أحدث المقالات

لقد توافرت لواقعة كربلاء الدامية من العوامل التي جعلتها موضع اهتمام المسلمين ،  نظرا  لما تمثله الشخصية المحورية فيها و المتمثلة في الامام الحسين عليه السلام من اهمية دينية كبيرة  لدى المسلمين . و للعناية   الكبيرة التي  حظي بها الإمام الحسين (ع) و مقتله  في احاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أئمة اهل البيت عليهم السلام ، و  التي رواها المسلمون  من مختلف الاتجاهات في  مصادرهم الحديثية و التاريخية و الأدبية  المختلفة  ، مضافا الى الأصداء الكبيرة للحادثة و تأثيراتها العميقة في تاريخ المسلمين السياسي و  الفكري و الأدبي و الثقافي  .

 هذه العوامل و غيرها  جعلتها تحظى باهتمام الرواة و قدامى الاخباريين الذين قاموا منذ القرن الثاني الهجري ، ببذل جهود كبيرة نحو تتبع أخبار الواقعة و البحث عن تفاصيلها و مجرياتها  و تجميع المعلومات الدقيقة عن حوادثها و من ثم كتابتها و تدوينها .   و قد مهد الاخباريون الأوائل  الطريق لمن جاء بعدهم من  الأخباريين المتأخرين والمؤرخين  المهتمين في توثيق وضبط  و تنظيم و ترتيب  مختلف الحوادث التاريخية  .  و قد جمع المؤرخون  ما أمكنهم   من الوقائع و الحوادث و النصوص  من مختلف المصادر . و قاموا في مرحلة تالية ،  بمراجعتها و غربلتها و توثيقها  و تنسيقها  و تبويبها و إيراد ما ارتأوه منها – حسب قناعاتهم –  في مدوناتهم و موسوعاتهم التاريخية  ، و كذلك فعل بعض المحدثين و مؤرخوا الطبقات و التراجم . و بهذا فقد غدت واقعة كربلاء مدونة وموثقة منذ بواكير عمليات التدوين التاريخي في تاريخ المسلمين ، و توالت الكتابات حولها تباعا في مختلف الأدوار  التاريخية .

كتب مخصصة في مقتل الحسين  :

 تنقل لنا مصادر التراجم  و الفهارس مثل  فهرست  النجاشي و فهرست الطوسي و فهرست ابن النديم و غيرها ، عن  ظهور  مبكر لكتب او رسائل أو كراريس مخصصة بهذه الواقعة حملت عنوان ” مقتل الحسين ”   قام بتحريرها بعض التابعيين ، واستمر الحال على هذا المنوال  بحيث  وجد  الى نهاية المائة الثالثة أكثر من  عشرين مصنفا بعنوان  مقتل الحسين عليه السلام  ، لجمع من  الاخباريين والمحدثين و المؤرخين من مختلف  اتجاهات المسلمين و أقطارهم .

و من المؤسف ان كثيرا من  هذه المقاتل لم تصلنا منها الا اسماؤها ، و في احسن الاحوال بعض المرويات المتناثرة في المصادر التاريخية و الأدبية  .

