د. الشيخ خنجر حمية(*)
1ـ دعوى الوقف، مشروعيّتها وخصوصيّتها
تندرج دعوى الوقف في السياق العام لفقه القضاء المتكفِّل لبيان أحكام الدعاوى والخصومات، وتحديد طرق حلّ المنازعات في الحقوق والتصرفات. وهي بسبب ذلك تنطبق عليها الأحكام العامة التي تنطبق على أيّ دعوى، بغضّ النظر عن حقيقة موضوعها، وشخصية أطرافها… من ذلك مثلاً: إنه لا بُدَّ لتحققها من توفر ركنها الذي لا قوام لها إلاّ به، وهو: القول الذي يطلب به الحق أمام القضاء، وضرورة وجود طرفيها: المدّعي؛ والمدَّعى عليه، ووضوح الحقّ المدّعى به، ووجوب إثباته بالبينات التي تؤكد صدق المدّعي في دعواه([1]).
لكنْ نظراً لكون الوقف تصرفاً مالياً خاصاً، يخرج به الواقف مالاً معيناً عن ملكه إلى حكم ملك الله تعالى، لتُصْرَف ثمرته على جهة معينة، ويحتاج إلى متولٍّ أو ناظرٍ يقوم بإدارته والنظر عليه وإنمائه ورعايته([2])، فلقد استوجب؛ احتياطاً لجانب الوقف، ورعاية لجانب المستحقين فيه ـ مَنْ وجد منهم ومَنْ لم يوجد ـ، أحكاماً خاصّة…؛ بعضها يتّصل بدعوى الوقف في ذاتها، وفي ما يتعلَّق بها من لوازم، لجهة تحديد الجهة المختصّة بالنظر فيها، وشخصية الخصم، وأثر مرور الزمن عليها، بقاءً أو سقوطاً؛ وبعضها يتّصل بطرف إثباتها ووسائله.
ولأجل ذلك كلّه حَسُنَ أن تُفْرَد دعوى الوقف ببحثٍ مستقلّ يستوفي كل جوانبها، ويحدّد ركائزها وأركانها، ويبيِّن أحكامها ويوضح تفصيلاتها…؛ ارتكازاً إلى الأحكام العامة للدعاوى بشكلٍ عام.
2ـ طبيعة المنازعات الوقفية، ومناشئها
ودعوى الوقف إنما يستوجبها التخاصم والتنازع، شأنها شأن غيرها من الدعاوى؛ إذ لا قوام لها ولا معنى من غير تنازع. لكن التنازع في الوقف متعدّد المناشئ والأسباب؛ فبعضه يتصل بعلاقة الواقف بالناظر؛ وآخر بعلاقة الناظر بالموقوف عليهم، سواء كانوا من الذرّية أم لا؛ وثالث بأصل ادعاء استحقاق النظارة؛ ورابع بعلاقة الناظر بالقاضي. وثمّة نزاع ينشأ بين الموقوف عليهم لناحية مقدار الاستحقاق وأشخاص المستحقين؛ وآخر بينهم وبين الورثة؛ وثالث ينشأ من الاختلاف حول تفسير شروط الواقف. من هنا كان لدعوى الوقف كذلك خصوصيتها وتميّزها عن غيرها من الدعاوى، مما استوجب أن تعالج كموضوعٍ له استقلاله وهويته الخاصة، وأن تبحث في إطار هذه الخصوصية.
3ـ حقيقة دعوى الوقف، ووسائل إثباتها
أوّلاً: دعوى الوقف، حقيقتها وأركانها
أـ الدعوى، لغةً واصطلاحاً
الدعوى لغةً اسمٌ من الادّعاء([3])، وهو المصدر، بمعنى أنها اسمٌ لما يدّعى، وهي مشتقة من الدعاء بمعنى الطلب([4])، وتُجْمَع على دعاوى، بالفتح والكسر([5]).
أما اصطلاحاً فقد عرَّفها الفقهاء بتعريفات كثيرة، تؤول في مجملها إلى معنى واحد، وهو أنها: قول مقبول عند القاضي يقصد به المدّعي طلب حقّ لنفسه قبل غيره، أو دفع حقّ عن نفسه([6]).
ولم يختلف كثيراً تعريف الدعوى في القانون عنه في اصطلاح الفقهاء، وإنْ اختلفت طريقة صياغته. ولقد بقي في مضمونه عبارة عن طلب شخصٍ أو جهة حقّه من آخر بواسطة المحكمة([7]).
ومهما يكن من أمرٍ فالدعوى واضحة عند الفقهاء، من حيث مفهومها وحدّها، ولا خلاف بينهم حول ذلك في الجملة، ولا تنازع. ودعوى الوقف ليست إلاّ مصداقاً محدّداً من مصاديق الدعوى، ينطبق عليها مفهومها، ويشملها شمول العامّ للخاص والكلّ للجزء…
ب ـ الجهة المختصّة في النظر في دعوى الوقف
كان القاضي في الدولة الإسلامية هو المخوّل بالنظر في الخصومات، والمسؤول عن فضّ النزاعات والحكم في المظالم… وهو الذي كانت له كذلك سلطة البتّ في الخلافات الناشئة حول الحقوق والتصرفات، لا يميّز عنده بينها بحَسَب طبيعتها، ولا اختلاف بحَسَب موضوعاتها، أو تعدّد أنواعها([8]).
ولقد كان النبي| يقوم بنفسه بادئ الأمر بمهمة القضاء، ويفصل في الخصومات، ويحكم في الناس بما أنزل الله عليه، في ما كانوا يختلفون فيه من قضاياهم، سواء منها ما يتصل بالحقوق أم بالتصرفات. وكان يوجه بعض أصحابه ويرشدهم لممارسته تحت نظره وبإشرافه. ولما اتّسعت دائرة الدولة في زمنه|، ثم في زمن الخلفاء من بعده، وتعاظمت المشكلات وتعقّدت، وأصبح الاحتكام إلى النبي| أو إلى الخلفاء أمراً متعذّراً، أو تكتنفه الكثير من الصعوبات، بات تعيين القضاة وتوزيعهم في الأمصار والأقاليم المتباعدة أمراً ضرورياً؛ تسهيلاً على الناس، ولأن ذلك يحقّق المقصد من تشريع القضاء، وهو تثبيت العدل، ومنع الظلم، وإيصال الحقوق إلى أصحابها، وإزالة أسباب التنازع والخصام. فنصب النبي| بنفسه مَنْ يتولّى مثل هذه المهمة، ممَّنْ تتوفّر فيهم شروط الأهلية والكفاءة، والورع والدين. وكذلك فعل الخلفاء من بعده، فنصبوا من القضاة مَنْ يثقون بورعهم وعلمهم، وبمعرفتهم الواسعة بالقضايا والمشكلات التي تعرض عليهم…، وبدينهم الذي يسمح لهم بالقيام بواجبهم وفق ما تقتضيه أحكام الشريعة ومبادىء العدالة.
ولقد كان يتوسّع عمل القضاة بتوسُّع أقطار الدولة الإسلامية من جهةٍ، وبتعقُّد المشكلات التي تعرض أمام القضاء وتشعّبها واتّساعها وبتعقُّد أمور الحياة ومشكلاتها من جهةٍ أخرى، فكان لا بُدَّ من تنظيم شؤون القضاء؛ ليواكب التطوُّر الذي كانت تتّجه نحوه مرافق الدولة ومؤسساتها من جهةٍ، وليواكب الحاجات المتجدّدة من جهةٍ أخرى. فأصبح القضاء شيئاً فشيئاً مؤسّسة لها نظامها الذي يكفل لها سلامة عملها، وقوانينها وتشريعاتها الواضحة التي كان يمدّها الاجتهاد الشرعي بما يكفل لها أن تقوم بدَوْرها على أحسن حال وأفضل صورة.
وممّا استوجبته التعقيدات الحادثة والنوازل تنويع الاختصاصات القضائية، لجهة أن القاضي الواحد مهما أوتي من علمٍ بالشريعة، وإحاطة بالأحكام، وخبرة بممارسة القضاء، ومهما كانت مؤهّلاته ومَلَكاته، ومهما اتّسعت معارفه وقدراته وطاقاته، فإنه يصعب عليه، بل يتعذّر، أن يكون قادراً على الفصل في خصومات تتنوّع مجالاتها، وتختلف ميادينها، وتتشابك أسبابها ومناشئها… وكان لزاماً والحال هذه على الدولة حينما توسّعت حاجاتها، وتعقّدت التزاماتها، وتعاظمت المشكلات التي تواجهها، أن تخصِّص لكلّ نوعٍ من أنواع المنازعات التي تنشأ في الاجتماع المدني اختصاصاً قضائياً محدّداً، تسنده إلى قاضٍ بعينه، يكون من مهامّه النظر فيه والتفرُّغ له… فنشأت الاختصاصات القضائية، والمحاكم المختصّة.
والملفت أن مثل هذا الأمر كان سابقاً ـ في البلاد الإسلامية ـ على شكل الدولة بمعناها الحديث، وباستقلال نظام القضاء عن السلطة السياسية استقلالاً تامّاً أو شبه تامّ… ولم تكن مبرّراته فقط أن يتمتَّع القاضي بحرّية النظر في الدعاوى وفق ما يقوده إليه علمه ونظره، وما يتوفّر أمامه من بينات وأدلة وقرائن، من دون أن يقع تحت إكراه سلطةٍ مرغمة، يكون منشؤه في العموم السلطة السياسية، بل كانت مبرّراته في الأساس ظروف التوسع في عمل القضاء، ممّا لم يكن يسمح لقاضٍ واحد بالنظر في جملة المشكلات والقضايا التي تواجهه. فكان الاختصاص القضائي في حقيقته تسهيلاً لمهمات القضاء، وتيسيراً على القضاة، ودفعاً باتجاه تكوين خبرات أكثر اتساعاً في ميادين محدّدة يكتسبها القضاء جرّاء تفرّغهم لقضايا بعينها، فيكونون بذلك أكثر قدرة على الإحاطة بما يتوفّرون على النظر فيه من القضايا والمشكلات.
ولقد كان لنشوء الدولة الحديثة، وتطوّر بناها وأنظمتها وقوانينها، وما رافق ذلك من إعادة صياغة للنظم؛ بغية مواكبة تطوّرات شؤون الحياة وتوسّع مجالاتها، أثرٌ بارز في نظام القضاء نفسه في البلاد الإسلامية، وخصوصاً بعد الاحتكاك القريب والتفاعل في مجمل الميادين بين المجتمع الإسلامي والمجتمعات الحديثة، فمسّت الحاجة إلى إعادة صياغة قوانين القضاء صياغة عصرية يكفل لها الاستجابة للمستجدّات وللنوازل، ويسمح لها بالنهوض بما يواجهها. وكانت أبرز محاولة في هذا السياق مجلة الأحكام العدلية الصادرة سنة 1293هـ، والتي حاولت الدولة العثمانية تطبيقها في مجمل الأقطار التي خضعت لسلطانها. وهي بالرغم من كونها اقتبست في معظم أحكامها من الفقه الحنفي، إلاّ أنها كانت تطمح في صياغتها إلى مواكبة تطوّر القوانين الوضعية في البلدان الأوروبية، سواء منها ما يتّصل بطرق التقاضي، أو ما يتصل بتحديد وظائف المحاكم واختصاصاتها، أو ما يتّصل بالقوانين الواجب تطبيقها في كلّ اختصاص قضائي([9]).
ولم تخرج مجلة الأحكام العدلية في موضوع الاختصاص عن آراء الفقهاء في هذا السياق، وقوانينها لم تكن إلاّ تطبيقاً لهذه الآراء التي تقضي بجواز تخصيص القضاء بنوعٍ خاصّ من الدعاوى..، كما بجواز تخصيصه بالزمان والمكان والمذهب.
ولقد كان يفترض هؤلاء أن لوليّ الأمر أن يخصّص قضاة متخصصين بالنظر في كل نوعٍ من أنواع الدعاوى، كأن ينصب قاضياً خاصاً للنظر في دعاوى النكاح وما يتعلق به، أو بالدعاوى الجنائية، أو التجارية…، إلخ.
وكان يجب اتّباع وليّ الأمر إذا خصّص القضاة بنوعٍ من الدعاوى. ولم يكن يجوز للقاضي مخالفته والنظر في ما لا يدخل تحت اختصاصه؛ لجهة أن لوليّ الأمر أن يحدِّد وظيفة القاضي، كما كان له أن ينصبه… فهو التزامٌ بما يحفظ للدولة نظامها العام، واتساق قوانينها، وسلامة بنيانها. وكان على القاضي المختصّ أن ينظر في الدعوى المعروضة عليه قبل الدخول في مضمونها؛ ليرى ما إذا كانت من اختصاصه أو لا، من غير أن يطلب الخصوم منه ذلك([10]).
وما ذهب إليه الفقهاء في خصوص هذا الموضوع جَرَت عليه الكثير من القوانين المدنية في البلدان الإسلامية فيما بعد، كما هو الحال مثلاً في العراق بعد الاستقلال، أو في القضاء المصري أو الكويتي([11])، والتي قسّمت المحاكم إلى أقسام، وجعلتها على درجات، ينظر كلّ قسمٍ منها بنوعٍ من الدعاوى، كالمحاكم النظامية، والمحاكم الشرعية، والمحاكم التجارية…، إلخ.
ولقد كانت دعاوى الوقف من اختصاص المحاكم الشرعية أوّل الأمر، وحُدِّد اختصاصها بالتالي: تختص بالنظر في دعاوى صحة الوقف والدعاوى المتعلقة برقبة المستحقات والمستغلات ـ يعني بالأوقاف التي جعلت غلتها ومنافعها لجهةٍ من الجهات، سواء كانت من العقارات، كالدُّور والأراضي والبساتين، أو من المنقولات، كالنقود والأدوات([12])، والتي هي الأوقاف الصحيحة ـ، والحجر على المدين والمفلس أو السفيه، ونصب الوصي أو القيِّم على الصغير والمجنون والمعتوه، وتحرير التَّرِكات([13])، والزواج والطلاق، والنفقة والحضانة.
