليست إجماعيّةً. وثانياً: إن الإجماع ما لم ينْتَهِ إلى كلام المعصوم وبيانه لا تثبت له الحجِّية الشرعية، ولا يمكن الاستناد إلى الكتاب والسنّة لإثبات حجِّيته، وإلاّ لزم الدَّوْر؛ ببيان: إن كلّ آيةٍ أو روايةٍ يُستَدَلّ بها على حجِّية الإجماع يُحتَمَل فيها ورود التخصيص أو التقييد أو النسخ، ولا يمكن دفع هذه الاحتمالات إلاّ من خلال الاستناد إلى الإجماع؛ إذ لو كان التخصيص أو التقييد أو النسخ موجوداً لنُقل إلينا، وإن إجماع الأمّة على عدم نقلها دليلٌ على عدمها. وبذلك يتمّ إثبات حجِّية الإجماع بالإجماع، وهذا دَوْرٌ باطل.
4ـ إن القياس والاستحسان ونظائرهما لا تورث اليقين؛ لتكون لها حجِّية ذاتية. ومن ناحيةٍ أخرى ليس هناك دليلٌ معتبر من الكتاب والسنّة على حجِّيتها. وفي الأساس إنما يُستعمل القياس في حدود الدلالة الظنّية في الأمور التي تشبه بعضها، دون الأمور المتخالفة. وطبقاً للشريعة الإسلامية فإن الموضوعات المتماثلة لها أحكامٌ متخالفة، والموضوعات المتخالفة لها أحكامٌ متماثلة. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن القتل والظهار والإفطار عن عمدٍ موضوعاتٌ متخالفة، ومع ذلك يترتَّب عليها بأجمعها حكم الكفّارة؛ ومن ناحيةٍ أخرى فإن اليوم الأخير من شهر رمضان واليوم الأوّل من شهر شوّال لا فرق بينهما من حيث الماهيّة الزمانية، ومع ذلك لهما حكمان مختلفان؛ فصيام اليوم الأخير من شهر رمضان واجبٌ، بينما صيام اليوم الأوّل من شهر شوّال محرَّمٌ.
يُضاف إلى ذلك أن هناك في الشريعة الإسلاميّة من الأحكام ما يخالف مقتضى القياس. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن الصلاة التي تفوت المرأة في أيّام حيضها لا تُقْضى، ولكنّها تقضي صومها، رغم أن أهمّية الصلاة في الإسلام أكبر من الصوم. وهذا هو المثال الذي استند إليه الإمام الصادق× في إثبات بطلان استعمال القياس في أحكام الدين([35]). والمثال الآخر هو أن القتل وإنْ كان أشدّ إثماً من الزنى، ولكنْ يكفي لإثبات القتل شاهدان عادلان، بينما لا يثبت الزنى إلاّ بأربعة شهود عدول.
وبطبيعة الحال فإن أحكام الشريعة تشتمل على ملاكات حكيمة، لا يمكن للعقل أن يدرك إلاّ بعضها. وعلى هذا الأساس، فإن الاختلاف أو التشابه بين الأحكام الشرعيّة يستند إلى ملاكاتٍ حكيمة ترتبط بالمصالح والمفاسد الدنيوية والسعادة والشقاء الأخرويّ للإنسان، وإنْ كان العقل البشريّ يعجز عن فهم الكثير منها.
وعلى أيّ حالٍ فإن هذه الموارد تمثِّل شاهداً واضحاً على بطلان القياس ونظائره في استنباط أحكام الشريعة.
ومع إثبات عدم صوابية الموارد المتقدِّمة في حفظ وبيان الشريعة يكون عنصر الإمام المعصوم هو المتعيِّن([36]).
التقرير الثالث: عصمة الإمام ضمانة البيان الصحيح والمتدرِّج للشريعة
لا شَكَّ في أن الشريعة قد نزلت على النبي الأكرم| بشكلٍ كامل، ولن يتمّ تشريع أيّ حكمٍ جديد بعد رحيله. وبطبيعة الحال فإن النبيّ الأكرم| كان يبيِّن أحكام الشريعة بالتدريج. وبعبارةٍ أخرى: كما نزل القرآن الكريم على رسول الله| بالتدريج، وعلى مدى ثلاثة وعشرين عاماً، فإن بيان القرآن وتفسيره من قِبَل النبيّ الأكرم| كان يَرِدُ بالنظر إلى الظروف والمقتضيات الزمنية. ولا شَكَّ؛ بالنظر إلى قصر فترة الرسالة، وعدم توفُّر الظروف المناسبة لبيان جميع الأحكام الشرعية، في أن بيان جانبٍ من هذه الأحكام قد تمّ إرجاؤه إلى الأزمنة اللاحقة، وتوفُّر الشرائط والمقتضيات اللازمة.
إن البيان الصحيح والدقيق لهذا القسم من أحكام الشريعة غير ممكنٍ إلاّ بواسطة الإمام المعصوم؛ بمعنى أن النبيّ الأكرم| لم يُبيِّن أجزاء من تعاليم وأحكام الشريعة؛ بسبب عدم توفُّر الظروف لها أو لمصالح أخرى، وترك بيانها لخلفائه وأوصيائه المعصومين([37]). وهذا الأمر يمكن استنتاجه بوضوحٍ من الآيات القرآنية والروايات النبوية أيضاً([38]).
كما أشار بعض علماء أهل السنّة إلى هذا الأمر، وهو أن النبيّ الأكرم| لم يبيِّن الكثير من أحكام الشريعة.
قال سيف الدين الآمدي(531هـ): «كم من حكم واقعةٍ تدعو حاجة الناس إلى بيانه مات النبيّ| ولم يبيِّنه، من الفرائض والمعاملات والمناكحات وغير ذلك من أحكام العبادات!»([39]).