 و أقدم  كتاب  ورد  بهذا العنوان أو اختص بهذه الواقعة  كما يذكر الشيخ الطوسي في  الفهرست  كان للاصبغ بن نباتة المجاشعي الذي كان من خاصة أصحاب امير المؤمنين عليه السلام  . و قد اختلف في  تاريخ وفاته ،  فقيل توفى سنة 69 للهجرة  أو قبل المائة الأولى  و قيل توفى بعدها   . و توجد في  بعض المصادر التاريخية عدة روايات عن القاسم  بن الأصبغ بن نباتة  من غير طريق أبيه .  و ممن كتب مقتل الحسين  ، التابعي المعروف جابر بن يزيد الجعفي المتوفى سنة 128 للهجرة  . كما روى الطبري  و بعض المصادر الرجالية  رواية موجزة عن المقتل لعمار الدهني ( ت 133) .  و توالى الاهتمام بأدب المقاتل  على مر الزمن حتى يومنا هذا . و ممن ورد في ترجمته انه كتب  في مقتل الحسين  جماعة  منهم على سبيل المثال : الاخباري المعروف أبو مخنف ( ت157)  ، هشام بن محمد السائب الكلبي (ت 204) ، ابو عبد الله الواقدي (ت207)  ، ابو عبيدة معمر بن المثنى التيمي المتوفى (ت210) ، نصر بن مزاحم المنقري  (ت212) ،  محمد بن علي المدائني (ت224 )، أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي ( ت 224)، إبراهيم بن اسحاق الأحمري النهاوندي ( 269ت)، المحدث ابو بكر  ابن ابي الدنيا (ت281 ) ، أبو جعفر محمد بن زكريا الغلابي البصري (ت298 ) ، المحدث عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي (ت317 ) ، عمر بن الحسن بن علي الشيباني (ت 339) ،أبو الفرج الاصفهاني (ت356) ، المحدث الشيخ الصدوق (ت381) ، الشيخ الطوسي (ت458) ، ابوالمؤيد  الموفق بن أحمد الحنفي  الخوارزمي (ت568 ) ،ابن شهراشوب (ت588 ) ، ابن نما الحلي (ت 645) ، السيد ابن طاووس (ت664 ) وغيرهم .

و  اذا صح ما  ورد في بعض كتب الفهارس ، فان  أقدم من كتب في مقتل الحسين عليه السلام هو الأصبغ بن نباتة المجاشعي  . و هذا يعني انه أقدم ما كتب في مقتل الحسين عليه السلام ، و ان الكتابة في أدب المقتل بدأت  منذ القرن الأول الذي وقعت فيه الحادثة . و يلاحظ انه لم يردنا من القرن الثاني إلا أسماء قليلة و هو أمر يتفق مع طبيعة الوضع السياسي و الثقافي آنذاك . فبالإضافة الى ثقافة التردد التي كانت سائدة  من الكتابة و التدوين و التصنيف  في المجتمع ، فان من المنطقي ان لا يظهر الاهتمام بتدوين وقائع مقتل الحسين في ظل الدولة الأموية التي امتدت حتى سنة 132 للهجرة .   و يبدو ان  كتب المقاتل تزايدت في القرنين الثالث و الرابع  الهجريين  و هي الفترة التي شهدت نشاطا فكريا و كتابيا واسعا في تاريخ المسلمين .  و يلاحظ ان أصحاب المقاتل كانوا ينتمون الى اتجاهات فكرية و سياسية متعددة  ، ولعل  ذلك يشير الى تزايد اهتمام  الناس  بهذه الحادثة الأليمة مع ضعف الدولة الأموية  .

 و تجدر الاشارة ان جل الروايات التي وصلتنا عن مقتل الامام الحسين تنتهي  الى الأخباري المعروف أبي مخنف  ، و قد نقلها المؤرخون – على تفاوت –  كابن سعد (ت230)  و البلاذري (ت279)  وغيرهم . و جل مرويات أبي مخنف  نقلها  المؤرخ الشهير ابن جريرالطبري (ت310)  في موسوعته التاريخية ” تاريخ الأمم و الملوك ” و المعروفة بتاريخ الطبري .  و قد تميز الطبري عمن سبقه  بالتزامه بمنهج الرواية المسندة الى أبي مخنف  كما أورد روايات قليلة عن عوانة بن الحكم (ت158) و الذي كان مختصا بأخبار الأمويين .  و معظم ما رواه الطبري عن واقعة كربلاء كان من طريق هشام الكلبي (ت204)

الأخباري الشهير أبو مخنف الأزدي  :