لكنّ الكثير من القوانين المدنية في البلدان الإسلامية قلَّصت فيما بعد من اختصاص المحاكم الشرعية أو القضاء الشرعي في ما يتعلّق بقضايا الوقف. فأبقى أول الأمر على الدعاوى المتعلقة بأصل الوقف وإدارته ضمن اختصاص المحاكم الشرعية، من قبيل: النظر في التولية ورقبة الوقف وشروطه وأهلية الواقف والاستحقاق فيه وكيفية استغلال أعيانه. ومن ضمنها: الدعاوى المتعلقة بتحويل المستحقات الموقوفة بالإجارة بالمقاطعة([14])، وهي المستغلاّت الوقفية التي أُجِّرت لمدّةٍ غير معينة، وبأجرة معطّلة تعادل قيمة الموقوف على أن تصرف لعمارته، وبأجرةٍ زهيدة مؤجّلة يدفعها المستأجر للوقف سنوياً([15]).
لكنه تمّ فيما بعد استثناء النزاع حول هذه المستغلاّت بالإجارتين من اختصاص المحاكم الشرعية، لتصبح من اختصاص المحاكم المدنية([16])؛ لأن النزاع فيها لا يتعلّق بأصل الوقف ورقبته، بل بالتصرُّف بمحتوياته، كالأبنية والأشجار والمحالّ… وغيرها… مما هو موجودٌ في أراضي الوقف الصحيح.
ثم قلّصت بعض القوانين من اختصاص المحاكم الشرعية في ما يتعلّق بالدعاوى المتصلة بأصل الوقف وشروطه، حيث أشركت المحاكم المدنية البدائية في النظر في دعاوى رقبة الوقف، عند موافقة بعض المتخاصمين أو كافّتهم على ذلك. فلقد جاء في قانون المرافعات الشرعي من القانون العراقي لسنة 1929م ما نصّه: «لكلٍّ من المتخاصمين في رقبة الوقف أن يطلب إيداع الدعوى في المحاكم المدنية، وعلى القاضي أن يقرِّر توديع الدعوى وفق الطلب».
ونصّت المادة الثالثة من هذا القانون على أنه «لا تودع المحاكم المدنية إلى المحاكم الشرعية أيّ دعوى بسبب تعلّق رقبة الوقف إلاّ بموافقة كافّة المتخاصمين»([17]).
وهذا يعني أن دعوى الوقف لم تعُدْ من اختصاص المحاكم الشرعية وحدها، فلأحد المتخاصمين أن يطلب إيداعها في المحاكم المدنية. ويجب على المحاكم المدنية حينئذٍ أن تودعها بناء للطلب. أما لو أقيمت في المحاكم المدنية فلا يمكن إحالتها إلى المحاكم الشرعية إلاّ بموافقة الخصوم مجتمعين.
ثم توالَت التشريعات التي قلّصت من اختصاص القضاء الشرعي بالنسبة إلى دعوى الوقف؛ فجعلت بعض القوانين النظر في أمر تصفية الوقف الذري والمشترك مثلاً من اختصاص محاكم البداية، مع عدم جواز أن تنظر فيها أيّ محكمةٍ أخرى. فلو تم الاعتراض على صحّة الوقف مثلاً، وتعيين الأموال الموقوفة، وبيان صنفها الذري أو المشترك، وتنازع في شروط الواقفين من جهة الاستحقاق، وحصل خصام حول تصفية الأوقاف الذرية أو المشتركة وما يتفرَّع عليها، فإن النظر في كلّ ذلك إنما هو من اختصاص المحاكم المدنية([18]).
ولقد آلت مثل هذه التشريعات في كثير من البلدان الإسلامية إلى رفع يد المحاكم الشرعية شيئاً فشيئاً عن النظر في قضايا الوقف، ما يتصل منها بأصل الوقف وشروطه، أو ما يتّصل بفروعه، من قبيل: النظر في تثبيت شروط الواقفين من جهة الاستحقاق، وتعيين المستحقّين، ومقدار أسهمهم من الغلة، وتوفر شرائط الاستحقاق فيهم، وتحديد المستحقّ من غير المستحقّ في الأوقاف التي تجري تصفيتها([19])، ليصبح عند ذلك اختصاص المحاكم الشرعية مقصوراً على النظر في التولية على الوقف الذري، ونصب المتولّي وعزله ومحاسبته، وترشيح المتولّي في الوقف الخيري، وتنظيم حجج الوصايا والأوقاف، وتسجيلها وفق القانون، والمصادقة على الوكالات المختصّة بالدعاوى التي تُقام لديها([20]).
ج ـ الخصم في دعوى الوقف
الخصم في الدعوى عموماً
سبق أن قرَّرنا أن الأساس الذي تقوم عليه الدعوى هو الخصومة والتنازع، وأنْ لا موضوع لها من دون ذلك. والقاضي ينظر أول الأمر عند تقديم الدعوى إليه في تحديد الخصم، ليتحقق وجود مدَّعٍ ومدَّعى عليه، ليمكن أخذ الحق حينئذٍ ممَّنْ وقع له الحق من دون استحقاق، وإعطاؤه لصاحبه، ولأن تحديد المدَّعي والمدَّعى عليه يسهل الحكم، ويؤمن من الالتباس، ويعين على تحقيق العدل والإنصاف([21]).
ولأن المدّعي هو مَنْ يقع عليه عبء الإثبات في الدعوى فإن تحديده يسهِّل تحديد مكان إقامتها. والراجح عند الفقهاء، وهو المعمول به في القوانين المدنية، أن الدعوى تقام في موطن المدَّعى عليه، خصوصاً إذا كانت الدعوى تتعلَّق بحقٍّ في الذمة([22]).
وبغضّ النظر عن الخلاف في وسائل تحديد المدَّعي والمدَّعى عليه وطرائقه بين الفقهاء([23])، فإن ما عليه الاتفاق هو وجوب توفُّر شرط الصفة فيهما([24])، فالمدَّعي لكي يكون له حقّ المخاصمة يجب أن يكون له حقّ الادعاء الذي يترتَّب عليه تكليف المدَّعى عليه بالجواب والمخاصمة.
والمدَّعى عليه ليكون خصماً في الدعوى يجب أن يكون ممَّنْ يترتّب على إقراره حكمٌ، فإذا ترتَّب ذلك كان خصماً في الدعوى عند إنكاره، ويصحّ توجيهها إليه. وبعبارةٍ أخرى: يقال: إن الأصول المقرَّرة التي تنتظم تحتها الخصومة هي أن مَنْ ادعى على إنسان شيئاً فإنْ كان المدَّعى عليه لو أقرّ بالدعوى يصحّ إقراره ينتصب خصماً عند إنكاره، وإنْ كان لو أقرّ لا يصحّ إقراره لا ينتصب خصماً في إقامة البيّنة عند إنكاره([25]).
الخصم في الوقف
أما في دعوى الوقف فلقد اتَّفق الفقهاء على أن الخصم هو المتولّي، سواء صدرت الدعوى عن الوقف أو كانت عليه، وسواء كانت الدعوى متعلّقة برقبة الوقف أو بغلّته، وأن المستحق في الغلّة لا يكون خصماً، سواء كان مدّعياً أو مدَّعى عليه، ولو انحصر فيه الاستحقاق([26]). والأساس في ذلك هو أن ناظر الوقف أو متولّيه وكيل عن غيره، سواء كان هذا الغير هو المستحقّ في الوقف أم كان هو مَنْ أقامه ناظراً، كالقاضي أو الواقف، فهو يقوم خصماً في دعوى الوقف بناء على صحّة الوكالة([27]).
واستثنى الفقهاء من مسألة أن المستحقّ في الوقف لا يملك حقّ المخاصمة في الدعوى صوراً:
الأولى: أن يخاصم المستحقّ المتولي في دعوى يرفعها لإثبات أحقّيته في التولية، أو أنه من المستحقين في الوقف، وأن المتولّي لم يدفع له كلّ ما يستحقّ من الغلة، أو يُطالب من قِبَل المتولي بردّ ما أخذه من الغلة زيادةً على استحقاقه([28]).
الثانية: أن يوكل من الناظر أو المتولي في الخصومة المقامة من الوقف أو عليه، أو أن يوكل بجمع الغلات، أو المخاصمة في الدعاوى، لكنْ باعتباره وكيلاً لا مستحقاً([29]).
الثالثة: أن يأذن القاضي لأحد المستحقين بمخاصمة المتولي إذا كان منصوباً من قبل الواقف، وذلك بأن ينصبه متولياً مؤقّتاً، ويوكل إليه مهمة مقاضاة المتولي الأصلي، كمحاسبته على خيانة، أو طلب عزله؛ لعجزٍ أو تقصير([30]).
وسيأتي الحديث على هذه الاستثناءات في بحث صور التنازع في ما يأتي.
د ـ التقادم في دعوى الوقف
المقصود بالتقادم أن مرور الزمن على أداء الحقّ يمنع من سماع الدعوى. ولقد اتفق الفقهاء على أن الحقوق لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان، وسواء لم يطالب صاحب الحقّ بحقّه؛ لعذر أم خوف، أو من غير سببٍ موجب، وسواء تعلّق الحق بالذمة أم بعينٍ من الأعيان([31]). ولقد استدل لذلك بالكتاب والسنّة.
أما الكتاب فكقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ (البقرة: 188)، حيث فسَّرها ابن عباس رضي الله عنه بقوله: «هذا في الرجل يكون عليه المال، وليس عليه بينة، فيجحد، ويخاصم إلى الحكّام، وهو يعلم أن الحقّ عليه، وهو آثمٌ لمنعه»([32]).
وأما السنّة فكقول النبيّ|: «لا يبطل حقّ امرئ مسلم وإنْ قدم»([33]).
وذهب فقهاء المالكية ومتأخِّرو الأحناف إلى أن سكوت صاحب الحقّ عن حقه لمدّةٍ طويلة من الزمن، مع مقدرته على المطالبة به، وعدم وجود مانع شرعي ـ كالصغر والجنون أو الخوف من سلطانٍ قاهر ـ يمنعه من ذلك، ولم يكن بينه وبين المتصرِّف قرابة أو شركة في ميراث، دليلٌ على تركه له، أو أمارة على عدم أحقّيته، فيسقط حقّه بذلك. فلو أقام حينئذٍ دعوى ضد المتصرّف في ما يدّعي ملكه، أو في حقّ يدّعيه لنفسه، لا تقبل منه؛ لتكذيب الواقع والعُرْف لها، ولأن العادة تنفي مثلها([34]).
وكيف كان فلا ينافي الحكم بعدم سماع الدعوى بمرور الزمن الأصل الذي اتفق عليه، ودلت عليه النصوص، من أن الحق لا يسقط بالتقادم؛ إذ عدم سماعها لا ينفي أصل الاستحقاق في الواقع. فلو أقرّ المدَّعى عليه بالحقّ لزمه، ولا يجوز للقاضي عندها الامتناع عن الحكم للمدّعي بحجّة مرور الزمان([35]). نعم، لو أنكر المدَّعى عليه الحقّ، وتمسك بالتقادم، فلا يستطيع عندها المدَّعي تقديم بيّنته، ولو قدّمها لم تسمع منه حينئذٍ، وليس له طلب اليمين من خصمه([36]).
مدّة التقادم
وبالرغم من اتفاقهم على سقوط الحقّ بتركه وعدم المطالبة به، فلقد اختلفوا في المدّة الموجبة لذلك.
أما الأحناف فلهم في ذلك أقوال ثلاثة:
الأوّل: إنها ستّ وثلاثون سنة.
الثاني: إنها ثلاثون سنة.
الثالث: إنها ثلاث وثلاثون سنة([37]).
واختلاف الأحناف في الواقع ناشئ من اختلافهم في النظرة إلى طبيعة الحقوق، والظروف التي تحيط بها، والعلاقة بين المدّعي والمدّعى عليه.
ولقد اختارت مجلة الأحكام العدلية المقتبسة في معظمها من الفقه الحنفي الرأي الأوّل([38])، وبه أفتى الفقهاء الأحناف المتأخِّرون، وصار العمل بمقتضاه([39]).
أما المالكية فلهم في تحديد المدّة آراء عديدة، أبرزها رأي مالك، المنقول عنه في المدونة، وهو أن المدّة لا تحدّد بسنين مقدّرة، بل يترك أمرها إلى اجتهاد الحاكم([40]).
توقُّف التقادم وانقطاعه
والتقادم الموجب لعدم سماع الدعوى يمكن أن يتوقّف أو ينقطع. وهناك جملة أعذار توجب ذلك، أطال الفقهاء الحديث عنها. ونحن سوف نعرضها هنا على وجه الإيجاز.
والمقصود بالأوّل ـ أعني التوقّف ـ حصول شرط معتبر شرعاً يطرأ على المدّعي أو المدّعى عليه يمنع المدّعي من رفع دعواه، ويؤدّي إلى إسقاط مدّة وجود العذر من مرور الزمان الموجب لسقوط الدعوى. ومن هذه الأعذار:
ـ فقد الأهلية أو نقصها. كما لو كان صاحب الحقّ صغيراً أو محجوراً عليه؛ لجنونٍ أو سفه أو ما شابه ذلك، ولم يكن له وليّ يرعى شؤونه، فالمدّة التي تمرّ أثناء فقد الأهلية أو نقصها لا تدخل في حساب مدّة التقادم المانعة من سماع الدعوى، مهما قصرت تلك المدة أو طالت([41]).
ـ الغَيْبة. وهي من الأعذار التي توقف مرور الزمن. وهي عند الأحناف معتبرة في المدّعي والمدّعى عليه؛ أما عند المالكية فهي معتبرة في المدّعي فقط، دون المدّعى عليه([42]). وجوهر الخلاف هو أن المالكية يجيزون الحكم على الغائب، خلافاً للأحناف، الذين يشترطون في صحة الحكم حضور المدّعى عليه. واعتبار الغيبة عذراً مقيّدٌ بما لو كان ثبوت الحقّ لصاحبه في حالة غيابه، فلو ثبت في حال حضوره، وهو عالمٌ بذلك، ولم يدَّعِ، ثم غاب، فإن غيابه مدّةً لا يعتبر عذراً يوقف مرور الزمان([43]).
ـ التغلُّب، بأن يكون المدّعى عليه صاحب سلطة أو نفوذ أو سطوة، ويخشى المدّعي سطوته ونفوذه وسلطانه، ويخاف منه على نفسه أو حقّه([44]).
فإذا وجد عذرٌ من هذه الأعذار لا تعتبر المدّة التي قام فيها العذر ضمن الزمن المعتبر في التقادم.
هذا في ما يتعلّق بوقف التقادم.
أما قطعه فمعناه وجود سبب من الأسباب التي تؤدّي إلى سقوط المدّة السابقة عليه، وعدم اعتبارها في المدة المعتبرة في التقادم.
