انتقال أسانيد أهل السنّة إلى التراث الشيعي([1])
ـ القسم الثاني ـ
د. بكر قوزوديشلي(*)
ترجمته عن الانجليزيّة: فاطمة زراقط
ج ـ روايات إسحاق بن بشر الكاهلي
وسط الروايات التي رواها الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال ثمّة روايتان بصيغة مشابهة، يُروى في كلَيْهما عن إسحاق بن بشر. أمّا أسانيد هاتين الروايتين فهي عن الصدوق كالتالي: عن محمد بن عليّ، عن محمد ابن [كذا ورد في المصدر] أبي القاسم، عن محمد بن عليّ الصيرفي، عن إسحاق بن بشر الكاهلي، عن الحكم (بن مصقلة العبدي([2]))، عن أنس بن مالك([3]).
[حدَّثني] محمد بن الحسن [قال: حدَّثني] محمد بن الحسن الصفّار ،عن سلمة ابن الخطّاب، عن أيّوب بن سليم العطّار، عن إسحاق بن بشير الكاهلي، عن سليم [بن عجلان] الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس([4]).
وسوف نعالج تالياً الإسناد الذي رُوي عن أنس بن مالك؛ إذ هو الأكثر تداولاً في الكتب ذات الصلّة.
ومتن الرواية التي رويت بإسناد ابن مالك هو: قال رسول الله‘: مَنْ أسرج في مسجدٍ من مساجد الله عزَّ وجلَّ سراجاً لم تَزَلْ الملائكة وحَمَلة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوءٌ من السراج.
قبل حوالي قرنٍ من زمن الشيخ الصدوق كانت تروى هذه الرواية في مصادر سنّيّة، مثل: بغية الباحث، لنور الدين الهيثمي(807/1405)، الذي جمع فيه روايات الحارث بن أبي أسامة(282/896)؛ وفي كتاب العرش، لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة(297/909)([5]).
ويبدو أنّ أسانيد الروايتين ومتن كلٍّ منهما متطابقان تماماً؛ كما أنّهما تنسجمان مع رواية الشيخ الصدوق.
وفي كلا الكتابين تُروى الرواية عن «ابن أبي شيبة، عن الحارث، عن إسحاق بن بشر الكاهلي، عن أبي أمير مهاجر بن كثير الأسدي، عن الحكم بن مصقلة العبدي، عن أنس بن مالك»([6]).
والمائز الوحيد عن رواية الشيخ الصدوق هو اعتماد إسناد مهاجر بن كثير([7]).
يكشف البحث في الرواة الذين سبقوا إسحاق بن بشر الكاهلي أنّ الحكم بن مصقلة ورد في كتب الرجال السنّيّة فحَسْب، غير أنّه عُدَّ كاذباً([8]) ومتروكاً([9]).
وقد عَدَّ أبو حاتم مهاجر بن كثير، الذي لم يَرِدْ في إسناد الشيخ الصدوق، ولكنْ ورد في إسنادَيْ الحارث وابن أبي شيبة، «متروكَ الحديث»([10]).
وكان الطوسي من العلماء الشيعة الذين ذكروا اسم مهاجر بن كثير عادّاً إيّاه من أصحاب [الإمام] أبي عبد الله جعفر الصادق([11]).
كما روى الكليني حديثاً عن «مهاجر الأسدي»، عن [الإمام] جعفر الصادق مباشرةً([12]).
واعتبر الخوئي(1413/1992) أنّ «مهاجر الأسدي» الذي ورد في كتاب الكليني هو إمّا مهاجر بن زيد؛ أو مهاجر بن كثير الأسدي موضوع بحثنا هاهنا([13]).
بينما اعترض التستري(1415/1995) على المماهاة ما بين مهاجر بن كثير الأسدي الذي ذُكر في الكافي ومهاجر بن كثير، على ضوء الجرح الذي ورد في حقّه في كتاب الذهبي([14]).
وعليه، ما من ترجمة مفصَّلة للراوي في كتب رجال الفريقين. ويجب، من ثمّ، الأخذ بالاعتبار اسمَ إسحاق بن بشر الكاهلي في ما يتعلَّق بانتقال الرواية إيّاها من أهل السنّة إلى الشيعة.
ورد في كتاب الشيخ الصدوق أنّ اسم إسحاق بن بشر الكاهلي ورد في كتب السنّة والشيعة على السواء.
كتب النجاشي تحت اسم (إسحاق بن بشر أبو حذيفة الكاهلي الخراساني) أنّه: «ثقة. روى عن أبي عبد الله×. من العامّة. ذكروه في رجال أبي عبد الله×»([15]).
كما ذكر العالم السنّيّ ابن حِبّان أنّ أصل أبي حذيفة إسحاق بن بشر الكاهلي من «بلخ، ومنشأه ببخارى، سكن بغداد مدّةً، وحدَّثهم بها»([16]). وبخلاف النجاشي، قال ابن حِبّان: إنّ الكاهلي كان «يضع الحديث على الثقات، ويأتي بما لا أصل له عن الإثبات»([17]).
ولعلّ هذه الترجمات الواردة في كتب رجال الفريقين أهّلت حفظ أسانيد أهل السنّة في حلقات الشيعة.
اعتبر بعض العلماء الشيعة أنّ النجاشي ماهى في الترجمة ما بين شخصين مختلفين([18]).
ويحمل العلماء السنّة على ابن حِبّان؛ لارتكابه الخطأ نفسه كذلك([19]).
اعتبر الذهبي(748/1347) أنّ إسحاق بن بشر أبا حذيفة صاحبُ كتاب المبتدأ، وأنّ كثيراً من المحدِّثين كذّبوه. وقد توفّي الأخير في بخارى عام 206هـ([20]). وبعبارةٍ أخرى: إسحاق بن بشر من خراسان، فهو ليس كاهليّاً. وعليه أخطأ ابن حِبّان عندما وسمه بـ «الكاهلي»، وعندما تحدَّث عن إسحاق بن بشر على أنّه رجل واحد.
إسحاق الكاهلي هو في الحقيقة إسحاق بن بشر بن مقاتل، الذي يُكنّى بأبي يعقوب. كما كذَّب الأخيرَ، كذلك، كثيرٌ من العلماء. أصل إسحاق بن بشر الكاهلي من الكوفة، وتوفّي عام 228هـ([21]).
عدَّ المترجمون الشيعة اللاحقون كلاًّ من إسحاق بن بشر الكاهلي وإسحاق بن بشر الخراساني شخصين مختلفين، مكرِّرين عبارات النجاشي في إسحاق بن بشر الخراساني. كما أنّهم اعتبروا أنّ السنّة ضعَّفوه إثر ميوله الشيعيّة([22]).
وفي أسانيدنا الحاليّة يكنّى إسحاق بن بشر دائماً بـ «الكاهلي».
وبناءً على التمييز المتقدِّم فإنّ إسحاق ليس أبا حذيفة إسحاق بن بشر، الذي ذكره النجاشي. وعليه حدّث أبو يعقوب الكاهلي محمد بن عثمان بن أبي شيبة في الإسناد المتقدِّم([23]).
ولكنْ ما برح الالتباس قائماً حيال تحديد الأحاديث الموضوعة عند كلٍّ من الراويين.
يروي الذهبي([24]) حديثاً مطوَّلاً إبّان ترجمة ابن إسحاق، رواه الأخير عن العقيلي، عن ملاقاة حفيد إبليس للنبيّ([25]) الذي عاصر نوح، ومن ثمّ أسلم([26]). كما روى ابن حِبّان الحديث ذاته عن أبي حذيفة إسحاق بن بشر([27]).
مضافاً إلى ابن حِبّان والنجاشي، كنّى أبو نعيم الأصفهاني(430/1038) أبو حذيفة إسحاق بن بشر بـ «الكاهلي»([28]).
لكنْ اعتبر ابن عديّ(365/976) والخطيب البغدادي سابقاً أنّ الرجلين شخصان مختلفان([29]).
يرى بعض العلماء الشيعة المعاصرون أنّ أبا يعقوب إسحاق بن بشر الكاهلي كان يميل إلى الشيعة، كما هو حال أبي حذيفة إسحاق بن بشر الخراساني.
ورأى محسن الأمين(1371/1951) أنّه يمكن استظهار تشيُّع إسحاق بن بشر الكاهلي، بناءً على حديث([30]): «ستكون فتنة بعدي، فالزموا عليّاً[…]»([31])، الذي رواه الذهبي في ترجمة إسحاق بن بشر الكاهلي. ويشاطر عددٌ من العلماء الشيعة المعاصرين الأمينَ هذا الاعتقاد([32]).
لكنْ ما يثير اللبس أنّ الذهبي روى هذا الحديث في ترجمة إسحاق بن بشر الكاهلي، في حين أنّ الراوي هو إسحاق بن بشر الأسدي، لا إسحاق بن بشر الكاهلي.
يروي ابن حجر هذا الحديث نفسه عن إسحاق بن بشر «الأسدي» في كتاب الإصابة([33]).
كما عدّ الخطيب البغدادي كلاًّ من إسحاق بن بشر الأسدي وإسحاق الكاهلي شخصين مختلفين([34]).
ولكنْ روى ابن عدي حديثاً لإسحاق بن بشر الكاهلي، وصف فيه أبا بكر على أنّه أكثر الصحابة فَضْلاً([35]).
كما أنّ الخطيب البغدادي روى حديثاً ورد ابن إسحاق في إسناده خلاصته أنّ الرسول ترك جنازةً؛ لأنه كان فيها شخص يبغض عثمان([36]). تنفي مثل هذه الأحاديث أن يكون أحد رواتها شيعيّاً أو متشيِّعاً.
ثمّة، بالطبع، غموضٌ عارم وسط مصادر الفريقين وعلمائهما بخصوص هويّة إسحاق بن بشر ورواياته. فمعظم الروايات المرويّة عنه تتطابق مع هويّته، على الرغم من أن ثمّة استثناءات لذلك؛ إذ يُكنّى في بعض الأحيان باسم مختلف.
فهل تنجم مثل هذه الاختلافات عن لبس بسيط في أسماء الرواة، يقع في الترجمات، أم أنّها جوهريّة بمكانٍ ما؟ ولا سيَّما أنّ بعض الرواة الذين ذكروا في الأسانيد السنيّة والشيعيّة قد استخدموا هويّات عدّة، كنوعٍ من التخفّي؛ حفاظاً على سمعتهم في حلقات الفريقين، من دون الكشف عن هويّتهم الحقيقيّة.
لا يكفي مثالٌ واحد لإثبات فرض كهذا، لكنْ كشفت دراسةٌ حديثة عن أمثلةٍ عدّة لتصرُّفات من هذا الطرز([37]). وعليه، لا يمكن استبعاد احتمال كهذا.
لا تقدِّم الترجمات تعريفاً كاملاً لإسحاق بن بشر الكاهلي، أو أيّ تحديد لعلاقته بالشيعة. ولكنْ يكشف إسناد الحديث موضع بحثنا تأثيره في انتقال الرواية إلى حلقات الشيعة.
يروي كلٌّ من المحدِّثَيْن السنّيّين: الحارث بن أبي أسامة، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، هذه الرواية([38]) عن إسحاق بن بشر الكاهلي، فيما روى عن إسحاق في كتب الرجال الشيعيّة كلٌّ من: محمد بن عليّ الصيرفي([39])، ومحمد بن حسّان([40]). وذُكر اسم كلٍّ من الراويين في الترجمات الشيعيّة.
يعتبر محمد بن عليّ الصيرفي، ويسمَّى كذلك بأبي سمينة([41])، من أصحاب [الإمام] عليّ الرضا. وعلى الرغم من أنّ الأخير كتب عدداً من الكتب، ترجمه العلماء الشيعة على أنّه لا يُعتَمَد في شيءٍ، وأنّه فاسد الاعتقاد، تشهَّر بالغلوّ([42]).
روى أحمد بن محمد البرقي الحديث موضوع بحثنا مباشرةً عن محمد بن عليّ الصيرفي([43])، فيما روى الشيخ الصدوق الحديث عن رواةٍ شيعة([44]).
يأخذ النجاشي على محمد بن حسّان الرازي الزينبي، الذي روى الحديث إيّاه عن إسحاق بن بشر الكاهلي، أنّه «يعرف وينكر بين بين، [و]يروي عن الضعفاء كثيراً»([45]). وكذا ضعّفه ابن الغضائري([46]). فيما اعتبر الوحيد البهبهاني(1205/1790) أنّه ثقة؛ إذ اعتبره الشيخ الصدوق خادم الرضا، كما روى له أجلّة المحدِّثين، مثل: محمد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس الصفّار([47]).
لكنّ هذا التعديل يفتقر الدقّة؛ إذ إنّ محمد بن حسّان الذي اعتبره الصدوق خادم الرضا هو محمد بن زيد([48]).
ولكنْ يساورني شكٌّ في ما إذا كان يمكن لنا أن نعتبر راوياً ثقةً لمجرّد أنّ عالماً معروفاً روى له. يرى الخوئي، على سبيل المثال، أنّ رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه [أي الرازي] وإنْ كانت صحيحةً، إلاّ أنّها لا تكشف عن العدالة، بل غاية الأمر أنّها تكشف عن اعتماد [الراوي] عليه، وهو لا يدلّ على التوثيق، ولا على العدالة»([49]).
ومن ثمّ يتبيَّن أنّ محمد بن حسّان راوٍ مثيرٌ للجدل كذلك.
ألّف الرازي كثيراً من الكتب، أبرزها: ثواب الأعمال، وكتاب العقاب([50]). ولعلّه روى الحديث إيّاه([51]) في كتابه الأوّل. وقد رواه الطوسي عن محمد بن حسّان في التهذيب([52]).
وشيئاً فشيئاً ساهم إسحاق بن بشر الكاهلي في نشر هذا الحديث وسط رواة الفريقين. على الرغم من أن ثمّة شكّاً في تشيُّع إسحاق بن بشر الكاهلي، فإنّ رغبته في سرد الأحاديث التي كان يضعها كانت جامحةً، لدرجة أنّ بعض العلماء المدافعين عن التشيُّع نفسه ضعَّفوه، واعتبروه في عداد مَنْ يضع الحديث.
تشير الحادثة التالية، التي رواها أبو حاتم الرازي(277/890)، إلى رغبة إسحاق الكاهلي في وضع الأحاديث: إسحاق بن بشر الكاهلي […] كان يكذب، يحدِّث عن مالك وأبي معشر بأحاديث موضوعة. رأيته بالكوفة. قال: وسُئل أبي عنه؟ فقال: كان يكذب، كان يقعد في طريق قبيصة([53])، فإذا مررنا [به] قال: من أين جئتم؟ قلنا: من عند قبيصة، قال: إنْ شئتم حدَّثتكم بما كتب عنّي أحمد بن حنبل. ولم يكتب عنه شيئاً([54]).
ليست هذه الأمثلة الوحيدة عن انتقال روايات لرواة سنّة إلى حلقات الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني وغرّة القرن الثالث الهجريين من طريق رواةٍ موضوعين عند كلا الفريقين.
وبعد، فإنّ روايات أخرى بإسناد «الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد»، التي رواها الشيخ الصدوق في كتابه، والتي رواها رواة شيعةٌ من بعدهم، تحمل الصفات ذاتها([55]). وكلاهما رجلان معروفان في مصادر الفريقين على السواء، ويضعِّفهما أهل السنّة([56])، لكنهما يُعَدّان من الثقات في ترجمات الشيعة. وثمّة خلاف حول أصلهم الزيديّ أو الإماميّ([57]).