 وأبو مخنف هو أبرز أخباري اهتم  بتدوين وقائع المقتل  في فترة مبكرة ، ممن وصلتنا  جملة وافرة من رواياته . و توفى سنة 157 للهجرة أي بعد مقتل الحسين بحوالي  96 سنة . و نظرا لأن ولادته غير معروفة ، لكن اذا افترضنا انه عاش ستين سنة  ، تكون ولادته  في حوالي عام 97 للهجرة . و اذا افترضنا ان اهتمامه بالبحث و التجميع للأخبار و الحوادث المتعلقة بمقتل الحسين ، بدأ   في الثلاثين من عمره ، فانه يعني ان من المرجح انه  باشر عمله  بعد مرور حوالي 66 سنة  ، على  مقتل الامام الحسين عليه السلام ، و هي فترة ليست ببعيدة عن الحدث . و لهذا لا يبعد ان يكون بعض من  شهد الواقعة أو حضرها أو عاصرها كان لا يزال على قيد الحياة ، كما ان بعض من جالسهم و استمع اليهم  كانوا أيضا على قيد الحياة .  و هذا ما يفسر لنا وجود بعض الروايات في مقتله  عن بعض من حضر المعركة بدون وسائط  .  و ان  كثيرا من رواياته وردت بواسطة واحدة أو واسطتين .  و يبدو ان الظرف السياسي  آنذاك و هو ضعف الدولة الأموية  وأوج نشاط الحملة العباسية قد ساعدا أبا مخنف على القيام بهذه المهمة الصعبة التي ما كان يجرؤ أحد على التفكير فيها  إبان قوة الدولة الأموية  . يذكر أبو الفرج الاصفهاني ان الشعراء ما كانت تقدم على رثاء الحسين زمن الأمويين خوفا من بطشهم . و إن كان العباسيون أيضا سرعان ما كشفوا عن مواقفهم المعادية  لأئمة أهل البيت(ع) .  وكان ابو مخنف أخباريا متعدد الاهتمامات ، و ان  نقل ابن النديم عن بعض العلماء انه كان بأمر العراق و أخبارها يزيد على غيره .و رغم تجريح بعض أهل الحديث له ، يرى بعض الباحثين في التاريخ العربي مثل فؤاد سزكين و عبد العزيز الدوري أن أخباره غير متحزبة .

عناية مصادرالتاريخ بالواقعة :

عنيت المصادر التاريخية  العامة بواقعة كربلاء و غطت  كثيرا من وقائعها . و لا  تخلو موسوعة تاريخية اوكتاب مختص بتاريخ المسلمين  لم يتطرق الى مقتل الإمام الحسين عليه السلام   أو يتناول الحوادث الفظيعة التي جرت في هذه الملحمة الدامية   . و من أبرز المصادر التي تطرقت اليها – على تفاوت – هي :   الطبقات الكبرى لابن سعد (ت 230) ، الاخبار الطوال لابي حنيفة الدينوري (ت 276 )، أنساب الاشراف للبلاذري (ت279 )، تاريخ اليعقوبي لابن الواضح (ت 282 ) ، الفتوح لابن الأعثم الكوفي (ت 304) ،  تاريخ الطبري لابن جرير (ت  310) ،  مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني ( ت 356 ) ،  تجارب الأمم و الملوك لابن مسكويه (ت424) ، تاريخ دمشق لابن عساكر  (ت571) ، المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك لأبي الفرج الجوزي (ت 597) الكامل لابن الأثير (ت 630 ) ،  تذكرة الخواص لابن الجوزي (ت654) ، سير اعلام النبلاء للذهبي (ت748) ،  البداية و النهاية لابن كثير (ت 774)و  غيرهم .    هذا مضافا الى اهتمام بعض مصادر الحديث والتراجم و الأدب التي عنيت بترجمة الامام الحسين عليه السلام و مناقبه و أحواله من قبيل مسند أحمد (ت241) و معجم الطبراني (ت360) و من كتب الأدب العقد الفريد لابن عبد ربه (ت 328) .  و قد  أخرجت بعض مصادر الحديث كمسند أحمد و المستدرك على الصحيحين  و معجم الطبراني و غيرها  جملة من الأحاديث المتعلقة بإخبار جبريل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم  ، بمقتل ولده الحسين و بكاء النبي و حزنه على ذلك . تجدر الاشارة ، ان بعض المصادر المتأثرة باتجاهات أهل الحديث عنيت بمواقف ” المشفقين الناصحين ” للإمام الحسين بعدم الخروج و حاولت تلميع صورة الحاكم الأموي  يزيد والإيحاء بأن ما جرى في كربلاء كان دون علمه ، و ان الحسين طلب الذهاب اليه و التفاهم معه غير ان ابن زياد رفض ذلك .  كما ان بعضها اهتم  بذكر الحوادث الخارقة بعد المقتل  ، و في المقابل اختصرت كثيرا تفاصيل الواقعة .