ومن الأسباب الموجبة للقطع ما يرجع إلى صاحب الحقّ أو المدّعي؛ ومنها ما يرجع إلى المدّعى عليه.
أما ما يرجع إلى المدّعي فهو المطالبة القضائية. والمقصود بها قيام صاحب الحقّ برفع دعوى إلى القاضي، الذي له صلاحية النظر فيها، على خصمه الشرعي، يطالبه فيها بحقّه، فإذا صنع ذلك اعتبر سبباً لسقوط التقادم، أعني للزمن الذي سبق المطالبة القضائية، حتّى لو ترك المدّعي دعواه قبل الحكم فيها([45]).
وأما السبب الذي يرجع إلى المدّعى عليه فهو إقراره بالحقّ الذي يدّعيه المدّعي، فإذا أقر به صراحةً انقطع التقادم. وعلل بأن تقييد القضاة بقبول الدعوى التي لم يمضِ عليها التقادم دون غيرها، مع أن الحق لا يسقط بمرور الزمان، إنما هو لمنع التزوير والاحتيال، ومع الإقرار ينتفي ذلك؛ وبأن الإقرار إذا كان يلزم القاضي بالحكم بموجبه حتّى عند مضيّ مدّة التقادم وانقضائها، فأَوْلى به أن يكون سبباً لقطع المدّة وإسقاطها.
ولا يظهر أن الإقرار المسقط يجب أن يكون في مجلس القضاء؛ فعبارة الفقهاء مطلقة في هذا الشأن. نعم، نقل ابن عابدين عن بعض شيوخه تقييده بذلك([46]). ولعل المقصود منه الإقرار الشفاهي، دون الكتابي، فلا يشترط فيه أن يكون أمام القاضي وفي مجلسه ـ وفي ذلك خلافٌ سيأتي عند الحديث على وسائل الإثبات في دعوى القضاء ـ.
فإذا ثبّت المدّعى عليه إقراره في ورقةٍ بخطّ يده أو إمضائه فهو قاطعٌ لمرور الزمن ومسقط للتقادم، وهو أداة إثبات كذلك إنْ لم يَمْضِ عليه زمانٌ جديد عن إبرازه أمام القاضي([47]).
ثانياً: وسائل الإثبات في دعوى الوقف
دعوى الوقف ـ كغيرها من الدعاوى ـ لا بُدَّ لإثباتها من بيِّنة يؤيّد بها المدّعي دعواه. والبيِّنة هي ما يبين به الحقّ ويظهر، وهي شرعاً الشهادة العادلة([48]).
والأدلة التي يثبت بها الحقّ في الدعوى بعضها محلّ اتفاق بين العلماء؛ وبعضها الآخر محلّ خلاف. ونحن لا يعنينا هنا الدخول في تفاصيل هذا الخلاف، وموضعها مباحث القضاء بشكلٍ عامّ. وما يعنينا هنا هو كونها أدلة إثبات في دعوى الوقف، وفي كيفية الاستفادة منها، ووجه تطبيقها، وشروط صحّتها وقيمتها.
ووسائل الإثبات في العموم هي: الإقرار؛ والشهادة؛ واليمين.
أـ الإقرار: معناه، حجيته، وأنواعه
أما الإقرار فهو إظهار مكلّف مختار ما عليه (لفظاً أو كتابة أو إشارة)، أو على موكِّله أو مولّيه أو مورّثه، بما يمكن صدقه؛ أو هو إخبار شخصٍ بحقٍّ لغيره على نفسه([49]). وهو حجّةٌ شرعاً، ثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل([50]). ومكانه إما مجلس القاضي أو خارجه.
والمتَّفق عليه بين الفقهاء أن الإقرار يتمّ أمام القاضي، وأنه هو المعوَّل عليه في الحكم؛ لانتفاء شبهة التزوير والتلفيق؛ ولأنه أمام مَنْ خُوِّل سلطة الفصل في الخصومات، فلا مناص من الاعتداد به واعتباره([51]).
وأما الإقرار خارج المحكمة فيفرَّق فيه بين نوعين:
النوع الأوّل: الإقرار الشفاهي. و للعلماء فيه رأيان:
الأوّل: إنه معتبر سواء كان في مجلس القضاء أم خارجه([52]). ويستدلّ([53]) لذلك بأن المدّعي يمكنه إثبات إقرار المدّعى عليه المنكر الذي وقع خارج مجلس القاضي بالبيِّنة، ومتى أثبته حكم له بمقتضاه، سواء كانت البيِّنة هي الشهادة، أو توجيه اليمين إليه بعدم الإقرار.
الثاني: إن الإقرار الشفهي لا يعوَّل عليه إلاّ إذا كان في مجلس القاضي؛ لأن الإقرار إخبارٌ بلا سبب للزوم المقرّ به على المقرّ، والإخبار يحتمل الصدق والكذب.
والذي عليه الفتوى عند المتأخِّرين هو الثاني، لا لأن الرأي الأوّل لا يعتدّ به، وخصوصاً مع قدرة المدّعي على إثبات إقرار المدّعى عليه بالبيِّنة أو باليمين؛ بل لسهولة التزوير في الشهادات على الإقرار الذي يحصل خارج مجلس القضاء؛ ولأنه لا يؤمن من أن يكون المدّعي قد لقّن الشهود ما ينبغي عليهم قوله. فالاحتياط للحقوق يقتضي أن تكون الشهادة في مجلس القاضي.
وأما النوع الثاني فهو الإقرار الكتابي. ولا خلاف بين العلماء ـ الذين يرَوْن صحة الإثبات بالخطّ ـ في جواز الإثبات بالإقرار الكتابي الواقع في غير مجلس القضاء، سواء كان بخطّ يد المقرّ أم بخطّ غيره وعليه توقيعه أو ختمه.
الإقرار بالوقف
وهو ما يعنينا هنا. والمتَّفق عليه بين العلماء أن الإقرار حجّة قاصرة على المقرّ، لا يتعداه إلى غيره… فإذا أخبر المقرّ بحقٍّ على نفسه نفذ عليه؛ وإنْ كان على غيره لم ينفذ على ذلك الغير، إلاّ بتصديقه؛ وإنْ كان الإقرار عليه وعلى غيره نفذ في حقّ نفسه وتوقّف بالنسبة إلى غيره.
والإقرار بالوقف إما أن يصدر عن الواقف؛ وإما أن يصدر عن غيره. وهو إما يكون الوارث للواقف؛ وإما أن يكون أجنبياً عنه له علاقة بالوقف، كواضع اليد على الموقوف؛ وإما أن يكون المتولّي. ولكلّ شقٍّ منها حكمه، الذي سنعرفه عند تفصيل صور المنازعات عمّا قريب.
ب ـ الشهادة: معناها، حجّيتها، أركانها، وشروطها
والشهادة هي إخبارٌ صادق بحقٍّ للغير على آخر بلفظ الشهادة في مجلس القضاء([54]). وهي حجّةٌ شرعية في إثبات الحقوق، دلّ عليها الكتاب والسنّة والإجماع والعقل([55]).
وركن الشهادة هو لفظ «أشهد»، دون غيره من الألفاظ، ولو أفادت معنى العلم واليقين([56])؛ لأن في لفظ أشهد معنى المشاهدة والقسم والإخبار في الحال. وهي معاني مفقودة في غيره. واشتراط لفظ «أشهد» هو مذهب الأحناف والشافعية والحنابلة. وللمالكية رأيان: الأوّل: يطابق رأي الجمهور، ذكره القرافي([57])؛ والآخر: ذكره ابن فرحون، وهو أنهم لا يشترطون لأداء الشهادة لفظاً بعينه، فيكفي فيها كل صيغة تدلّ على علم الشاهد بها، كالرؤية والتحقّق والسماع. وهو الراجح من مذهب الإمامية([58]).
وسبب أدائها هو إما طلب ذي الحقّ الشهادة، أو خوف الشاهد فوت حقّ صاحب الحق بأن لم يكن ذو الحقّ يعلم بحقّه([59]).
وتؤدّى الشهادة في مجلس القاضي. فلو أدّاها الشاهد في مكانٍ آخر فلا يلزم الحكم بها من قِبَل القاضي([60])؛ لأن الشهادة لا تصير حجّةً ملزمة إلاّ بقضائه، فتختصّ بمجلسه.
ومن شروط قبول الشهادة في حقوق العباد أن تكون هناك دعوى من قِبَل صاحب الحقّ أو وكليه؛ والسبب أن الشهادة متوقفة على مطالبة صاحب الحقّ، وهي لا تقوم إلاّ بدعوى([61]). وعلى ذلك اتّفاق الفقهاء.
أمّا بالنسبة إلى حقّ الله تعالى فلا يشترط لقبول الشهادة سبق الدعوى؛ وذلك لوجوب إقامتها على كلّ أحدٍ. ولما كان الوقف من الحقوق التي يرجح فيها حقّ الله فإن الشهادة فيها تقبل حسبةً، ولو بدون سبق دعوى من أحدٍ بذلك([62]). فمَنْ علم بوقفٍ وضع الغير يده عليه يشغله ويصرف رَيْعه في غير مصارفه وجب عليه المبادرة إلى الشهادة([63]).
وقبول الشهادة حسبةً منحصرٌ فيما لو كانت الشهادة على ثبوت أصل الوقف، أما لو كانت على إثبات الاستحقاق فيه مثلاً فلا تقبل بالاتفاق، ولا بُدَّ عندها من تقديم الدعوى ممَّنْ يدّعي الاستحقاق في الوقف، ويقدِّم الشاهد شهادته على ذلك عند طلبها أمام القاضي([64]).
واستثنى بعضُ فقهاء المالكية من وجوب المبادرة إلى الشهادة في أصل الوقف حتّى مع عدم وجود دعوى حالةَ الوقف على المعين([65])، فإنه لا يجب فيه المبادرة؛ لأن الوقف على معين يرجّح فيه حقّ الآدمي، فله حقّ إسقاطه حتّى بعد قبوله([66]).
ولقد اشترط الفقهاء كذلك لقبول الشهادة مطلقاً أن تكون مطابقة للدعوى ولو في المعنى. لكنّ ذلك شرط في ما يرجّح فيه حقّ العبد؛ لوجوب سبق الدعوى فيه على الشهادة. أما ما يرجّح فيه حق الله تعالى، كما في إثبات أصل الوقف، فلا؛ لأن تقدُّم الدعوى ليس شرطاً، فوجودها كعدمها، فلا يضرّ عدم التوافق([67]).
واشترط كذلك مطابقة الشهادة للشهادة، بأن يتطابق اللفظان في إفادة المعنى. وفصَّل أبو حنيفة بضرورة التطابق على الوضع، لا التضمين. واكتفى محمد وأبو يوسف، صاحبا أبي حنيفة، بالموافقة المعنوية، ولو بالتضمين([68]).
وفي الشهادة على الوقف، لو شهد شاهدان بأن داراً بعينها موقوفة، وزاد أحدهما شيئاً، أو زاد كلّ واحدٍ منهما شيئاً على الآخر، تبطل الزيادة، وتقبل الشهادة على ما اتّفقا عليه([69]).
فلو قال أحدهما: إن الواقف جعل الأرض صدقةً موقوفة على فلان، وشهد الآخر أنه جعلها على الآخر، قُبلت الشهادة على أصل الوقف([70])، وتكون الغلّة للفقراء والمساكين؛ لأنهما اتفقا على الشهادة بأنها صدقةٌ موقوفة، واختلفا في ما سوى ذلك، فيقبل ما اتّفقا عليه، ويردّ ما اختلفا فيه.
أما اختلاف الشهود في زمان الوقف ومكان صدور الوقف من الواقف وانعقاده فلا يؤثِّر في الشهادة في شيء؛ وذلك لأن الألفاظ تتكرَّر في كل زمان ومكان([71]). نعم، لو اختلفا في المحلّ الموقوف فإن ذلك يؤثِّر في الشهادة، فيبطلها([72]).
واشترط فقهاء الأحناف لقبول الشهادة في دعوى الوقف خاصّة ذكر الواقف والجهة الموقوف عليها. لكنّ اشتراط الواقف ليس محلّ اتفاق بينهم؛ فثمّة مَنْ فرَّق بين الوقف القديم والوقف الجديد، فاشترط ذلك في الثاني، دون الأول، فجوَّز الشهادة في الوقف القديم، ولو بدون ذكر الواقف؛ تغليباً لمصلحة الوقف.
ومنهم مَنْ حمل هذا الرأي على اختلاف الصاحبين مع أبي حنيفة في ملكية العين بعد وقفها. فأبو حنيفة يرى بقاء الملك على حكم ملك الواقف، فلا بُدَّ من ذكر الواقف لقبول الشهادة. ولما كانت الفتوى في الوقف على مذهب أبي يوسف، الذي يرى انتقال ملكية العين الموقوفة إلى ملك الله تعالى، فإن الراجح في مذهب الحنفية عدم اشترط ذكر الواقف في الشهادة على الوقف([73]).
الشهادة بالتسامع
ولقد اشترط الفقهاء أن تكون الشهادة مفيدةً لمعنى العلم واليقين، لا لمعنى الظنّ والتخمين. واستدلّوا له بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (الإسراء: 36)، وبما رُوي عن ابن عباس من أن رجلاً سأل النبيّ| عن الشهادة؟ فقال|: هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال|: مثلها فاشهد أو دَعْ»([74]).
وإذا كان الأصل في الشهادة اعتماد اليقين([75]) فإنه لا يجوز للمرء أن يشهد إلاّ بما علمه عن رؤيةٍ أو سماع([76]).
ولم يستثنِ الفقهاء من ذلك إلاّ حالات محدّدة، أجازوا فيها الشهادة بالتسامع.
وما يعنينا هنا هو اتّفاقهم على جواز الشهادة بالتسامع على أصل الوقف([77]).
واحتجّوا لذلك بأن السماع على الأول سماع من الشهود عليه، نحو: الإقرار والطلاق والعتق والوقف…، إلخ. فهو يشهد بما يسمع، والشهادة بالقول يشترط فيها الإبصار والسمع… وعلى الثاني: سماع من جهة الاستفاضة في ما يتعذّر علمه في الغالب إلاّ بذلك. وهذا هو الذي يسمّى الشهادة بالتسامع أو الاستفاضة.