تكشف القراءة في الأسانيد التي أتينا على ذكرها سابقاً والأسانيد السنّية التي ذكرها الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال وعقاب الأعمال التالي:
أمّا النكتة الأولى البارزة فصحيح أنّ الشيخ الصدوق يعطي مكانةً لا مشّاحة فيها لكلٍّ من: البرقي، والصفّار، وأحمد بن محمد بن عيسى، وهم من أجلّة علماء قم. لكنّ الأسانيد السنّية التي رواها في كتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال أكثر بكثيرٍ من الأسانيد السنّية التي رواها البرقي نفسه في فصلي «ثواب الأعمال» و«عقاب الأعمال» من كتاب المحاسن.
وعليه، عرف هذين المحدِّثَيْن أحاديث من طريق أهل السنّة، أحاديث لم تخُضْ في الجدالات السنّية الشيعية، بل في مسائل من قبيل: ثواب الأعمال وعقابها، وقد اعترفت حلقات الفريقين بها في خلال القرن الثالث الهجري.
لا نعثر في كتاب النوادر، لأحمد بن محمد بن عيسى، الذي غالباً ما يذكر الشيخ الصدوق اسمه في الأسانيد التي يرويها، على أيّ إسنادٍ يبدأ بصحابيٍّ غير أهل البيت.
قد يبدو ذلك مثيراً للجَدْل. ولعلّ سبب ذلك يُعْزى إلى أنّ كتاب النوادر يتناول بإسهابٍ مباحث فقهيّة حكراً. ويبدو أنّ أحمد بن محمد بن عيسى الذي عزف عن رواية أحاديث من أهل السنّة في هذه المباحث تنكَّب عن هذا الإحجام في مسائل تتعلَّق بالمناقب أو الفضائل.
كما تكشف القراءة في المحاسن، للبرقي، على ضوء أسانيد الشيخ الصدوق أنّ اسم البرقي ورد في روايات ثلاث رواها الشيخ الصدوق من طريق صحابيٍّ([58]).
وما يثير الدهشة هو أنّ هذه الأسانيد لم تَرِدْ في كتاب المحاسن نفسه([59]). وقد يعزى ذلك إلى سببين اثنين. [1] أمّا الأوّل فإمّا أن يكون الشيخ الصدوق قد أتى على ذكر اسم البرقي في الأسانيد خطأً. ولكنْ ما من دليل على ذلك؛ أو [2] لم يذكر البرقي هذه الأسانيد في كتابه ربما بسبب أصل هؤلاء الرواة السنّي أو لسببٍ آخر.
وصحيحٌ أنّ البرقي روى في كتاب المحاسن الحديث الذي رواه الطوسي من طريق «محمد بن عليّ، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن عليّ الصيرفي، عن إسحاق بن بشر الكاهلي، عن الحكم، عن أنس بن مالك»([60])، لكنّه رواه من طريق محمد بن عليّ الصيرفي عن رجلٍ، عازفاً عن ذكر اسم أنس بن مالك([61])؛ وذلك بسبب صورة أنس بن مالك السلبيّة في الوجدان الشيعي([62]) إثر كتمه حديثَ الطَّيْر([63]).
وينطبق الأمر ذاته على محمد بن الحسن الصفّار(290/902). فيضمّ كتابه بصائر الدرجات، الذي يحتوي على ألف وتسعمائة وواحد من الأحاديث، واحداً وثمانين إسناداً فقط من غير طريق أهل البيت([64]). فبدا الصفّار وكأنّه غير مكترث إلى رواية أحاديث لأهل السنّة إلاّ لماماً.
مضافاً إلى ذلك، فإنّ أسانيد أهل السنّة القليلة هذه تَرِدُ في معظم الأحيان في أحاديث تروي مناقب عليٍّ وأهليَّته للخلافة.
وعليه، فإنّ كتاب البصائر لم يَرْوِ الكثير من الأحاديث للشيخ الصدوق من طريق الصفّار؛ لأنّها، على الأرجح، لا تنسجم مع محتوى الكتاب.
وتالياً، فقد روى علماء القرن الثالث الهجري، الذين أتينا على ذكرهم، لأحاديث لأهل السنّة أكثر من أحاديث للشيعة، على الرغم من قلّة ظهور الأسانيد السنّية في كتبهم، أو حتّى غيابها.
ثمّة مسألةٌ هي من الأهمِّية بمكانٍ، وأودّ الإشارة إليها هاهنا، وهي أنّ الحسين بن سعيد الأهوازي (القرن الثالث/التاسع)، وهو أستاذ أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن أبي عبد الله البرقي كلَيْهما، لم يُذْكَر في أسانيد أهل السنّة التي رواها الشيخ الصدوق أو البرقي.
بسط الأهوازي في كتابٍ له بعنوان: كتاب الزهد، وهو من أكثر كتبه المتداولة في وقتنا، لمبحث ثواب الأعمال وعقابها، لكنْ تغيب أسانيد أهل السنّة تقريباً في الكتاب. وبعبارةٍ أخرى: ثمّة دلالة بالغة لذكر الأهوازي أسماءَ تلميذَيْه أحمد بن محمد بن عيسى والبرقي في كتابه، مضافاً إلى ذكر الصفّار، في حين قلَّما تظهر أسانيد أهل السنّة، وكذا يغيب اسم الحسين بن سعيد في كتب الأهوازي الأخرى التي بحثنا فيها.
ينطبق الأمر نفسه، كذلك، على أبرز الرواة الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجريين.
فعلى سبيل المثال: بيَّنت في دراسة سابقة عن كتاب الزهد أساتذةً يروي الأهوازي كثيراً من الروايات عنهم (وهم: محمد بن أبي عمير: 31 رواية، محمد بن سنان: 10 روايات، عثمان بن عيسى: 7 روايات، الحسن بن محبوب: 6 روايات، النضر بن سويد: 16 راوية، حمّاد بن عيسى: 15 رواية)([65]). وعليه يمكن قول التالي:
يُعْرَف هؤلاء الرواة جميعاً في الأدبيّات الشيعيّة، حيث تروى لهم كثير من الأحاديث. لكنْ ما يثير الدهشة هو قلّة ظهور هؤلاء الرواة، أو حتّى غيابهم، عن أسانيد السنّية المنقولة في كتب الشيعة. فعلى سبيل المثال: لا يظهر اسم محمد بن عمير، الذي يروي عنه الحسين بن سعيد أكثر الأحاديث من طريق الأسانيد السنّية، في الفصول ذات الصلة من كتاب البرقي([66])، وكذا يظهر مرَّتين اثنتين فحَسْب في الأسانيد السنّية التي رواها الشيخ الصدوق([67]). وقد أخذ الصدوق الروايتين من مصادر معروفة في الأدبيّات الشيعيّة (على غرار محمد بن سنان وأبان بن عثمان)، لا من رواة سنّة.
وسط الرواة المتقدِّمين ورد اسم كلٍّ من: حسن([68]) بن محبوب وحمّاد بن عيسى مرّةً واحدةً في أسانيد سنّية([69])، وغابت كلِّياً أسماء النضر بن سويد وعليّ بن النعمان([70]) وعثمان بن عيسى. أمّا محمد بن سنان فهو أكثر ما يظهر في أسانيد أهل السنّة. وقد ورد اسمه مرّات خمس في أسانيد السنّة.
نختطّ الحالة ذاتها إذا ما بحثنا في الأساتذة الذين روى عنهم أحمد بن محمد في كتاب النوادر. وكما بيّنتُ في دراسةٍ سابقة فهو غالباً ما يروي عن محمد بن أبي عمير (56 رواية)، وصفوان بن يحيى (40 رواية)، والنضر بن سويد (34 رواية)، والقاسم بن محمد (22 رواية)، وعثمان بن عيسى (12 رواية)([71]).