وطبقاً لحكم العقل فإن تلك الطائفة من الأحكام الشرعية، التي لم يبيِّنها النبيّ الأكرم|، يجب أن يبيِّنها أشخاصٌ مثله في التحلّي بصفة العصمة؛ لتصل الأحكام الإلهيّة إلى المكلَّفين بشكلها الصحيح. وهؤلاء هم الذين عبَّر عنهم النبيّ الأكرم| بأنهم صِنْو القرآن، والذين هم بالنسبة إلى الأمّة الإسلاميّة مثل سفينة نوح؛ حيث تكون النجاة من الانحراف رهناً بالتمسُّك بهم.
ملاحظاتٌ نقديّة على برهان حفظ الشريعة
لقد ذكَرْنا حتّى الآن التقريرات الثلاثة لبرهان حفظ الشريعة على وجوب عصمة الإمام.
وقد أورد المُنْكِرون لوجوب عصمة الإمام إشكالاتٍ على هذا الاستدلال أيضاً. وفي ما يلي سوف نتعرَّض إلى بيان هذه الإشكالات، وتقييمها:
أـ كفاية الاعتماد على غير المعصوم في حفظ الشريعة
في عصر النبيّ كان بعض المسلمين يتعلَّمون أحكام الشريعة من النبيّ الأكرم| مباشرةً؛ وبعضهم الآخر يعتمد في ذلك على نقل الآخرين. وعلى الرغم من تعذُّر الطريق الأول بعد رحيل النبيّ الأكرم، إلاّ أن الطريق الثاني يبقى ممكناً.
إن المسلمين بعد عصر الرسالة يطّلعون على الشريعة بواسطة نقل الأحكام من قِبَل المسلمين الذين عاصروا رسول الله. كما أن مسلمي العصور اللاحقة يطّلعون على الأحكام بواسطة مسلمي العصور السابقة، وهكذا دوالَيْك.
وعلى هذا الأساس، لن تكون هناك حاجةٌ إلى الإمام المعصوم بين الأمّة؛ من أجل الحفاظ على الشريعة. كما أن الإمام المعصوم إذا كان موجوداً فليس كل الأشخاص يتعلَّمون أحكام الشريعة منه بشكلٍ مباشر، بل إن الكثير منهم يتعلَّمونها من طريق نقل أقوال الآخرين([40]).
نقدٌ وردّ
أوّلاً: إن هذا الجواب يقوم على أساس المبنى القائل بأن رسول الله| قد بيّن جميع أحكام الشريعة، وهذا ـ كما تقدّم في التقرير الثالث من الاستدلال ـ قابلٌ للمناقشة.
وثانياً: إن طريقة النقل في عصر النبيّ الأكرم| على هذه الصفة كانت تحظى بالاعتبار الشرعي، حيث إن النبيّ كان موجوداً بوصفه معصوماً بين البشر. وبواسطة وجوده كان الناس يطمئنّون إلى صحّة الأحكام التي تنقل إليهم، من خلال الرجوع إليه. ولو كانت هذه الطريقة موجودةً بعد رحيل النبيّ الأكرم أيضاً أمكن عدُّ طريق النقل معتبراً وكافياً في حفظ الشريعة أيضاً([41]).
ب ـ ثبوت أحكام الشريعة بالنقل المتواتر، معرفة الإمام أنموذجاً
إن الإيمان بالإمام ومعرفته يُعَدّ واحداً من أحكام الشريعة الهامّة. فهل تثبت إمامة الإمام بكلامه، أو بالنقل المتواتر من قِبَل الآخرين؟
إن الفرض الأوّل يستلزم الدَّوْر الباطل؛ والفرض الثاني ممكنٌ في مورد الأحكام الأخرى من الشريعة أيضاً([42]).
جوابٌ وإشكال
إن إمامة الإمام تثبت بطريقين:
الأوّل: كلام الإمام. ولكنْ بشرط أن يقرن كلامه بمعجزةٍ، أي كما أن ادّعاء النبوة يثبت بالمعجزة كذلك ادّعاء الإمامة يثبت بالمعجزة أيضاً.
والطريق الآخر هو النصّ الشرعيّ المتواتر عن النبيّ الأكرم| أو الإمام السابق. وأما موارد النقل المتواتر في أحكام الشريعة الأخرى فهي قليلةٌ، ولا تكفي في حفظ الشريعة([43]).
ج ـ عدم انحصار حفظ الشريعة بالإمام المعصوم
ليس الإمام وحده الحافظ للشريعة؛ لتكون عصمته لازمةً، بل إنه يحافظ على الشريعة بواسطة السنّة والإجماع واجتهاده الصحيح. وإنْ أخطأ في اجتهاده فإن المجتهدين الآخرين ينبّهونه إلى خطئه، ويمنعونه منه([44]).
شبهةٌ مردودة
لا كلام في أن الإمام ليس وحده حافظاً للشريعة، بل يحفظ الشريعة بواسطة الكتاب والسنّة. بَيْدَ أن هذه الغاية إنما تتحقَّق إذا كان عالماً بالكتاب والسنّة بشكلٍ كامل، وأن يكون معصوماً من الخطأ؛ لأن تفسير الشريعة ليس موجوداً في ظاهر الكتاب، ولا في الذي نقله غير الإمام من سنّة النبيّ. وإن العلم الكامل والمصان من الخطأ إنما يتحقَّق بالعصمة، وليس من طريق الاجتهاد القابل للخطأ.