وإذا كان الفقهاء قد اتّفقوا على صحة الشهادة على أصل الوقف بالتسامع، فإنهم اختلفوا في جوازه بالنسبة إلى شروط الواقف على ثلاثة أقوال:
الأوّل: عدم الجواز. وهو رأي الحنفية، والراجح من مذهب الشافعية، وهو رأي الحنابلة([78]).
الثاني: جواز الشهادة على الشروط إذا ذكرها مع شهادته بأصل الوقف. وهو رأي ابن الصلاح الشافعي([79]).
الثالث: الجواز مطلقاً. وهو الراجح من مذهب الحنابلة، حيث أجازوا الشهادة بالاستفاضة على أصل الوقف ومصرفه([80]).
ولقبول الشهادة بالاستفاضة في الوقف يشترط أن يقوم في نفس الشاهد صدق ما سمعه من الناس.
وعليه فلا يكفي أن يقول: سمعت الناس يقولون كذا، وإنْ كانت شهادته مبنيّة عليها، بل يقول: أشهد أن هذه الأرض وقف مثلاً على الفقراء والمساكين؛ لأنه قد يعلم خلاف ما سمع. فلو صرح بذلك لم تقبل شهادته على الأصحّ؛ لأن كلامه يشعر بعدم جزمه بشهادته، كما أن القاضي لا تزيده الشهادة هذه شيئاً على ما يعلمه، فلا يجوز له أن يحكم بها([81]). واستُثني من ذلك ما لو ذكره لتقوية أو حكاية حال، كما لو قال بعد شهادته: لم أعاين الوقف، ولكنْ اشتهر عندي أو أخبرني به مَنْ أثق به، فإن شهادته حينئذٍ صحيحة([82]).
الشهادة على الشهادة
ويقصد بها الشهادة غير المباشرة التي يشهد فيها الشاهد على ما سمعه من الشاهد الأصلي، الذي يشهد بما رآه أو سمعه بنفسه. وقد أجاز الفقهاء مثل هذه الشهادة استحساناً؛ للضرورة؛ ولقيام الحاجة إليها؛ لأن الأصل قد يتعذَّر عليه أداء الشهادة بنفسه أمام القاضي؛ لمرضٍ أو سفر أو نحو ذلك؛ ولأن الشهادة حقٌّ لازم، فيشهد عليها كسائر الحقوق؛ ولأنها طريق تظهر الحقّ، كالإقرار؛ ولأن عدم قبولها قد يفوِّت كثيراً من الحقوق على أصحابها([83]).
واستثنى جمهور الفقهاء ـ عدا المالكية ـ من ذلك الحدود والقصاص، فلا تقبل فيها الشهادة على الشهادة. وحجّتهم في ذلك أن الحدود تُدرأ بالشبهات([84]).
أما المالكية فيرَوْن جوازها في إثبات أيّ حقٍّ من الحقوق، سواء كان ذلك حقّ الله أم حقّ الناس([85]). هذا في العموم.
وأما في الوقف فلقد أجاز الفقهاء إثباته بالشهادة على الشهادة، سواء في ذلك أصله أم شرائطه. وقيَّده الشافعي في الوقف على الجهات العامة([86]). والأوّل هو الراجح.
وعلى الشاهد أن يؤدّي الشهادة على الصفة التي تحملها، فيقول: أشهد أن فلاناً يشهد أن الأراضي الفلانية موقوفةٌ من قِبَل فلان على الفقراء والمساكين، أو على أولاده…، إلخ([87]).
ج ـ اليمين، والنكول عنها
اختلف العلماء في اعتبار اليمين أو النكول عنها طريقاً من طرق الإثبات في القضاء.
معنى اليمين اصطلاحاً
واليمين في الاصطلاح: حلف بالله تعالى بفعل شيءٍ أو تركه([88])، أو هي قسم بالله تعالى يصدر من أحد المتخاصمين على صحّة دعواه أو عدم صحتها([89]).
ولا خلاف بين العلماء في وجوب توجيه اليمين إلى المدّعى عليه المنكر إذا طلبها المدّعي عند عجزه عن إثبات دعواه، أو تنازله عن تقديم البيِّنة. واستدلّوا له بقول النبي|: «البيّنة على مَنْ ادَّعى، واليمين على مَنْ أنكر»([90]).
حجّيته واعتباره
وإذا كان الفقهاء قد اتّفقوا على وجوب توجيه اليمين إلى المدّعى عليه، فإنهم اختلفوا في اعتبار اليمين طريقاً من طرق القضاء على قولين:
الأوّل: إن اليمين طريق من طرق القضاء، ينقضي بأدائها الحقّ، وتقطع الخصومة. فإذا وجّه المدّعي اليمين إلى المدّعى عليه، وحلف، رُدَّت الدعوى؛ وذلك لأن المدّعي بتوجيهه اليمين إلى المدّعى عليه قد تنازل عمّا سواها من الأدلة. وينبني عليه أنه إذا أقام المدّعي بيّنةً على ما حلف عليه المدّعى عليه المنكر لم تسمع. وهذا هو مذهب المالكية والظاهرية والإمامية، وقولٌ مهجور للأحناف([91]).
الثاني: عدم اعتبار اليمين طريقاً من طرق القضاء، بمعنى أنه لو حلف المدَّعى عليه فإن ذلك لا يبطل حقّ المدّعي في إقامة دعوى جديدة عند ظهور البيِّنة([92]). لكن الذي يرجّح القول الأول أنه يسدّ باب التنازع، ويحسم الخصام الذي قد يتجدَّد بترك المدّعى به في يد المدَّعى عليه، مع عدم إبطال حقّ المدّعي في البحث عن وسائل يثبت بها ما يدّعيه من حقٍّ، ممّا يفتح أمامه باب التزوير والاحتيال.
معنى النكول
أما النكول فهو في الاصطلاح الامتناع عن اليمين إذا وُجِّهت من القاضي إلى المدّعى عليه المنكر، بناءً على طلب المدّعي([93]).
حجّيته
ولقد اختلف العلماء في حجّية النكول، كاختلافهم في حجّية اليمين، وتنازعوا في اعتباره طريقاً للإثبات أو لا، على ثلاثة أقوال:
الأول: إنه طريق من طرق الإثبات، فيحكم على المدّعى عليه إذا نكل عن اليمين الموجّهة إليه إذا طلبها المدّعي في مجلس القضاء. وهو مذهب الأحناف([94])، وإحدى روايتين عن أحمد، وهو الذي اختاره أتباعه([95])، وهو الراجح من مذهب الإمامية([96]).
واستدلّوا له بجملةٍ أخبار، منها: الخبر السابق عن النبي|: «البيّنة على المدّعي، واليمين على المنكر»، بتقريب أنه| قسّم الحجّة، فجعل البيِّنة في جانب المدّعي، واليمين في جانب المنكر، والقسمة تنافي الشركة([97]). مضافاً إلى ما ورد منه عن الصحابة في أقضيتهم. وهو كثيرٌ.
الثاني: إن النكول وحده لا يعتبر طريقاً، بل لا بُدَّ من يمين المدّعي، فإنْ حلف قُضي له، وإنْ نكل لا يُقضى له بشيءٍ، ورُدَّتْ دعواه؛ لأن نكول المدَّعى عليه يحتمل أن يكون لأجل اشتباهٍ عنده، أو لأجل التورُّع عن اليمين الكاذبة أو الترفُّع عن اليمين الصادقة. وهو مذهب الشافعي([98]) ومالك([99])، وصوَّبه أحمد([100])، وهو أحد الرأيين عند الإمامية([101]). وعمدة ما استدلّ به هؤلاء هو ما رُوي من أن النبيّ| ردّ اليمين على طالب الحقّ([102]).
الثالث: إنه لا يقضى للمدّعي بنكول المدّعى عليه، ولا تردّ اليمين على المدّعي، بل يجبر المدّعى عليه على اليمين. وهو مذهب الظاهرية([103])، ورأي الزيدية([104]). قال في المحلّى: «فإنْ لم يكن للطالب بيّنة، وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها، أحبّ أم كره. ولا يقضى عليه بنكوله في شيءٍ من الأشياء أصلاً، ولا تردّ اليمين على طالب البينة». واستدلّ له بعدم وجود دليلٍ من القرآن، ولا من السنّة، ولا من الإجماع، على القضاء بالنكول، ولا باليمين المردودة. والنبيّ| قال: «بيّنتك أو يمينك ليس لك إلاّ ذلك». قال في المحلّى: «فصحّ يقيناً أنه لا يجوز أن يعطى المدّعي بدعواه دون بيِّنة، فبطل بهذا أن يعطى شيئاً بنكول خصمه، أو بيمينه إذا نكل خصمه. وصحّ أن اليمين على المدّعى عليه، فوجب أن لا يعطي المدّعي يميناً أصلاً…»([105]).
ولليمين شروط لا مجال هنا لذكرها. هذا في اليمين بشكلٍ عام.
أما في خصوص الوقف فإنه لما كان المتولّي على الوقف هو الخصم في الدعوى المقامة من الوقف أو عليه فإن له صورتين: أن يكون مدّعياً، وأن يكون مدّعى عليه. وفي كلتا الصورتين تطبَّق القواعد الكلية الخاصة بالمسائل التي توجّه فيها اليمين على المدّعى عليه، والتي لا تتوجّه اليمين، وهي([106]):
ـ كلّ موضع إذا أقرّ المدّعى عليه يكون ملزماً، فإذا أنكر تلزمه اليمين.
ـ كلّ شخص يقرّ بشيء لا يجور إقراره به، فلا تلزمه اليمين في حالة الإنكار.
وسوف نرى هاتين الصورتين للمتولّي من خلال تطبيق القاعدتين السابقتين في استعراضنا لصور النزاع في ما يلي:
1ـ صور المنازعة في الوقف
أوّلاً: المنازعة بين الناظر (المتولّي) وباقي جهات الوقف
أـ تعيين الناظر
إذا شرط الواقف ناظراً يقوم بتدبير شؤون الوقف ورعايتها والسهر عليها وتنميتها لزم، وكان أميناً على ما في يده من مال الوقف. ولقد نصّ الفقهاء على أنه يأخذ حكم الوكيل في حياته، وحكم الوصيّ بعد موته.
وكون الناظر وكيلاً ليس محلّ خلاف بين الفقهاء، بل الخلاف في مَنْ هو وكيل عنه؟ أهو القاضي أو الواقف، كما هو مذهب أبي يوسف، أو أنه المستحقّون، كما هو رأي محمد بن الحسن؟([107]).
ولو لم يكن ثمّة ناظر بشرط الواقف فلقد جعل الفقهاء حقّ تعيينه للقاضي، والأَوْلى أن يولّي في النظر مَنْ هو أهلٌ له من ذرّية الواقف أو أقاربه، لكنّه لو ولّى من غيرهم صحّت توليته ونفذ تصرّف مَنْ ولاّه، حتّى لو كان فيهم مَنْ هو أهل([108]).
ولقد وضع قانون الوقف في مصر مثلاً قيوداً على تولية المحكمة للناظر، تقتضيها المصلحة، وهي كالتالي:
ـ إذا كان الوقف خيرياً، كالمسجد والمشفى، فعلى المحكمة أن تولي الناظر مَنْ شرط له الواقف ذلك؛ فإنْ لم يوجد مَنْ يستحقّ النظر بشرط الواقف فعلى المحكمة أن تولّي مَنْ يصلح له من الذرّية والأقارب؛ فإنْ لم يوجد منهم مَنْ يصلح لذلك فعلى المحكمة أن تولّي ذلك وزارة الأوقاف. وعلَّل ذلك بأن الوقف الخيري بمثابة الأموال المخصّصة للنفع العام؛ لأنه جعل ريعه كهبة برّ عام([109]).
أما في الوقف الأهلي فإنْ كانت أعيانه مقسومة، بحيث كان لكلّ مستحقّ نصيب مفرز، وجب على المحكمة إقامة كلّ مستحقّ ناظراً على حصته متى كان أهلاً للنظر، وافق ذلك شرط الواقف أو لا، وهو مذهب الحنابلة؛ فإنْ لم يكن أهلاً للنظر قام وليّه مقامه. وهو ما أخذ به قانون الوقف([110]).
وأما إذا لم تكن الأعيان مقسومة، بأنْ لم يكن لكلّ مستحقّ حصّة مفرزة، فعلى المحكمة أن تولّي ناظراً واحداً فقط؛ لأن تعدّد النظّار منشأ يضعف استغلال الأعيان الموقوفة، وهو يؤدّي إلى الإضرار بمصالح المستحقّين، أو أن تجعل كل ناظر مختصّاً بقسمٍ من أعيان الوقف، يستقلّ بإدارته ويكون مسؤولاً عنه. وعلى المحكمة أن تولّي ناظراً من بين المستحقين عندما تكون الأعيان غير مفرزة، ما دام يوجد فيهم أهلٌ للنظر. وإذا قضَت الضرورة بتولية أجنبيّ؛ لفقدان الأهلية في المستحقين، كانت توليته مؤقّتة… ثم إذا وجد عندها من المستحقين مَنْ تتوفّر فيه شروط الأهلية تقرِّر المحكمة إنهاء ولاية الأجنبيّ…
وعلى المحكمة أن تأخذ برأي المستحقّين في أمر تولية الناظر، سواء كان من المستحقين أم كان أجنبياً.
وما عليه العمل الآن في القانون المدني أن يتبع شرط الواقف كلما وجد من المستحقين مَنْ هو أهل، سواء كان الوقف خيرياً أم أهلياً، ولا تنتهي ولاية الناظر الأجنبيّ عند وجود مَنْ هو أهل من المستحقين، إلاّ إذا لم يكن مولى بشرط الواقف([111]).
ب ـ مسؤولية الناظر
والناظر حينما يؤدّي أعمال النظارة فهو يؤديها متفرّداً، لا يشاركه فيها أحد، ولا يباشرها غيره إلاّ بإذنه وموافقته([112]).
وبما أن الأوقاف من المصالح العامة، أو تؤول إليها، كان لا بُدَّ من متابعة أعمال الناظر ومراقبتها؛ منعاً للخيانة أو الاستغلال، أو سوء التصرّف والتدبير. ولقد أوكل الفقهاء إلى القاضي مهمّة المراقبة والمتابعة والإشراف([113])، والتأكّد من موافقة تصرفات الناظر وأعماله للأحكام الشرعية ومصلحة الوقف، ثم جعلوا له كذلك حقّ محاسبته وتضمينه ما يفوته على الوقف من مالٍ…، أو عزله إنْ ظهر ما يوجب ذلك([114]). فالقاضي إذن بمثابة ناظر عامّ، ينظر في مجمل الأوقاف، ويكون نظره عليها نظر مراقبة ومحاسبة، لا نظر تصرُّف([115]).
وقد يراقب القاضي أعمال الناظر بنفسه، ويشرف عليها([116])، أو يضمّ إليه ثقة أميناً، سمّاه الأحناف ناظر الحسبة([117])، وهو يكون في حالات ثلاثة:
1ـ أن لا يقوم الناظر بأعمال الوقف كما يجب، ويقصّر أو يفرط في ما تقتضيه وظيفة النظارة([118])، فيعين القاضي معه ثقةً أميناً يعينه من خلالها على أداء مهامه. فهل يستقلّ حينها الناظر بالتصرّف أو أنه لا يستقلّ، بل لا بُدَّ له من الرجوع إلى رأي الثاني، فلا يتصرّف إلاّ بإذنه؟([119]) ذهب الأحناف إلى الأول([120])؛ وإلى الثاني ذهب المالكية([121]) والشافعية([122]) والإمامية([123]).
2ـ إذا طعن بعض الناس بالناظر واتّهموه بالخيانة، من دون بيّنة على ذلك، فللقاضي أن يضمّ إليه ثقةً أميناً يراقبه، ويشاركه في النظارة، ولا يجوز عزله بمجرد ذلك من غير خيانةٍ ظاهرة([124]).
وإذا ضمّ القاضي ثقةً إلى الناظر رجع الأخير إلى رأيه في أعمال النظارة، ولا يتصرّف إلاّ بإذنه([125]).
3ـ إذا جعل الواقف النظارة لفاسقٍ، أو لعدلٍ ففسق، ضمّ القاضي إليه أميناً ثقةً؛ جمعاً بين حقّين: العمل بشرط الواقف؛ وحفظ الوقف([126]).
ج ـ المنازعة بين المتولّي من جهةٍ والقاضي والمستحقّين من جهةٍ أخرى
ولما كان الناظر أميناً على ما في يده من أموال الوقف فهو مسؤولٌ عما يقوم به من تصرّفات. وإذا كان للقاضي أن يشرف على أعمال الناظر وتصرفاته، وأن يراقبه ويحاسبه على إخلاله بوظيفته…، فلقد جعل الفقهاء كذلك للمستحقّين حق محاسبته، ومخاصمته إذا كانوا معيّنين، ولهم حقّ مطالبته أمام القضاء ببيان ما استفاده الوقف من غلّة، ووجوه التصرُّف التي اتبعها([127]).
واستدلّوا لذلك بأن النبي| كان يحاسب عامله على الصدقة، مع أن له ولاية صرفها، والمستحقّ غير معين، فبالأَوْلى إذا كان معيناً([128])؛ ولأن المستحقين المعينين يملكون منافع الوقف وغلاته، والناظر إنما يتصرّف في ما يملكون، فلهم محاسبته ومساءلته([129]).
فللمستحقّ حقّ المخاصمة حينئذٍ في الوقف ومنازعة المتولّي، مع أنه ليس خصماً في الدعوى، وإنما الخصم هو المتولّي. ويقرِّر الفقهاء صورتين لذلك:
1ـ أن يخاصم المستحقّ المتولّي في دعوى يرفعها لإثبات أحقّيته في التولية، أو أنه من المستحقين في الوقف، أو أن المتولّي لم يدفع له كلّ ما يستحقّه من الغلة، أو يطالب من قِبَل المتولّي بردّ ما أخذه من الغلّة زيادة على استحقاقه([130]).
2ـ أن يأذن القاضي لأحد المستحقّين في الوقف بمخاصمة المتولّي إذا كان المتولّي منصوباً من قِبَل الواقف، وذلك بأن ينصبه متولياً مؤقّتاً، توكل إليه مهمة مقاضاة المتولّي الأصلي، كمحاسبته على خيانة، أو طلب عزل؛ لعجزٍ أو تقصير في إدارة الوقف([131]).
والمتولّي في كلّ الأحوال إما أن يكون مدّعياً أو مدّعىً عليه.
وإذا كان مدّعياً فإنْ أمكنه إثبات دعواه بالبينة فهو؛ وإلا فله تحليف المدّعى عليه. ولا يملك المدّعى عليه ردّ اليمين، ويقضى عليه بنكوله([132]). ولو ادعى الناظر الأمين الصرف على المستحقّين، وأنكروا، فإنه يقبل قوله في ما يدّعيه بلا بيِّنة؛ لأنه من جملة عمله في الوقف([133])؛ ولأنه أمين، والأمين يقبل قوله إذا ادّعى إيصال الأمانة إلى مستحقّيها. وهل يحلف؟ اختلف الأحناف، والأغلب عندهم أنه يحلف([134])؛ وذهب آخرون إلى أن لا يحلف.
وإذا كان مدّعىً عليه فعلى المدّعي إثبات دعواه على المتولّي بالبيِّنة؛ فإنْ عجز فهنا حالتان:
الأولى: إذا كانت الدعوة متعلّقة بأجرٍ ولم يدّع بوقوعه من قبل المتولّي نفسه، فلا توجه اليمين إلى المتولّي. كما أن نكوله لا يعتبر سبباً للحكم؛ وذلك لأن النكول عن اليمين إما أن يكون بذلاً أو إقراراً، وكلا الأمرين لا يملكهما المتولّي في حقّ ما سلّط عليه شرعاً([135]).
الثانية: إذا كانت الدعوى ناشئة عن تصرُّفٍ واقع من قِبَل المتولّي نفسه فإن الفقهاء يرَوْن توجّه اليمين إليه، وإذا نكل حكم عليه بنكوله؛ لأن اليمين متعلقة بفعل نفسه، سواء كان الحقّ المدّعى من قِبَل المستحقين، كما هو موردنا، أو كان من قِبَل أجنبيّ، كما لو ادّعى شخصٌ على المتولّي طالباً تسليمه دار الوقف التي استأجرها منه، وأنكر المتولّي ذلك([136]).
ولا يملك المتولّي في كلّ حالات الادّعاء حقّ الإقرار أو تصديق المدّعي، سواء كان الإقرار متّصلاً بأصل الوقف أو بغلّته ومنافعه؛ لأنه ليس خصماً أصيلاً في الدعوى، بل وكيل عن غيره([137]).
فلو ادّعى شخصٌ الاستحقاق في الوقف، أو أن له زيادة في الغلة هي من حقّه، فليس له أن يقرّ له، ولا يعتدّ بإقراره.
ولقد استثنى الفقهاء من ذلك حالتين:
الأولى: إذا ادّعى عليه بفعلٍ فعله بنفسه، كما لو أجّر داراً للوقف، ثم حدث نزاعٌ بينه وبين المستأجرين، فإنه يملك الإقرار بالعقد.
الثانية: أن يكون إقراره موافقاً لشرط الواقف فإن إقراره صحيحٌ، كما لو أقر متولّي الوقف في دعوى مقامة ضدّه من قِبَل شخصٍ يدّعي استحقاقاً له في الغلة باعتباره من ذرّية الواقف الموقوف عليهم، وأن شرط الواقف يقتضي إعطاءه حصة المتوفّى إلى ذرّيته، واعتراف المتولّي بالدعوى، وكانت الوقفية تحتوي على هذا الشرط، فإقراره معتبرٌ، ولا يلتفت إلى إنكاره بعد ذلك([138]).
المنازعة بين المتولّي والقاضي
قلنا: إن للقاضي محاسبة الناظر، سواء اتهمه أم لم يتهمه؛ لأنه ناظر عام يرعى شؤون الأوقاف، ويشرف عليها، ويرقب أعمال النظّار والمتولّين([139]).
ولقد اختلف الفقهاء في كيفية محاسبة القاضي للناظر، وقبول قوله، على ثلاثة أقوال:
القول الأوّل: للحنفية([140]) والمالكية، حيث فرّقوا بين كون الناظر أميناً وبين كونه غير أمين.
فقال الأحناف: لو كان أميناً معروفاً بذلك اكتفى القاضي منه بالإجمال في بيان تصرّفاته في الوقف وكيفية صرف الغلّة، ومصارف الوقف المختلفة، من غير أن يجبره على التفصيل. ويقبل قوله بلا بيِّنة في صرف غلّة الوقف في ما لا يكذّبه الظاهر([141]). ثم فصَّلوا في قبول قول الناظر في حالة الإنكار بين إنكار المستحقّين الصرف لهم وبين إنكار أرباب الوظائف الصرف لهم…
فلو ادّعى الصرف على المستحقين قُبل قوله بلا بيِّنة. وهل يحتاج إلى يمينٍ؟ ذهب بعض الأحناف إلى ذلك؛ والأكثر على عدم تحليفه([142]).
ولو ادّعى الصرف على أرباب الوظائف فلقد اختلف في قبول دعواه على قولين:
الأوّل: قبول دعواه؛ لأنه أمين([143]). وهو قول أغلب الأحناف.
الثاني: إنه لا يقبل قوله؛ لأن ما يأخذه أرباب الوظائف من قبيل: الأجرة… وهو قول أبو السعود([144]).
ولقد ذكر الأحناف حالةً يحلف فيها الناظر الأمين، وهي فيما لو اتّهمه القاضي، وهو يحلفه على كلّ حال، سواء ادّعى عليه شيئا ًمعلوماً أو غير معلوم([145]).
وإذا كان الناظر غير أمين فإن القاضي لا يكتفي منه بالإجمال، ويجبره على تقديم حساب بالتفاصيل؛ فإنْ امتنع أو ماطل هدّده وخوّفه؛ فإنْ قدّم الحساب؛ وإلاّ اكتفى القاضي منه باليمين([146]). ولقد ذكر الأحناف حالات يطالب فيها الناظر بالبيِّنة، ولا يُكتفى فيها بمجرّد قوله أو يمينه، وهي:
1ـ إذا ظهرت خيانته فإنه لا يصدق قوله، ولو بيمينه([147]).
2ـ إذا ادّعى الناظر أمراً يكذّبه الظاهر فلا يصدَّق قوله، ولو بيمينه([148]).
3ـ إذا اتّصف بما يخالف الشرع من الصفات، كما لو ظهر فسقه، فلا يقبل قوله إلاّ ببيِّنة([149]).
4ـ إذا كان الناظر مفسداً مبذِّراً. وبه أفتى أبو السعود([150]).
وذهب المالكية إلى أنه إذا اشترط الواقف في أصل الوقف أن لا يصرف الناظر شيئاً إلاّ بمعرفته فإن الناظر لا يصدَّق في ما ادّعاه من صرف الغلة، وإنْ كان أميناً، إلاّ ببيِّنة؛ عملاً بشرط الواقف. فإنْ لم يشترط الواقف ذلك فإن الناظر يصدَّق بلا يمين في ما ادّعاه من صرف الغلة إنْ كان أميناً؛ فإنْ لم يكن أميناً أو اتَّهمه([151]) القاضي فإنه لا يصدَّق إلاّ بيمين.
القول الثاني: للشافعية، الذين فرّقوا بين كون الموقوف عليهم معينين وبين كونهم غير معينين. فلو ادّعى الناظر صرف الغلة لهم، وكانوا معينين، فلا يصدَّق، والقول قولهم في عدم الصرف، ولهم مطالبته بالحساب.
وإنْ كانوا غير معينين فإنه يصدَّق في دعوى الصرف. وللقاضي مطالبته في أوجه الوجهين، وإنْ اتَّهمه حلفه([152]).
القول الثالث: للحنابلة، حيث فرَّقوا في محاسبة الناظر بين كونه متبرّعاً وبين كونه غير متبرّع. وعلى الأول القول قوله مع يمينه؛ وعلى الثاني لا يقبل قوله إلاّ ببينة.
وعلِّل الأول بأنه قبض المال لنفع مالكه فقط، فيقبل قوله، كالوصيّ والمودع المتبرّع.
وعلَّلوا الثاني بأنه قبض العين لحظةً، فلا تقبل دعواه إلاّ ببينة([153]).
ولقد قرّر قانون الوقف المصري مسؤولية الناظر جنائياً إذا اختلس مالاً من أموال الوقف أو بدَّده أو أساء استعماله؛ لأن يده يد وكالة عن المستحقين، فتسري عليه أحكام الوكيل، ويسأل جنائياً عن فعله([154])، ولا يقبل قوله في الصرف وفي تسليم الغلة للمستحقين إلاّ بسندٍ كتابيّ. ولو مات مجهلاً مالاً ضمن من تركته، وكان ورثته مسؤولين عنه، ولو قصَّر في المحافظة على أعيان الوقف أو غلّته ضمن.
ولم يستثنِ القانون من ذلك إلاّ حالتين:
الأولى: إذا كان تصرّفه ممّا جرى العُرْف به بعد أخذ سندٍ به، كصرف ثمن على الفقراء أو إطعامهم.
الثانية: إذا كان متطوّعاً ولا أجر له على أن يكون تقصيره يسيراً لا يعتدّ به([155]).
ثانياً: المنازعة في الاستحقاق في الوقف، وتفسير شرط الواقف
من صور النزاع والخصومة في الوقف ذاك الذي يكون منشؤه دعوى الاستحقاق. وهو إنما يوجد عند عدم ذكر الواقف صراحةً مستحقين بأعيانهم، واكتفائه بألفاظ من قبيل: ولدي وأولادي، فلا يعرف أنه هل قصد من ولده أو أولاده ما يشمل أولاد الأولاد كذلك وما يشمل أولاد الظهور وأولاد البطون؟ وهل قصد أن يدخل أولاد الأولاد مع الأولاد في الشركة عند موت آبائهم، فيشاركون أعمامهم في الاستحقاق؟
وعلى أيّ حالٍ فلو كان الواقف موجوداً فالقول قوله في تحديد مقصوده، وإلاّ وقع النزاع.
وقد يكون كلام الواقف واضحاً لا لبس فيه، فلا يكون هناك موضوعٌ للنزاع حينئذٍ. ولو ادّعى رجل الاستحقاق احتجّ عليه بكلام الواقف، كما لو قال مثلاً: هو وقف على أولادي وأولاد أولادي من أبناء الظهور، دون أبناء البطون، يتساوون في غلته، يأخذون منها حقّ آبائهم عند موتهم، وهو بعدهم للفقراء. كان المستحقّ هنا واضحاً لا ينازع في حقيقته([156]).
وكذا لو قال: وقفت على أولادي من أبناء الظهور، ويكون بعده لأولاد أولادهم، لا يشاركون أعمامهم ما داموا أحياء. فهو واضحٌ لا يقبل مخاصمةً أو نزاع.
نعم، يحصل النزاع فيما لو وقف على أولاده وعلى أولاد أولاده، فتموت ابنةٌ له، فهل ينتقل حقّها في الاستحقاق إلى أولادها أو لا؟
ومثله ما لو ذكر الواقف طبقةً واحدة بلفظ المفرد، كأن يقول: وقفت على ولدي، ثم على الفقراء، فهل ينفرد بالاستحقاق أولاده المباشرين، فلا يشمل أولاد الأولاد؛ لأنه اقتصر في الاستحقاق على طبقة واحدة؛ لأن الولد المضاف إلى الشخص حقيقة في ولده المباشر، وولد الولد ولدٌ على المجاز، ولا يجمع بين الحقيقة والمجاز، أو أنه يشملهم؛ لأنه ولد عرفاً؟
وكذا ينشأ النزاع فيما لو قال الواقف: وقفتُ داري هذه على أولادي لصلبي بالسوية بينهم، ثم على أولاد أولاده، ثم على أولاد أولاد أولادهم، بطناً بعد بطن، ونسلاً بعد نسل. فلو مات عن ثلاثة ذكور وبنتين، ثم توفّي أحد الذكور عن ثلاثة أولاد وثلاث بنات، وإحدى البنتين عن ولد، فكيف تقسّم الغلة؟ وينشأ النزاع هنا في أولاد إحدى البنتين، هل يدخلون في الوقف أو لا، فيعود نصيب أمّهم إلى أصل الغلة؟
ومنه أيضاً: ما لو قال الواقف: وقفتُ داري هذه على أولادي، ثم على أولاد أولادي، ثم على أولادهم، فهل يدخل ولد الولد لو مات أبوه في حياة أعمامه أو لا؟ وهل يكون الترتيب هنا ترتيب طبقات، فلا يستحقّ أحد من الطبقة الثانية ما دام هناك مستحقّ من الأولى، أو أن الترتيب ترتيب أولاد، فيستحقّ ولد الولد نصيب أبيه بعد موته، ولو كان هناك مستحقّ من الطبقة الأولى؟ وللفقهاء([157]) في مثل هذه المواضع مذاهب، وهم لم يتَّفقوا على قاعدة يمكن الاحتكام إليها عند حصول التنازع في الاستحقاق في الصور التي عرضنا بعضها.
ويمكن إرجاع النزاع([158]) في ذلك إلى طبيعة نظرهم إلى الوقف، وأنه عمل يتضمن معنى التقرُّب والعبادة، فيفسّر قول الواقف المطلق في ما يحقِّق القربة، كما عليه الحال عند الحنابلة؛ أو أنه عقد من جملة العقود([159])، فيحمل فيه كلام الواقف المطلق على ظاهره، حتّى لو اقتضى حرمان بعض طبقات الذرّية من غلّة الوقف، ولو مع حاجتهم إليها، كما هو حال الأحناف والمالكية والظاهرية والإمامية([160]).
والذين يعتبرون الوقف قربةً يفسِّرون شرط الواقف بما يحقّق ذلك، فلا يعتبر من الشروط إلاّ ما يحققها؛ لأن الإنسان ليس له أن يبذل ماله إلاّ في ما فيه منفعةٌ في الدين والدنيا. فما دام الإنسان حياً فله أن يبذل ماله في تحصيل الأغراض المباحة؛ لأن في ذلك نفعاً معتدّاً به مرغوباً؛ وأما الميت فلا يبقى له بعد موته من عملٍ ينتفع به إلاّ عمل صالح أقرّ به وأعان عليه أو هدى إليه، فلا يعتدّ بما ليس طاعة منها، ولا ينتفع به الميت بعد موته. فإذا اشترط الواقف عملاً أو صفة لا ثواب فيها كان السعي في تحصيلها سعياً في ما لا نفع فيه، لا في الدنيا ولا في الآخرة. ومثله لا يجوز؛ لأن المقصود من الوقف التقرُّب. ولذلك اتَّجه ابن تيمية([161]) إلى القول ببطلان الشروط التي لا نتحقّق منها القربة، وبنى على ذلك أمرين:
الأول: إن الوقف ينفذ بعد الوفاة في أكثر مقاصده إذا كان يتحقّق منها فعل القربة، بمعنى إذا كانت مطلوبة من الشرع على جهة الندب والاستحباب. أما ما يكون منها على جهة الإباحة فلا ينفذ؛ لأنه لا يتحقق منه فائدة للميت بعد وفاته، وإنْ تحققت في حياته.
الثاني: إن ما لا قربة فيه من الشروط فلا يجب الوفاء به. وإلى مثله ذهب ابن القيِّم، حيث قال: «الإثم مرفوع عمَّنْ أبطل من شروط الواقفين ما لم يكن إصلاحاً…، وما كان فيه حيفٌ أو إثم»([162]). وهو قسَّم الشروط إلى أربعة، فقال: «وبالجملة شروط الواقفين أربعة: شروط محرّمة في الشرع؛ وشروط مكروهة لله سبحانه؛ وشروط تتضمّن ترك ما هو أحبّ إلى الله ورسوله؛ وشروط تتضمّن ما هو أحبّ إلى الله ورسوله. فالأقسام الثلاثة الأولى لا حرمة لها ولا اعتبار، والقسم الرابع هو الشرط الواجب الاعتبار»([163]).
وسئل عن الواقف إذا ما وقف ماله على أشخاص وارتضاهم، ولم يَرْضَ بنقله لغيرهم، وإنْ كان الإنفاق عليهم أفضل من الإنفاق على الموقوف عليهم، فأجاب: «إن الله سبحانه ملَّك الواقف المال لينتفع به في حياته، وأذن له أن يحبسه؛ لينتفع به بعد مماته؛ فإنْ حاف أو جار فلا إثم في وصيّته أو وقفه على ردّ ذلك الجور والحيف والإثم. ورفع الله سبحانه الإثم عمَّنْ يردّ ذلك الحيف من الورثة والأوصياء، وهو لم يملكه الله تعالى أن يتصرّف في تحبيس ماله بعده إلاّ على وجه يقرِّبه إليه ويرضاه، لا على أيّ وجهٍ أراد».
ومثله ما جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية، حيث قال: «ولا يلزم الوفاء بشرط الواقف إلاّ إذا كان مستحبّاً خاصة، وهو ظاهر المذهب؛ أخذاً من قول أحمد في اعتبار القرابة في أصل الجهة الموقوف عليها…»([164]).
وفي شرح منتهى الإرادات: «إن الإطلاق ـ في شرط الواقف ـ إذا كان له عرفٌ صحّ وحمل عليه، وعرف المصرف هنا أَوْلى الجهات به، وورثته أحقّ الناس ببرّه»([165]). ويقول: «إن لفظ الواقف.. يحمل على مذهبه وعادته في خطابه، ولغته التي يتكلّم بها، وافق لغة العرب أو الشرع أو لا، والعادة المستمرّة والعرف المستقرّ في الوقف يدلّ على شرط الواقف أكثر ممّا يدلّ على الاستفاضة…»، فلو قدر وسئل الواقف أن سكوته مثلاً عن أيلولة استحقاق الميت من الأولاد لا ينتقل إلى أولاد أولاده لصلبه، وإنما يعود إلى إخوته، فهل كان يوافق على ذلك، ويحرم أولاد أولاده لصلبه؟ والظاهر أن سكوته عن بيان الأيلولة ضمن الشروط مبنيّ على العرف الشرعي، القاضي بأن مَنْ مات يعود نصيبه إلى ولده([166]). وقال محمد أبو زهرة: «ولا شَكَّ أن قيام فرعٍ مقام أصله أقرب إلى العدالة والمصلحة، ومَنْ يتتبّع كتب الواقفين، وما ذكروا من الشروط؛ تأكيداً لحصر الوقف في الذرية، يتبين له جليّاً أنه ليس من مقاصدهم أن يكون شيءٌ من أوقافهم منقطع المصرف، ومستحقّاً للفقراء، ولا أن يصرف نصيب مَنْ مات عن ولد إلى غيره، إلاّ إذا كان من قصده ذلك ونصّ عليه نصّاً صريحاً»([167]).
وعلى مثل هذا المذهب فإن الواقف لو وقف على ذرّيته مطلقاً من غير قيد، بأن قال: وبيتي هذا وقفٌ على أولادي أو أبنائي أو وُلْدي، أو قال: ولأولادهم من بعدهم، ثم أولاد أولادهم… ثم للفقراء، فإنه يستوي في الوقف أولاد الظهور وأولاد البطون، ويترتّبون ترتُّب أفراد. فلا يحرم ولد الولد عند موت أبيه، ولو كان هناك مستحقّ من الطبقة الأولى. ولا يصرف حقّ أبيه إلى أعمامه. ولو مات ولدٌ للواقف قبل استحقاقه استحقّ أولاده عندما يؤول الاستحقاق إلى طبقة أبيه؛ لأن الفرع حينئذٍ يحلّ محلّ الأصل.
وهذا هو الأظهر من مذهب الحنابلة، واعتبروه رأي أهل التحقيق عندهم([168]).
وعلى ذلك نصّ قانون الوقف المصري، الصادر سنة 1946، في المادة 32 منه، حيث جاء فيها: «إذا كان الوقف على الذرية مرتّب الطبقات لا يحجب أصل فرع غيره، ومَنْ مات صرف ما استحقّه أو كان يستحقّه إلى فرعه، ولو لم يذكر الواقف أن الفرع يقوم مقام أصله».
وتنصّ المادة 40 من قانون الأوقاف اللبناني على أنه: «إذا كان الوقف مرتب الطبقات لا يحجب الأصل فرع غيره، ومن مات صرف ما استحقّه أو ما كان يستحقّه إلى فرعه، وإذا مات مستحقّ عن حصّته وليس له فرعٌ يليه في الاستحقاق عادَتْ حصته إلى غلة الوقف الذي كان يستحقّ فيه، وإذا لم يوجد أحدٌ في طبقته صرف الريع إلى الطبقات التي تليها، إلى أن يوجد أحدٌ من أهل تلك الطبقة، فيعود الاستحقاق إليها…».
ويرى البعض أن هذا الرأي هو الذي يتمشّى مع غاية الوقف وبرّ الصدقة، وهو الذي يحقق صلة الرحم، وتعميم النفع بين الذرّية، ويتّفق مع عُرْف الواقفين ومقاصدهم، الذي أغناهم عن اللفظ الصريح في قيام الفرع مقام أصله بعد وفاتهم؛ لأنهم أشركوا أولاد البنات مع أولاد الصلب، وساووا بينهم في قسمة الغلة بدون تفاضل؛ ولأن حرمان الفرع بوفاة الأصل مدعاةٌ للعداوة والتباغض والحقد، ومنشأ للنزاع بين أولاد الأولاد وأعمامهم، فكيف يتحقّق معه إذن قربة؟! ولأن حصر الأعيان الموقوفة في يد الطبقة الأولى مع حرمان أولاد الأولاد من حقوق آبائهم عند موتهم، مع إمكان أن يكونوا محتاجين إليها، مجانبة للعدل، ومخالفة للإنصاف، فكيف تتحقّق به قربةٌ حينئذٍ؟! وكيف يكون ممّا يحبه الله ورسوله، حسب تعبير ابن القيِّم؟!([169]).
وعلى أيّ حال فالخلاف في المسألة يتّصل ـ كما رأينا ـ بطبيعة فهم الفقهاء لحقيقة الوقف، وأنه من العقود أو فيه شائبة عبادة، فيشترط فيه أن يحقِّق قصد القربة؟ ويظهر أن مثل هذا الخلاف لا زال ينعكس على الفتاوى المعاصرة في هذا الخصوص، وعلى النزاعات والخصومات حول الاستحقاق([170]).
تفسير شروط الواقفين
وبغضّ النظر عن هذا النزاع فإن الفقهاء في العموم وضعوا قواعد لتفسير شروط الواقفين. وقالوا في ذلك: إن كلام الواقف قد يكون صريحاً واضحاً في الدلالة على معناه المراد منه، فيناط الحكم حينئذٍ به، دون النظر إلى الإرادة الخافية، كمَنْ يقول: وقفتُ أرضي هذه على أولادي الأحياء الآن، دون غيرهم، ودون أولاد أولادي. وقد يكون مكتنفاً بالغموض، ومحتملاً لأكثر من معنى، فتفسيره حينئذٍ استناداً إلى قرائن الأحوال، ثم إلى العُرْف، فإنْ لم يوجد نية للواقف، كما لو قال: وقفتُ على أولادي وسكت، فإنْ لم يتحقّق من نيته أُخذ بمطلق اللفظ، فيشمل حينئذٍ الموجودين والذين سيولدون… والواضح أن مثل هذه القواعد إنما تجري مع تحقّق عرف أو وجود قرينة حال، أو إمكان معرفة نية الواقف. وهي لا تفيد في خصوص الموارد التي قدّمناها في ما مضى([171]) في جميع الأحوال.
ثالثاً: المنازعة بين الموقوف عليهم، وبينهم وبين الورثة
هناك نزاعاتٌ في الوقف تنشأ بين الموقوف عليهم، أو بينهم وبين الورثة. وهي تنشأ في عمومها من ادّعاء الوقف، أو من الاختلاف حول أعيان المستحقين؛ لأن النزاع حول مقدار الاستحقاق إنما يكون مع المتولّي حينما يتّهم بعدم إعطاء المستحق ما يستحقه من الغلة. وها نحن ذا نستعرض بعض صور هذا التنازع وحكمها:
أـ لو ادّعى بعض الورثة أن الميت وقف عليهم داراً، ومن بعدهم على نسلهم، طولبوا بالبيِّنة، ويكفي فيها شاهد ويمين، عند الأكثر، فإنْ حلفوا مع شاهدهم قُضي بها لهم، فلا يؤدّى منه حينئذٍ دَيْن ولا ميراث ولا وصية، فإذا انقرض المدّعون معاً، أو على التعاقب، فهل يأخذ البطن الثاني الدار من غير يمين، أو يتوقَّف على يمينهم؟ قولان.
ومستند التوقّف أن البطن الثاني لا يندرج حقّه في حقّ البطن الأوّل ليكون اليمين من الأوّلين مثبتاً لحقّهم. واليمين إنما هي حجّة شرعية في حقّ مَنْ يدّعي الحقّ، لا أنها حجة لإثبات الشيء في نفس الأمر([172]).