وقد أشرتُ سابقاً إلى أنّه من بين الرواة المتقدِّمين قلَّما نعثر على أسماء محمد بن أبي عمير والنضر بن سويد وعثمان بن عيسى في أسانيد السنّة.
أمّا القاسم بن محمد فقد ورد مرّةً في الأسانيد السنّية التي اعتمدها البرقي والشيخ الصدوق([72])، فيما لم يَرِدْ صفوان بن يحيى مطلقاً.
تشير مقارناتنا، إلى الآن، إلى أنّ المصادر السنّية تخصِّص حيِّزاً قليلاً، إنْ وُجد، لرواةٍ شيعة معروفين، مثل: ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، والنضر بن سويد، والحسن بن سعيد، الذين يروون عن صحابيٍّ، فيما يظهر البرقي، وأحمد بن محمد بن عيسى، والصفّار، وهم من طبقةٍ لاحقة، بوتيرةٍ أكبر نسبيّاً.
يتناسب هذا الواقع مع النتيجة التي خلصنا إليها، وهي أنّه ضمن نطاق الأحاديث التي أشَرْنا إليها سابقاً فإنّ الروايات التي رواها في البدء رواة سنّة انتقلت إلى حلقة الشيعة من طريق رواة معروفين عند الفريقين على أنّهم غير ثقات أو كاذبين. وعليه، يبدو أنّ رواةً على غرار: محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى، اللذين اشتهرا بنقل أحاديث شيعيّة حوالي النصف الثاني من القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري، جَابَها صعوباتٍ في النفاذ إلى حلقات السنّة؛ ليستقيا أحاديثهما، أو أنّهما عزفا عن هكذا محاولةٍ.
ومضافاً إلى ذلك، حتّى وإنْ جالس هؤلاء الرواة البارزين مشايخ أهل السنّة، واستمعوا إلى أحاديثهم، فقد كانوا يحجمون عن روايتها. فعندما سأل والد الفضل بن شاذان محمد بن أبي عمير: إنّك قد لقيتَ مشايخ العامّة فكيف لم تسمع منهم؟ فقال: قد سمعتُ منهم، غير أنّي رأيت كثيراً من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة وعلم الخاصّة، فاختلط عليهم، حتّى كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة وحديث الخاصّة عن العامّة، فكرهتُ أن يختلط عليَّ، فتركتُ ذلك([73]).
قد لا ترتبط هذه الشكوى مباشرةً بحالة الرواة الشيعة أو الداعمين للتشيُّع ممَّنْ يروون أحاديث عن أهل السنّة بطريقةٍ صحيحة، ولا سيَّما من طريق الرواة السنّة، غير أنّها مهمّةٌ للحظ كيفيّة نفاذ الروايات السنّية إلى حلقات الشيعة آنذاك.
ولمّا قال ابن أبي عمير: «كثيراً من أصحابنا» فهو بذلك يشير إلى كثرة أولئك الذين يأخذون أحاديث من العامّة.
ويبدو أنّ الرواة الذين أشار إليهم غير ثقات وغير مشهورين في رواية الأحاديث، ولهذا السبب إيّاه اختلطَتْ عليهم الأحاديث. وعليه، فقد كان الكاملون من أصحاب الأئمّة «يتنكَّبون عن رواية أخبار العامّة»([74]).
تختطّ كلمات محمد بن أبي عمير دليلاً جوهريّاً على لقاءات رواة الشيعة بمشايخ السنّة. لكنّ ذلك لا ينفي الصعوبات التي كان يواجهها بعض الرواة الشيعة إبّان النفاذ إلى حلقات أهل السنّة.
ولذلك يؤكِّد الفضل بن شاذان أنّ علماء أهل السنّة كانوا يروون عن المرجئة، والقدريّة، والجهميّة، الذين كانوا بدورهم يروون عنهم([75])، غير أنّ الشيعة كانوا مستثنون من ذلك([76]).
كما أخفى بعض الرواة الشيعة هويَّتهم كيما يذلِّلوا الصعاب المحتملة وسط حلقات أهل السنّة. فأسمى بعض العلماء الشيعة ذلك بالتستُّر([77]). ويبدو أنّ بعض الرواة عمدوا إلى تغيير هويَّتهم تستُّراً، كما هو حال إسحاق بن بشر، تاركين خلفهم جدالات طويلة الأمد حول هويَّتهم الحقّة لعلماء لاحقين.
عندما رحل لاحقاً علماء بارزين من قم، على غرار: أحمد بن محمد بن عيسى، إلى العراق يبدو أنّهم عمدوا إلى الحصول على روايات أهل السنّة، باحثين عن رواةٍ يروون أحاديث عن السنّة والشيعة، أو عن تلامذة لهم. وربما مرّوا على أسماء الرواة المذكورين في قم أو في مكانٍ آخر.
يبيِّن الدور البارز الذي اضطلع فيه الرواة غير الثقات في نقل الأحاديث السنّية إلى حلقات الشيعة سببَ اعتماد محمد بن سنان في مراجع السنّة (خمس مرّات)، مقارنةً برواةٍ مثل: ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، والنضر بن السويد، وحمّاد بن عيسى، والقاسم بن محمد.
وبعيداً من القاسم بن محمد الذي ما من جرحٍ وتعديل له، فإنّ الرواة السابقين جميعاً ثقات في عيون العلماء الشيعة، وكذا يُعَدّون من أبرز الشخصيّات الشيعيّة، باستنثاء محمد بن سنان.
هو شيعيٌّ بلا رَيْب، لكنْ يطعن به الكشّي(في القرن الرابع/العاشر)، وابن عقدة(332/943)، والنجاشي، والطوسي، وابن الغضائري، في حين يعدّه الفضل بن شاذان كاذباً([78]).
تبيِّن كلمات محمد بن سنان التالية مصادر أحاديثه، فقد قال قبل موته: «كل ما([79]) أحدِّثكم به لم يكن لي سماعةً، ولا رواية، إنّما وجدتُه»([80]). وفي روايةٍ أخرى: طلب محمد بن سنان من الرواة بأن لا يرووا عنه ممّا حدَّث شيئاً؛ لأنّه كان يأخذها من كتبٍ اشتراها من السوق([81]). ولعلّه اشترى أسانيد من أهل السنّة.
2ـ الأسانيد في الغيبة الصغرى
تكشف المقارنة بين ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، للشيخ الصدوق، والفصل الذي يحمل العنوان نفسه من كتاب المحاسن، للبرقي، أنّ بعض الأسانيد الواردة في الكتاب الأوّل انتقلت إلى حلقات الشيعة عقب الغيبة الصغرى. وأغلب الظنّ أن حدوث ذلك كان في بداية القرن الرابع.
ومن أبرز هذه الأسانيد تلك التي رواها ابن أبي حاتم(327/938).
ويبدو أنّ التمعُّن في قراءة هذه الأسانيد أمرٌ مُجْدٍ.
ورد في الإسناد عن الشيخ الصدوق: عن حمزة بن محمد العلوي، عن أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن يزيد بن سنان البصري نزيل مصر، عن عبد الرحمن بن المهديّ([82])، عن ثابت بن قيس المدني، عن أبي سعيد المقري، عن أسامة بن زيد([83]).
في هذا الحديث يروي الصدوق أنّ: «رسول الله‘ يصوم الأيّام، حتّى يُقال: لا يفطر، ويفطر، حتّى يُقال: لا يصوم»([84]).
وعلى الرغم من أنّا لا نعثر على هذا الحديث في أعمال ابن أبي حاتم، لكنّه يروى في الأدبيّات السنّية بالإسناد نفسه، حتّى عبد الرحمن بن المهديّ([85]).