إن هذا الكلام من التفتازاني ـ القائل بأن الإمام كلّما أخطأ في اجتهاده نبَّهه المجتهدون الآخرون إلى خطئه وقاموا بمنعه ـ في غاية الغرابة؛ لا لأن اجتهاد الآخرين لا يرجح على اجتهاد الإمام فحَسْب؛ ليكون ملاكاً في ردّ وقبول اجتهاد الإمام، بل إذا كان هناك من رجحان في البين فإنه سيكون في اجتهاد الإمام على الآخرين؛ وذلك لأنه هو الذي يتولّى قيادة المجتمع الإسلاميّ في الأمور الدينيّة والدنيويّة، وإن رأيه وقراره هو الملاك، وليس رأي وقرار الآخرين.
د ـ كيف يحفظ الشريعة في غَيْبته؟!
إن حفظ الشريعة من قِبَل الإمام المعصوم رهنٌ بحضوره في المجتمع الإسلامي، ولكنْ كيف يمكنه أن يكون حافظاً ومبيِّناً للشريعة في فرض غَيْبته، حيث لا يكون الارتباط اليوميّ قائماً بينه وبين الناس؟! وعلى هذا الأساس يجب أن يكون هناك طريقٌ آخر لحفظ الشريعة في عصر غَيْبة الإمام المعصوم، وهذا الطريق، أيّاً كان، سيكون ممكناً بعد عصر النبيّ أيضاً، حيث لا يكون للأمّة الإسلامية صلةٌ بالإمام المعصوم. وبالتالي لن تكون هناك حاجةٌ إلى وجود الإمام المعصوم بين الأمّة الإسلاميّة بعد رسول الله|([45]).
ملاحظةٌ وبيان
إن الأئمّة المعصومين^ قد بيَّنوا أحكام الشريعة التي ترتبط بعصر حضورهم، باستثناء ما يختصّ منها بعصر الحكومة العالميّة للإمام المهديّ الموعود#. وفي الموارد الخاصّة، حيث تمسّ الحاجة إلى هداية الإمام المعصوم، فإن الإمام الغائب# يتدخَّل بشكلٍ غير متعارف، ولا توجد أيّ مشكلةٍ من هذه الناحية. بَيْدَ أن هذا كلّه رَهْنٌ بوجود الإمام المعصوم؛ إذ لو لم يكن الإمام المعصوم× موجوداً لما حصل هذا الاطمئنان بأحكام الشريعة التي بيَّنها الأئمّة المعصومون السابقون. كما أن الهداية الخاصّة في موارد الضرورة لن تكون ممكنة أيضاً.
قال المحقِّق البحراني في هذا الشأن: «لا نسلِّم أنها لا تكون محفوظةً بالناقل المعصوم إلاّ إذا كان بحيث يُرَى؛ فإن عندنا أن الشريعة محفوظةٌ في زمان غَيْبته ـ وهي التي في أيدينا ـ، لم يفُتْ منها شيءٌ، فإذا اختلَّتْ وجب ظهوره؛ لبيانها»([46]).
التقييم العامّ لبرهان حفظ الشريعة وبيانها
اتّضح حتى الآن أن برهان حفظ الشريعة على وجوب عصمة الإمام برهانٌ متين وقابلٌ للدفاع.
وأما من حيث المساحة فإنه إنما يدلّ على العصمة العلميّة للإمام، وذلك في مورد معرفة أحكام الشريعة فقط، ولا يشمل المراتب العلميّة الأخرى من العصمة.
كما أنه لا يدلّ على العصمة العمليّة والأخلاقية أيضاً.
وبطبيعة الحال يمكن القول: إن الشخص الذي يتمتَّع بالعصمة العلميّة يحظى بالرعاية والعناية الخاصّة من قِبَل الله سبحانه وتعالى؛ وأما الذي يكون من الناحية الأخلاقية والعملية فاقداً للمراتب الإنسانية العالية فلن يكون مستحقّاً للعناية الإلهية الخاصّة في معرفة التعاليم الإلهية. إن التعاليم العالية للقرآن الكريم لا يدركها إلاّ المطهَّرون من الرذائل والانحرافات الأخلاقية والعملية، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 77 ـ 79).
وعلى هذا الأساس، فإن برهان حفظ الشريعة، وإنْ كان من حيث الدلالة المطابقية لا يدلّ على العصمة العمليّة والأخلاقيّة للإمام، إلاّ أن دلالته على الموارد الآنفة بالدلالة الالتزاميّة تامّةٌ.
3ـ برهان وجوب الطاعة
إن وجوب إطاعة الإمام مورد إجماع المسلمين قاطبةً.
ويدلّ عليه العقل والوَحْي أيضاً.
وأوضح دليلٍ على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 59).
والروايات الدالّة على وجوب إطاعة الإمام في المصادر الروائية للشيعة وأهل السنّة كثيرةٌ.
كما أن حكم العقل بدَوْره يؤكِّد ذلك.
ومن هنا فقد أجمع المسلمون على ذلك.
إن وجوب إطاعة الإمام يدلّ على وجوب عصمة الإمام من جهتين:
أ ـ لو لم يكن الإمام معصوماً فقد يرتكب الذنب. وفي مثل هذه الحالة يجب على المسلمين أن يمنعوه من ارتكاب ذلك الذنب، وأن يخالفوه؛ لوجوب النهي عن المنكر، في حين أن مخالفة الإمام تتنافى مع وجوب إطاعته.
وإن عبارة المحقِّق الطوسي في كتابه (تجريد الاعتقاد)، حيث يقول: «ولوجوب الإنكار عليه لو أقدم على المعصية، فيُضادّ أمر الطاعة»، ناظرةٌ إلى هذا الاستدلال.
وقال العلاّمة الحلّي في شرح هذه العبارة: «إنه لو وقع منه الخطأ لوجب الإنكار عليه، وذلك يضادّ أمر الطاعة له، بقوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ﴾»([47]).