و من الطبيعي ان تحظى الواقعة باهتمام علماء و مؤرخي الشيعة – على تفاوت –  لا سيما من كتب منهم  في تاريخ أهل البيت عليهم السلام ، كالقاضي النعمان المغربي (ت 363) في شرح الأخبار و الشيخ الصدوق (ت381) في مجالسه  و الشيخ المفيد (ت 413) في كتاب الإرشاد  ومحمد بن فتال النيسابوري (ت508) في روضة الواعظين و الشيخ الطبرسي ( ت 548 )في إعلام الورى  و ابن شهراشوب (ت 588)  في المناقب و أبو الفتح الأربلي  (ت 693) في  كشف الغمة  و  غيرهم .

روايات أهل البيت (ع) :

تجدر الاشارة ان بعض المصادر التاريخية و الحديثية و الرجالية أوردت بعض الروايات  التي غطت مجريات  الواقعة – على تفاوت – . و لعل من  أبرز ما وردنا منها : رواية عمار الدهني (ت 133) عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( ت114)  و التي رواها الطبري في تاريخه  ، كما أوردها ابن حجر ( ت 852)  في التهذيب و غيره .   كما روى الشيخ الصدوق (ت381) في مجالسه  بسنده عن بهجة بنت الحارث بن عبدالله التغلبي عن خالها عبدالله بن منصور عن الامام جعفر الصادق ( ت148) . و الى جانب ذلك وردت في بعض المصادر الحديثية و التاريخية روايات ومعلومات متفرقة عن الامام علي بن الحسين زين العابدين (ت 95) الذي حضر الواقعة ، و عن الامام ابي جعفر الباقر و الامام جعفر الصادق عليهم السلام .

أهم المراحل التي مرت بها روايات المقتل :

مرت  جل الروايات الواصلة الينا عن مقتل الإمام الحسين   بعدة مراحل أهمها هي :

1-مرحلة الرواية الشفوية : و تمتد من حين وقوع الحدث  الى ما قبل الكتابة الأولى التي قام بها الأخباريون الأوائل مثل أبي مخنف ، أي من سنة 61 للهجرة الى سنة 127 للهجرة تقريبا أو أكثر بقليل .

 2-مرحلة التجميع و الكتابة الأولى : و هي التي قام فيها الأخباريون الأوائل  مثل أبي مخنف  بتجميع الأخبار و كتابتها و تصنيفها في مدونات عرفت بمقتل الحسين ، و تبدأ من حوالي سنة 127 للهجرة .

3-مرحلة الانتشار و التداول : و من المرجح انها حدثت في أواخر العصر الأموي وانتشرت في العصر العباسي . و في هذه المرحلة ظهرت كتب أبي مخنف و تمت عملية  النقل عنه سواء بإملاء مباشر منه أو بالنقل المباشر من كتبه أو بالطريقتين معا . و من الذين نقلوا عنه مباشرة تلميذه مثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي  ثم تناقلها  سائر الأخباريين كالواقدي و نصر بن مزاحم والمدائني  و غيرهم ممن نقلوا من كتب أبي مخنف أو هشام الكلبي ، و ضمنوا ما اختاروه منها  في كتاباتهم المتعلقة بالمقتل أو بالحوادث التاريخية الأخرى . و بهذا فقد انتشرت  كتبه و أخباره بين المؤرخين والمهتمين بها .

4-مرحلة التدوين و التبويب في الموسوعات التاريخية : و هي المرحلة التي قام فيها المؤرخون أمثال ابن سعد و البلاذري و اليعقوبي و الطبري و ابن أعثم و غيرهم  ، منذ أواخر القرن الثاني ، بعمليات المراجعة والفرز والانتقاء و التصنيف و التبويب لأخبار المقتل التي تلقوها من كتب سلفهم الأخباريين بدء بأبي مخنف و عوانة بن الحكم و هشام بن  السائب الكلبي و انتهاء بالواقدي ونصر بن مزاحم و المدائني و غيرهم  . و قام هؤلاء المؤرخون باختيار وانتقاء الحوادث  التي ارتأوا إدراجها  في كتبهم  أو موسوعاتهم التاريخية ، كل حسب منهجه و قناعاته .