واستدلّ لعدم التوقّف بأن أفراد البطن الثاني يتلقّون الوقف عن البطن الأوّل، لا عن الواقف، وقد ثبت كونه وقفاً بحجّة يثبت بها الوقف، فيدوم، كما لو ثبت بالشاهدين، ولأنه حقّ ثبت لمستحقّ فلا يفتقر بعده إلى اليمين.
ب ـ ولو ادّعى بعض الورثة أن الميت وقف عليهم داراً، ومن بعدهم على نسلهم، ونكلوا عن الحلف، فإنه يحكم بها ميراثاً، لكنْ يبقى نصيب المدّعين وقفاً؛ لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، دون نصيب غيرهم. فإذا مات الناكلون صرفت حصتهم إلى أولادهم على سبيل الوقف، بغير يمين، اتفاقاً؛ لأن الإقرار من ذي النصيب هنا كافٍ في ثبوت الوقف لهم، ولا وجه لليمين مع عدم المنازع؛ إذ الفرض هو إقرار أبيهم بما أصابه من نصيب الإرث، وليس لشركائهم مخاصمتهم في ذلك. وهل للأولاد أن يحلفوا على أن جميع الدار وقف؟ وجهان: من كون الأولاد تبعاً لآبائهم، فإذا لم يحلف الآباء لم يحلف الأبناء؛ ومن أنهم يتلقون الوقف من الواقف، فلا تبعية.
والأظهر الثاني؛ لأن حلف الأولاد يقتضي عدم انقطاع الوقف في الواقع، وإنْ انقطع لعارضٍ، حيث نكل الآباء؛ ولأن البطن الثاني كالأوّل في تلقّي الوقف من الواقف؛ ولأن منع الثاني يؤدّي إلى جواز([173]) إفساد البطن الأوّل الوقف عليه.
ج ـ ولو ترك الميت ثلاثة أبناء، فحلف واحد منهم على كون دار معينة وقفاً وقفه أبوه على أبنائه، ثبت نصيبه وقفاً، وكان الباقي مطلقاً بالنسبة إلى غير المدّعي، تقضى منه الديون وتخرج الوصايا. وما فضل فهو ميراثٌ للجميع، حتّى للحالفين؛ لاعتراف غيرهم من الورثة باشتراكه بينهم أجمع، وإنْ كان مدّعي الوقف ظالماً بأخذ حصّته منه بيمينه([174]).
د ـ ولو ادّعى ورثة الميت أن أباهم وقف عليهم داراً وعلى ذرّيتهم على نحو التشريك، فالحلف على الجميع، ويحتاج الأولاد إلى يمينٍ مستأنفة، فلا يكتفى بيمين المدّعين. وكلّ واحد إنما يثبت حقّه بيمينه بلا خلاف في ذلك؛ ضرورة تلقي الجميع من الواقف. فلو وجد للحالف ولدٌ بعد حلفه فلا تثبت حصّته إلاّ بيمينه؛ لأنه يتلقى عن الواقف، كما لو كان موجوداً وقت الدعوى. فلو امتنع فهل يعود نصيبه إلى شركائه؛ لأنه يجري بامتناعه مجرى المعدوم، أو أنه يصرف إلى الناكل؛ لاعتراف إخوته باستحقاقه، أو أنه يبقى وقفاً تعذَّر مصرفه، فيرجع إلى الواقف أو ورثته؟ أقوال. والأظهر رجوعه إلى شركائه على نحو الوقف، فيدخل في الموقوف، لا على نحو الإرث([175]).
هـ ــ ولو ادّعى بعض الورثة الوقف على الترتيب، وأثبتوا ذلك بشاهدٍ ويمين، فادّعى أولادهم أن الوقف هو على التشريك…؛ فإن حلفوا وأقاموا شاهداً تشاركوا، ولهم حينئذٍ مطالبة آبائهم بحقّهم من النماء من حين وجودهم. ويكون النزاع هنا بينهم وبين آبائهم، لا بينهم وبين الورثة الآخرين ممَّنْ لم يدَّع الوقف؛ فإنْ نكلوا خلص الوقف للأوّلين ما بقي منهم أحدٌ.
وإنْ ادّعى أولاد الأولاد التشريك، وحلفوا قبل أن يحلف آباؤهم، كانوا خصوماً لهم ولغيرهم من الورثة. ونكول أولاد الأولاد لا ينفع آباءهم عند حلفهم؛ لأن الآباء لمّا ادعوا الاختصاص، وحلفوا مع شاهدهم، قُضي بالوقف لهم، فإذا نكل أولاد الأولاد لم يشاركوهم، وكان الوقف خاصاً للأوّلين لا يشاركهم فيه أحدٌ. ولو انعكس بأن حلف أولاد الأولاد، دون الأولاد، أخذ أولاد الأولاد حقّهم من التركة، وكان نصيب الأولاد ميراثاً([176]).
هذه جملةٌ من صور المنازعة بين الموقوف عليهم، وبينهم وبين الورثة، تتبدّى من خلالها أوجه التنازع من جهةٍ، وآليات رفع الخصومة والحكم من جهةٍ أخرى، وهي أبرز ما يمكن أن نقع عليه من صور التنازع في المقام.
الهوامش
(*) باحثٌ وأستاذٌ في الحوزة والجامعة. وله عدّة مؤلَّفات. من لبنان.
([1]) يلاحظ: على سبيل المثال: شمس الدين السرخسي، المبسوط 17: 28 وبعدها، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993؛ والكاساني، بدائع الصنائع 6: 393، بيروت، دار الفكر؛ وابن عابدين، حاشية رد المختار 6: 92، بيروت، دار الفكر؛ والتكملة الثانية لحفيد المؤلِّف 8: 216، وهي طبعةٌ مصوَّرة عن طبعة البابي الحلبي، دون تاريخ؛ وغيرها من مصادر الفقه.
([2]) يلاحظ على سبيل المثال: حاشية ابن عابدين 2: 532؛ وبدائع الصنائع 6: 334؛ والمبسوط 11: 49.؛ ويحيى النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين 4: 472؛ وابن ضويان، منار السبيل 2: 3، بيروت، المكتب الإسلامي؛ والشوكاني، نيل الأوطار 3: 120، بيروت، دار الفكر؛ وشمس الدين البغلي، المطلع على باب المقنع 1: 285، بيروت، المكتب الإسلامي، 1981م؛ ونهاية المحتاج 5: 354 ـ 355؛ ومنصور بن إدريس البهوتي، كشف القناع عن متن الإقناع 4: 124، المطبعة العامرة، 1319هـ.
([3]) الجرجاني، التعريفات: 55؛ والفيومي، المصباح المنير 1: 232.
([4]) الفيروزآبادي، القاموس المحيط 4: 328؛ والفيومي، المصباح المنير 1: 232.
([6]) نظرية الدعوى في الشريعة الإسلامية والقانون 1: 62؛ ومحمد شفيق العاني، أصوت المرافعات في القضاء الشرعي: 10؛ وحاشية ابن عابدين 8: 216؛ والكاساني، بدائع الصنائع 6: 393؛ والمبسوط 17: 28 وبعدها.
([7]) ابن جزي، القوانين الفقهية: 293.
([8]) محمد شفيق العاني، أصول المرافعات الشرعية: 10؛ والروض النضير 3: 438.
([9]) يلاحظ: العاني، أصول المرافعات الشرعية: 8.
([10]) جامع الفصولين 2: 14؛ وأبو البركات أحمد الدردير، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4: 134، المكتبة التجارية الكبرى؛ وأنفع الوسائل: 320؛ والتاج الإكليل 5: 11؛ وإبراهيم بن علي الشيرازي، المهذّب 2: 308، طبعة البابي الحلبي، 1356هـ.
([11]) محمد شيت خطاب، شرح قانون المرافعات العراقي، وقانون الوقف المصري، والقانون المدني الكويتي.
([12]) يلاحظ: حسن رضا، أحكام الأوقاف: 34 ـ 35.
([13]) محمد شيت خطاب، شرح قانون المرافعات العراقي: 105.
([14]) المقاطعة: عقد إجارة يقصد به استيفاء الأرض الموقوفة تحت يد المستأجر للبناء والغرس ما دام يدفع أجرة المثل، وهي تسمى الحكر، والمستأجر بالمحتكر. ولقد كان جوازها موضع خلاف بين الفقهاء. يلاحظ: حاشية ابن عابدين 4: 532 وبعدها. ثم منعت بعد ذلك في القوانين الحديثة. يلاحظ: حسن رضا، أحكام الأوقاف: 38.
([15]) حسين الأعظمي، أحكام الأوقاف: 12 ـ 13؛ والعاني، أحكام الأوقاف: 7.
([16]) ينظر: شيت، شرح قانون المرافعات: 111 ـ 116.
([18]) انظر على سبيل المثال: مرسوم تصفية الوقف الذري العراقي، الصادر سنة 1955، والمنشور في الوقائع العراقية، رقم 3665، تاريخ: 19 ـ 7 ـ 1955.
([19]) العاني، أحكام الأوقاف: 129.
([20]) يلاحظ مثلاً: ذيل أصول المرافعات المدنية العراقي، رقم 4، سنة 1963م، منشور في جريدة الوقائع العراقية، رقم 866، تاريخ: 6 ـ 6 ـ 1963م.
([21]) يلاحظ على سبيل المثال: الكاساني، بدائع الصنائع 6: 393؛ ونظرية الدعوى في الشريعة الإسلامية والقانون 6: 239.
([22]) شيت، شرح قانون المرافعات: 228؛ ومنحة الخالق على البحر الرائق 7: 193؛ والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي عليه 4: 164؛ وحاشية ابن عابدين على ردّ المختار 8: 217 وبعدها؛ والكاساني، بدائع الصنائع 6: 394؛ والسرخسي، المبسوط 17: 29 وبعدها؛ والنجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 41: 179.
([23]) يلاحظ مثلاً: ابن مودود الموصلي، المختار للفتوى 2: 3؛ والفتاوى الكاملة: 114؛ والكاساني، بدائع الصنائع 6: 397 وبعدها؛ ومنهج الطالب بهامش فتح الوهّاب 2: 27؛ ومواهب الجليل 6: 126 ـ 127؛ والاختيار لتعليل المختار 2: 3 ـ 4؛ والنجفي، جواهر الكلام 41: 179.
([24]) مواهب الجليل 6: 126؛ ونظرية الدعوى في الشريعة 1: 237.
([25]) تبصرة الحكّام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (بهامش فتاوى الشيخ عليش [فتح العليّ المالك]) 1: 237.
([26]) المرداوي، الإنصاف 7: 67؛ وابن فرحون، تبصرة الحكّام (بهامش فتاوى الشيخ عليش 1: 239)؛ وحاشية ابن عابدين 8: 126؛ وحواشي خير الدين الرملي الرفيقة عليه (بهامشه) 1: 129؛ وتحفة المحتاج 1: 299؛ ومنتهى الإرادات 2: 129.
([27]) لا إشكال في جواز النيابة في الخصومة، وإنْ كان الأصل هو أن صاحب الحقّ يطالب بحقه في مقابل مَن عليه الحق، والنائب هو الوصي أو الولي أو الوكيل.
([28]) حاشية ابن عابدين 6: 219.
([30]) المصدر نفسه؛ وتنقيح الحامدية: 14.
([31]) يلاحظ: القوانين الفقهية: 296؛ وتفسير معالم التنـزيل للبغوي (بهامش تفسير الخازن) 1: 140؛ وابن حزم، المحلّى 9: 422؛ والشيخ عليش، فتح العليّ المالك 2: 209؛ وحبل الشرع المتين 6: 240. وابن نجيم، الأشباه والنظائر: 119؛ ومواهب الجليل 6: 240.
([34]) منح الجليل 4: 240؛ ومواهب الجليل 6: 224.
([36]) الفتاوى المالكية: 118؛ ومواهب الجليل 6: 224؛ والبشتاوي، جواهر الروايات: 29. وهذا الرأي هو ما عليه القانون المدني العراقي مثلاً.
([37]) الفتاوى الكاملية: 107 ـ 108؛ والفتاوى الحامدية 2: 3؛ وجواهر الروايات: 29.
([38]) شرح مجلة الأحكام العدلية 1: 910.
([39]) الفتاوى الخيرية 2: 48؛ والفتاوى الكاملية: 118؛ وشرح مجلة الأحكام العدلية 1: 910، مادة 1661 و1801.
([40]) للاطلاع على مجمل آراء المالكية يلاحظ: مواهب الجليل 6: 223 ـ 224؛ والفواكه الدواني 3: 146 ـ 147؛ وحاشية العدوي على الخرشي، دار الفكر العربي، ضمن: محمد بن عبد الله الخرشي، شرح الخرشي على مختصر خليل 7: 242، دار الفكر العربي، دون تاريخ.
([41]) خالف في ذلك بعض الفقهاء، وسووا بين وجود الوليّ وعدمه في وجوب وقف التقادم عند فقدان الأهلية أو نقصها. يلاحظ: حاشية ابن عابدين 4: 477.
([42]) جواهر الروايات: 13؛ ومواهب الجليل 6: 222؛ وحاشية العدوي على الخرشي 7: 242.
([43]) الفتاوى الكاملية: 120؛ وحاشية ابن عابدين 4: 477؛ ومواهب الجليل 6: 222؛ والعاني، أحكام الأوقاف: 107.
([45]) حاشية ابن عابدين 4: 476.
([48]) إعلام الموقعين 1: 104؛ والاختيار 2: 5؛ والطرق الحكمية: 24؛ وتبصرة الحكام (بهامش فتاوى الشيخ عليش، المعروف بفتح العلي المالك) 1: 364.
([49]) يلاحظ حول الإقرار لغةً: المصباح المنير 2: 598 ـ 599؛ والجوهري، الصحاح 5: 288؛ والقاموس المحيط 2: 116.
([50]) حاشية الباجوري 2: 3؛ والزيلعي، تبيين الحقائق 5: 2؛ والمقدسي، الإقناع 4: 456.
([51]) حول الأدلة لاحِظْ: الاختيار 2: 5؛ وعقود الجواهر: 138 ـ 139؛ وموطأ مالك (بهامش الزرقاني) 4: 141؛ وسبل السلام 4: 6، 11؛ ونصب الراية 3: 312 ـ 315.
([53]) المصدر نفسه؛ والفتاوى الخيرية 2: 50 ـ 51؛ والفتاوى الكاملية: 147؛ والزرقاني، أحكام الأوقاف 1: 95؛ وقرة عيون الأخبار 2: 94.
([54]) انظر حول معنى الشهادة: الخجندي، حبل الشرع المتين: 310. ويقارن حول تعريفات قريبة: فتح الوهّاب 2: 220؛ وعقود الجواهر المنيفة 2: 40؛ وفتح القدير 4: 364.
([55]) حول تفصيل هذه الأدلة، وكيفية الاستدلال بها، يلاحَظ: العقود المنيفة 2: 45؛ وصحيح البخاري (بهامش فتح القدير) 5: 88؛ وسنن ابن ماجة 20: 778؛ والدواري المضيئة 2: 216؛ والفتاوى الهندية 3: 450.
([57]) الدرّ المختار (بهامش حاشية ابن عابدين) 4: 513.
([58]) تبصرة الحكّام 2: 43؛ وحاشية ابن عابدين 4: 514؛ والسيوطي، الأشباه والنظائر: 493؛ وجواهر الكلام 41: 179.
([59]) الدرّ المختار 4: 512؛ والمرداوي، الإنصاف 12: 90.
([60]) السراج الوهّاج: 610؛ وحاشية ابن عابدين 4: 512.
([61]) مغني المحتاج 4: 450؛ وحاشية ابن عابدين على الدرّ المختار 24: 538 ـ 539؛ والإنصاف 1: 271.
([62]) الطرق الحكمية: 236؛ وحاشية العدوي على الخرشي 7: 187؛ وجواهر الكلام 41: 179.
([63]) حاشية العدوي على الخرشي 7: 187؛ ومغني المحتاج: 437؛ وجواهر الكلام 41: 179.
([64]) محمد زيد الأبياني، مباحث الوقف: 154.
([65]) حاشية العدوي على الخرشي 7: 187.
([66]) حاشية ابن عابدين 4: 539.
([69]) برهان الدين الطرابلسي، الإسعاف في أحكام الأوقاف، دار الرائد العربي، دون تاريخ.
([70]) الأبياني، مباحث الوقف: 154؛ وحاشية ابن عابدين 3: 558.
([71]) المرداوي، الإنصاف 12: 26.
([72]) الأبياني، مباحث الوقف: 155 ـ 156؛ والعاني، أحكام الوقف: 118.
([73]) حاشية ابن عابدين 3: 557؛ والإسعاف: 78؛ وجامع الفصولين 21: 130؛ والعاني، أحكام الأوقاف: 117. ويلاحَظ: جواهر الكلام 38: 88. ومذهب الإمامية انتقال الوقف إلى الموقوف عليهم.
([77]) الأشباه والنظائر: 492؛ والحمزاوي، تبصرة القضاة: 62؛ ومغني المحتاج 4: 448؛ والإنصاف 12: 11؛ والأبياني، مباحث الوقف: 154؛ وحاشية ابن عابدين 3: 558.
([79]) الفتاوى الهندية 2: 466؛ ومغني المحتاج 4: 449؛ وحاشية ابن عابدين 3: 558.
([80]) الشربيني، مغني المحتاج 4: 449، طبعة البابي الحلبي، دون تاريخ؛ وجامع الفصولين 1: 125.
([81]) حاشية ابن عابدين 3: 558.
([82]) مغني المحتاج 4: 449؛ والفتاوى الخيرية 1: 204؛ وحاشية ابن عابدين 3: 558.
([83]) مغني المحتاج 4: 453؛ والإنصاف 2: 89؛ وحاشية ابن عابدين 3: 557؛ وتبصرة الحكام 2: 150.
([84]) الإنصاف 2: 89؛ وتبصرة الحكام 2: 150.
([90]) سبل السلام 4: 132. ورُوي مثله بألفاظ مختلفة عنه|. يراجع: المصدر نفسه.
([91]) يلاحظ: تبصرة الحكام 2: 87؛ وبداية المجتهد ونهاية المقتصد 2: 400.؛ وشرائع الإسلام 2: 212؛ وتبيين الحقائق 4: 296؛ والمحلّى 9: 371.
([92]) منتهى الإرادات 2: 679؛ ومغني المحتاج 4: 577؛ وتبيين الحقائق في شرح كنـز الدقائق 4: 296.
([93]) حسين أحمد الخطيب، الفقه المقارن: 352.
([94]) تبيين الحقائق 4: 295؛ والاختيار 2: 5.
([95]) المرداوي، الإنصاف 12: 112؛ ومنتهى الإرادات 2: 680.
([96]) المحقّق الحلّي، شرائع الإسلام 2: 212، مكتبة الحياة، بيروت، دون تاريخ.
([97]) البحر الزخّار 4: 411؛ وسبل السلام 4: 136.
([106]) مغني المحتاج 4: 476؛ والبحر الزخّار 4: 404؛ والمحلّى 9: 366؛ والسيوطي، الأشباه والنظائر: 509؛ وتبصرة الحكّام 1: 237.
([107]) ولعلَّ هذا الخلاف مبنيّ على الخلاف في ملكية الوقف، وأنها لله تعالى، أو تبقى على ملك صاحبها، ويكون نفعها للمستحقين، أو هي للمستحقّين أنفسهم. لاحِظْ هذا الخلاف في: النجفي، جواهر الكلام 41: 169 ـ 170. ويلاحَظ حول مسؤولية الناظر تجاه الوقف، وإلزامه يجبر أيّ ضرر يسبّبه في أصله ومنفعته، في القانون المدني: سليم حريز، الوقف، دراسات وأبحاث: 149، منشورات الجامعة اللبنانية، 1994. وحول أن يده يد أمانة: أبو زهرة، محاضرات في الوقف: 397. وحول مسؤولية الناظر تجاه الغير لو أهمل يلاحَظ: القانون المدني الكويتي، المادة 238. ومثاله كما لو أهمل الناظر في إبلاغ خلفه بأن دائن الوقف قد أحال حقّه لمصلحة شخصٍ آخر، وأوفى الناظر الثاني الدين للدائن الأصلي، فإنه يكون مسؤولاً شخصياً عن الإعلان بالحوالة.
([108]) عطية فتحي الويشي، محاسبة ناظر الوقف ومسؤوليته، الكويت الأمانة العامة للأوقاف، 2002، الفصل الثالث، الفقرة الثامنة، النظر على الوقف. ويلاحظ: الكمال بن همام، كشّاف القناع عن متن الإقناع 4: 295، ط1، المطبعة العامة، 1319هـ.
([109]) المادة 47، من قانون الوقف المصري.
([110]) المصدر السابق، المادة 46.
([111]) المادة 49 من قانون الوقف المصري.
([112]) نهاية المحتاج 5: 397؛ وتحفة المحتاج 6: 285؛ ومفتاح الكرامة 9: 422؛ وخالد عبد الله شعيب، مراقبة الناظر وعزله وتضمينه، الكويت، الأمانة العامة للأوقاف، 2006م، الباب الرابع.
([113]) الماوردي، الأحكام السلطانية: 70.
([115]) حاشية ابن عابدين 3: 389 ـ 390؛ ونهاية المحتاج 5: 400؛ وتحفة المحتاج 6: 206؛ وكشف القناع 4: 273.
([116]) تحفة المحتاج 6: 289؛ وكشاف القناع 4: 273؛ والبحر الزخّار 4: 165؛ وشرح الأزهار 3: 489.
([117]) البحر الرائق 5: 253؛ وحاشية ابن عابدين 3: 430.
([118]) حاشية ابن عابدين 3: 431.
([121]) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4: 453؛ ومواهب الجليل 6: 397؛ وكشّاف القناع 4: 221؛ والبحر الزخّار 4: 273؛ وشرح الأزهار 3: 489.
([123]) الشهيد الثاني، الروضة البهيّة 5: 73.
([124]) حاشية ابن عابدين 3: 394، 419؛ والإسعاف: 54؛ والعقود الدرية 1: 221؛ وكشّاف القناع 4: 273؛ والبحر الزخّار 4: 165؛ وشرح الأزهار 3: 489.
([125]) حاشية ابن عابدين 3: 430.
([126]) كشف القناع 4: 270؛ ومفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة 9: 41.
([127]) تحفة المحتاج: 292؛ ومغني المحتاج 2: 394؛ وكشّاف القناع 4: 277.
([128]) صحيح البخاري 2: 230، دار إحياء التراث العربي، بيروت؛ وصحيح مسلم 3: 1463 ـ 1464، طبعة عيسى البابي الحلبي، 1955م؛ وابن مفلح، الفروع 4: 599، بيروت، عالم الكتب، 1985م.
([129]) لاحظ رأي الحنابلة في: كشّاف القناع 4: 277. وحول رأي الأحناف راجِعْ: العقود الدرّية 1: 204.
([130]) حاشية ابن عابدين 3: 553.
([131]) تنقيح الحامدية: 14؛ وحاشية ابن عابدين 3: 553 ـ 554.
([132]) السيوطي، الأشباه والنظائر: 505.
([133]) حاشية ابن عابدين 3: 425؛ والعقود الدرّية 1: 201؛ وابن نجيم، الأشباه والنظائر: 275.
([134]) حاشية ابن عابدين 3: 423؛ والعقود الدرّية 1: 201.
([135]) حسن رضا، أحكام الأوقاف: 142؛ والعاني، أحكام الأوقاف: 120.
([136]) المصدر نفسه؛ وأصول المرافعات في القضاء الشرعي: 146.
([137]) حاشية ابن عابدين 3: 589؛ والفتاوى المهدية 2: 451؛ والفتاوى المالكية: 151.
([138]) حسن رضا، أحكام الوقف: 136؛ وشرح مجلة الأحكام العدلية، المادة 1634.
([139]) البحر الرائق 5: 262 ـ 263؛ وتحفة المحتاج 6: 292؛ والإنصاف 7: 68. ولقد وضع المشرِّع في القانون المدني قواعد عامة لحماية جميع التصرفات القانونية التي يكون الوقف طرفاً فيها، كما في صورة إمكانية طلب إبطال أيّ تصرف قانوني إذا تضمّن غبناً، ومنع التصرّف الموجب لنقل ملكية الوقف، كالبيع والرهن والهبة والتصالح…، فلو فعل الناظر شيئاً من هذا القبيل كان تصرّفه باطلاً. يلاحظ: محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف: 72، دار الفكر العربي، 1972؛ وحاشية الدسوقي 24: 69 ـ 70؛ والمحقّق الحلّي، الشرائع؛ وجبر جاسم اليعقوب، الغبن: 208، جامعة الكويت، ط1، 1987. ومنع كذلك من تأجير المتولّي الوقف لنفسه أو لزوجه أو لأحد أصوله أو فروعه، وهو مذهب أبي حنيفة. وذهب الصاحبان إلى جواز تأجيره للزوجة أو الأصول أو الفروع بأجر المثل. وهو ما ذهب إليه القانون المدني المصري، المادة 630. وإليه ذهب القانون الكويتي في المادة 641 منه. ومن هذا القبيل: حيازة الوقف، فلا يعتدّ بها. يلاحظ المادة 906 من القانون المدني الكويتي.
([140]) البحر الرائق 5: 262 ـ 263
([141]) حاشية ابن عابدين 3: 425؛ والعقود الدرّية 1: 201، 227.
([142]) حاشية ابن عابدين 3: 425؛ والعقود الدرّية 1: 201.
([143]) ابن نجيم، الأشباه والنظائر: 275؛ وحاشية ابن عابدين 3: 425.
([144]) المصدر نفسه؛ والعقود الدرية 1: 202 ـ 203.
([145]) وقال البعض: إنه يحلفه إذا ادّعى عليه ما هو معلومٌ فقط. يلاحظ: حاشية ابن عابدين 3: 425؛ والبحر الرائق 5: 262. ويلاحظ الحالات التي يحلفه فيها القاضي على مجهول في: حاشية ابن عابدين 4: 448؛ 3: 425.
([146]) المصدر نفسه؛ والبحر الرائق 5: 262؛ والعقود الدرّية 1: 227.
([147]) حاشية ابن عابدين 3: 425.
([149]) المصدر نفسه؛ والعقود الدرّية 1: 201.
([151]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4: 89؛ ومواهب الجليل 6: 40.
([152]) مغني المحتاج 2: 394؛ وتحفة المحتاج 6: 292؛ وحاشية الشهاب الرملي على شرح روض الطالب 2: 476.
([153]) كشّاف القناع 3: 485؛ 4: 269.
([154]) طبقاً للمادة 241 من قانون العقوبات.
([155]) المادة 50 من قانون الوقف المصري.
([156]) حاشية ابن عابدين 3: 677.
([157]) عبد الله السنوسي، شروط الواقفين بين الوضوح والغموض، ضمن: مجلة وقفنا، الخميس 9 ذي القعدة 1427هـ.
([158]) محمد الكردي، بحوث وفتاوى فقهية معاصرة: 231، بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1992م.
([160]) جواهر الكلام 38: 7. وهو الأرجح من مذهب الإمامية. واختار العلامة في القواعد اشتراط القربة فيه، يلاحظ: المصدر نفسه.
([161]) السنوسي، المصدر السابق.
([162]) حاشية ابن عابدين 3: 677.
([166]) ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، نقلاً عن: السنوسي، المصدر السابق، وهو يعتبره أحد الوجهين من مذهب أحمد.
([168]) أبو زهرة، محاضرات في الوقف، نقلاً عن: عبد الله السنوسي، دخول أولاد البنات في الوقف، ضمن مجلة وقفنا، السبت 3 ذي الحجة 1427هـ.
([169]) السنوسي، المصدر السابق.
([170]) يلاحظ مثلاً: وقفنا، الجمعة 1جمادى الأولى 1428، فتوى للمفتي الشيخ محمد خاطر محمد الشيخ حول وقف ذرّي مرتب وغير مرتب الطبقات. والمصدر السابق الثلاثاء 22 محرم 1427هـ، فتوى حول وقف ذرّي بين أولاد البطون والفقراء. وكلاهما يعتبر أن الترتيب في شرط الواقف ملزمٌ، فلا ينال أولاد الأولاد شيئاً مع وجود أعمامهم. وكذلك وقفنا، الأحد 22 ذي الحجة 1426، في فتوى حول مَنْ يستحقّ لو اشترط الواقف أن يأخذوا نصيب أبيهم: «ينالون نصيب أبيهم، وهو أقرب إلى العدل».
([171]) أحمد الكردي، المصدر السابق: 242.
([173]) المصدر السابق 40: 296 ـ 297.