ب ـ لو لم يكن الإمام معصوماً فقد يأمر الناس بارتكاب المعاصي، ويمنعهم من فعل الطاعات. وفي هذه الحالة؛ حيث تكون إطاعته مخالفةً لحكم الله، فإنها لا تكون جائزةً، وهذا بدَوْره لا ينسجم مع وجوب إطاعة الإمام مطلقاً.
وقد ذكر سيف الدين الآمدي أن هذا الاستدلال هو الدليل العاشر للشيعة على وجوب عصمة الإمام، وقال في تقريره: «لقد أمر الله في قوله تعالى ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ بإطاعة أولي الأمر، وإن كلّ مَنْ أمر الله بإطاعته يجب أن يكون معصوماً، وإلاّ لزم أن يكون الله قد أمر بإطاعته في الخطأ أيضاً، وهذا محالٌ على الله»([48]).
إشكالاتٌ على برهان وجوب الطاعة
أـ شرط الوجوب عدمُ المعصية
إن وجوب إطاعة الإمام مشروطةٌ بإطاعته، وهذا لا يفيد أن إطاعة كلّ شخصٍ تعني بالضرورة عصمته؛ فإن إطاعة القاضي والأمير الذي ينصِّبه الإمام واجبةٌ، ولكنه ليس معصوماً. ولا شَكَّ في أن إطاعتهم مشروطةٌ بعدم معصيتهم([49]).
لقد ذكر التفتازاني الجزء الأخير من الآية، وهو قوله تعالى: ﴿فإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ (النساء: 59) كشاهدٍ على هذا المطلب، وهو أن إطاعة الإمام مشروطةٌ بعدم معصيته([50]). ورُبَما كان مراده هو أنه لم يَرِدْ في ختام الآية التعبير بـ «أولي الأمر»، وإنما تمّ الاقتصار على الدعوة إلى الرجوع إلى الله والرسول في حالات بروز الاختلاف والتنازع. وعلى هذا الأساس فإن أولي الأمر ليسوا هم المرجع في حلّ الاختلاف والتنازع، وإن رأيهم ليس هو الملاك في معرفة الحقّ والباطل.
تأمُّلٌ واستنتاج
إن تكرار «الفعل» لكلٍّ من الله ورسول الله يثبت اختلاف ملاك إطاعة الله عن ملاك إطاعة النبيّ؛ وذلك لأن إطاعة الله على الناس واجبةٌ بالذات؛ لأنه خالقهم وبارئهم، وأما إطاعة النبيّ فهي واجبةٌ أيضاً؛ لأنه رسول الله، ولكنّ إطاعته إنما تكون واجبةً بالغير، وليست واجبةً بالذات. كما أن عدم تكرار الفعل «أطيعوا» في مورد «أولي الأمر»، يثبت وحدة ملاك وجوب الطاعة بالنسبة إلى النبيّ والإمام. وعلى هذا الأساس، كما تكون إطاعة النبيّ دون قيدٍ أو شرطٍ كذلك تكون إطاعة الإمام دون قيدٍ أو شرطٍ أيضاً. إن إطاعة النبيّ دون قيدٍ أو شرطٍ إنما يعود سببها إلى عصمته، وكذلك إطاعة الإمام دون قيدٍ أو شرطٍ تعود إلى عصمته أيضاً؛ لذات الملاك.
والخلاصة هي أن عطف «أولي الأمر» على «الرسول» دون تكرار الفعل «أطيعوا» يمثِّل دليلاً واضحاً على تشابه إطاعة أولي الأمر وإطاعة النبيّ. وعلى هذا الأساس، فإن إطاعة «أولي الأمر» (الإمام) لا تشتمل على قيدٍ أو شرطٍ، وإن إطاعة الشخص دون قيدٍ أو شرطٍ لا تكون معقولةً أو مشروعةً إلاّ إذا كان معصوماً من الخطأ.
ويُضاف إلى ذلك: لو أن «أولي الأمر» لم يكونوا متّصفين بالعصمة، واحتمل في حقّهم الخطأ، فلا شَكَّ في أن إطاعتهم سوف تكون مشروطةً ومقيَّدةً بعدم الذنب والخطأ؛ وذلك لأن القرآن الكريم في ما يتعلَّق بالإحسان إلى الوالدين؛ حيث إنهما لا يتّصفان بالعصمة، قرن إطاعتهما بعدم صدور الذنب عنهما، وعندها لا يجب على الولد أن يطيعهما في ما يأمرانه به من معصية الله([51]). هذا في حين أن إطاعة الإمام أهمّ بكثيرٍ من مجرّد الإحسان إلى الوالدين. ففي ما يتعلَّق بإطاعة الوالدين إذا حدث ذنبٌ فإن ضَرَره سوف يكون محدوداً، وأما في ما يتعلَّق بإطاعة الإمام لو حدث ذنبٌ وعصيانٌ فإنه سوف يؤدّي إلى انحراف الأمّة الإسلامية بأكملها. فهل من المعقول وهل من الحكمة أن يحذِّر اللهُ الإنسانَ من المعصية حيث تكون تداعيات الخطأ محدودةً، ولا يحذِّرهم على ذات الوتيرة حيث تكون تداعيات الخطأ شاملةً وكبيرة؟!([52]).