يَعُدّ ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل يزيدَ بن سنان، وهو شيخُ أبي حاتم وقد نزل في مصر كما مرّ في الإسناد، «صدوقاً وثقةً»([86]). ومضافاً إلى ذلك يروي ابن أبي حاتم كثيراً من الأحاديث في تفسيره بإسنادٍ عن يزيد بن سنان([87]).
أمّا حمزة بن محمد العلوي، أستاذ الشيخ الصدوق، فهو من سلالة زيد بن عليّ بن الحسين، وما من جرحٍ أو تعديل له([88]). وعلى الرغم من أنّ الشيخ الصدوق يترضّى عليه بعد ذكر اسمه([89])، يعتبر الخوئي أن لا دلالة في ذلك على وثاقة الرجل، ولا على حسنه([90]). ومع ذلك يبقى العلوي أقرب إلى حلقات الشيعة منه إلى السنّة.
يذكر الشيخ الصدوق الحديث ذاته بإسنادٍ مشابه في كتابٍ آخر له بعنوان: فضائل الشهور الثلاثة([91]). ولكنْ في نصّ هذا الإسناد يروي الشيخ الصدوق عن أحمد بن الحسن القطّان، عن ابن أبي حاتم([92]).
ويعدّ الخوئي أحمد بن حسن، وهو عَلَمٌ آخر يروي عنه الصدوق في عددٍ من كتبه([93])، من العامّة (أي أهل السنّة)([94]).
وبالختام، حفظ الرواة السنّة الحديث حتّى زمن ابن أبي حاتم، ومن ثمّ رواه الشيخ الصدوق بعد مرور جيلٍ.
وثمّة حديثان اثنان كذلك رواهما الصدوق عن ابن أبي حاتم يشبهان طابع هذا الحديث([95]).
مضافاً إلى الأحاديث التي يرويها الصدوق عن ابن أبي حاتم، يذكر الصدوق كذلك أسانيد من أهل السنّة انتقلت على ما يبدو إلى حلقات الشيعة عقب الغيبة الصغرى. وأغلب الظنّ أنّها انتقلت في بداية القرن الرابع. ولكنّ أغلب أولئك الرواة هم رواة سنّة، لا محدّثين معروفين بأعمالهم إلى يومنا هذا، كما هو حال ابن أبي حاتم. ففي خلال القرون الثلاثة الأولى حفط الرواة السنّة الأسانيد. وقرابة زمن أساتذة الشيخ الصدوق عمد الرواة المدافعون عن الشيعة إلى رواية هذه الأحاديث. وبعض هذه الروايات موجودةٌ في مصادر السنّة كذلك([96]).
ويبدو أنّ الظروف التي تلَتْ الغيبة الكبرى أثّرت على انتشار رواية أسانيد أهل السنّة في كتب الشيعة. فلمّا غاب الإمام الأخير، ولمّا آلت الغيبة الكبرى إلى فوضى، رمى العلماء الشيعة إلى تذليل الفوضى إيّاها، ساعين إلى الاستفادة من كلِّ دليلٍ، ولا سيَّما في الأحاديث التي تؤكِّد على وجود اثني عشر إماماً. وازدادت رواية الأحاديث التي تشير إلى عدد الأئمّة وإلى غيبة الإمام الثاني عشر، ولا سيَّما عقب الصفّار. لكنّ الصفّار، والكليني لاحقاً، استخدما مراجع أهل البيت فحَسْب للدلالة على وجود اثني عشر إماماً([97])، فيما فضَّل ابن أبي زينب النعماني البغدادي(حوالى 360/970)، وهو تلميذ الكليني، أن يثبت وجود اثني عشر إماماً من طريق أسانيد أهل السنّة، باسطاً فصلين لهذه المسألة([98]). ومن ثمّ لا يذكر النعماني أسماء أساتذته في أسانيد السنّة، باستثناء قلّةٍ قليلة([99]). وبعد حوالى جيل أو جيلين أكَّد عليّ بن محمد الخزّاز القمّي(القرن الرابع/العاشر)، وهو تلميذ الصدوق، أنّ عدد الأئمّة الصحيح هو اثنا عشر إماماً، مستنداً في المقام الأوّل إلى أحاديث من صحابةٍ، مثل: أنس بن مالك، وعمر بن الخطّاب، وأبي هريرة، وعائشة بنت أبي بكر([100])، حيث يذكر الخزّاز أسانيد هذه الأحاديث بإسهابٍ.
قد تخدم مراجع أهل السنّة المذكورة في الكتب المتقدِّمة أهدافاً جداليّةً، كما في الإيضاح، لابن شاذان. ولكنْ ثمّة مائزٌ جوهريّ في ذلك؛ إذ أورد ابن شاذان مجبراً أسانيد أهل السنّة، وإنْ جزئيّاً، عندما روى أحاديث ليبيِّن جدالات أهل السنّة؛ فيما صبا كلٌّ من: النعماني والخزّاز في أعمالهم إلى حماية الشيعة الذين أخذوا يميلون إلى ترك التشيُّع جرّاء الاسترابة بوجود الإمام الثاني عشر عقب غيبته([101]).
ورمى الكاتبان كذلك إلى تقديم دليلٍٍ [على وجود الإمام الثاني عشر] إلى أفراد من خارج طائفتهم، غير أنّ ذلك كان هَدَفاً ثانويّاً. ولهذا السبب إيّاه نصح النعماني الشيعة في نهاية كلِّ فصلٍ تقريباً إلى اتّباع الصراط الحقّ، بناءً على البيان الذي عمد إلى تقديمه([102]).
الخاتمة
عرضنا في مقدِّمة هذه الدارسة مقارنةً لأبرز مباحث «ثواب الأعمال وعقاب الأعمال» من كتاب المحاسن للبرقي إزاء كتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق.
ارتفع في الأخير بنحوٍ لافت عدد أسانيد أهل السنّة، وتشعّب الصحابة الذين روى الشيخ الصدوق عنهم، ما يدلّ على أنّ جزءاً مهمّاً من أسانيد أهل السنّة انتقلت إلى حلقات الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجريين.
واتّبعت فئةٌ أخرى من العلماء الطريق نفسه عقب الغيبة الصغرى، ولا سيَّما في بداية القرن الرابع.
وعليه، ضمَّتْ الأدبيّات الشيعيّة روايات لأهل السنّة أكثر إبّان الغيبة الكبرى.
وضمّ كتاب البرقي عدداً قليلاً من أسانيد أهل السنّة مقارنةً بكتاب الشيخ الصدوق.
لكنّ ذلك لا يعني أنّ العلماء الشيعة قبل الغيبة الصغرى وخلالها لم يكونوا على علمٍٍ بهذه الروايات.
ففي الواقع، ومع أنّ كتاب المحاسن بأكمله بسط لأسانيد قليلة لأهل السنّة، تشير أسانيد الشيخ الصدوق إلى أنّ البرقي وأحمد بن محمد بن عيسى الذي عاصره، مضافاً إلى الصفّار من الجيل اللاحق، كانوا متنبِّهين لرواياتٍ كهذه. ولرُبَما آلت الظروف التي سبقت الغيبة الصغرى وتلك التي تلتها إلى إحجامهم عن روايتها في كتبهم.
ولعلّ سبب ازدياد الاهتمام بالروايات السنّية يعزى إلى الحاجة إلى أسانيد أهل السنّة في مسائل تتعلَّق بعدد الأئمّة الاثني عشر، ولا سيَّما عقب الغيبة الكبرى([103]).
والاكتشاف الأبرز الذي نختطّه إبّان تحليل الأسانيد السنّية المرويّة في كتابي الشيخ الصدوق والبرقي هو أنّ أبرز الرواة الذين كانوا فاعلين في الحلقات السنّية والشيعيّة في أثناء تلك المرحلة الانتقاليّة كانوا إمّا غير ثقات أو كاذبين، كما تشير المصادر، ولا سيَّما مصادر أهل السنّة.
وقد يبيِّن ذلك أصل الروايات المرويّة في التراث الحديثيّ الشيعيّ عن المصادر السنّية، أو ضدّها، ولكنّها غير موجودة في كتب السنّة. وقد يكون الرجال الذين شاركوا من الفريقين سبب الفروقات التي تتحامل على وجهة النظر السنّية كذلك.
ثمّ إنّه يمكن لنا أن نعثر في كتب رجال الفريقين على أسماء رواة الأسانيد السنّية المذكورة في الأدبيّات الشيعيّة حتّى النصف الثاني من القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجريين؛ أمّا في بقيّة الجزء الأوّل من القرن الثالث فيفترق الرواة كلّ افتراق، بحيث نكاد لا نعثر على راوٍ واحد مشترك في ترجمات المذهبين كلَيْهما.
يتطابق هذا الاستنتاج مع دراسةٍ حديثة عن الرواة المدافعين عن التشيُّع والمذكورين في ترجمات أهل السنّة. وتخلص هذه الدراسة إلى أنّ 94% من الرواة المدافعين عن التشيُّع توفّوا قبل عام 200هـ، وأنّه لم يبْقَ أيٌّ من صنف هؤلاء الرواة حيّاً بحلول عام 250هـ([104]). تتاوءم هذه الخلاصة مع البرهان الذي قدَّمته دراسة أخرى مفادها أنّ الأحاديث الشيعيّة أصبحت أكثر انتظاماً، وتنسيقاً، وشيوعاً، في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجريين بفضل الظروف السياسيّة المؤاتية([105]).
وفي الختام، أودّ الإشارة إلى مسألتين هما من الأهمِّية بمكانٍ:
أوّلاً: يقدِّم كتابا البرقي والشيخ الصدوق دليلاً مهمّاً على انتقال الأحاديث من حلقات السنّة إلى حلقات الشيعة. ولكنَّ الكتابين كُتِبا على يد عالمين من قم. وقد تشير النتائج التي خلصنا إليها إلى حالة مدن أخرى، حيث شكّل الشيعة سوادها الأعظم، مثل: الكوفة وبغداد. ولكنْ تحتاج الأسانيد التي قدَّمها المحدّثون من هذه المناطق تحليلاً متمعِّناً للخلوص إلى نتائج دقيقة.
ثانياً: أقول إنّ العلماء الشيعة كانوا أكثر مرونةً في اعتماد أسانيد سنّية عقب الغيبة الكبرى؛ لأنّ كتابا الصدوق والبرقي بسطا لمبحث ثواب الأعمال وعقابها؛ وعليه يمكن لدراساتٍ مقبلة أن تبحث في كيفيّة استخدام تلك الأسانيد في كتب تناولت مباحث أخرى، ولا سيَّما الأحكام.
شكرٌ وتقدير
أودّ أن أعرب عن تقديري لكلٍّ من: جوناثان براون J. Brown، وإنس توبغول Topgül E؛ لقراءتهما نسخةً أوّليّة لهذه الدراسة، ولتقديمهما ملاحظاتٍ قيِّمة عليها.
الهوامش
(*) باحثٌ وأستاذ في علوم الحديث الشريف. من تركيا.
([1]) نُشرت هذه المقالة باللغة الإنجليزيّة في:
- Kuzudişli, «Sunnī-Shīʿī Interactions in Early Period –The Transition of the Chains of Ahl al-Sunna to the Shīʿa,» Ilahiyat Studies, 6(1), (2015), pp. 7-45.
([2]) للمزيد عنه، انظر، الذهبي، ميزان الاعتدال 2: 346؛ وابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 3: 255.
([3]) الصدوق، ثواب الأعمال: 54.
وفي الترجمة العربيّة استفدنا من: الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: 29. [المترجم].
تجدر الإشارة إلى أنّ الإسناد في كتاب الشيخ الصدوق ورد بالصيغة التالية: «محمد بن عليّ بن ماجيلويه&، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن أبي محمد بن عليّ الصيرفي، عن إسحاق بن شكر الباهلي، عن الكاهلي، عن أنس [بن مالك]». ولم نعثر على الإسناد بالصيغة التي أوردها الكاتب في كتاب الشيخ الصدوق [ثوب الأعمال]. [المترجم].
وفي الترجمة العربيّة استفدنا من: الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: 201. [المترجم].
([5]) انظر: أبو الحسن نور الدين بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث 1: 252، تحقيق: الحسين أحمد صالح البكري، الجامعة الإسلاميّة، مركز خدمة أهل السنّة والسيرة النبويّة، المدينة، 1992. وانظر، محمد بن عثمان بن أبي شيبة، العرش وما رُوي فيه: 67، تحقيق: محمد بن حمد الحمّود، مكتبة المعلاّ، الكويت، 1406هـ.
([6]) للمزيد انظر: الهيثمي، بغية الباحث 1: 252؛ ابن أبي شيبة، العرش: 67.
([7]) ورد هذا الإسناد حرفيّاً في العرش: 67، كالتالي: «عن ابن أبي شيبة، عن أبو يعقوب الكاهلي، عن مهاجر بن كثير الأسدي، عن الحكم بن مصقلة، عن أنس بن مالك». في ما ورد في بغية الباحث كالتالي: «إسحاق بن بشر، عن أبي عامر الأسدي، عن مهاجر بن كثير، عن الحكم بن مسقلة العبدي، عن أنس بن مالك». الهيثمي، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: 53، تحقيق: مسعد السعدني، دار الطلائع، القاهرة. [المترجم].
([8]) الذهبي، ميزان الاعتدال 2: 346 ـ 347.
([9]) المصدر نفسه؛ وانظر كذلك: ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 3: 255، تحرير: عبد الفتّاح أبو غدّة؛ وراجع المصادر التي أوردها المحرِّر كذلك.
([10]) الذهبي، ميزان الاعتدال 4: 193.
([11]) رجال الطوسي: 310، تحقيق: جواد القمّي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1995؛ مصطفى بن الحسين التفرشي، نقد الرجال 4: 443، تحقيق: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، 1998.
([12]) للمزيد انظر: أبو جعفر الكليني، الكافي: 318، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1365هـ.ش. [المترجم].
([13]) الخوئي، معجم رجال الحديث 20: 91.
([14]) التستري، قاموس الرجال 10: 304.
([16]) ابن حِبّان، كتاب المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين 1: 135، تحقيق: محمد إبراهيم زايد، دار الوحي، حلب، 1975.
([18]) انظر: التستري، القاموس 1: 737 ـ 741؛ ومحمد عليّ موحّد الأبطحي، تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال 3: 82 فصاعداً، سيّد الشهداء، قم، 1996. ويردِّد بعض العلماء عبارات النجاشي من دون تضعيفها. انظر: ابن المطهّر الحلّي، خلاصة الأقوال: 318؛ التفرشي، نقد الرجال 1: 191.
([19]) للمزيد انظر: الذهبي، ميزان الاعتدال 1: 184 فصاعداً.
([20]) الذهبي، ميزان الاعتدال 1: 185 ـ 186.
([21]) المصدر السابق: 186 ـ 187.
([22]) انظر: الأبطحي، تهذيب المقال 3: 84؛ المامقاني، تنقيح المقال في علم الرجال 9: 69، تحقيق: محي الدين المامقاني، مؤسّسة آل البيت، قم، 2002. (في إشارة المحرِّر).
([23]) ابن أبي شيبة، العرش: 67.
([24]) قائلاً: «لم أعلم له [أي لابن إسحاق] أشنع من هذا الحديث، الذي رواه عن العقيلي»؛ انظر: الذهبي، ميزان الاعتدال 1: 186. [المترجم].