ان دراسة المراحل السابقة تبين لنا ان أخبار واقعة كربلاء حظيت باهتمام مبكر من الأخباريين و المؤرخين ، حيث تم توثيقها كتابيا في فترة مبكرة  . ثم تناقلها  الأخباريون و المؤرخون عبر مصنفات مدونة على مدى زمني مترابط و متتابع  دون أي انقطاع . واتبعوا  في ذلك طريقة النقل المباشر من إملاء الشيخ لتلميذه أو النقل من الكتب  التي كانت متداولة و معروفة بينهم ، سواء عبر الإجازة أو الوجادة .

و لعل قليل من الحوادث التاريخية حظيت بميزة التوثيق المبكر كما حظيت واقعة كربلاء . حيث تم  نقلها من مرحلة الحفظ في الصدور و الذاكرة الشخصية و الرواية الشفوية  الى أخبار مدونة مكتوبة في فترة مبكرة .  و ذلك عبر مقابلة شهود عيان حضرو الواقعة وشاركوا فيها ،  وعبر مجالستهم و تحمل الأخبار عنهم عن طريق اللقاء و الاستماع  المباشر منهم ، أو بشكل غير مباشر ، و ذلك  بمقابلة من  عاصرهم و لقيهم و استمع اليهم  ، و كتابة  مشاهداتهم و شهاداتهم وأقوالهم و مروياتهم ثم القيام بتدوينها و تحريرها و توثيقها  . و يجدر الإلتفات الى ان معظم المدونات التاريخية التي بين أيدينا قد دونت في أدوار العصر العباسي ، و ان بعض الأخباريين و المؤرخين كانوا على صلة بالبلاط العباسي مما لا يبعد ان  له انعكاسه على اتجاهات الكتابة التاريخية . و اذا كان العباسيون على عداء مع الأمويين ، فإنهم لم يكونوا على وفاق مع أئمة أهل البيت عليهم السلام الذي كان ينظر إليهم كمنافسين و معارضين حقيقيين لهم . و لهذا من الطبيعي ان يراعي كثير من الأخباريين و المؤرخين المناخ السياسي السائد أثناء كتابتهم عن أهل البيت عليهم السلام . و مهما كانت العناية  التي نالتها واقعة كربلاء من التدوين المبكر و من تناقل حوادثها بين الأخباريين و المؤرخين عبر وسائل التناقل المدونة و غير المدونة و  بشكل متتابع  ،  فانه لا  يعني ان جميع ما وصلنا عنها من أخبار سالم عن النقد و متسق مع طبيعة الواقعة . لأن منطق الاجتماع الديني والسياسي و طبيعة الحوادث تحتم  وجود تأثير لعدد من العوامل الأيديولوجية والنزعات السياسية على الرواة الأوائل أو الأخباريين الأوائل أو المؤرخين الذين جاؤوا بعدهم . و لهذا لا بد من إخضاع الروايات لمنهج التحليل المنطقي و النقدي .

بقاء المصادر الأولية الى عصور تالية :

و قد وصلتنا  كثير من المصادر التاريخية التي دونت منذ القرن الثالث الى جانب بعض المقاتل ، و هي في متناول الباحثين و المهتمين بها .   و عن طريقها وصلتنا  جملة وافرة من مرويات و اخبار المدونات التاريخية التي سبقتها .