ب ـ عدم الحاجة إلى ذكر شرط (عدم المعصية)
إن هذا الاحتمال مرفوضٌ؛ وذلك لبداهة عدم إطاعة الإمام في معصية الله، بحيث إن هذا لا يحتاج إلى تذكيرٍ؛ إذ في مورد الإحسان إلى الوالدين يوجد هذا الاحتمال أيضاً، ولا سيَّما أن الكلام في هذا المورد حول أعظم الذنوب عند الله، ألا وهو الشرك به؛ حيث إن قبحَه أوضحُ من أيّ ذنبٍ آخر. وقد يُقال: حيث إن عدم جواز التمرُّد على الله بحجّة إطاعة الإمام أوضح من عدم جواز ذلك بحجّة الإحسان إلى الوالدين يكون حكمه على أساس قياس الأولوية واضحاً، ومن هنا فإنه يكون غنيّاً عن التذكير.
تهافتٌ واضح
إن مفاد قياس الأولويّة لا يعدو أن يكون عبارةً أخرى عن أن هذه المسألة من البديهيّات العقلية. إذا كان منشأ بداهة عدم تقييد إطاعة الإمام بعدم الأمر بمعصية الله هو ذات الملاك في الإحسان إلى الوالدين أيضاً فلا شَكَّ في أن النهي عن الإحسان إلى الوالدين ـ إذا كان مستلزماً للشرك بالله ـ من أوضح البديهيّات العقليّة. ومع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد ذكر هذا القيد دون أن يعتمد على بداهته. فإذا كان هناك في إطاعة أولي الأمر احتمال الخطأ لذكر ذلك قطعاً؛ كي لا يؤدّي الأمر إلى معصية الله.
وعلى هذا الأساس، فإن برهان وجوب الإطاعة إنما يدلّ على وجوب العصمة إذا كان قائماً على وجوب الإطاعة المطلقة؛ لأن وجوب الإطاعة المطلقة للإمام، دون القول بعصمته، غير معقولٍ ولا مشروعٍ.
ومن هنا يتّضح عدم صحّة قياس وجوب إطاعة الإمام إلى وجوب إطاعة الولاة والأمراء الذين يتمّ تنصيبهم من قِبَل الإمام، على ما ورد ذكره في الكلام المتقدِّم؛ وذلك لأن وجوب إطاعة الأمراء والولاة ليس مطلقاً.
ج ـ الأمر بالإطاعة بين الإرشاد والتعبُّد
إن وجوب الإطاعة المطلقة للإمام ـ على ما تقدَّم بيانه ـ يُستفاد من آية أولي الأمر([53])، ولكنْ هل لدى العقل مثل هذا الحكم المطلق في هذا الشأن؟ إذا كان الأمر كذلك فإن الأمر في هذه الآية سوف يكون أمراً إرشادياً، أو إن حكم العقل مقيَّدٌ بعدم المعصية، وعندها سيكون للأمر في هذه الآية بُعْدٌ تعبُّديّ.
إيرادٌ ونقاش
لكي يتّضح الجواب عن هذا الإشكال يجب الفصل بين مقام الثبوت ومقام الإثبات. ففي مقام الثبوت يكون اشتراط عدم اقتران إطاعة النبيّ والإمام بمعصية الله أمراً بديهياً؛ وذلك لأن النبوّة والإمامة في العقيدة التوحيدية إنما يتمّ تعريفهما في إطار التوحيد وإطاعة الله عزَّ وجلَّ. وبالتالي فإن معصية الله لا تنسجم مع ماهية النبوّة والإمامة. وعلى هذا الأساس، فإن الكلام بشأن إطلاق أو تقييد وجوب إطاعة النبيّ والإمام إنما يرتبط بمقام الإثبات؛ أي هل أن قولهم وفعلهم ملزمٌ بالنسبة إلى الآخرين بشكلٍ مطلق أم لا؟ إن الإطلاق والتقييد هنا إنما هو بالمقارنة مع أفراد البشر. كلّما كان الإمام معصوماً سوف يكون قوله وفعله معياراً وملاكاً لتحديد إطاعة ومعصية الله، وعندها يتعيَّن على الآخرين اختبار أنفسهم به، وأما إذا لم يكن معصوماً فلن يكون الأمر كذلك.
وعلى هذا الأساس، فإن الحكم العقلي بوجوب إطاعة الإمام ـ من جهة مقام الإثبات ـ مطلقٌ؛ لأن الإمام يتولّى مسؤولية قيادة الناس في الأمور الدينية والدنيوية. فإذا لم يكن رأيه وقوله وفعله ملاكاً ومعياراً، وإنما كان ينظر إليه بوصفه مجتهداً ومختصّاً، بحيث يمكن لسائر المجتهدين الآخرين أن يعبِّروا عن رأيهم في مقابل رأيه، ويكون رأيهم معياراً وملاكاً لاتّخاذ القرارات من قِبَلهم أو من قِبَل الآخرين، فإنهم في مثل هذه الحالة إذا كان لديهم رأيٌ آخر مختلف عن رأي الإمام سوف يتّبعون آراءهم الخاصّة، ونتيجةً لذلك سوف يتعرَّض مفهوم الإمامة وقيادة الأمّة للاختلاف، ولن يُكْتَب التحقُّق لأهداف الإمامة. وعلى هذا الأساس، فإن القول بعدم وجوب الإطاعة المطلقة للإمام سوف يتعارض مع فلسفة الإمامة. وإن إطاعة الإمام المطلقة تستند إلى عصمته.
التقييم العامّ لبرهان وجوب الطاعة
اتّضح من التحليل السابق أن الملاك في وجوب الإطاعة المطلقة للإمام يكمن في الحفاظ على النظام الإسلاميّ، وقدرة الإمام على الاضطلاع بمهامّ القيادة. إن هذه المسألة لا تستلزم عصمة الإمام من تلقائها؛ وذلك لأن هذا الأمر ينسجم حتّى مع افتراض عدم عصمة الإمام أيضاً، شريطة أن يكون مجتهداً وعادلاً وتقيّاً؛ بمعنى أنه يمكن في بعض الموارد افتراض أن لا يكون رأي الإمام متطابقاً مع حكم الله، ومع ذلك تجب إطاعته على الآخرين؛ كي لا يختلّ نظام القيادة. وبعبارةٍ أخرى: إن وجوب إطاعة الإمام المطلقة من الأحكام الثانوية، ويقوم على أساس قاعدة الأهمّ والمهمّ، وليس من الأحكام الأوّلية. كما يتمّ بيان ولاية الفقيه المطلقة في عصر الغَيْبة في ضوء هذا القانون العقليّ والشرعيّ أيضاً.
وعلى هذا الأساس، وبغضّ النظر عن آية أولي الأمر ونظائرها، التي أوجبَتْ إطاعة الإمام بشكلٍ مطلق، وبغضّ النظر عن النقاط التي تقدَّم ذكرها بشأن هذه الآية الكريمة، لا يمكن إثبات عصمة الإمام من وجوب إطاعته المطلقة. وفي هذه الحالة لن يكون الاستدلال على عصمة الإمام برهاناً عقليّاً، وإنما يستند إلى الأدلة النقليّة.
4ـ برهان نقض الغرض
لقد تمّ تقرير برهان نقض الغرض على شكلين:
التقرير الأوّل: عدم العصمة يستلزم عدم وجوب الاهتداء بالإمام والاتّباع له
لو صدر عن الإمام ذنبٌ فإن الغرض من إمامته سوف ينتقض، وحيث إن نقض الغرض في الإمامة باطلٌ سوف يكون صدور الذنب عن الإمام باطلاً أيضاً.
بيان الملازمة: إن الغرض من إمامة الإمام هو أن تأتمر الأمّة بأمره، وتهتدي بهَدْيه، وتتّبعه في أفعاله. فإذا صدر عنه الذنب لن يكون أيّ واحدٍ من هذه الأمور واجباً على المكلَّفين، وهذا يتنافى مع تعيينه بوصفه إماماً([54]).
بَيْدَ أن هذا التقرير قابلٌ للنقاش؛ وذلك لأن الانقياد للإمام وامتثال أوامره ليس هو الغرض الأصليّ من الإمامة؛ فإن الغرض الأصلي من الإمامة، بإجماع كافّة المذاهب الإسلاميّة، هو إجراء الأحكام، وإقامة الحدود، وبسط الأمن، وتطبيق العدل في المجتمع، والدفاع عن كيان الإسلام والمسلمين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشيعة يرَوْن أن حفظ وبيان أحكام الشريعة، وكونهم أسوةً للآخرين في الأخلاق، هي من الأغراض الأصليّة للإمامة أيضاً.
وعلى هذا الأساس، يجب أن نرى هل أن هذه الأغراض المذكورة تستلزم عصمة الإمام أيضاً أم لا؟
إن بيان وحفظ الشريعة يستلزم عصمة الإمام، ولكنْ لم تتمّ إقامة دليلٍ على ملازمة أغراض الإمامة الأخرى للعصمة. ولا شَكَّ في أن الاستدلال المذكور ـ بالنظر إلى حفظ وبيان الشريعة ـ لن يكون استدلالاً جديداً.
التقرير الثاني: عدم العصمة يؤدي إلى فقدان ثقة الناس وعدم الاتّباع
لو لم يكن الإمام معصوماً، وارتكب الذنب، فإن ثقة الناس به واعتمادهم عليه سوف يهتزّ، ولن يتّبعوا تعاليمه وقراراته بشكلٍ كامل. ونتيجةً لذلك فإن أغراض الإمامة لن يُكْتَب لها التحقُّق على نحوٍ تامّ.
وقال الشيخ الطوسي في هذا الشأن: «الإمام× معصومٌ ـ من أوّل عمره إلى آخره، في أقواله وأفعاله وتروكه ـ عن السَّهْو والنسيان؛ بدليل أنه لو فعل المعصية لسقط محلُّه من القلوب، ولو جاز عليه السَّهْو والنسيان لارتفع الوثوق بإخباراته، فتبطل فائدة نصبه»([55]).
(vv) التقييم العامّ لبرهان نقض الغرض
في هذا التقرير يتمّ بيان العصمة العلميّة، والعصمة العمليّة أيضاً.
وإن هذا الاستدلال ليس تامّاً في إثبات العصمة العمليّة؛ لأن الذي يخدش في اعتماد الناس على الإمام، ويزعزع ثقتهم به، هو انعدام التقوى وعدم مبالاته في ارتكاب الذنب. ولكنْ لو كان الشخص تقيّاً فإنه سيكون مهتمّاً وملتزماً برعاية الأحكام الإلهيّة، وسوف يستجلب ثقة الناس به، واعتمادهم عليه. وعليه يكفي في تحقُّق الاعتماد والوثوق من الناس أن يكون الشخص متّصفاً بالعدالة ومَلَكَة التقوى، ولا ضرورة للعصمة. كما أن الواقعيّات التاريخية تشهد على ذلك.
وفي ما يتعلَّق بالسَّهْو والنسيان، إذا كان يرتبط بحفظ وبيان الشريعة فإنه سوف يعود إلى برهان حفظ الشريعة. وهكذا في المسائل الاجتماعية أيضاً؛ فإن ثقة الناس إنما تهتزّ إذا كان السَّهْو والنسيان يصدر من الشخص بكثرةٍ، وأما إذا كان يتمتَّع بحافظةٍ قويّة، وفراسةٍ ودقّةٍ كبيرة، فإنه حتّى إذا لم يكن معصوماً لا يتعرّض للسَّهْو والنسيان إلاّ نادراً، وعندها لن تهتزّ ثقة الناس به.
يمكن تكميل هذا الاستدلال على النحو التالي: إن تحقُّق الاطمئنان والثقة التامّين من قِبَل الناس بالإمام، بحيث يكون شاملاً، وفي أعلى مستوياته، إنما هو رَهْنٌ بعصمة الإمام.
ومن الناحية العقليّة يجب البحث حتّى الإمكان ـ في ما يتعلَّق بمسألة الإمامة ـ عن الخيار الأفضل.
وعلى هذا الأساس، فإن عصمة الإمام تمثِّل الأصل الأوّلي في الإمامة.
5ـ برهان الانحطاط
إن الشخص الذي يتمّ تعيينه بوصفه إمام الأمّة الإسلامية إذا لم نقُلْ بأنه يجب أن يكون من حيث العلم والعقل أفضل من الآخرين([56])، فلا شَكَّ في وجوب أن يكون على مستوىً رفيعٍ، وأن يكون أفضل من الأشخاص العاديين. وعلى هذا الأساس، لو لم يكن الإمام معصوماً فقد يصدر عنه الذنب، وفي هذه الحالة سوف تكون مرتبته أدنى من مرتبة الأشخاص العاديين؛ لأنه يرتكب الذنب مثلهم، في حين أنه يتمتَّع بعقلٍ وعلمٍ أسمى منهم، ويجب أن يكون لذلك ملتزماً بأحكام الشريعة أكثر من الآخرين.
وإن عبارة «لانحطاط درجته عن أقلّ العوام» ـ في كتاب (تجريد الاعتقاد) ـ ناظرةٌ إلى هذا البرهان.
وقال العلاّمة الحلّي في شرح هذه العبارة: «لو وقع منه المعصية لزم أن يكون أقلّ درجةً من العوام؛ لأن عقله أشدّ، ومعرفته بالله تعالى وثوابه وعقابه أكثر، فلو وقع منه المعصية كان أقلّ حالاً من رعيّته. وكلّ ذلك باطلٌ قطعاً»([57]).
كما أن لفخر الدين الرازي كلاماً حول وجوب عصمة الأنبياء من الكبائر، وهو يشمل الإمامة أيضاً، وذلك إذ يقول: «المختار عندنا أنه لم يصدر عنهم الذنب حال النبوة ألبتة، لا الكبيرة ولا الصغيرة. ويدلّ عليه وجوه: أحدها: لو صدر الذنب عنهم لكانوا أقلّ درجةً من عصاة الأمّة. وذلك غير جائزٍ. بيان الملازمة: إن درجة الأنبياء كانت في غاية الجلال والشرف، وكلّ مَنْ كان كذلك كان صدور الذنب عنه أفحش، ألا ترى إلى قوله تعالى: [مخاطباً نساء النبيّ]: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ﴾ (الأحزاب: 30).
النتيجة
يجب من الناحية العقلية أن يكون الإمام ـ وهو الذي يتولّى منصب خلافة النبيّ، وقيادة الأمّة الإسلامية بعد النبيّ ـ معصوماً؛ بمعنى أن لا يُخطئ في فهم وبيان الشريعة، وأن لا يرتكب الخطأ في تشخيص مصالح الأمور ومفاسدها، وأن لا يصدر عنه الذنب والخطأ في العمل بأحكام الشريعة. وفي هذه الحالة سوف تتحقَّق أغراض الإمامة في مجال العلم والعمل والأخلاق بشكلٍ كامل.
الهوامش
(*) أستاذٌ وباحثٌ في الحوزة العلميّة في قم، ومتخصِّصٌ في علم الكلام الإسلاميّ، ومن أبرز الكتّاب الناشطين في هذا المجال. له سلسلة أعمالٍ قيِّمة.
([1]) انظر: محمد بن النعمان المفيد، أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: 65، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم، 1413هـ.
([2]) انظر: أحمد حميد الدين الكرماني، المصابيح في إثبات الإمامة: 74 ـ 76، تقديم وتحقيق: مصطفى غالب، ط1، دار المنتظر، بيروت، 1416هـ ـ 1996م.
([3]) انظر: السيد شريف الجرجاني، شرح المواقف 8: 351، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1412هـ؛ علي بن محمد القوشجي، شرح التجريد: 366، انتشارات الشريف الرضي، قم؛ الحسن بن يوسف (العلاّمة) الحلّي، الألفين الفارق بين الصدق والمين: 52، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1388هـ.
([4]) انظر: سيف الدين الآمدي، أبكار الأفكار 3: 491، دار الكتب العلمية، بيروت، 1424هـ.
([5]) أحمد بن فارس، معجم المقاييس في اللغة: 779، دار الفكر، بيروت، 1418هـ.
([6]) ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 10: 175، دار صادر، بيروت، 2000م.
([7]) الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 377، المكتبة المرتضوية، طهران.
([8]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 8: 280؛ سعد الدين التفتازاني، شرح العقائد النسفية: 113، مطبعة المولوي محمد عارف، 1364هـ.ش.
([10]) المقداد بن عبد الله السيوري، اللوامع الإلهية: 243، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1422هـ.
([11]) نصير الدين الطوسي، تلخيص المحصّل: 369، دار الأضواء، بيروت، 1405هـ.
([12]) انظر: محمد بن النعمان المفيد، تصحيح الاعتقاد: 106، انتشارات الشريف الرضي، قم.
([13]) العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 11: 162، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، 1393هـ.
([14]) انظر: عبد الرزّاق اللاهيجي، گوهر مراد: 468 ـ 469، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، 1372هـ.ش؛ عبد الرزّاق اللاهيجي، سرمايه إيمان: 115، انتشارات الزهراء، قم، 1362هـ.ش.
([15]) إن الكلام هنا إنما يقوم ـ بطبيعة الحال ـ على وجوب الإمامة، وليس على تعيين الإمام بالنصّ والتنصيب أو البيعة والانتخاب. (انظر: نصير الدين الطوسي، تلخيص المحصّل: 369).
([16]) انظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 289، مؤسّسة الصادق، طهران، 1407هـ.
([17]) انظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 289 ـ 290؛ الشيخ الطوسي، تلخيص الشافي 1: 193؛ أبو إسحاق ابن نوبخت، الياقوت في علم الكلام: 57، مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1413هـ؛ الحسن بن يوسف (العلاّمة) الحلّي، أنوار الملكوت في شرح الياقوت: 204، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1363هـ.ش؛ نصير الدين الطوسي، الاقتصاد في ما يتعلَّق بالاعتقاد: 305 ـ 306، دار الأضواء، بيروت، 1406هـ؛ السيد المرتضى، الذخيرة في علم الكلام: 430، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1411هـ؛ سديد الدين الحمصي، المنقذ من التقليد 2: 278، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1412هـ؛ ابن ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: 177، مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1406هـ؛ المقداد بن عبد الله السيوري، شرح الباب الحادي عشر: 69، انتشارات مصطفوي، قم؛ السيوري، اللوامع الإلهية: 330؛ المقداد بن عبد الله السيوري، إرشاد الطالبين: 333، مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1405هـ؛ الحسن بن يوسف (العلاّمة) الحلّي، كشف المراد: 198 ـ 203، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1419هـ.
([18]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 8: 347، 351ـ.
([19]) انظر: المصدر السابق 5: 251.
([20]) انظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 251.
([21]) انظر: سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد 5: 336 ـ 337، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1409هـ.
([22]) انظر: المصدر السابق: 251.
([23]) انظر: إمام الحرمين الجويني، الإرشاد في أصول الاعتقاد: 172، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416هـ؛ سيف الدين الآمدي، غاية المرام في علم الكلام: 384، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1391هـ؛ عبد الجبّار الهمداني، المغني في أبواب التوحيد والعدل 1: 269، دار الكتب، بيروت، 1382هـ.
([24]) انظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 296 ـ 297؛ الحمصي، المنقذ من التقليد 2: 281ـ.
([25]) انظر: الحمصي، المنقذ من التقليد 2: 281؛ البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: 178؛ السيوري، اللوامع الإلهية: 330ـ.
([26]) انظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 295، 1407هـ؛ الحمصي، المنقذ من التقليد 2: 279ـ.
([28]) انظر: الحمصي، المنقذ من التقليد 2: 279؛ الهمداني، المغني في أبواب التوحيد والعدل 1: 67 ـ 69ـ.
([29]) انظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 179، 1407هـ؛ البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: 178.
([30]) قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89).
([31]) قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (النحل: 44).
([32]) قال رسول الله|: «إني تاركٌ فيكم الثقلين؛ كتاب الله؛ وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا».
([33]) انظر: محمد رشيد رضا، الوحي المحمدي: 246، وزارة الأوقاف، القاهرة، 1412هـ.
([34]) محمد رشيد رضا، تفسير المنار 5: 189، دار المعرفة، بيروت.
([35]) قال الإمام الصادق×: «إن السنّة لا تقاس، ألا ترى أن المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ إن السنّة إذا قيست مُحِقَ الدين». (الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 18: 25).
([36]) انظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 168 ـ 169؛ السيوري، إرشاد الطالبين: 333ـ؛ السيوري، اللوامع الإلهية: 331 ـ 332.
([37]) انظر: محمد حسين كاشف الغطاء، أصل الشيعة وأصولها: 161 ـ 162، 1413هـ.
([38]) ومن ذلك: آياتٌ، من قبيل: (آية أولي الأمر)، و(آية التطهير)؛ ورواياتٌ، من قبيل: «حديث الثقلين»، و«حديث السفينة»، و«حديث مدينة العلم».
([39]) انظر: الآمدي، غاية المرام في علم الكلام: 380.
([40]) انظر: الهمداني، المغني في أبواب التوحيد والعدل 1: 70.
([41]) انظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 181 ـ 182.
([42]) انظر: الهمداني، المغني في أبواب التوحيد والعدل 1: 71.
([43]) انظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 184 ـ 185.
([44]) انظر: التفتازاني، شرح المقاصد 5: 251؛ القوشجي، شرح التجريد: 367.
([45]) انظر: الهمداني، المغني في أبواب التوحيد والعدل 1: 71؛ التفتازاني، شرح المقاصد 5: 251؛ الآمدي، أبكار الأفكار 3: 521 ـ 522.
([46]) البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: 179.
([47]) العلاّمة الحلّي، كشف المراد: 198 ـ 203.
([48]) الآمدي، أبكار الأفكار 3: 508.
([50]) انظر: التفتازاني، شرح المقاصد 5: 250.
([51]) قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (العنكبوت: 8).
([52]) انظر: العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 4: 391.
([54]) العلاّمة الحلّي، كشف المراد: 493.
([55]) الشيخ الطوسي، الرسائل العشر: 98، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم.
([56]) إن الإمام من وجهة نظر الشيعة، في ما يتعلَّق بالصفات الخاصّة بمسألة القيادة، يجب أن يكون أفضل من الآخرين. وهناك من علماء أهل السنّة مَنْ اشترط الأفضلية فيما لو لم تترتَّب تبعاتٌ اجتماعية سلبية على إمامة الأفضل. (انظر: علي رباني الگلپايگاني، فصل الإمامة والأفضلية، 1386هـ.ش).