([25]) وهو هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس. [المترجم].
([26]) الذهبي، ميزان الاعتدال 1: 186.
([27]) ابن حِبّان، كتاب المجروحين 1: 135.
([28]) أبو نعيم أحمد عبد الله الإصبهاني، كتاب الضعفاء: 61، تحقيق: فاروق حمادة، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1984.
([29]) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال 1: 337، 342، دار الفكر، بيروت، 1988؛ والخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 6: 324، 326.
([30]) رأى الأمين أنّ كنية «كوفيّ» تشكّل دليلاً مضافاً على تشيُّع ابن إسحاق، ولا سيَّما أنّ التشيّع هو الغالب على أهل الكوفة. وقال: إنّه يمكن أن يكون إسحاق بن بشر الوارد في سند هذا الحديث [ستكون فتنة بعدي…] هو الكاهلي نفسه. كما صرّح الأمين بأنّه لعلّ تكذيب السنّة له ناجم عن روايته لمثل هذا الحديث. انظر: محسن الأمين، أعيان الشيعة 3: 267.
([31]) الذهبي، ميزان الاعتدال 1: 188.
([32]) الأبطحي، تهذيب المقال 3: 84.
([33]) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة 7: 354، تحقيق: عليّ محمد البجّاوي، دار الجيل، بيروت، 1991.
([34]) الخطيب البغدادي، كتاب المتّفق والمفترق 1: 434، تحقيق: محمد صادق حميدي، دار القادري، دمشق، 1997. وبالطبع فإنّ الرواية التي رواها البغدادي في ترجمة إسحاق بن بشر الأسدي تشير إلى ميول الأخير الشيعيّة. أورد الخطيب في رواية عن أبي ذرّ الغفاري: «ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله‘ إلاّ بثلاث: تكذيبهم الله ورسوله، والتخلّف عن الصلاة، وببغضهم عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه».
([35]) ابن عدي، الكامل 1: 342.
([36]) الخطيب البغدادي، كتاب المتّفق والمفترق 1: 435.
([37]) Muhammed Enes, Topgül, Erken Dönem, Şiî Ricâl İlmi: Keşşî rneği (Phd. Dissertation; Istanbul: Marmara University, 2015), pp. 20, 21, 213, 281.
([38]) «من أسرج في مسجد من مساجد الله عزَّ وجلَّ سراجاً[..]». [المترجم].
([39]) البرقي، كتاب المحاسن 1: 57؛ والصدوق، ثواب الأعمال: 54.
([40]) الطوسي، تهذيب الأحكام في شرح المقنع للشيخ المفيد 3: 261، تحرير: حسن الموسوي الخرسان ومحمّد بن محمد مفيد، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1985.
([41]) للمزيد عن ترجمته انظر: ابن مطهّر الحلّي، خلاصة الأقوال: 399.
([42]) النجاشي، الرجال: 332؛ الطوسي، الفهرست: 223؛ الخوئي، معجم رجال الحديث 17: 320.
([43]) البرقي، كتاب المحاسن 1: 57. لم يذكر البرقي في هذا الحديث اسم الصحابيّ أنس بن مالك، بل قال: «عن رجل». مضافاً إلى ذلك أورد اسم حسن بن مسكين على أنّه روى الحديث عن هذا الصحابيّ [أي الرجل]. ولكنْ في كتب الرجال عند السنّة يُعْرَف الأخير على أنّه حكيم بن مصقلة. ولا يمكن العثور على اسم حكم بن مسكين في كتب الرجال، وهو الذي يروى في مثل هذه الطبقة.
([44]) الصدوق، ثواب الأعمال: 54.
([46]) ابن الغضائري، الرجال: 95. يرى الخوئي أنّه لا يمكن الاعتماد على تضعيف ابن الغضائري للرازي؛ لأنّ نسبة الكتاب إليه لم تثبت. انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 16: 203.
([47]) البهبهاني، تعليقة على منهاج المقال: 305.
([48]) الخوئي، معجم رجال الحديث 16: 203؛ التستري، قاموس الرجال 9: 186.
«أمّا توصيف الصدوق إياّه بخادم الرضا× فلا أصل له، وإنّما ذكر رواية عن محمد بن زيد الرزامي خادم الرضا×، في طريقه إلى محمد بن أسلم الجبلي». الخوئي، معجم رجال الحديث 16: 203. [المترجم].
([49]) الخوئي، معجم رجال الحديث 16: 203.
([51]) «مَنْ أسرج في مسجد[…]». [المترجم].
([52]) الطوسي، تهذيب الأحكام 3: 261.
([53]) ولعلّه قبيصة بن ليث أو قبيصة بن عقبة. انظر: ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 7: 126.
([54]) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 2: 214.
([55]) الصدوق، ثواب الأعمال: 73، 80.
([56]) للمزيد عن عمرو بن خالد انظر، ابن عدي، الكامل 5: 123؛ والمزّي، تهذيب الكمال 21: 606؛ والذهبي، ميزان الاعتدال 3: 257؛ وابن حجر العسقلاني، التهذيب 8: 24 ـ 25.
وللمزيد عن الحسين بن علوان انظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 8: 62 ـ 64؛ والذهبي، ميزان الاعتدال 1: 542.
([57]) للمزيد عن عمرو بن خالد انظر: الطوسي، اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشّي) 2: 498؛ والطوسي، الاستبصار في ما اختلف من الأخبار 1: 166؛ الخوئي، معجم رجال الحديث 7: 34.
وللمزيد عن الحسين بن علوان انظر: البهبهاني، تعليقة على منهج المقال: 144؛ النمازي، مستدركات علم رجال الحديث 3: 154؛ الخوئي، معجم رجال الحديث 5: 376.
وللمزيد عن تضعيف الحسين انظر: المامقاني، تنقيح المقال 22: 258.
([58]) للمزيد عن هذه الأسانيد الثلاث انظر: الصدوق، ثواب الأعمال: 22، 73، 80.
([59]) لم أعثر في أثناء بحثي في كتاب المحاسن على أيٍّ من هذه الأسانيد. كما ورد في فصل من بحار الأنوار أنّ هذه الروايات لا تعود إلى المحاسن. انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمّة الأطهار 99: 192 ـ 204؛ 82: 323 ـ 326؛ 102: 246 ـ 259.
([60]) الصدوق، ثواب الأعمال: 54.
([61]) عصيٌّ علينا هنا أن نصل إلى القول الفصل؛ إذ يروي البرقي بإسناد أنس بن مالك في كتاب المحاسن، لكنّه حديث واحد فحَسْب. انظر: كتاب المحاسن 1: 332. ولهذا فضَّلنا استخدام لفظ «عازفاً عن» في المتن.
([62]) نقلاً عن أنس بن مالك عندما كان خادماً لرسول الله[‘]: أهدي إلى رسول الله‘ طائر مشوي، فقال: اللهمَ ائتني بأحب خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء عليّ×، فقلت له: رسول الله‘ عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول الله‘ يده الثانية، فقال: اللهمّ ائتني بأحب خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء عليّ×، فقلت: رسول الله‘ عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول الله‘ يده الثالثة. فقال: اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ، يأكل معي من هذا الطائر، فجاء عليّ×. فقلت: رسول الله‘ عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فرفع عليٌّ× صوته، فقال: وما يشغل رسول الله‘ عنّي، فسمعه رسول الله‘، فقال: يا أنس، مَنْ هذا؟ فقلت: عليّ بن أبي طالب×، قال: ائذَنْ له، فلمّا دخل، قال له: يا عليّ، إنّي قد دعوت الله عزَّ وجلَّ ثلاث مرّات أن يأتيني بأحب خلقه إليه وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، ولو لم تجئني في الثالثة لدعوتُ الله باسمك أن يأتيني بك، فقال عليّ×، يا رسول الله، إنّي قد جئتُك ثلاث مرات، كلُّ ذلك يردُّني أنس، ويقول: رسول الله‘ عنك مشغولٌ، فقال رسول الله‘: يا أنس، ما حملك على هذا؟ فقلت: يا رسول الله، سمعت الدعوة، فأحببتُ أن يكون رجلاً من قومي. فلمّا كان يوم الدار استشهدني عليّ×، فكتمته، فقلت: إنّي نسيته، فرفع عليٌّ× يده إلى السماء، فقال: اللهمّ ارْمِ أَنَساً بوَضَحٍ لا يستره من الناس. انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 4: 151. ويعتبر الشيعة هذا الحديث متواتراً.
ومن بين علماء أهل السنّة يروي الحكيم النيسابوري هذا الحديث في المستدرك، ويعتبره موثوقاً، بناءً على البخاري ومسلم. انظر: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحكيم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 3: 131.
ويعارضه في ذلك بعض المحدِّثين، وفي طليعتهم الذهبي. انظر: سير أعلام النبلاء 13: 233.
ويعتبره آخرون حديثاً موضوعاً. انظر: ابن تيميّة، منهاج السنّة النبويّة 7: 371.
ويرى محدِّثون آخرون أنّ الحديث ليس موضوعاً، لكنّه غير موثوق؛ لأنّه يروى بأسانيد من طرق عدّة.
وللمزيد عن رأي العلماء السنّة انظر: محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيّئ في الأمّة 14: 176 ـ 185.
([63]) للمزيد عن هذه المسألة انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 4: 149.
([64]) أبو جعفر محمد بن الحسن الصفّار، بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد 1: 25، 27، 117، 119، 128، 130، 159، 161، 183، 225، 228، 327، 332، 387، 433، 474؛ 2: 24، 33، 34، 61، 66، 98، 99، 162، 166، 172، 289، 290 (ثمّة حديثان)، 291 (ثمّة حديثان)، 292، 301، 441، 444، 445، 454.
([65]) Bekir Kuzudişli, Şiaʾda Hadis Rivâyeti ve İsnâd (Istanbul: Bsr Yayincilik, 2011), p. 313.
([66]) في كتاب البرقي المؤلّف من جزءين يظهر اسم ابن أبي عمير في إسناد سنِّيٍّ واحد فقط، رواه البرقي بإسناد عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجاله، عن أبي سعيد الخدري. انظر: البرقي، المحاسن 2: 331. والمصدر الذي أخذ عنه البرقي غير معروف.
([67]) الصدوق، ثواب الأعمال: 196، و237.
([68]) الحسن كما ورد في كتاب البرقي. [المترجم].
([69]) للمزيد عن [الـ] حسن بن محبوب انظر: البرقي، كتاب المحاسن 1: 295.
وللمزيد عن حمّاد بن عيسى انظر: الصدوق، ثواب الأعمال: 204.
([70]) ذكر البرقي أسماء النضر بن سويد وعليّ بن النعمان مرّةً واحدةً في أسانيد أهل السنّة، ولكن ليس في الفصول موضع بحثنا في المحاسن (ثواب الأعمال وعقاب الأعمال). انظر: البرقي، كتاب المحاسن 2: 447، 561.
([71]) Kuzudişli, Şiaʾda Hadis Rivâyeti ve İsnâd, p. 329.
([72]) البرقي، كتاب المحاسن 1: 93؛ الصدوق، ثواب الأعمال: 246.
([73]) الطوسي، اختيار معرفة الرجال 2: 854. [والصواب: 855. (المترجم)].
([74]) التستري، قاموس الرجال 12: 403.
([75]) الفضل بن شاذان، الإيضاح: 503.
([76]) يسلّط ابن شاذان الضوء على السبب الذي يدفع السنّة إلى استبعاد الشيعة، دون باقي الفرق التي يختلفون معها. انظر: المصدر السابق: 93، 102.
([77]) للمزيد عن فكرة التستُّر انظر: المامقاني، تنقيح المقال 22: 256.
([78]) الخوئي، معجم رجال الحديث 16: 169. [والصواب 17: 169. (المترجم)].
([79]) كذا ورد في المصدر. [المترجم].
([80]) المصدر السابق: 163. [والصواب 17: 163. (المترجم)].
([81]) ابن داوود الحلّي، الرجال: 273؛ والخوئي، معجم رجال الحديث 16: 169. [والصواب: الخوئي، معجم رجال الحديث 17: 168. (المترجم)].
([82]) ورد اسمه كـ «عبد الرحمن بن مهدي» في النسخة التي عدنا إليها. [المترجم].
([83]) الصدوق، ثواب الأعمال: 89.
وفي الترجمة العربيّة استفدنا من: ثواب الأعمال: 61. [المترجم].
([85]) للمزيد انظر: أحمد بن حنبل، المسند 36: 86، والمراجع المذكورة هناك.
([86]) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 9: 267.
([87]) انظر: تفسير ابن أبي حاتم 2: 438؛ 3: 1015 ـ 1016؛ 4: 1363 فصاعداً.
([88]) الخوئي، معجم رجال الحديث 7: 292.
([90]) الخوئي، معجم رجال الحديث 5: 90.
([91]) الصدوق، فضائل الشهور الثلاثة: 51.
([92]) هنا يذكر الشيخ الصدوق اسم ابن أبي حاتم كعبد الرحمن بن محمد بن الحسين، حتّى يصل الإسناد من طريق الرواة أنفسهم إلى أسامة بن زيد. ثمّ إنّ الاسم الكامل لابن أبي حاتم هو عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن منذر بن داوود بن مهران (انظر: أبو الصفاء صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، كتاب الوافي بالوفيّات 18: 135). ولعلّ الشيخ الصدوق دعاه بـ «الحسين» نسبةً إلى جدّه.
([93]) انظر: الصدوق، التوحيد: 30، 152؛ وانظر: الصدوق، الخصال: 55، 98 فصاعداً.
([94]) الخوئي، معجم رجال الحديث 2: 93.
([95]) الصدوق، ثواب الأعمال: 90.
([96]) انظر: المصدر السابق: 89؛ وانظر كذلك: ابن أبي شيبة، المصنّف 6: 334؛ ومسند إسحاق بن راهويه 3: 954.
([97]) الصفّار، البصائر 2: 111؛ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 1: 534.
([98]) أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي زينب النعماني، كتاب الغيبة: 104، 117.
([99]) غالباً ما يذكر النعماني في الفصول ذات الصلّة اسم محمد بن نعمان الدهني، غير أنّي لم أتوافر على معلومات عن هذا الرجل (النمازي، مستدركات علم رجال الحديث 7: 203، 204).
([100]) عليّ بن محمد الخزّاز، كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الاثني عشر: 8.
([101]) النعماني، كتاب الغيبة: 27 فصاعداً؛ والخزّاز، كفاية الأثر: 7.
([102]) النعماني، كتاب الغيبة: 58، 64، 103 فصاعداً.
([103]) قبيل الغيبة الصغرى لم تذكر كتب الشيعة روايات عن عدد الأئمّة، ما خلا استثناءات قليلة ذكرت روايات من طريق أهل البيت أو السنّة كلَيْهما. انظر:
Etan Kohlberg, «From Imāmiyya to Ithnā-ʿAshariyya,» Bulletin of the School of Oriental and African Studies 39(3), pp. 521-534.
ولکنْ بعد الغيبة الكبرى ما برحت المراجع السنّية والشيعيّة تذكر روايات عن عدد الأئمّة الاثني عشر. انظر: الخزّاز، كفاية الأثر.
([104]) Topgül, Hadis Rivâyetinde Şiilik Eğilimi (MA thesis; Istanbul: Marmara University, 2010), p. 186.