و رغم ان بعض المؤرخين كأبي حنيفة الدينوري و البلاذري و اليعقوبي و ابن أعثم و المفيد و غيرهم  لم يتقيدوا بالمنهج السندي و لم يلتزموا غالبا بذكر الرواة ، غير ان كثيرا من الحوادث التي أوردوها تتفق مع روايات أبي مخنف . مضافا الى تصريح بعضهم بالنقل عنه.  و لايبعد  ان نسخا من كتب  قدامى الأخباريين  امثال ابي مخنف و هشام الكلبي ، فضلا عمن جاء بعدهما كالواقدي و المنقري و المدائني ،  كانت  متداولة او –  على الاقل –  موجودة لدى بعض العلماء و  المؤرخين الى عدة قرون . فالبلاذري في أنساب الأشراف رغم ان معظم رواياته بصيغة الأسناد الجمعي “قالوا ” غير انه صرح باسم أبي مخنف عند حديثه عن اقتسام الرؤوس على القبائل  ، كما صرح باسم العباس بن هشام الكلبي حول ترقب أهل الكوفة مجيئ الإمام الحسين . و كان العباس معاصرا له حيث قال حدثنا العباس ، و العباس كان يحدث  عن والده ، كما نص الذهبي في السير .   و يلاحظ ان الطبري يروي أحيانا عن أبي مخنف بواسطة هشام الكلبي فيقول : حدثت عن هشام عن أبي مخنف ، و أحيانا يقول : قال هشام عن أبي مخنف .  و كثيرا ما يقول : قال أبو مخنف .  و الطبري لم يعاصر أبا مخنف و لا هشام الكلبي و لهذا يرجح بأنه نقل  من أبي مخنف  مباشرة أو من كتب تلميذه هشام الكلبي عنه أو من المصدرين . كما ان أبا الفرج الاصفهاني يروي عن أبي مخنف بطرق متعددة ، و في بعض الموارد يروي عنه  بواسطة نصر بن مزاحم و عن المدائني و غيرهما  ، و هذا يفيد بأنهما اعتمدا على كتب أبي مخنف  التي كانت لديهما .  كما يلاحظ انه روى روايتين بسنده عن حسين بن نصر عن أبيه  عن  جابر الحعفي عن الإمام أبي جعفر الباقر ، و لا يبعد ان يكون هذا من مقتل الأخير .

و قد  يستفاد من عبارة الشيخ المفيد في الارشاد  ، بأن بعض تلكم الكتب كانت موجودة عنده ، حيث قال ” فمن مختصر الاخبار التي جاءت بسبب دعوته (ع) و ما أخذه على الناس  في الجهاد من بيعته و ذكر جملة من أمره في خروجه و مقتله ، ما رواه الكلبي و المدائني و غيرهما من اصحاب السيرة  ..الخ  . كما ان ابن كثير المتوفى سنة 774 ذكر في تاريخه  صفة مصرع الحسين  ” مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن ، لا كما يزعمه اهل الشيع من الكذب الصريح و البهتان  ”   و روى عن ابي مخنف ، مصدرا كلامه ب قال أبو محنف ، و روى ابو مخنف  .  و في موارد يصدر كلامه ب قال هشام . و هذه التعبيرات تحتمل انه نقلها من تاريخ الطبري الذي كان أهم مصدر له في هذا المجال ، كما يحتمل ان يكون مقتل أبي مخنف أو تلميذه هشام موجودا عنده . من ناحية أخرى ، يلاحظ وجود بعض الفوارق في بعض المصادر حيث نجد ان البلاذري أورد أسماء مجموعة من الشهداء لم يرودها الطبري ، و أورد  ابن الأعثم بعض كلمات الإمام الحسين و بعض الأراجيز والرسائل السياسية لم يوردها غيره .  و هذا قد يدلل على  تفاوت نقل كل من البلاذري  و ابن أعثم و الطبري ، كل حسب قناعته و منهجه ،  من كتب أبي مخنف و هشام و من نقل عنهما من الأخباريين . و يحتمل هؤلاء انتقوا  منها ما اتفق مع رؤيتهم  ، بينما  وجدت تلكم التفاصيل لدى بعض الأخباريين المتأخرين الذين سبقوا الطبري مثل الواقدي و نصر المنقري  و المدائني و أمثالهم ، و قد اتيح لبعض المؤرخين الذين جاؤوا بعدهم أن ينقلوا منها ما لم ينقله الطبري في تاريخه .

و كيف ما كان ، فان  واقعة كربلاء حظيت باهتمام كبير من المعنيين بالأخبار في مختلف الأدوار ، حيث قاموا بتجميع أخبارها و كتابتها و توثيق حوادثها مبكرا . و تناقلها المهتمون  في مختلف المراحل حتى أدرجها المؤرخون في مصادر التاريخ العام  و غدت في متناول الجميع .

*جزء من بحث أوسع .

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً