أحدث المقالات

فرقة الغُرابيّة نموذجاً

أ. محمد يسري أبو هدور(*)

تمهيد

كانت الاختلافات المذهبية بين المسلمين سبباً دائماً في افتراق كلمتهم، واختلاف توجُّهاتهم، وتحولهم إلى جماعات وفرق متباينة ومتناحرة عبر التاريخ الإسلامي الممتدّ على مدار خمسة عشر قرناً من الزمان.

وقد تنوَّعت الأسباب التي بُنيت عليها الفرق والمذاهب الإسلامية؛ فهناك أسباب فقهية؛ وهناك أسباب عقائدية، وما بين الاثنين ظهرت إلى الوجود الأسباب السياسية، تلك التي استمدت مبررات تكوينها من الأسباب الفقهية والعقائدية، ومن نزعة الإنسان الفطرية الجبلية على حب السلطة، والميل إلى التحكم والسيطرة.

وسرعان ما حدث التداخل والتمازج ما بين المكونات الثلاثة للمذهبية، فنجد أن الكثير من الفرق الإسلامية قد بُني في أساسه على اتحاد عنصرين من العناصر الثلاثة السابقة.

فالمعتزلة قامت على أساس عقائدي فكري، تتضح معالمه في مسائل تنزيه الخالق، ونفي الصفات، والبُعْد عن التشبيه والتجسيم. وفي نفس الوقت فإنها ـ أي المعتزلة ـ قد استندت على أسباب سياسية تتعلق بأحداث الفتنة والصراع بين الصحابة على الحكم والسلطان، وما تبع ذلك من أحكام متعلقة بحقيقة العدل الإلهي، والوعد والوعيد، والحكم على مرتكب الكبيرة وتفسيقه، وهل أن مصيره إلى الجنة أم إلى النار؟

 وكذلك المرجئة، فقد قامت على أساس عقائدي ـ فقهي يرى ضرورة البعد عن التكفير، وترك الحكم على العصاة والمذنبين إلى الله تعالى يوم القيامة. وكان السبب الذي دعاها إلى ذلك هو التضييق السياسي الذي مارسه الخلفاء والأمراء والولاة على سواد الناس في الأمصار الإسلامية.

إذن كان التداخل العقائدي ـ الفقهي ـ السياسي سبباً في ظهور الفرق والجماعات المختلفة، وقد وصل هذا التداخل في معظم الحالات إلى درجة لا يستطيع الباحث معها أن يميِّز أثار كل عنصر من العناصر الثلاثة السابقة، ولا أن يدرسه في معزل عن العنصريين الآخرين؛ وذلك أن الفرقة المذهبية في شكلها الأخير وصيغتها النهائية قد أضحت نتاجاً لعددٍ من التفاعلات والتركيبات المعقدة، التي تطورت على مدى السنين، لتأخذ شكلها الأخير الذي يختلف عن الشكل البدائي البسيط التي ابتدأ به أمرها.

ولما كانت السياسة أحد الأسباب والمكونات الرئيسية التي بُنيت الفرق والمذاهب على أساسها فقد كان من الطبيعي إذن والحال كذلك أن تحاول القوة المسيطرة المهيمنة أن تقضي على الفرق والمذاهب المخالفة لها، وأن تُبيد أتباعها، وتفرق جماعاتهم، وتستأصل قوتهم؛ حتى يخلو لها وجه الأرض، وتستأثر بالقوة الروحية والنفوذ الديني، وما ينتج عنهما من تثبيت لقواعد الملك والسطوة، وما يتبع ذلك من خيرات وثروات اقتصادية مادية.

وفي الكثير من الأحيان استطاعت الدولة الحاكمة أن تنجح في خططها ضد الفرق الأخرى. إلاّ أنه في معظم الحالات نجد أن الدولة قد عجزت عن إنجاح خطتها؛ وذلك لما تمتعت به الفرق المعادية لها من قوة وانتشار في المجتمع الإسلامي. ولذلك فإن الدولة قد عمدت إلى أن تحارب تلك الفرق بوسائل أخرى، مثل: تضييق الخناق على زعمائهم وقادتهم، والتشنيع عليهم، وإظهار الأقوال الشاذّة والغريبة، ونسبتها إليهم؛ للحطّ من قدرهم ومكانتهم، ولإبعاد سواد الناس عنهم، وللفصل ما بين القادة من جهة وقواعدهم الشعبية من جهة أخرى.

ولم تكتفِ السلطات الحاكمة بذلك، بل إنه في الكثير من الأحيان قد تم اختلاق عدد من الفرق، ووضع الكلام والخرافات ونسبتها إليهم؛ بهدف ضرب المذهب الذي تتبع له، والتشنيع عليه، وعلى أتباعه عموماً.

وفي هذا البحث آثرتُ أن أتعرَّض لتلك الإشكالية التي تحدثت عنها في السطور السابقة، وذلك عن طريق تتبُّع إحدى الفرق التي نُسبت إلى الشيعة في كتابات أعدائهم من أهل السنة والجماعة، وأقصد بها فرقة (الغُرابية).

والسبب الذي من أجله ارتأيت أن أتّخذ من فرقة الغرابية مثالاً لمناقشة الدعاية الدينية المذهبية المضادة لا يتعلَّق بميلي إلى أحد المذاهب بشكلٍ خاصّ، وليس له علاقة بتوجهات الباحث أو معتقداته، بل إن السبب الأساس الذي جعلني أتّخذ من الغرابية نموذجاً لتلك الإشكالية هو أن تلك الفرقة كانت أوضح مثالٍ قابلته في كتب الفرق والمذاهب والتاريخ يُظهر ما أريد أن أبينه وأن أدلِّل عليه وأوضِّحه؛ ذلك أن الظلم الذي تعرَّض له الشيعة عموماً؛ بسبب ما قيل عن الغرابية، واضحٌ وظاهر للعيان، ولا سبيل إلى إنكاره أو التنصُّل منه.

ويكفي لنؤكِّد على كلامنا أن نقول: إنه بعد مرور خمسة عشر قرناً على الهجرة فإن عموم وسواد المسلمين من السنّة يعتقدون أن الشيعة هم أؤلئك الذين يؤمنون بأن جبريل قد أخطأ في توصيل الرسالة، فنزل بها على محمد‘، بدلاً من ابن عمه عليّ بن أبي طالب، الذي كان هو المقصود بها. وهو الأمر الذي نجده مطابقاً لمقالة الغرابية بشكلٍ تامّ.

وقد انتشرت تلك المقالة انتشار النار في الهشيم، فذاعت على مدار السنين، شرقاً وغرباً، وتناقلتها الألسن، وحفلت بها أمهات الكتب، ووضعت في بطون المصنفات والتواليف، حتى دخلت في العقول، واستقرت في الأذهان والألباب والأفئدة، وأصبح لها من القوة والهيمنة على نفوس مصدِّقيها ومعتقديها ما يصعب معه ـ بل يستحيل ـ أن يتخلى عنها، أو يصدق بعكسها، حتّى لو قُدِّمت له البراهين والأدلة على ذلك.

وقد قسمتُ البحث إلى ثلاثة محاور رئيسة. وكل محور من الثلاثة ينبثق عنه عددٌ من النقاط وثيقة الصلة به، والتي تزيده اكتمالاً ووضوحاً، فقمتُ بتقسيمه كما يلي:

أولاً: ما ورد عن فرقة الغرابية في المصادر التاريخية.

أـ فرقة الغرابية في كتب الفرق والمذاهب.

ب ـ فرقة الغرابية في كتب التاريخ والأدب والرحلات.

ج ـ فرقة الغرابية في كتب الرجال والجرح والتعديل.

ثانياً: مناقشة أفكار الغرابية في ضوء عقائد الشيعة الإمامية.

أـ الاعتقاد أن النبوة في الأساس كانت من حقّ عليّ بن أبي طالب، وأنها ذهبت عن طريق الخطأ لمحمد‘.

ب ـ إن جبريل أخطأ في إنزال الرسالة على محمد‘، بدلاً من عليّ.

ج ـ إنهم عرفوا بالغرابية؛ لأنهم اعتقدوا أن محمد‘ كان يشبه عليّ، كما يشبه الغراب الغراب، أو كما يشبه الذباب الذباب.

ثالثاً: استخدام فرقة الغرابية في الدعاية المضادة للتشيُّع.

أـ ابن حزم والغرابية.

ب ـ ابن تيمية والغرابية.

أما عن المنهج الذي استخدمته في البحث فقد قمت بالاعتماد على عددٍ من المناهج المختلفة.

ففي ما يخص الأحداث التاريخية المجرَّدة اتبعتُ المنهج الوصفي، الذي يشرح الحوادث والوقائع، ويبين تفاصيلها وجزئياتها.

كما اتبعت المنهج التحليلي النقدي، فحاولت أن أتعرض بالنقد لكلّ رواية، نقداً ظاهرياً وباطنياً. واستخدمت منهج مقارنة الروايات ببعضها البعض؛ لتبيان الاختلافات والمميزات في كلّ رواية، والأسباب المحتملة لتلك الفروقات والتباينات.

كما إني حاولت قَدْر المستطاع أن أستخدم المنهج الكمّي، وذلك عن طريق الرجوع لأكبر عددٍ ممكن من المصادر والكتابات التاريخية، التي من الممكن أن تذكر فيها حادثة تاريخية معينة؛ لأن سكوت عددٍ كبير من المؤرِّخين والعلماء عن ذكر رواية أو مقالة قال بها أحد معاصريهم أمرٌ يستدعي الاستغراب والتعجب، ويشكِّك في مقالة العالم المنفرد.

وقد استعَنْتُ بعددٍ كبير من المصادر التاريخية وكتب الفرق والمذاهب والرحلات. وقمتُ بتخريج الأحاديث النبوية التي وردت في البحث من كتب الحديث المعتبرة عند أهل السنّة والجماعة، مثل: البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم.

ومن أهم الكتب التي رجعت إليها كتاب (الفَرْق بين الفِرَق)، للقاضي أبي منصور عبد القاهر البغدادي(429هـ)، وهو عالم أشعري شافعي، من أئمة الأصوليين وعلم الكلام، درس على يده العديد من التلاميذ وطلبة العلم الذين عرفوا فيما بعد. أما كتابه (الفرق بين الفرق) فهو من أهمّ الكتب السنّية في ما يخصّ علم المذاهب والفرق، وقد جمع هذا الكتاب بين دفتيه أسماء عشرات الفرق التي تنتسب للسنّة والشيعة والخوارج والجهمية والمرجئة والمعطلة وغيرها من المذاهب الإسلامية.

وكذلك استعنتُ بعددٍ من الكتب الشيعية الإمامية، مثل: كتاب الكافي، للكليني(329هـ)، وهو أحد الكتب الحديثية الأربعة المقدَّمة عند الإمامية الاثني عشرية؛ وكتاب الفهرست، لمحمد بن الحسن الطوسي(460هـ)، المعروف بـ (شيخ الطائفة)، وهذا الكتاب يعتبر أهم الكتب المختصّة بعلم الرجال والجَرْح والتعديل عند الإمامية.

واستعنتُ بالعهد القديم وبالتلمود والمشنا في ما يخص تبيان عقيدة اليهود في جبريل، وعلاقة ذلك بمقالة الغرابية فيه.

أولاً: ما ورد عن فرقة الغُرابية في المصادر التاريخية

أـ فرقة الغرابية في كتب الفرق والمذاهب

ورد ذكر فرقة الغرابية في الكثير من كتب الفرق والمذاهب، التي تم تصنيفها وتأليفها بواسطة علماء أهل السنّة والجماعة.

ولعلّ أول إشارة وردت في تلك الكتب عن الغرابية قد وجدت في كتاب (التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع)، لابن عبد الرحمن الملطي(337هـ). فقد قسم الملطي فرق الشيعة الإمامية إلى 18 فرقة، فيقول: (إن أهل الضلال الرافضة ثماني عشرة فرقة، يتلقَّبون بالإمامية)([1]).

ثم يفصِّل الحديث عن الفرقة السابعة من تلك الفرق، شارحاً عقيدتهم، قائلاً: (وأما الفرقة السابعة من الحلولية فهم الذين يقولون: إن الله تبارك وتعالى بعث جبريل إلى عليٍّ، فغلط جبريل، وصار إلى محمد‘، فاستحيى الربّ، وترك النبوة في محمد‘، وجعل عليّاً وزيره والخليفة من بعده)([2]).

وهناك عددٌ من الملاحظات على ما أورده (الملطي):

1ـ إن الملطي هنا لا يذكر مطلقاً أن تلك الفرقة تعرف بـ (الغرابية). ولا يذكر مسألة شبه عليّ بمحمد‘.

وكذلك هو لم يفسِّر أو يبرِّر كيف غلط جبريل فصرف الرسالة إلى محمد(ص،) بدلاً من ابن عمه.

وربما كان تجاهل الملطي لذكر اسم تلك الفرقة، ولمسألة التشابه بين محمد‘ وعليّ، بسبب التفاته إلى الفارق الكبير بين الرجلين في السنّ والشكل، مما جعله يحجم عن ذكر ما يخالف ذلك، حتّى يكون ادّعاؤه أكثر منطقية وعقلانية.

2ـ إن الملطي يفسِّر استمرار نزول الوحي على محمد‘، بدلاً من إصلاح خطأ جبريل، ورجوع الرسالة إلى صاحبها الأصلي (عليّ بن أبي طالب)، بـ (استحياء الربّ).

وهو أمرٌ كفريّ محض، ولا يستقيم مع المعتقدات الثابتة عند جميع الفرق الإسلامية، تلك التي تنزِّه الله عن النسيان والخطأ والسهو.

3ـ إن الملطي قد نسب تلك الفرقة إلى (الحلولية)، وهو يفسِّر معنى تلك الكلمة في قوله: (يقولون: إن الله عزَّ وجلَّ نورٌ على نور على الأبدان والأماكن، وزعموا أن أرواحهم متولِّدة من الله القديم، وأن البدن لباس لا روح فيه، ولا ألم عليه، ولا لذّة له)([3]).

والمشكلة في ذلك أن تلك الآراء التي ينسبها الملطي إلى تلك الفرقة تتعارض بشكلٍ مباشر وصريح مع بعضها البعض، بحيث لا يمكن قبول أن فرقةً واحدة قد جمعت في اعتقادها كلّ تلك الآراء.

فالاعتقاد بخطأ جبريل في توصيل الرسالة إلى الشخص الخطأ يتطلَّب نوعاً من الاعتقاد بالظاهر والجسمية، أما الاعتقاد بالحلولية فإنه يقضي بالإيمان بالمعاني الباطنية الخفية، التي لا تتجسد في هيئة، ولا يحدّها جسم أو كيان مادي، مما ينفي صفة الخطأ عن جبريل، وينزِّهه عن ذلك.

المصدر الثاني الذي نجد فيه ذكراً لفرقة الغرابية في كتب الفرق والمذاهب السنّية هو كتاب مفاتيح العلوم، لمحمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي(387هـ)، حيث نجد الخوارزمي يقسِّم الشيعة إلى خمس فرق كبرى، ثم يصف الفرقة الرابعة منهم بأنها الفرقة الغالية، ويقسِّمها بدورها إلى تسع فرق، ويجعل الفرقة الغرابية الفرقة الرابعة منهم، ثم يفسِّر سبب إطلاق ذلك الاسم على تلك الفرقة، بقوله: (وسمّوا بذلك الاسم لأنهم يقولون: عليّ× كان أشبه بالنبيّ‘ من الغراب بالغراب)([4]).

أما القاضي أبو منصور عبد القاهر البغدادي(429هـ) فيعتبر من أهم العلماء السنّة الذين تناولوا الفرقة الغرابية في كتاباتهم. فإذا رجعنا إلى كتابه المهمّ (الفرق بين الفرق، وبيان الفرقة الناجية منهم) وجدنا أنه وضع فرقة الغرابية ضمن الفرق التي (انتسبت إلى الإسلام، وليست منه)، وبذلك فرَّق بينها وبين عموم الفرق الشيعية الإمامية.

ثم يتناول عقيدتهم، فيقول: (قوم زعموا أن الله أرسل جبريل× إلى عليٍّ، فغلط في طريقه، فذهب إلى محمد‘؛ لأنه كان يشبهه، وقالوا: كان أشبه به من الغراب بالغراب، والذباب بالذباب.

وزعموا أن عليّاً كان الرسول، وأولاده بعده هم الرسل. وهذه الفرقة تقول لأتباعها: العنوا صاحب الريش، يعنون جبريل×.

وكفر هذه الفرقة أكثر من كفر اليهود، الذين قالوا لرسول الله‘: مَنْ يأتيك بالوحي من الله تعالى؟ فقال جبريل، فقالوا: إنا لا نحبّ جبريل؛ لأنه ينزل بالعذاب، وقالوا: لو أتاك بالوحي ميكائيل، الذي لاينزل إلاّ بالرحمة، لآمنا بك، فاليهود مع كفرهم بالنبيّ‘، ومع عداوتهم لجبريل×، لا يلعنون جبريل، وإنما يزعمون أنه من ملائكة العذاب، دون الرحمة. والغرابية من الرافضة يلعنون جبريل ومحمد’، وقد قال الله تعالى ﴿مَنْ كَانَ عَدُوّاً للهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 98). وفي هذا تحقيق اسم الكافر لمبغض بعض الملائكة، ولا يجوز ادخال مَنْ سماهم الله كافرين في جملة فرق المسلمين)([5]).

 ونلاحظ أن البغدادي قد فصّل الكلام عن الغرابية أكثر مما فعل سابقاه. فهو في معرض حديثه عن عقائدهم قد تطرَّق إلى تشابه أفكارهم ومعتقداتهم إلى حدٍّ كبير مع عقائد اليهود في ما يخص جبريل، وكراهتهم له، فهو ـ أي البغدادي ـ أول مَنْ ذكر أن الغرابية يلعنون ويكرهون صاحب الريش (جبريل).

وهناك نقطةٌ أخرى مهمة في تناول البغدادي للغرابية، فهو يقول: (والغرابية من الرافضة يلعنون جبريل ومحمد’)، ومعنى ذلك أنه قد أدخل فرقة الغرابية من ضمن الفرق الرافضة الإمامية، بالرغم من كونه قد صنَّف فرقة الغرابية ـ من الأساس ـ كفرقة منتسبة إلى الإسلام، وإن كانت ليست منه. وهذا التوصيف يطرح عدداً من الأسئلة المهمة:

فهل جميع الفرق الرافضة خارجةٌ عن الإسلام، أم أن الغرابية وحدها هي الخارجة عنه؛ لكفرها؛ بسبب لعنها لمحمد وجبريل’؟ وإذا كانت الغرابية وحدها هي الخارجة عن الإسلام، فما هي علاقتها أصلاً بباقي فرق الرافضة؟ وكيف يتفق أن نربط فرقة تلعن محمداً‘ بفرق أخرى تعتبره رسولاً من عند الله تعالى، وأنه خاتم الرسل والأنبياء قاطبةً، وأنه خير البشر على مرّ العصور والدهور؟

وقد تابع البغدادي في مقالته عن الغرابية عدداً من كبار العلماء السنّة، الذين ألَّفوا وصنَّفوا في علم الفرق والمذاهب. ولعل أبا المظفّر الإسفراييني(471هـ) من أشهرهم، ففي كتابه المهمّ (التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين) يضع فرقة الغرابية من ضمن الفرق البدعية المارقة، التي تنتسب إلى الإسلام، ولكنهم (لا يُعَدّون من فرق المسلمين، ولا يكونون من جملة الاثنين والسبعين([6]))([7]).

ويجعلهم الإسفراييني الفرقة الثامنة من ضمن الفرق الكافرة، ويصف بعد ذلك معتقداتهم، قائلاً: (وكانوا يقولون: إن الله تعالى بعث جبريل إلى عليٍّ، فغلط، وجاء محمداً‘، قالوا: وإنما غلط لأنه كان يشبه محمداً، وكان أشبه به من الغراب بالغراب، والذباب إلى الذباب. من أجل هذا سُمّوا غرابية. وهؤلاء كانوا يلعنون صاحب الريش، يعنون به جبريل عليه الصلاة والسلام. وقد أنزل الله في صفة اليهود حين قالوا: إن جبريل عدو لنا، ولم يكونوا يلعنونه، قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوّاً للهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 98). وهؤلاء أَوْلى بهذه الصفة؛ لأنهم يلعنونه، واليهود ما كانوا يلعنونه)([8]).

وقد آثرتُ أن أنقل ما أورده الإسفراييني عن الغرابية كاملاً؛ حتّى يظهر أثر آراء أبو منصور البغدادي في كتاب التبصير في الدين؛ إذ إن الإسفراييني كان تلميذ أبي منصور، فضلاً عن كونه صهره ومن أقرب الناس إليه، ولذلك فقد تأثَّر التلميذ بأستاذه إلى حدٍّ جعله يأخذ كلامه وينقله في كتابه بشكلٍ شبه حرفي.

ولكنْ نلاحظ في الوقت نفسه أن الإسفراييني قد حاد بعض الشيء عن منطق أستاذه، فهو يقسِّم الغرابية بعد ذلك إلى عددٍ من الفرق، فيقول: (واعلم أن من هؤلاء الغرابية قومٌ يقال لهم: المفوضية، كانوا يقولون: إن الله تعالى خلق محمداً، وفوَّض اليه تدبير العالم، فكان هو الخالق للعالم، ثم إنه فوَّض بعده إلى عليٍّ تدبير العالم. فهؤلاء القوم شرٌّ من المجوس الذين قالوا: إن الله خلق الشيطان وفوَّض إليه الأمر، فكان الشيطان يخلق الشرور؛ لأن هؤلاء قالوا بالتفويض في الشرّ والخير. وهؤلاء شرٌّ من النصارى حين قالوا: إن عيسى كان إلهاً، وكان المدبِّر الثاني للعالم؛ لأن هؤلاء نقلوه من شخصٍ إلى شخص، وأولئك اقتصروا على المسيح)([9]).

(ومن الغرابية أيضاً قومٌ يقال لهم: الذمية، كانوا يقولون: إن علياً بعث محمداً‘ حتّى يدعو الخلق إلى إلهيته، فجاء محمدٌ وادّعى الرسالة من إلهٍ آخر، ويذمّون محمداً‘ لهذا السبب، ولهذا سُمّوا الذمية)([10]).

والحقيقة ان ما أورده الإسفراييني في التبصير من معلومات حول الغرابية يستدعي عدداً من الملاحظات المهمة التي ينبغي الإشارة إليها:

1ـ إن تقسيم الغرابية إلى فرقتين: (المفوضية؛ والذمية) قد انفرد به الإسفراييني عن أستاذه أبي منصور البغدادي؛ ذلك أن البغدادي قد ذكر كلاًّ من الفرقتين بعد ذكره لفرقة الغرابية، ولكنّ البغدادي لم يُشِرْ من قريبٍ أو بعيد بأن هناك علاقة مباشرة تجمع بين الفرق الثلاث. اللهمّ إلا أن تكون الفرق الثلاثة من الفرق التي انتسبت إلى الإسلام، وليست منه في شيءٍ، حسبما يصفها هو.

فالبغدادي يذكر عقائد المفوضية والذمية على النحو نفسه التي يذكرها به تلميذه الإسفراييني. وأغلب الظن أن أبا المظفر قد توهَّم بأن الفرقتين المذكورتين لهما علاقة بالغرابية، فربط بينهم في كتابه، أو أن شيئاً من التصحيف والخطأ قد وقع في كتاب البغدادي، فنقل عنه تلميذه وصهره دون أن يلتفت أو ينتبه إلى ذلك الخطأ.

فإنْ سلَّمنا بذلك وجب علينا أن نتنبَّه إلى نقطةٍ أخرى لا تقلّ أهميةً، وهي أن الإسفراييني لم يشاهد أو يتعامل مع أحد من الفرقة الغرابية ليعرف منه حقيقة معتقده وإيمانه، بل إن المصدر الأوحد له في تخيُّله عن تلك الفرقة كان ما سمعه من أستاذه عبد القاهر البغدادي.

2ـ النقطة الأخرى التي يجب أن نلتفت إليها أن العقائد التي ينسبها الإسفراييني إلى المفوضة والذمية هي عقائد تتعارض بشكلٍ كبير فيما بينها من جهةٍ، ومع عقائد الفرقة الغرابية ـ التي من المفترض أنها هي الفرقة الأمّ ـ من جهةٍ أخرى.

فلو رجعنا لكلام الإسفراييني لوجدناه ينسب إلى المفوضة الاعتقاد بأن محمداً‘ كان المخلوق الأول، وواسطة الله لخلق العالم، وهي آراء تقترب كثيراً من العقائد والأفكار الغنوصية([11]) التي انتشرت قبل المسيحية، وتقترب أيضاً من العقيدة الأريوسية([12]) التي انتشرت في عصور المسيحية المبكرة.

ولكنْ ما العلاقة التي تربط بين ذلك الرأي من جهةٍ والاعتقاد بأن محمداً‘ كان إنساناً بشريّاً عاديّاً نزلت عليه الرسالة عن طريق الخطأ والصدفة من جهةٍ أخرى؟

الحقيقة أنه لا توجد أيّ علاقة بين الاعتقادين، فيستحيل علينا أن نؤمن بأن هناك نَسَقاً فكريّاً واحداً يحيط بهما، أو أن هناك عقلاً واحداً قد يجمع بين الفكرتين؛ وذلك ببساطةٍ لاستحالة الجمع بين الأضداد، فمحمد‘ في العقيدة الأم (الغرابية) إنسان ملعون ـ حاشاه ـ، وهو في العقيدة الفرعية (المفوّضة) بمثابة الكلمة الأولى وروح الله، ومشاركاً له في صفات الربوبية.

والإشكال الذي أخذناه على عقائد المفوّضة هو نفسه الذي نأخذه على عقائد الذمية، فكيف نصدِّق أن عقلاً يعتقد بأن عليّ بن أبي طالب مجرد إنسان بشري أخطأته النبوة والرسالة هو في الوقت ذاته إلهاً وربّاً يرسل ابن عمه؛ للتبشير به؟!

كما أن جميع المصادر التي تناولت الغرابية لم تذكر على الإطلاق أن أتباعها قد اعتقدوا بألوهية عليّ بن أبي طالب.

إذن من المستحيل أن نقبل بكلام الإسفراييني وتقسيماته لفرق الغرابية، بل يحقّ لنا أن نتساءل: كيف استطاع هو نفسه أن يقتنع بهذا الكلام؟ وكيف قام بنقله في كتابه دون أن يلتفت إلى الكثير من المسائل المتضادّة الموجودة فيه، التي لا يمكن التوفيق بينها؟

ومن أهمّ العلماء الذين تطرَّقوا للحديث عن فرقة الغرابية في كتبهم العلاّمة فخر الدين الرازي(606هـ)، وذلك في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين)، حيث نجد الرازي يضع الغرابية في قائمة الفرق الغالية من الشيعة الإمامية، فيجعلهم الفرقة الثامنة من الفرق الغالية، ويقول عنهم: (قالوا عليّ بمحمد‘ أشبه من الغراب بالغراب. وقالوا: إن الله تعالى أرسل جبريل إلى عليّ، فغلط جبريل، وأدّى إلى محمد‘؛ لتأكد المشابهة بين عليٍّ ومحمد‘)([13]).

ثم يورد الرازي اعتقادات الفرقتين التاسعة والعاشرة، وهي اعتقادات تقترب كثيراً من اعتقادات الغرابية، فيقول: إن الفرقة التاسعة (وهم يزعمون أن جبريل× أزاغ الرسالة عن عليٍّ إلى محمد‘، عمداً وقصداً، لا غلطاً وسهواً، وهؤلاء يسيئون القول في جبريل×)([14]).

أما الفرقة العاشرة (وهم يزعمون أن جبريل× أزاغ الرسالة إلى عليٍّ، لكنّ محمداً كان أكبر سنّاً من عليٍّ، فاستعان عليٌّ به، ثم إن محمداً استقلّ بالأمر، ودعا الخلق إلى نفسه، وهؤلاء يسيئون القول في النبيّ‘)([15]).

ولنا على ما أورده الرازي عددٌ من الملاحظات:

1ـ إن الرازي قد وضع الغرابية ضمن فرق الشيعة الإمامية الغالية، ولم يُقْصِها تماماً من الإطار العام الذي يجمع الفرق الإسلامية، كما فعل أبو منصور البغدادي وتلميذه أبو المظفر الإسفراييني من قبل.

2ـ إن الرازي قد قسم الغرابية إلى عددٍ من الفرق، كما فعل الإسفراييني في التبصير. ولكنْ نلاحظ أن تقسيمات الرازي كانت ـ مع غرابتها ـ أقلّ تطرُّفاً وأكثر اتّساقاً ومنطقية من التقسيمات التي أوردها صاحب التبصير في الدين.

3ـ إن الرازي لم يُشِرْ مطلقاً إلى كون تلك الفرق الثلاث التي ذكرها موجودة في أيامه، رغم أن طريقة الرازي ومنهجيته في معظم أجزاء كتابه كانت تقتضي الإشارة إلى مكان تواجد الفرقة التي يتناولها في زمانه عند تطرُّقه للحديث عنها.

فهو مثلاً عندما يتناول (فرقة الإسحاقية) يقول: (…وهذه الطائفة باقيةٌ في حلب وفي نواحي الشام إلى يومنا هذا)([16]).

4ـ ومن المعروف أن الرازي لم يسافر إلى حلب أو إلى بلاد الشام في حياته كلها([17])، ومعنى ذلك أن معرفته بتواجد الإسحاقية في زمنه في بلاد الشام لم تكن بناءً على تجربة شخصية أو رؤية عينية، وإنما كانت تلك المعرفة عن طريق بعض الثقات الذين أخذ عنهم رواياتهم ووضعها في كتابه. وهذا يقودنا إلى نقطةٍ في غاية الأهمية والخطورة، وهي أن الغرابية لم يتواجدوا من الأساس في زمن فخر الدين الرازي؛ لأنه لو كانوا قد وجدوا حقّاً في تلك الفترة لكان من المؤكَّد أن الرازي ـ حَسْب منهجيته التقليدية ـ سوف يذكر شيئاً عن أماكن ومناطق تواجدهم.

فمن أين إذن أخذ الرازي المعلومات التي يوردها عن الغرابية وتقسيماتهم؟

من المؤكَّد أنه قد حصل عليها من المصادر المتقدِّمة التي سبقته، ومن الروايات الدعائية الكيدية المتناثرة المتفرّقة التي شاعت وانتشرت في أواخر القرن السادس الهجري في إيران عموماً، وفي الريّ خصوصاً، حيث كان هناك صراعٌ مذهبي عنيف تدور رحاه بين السنّة والإمامية الاثني عشرية والإسماعيلية، وبعضهم البعض([18]).

ويُعتبر العلاّمة أبو الفضل عباس بن منصور السكسكي الحنبلي(683هـ) واحداً من أهم مؤلِّفي كتب الفرق والمذاهب، ممَّنْ أشاروا في كتاباتهم إلى الفرقة الغرابية.

ففي كتابه (البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان) نجده يشير إلى تلك الفرقة، فيجعلها إحدى الفرق المنتسبة إلى الرافضة، ثم يفصِّل بعد ذلك الحديث عن عقائدها وأصول مذهبها، فيتبع مَنْ سبقوه من العلماء السنّة في قولهم: إن الغرابية اعتقدوا بخطأ جبريل في إنزاله الرسالة على محمد‘، بدلاً من ابن عمه عليّ بن أبي طالب، ثم يزيد عنهم، فيقوم بتقسيم الغرابية إلى فرقتين متمايزتين:

الفرقة الأولى، وهي التي ترى عصيان جبريل ومخالفته لأمر الله تعالى، فيقول مفصِّلاً عقيدتهم: (فقالت فرقةٌ: جبريل عاصٍ بذلك، ويسمّونه ـ لعنهم الله ـ أبا الريش)([19]).

أما الفرقة الثانية فهي التي ترى أن جبريل لم يَعْصِ الله تعالى عن قصدٍ أو عن عمدٍ، فيورد قول أتباعها: (لا ملامة عليه؛ لأنه لم يتعمَّد ذلك)([20]).

أما العلاّمة عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي(756هـ) فقد أشار في كتابه (المواقف في علم الكلام) إلى فرقة الغرابية بشكلٍ سريع، دون تفصيل. فقد قسم الإيجي الشيعة إلى ثلاثة أقسام، وهي: 1ـ الغلاة؛ 2ـ الزيدية؛ 3ـ الإمامية.

وجعل فرق الغلاة منقسمةً إلى ثماني عشرة فرقة فرعية([21])، ووضع الغرابية في المرتبة رقم ثمانية منها، ثم وصف عقيدتهم باختصارٍ شديد، فقال عنهم: (قالوا: محمد‘ بعليّ أشبه من الغراب بالغراب، فغلط جبريل من عليٍّ إلى محمد‘، فيلعنون صاحب الريش، يعنون به جبريل)([22]).

ويتابع الشريف الجرجاني(816هـ) أقوال مَنْ سبقوه من علماء الفرق والمذاهب عن الغرابية، فنجده يعرِّف تلك الفرقة في كتابه (معجم التعريفات) بأنهم (قومٌ قالوا: محمد‘ بعليّ رضي الله عنه أشبه من الغراب بالغراب، والذباب بالذباب، فبعث الله جبرائيل× إلى عليٍّ، فغلط جبرائيل، فيلعنون صاحب الريش، يعنون به جبرائيل)([23]).

وهناك عددٌ كبير من المصادر المتأخِّرة والمراجع السنية التي ذكرت الغرابية من ضمن فرق الشيعة الغالية، ومنها:

1ـ مختصر التحفة الاثني عشرية([24]).

2ـ موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم([25]).

3ـ تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية([26]).

ملاحظاتٌ عامّة على ذكر فرقة الغرابية في كتب الفرق والمذاهب

1ـ إن هناك عدداً من كتب الفرق والمذاهب السنية المهمة التي لم تذكر فرقة الغرابية، ولم تتطرَّق إليها أو تورد عقائدها من قريبٍ أو بعيد، ومنها:

ـ مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن الأشعري(330هـ).

ـ الإمامة والردّ على الرافضة، لأبي نعيم الأصبهاني(430هـ).

ـ الفهرست، لابن النديم(438هـ).

ـ المنقذ من الضلال، لأبي حامد الغزالي(505هـ).

ـ الملل والنحل، للشهرستاني(548هـ).

ـ رسالة في الردّ على الرافضة، لأبي حامد محمد المقدسي(888هـ).

2ـ إنه لا توجد أسباب منطقية قوية تفسِّر لنا لماذا أحجم هؤلاء العلماء عن ذكر فرقة الغرابية في تصنيفاتهم ومؤلَّفاتهم، وخصوصاً أن هؤلاء العلماء قد أفردوا أجزاء كثيرة من كتبهم لتفنيد أراء الفرق الشيعية، ولا سيَّما الغالية منها؟

فأبو الحسن الأشعري كان من أوائل مَنْ صنَّفوا في علم المقالات والفرق والمذاهب، وقد خصَّص جزءاً كبيراً من كتابه (مقالات الإسلاميين) في تصنيف فرق الشيعة، وتبيان عقائدهم، والردّ عليها، حتّى أنه في ما يخصّ الشيعة الغالية وحدها يذكر أسماء خمس عشرة فرقة متفرِّعة منها([27]).

وابن النديم، الذي يعتبر كتابه (الفهرست) مرجعاً مهماً للتعريف بالمؤلفين والأعلام وأصحاب الفرق والمزاعم في زمانه وفي الأزمنة السابقة له، لا يذكر شيئاً عن الغرابية أو أيٍّ من رجالها وأتباعها، رغم أن كتابه قد احتوى على أسماء العديد من أعلام الفرق الشيعية الغالية([28]).

أما أبو حامد الغزالي، ورغم كونه واحداً من أهمّ العلماء المسلمين السنّة الذين عرفوا بردّهم على فرق الشيعة المختلفة، وخصوصاً الفرق الباطنية والإسماعيلية والتعليمية، فإننا نجده لا يذكر أيّ شيءٍ في كتبه المختلفة عن فرقة الغرابية.

ورغم أنه قد خصَّص فصولاً كاملة في كتابه الأشهر (المنقذ من الضلال)؛ للردّ على الإسماعيلية في مسألة النبوّة والإمامة وعلاقتهما ببعضهما([29])، فإنه لا يذكر اعتقاد بعض فرق الشيعة في مسألة خطأ جبريل في إنزال النبوّة على محمد‘، بدلاً من عليٍّ، رغم أن تلك المقالة لو استخدمها الغزالي في كتابه لكانت ستصبح أقوى الحجج وأعظمها على الشيعة عموماً.

وفي رأيي أن الغزالي لم يورِدْ تلك المسألة في كتابه؛ لسبب من الأسباب التالية:

ـ إن عقائد الغرابية لم تكن منتشرةً في إيران زمن الغزالي، مما جعله يجهل وجودها من الأساس.

ـ إنه لم يسمع من قبل باعتقادات تلك الفرقة، وهو احتمالٌ ضعيف؛ إذ من المؤكَّد أن الغزالي قد اطَّلع على كتب البغدادي والإسفراييني وابن حزم، وهم من معاصريه، الذين ذكروا عقائد الغرابية في كتاباتهم.

ـ إن الغزالي لم يعتقد أن فرقة الغرابية من ضمن الفرق الشيعة، ولذلك لم يجِدْ فائدة تُرتجى من ذكر عقائدهم في معرض هجومه على الإمامية الاثني عشرية والإسماعيلية.

ـ إن الغزالي قد اطّلع على الأفكار التي وردت في كتابات معاصريه وسابقيه عن فرقة الغرابية، ولكنّه آثر أن لا ينقلها في كتبه؛ إذ قد ظهر له تهافتُها وضعفُها، ووضعُها؛ للتشنيع على الشيعة ودحض حجّتهم ليس إلاّ.

وما ينطبق على الغزالي ينطبق بحذافيره على أبي حامد محمد المقدسي(888هـ)، فهو في كتابه المعنون بـ (رسالة في الردّ على الرافضة) لا يذكر شيئاً عن فرقة الغرابية، رغم أنه قد خصَّص أكثر من ستين صفحة كاملة من مؤلَّفه لتبيان عقائد وأفكار الفرق الشيعية الغالية والشاذة([30]).

3ـ إن فرقة الغرابية لم تُذكر على الإطلاق في كتب الفرق والمذاهب الشيعية. فعلى سبيل المثال: نجد أن ثلاثة من أهمّ كتب الشيعة الإمامية في ذلك المجال، مثل:

ـ المقالات والفرق، لسعد بن عبد الله القمي(299هـ).

ـ فرق الشيعة، للحسن بن موسى النوبختي (أوائل القرن الرابع الهجري).

ـ أوائل المقالات، لمحمد بن النعمان العكبري البغدادي ـ الشيخ المفيد ـ(413هـ).

لم تذكر فرقة الغرابية، أو تورد شيئاً من عقائدها وأفكارها، بالرغم من كون هذه الكتب قد ضمَّتْ الكثير من أخبار الفرق الشيعية الشاذّة والمنكرة ـ التي خرجت من عباءة الفكر الشيعي ـ، والتي أنكرها الشيعة الإمامية أنفسهم فيما بعد، مثل: السبئية([31])، والكاملية([32])، وغيرها من الفرق.

ب ـ فرقة الغرابية في كتب التاريخ والأدب والرحلات

ورد ذكر فرقة الغرابية في عددٍ من كتب التاريخ والأدب والرحلات على مدار القرون الأولى من التاريخ الإسلامي. ولعلّ أقدم إشارةٍ نجدها في تلك الكتب عن فرقة الغرابية قد وردت في كتابات ابن قتيبة الدينوري(276هـ).

ففي كتابه (تأويل مختلف الحديث) يتحدّث ابن قتيبة عن أهل الأهواء والبدع من الشيعة الرافضة، فيذكر أن إحدى فرقهم تعرف بالغرابية، ثم يشرح عقيدتهم بقوله: (وهم الذين ذكروا أن عليّاً رضي الله عنه كان أشبه بالنبيّ‘ من الغراب بالغراب، فغلط جبريل× حين بُعث إلى عليٍّ؛ لشبهه به)([33]).

أما في كتابه (المعارف) فيذكر ابن قتيبة فرقة الغرابية مرةً ثانية، فيعيد ذكر عقيدتها التي أوردها في كتابه الأول، ولكنّه يضيف معلومةً جديدة عن تلك الفرقة، ألا وهي أن تلك الفرقة لم تنسب إلى رجلٍ معين بعينه، وإنما أُطلقت عليهم تسمية الغرابية لاعتقادهم أن علياً كان أشبه بالنبيّ‘ من الغراب إلى الغراب([34]).

أما المصدر التاريخي الثاني الذي يذكر فرقة الغرابية فيتمثَّل في كتاب (البدء والتاريخ)، المنسوب إلى المطهر بن طاهر المقدسي(355هـ). فعند تصنيفه لفرق الشيعة يقول: (منهم: الغالية، والغرابية، والكرنبية، والروندية، والمنصورية، والربعية، والزيدية… ويجمعهم كلّهم الزيدية والإمامية. ولقبهم المذموم الرافضة)([35]).

ثم يفصِّل الكلام بعد ذلك عن كلّ فرقة من تلك الفرق، وعندما يأتي الدور على الغرابية نجده يقول: (وأما الغرابية فيزعمون أن عليّاً أشبه بالنبيّ‘ من الغراب بالغراب، فغلط جبريل؛ لشبهه به)([36]).

أما المصدر التاريخي الثالث الذي تناول الحديث عن فرقة الغرابية فهو كتاب (الحور العين عن كتب العلم الشرائف دون النساء العفائف)، لأبي سعيد نشوان الحميري(573هـ)، فقد قسَّم الحميري الشيعة عموماً إلى ستّ فرق([37])، وهي:

1ـ السبئية؛ 2ـ السحابية؛ 3ـ الغرابية؛ 4ـ الكاملية؛ 5ـ الزيدية؛ 6ـ الإمامية، ثم يفصِّل بعد ذلك الكلام عن الغرابية، فيذكر نفس الأقوال التي أوردها سابقاه عن اعتقادهم بغلط جبريل× في تنزيل الرسالة على محمد‘، بدلاً من عليٍّ؛ للشبه الكبير بين الرجلين([38]).

أما المصدر التاريخي التالي الذي ورد فيه الحديث عن فرقة الغرابية فهو أحد كتب الرحلات، وهو كتاب (رحلة ابن جبير)، لأبي الحسن محمد بن أحمد بن جبير الأندلسي(614هـ)، حيث نجد أن ابن جبير يذكر فرقة الغرابية أثناء وصفه لما شاهده في مدينة دمشق خلال مروره عليها إبان رحلته المشرقية في بلاد الشام. فقد تكلَّم ابن جبير عن الشيعة في تلك النواحي، فقال: (وللشيعة في هذه البلاد أمور عجيبة، وهم أكثر من السنّيين بها، وقد عمروا البلاد بمذاهبهم، وهم فرقٌ شتّى، منهم: الرافضة، وهم السبّابون؛ ومنهم: الإمامية والزيدية، وهم يقولون بالتفضيل خاصّةً؛ ومنهم: الإسماعيلية والنصيرية، وهم كفرةٌ؛ فإنهم يزعمون الألوهية لعليّ رضي الله عنه، تعالى الله عن قولهم؛ ومنهم: الغرابية، وهم يقولون: إن عليّاً رضي الله عنه كان أشبه بالنبيّ‘ من الغراب بالغراب، وينسبون إلى الروح الأمين× قولاً تعالى الله عنه علوّاً كبيراً…، إلى فرق كثيرة يضيق عنهم الإحصاء… وسلط الله على هذه الرافضة طائفة تعرف بالنبوية، سنّيون، يدينون بالفتوة وبأمور الرجولة كلّها، وكلّ مَنْ ألحقوه بهم لخصلةٍ يرَوْنها فيه منها يحزمونه السراويل فيلحقونه بهم، ولا يرَوْن أن يستعدي أحدٌ منهم في نازلة تنزل به… وهم يقتلون هؤلاء الروافض أينما وجدوهم، وشأنهم عجيب في الأنفة والائتلاف)([39]).

أما آخر المصادر التاريخية التي ذُكرت فيها عقائد الغرابية فهو مصدر أدبيّ، ونقصد به كتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشا)، لأبي العبّاس أحمد القلقشندي(821هـ)، فقد أورد القلقشندي في كتابه بعض المعلومات عن فرق الشيعة الغالية، نقلاً عن أحد كتب الشهرستاني، فهو يقول: (فأما مع إجماعهم على حبه ـ يقصد بذلك الشيعة الغالية ـ فهم مختلفون في اعتقادهم فيه؛ فمنهم أهل غلوّ مفرط وعتوّ زائد، ففيهم مَنْ أدى به الغلوّ إلى أن اتّخذ عليّاً إلهاً، وهم (النصيرية)؛ ومنهم مَنْ قال: إنه النبيّ المرسل، وإن جبريل غلط، ومنهم مَنْ قال: إنه شريك في النبوّة والرسالة…)([40]).

ملاحظاتٌ على ذكر فرقة الغرابية في المصادر التاريخية

1ـ إن هناك الكثير من كتب التاريخ والتراجم والجغرافيا والرحلات والأدب المهمة على مدار التاريخ الإسلامي ـ وعلى الأخصّ في القرون الأولى ـ قد أهملت تماماً أيّ ذكر لفرقة الغرابية، فلم تورد اسمها أو تتطرق إلى عقائدها، رغم أن تلك الكتب قد تعرضت في الكثير من مواضعها للحديث عن المذهب الشيعي، والفرق المتفرعة منه. ومن تلك الكتب:

1ـ كتاب سُلَيْم بن قيس الهلالي(76هـ).

2ـ وقعة صفين، لنصر بن مزاحم المنقري(212هـ).

3ـ الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد بن منيع الزهري(230هـ).

4ـ تاريخ خليفة بن خياط العصفري(240هـ).

5ـ عيون الأخبار، لابن قتيبة الدينوري(276هـ).

6ـ أنساب الأشراف، لأحمد بن يحيى البلاذري(279هـ).

7ـ فتوح البلدان، لأحمد بن يحيى البلاذري(279هـ).

8ـ كتاب بغداد، لابن طيفور(280هـ).

9ـ الأخبار الطوال، لأبي حنيفة الدينوري(282هـ).

10ـ تاريخ اليعقوبي، لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح(292هـ).

11ـ تاريخ الرسل والملوك، لابن جرير الطبري(311هـ).

12ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر، لعليّ بن الحسين المسعودي(346هـ).

13ـ التنبيه والإشراف، لعليّ بن الحسين المسعودي(346هـ).

14ـ مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج الأصبهاني(356هـ).

15ـ الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني(356هـ).

16ـ تجارب الأمم وتعاقب الهمم، لأبي عليّ أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه(421هـ).

17ـ سفر نامه، لناصر خسرو(481هـ).

18ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي(597هـ).

19ـ الإشارات إلى معرفة الزيارات، لأبي الحسن الهروي(611هـ).

20ـ معجم البلدان، لياقوت الحموي(626هـ).

21ـ الكامل في التاريخ، لابن الأثير الجزري(630هـ).

22ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي(656هـ).

23ـ مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور(711هـ).

24ـ سير أعلام النبلاء، لشمس الدين الذهبي(748هـ).

25ـ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، لشمس الدين الذهبي(748هـ).

26ـ البداية والنهاية، لابن كثير الدمشقي(774هـ).

27ـ تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، لابن بطوطة(779هـ).

28ـ كنز الدرر وجامع الغرر، لابن إيبك الداوداري(أواخر القرن الثامن الهجري).

29ـ تاريخ ابن خلدون(808هـ).

30ـ روض المناظر في علم الأوائل والأواخر، لمحب الدين ابن الشحنة(815هـ).

31ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لابن تغري بردي(874هـ).

32ـ أخبار الدول وآثار الأول، لأحمد بن يوسف القرماني(1019هـ).

2ـ إننا لو رجعنا لكتابات ابن قتيبة الدينوري الأخرى لوجدنا أن هناك صمتاً تامّاً عن ذكر فرقة الغرابية، رغم أنه كان من المنطقي أن تذكر تلك الفرقة أثناء الحديث عن فرق الشيعة في كتابه الأشهر: الإمامة والسياسة، الذي يعرف بـ (تاريخ الخلفاء).

ولعل الشبهات التي أُثيرت في السنوات الماضية حول صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن قتيبة تُعطي إجابةً منطقية قويّة لعدم ورود ذكر الفرقة الغرابية فيه([41]).

3ـ إن المنهج المعتاد الذي اتّبعه ابن قتيبة الدينوري في كتابه المعارف، عند الحديث عن الفرق الشيعية والخارجية والمرجئة والقدرية، كان يقتضي إما أن يتم ذكر الشخص الذي تنتسب الفرقة إليه، أو أن يذكر عددٌ من الرجال المنتسبين إلى الفرقة. ونلاحظ أن ابن قتيبة قد خالف منهجه هذا عند حديثه عن الفرقة الغرابية، وأشار بنفسه إلى ذلك، وهو الأمر الذي يؤكد أن ابن قتيبة ـ رغم كونه أول مَنْ يتناول الغرابية ـ لم يكن يملك الكثير من المعلومات عنهم.

4ـ إن كتاب البدء والتاريخ، الذي يعتبر المصدر الثاني ـ من حيث الترتيب الزمني والتاريخي ـ الذي يذكر الفرقة الغرابية، توجد الكثير من الشكوك حول نسبته إلى المطهَّر بن طاهر المقدسي؛ حيث إن ذلك الكتاب قد ظلّ قروناً عديدة تتم نسبته إلى أبي زيد البلخي([42])، حتّى تم نشر كتاب الثعالبي في تاريخ الفرس، وورد فيه صراحةً أن كتاب البدء والتاريخ من تأليف المطهَّر بن طاهر المقدسي. وعلى هذا فإنه يجب أن نتّخذ مزيداً من الحرص والانتباه قبل أن نأخذ معلومات عن فرقة الغرابية من هذا الكتاب.

5ـ إن نشوان الحميري، صاحب كتاب (الحور العين)، قد مرَّ في حياته بمراحل متقلبة، من حيث انتمائه المذهبي والسياسي. فقد ابتدأ حياته الفكرية بميول اعتزالية واضحة، فدخل في العديد من الخلافات والصراعات مع علماء المذهب الشيعي الزيدي في اليمن، وغلبت عليه النعرة والعصبية اليمنية القحطانية، وأعلن رفضه لحصر الإمامة في قريش، وحاول أن يدعو لنفسه في بعض الجهات في اليمن، فلما فشل في ما طمح إليه رجع مرّةً أخرى للمذهب الزيدي، وتوافق مع علمائه.

وربما كان جزء الفرق الشيعية الذي كتبه الحميري في (الحور العين) قد كتبه في المرحلة المبكرة من حياته، فإذا كان الأمر كذلك فإنه ليس من البعيد أن نشوان قد حرص على أن يذكر العديد من الفرق والطوائف الشيعية الإمامية صاحبة الاعتقادات المنكرة والأفكار الغريبة الشاذّة؛ لأن ذكر تلك الفرق كان ـ بطريقةٍ أو بأخرى ـ سوف يزيد من قوّة مذهبه ورأيه في مواجهة خصومه. ولهذا يجب أن لا نسلِّم بما أورده الحميري في كتابه عن الغرابية بدون تدقيقٍ وتحقيق.

6ـ إن ابن جبير الأندلسي هو المؤرِّخ الرحالة الوحيد الذي يذكر صراحةً في كتابه أنه قد تعامل أو شاهد أو لمس تواجد عددٍ من أتباع الفرقة الغرابية أثناء زيارته لبلاد الشام. ولذلك يجب أن يُعطى هذا الكتاب أهمّية خاصة عند مناقشة ما ذُكر فيه عن فرقة الغرابية. وسوف أحاول إجمال ذلك في عددٍ من النقاط:

أـ إن رحلة ابن جبير إلى المشرق كانت في فترةٍ حرجة من تاريخ الإسلام والمسلمين عموماً، وفي بلاد المشرق خصوصاً؛ إذ إن الكثير من الصراعات كانت دائرة بين المسلمين والصليبيين، وكانت الحروب بين الطرفين تدور بلا انقطاعٍ. وفي أثناء رحلة ابن جبير إلى مصر وبلاد الشام كان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قد أنزل بالصليبيين عدداً من الهزائم الساحقة المتوالية، ما جعل منه ـ أي صلاح الدين ـ بطلاً دينياً عظيماً في أعين ابن جبير ومَنْ شابهه من الرحّالة المغاربة القادمين لزيارة بلاد المشرق الإسلامي. ونلاحظ أنه خلال كتاب ابن جبير توجد العديد من الإشارات التي يُفهم منها إشادة ابن جبير بصلاح الدين، وإعجابه به، وتحيُّزه له.

ب ـ إن العلاقة المتوترة بين صلاح الدين الأيوبي من جهةٍ والشيعة ـ بمختلف طوائفهم وفرقهم ـ عموماً، والإسماعيلية منهم خصوصاً، من جهةٍ أخرى، قد ألقت بظلالها بشكلٍ واضح ظاهر على توصيفات ابن جبير للجماعات الشيعية التي لاقاها في رحلته، وخصوصاً أنه ـ وكما قلنا في الملاحظة الأولى ـ كان شديد التعصُّب لصلاح الدين.

ج ـ إن الخلفية الفكرية الثقافية المذهبية التي كانت لابن جبير قد أثَّرت كثيراً في توصيفه وشرحه للأحداث التي شاهدها وعاصرها في رحلته.

فابن جبير كان واحداً من علماء الأندلس الكبار في الفقه والحديث وعلوم القرآن، ومن المؤكَّد أنه ـ أثناء مرحلة دراسته المبكرة في الأندلس ـ قد درس كتب الفرق والمذاهب السنية التي تناولت وتحدثت عن الفرق الشيعية، وخصوصاً الفرق الغالية، ومن المرجَّح أنه قد درس كتاب (الفصل في الأهواء والملل والنحل)، لابن حزم، والذي كان عمدة الكتب المختصّة بهذا الفنّ وذلك العلم في الأندلس.

وقد أدَّتْ تلك الدراسة لتشكيل عقلية ابن جبير بطريقةٍ معينة، بحيث نراه يقوم بتوصيف جميع الأحداث التي يراها أو المواقف التي يتعرَّض لها عبر عقليته ذات التوجُّه المذهبي السنّي القوي، الذي ينظر إلى الآخر الشيعي بواسطة الكتابات المبكرة التي درسها في موطنه، فأصبحت تلك الكتابات حجّةً على الواقع الذي يعيشه، ومن ثم فقد فسَّر ابن جبير مذاهب ومعتقدات الأقوام والجماعات الشيعية التي مرّ بها عن طريق التراث الفكري الموجود في مخيَّلته سلفاً، والذي تمّ تدعيمه وتقويته بفعل العلاقات المعقدة بين صلاح الدين وأعدائه من الشيعة.

ويظهر ذلك في عددٍ من التوصيفات التي يُطلقها ابن جبير على عددٍ من الفرق الشيعية، فهو يفرِّق بين الرافضة ـ الذين يصفهم بالسبّابين ـ والإمامية، بالرغم من أنه من المعروف والشائع أن الفرقتان كيانٌ واحد.

وكذلك هو يرمي الإسماعيلية بأنهم يعتقدون بألوهية عليّ بن أبي طالب، بالرغم من أن المصادر والكتابات الشيعية الإسماعيلية التي كانت موجودةً في زمن ابن جبير تؤكِّد عدم صحة ذلك الاعتقاد.

وهنا نجد أنه؛ واستكمالاً للسياق الذي استخدمه ابن جبير في توصيفه للشيعة في دمشق، يتحدَّث عن أتباع الفرقة الغرابية، وليس معنى ذلك أنه قد شاهد أو خالط أو تعامل مع أحدٍ من تلك الفرقة، بل هو ـ في الواقع ـ قد أكمل بكلامه عنها الصورة الذهنية الموجودة في عقله ومخيَّلته عن فرق الشيعة المارقة المبتدعة.

د ـ إن الفترة التي قضاها ابن جبير في دمشق لا تكفي لتعرُّفه على جميع تلك العقائد والأفكار والمبادئ التي ينسبها إلى فرق الشيعة المختلفة؛ إذ إن ابن جبير قد وصل دمشق يوم 24 ربيع الأول([43])، وخرج منها متَّجهاً إلى عكا في مطلع جمادى الآخرة([44])، ومعنى ذلك أنه لم يقْضِ في دمشق إلاّ أقلّ من سبعين يوماً، فهل تكفي تلك الفترة البسيطة للحصول على ذلك القدر الكبير من المعلومات والمعتقدات والآراء الخاصّة بأصحاب المذاهب الأخرى بشكلٍ صحيح وسليم؟

هـ ـ إن ابن جبير أثناء وصفه لمعتقدات الفرق الشيعية المنتشرة في أنحاء دمشق يذكر أن هناك فرقة أو طائفة كانت تُعرف باسم (النبوية)، ويُفهم من كلام ابن جبير أن تلك الطائفة كانت سنّية المذهب، وأن أتباعها كانوا يُعْرَفون بالقوة والقدرة على القتال والعراك، وأن تلك الطائفة قد وجَّهت جهودها الرئيسة للقضاء على الشيعة الروافض والإسماعيلية.

وقد تطرَّق ابن جبير في موضعٍ آخر من كتابه للحديث عن إحدى الحوادث التي وقعت في منطقة تُعرف بـ (الباب)، حيث اجتمع الكثير من النبوية ضدّ الشيعة الإسماعيلية ـ الذين يصفهم ابن جبير بأنهم ملاحدةٌ ـ، حيث تمّ قتلهم جميعاً حتى (استأصلوهم عن آخرهم، وعجَّلوا بقطع دابرهم، وكوّمت بهذه البطحاء جماجمهم)([45]).

وابن جبير أثناء وصفه لتلك الأحداث، التي تقترب من أن تكون (مجازر وحروب إبادة جماعية)، يُعلن بوضوح تأييده ومساندته لطائفة النبوية، فهو يعلِّق على أعمالهم بأن الله هو الذي سلَّطهم على الروافض([46])، ويحاول في كلّ موقفٍ أن يبرز مناقبهم وصفاتهم الحميدة([47]).

فما العلاقة إذن بين طائفة النبوية وفرقة الغرابية؟

الحقيقة أن ابن جبير قد حاول بشتّى السبل وبمختلف الطرق والوسائل أن يبرِّر قيام النبوية بما قاموا به من أعمال وحشية ضدّ الشيعة في دمشق، ولذلك وجد أنه لزاماً عليه ـ حتّى يبدو حديثه أقرب إلى المنطق عند قارئ كتابه ـ أن يصبغ الشيعة الساكنين في تلك النواحي بالكثير من الصفات والاعتقادات الشاذّة الغريبة، الأقرب للأسطورة والخرافة منها إلى الحقيقة والواقع، فاستدعى الأوصاف التي وُصفت بها الفرق الشيعية في كتابات سابقيه، وأسقطها على الشيعة الشاميّين الذين تمّ التنكيل بهم في عصره.

و ـ إن هناك عدداً من المصادر والكتب التي تمّ تدوينها بواسطة رحّالة آخرين في فتراتٍ زمنية قريبة من فترة زيارة ابن جبير لدمشق، ولم تذكر تلك المصادر أيّ شيءٍ عن فرقة الغرابية.

ففي عام 440هـ تقريباً زار الرحّالة الإيراني ناصر خسرو علوي بلاد الشام، ودمشق تحديداً، وذكر بعض المعلومات المهمّة عن الشيعة في تلك المناطق([48])، ولكنه لم يذكر وجود فرقة تُعْرَف بالغرابية.

أما أبو الحسن الهروي فقد زار دمشق في نفس الوقت ـ تقريباً ـ الذي زارها فيه ابن جبير، ولكنّه ـ مثل ناصر خسرو ـ لا يقدِّم لنا في كتابه (الإشارات في معرفة الزيارات) أيّ معلومةٍ عن الغرابية.

وكذلك نجد أن الرحالة الأشهر ابن بطوطة لم يذكر شيئاً عن تلك الفرقة، رغم أنه تطرَّق كثيراً للحديث عن الشيعة، والمواقف التي شاهدها منهم، في عددٍ من المواضع المتفرقة من كتابه. فكيف نستطيع أن نفسِّر سكوت تلك المصادر عن ذكر الغرابية؟ مع العلم أنه من الصعب أن تكون التركيبة السكانية المذهبية قد تغيَّرت في دمشق لأكثر من مرّةٍ في الفترة الزمنية الممتدّة من القرن الخامس إلى القرن الثامن الهجريين.

7ـ إن المعلومات التي يذكرها القلقشندي في كتابه صبح الأعشى عن عقائد وأفكار الفرقة الغرابية ـ وإنْ لم يصرِّح باسمها ـ قد صرحَّ وبيَّن أنه قد أخذها من كتابٍ آخر يُدعى بـ (التعريف)، للشهرستاني([49]). وهذا يؤكِّد على أن تلك الفرقة لم تكن متواجدةً في زمن القلقشندي (في القرنين الثامن والتاسع الهجريين). ومما يدعم هذا الرأي أن القلقشندي، بعد أن تحدَّث عن الفرق الغالية، يقوم بالتنبيه على أن هناك خمس فرق شيعية ما تزال موجودةً وباقيةً حتّى زمنه، وتلك الفرق هي:

1ـ الزيدية؛ 2ـ الإمامية؛ 3ـ الإسماعيلية؛ 4ـ الدرزية؛ 5ـ النصيرية.

ج ـ فرقة الغرابية في كتب الرجال والجرح والتعديل

تُعتبر كتب الرجال والجرح والتعديل من أهمّ المصادر التي من الممكن أن تعطينا معلومات مهمة عن فرقة محدّدة أو مذهب بعينه؛ بسبب أن علماء الجرح والتعديل قد اهتمّوا في كتاباتهم بأن يصنِّفوا الرواة والمحدِّثين، وأن يُعرِّفوهم ويترجموا لهم، حتى يكون من المعروف بعد ذلك هل يمكن أن يُقبل منهم الحديث أو الرواية أم لا؟

وهناك معياران رئيسيان اهتم علماء الرجال بتبيانهم بالنسبة للشخصيات الذين تمت الترجمة لهم في كتبهم، وهما:

الأول: عقيدة ومذهب الشخص المُتَرْجَم له.

الثاني: درجة حفظ الشخص وصدقه.

ولذلك اهتم علماء الرجال بالبحث في عقيدة وأفكار ومبادئ الأشخاص الذين ترجموا لهم، فبيَّنوا مَنْ اتَّبع مذاهب الشيعة والخوارج والمعتزلة والقدرية وغيرها من الفرق والمذاهب الإسلامية.

وقد راجعت عدداً من أهم كتب الرجال والجرح والتعديل السنية، والتي اهتمت بشكلٍ خاص بالضعفاء والمجروحين من الرواة والمحدِّثين، لعلّي أجِدُ بعض الرجال المذكورين في تلك الكتب ممَّنْ نسبهم العلماء السنّة إلى الفرقة الغرابية. ومن كتب الرجال التي رجعت إليها:

1ـ الضعفاء والكذابين والمتروكين، لأبي زرعة الرازي(264هـ).

2ـ الضعفاء والمتروكين، لأحمد بن شعيب النسائي(303هـ).

3ـ الضعفاء الكبير، لمحمد بن عمرو بن موسى بن حمّاد العقيلي المكّي(322هـ).

4ـ المجروحين من المحدِّثين، لابن حِبّان البستي(354هـ).

5ـ الكامل في ضعفاء الرجال، لعبد الله بن عدي الجرجاني(365هـ).

6ـ تاريخ أسماء الضعفاء والكذّابين، لعمر بن أحمد بن شاهين(385هـ).

7ـ الضعفاء والمتروكون، لأبي الحسن علي الدارقطني(385هـ).

8ـ المدخل إلى الصحيح، للحاكم النيسابوري(405هـ).

9ـ الضعفاء، لأبي نعيم الأصبهاني(430هـ).

10ـ المغني في الضعفاء، لشمس الدين الذهبي(748هـ).

11ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لشمس الدين الذهبي(748هـ).

12ـ لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني(852هـ).

ثم رجعتُ إلى عددٍ من أهم كتب الرجال والجرح والتعديل الشيعية الإمامية، في محاولةٍ للعثور على أيّ ذكر لفرقة الغرابية. ومن الكتب التي رجعت إليها:

1ـ كتاب الرجال، لأبي جعفر البرقي(274هـ).

2ـ رجال أحمد بن علي النجاشي(450هـ).

3ـ رجال الكشّي، لمحمد بن الحسن الطوسي(460هـ).

4ـ الفهرست، لمحمد بن الحسن الطوسي(460هـ).

5ـ معالم العلماء، لابن شهرآشوب المازندراني(588هـ).

6ـ كتاب الرجال، لابن داوود الحلي(بعد 707هـ).

7ـ ترتيب خلاصة الأقوال في معرفة علم الرجال، لابن المطهر الحلّي(726هـ).

ملاحظاتٌ عامّة على ذكر فرقة الغرابية في كتب الرجال

1ـ إنه لم يتمّ ذكر فرقة الغرابية مطلقاً في أيّ كتابٍ من الكتب السابقة، سواء السنية منها أو الشيعية.

2ـ إن الكتب السنية قد ذكرت العديد من الرجال الذين تمّ تضعيفهم نظراً لاتّباعهم مذاهب وفرق تختلف عن المنهج السنّي، مثل: الفرق الزيدية والإمامية والخارجية والمعتزلة.

3ـ إن الكتب الشيعية قد اهتمَّتْ بذكر العديد من الرجال الذين ينتمون إلى فرق شيعية مختلفة عن المذهب الإمامي.

فالبرقي يذكر عدداً من أعلام الفرق الشيعية الشاذّة، مثل: (أبي الجارود زياد بن المنذر)، صاحب الفرقة الجارودية([50]).

وكذلك نجد النجاشي في كتابه يذكر عدداً من رجال الفرقة الواقفية([51])، مثل: (زكريا بن محمد)([52])، ويذكر (عبد الله بن ميمون القدّاح)([53])، ومن المعروف أنه واحدٌ من أعلام المذهب الإسماعيلي.

أما الطوسي، الذي يعرف بشيخ الطائفة، فقد أورد في كتابه الفهرست منهجه في اختيار الرجال الذين يترجم لهم، بقوله: (فلا بُدَّ أن أشير إلى ما قيل فيه ـ يقصد الشخص الذي يترجم له ـ من التعديل والتجريح، وهل يعوَّل على روايته أو لا؟ وأبيِّن عن اعتقاده، وهل هو موافقٌ للحقّ أو هو مخالف له؟ لأن كثيراً من مصنِّفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة)([54]).

فنجده قد اهتمّ بأن يضع تراجم للكثير من الرجال المخالفين لمذهب الإمامية في كتابَيْه: (الفهرست)؛ و(رجال الكشي)، فهو يترجم لعددٍ من الرجال أصحاب المذاهب الشاذّة المنكرة([55])، كالفطحية والواقفية والغالية والخطّابية والبترية والجهمية والكيسانية.

وفي كتاب معالم العلماء، لابن شهرآشوب المازندراني، يتابع المؤلِّف نهج الطوسي في الترجمة لأسماء مصنِّفي كتب الشيعة، فيذكر عدداً من أتباع الفطحية([56]) والزيدية([57]).

أما ابن داوود الحلي فقد خصَّص الجزء الثاني من كتابه لتراجم الضعفاء والمهملين والمتروكين والمبتدعة، ومع ذلك نجده يذكر أسماء عددٍ من أتباع الواقفية([58]) والزيدية([59]) والخوارج([60]) والخطابية([61]). إلاّ أنه لا يذكر شيئاً عن الفرقة الغرابية.

وأخيراً فإننا لو رجعنا إلى كتاب ترتيب خلاصة الأقوال في معرفة علم الرجال، لابن المطهر الحلّي، فإننا سنجده يتابع سابقيه في عدم ذكر أيّ شيء عن فرقة الغرابية، رغم أنه يذكر عدداً من أتباع الفرق الشيعية الأخرى، التي ينظر لها عموم الإمامية على كونها فرقاً كافرة مارقة. فعلى سبيل المثال: انظر في ترجمته لـ (محمد بن نصير النميري)، صاحب فرقة النصيرية، فهو يقول عنه: (يدعي أنه رسولٌ نبيّ، وأن عليّاً محمدٌ‘ أرسله، وكان يقول بالتناسخ، ويغلو في أبي الحسن×، ويقول فيه بالربوبية)([62]).

ونلاحظ أن العقيدة النصيرية، التي تظهر في ذلك الكلام، تقترب كثيراً من عقائد الغرابية في أقوال كتب الفرق السنّية. ورغم ذلك فقد تمّ ذكر الفرقة النصيرية في جميع كتب الشيعة حيث تمّ الاعتراف بوجودها، وإعلان البراءة منها، والاختلاف معها، بينما لم يتمّ ذكرالغرابية مطلقاً في مصادر كتب الرجال الشيعية.

4ـ لعلّ الكتاب الشيعي الوحيد الذي يذكر فرقة الغرابية هو أحد المراجع الحديثة في علم الرجال، وأقصد به كتاب (طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال)، للسيد علي البروجردي.

فقد جاء في هذا الكتاب تقسيم فرق المسلمين بعد وفاة الرسول‘ إلى مائة فرقة، وتمّ وضع فرقة الغرابية في المرتبة رقم تسع وعشرين من تلك الفرق([63]).

وورد تبيان عقيدة تلك الفرقة بقولهم: (إن محمداً بعليٍّ أشبه من الغراب بالغراب، والذباب بالذباب، فبعث الله جبرائيل إلى عليٍّ، فغلط جبرائيل في تبليغ الرسالة من عليٍّ× إلى محمد‘، وقال شاعرهم: غلط الأمين عن حيدرة، فيلعنون صاحب الريش)([64]).

والحقيقة أن ذلك التصريح بالغرابية في ذلك الكتاب لا يمكن أن يؤخذ كدليلٍ على إثبات وجود تلك الفرقة عند الشيعة؛ لعددٍ من الأسباب، وهي:

الأول: إن مؤلِّف الكتاب لم يوضِّح المصادر التي اعتمد عليها في ما نقله عن عقائد الفرقة الغرابية. وأغلب الظنّ أنه نقل عن مصادر ومراجع سنّية.

الثاني: إن البروجردي في كتابه قد ذكر أسماء مائة فرقة قد تشعَّبت عن الدين الإسلامي بعد وفاة الرسول‘. ويبدو أن البروجردي كان ينقل أسماء تلك الفرق ومعتقداتها دون أن يهتمّ بمسألة الوجود التاريخي الزمني الحقيقي لها من عدمه، فقد وضع البروجردي في كتابه أسماء كلّ الفرق التي قابلته في الكتابات والمصادر التاريخية دون نقدٍ أو تمحيص.

الخلاصة

الحقيقة أنه لكي نثبت الوجود التاريخي لفرقةٍ أو طائفة معينة يجب أن يتوافر عددٌ من الشروط والمعايير لذلك. ونستطيع تلخيصها في:

ـ عدد من الشخصيات الواقعية التي ثبت أنها قد انتسبَتْ لتلك الفرقة.

ـ وجود زمني لتلك الفرقة، أي إنه يلزم أن نعرف المدى الزمني الذي تواجدت فيه.

ـ وجود مكاني، أي إنه يلزم أن نعرف الأماكن والمناطق والأقاليم التي انتشر فيها أتباع تلك الفرقة.

ـ العقيدة والأفكار، أي الإطار الفكري أو الأيديولوجي الذي جمع بين أفراد تلك الفرقة.

ـ التأثير على الوسط المحيط، أي صدام تلك الفرقة مع الفرق المحيطة بها، والتأثير المتبادل بين الفرقة من جهةٍ والوسط المحيط بما يضمّ من فرقٍ ومذاهب وأفكار مختلفة من جهةٍ أخرى.

فلو طبَّقنا تلك الشروط الخمسة على ما نقلته لنا كتب التراث السنّي عن فرقة الغرابية لوجدنا أنه يمكننا أن نجزم بعدم تواجد تلك الفرقة على مسرح الأحداث التاريخية الواقعي، وأنها كانت فرقةً مختلقة، صنعَتْها عقلية أعداء الشيعة من أهل السنة والجماعة، ونشروها في كتبهم ومؤلَّفات علمائهم على مدار القرون المتعاقبة بشكلٍ عفويّ في بعض الأحيان، وبشكلٍ متعمَّد وبطريقة مُمنهجة في أحيان أخرى؛ وذلك بغرض التشنيع على الشيعة الإمامية، وإضعاف عقائدهم، والاستهزاء بأفكارهم ومبادئهم.

ثانياً: مناقشة أفكار الغرابية في ضوء عقائد الشيعة الإمامية

استناداً إلى جميع المعلومات التي وردت في المصادر والمراجع التي ذكرناها يمكننا أن نحدِّد عقائد وأفكار فرقة الغرابية في النقاط الثلاث التالية:

1ـ إنهم يؤمنون بأن النبوة في الأساس كانت من حقّ عليّ بن أبي طالب، وأن الله تعالى قد أراد أن يجعل من عليٍّ رسولاً له.

2ـ إن جبريل أخطأ ـ إما بقصد أو عن طريق السهو ـ فنزل بالرسالة على محمد‘، بدلاً من عليٍّ، ولذلك فهم يلعنون جبريل، ويكرهونه. ومن ذلك: قول أحد شعرائهم:

غلط الأمين فجازها عن حيدر *** والله ما كان الأمين أميناً

3ـ إنهم عرفوا بالغرابية؛ لأنهم اعتقدوا أن محمد‘ كان يشبه عليّاً كما يشبه الغراب الغراب، أو كما يشبه الذباب الذباب.

تلك هي المعلومات القليلة التي من الممكن أن نستحصل عليها من وسط ركام الأقوال والروايات المبعثرة في كتب الفرق والمذاهب والتاريخ.

وسوف أحاول في الصفحات القليلة التالية أن أناقش كلّ نقطةٍ من النقاط السابقة، وأن نقارن كلاًّ منها بالمعتقدات الرئيسة والأساسية للمذهب الشيعي الإمامي؛ وذلك بسبب أن معظم المصادر التي ذكرت الغرابية قالت: إنهم فرقة من فرق الإمامية والرافضة.

أـ الاعتقاد أن النبوة في الأساس كانت من حقّ عليّ بن أبي طالب، وأنها ذهبت عن طريق الخطأ لمحمد‘

إذا رجعنا إلى مفهوم النبوة في الفكر الشيعي الإمامي لوجدنا أن لها مكانة عظيمة في أصول الدين؛ حيث ترى الإمامية أن النبوة (وظيفة إلهية، وسفارة ربانية، يجعلها الله تعالى لمَنْ ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في إنسانيتهم)([65]).

وكذلك يعتقدون بنبوة محمد‘ ورسالته، ويصرِّحون بذلك في مختلف كتاباتهم ومؤلَّفاتهم. فعلى سبيل المثال: نجد أحد كبار علمائهم المعاصرين يقول: (نعتقد أن صاحب الرسالة الإسلامية هو محمد بن عبد الله، وهو خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وأفضلهم على الإطلاق)([66]).

وقد بلغت تلك الآراء من التواتر والشيوع والذيوع، في كتب الشيعة عموماً، والإمامية الاثني عشرية منهم خصوصاً، حدّاً جليّاً ظاهراً، بحيث يستحيل معه أن ينكر أحدٌ ذلك، أو يُثبت عكسه([67]).

كما أننا نجد أن الاعتقاد بنبوة محمد‘ وصدق رسالته قد ظهر في كتابات القوم على مدار القرون والسنين المتتابعة، فلم تَخْلُ فترة زمنية من وجود عالمٍ من علماء الشيعة يعلن فيها ويؤكِّد أن محمداً‘ هو النبيّ الحقّ، والرسول الخاتم للبشرية. ونظرةٌ واحدة في تواريخ وفاة علماء الإمامية الذين نقلنا عنهم مقالاتهم في الاعتقاد بنبوة محمد‘ سوف تثبت ذلك وتؤكِّده. وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الفترة الزمنية التاريخية التي من المفترض أن وُجدت بها الفرقة الغرابية؟ ولماذا لم يُشِرْ أيٌّ من العلماء الإمامية السابق ذكرهم إلى فساد عقائدهم وضلالهم، كما هي العادة التي درج عليها العلماء عند تبيان عقائد مذهبهم بإبراز وإظهار آراء مخالفيهم، ومهاجمتها وتفنيدها.

كما أننا في الوقت نفسه نجد أن جميع المصادر الشيعية: الإمامية الاثني عشرية([68])؛ والإسماعيلية([69])، قد أكَّدت على أن عليّ بن أبي طالب هو وصيّ الرسول‘ وخليفته، والإمام الأول من بعده، ولم يذكر أيٌّ من تلك المصادر أن عليّاً كان نبيّاً أو أحقّ بالنبوة.

وهناك ملاحظةٌ أخيرة بخصوص تلك النقطة، ألا وهي أن فكرة تنزُّل الرسالة على محمد‘ عن طريق الخطأ، وأن المقصود بالرسالة كان هو عليّ بن أبي طالب، هي فكرة تتعارض جملةً وتفصيلاً مع معتقد (البداء)([70]) الذي يؤمن به الشيعة الإمامية؛ إذ إن الاعتقاد بالبداء يوجب على أتباع الغرابية أن لا يكرهوا جبريل أو يلعنونه؛ لأنه في نظرهم قد قام بالفعل الذي أراده الله في صورته النهائية. وعليه لا يمكن أن نقتنع أن هناك فرقة واحدة تؤمن بالبداء وفي نفس الوقت تكره جبريل لخطئه (الذي كان مقدَّراً سَلَفاً في علم الله الأزلي المحيط).

ب ـ إن جبريل أخطأ في إنزال الرسالة على محمد‘، بدلاً من عليٍّ

هناك عددٌ من الملاحظات المهمة المتعلّقة بهذه النقطة:

الملاحظة الأولى: إن الإمامية يعتقدون أن الملائكة ـ ولا سيَّما جبريل، الذي هو واحد من المقدَّمين فيهم ـ معصومون لا يخطئون، وأنهم لا يقعون في الخطأ، ولا يقترفون معصيةً، ولا يعصون الله عزَّ وجلَّ مطلقاً. وهذا جانبٌ من اعتقادهم بعصمة الملائكة، كما ورد في واحد من أهمّ كتبهم: (والملائكة روحانيون، معصومون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يألمون، ولا يسقمون، ولا يشيبون، ولا يهرمون، طعامهم وشرابهم التسبيح والتقديس، وعيشهم من نسيم العرش، وتلذّذهم بأنواع العلوم، خلقهم الله أنواراً وأرواحاً كما شاء وأراد، وكلّ صنفٍ منهم يحفظ نوعاً ممّا خلق الله تعالى)([71]).

فكيف إذن والحال هذه يتهمون جبريل بالكذب أو الخيانة أو الخطأ المقصود المتعمد، ولا سيَّما أن جبريل واحد من أعظم الملائكة، وأرفعهم شأناً ومكانة، وهو الذي كان مكلفاً بتبليغ الرسالة من الله إلى الرسول‘، وقد ذُكر اسمه في عدد من الآيات القرآنية([72]) في مواضع التقدير والاحترام والتقديس؟!

الملاحظة الثانية: إن مسألة كره جبريل ولعنه تستدعي إلى الأذهان موقف اليهود الكاره والمعادي له. وهذا الموقف قد أشارت إليه الكثير من الروايات المفسِّرة لعددٍ من آيات القرآن الكريم([73]).

كما أن (ابن حجر العسقلاني) قد أورد في فتح الباري سبب كره اليهود لجبريل× بقوله: (وحكى الثعالبي عن ابن عبّاس أن سبب عداوة اليهود لجبريل أن نبيهم أخبرهم أن بختنصر سيخرب بيت المقدس، فبعثوا رجلاً ليقتله، فوجده شاباً ضعيفاً، فمنعه جبريل من قتله، فقال له: إنْ كان الله أراد هلاككم على يده فلن تسلط عليه؛ وإنْ كان غيره فعلى أيّ حقّ تقتله، فتركه، فكبر بختنصر، وغزا بيت المقدس، فقتلهم، وخربه، فصاروا يكرهونه لذلك)([74]).

والحقيقة أن المصادر والمراجع اليهودية تعطي لنا صورة مختلفة بعض الشيء عن الصورة التي تقدِّمها لنا المصادر الإسلامية حول مسألة كره اليهود لجبريل×.

فالعهد القديم يقدِّم صورة إيجابية عن جبريل. ففي سفر دانيال يقوم جبريل بتبشير النبيّ دانيال بعددٍ من البشارات المهمة، وهو الذي ينقذ دانيال من جُبّ الأسود([75])، وهو كذلك الذي ينقذ الفتية اليهود الثلاثة من أتون النار الذين تمّ إلقاؤهم فيه في زمن نبوخذ نصر([76]).

أما لو رجعنا إلى المصادر اليهودية المتأخِّرة فسوف نجد أن الصورة التي ترسمها تلك المصادر لجبريل تقترب كثيراً من الصورة التي تقدِّمها لنا الكتب الإسلامية التراثية.

فقد ورد في الموسوعة اليهودية (Jewish Encyclopedia)، نقلاً عن بعض الأجزاء من المشنا([77]) والتلمود([78])، أن جبريل هو واحدٌ من الملائكة الأربعة التي تقف في الجوانب الأربعة من عرش الله، وهو بمثابة ملاك حارس للأجزاء الأربعة من العالم، وكذلك ورد (أن جبريل هو النار، وميكائيل هو البرد)([79]).

ولكنْ ما العلاقة التي تربط بين اعتقاد اليهود في جبريل واعتقاد الفرقة الغرابية فيه ـ الذي هو موضوع بحثنا ـ، وكرههم له؟

الحقيقة أن العلاقة بينهما وطيدةٌ إلى أبعد حدٍّ؛ ذلك أني أعتقد أن الفرقة الغرابية هي فرقةٌ مُختلَقة ولم يكن لها وجودٌ حقيقي، وأن أعداء الشيعة هم الذين اختلقوها؛ لاستخدامها في الدعاية ضدّهم. فلما فكَّر هؤلاء في الأفكار والمعتقدات التي يلصقونها بتلك الفرقة؛ للتشنيع عليها، لم يجدوا خيراً من بعض العقائد والأفكار المنسوبة إلى اليهود؛ بسبب أن اليهود أعداء طبيعيون ومنطقيون للمسلمين، فأيّ عقيدة يهودية يتمّ نسبتها إلى الغرابية فهي بالتأكيد سوف تضعف الشيعة والتشيُّع ككلّ، وسوف تبعدهم عن ثوابت الدين الإسلامي وقواعده الثابتة([80]). وسوف يتّضح ذلك بدرجةٍ أكبر عند مناقشة تناول بعض العلماء السنّة لمسألة الفرقة الغرابية، وكيف تم استخدامها في ضرب التشيُّع ككلّ.

الملاحظة الثالثة: إن هناك بيتاً من الشعر قد ورد كثيراً في المصادر الغرابية التي تذكر فرقة الغرابية؛ للتدليل على موقف أتباع تلك الفرقة من جبريل×. وقد ورد هذا البيت بعدّة صيغ، وبه بعض الاختلافات. والصورة الأكثر تكراراً له هي:

غلط الأمين فجازها عن حيدر *** والله ما كان الأمين أميناً

والتفسير الذي تقدِّمه تلك المصادر لذلك البيت أن الشاعر الذي قاله هو أحد شعراء فرقة الغرابية، وإن المقصود بالأمين هنا هو جبريل×، والضمير الملحق بجازها المقصود به النبوّة.

فلو رجعنا إلى الروايات الشيعية الإمامية التي تناولت ذلك البيت من الشعر لوجدنا أنها تقدم تفسيراً مختلفاً تماماً عن التفسير السابق. فالمقصود بالأمين يكون أبو عبيدة بن الجرّاح، والضمير الملحق بجازها يُقصد به الخلافة، لا النبوّة. أما الشاعر الذي أنشد البيت فهو أحد الشعراء المؤمنين بحقّ أهل البيت في خلافة الرسول‘.

وتفصيل ذلك: إن أبا عبيدة بن الجرّاح قد عُرف عند أهل السنّة والجماعة بلقب الأمين؛ حيث إن هناك عدداً من الأحاديث النبوية الواردة في الكتب السنّية تؤكّد أن الرسول‘ هو الذي أطلق عليه لقب (أمين الأمة)، واختصه بذلك الاسم([81]). وبالطبع فإن الشيعة الإمامية لا تقبل تلك الأحاديث، وتعتقد أنها أحاديث مكذوبة عن الرسول‘؛ لأن أبا عبيدة كان من أهمّ المناوئين لعليّ بن أبي طالب والمعارضين له بعد وفاة الرسول‘، وكان من أهمّ رجال الحزب القرشي الثلاثة الذين حضروا سقيفة بني ساعدة، وصرفوا أمر الخلافة إلى أبي بكر.

ولذلك فإن بيت الشعر ـ في هذا السياق ـ يُقْصَد منه التعريض والإنكار على أبي عبيدة، وإظهار خيانته للأمانة التي حملها الرسول‘ لأصحابه في غدير خمّ، عندما أوصى بأن يخلفه ابن عمّه عليّ بن أبي طالب([82]).

ج ـ إنهم عرفوا بالغرابية؛ لأنهم اعتقدوا أن محمداً‘ كان يشبه عليّاً كما يشبه الغراب الغراب، أو كما يشبه الذباب الذباب

وتوجد عدّة ملاحظات على هذه النقطة:

الملاحظة الأولى: من أكثر الأمور إثارةً للدهشة في ما يخصّ فرقة الغرابية هو اسمها: (الغرابية)؛ إذ إن معظم الفرق التي نجدها في التاريخ الإسلامي قد تمّ اشتقاق اسمها من أسماء عدد من مؤسِّسيها، أو كبار قادتها، مثل: الزيدية والخطابية والجارودية والإسماعيلية والسبئية وغيرها من الفرق. وكذلك من الممكن أن نجد فرقاً قد تسمَّتْ باسم أهمّ معتقداتها، كالمعتزلة والإمامية وغيرها. أما أن نجد فرقةً قد تسمَّتْ باسم طير أو حيوان فذلك أمرٌ غريب مستهجن لم يُعْرَف أو ينتشر في التاريخ الإسلامي.

والشيء الذي يزيد من دهشتنا حول الغرابية هو أن الاسم الذي اختارته تلك الفرقة؛ لتمييزها هو اسم طير يحمل الكثير من المعاني السلبية والبغيضة عند العرب، وفي العقلية العربية ـ الإسلامية ككلّ.

فالغراب هو الذي علَّم ابن آدم كيف يدفن أخاه القتيل([83])، وهو الرسول الذي بعث به نبيّ الله نوح لاستكشاف اليابسة بعد الفيضان، ولكنّه لم يرجع، فعرف نوح أن المياه لا تزال تغمر الأرض([84]).

فكما ارتبطت صورة الغراب بمعاني الموت واليأس في التراث الإسلامي القرآني والحديثي، فإننا نجدها قد ارتبطت أيضاً بالقتل والدمار والخراب في الواقع الزمني التاريخي؛ لأن الغراب دائماً ما كان يحضر بعد انتهاء المعارك والحروب، فيقوم بنهش لحوم وجثث القتلى، وهو بالطبع الأمر الذي جعل منه رمزاً للخسّة والدناءة والبُعْد عن معاني الشجاعة والإقدام([85]).

وقد ورد ذكر الغراب في عددٍ من الأحاديث النبوية التي يُفْهَم منها غلبة التشابه والتماثل([86]).

ونلاحظ أن بعض المصادر قد ذكرت أن فرقة الغرابية كانت تعتقد بالتشابه ما بين عليٍّ والرسول محمد‘، كالشبه بين الذباب والذباب، وهو الأمر الذي يأتي في نفس السياق الذي تقدِّمه تسمية الغرابية؛ لأن الذباب كان من الحشرات التي يحتقرها العرب، ويضربوا بها المثل في الضعف والصغر، حتّى ورد ذكره في القرآن الكريم بذلك المعنى([87]).

 والملخَّص الذي نخرج به من كلّ ما تقدَّم بخصوص اسم الغرابية أنه وسط كل تلك الانطباعات والآراء السلبية المرتبطة بذلك الاسم فإنه من الصعب أن تكون هناك فرقةٌ قد وجدت وسمَّتْ نفسها بهذا الاسم، حتّى لو حاولنا أن نبرِّر ذلك بشبه الغربان جميعاً، فإنه كان ـ من البديهي ـ أن يحاول أفراد تلك الفرقة أن ينسبوا أنفسهم إلى أيّ نوعٍ آخر من الحيوانات التي يحبّها العرب، والتي يشبه بعضها بعضاً بشكلٍ كبير ـ وما أكثرها! ـ، فماذا كان عليهم لو استخدموا اسم حيوان كالأسد أو الذئب أو أيّ حيوان آخر ترتبط به أفكار إيجابية؟!

إذن من المرجح عندي أن تلك التسمية التي لحقت بتلك الفرقة قد تم تسميتها من جانب أعدائها ومبغضوها، وهو أمرٌ نلاقيه كثيراً في أحداث التاريخ([88]).

الملاحظة الثانية: هل كان عليّ بن أبي طالب قريب الشبه فعلاً بمحمد‘ وقت نزول الرسالة، إلى الحدّ الذي يجعل جبريل يخطأ في التفرقة بينهما؟

بالنسبة إلى سنّ الرجلين من المعروف أنه حين نزول الرسالة كان عمر محمد‘ أربعون عاماً، بينما كان عمر عليّ بن أبي طالب لا يزيد عن سبعة أعوام.

أما بالنسبة إلى الشكل فقد تواترت الأقوال التي تصف محمداً‘ بأنه كان بين الطول والقصر، فهو أطول من القصير، وأقصر من الطويل، طويل الشعر، أقنى الأنف([89]). أما عليّ بن أبي طالب فقد وردت أوصافه على أنه قصير القامة، ضخم البطن، أصلع الرأس. فكيف إذن يمكن أن نشبه الاثنان ببعضهما؟!

ثالثاً: استخدام فرقة الغرابية في الدعاية المضادّة للتشيُّع

حفل التاريخ الإسلامي بالكثير من النماذج والأمثلة التي تمّ استخدام العقائد الدينية فيها لمهاجمة مذهب معين، أو التنديد بفرقةٍ أو بجماعة بعينها.

وكانت العقائد المنسوبة إلى فرقة الغرابية سبباً مهمّاً في أن الكثير من العلماء من أهل السنة والجماعة قد وجدوا أداةً فعالة يمكن أن يستخدموها ويستعينوا بها ضدّ الشيعة الإمامية، بحيث تمّ استغلال تلك العقائد في التشنيع على الشيعة، وتسفيه عقائدهم وأفكارهم، والحطّ من قدرهم، على مدار القرون الماضية.

وسوف أعرض بعجالةٍ لأقوال اثنين من أكبر وأعظم علماء السنّة في فرقة الغرابية، وهما: 1ـ ابن حزم الأندلسي(456هـ)؛  2ـ ابن تيمية(728هـ).

وقد قمتُ باختيار هذين العالمين الكبيرين على وجه الخصوص لعددٍ من الأسباب، وهي:

1ـ التنوُّع المكاني: فابن حزم كان يعيش في الأندلس، في أقصى المغرب الإسلامي؛ أما ابن تيمية فقد كان يعيش في قلب المشرق الإسلامي، في بلاد الشام ومصر.

2ـ التنوُّع الزماني: حيث إن كلاًّ من الرجلين كان يعيش في فترةٍ زمنية بعيدة كلّ البعد عن الفترة التي عاش فيها الآخر. فابن حزم عاش في القرن الخامس الهجري؛ أما ابن تيمية فعاش في أواخر القرن السابع وبدايات القرن الثامن الهجريّين. وعليه فإن متابعة ومراجعة مقالتَيْهما في فرقة الغرابية تعطي صورةً واضحة عن تناول العلماء من أهل السنّة والجماعة لمسألة الغرابية عبر القرون.

3ـ التنوُّع الفكري: حيث إن كلاًّ من: ابن حزم؛ وابن تيمية، كان مؤسِّساً لتياراً فكرياً إصلاحياً جديداً داخل الإطار العامّ للفكر الإسلامي السنّي. فابن حزم كان ظاهرياً، ولكنّ ظاهريته كانت تختلف كثيراً عن ظاهرية داوود الأصبهاني، مؤسِّس المذهب الظاهري؛ لأن المناخ الثقافي الفكري الأندلسي المحيط بابن حزم قد دفعه دفعاً لأن يسلك مسلكاً فقهياً مختلفاً عن سابقيه من أهل الظاهر.

وكذلك ابن تيمية كان حنبلياً، ولكنه كان مختلفاً عن حنابلة عصره، في كونه اتّجه للنظر العقلي، واستخدام مناهج أهل الجَدَل والكلام في الردّ عليهم.

ولجميع تلك الأسباب السابقة فإن لدراسة فرقة الغرابية من كتب هذين العالمين تحديداً أهمّية كبيرة في فهم كيف نظرت العقلية الجمعية السنّية إلى الاعتقادات المتداولة والشائعة عن تلك الفرقة؟ وكيف تمّ استخدامها في الصراع مع الاتجاه الشيعي الإمامي عموماً؟

أـ ابن حزم والغرابية

ابن حزم

هو أبو محمد عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم. ولد في قرطبة، عاصمة الدولة الأموية في الأندلس، في عام 384هـ. وكان أبوه أحمد بن سعيد بن حزم أحد كبار الوزراء في دولة الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر. كما أنه تولّى الوزارة في عهد ولدَيْه عبد الملك المظفَّر وعبد الرحمن شنجول. وكان من الطبيعي والحال كذلك أن ينشأ ابن حزم في ظلّ حياة مترفة منعمة، تليق بكونه ابناً لأحد كبار الوزراء في الدولة. وقد تابع ابن حزم الخطّ السياسي الذي اختطّه أبوه من قبل، فنجده بعد انهيار الدولة العامرية يعمل في عددٍ من المناصب الوزارية عند عددٍ من الخلفاء الأمويين، الذين أعلنوا خلافتهم أثناء الفتن والاضطرابات التي سادَتْ أنحاء وأرجاء الأندلس بعد اقتحام الزهراء والزاهرة، وتردُّد الأقوال عن وفاة الخليفة هشام المؤيّد بالله.

وكان ابن حزم قد بدأ حياته العلمية متَّبعاً المذهب الشافعي، ثمّ سرعان ما تركه، واتَّبع المذهب الظاهري، حتّى أصبح واحداً من أهمّ وأشهر أعلامه في العالم الإسلامي قاطبةً. وكان من الطبيعي أن يصطدم ابن حزم بالفقهاء والعلماء من أتباع المذهب المالكي، وخصوصاً أن ذلك المذهب كان أوسع المذاهب انتشاراً في الأندلس.

ودخل ابن حزم في العديد من المناظرات مع العلماء المالكيين، مثل: أبي الوليد الباجي وغيره. وكذلك دخل في العديد من المناقشات مع أتباع المذاهب العقائدية المختلفة، مثل: الأشاعرة، وأصحاب الديانات الأخرى، مثل: اليهود، والنصارى.

وقد عرف ابن حزم بقوّته وعنفه في مناظراته، حتّى قيل: (شقيقان: سيف الحجّاج؛ ولسان ابن حزم)([90]). وقد أدّى ذلك إلى نفور الكثير من الناس والعامّة منه، وتحريض العلماء والفقهاء ضدّه، حتّى انتهى به الأمر وقد تمّ نفيه في بلدته، وتمّ غسل كتبه ومَحْو ما فيها، بأمرٍ من ملك إشبيلية المعتضد بالله بن عبّاد. وكانت وفاة ابن حزم في عام 456هـ.

 وقد خلف ابن حزم وراءه تراثاً فكرياً ضخماً، حتّى قيل: إنه لا يوجد من علماء الإسلام مَنْ كان أكثر إنتاجاً علمياً من ابن حزم، سوى ابن جرير الطبري. وقد تنوَّعت مؤلَّفات ابن حزم في العديد من الاتجاهات؛ فقد كتب في الفقه والأنساب والأصول والعقائد والمذاهب وعلوم القرآن، حتّى أنه كتب كتاباً في الحبّ، يُعرَف بـ (طوق الحمامة في الآلفة والإيلاف)([91]).

ذكر الغرابية في كتابات ابن حزم

يعتبر كتاب الفصل في الأهواء والملل والنحل واحداً من أهمّ الكتب التي وصلتنا عن ابن حزم الأندلسي. وهذا الكتاب هو موسوعةٌ ضخمة، تعرَّض فيها ابن حزم لأقوال ومعتقدات عددٍ من الأديان المخالفة لدين الإسلام، مثل: اليهودية والنصرانية. كما أنه تعرَّض فيه لعددٍ من المذاهب العقائدية والفكرية التي خرجت من رحم الدين الإسلامي، مثل: الأشعرية، والمذهب الشيعي، ومذهب الخوارج، والجهمية، والمرجئة.

وقد اهتمّ ابن حزم في كتابه بذكر العقائد المنسوبة إلى كلّ فرقة أو جماعة، ثم الردّ عليها وتفنيدها وإثبات بطلانها وبُعْدها عن الطريق القويم. وقد ورد ذكر فرقة الغرابية في كتاب الفصل في الأهواء والملل والنحل عند ذكر شنائع الشيعة، حيث يقول: (واما الغالية من الشيعة فهم قسمان: قسمٌ أوجبت النبوّة بعد رسول الله‘ لغيره؛ والقسم الثاني أوجبوا الألوهية لغير الله عزَّ وجلَّ، فلحقوا بالنصارى واليهود، وكفروا أشنع الكفر.

فالطائفة التي أوجبت النبوّة بعد رسول الله‘ فرق: فمنهم: الغرابية، وقولهم: إن محمداً‘ كان أشبه بعليٍّ من الغراب بالغراب، وإن الله عزَّ وجلَّ بعث جبريل× بالوحي إلى عليٍّ، فغلط جبريل× بمحمد‘، ولا لوم على جبريل في ذلك؛ لأنه غلط.

وقالت طائفةٌ منهم: بل تعمَّد ذلك جبريل، وكفَّروه، ولعنوه، لعنهم الله.

قال أبو محمد: فهل سمع بأضعف عقولاً، وأتمّ رقاعةً، من قومٍ يقولون: إن محمداً‘ كان يشبه عليّ بن أبي طالب؟! فيا للناس! أين يقع شبه ابن أربعين سنة من صبيٍّ ابن إحدى عشرة سنة، حتّى يغلط به جبريل×. ثم محمدٌ× فوق الربعة إلى الطول، قويم القناة، كثّ اللحية، أدعج العينين، ممتلئ الساقين، قليل شعر الجسد، أفرع؛ وعليٌّ دون الربعة إلى القصر، منكب شديد الانكباب كأنّه كسر ثم جبر، عظيم اللحية، قد ملأت صدره من منكب إلى منكب إذا التحى، ثقيل العينين، دقيق الساقين، أصلع عظيم الصلع، ليس في رأسه شعرٌ، إلاّ في مؤخّره يسير، كثير شعر اللحية. فاعجبوا لحمق هذه الطبقة!

ثمّ لو جاز أن يغلط جبريل ـ وحاشا لروح القدس الأمين ـ كيف غفل الله عزَّ وجلَّ عن تقويمه وتنبيهه، فتركه على غلطه ثلاثاً وعشرين سنة. ثمّ أظرف من هذا كله: مَنْ أخبرهم بهذا الخبر؟ ومَنْ خرفهم بهذه الخرافة؟ وهذا لا يعرفه إلاّ مَنْ شاهد أمر الله تعالى لجبريل×، ثم شاهد خلافه. فعلى هؤلاء لعنة الله ولعنة اللاعنين، والملائكة والناس أجمعين، ما دام لله في عالمه خلق)([92]).

ملاحظاتٌ على مقالة ابن حزم في الغرابية

1ـ إنه من أهمّ الأسس المؤثِّرة المكوِّنة لشخصية ابن حزم الأندلسي هو انتماؤه وتعصُّبه للعنصر الأموي بشكلٍ كبير، ظهر واضحاً في كتاباته.

فرغم أن أصل ابن حزم تحيط به الكثير من الشكوك والغموض، ورغم أن هناك عدداً من الروايات المتضاربة حول ذلك الموضوع، فإن أقوى الآراء ترى أنه ينتهي نسبه إلى (يزيد الأندلسي القرطبي اليزيدي)، وهو أحد موالي يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي. وقيل: إن جدّ ابن حزم هو (خلف بن معدان)، الذي كان مصاحباً للأمير الأموي عبد الرحمن الداخل أثناء مجيئه للأندلس عقب فراره من العباسيين.

ومن المؤكَّد أن علاقة ابن حزم بالأمويين لم تقتصر على الموالاة والنسب فحَسْب، بل إننا ـ كما ذكرنا من قبل ـ نجد أن أباه قد عمل وزيراً في الدولة الأموية، وأن ابن حزم نفسه كان وزيراً لبعض الخلفاء الأمويين زمن الفتنة.

إذن فالعلاقة بين ابن حزم والأمويين لا سبيل إلى إنكارها، وقد بلغت من القوة والتوثيق ما جعل ابن حزم يتّخذ موقفاً فكرياً أموياً إنْ صحّ التعبير.

ويجب أن نلاحظ كيف أثر التعصُّب الأموي لابن حزم في معارضته للتشيُّع والتنديد به في الكثير من المواضع في كتابه، حتّى لو استخدم في سبيل ذلك بعض الأقوال أو المعتقدات غير الصحيحة.

فعلى سبيل المثال: نجده عندما يتناول مسألة صحة القرآن وحفظه من التغيير والتبديل يقول، في معرض ردّه على اليهود والنصارى: (وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من المسلمين، إنما هي فرقة حدث أوّلها بعد موت رسول الله‘ بخمس وعشرين سنة، وكان مبدؤها إجابة مَنْ خذله الله تعالى لدعوة مَنْ كاد الإسلام، وهي طائفةٌ تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر. وهي طوائف، أشدُّهم غلوّاً يقولون بألوهية عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وألوهية جماعة معه، وأقلُّهم غلوّاً يقولون بأن الشمس رُدَّتْ على عليّ بن أبي طالب مرتين)([93]).

وهو يؤكِّد على مسألة اعتقاد الشيعة الإمامية بتحريف القرآن بشكلٍ أكثر تفصيلاً في موضع آخر من كتابه، حيث يقول: (ومن قول الإمامية كلّهم، قديماً وحديثاً، أن القرآن مبدَّلٌ، زيد فيه ما ليس منه، ونقص منه كثير)([94]).

 والحقيقة أن مسألة اعتقاد الشيعة الإمامية بتحريف القرآن هي مسألة تحيط بها الكثير من الشكوك والظنون، بحيث لا يمكننا أبداً أن نصدِّق ابن حزم في جزمه وقطعه بذلك الرأي بتلك الصورة الحاسمة، ولا سيَّما أن علماء الإمامية القدامى والمحدثين قد تواترت كتاباتهم ومؤلَّفاتهم بما يحمل عكس ذلك وينفيه ويدحضه.

2ـ إن مقالة ابن حزم عن الغرابية لم تأتِ من مصادر ثابتة، أو من روايات قوية، بل إن ابن حزم قد أخذ تلك الروايات المرسلة بدون نقدٍ ظاهري أو باطني لها، ثم وضعها في كتابه، وعلَّق عليها وفنَّدها، دون أن يراجعها أو يحاول توثيقها؛ إذ إن ابن حزم قد جمع الكثير من المعلومات عن الشيعة والروافض من خلال أقوال علماء اليهود والنصارى المنتشرين في الأندلس، والذين كانوا يقدمون لمناظرة ابن حزم في الكثير من الأحيان، وكان هؤلاء العلماء كثيراً ما يقدِّمون الكثير من المطاعن والشبهات لضرب الإسلام، فكانوا يلتمسون تلك المعلومات في أيّ كتاب أو مصنَّف تصل أيديهم إليه، ثم يعرضونه على علماء المسلمين للردّ عليه.

ولمّا كان ابن حزم من أهمّ المناظرين المسلمين فقد اطَّلع بحكم خبرته على الكثير من تلك المطاعن والشبهات التي أتى بها اليهود والنصارى من الكتابات التي وضعت للردّ على الشيعة الإمامية، فآثر أن ينفيها جملةً واحدة بتكفير الإمامية واعتبارهم خارجين عن الدين الإسلامي، ثم بدأ في استخدام تلك الطعون في الردّ والهجوم على أصحاب المذهب الإمامي الشيعي أنفسهم، دون أن يهتمّ بتحقيق تلك الروايات التي بُنيت عليها الشبهات من الأساس.

ولذلك نجده عند الحديث عن الغرابية يطرح الكثير من الأسئلة المستنكرة، ويظهر السخرية والتهكُّم على كيفية اعتقاد جماعةٍ أو فرقة بتلك المعتقدات. وكان الواجب أن يحقق تلك الروايات، وأن يتأكَّد من وجود فرقةٍ تقول بتلك الأقوال، قبل أن يستخدمها في نقد خصومه.

والباحث في منهجية ابن حزم في كتاباته ومؤلَّفاته سيجد أن هناك الكثير من العلماء الذين انتقدوه وهاجموه بسبب تلك النقطة تحديداً.

فعلى سبيل المثال: نجد أن القاضي أبا بكر بن العربي المالكي(543هـ) يوجِّه سهام النقد لابن حزم، في كتابه العواصم من القواصم، فيقول عنه: (ينسب إلى دين الله ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا؛ تنفيراً للقلوب منهم)([95]).

وها هو تاج الدين السبكي الشافعي(771هـ)، في كتابه طبقات الشافعية الكبرى، يفصل تلك المسألة، فيقول: (وهذا ابن حزم رجلٌ جريءٌ بلسانه، متسرِّع إلى النقل بمجرّد ظنّه، هاجم على أئمة الإسلام بألفاظه. وكتابه هذا الملل والنحل من شرّ الكتب. وما برح المحقِّقون من أصحابنا ينهون عن النظر فيه؛ لما فيه من الإزراء بأهل السنّة، ونسبة الأقوال السخيفة إليهم من غير تثبُّت، والتشنيع عليهم بما لم يقولوه)([96]).

وفي موضعٍ آخر ينقد السبكي ابن حزم؛ لتخطئته لأبي الحسن الأشعري، فيقول: (والذي تحقَّقته بعد البحث الشديد أنه لا يعرفه، ولا بلغه بالنقل الصحيح معتقده، وإنما بلغته عنه أقوالٌ نقلها الكاذبون عنه، فصدَّقها بمجرّد سماعه إياها، ثم لم يكتفٍ بالتصديق بمجرد السماع حتّى أخذ يشنِّع)([97]).

ويتّضح من تلك الأقوال السابقة أن الكثير من العلماء السنّة قد انتقدوا ابن حزم في منهجيته القائمة على جمع المعلومات بتسرُّعٍ، وبدون التأكُّد من صدقها، ثم الإسراع بعد ذلك إلى استخدام تلك المعلومات في الهجوم على أصحابها، وهو الأمر الذي لمسناه في مقالة ابن حزم عن فرقة الغرابية.

ب ـ ابن تيميّة والغرابية

ابن تيميّة

هو تقي الدين أبو العباس أحمد عبد الحليم الحرّاني، ثم الدمشقي، الحنبلي. واشتهر بلقب (ابن تيمية). وهناك خلافٌ كبير بين الباحثين والمؤرِّخين في أصل ابن تيمية؛ حيث يرى بعض الباحثين أنه يرجع إلى أصول عربية، وأنه ينتسب إلى قبيلة بني نمير([98])؛ بينما يرى عددٌ آخر من الباحثين أنه يعود إلى أصول كردية([99]).

وقد عُرف ابن تيمية بلقب شيخ الإسلام، وتتلمذ على يده عددٌ من كبار العلماء، مثل: 1ـ ابن القيّم الجوزية؛ 2ـ ابن كثير؛ 3ـ شمس الدين الذهبي.

وكانت الفترة الزمنية التي عاش فيها ابن تيمية فترة اضطرابات وفتن في المشرق الإسلامي عموماً، وبلاد الشام خصوصاً، حيث شهدت تلك الفترة الكثير من التغيُّرات السياسية؛ بسبب ظهور عدد من القوى الحربية، التي سرعان ما اصطدمت ببعضها.

فقد كان ابن تيمية موجوداً في دمشق إبّان غزو المغول لها بقيادة غازان خان. وقد لعب ابن تيمية دوراً كبيراً في المفاوضات التي قام بها أهل دمشق مع الجيش الفاتح. كما أنه شارك فيما بعد في تشجيع وإثارة حماس الجيش المملوكي الذي اصطدم بالقوات المغولية في موقعة شقحب في عام 702هـ.

وقد تعرَّض ابن تيمية للحبس والسجن في مصر والشام لعدّة مرات، وكان ذلك بسبب مجموعة من الفتاوى والآراء التي قال بها، واختلف معه فيها عددٌ من كبار العلماء في عصره.

وقد ألَّف ابن تيمية عدداً كبيراً من الكتب، ومن أهمّها: 1ـ بيان تلبيس الجهمية؛ 2ـ العقيدة الواسطية؛ 3ـ الجواب الصحيح لمَنْ بدل دين المسيح.

ويعتبر كتاب (منهاج السنّة النبوية في الردّ على الشيعة القدرية) واحداً من أهمّ كتب ابن تيمية. وقد كتبه ردّاً على كتاب العالم الشيعي ابن المطهّر الحلّي([100]) المعروف بـ (منهاج الكرامة في إثبات الإمامة)([101]).

ذكر ابن تيمية للغرابية

لم يذكر ابن تيمية فرقة الغرابية بشكلٍ واضح أو صريح في أيّ كتاب من كتبه. لكننا لو رجعنا إلى كتابه منهاج السنة النبوية لوجدنا أنه قد أشار إلى تلك الفرقة بشكلٍ مستتر، عن طريق ذكر بعض من عقائدها وأفكارها.

ففي الجزء الأول من منهاج السنة يحاول ابن تيمية أن يعقد مقارنة بين عقائد الشيعة واليهود، وأن يثبت أن هناك مشابهة كبيرة في عقائد الفريقين، فيقول: (واليهود تبغض جبريل، ويقولون: هو عدوّنا من الملائكة، وكذلك الرافضة يقولون: غلط جبريل بالوحي على محمد‘)([102]).

ملاحظاتٌ على مقالة ابن تيمية في الغرابية

1ـ إن ابن تيمية لم يذكر اسم الغرابية مطلقاً عند ذكره لمسألة كره الرافضة لجبريل، بل إنه جعل من تلك العقيدة علماً على الشيعة الإمامية ككلّ.

وهو أمرٌ غريب، وظاهر الخطأ. وقد أوردنا في موضعٍ سابق من هذا البحث عدداً من الأدلة التي تثبت أن عموم الشيعة الإمامية لا يعتقدون بتلك المقالة، ولا يؤمنون بصحتها.

بل إن ابن المطهّر الحلّي، صاحب كتاب منهاج الكرامة، الذي ردّ عليه ابن تيمية في منهاج السنّة، لا يذكر شيئاً عن الغرابية، ولا يورد عقيدة كره جبريل في كتابه على الإطلاق.

فمن أين إذن أخذ ابن تيمية تلك المقالة؟ ولماذا ألصقها بالشيعة الإمامية الروافض، بالرغم من تنصُّلهم وتبرُّؤهم منها؟

الحقيقة أنه لو تفحصنا كتاب منهاج السنّة، وتدبَّرنا في منهج مؤلِّفه، وفي ردود علماء السنة عليه، لوجدنا إجابةً شافية للأسئلة التي طرحناها.

فقد أعلن عددٌ من كبار أئمة وعلماء أهل السنّة والجماعة القدامى والمحدثين إنكارهم على المنهج الذي اتَّبعه ابن تيمية في كتابه، وظهر ذلك بوضوحٍ في كتاباتهم.

فعلى سبيل المثال: نجد أن ابن حجر العسقلاني(852هـ) قد ردّ على ابن تيمية في موضعين من كتبه:

الموضع الأول: في كتاب (لسان الميزان)، حيث جاء فيه: (لكن وجدته ـ يقصد ابن تيمية ـ كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهّر، وإنْ كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنّه ردّ في ردِّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانّها؛ لأنه كان لاتّساعه في الحفظ يتَّكل على ما في صدره، والإنسان عامدٌ للنسيان، وكم من مبالغةٍ لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص عليٍّ رضي الله عنه؟!)([103]).

اما الموضع الثاني فنجده في كتاب (الدرر الكامنة)، وذلك عند ترجمة ابن المطهر الحلّي، حيث نجد قول ابن حجر: (له كتابٌ في الإمامة، ردّ عليه ابن تيمية بالكتاب المشهور المسمّى ـ الردّ على الرافضي ـ. وقد أطنب فيه، وأجاد في الردّ، إلاّ أنه تحامل في مواضع كثيرة، وردّ أحاديث موجودة، وإنْ كانت ضعيفة، بأنها مختلقة)([104]).

اما من العلماء المعاصرين الذين أنكروا على منهج ابن تيمية في منهاج السنّة فنجد ناصر الدين الألباني؛ حيث إنه ردّ على ابن تيمية؛ بسبب قيام الأخير بتضعيف حديث الموالاة([105])، فيقول الألباني: (فمن العجيب حقّاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه… كما فعل في الحديث المتقدِّم هناك)([106]).

وبعد أن يقوم الألباني بإظهار قوّة الحديث وصحته، يقول: (وهو قويٌّ متين، كما ترى، فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث إلاّ التسرُّع والمبالغة في الردّ على الشيعة! غفر الله لنا وله)([107]).

وقد تنبَّه عددٌ من العلماء المعاصرين لابن تيمية إلى الغلطات المنهجية التي وقع فيها أثناء جداله وردّه على الشيعة الإمامية، فبيَّنوا ذلك، وانتقدوا ابن تيمية، ومنهم:  1ـ ابن حجر الهيثمي؛ 2ـ تاج الدين السبكي؛ 3ـ شمس الدين الذهبي.

الهوامش

(*) كاتبٌ وباحث. ماجستير في التاريخ الإسلامي. من مصر.

([1]) ابن عبد الرحمن الملطي، التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع: 16، تقديم وتحقيق وتعليق: د. محمد زينهم محمد عزب، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1993م.

([2]) المصدر السابق: 19 ـ 20.

([3]) المصدر السابق: 20.

([4]) محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي، مفاتيح العلوم: 5، ط2، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، 1989م.

([5]) أبو منصور عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم: 280 ـ 281، تحقيق: محمد فتحي النادي، دار السلام، القاهرة، 2010م.

([6]) يشير الإسفراييني هنا إلى الحديث النبوي، قال رسول الله‘: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة؛ وسبعون في النار. وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار؛ وواحدة في الجنة. والذي نفس محمد بيده، لتفترقنّ أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة؛ وثنتان وسبعون في النار. قيل: يا رسول الله، مَنْ هم؟ قال: الجماعة». (سنن ابن ماجة، ح3992).

([7]) أبو المظفر الإسفراييني، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين: 123، تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، 1983م.

([8]) الإسفراييني، التبصير في الدين: 128.

([9]) المصدر السابق: 128 ـ 129.

([10]) المصدر السابق: 129.

([11]) (الغنوصية) هو مصطلحٌ يشير إلى العقائد الدينية القديمة التي اهتمّ أتباعها والمؤمنون بها بالجنوح إلى العالم الروحاني الخفيّ غير المحسوس، والابتعاد طواعيةً عن العالم المادي المحيط بهم، وقد ظهر ذلك الاتجاه في الكثير من الأديان القديمة، مثل: الديانة المصرية القديمة، واليهودية، وعقائد الفرس، والبابليين، وإنْ كان قد ظهر بصورةٍ أكثر وضوحاً في الأفلاطونية الحديثة، والمسيحية. كما أن ذلك الاتجاه الفكري قد ظهر في عددٍ من المذاهب الإسلامية، مثل: الصوفية. (الباحث)

([12]) الأريوسية اتّجاهٌ ومذهب عقائدي مسيحي يُنسب إلى آريوس(256 ـ 336م)، وهو أحد علماء الدين المسيحي في القرن الثالث الميلادي، أصله من البربر في ليبيا، درس علم اللاهوت، وأصبح أحد العلماء المتميزين في الإسكندرية، وأعلن أنه يعتقد بأن المسيح غير مساوٍ ولا مكافئ للأب في القدرة والمكانة، وأن الله قام بخلق المسيح ثمّ أوكل إليه أن يخلق جميع الموجودات، أي إنه اعتبر المسيح بمثابة حلقةٍ وسيطة تربط ما بين الذات الأوّلية والقديمة من جهة والمخلوقات كلّها من جهةٍ أخرى، فأحدثت آراؤه الكثير من الصخب في جميع أنحاء العالم المسيحي، ما استدعى أن يقوم الإمبراطور قنسطنطين الأول بالدعوة لعقد مجمع كنسي في نيقية في عام 325هـ، حيث تمّ اجتماع عدد كبير من علماء الدين المسيحي، وتمّ الاتفاق على معارضة نظرية آريوس، واعتبارها هرطقة وبدعة، ومحاربتها، ورغم ذلك ظلّت الآريوسية منتشرةً ومتواجدة في بعض المناطق من العالم المسيحي. (الباحث).

([13]) فخر الدين الرازي، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: 59 ـ 60.

([14]) المصدر السابق: 60.

([15]) المصدر نفسه.

([16]) المصدر السابق: 61.

([17]) راجع: ترجمة فخر الدين الرازي في: تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية الكبرى 8: 81 ـ 96، تحقيق: محمود الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة؛ جلال الدين السيوطي، طبقات المفسرين: 115 ـ 116، تحقيق: علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، 1976م؛ شمس الدين الداوودي، طبقات المفسرين 2: 215 ـ 218، دار الكتب العلمية، بيروت.

([18]) كان إقليم الريّ في القرن السادس الهجري معقلاً مهماً من معاقل الشيعة الاثنا عشرية، كما أنه في الوقت ذاته كان هدفاً للدولة النـزارية، التي يوجد مقرها في قلعة ألموت بشمال إيران. وقد حاولت تلك الدولة أن تستميل أهل الريّ إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي، فبعثت الكثير من الدعاة في تلك النواحي، وشجعت أهلها على الانضمام للحركة. وفي نفس الوقت الذي كان يحدث فيه ذلك الصدام الشيعي ـ الشيعي كانت دولة السلاجقة السنّية تفرض سيطرتها على إيران، وكانت تعمل بكلّ جهدها للتمكين للمذهب السنّي. كل تلك الصراعات الدائرة في إقليم الريّ في القرن السادس الهجري ـ ولا سيَّما في أواخره ـ قد أوجدت بيئةً حاضنة مناسبة لظهور وتصاعد حدّة الخلافات والصراعات المذهبية بين الفرق المختلفة. (الباحث).

([19]) عباس بن منصور السكسكي، البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان: 73، ط2، مكتبة المنار، الزرقاء، 1996م.

([20]) المصدر نفسه.

([21]) عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، المواقف في علم الكلام: 420، عالم الكتب، بيروت.

([22]) المصدر نفسه.

([23]) علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني، معجم التعريفات: 135 ـ 136، تحقيق ودراسة: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة، القاهرة.

([24]) راجع: شاه عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي، مختصر التحفة الاثني عشرية: 13، نقله من الفارسية إلى العربية: غلام محمد بن محي الدين بن عمر الأسلمي، اختصره وهذَّبه: السيد محمود شكري الألوسي، تحقيق: محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، 1953م.

([25]) راجع: محمد علي التهانوي، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم 2: 1249، تقديم وإشراف ومراجعة: د. رفيق العجم، تحقيق: د. علي دحروج، نقل النص الفارسي إلى العربية: د. عبد الله الخالدي، الترجمة الأجنبية: د. جورج زيناتي، مكتبة لبنان، بيروت، 1996م.

([26]) راجع: محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية: 36 ـ 37، دار الفكر العربي، بيروت.

([27]) راجع: أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: 66 ـ 87، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1950م.

([28]) راجع: ابن النديم، الفهرست: 236 ـ 268، 321 ـ 328، مطبعة الاستقامة، القاهرة.

([29]) راجع: أبو حامد الغزالي، المنقذ من الضلال: 56 ـ 87، مراجعة: د. محمد سعيد رمضان البوطي والشيخ عبد القادر الأرناؤوط، تحقيق وتقديم: محمود بيجو، دار التقوى للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق.

([30]) راجع: أبو حامد محمد المقدسي، رسالة في الردّ على الرافضة: 134 ـ 200، تحقيق: عبد الوهاب خليل الرحمن، الدار السلفية، بومباي، 1983م.

([31]) فرقة السبئية هي إحدى الفرق الشيعية التي وردت كثيراً في عددٍ من كتب الفرق والمذاهب، وتنسب إلى عبد الله بن سبأ. وتعتبر فرقة السبئية من الفرق الغالية، التي أعطَتْ عدداً من الصفات الإلهية لعليّ بن أبي طالب، ورغم ورود اسم تلك الفرقة في الكثير من المصادر إلاّ أن هناك عدداً كبيراً من الأسباب التي تجعلنا نشكّك في وجود مؤسِّس تلك الفرقة. راجع: محمد يسري، عبد الله بن سبأ ودوره في ثورة الأمصار، راجع:

http://anfasse.org

([32]) فرقة الكاملية هي إحدى فرق الشيعة المندثرة، تُنسب إلى شخص يُعرف بـ (أبي كامل). وكان أبو كامل هذا يدعو إلى تكفير جميع الصحابة؛ بسبب تركهم بيعة عليّ بن أبي طالب بعد وفاة الرسول‘، وصرفهم أمر الخلافة إلى أبي بكر. كما أن تلك الفرقة قد طعنت في عليّ بن أبي طالب نفسه، ورأته مخطئاً ومتقاعساً عن الحقّ؛ لأنه قعد عن القتال، ولم يحارب أعداءه بعد سقيفة بني ساعدة؛ ولأنه آثر السلم والقعود عن القتال. وكان لتلك الفرقة بعض العقائد الباطنية الروحانية الخفيّة، فقد اعتقدوا بأن الإمامة تتناقل بين الأئمة في ما يشبه التناسخ، بحيث إن النور الموجود داخل الإمام ينتقل عقب وفاته إلى الإمام الذي يليه. وقد قيل: إن الشاعر (بشار بن برد) كان من أتباع ذلك المذهب. (أبو منصور البغدادي، الفرق بين الفرق: 79؛ محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل 1: 178، ط2، تصحيح وتعليق: أحمد فهمي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992م).

([33]) أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تأويل مختلف الحديث: 125، ط2، تحقيق: محمد محي الدين الأصفر، المكتب الإسلامي، بيروت، 1999م.

([34]) ابن قتيبة الدينوري، المعارف: 623، ط4، تحقيق وتقديم: د. ثروت عكاشة، القاهرة.

([35]) المطهر بن طاهر المقدسي، البدء والتاريخ 5: 124، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة.

([36]) المصدر السابق 5: 131.

([37]) أبو سعيد نشوان الحميري، الحور العين عن كتب العلم الشرائف دون النساء العفائف: 207، ط2، تحقيق وضبط: كمال مصطفى، دار آزال للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1985م.

([38]) المصدر نفسه.

([39]) أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الأندلسي، رحلة ابن جبير: 252، دار صادر، بيروت.

([40]) أبو العباس أحمد القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا 13: 226 ـ 227، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1918م.

([41]) للمزيد حول الشكوك والشبهات التي حامت حول صحّة بطلان كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة راجع: د. عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان، كتاب الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي: 23 ـ 28، مكتبة الدار، المدينة المنورة، 1984م.

([42]) أبو زيد البلخي هو أحد علماء الإسلام البارزين في الأدب والفقه والفلسفة. كان عالماً في علوم الطب والرياضيات والجغرافيا. ألَّف نحو سبعين كتاباً، ولكنْ فُقد أغلبها. (ويكيبديا).

([43]) رحلة ابن جبير: 234.

([44]) المصدر السابق: 271.

([45]) المصدر السابق: 224 ـ 225.

([46]) المصدر السابق: 252.

([47]) المصدر نفسه.

([48]) ناصر خسرو، سفر نامه: 58 ـ 60، ط2، ترجمة: د. يحيى الخشّاب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1993م.

([49]) لم أستطع ان أصل للكتاب المذكور، للشهرستاني، وأغلب الظنّ أن ذلك الكتاب قد ضاع ولم يصل إلينا، ولكنْ مما يلفت النظر في تلك المسألة أن الشهرستاني لم يذكر عقائد الغرابية مطلقاً في كتابه الأهمّ عن الفرق والمذاهب، وأقصد به كتاب الملل والنحل، ما يفتح الباب للاعتقاد باحتمالية أن يكون القلقشندي قصد بالشهرستاني مؤلّفاً آخر، غير أبي الفتح تاج الدين عبد الكريم بن أبي بكر أحمد، المشهور بالشهرستاني(548هـ)، صاحب كتاب الملل والنحل. (الباحث).

([50]) أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله البرقي، كتاب الرجال: 13، طهران، 1963م.

([51]) الفرقة الواقفية هي فرقة توقَّفت في الاعتقاد بالأئمة حتّى الإمام السابع موسى الكاظم، ولم يعتقد أتباع تلك الفرقة بإمامة باقي الأئمة الاثني عشر. (الباحث).

([52]) أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي، رجال النجاشي: 172، ط6، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1997م.

([53]) المصدر السابق: 213.

([54]) أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الفهرست: 2، تصحيح وتعليق: محمد صادق آل بحر العلوم، منشورات الشريف الرضي، قم.

([55]) راجع: المصدر السابق: 47، 51، 72، 86؛ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، اختيار معرفة الرجال: 324، 91، 204 ـ 205، 220، 198 ـ 201، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 2005م.

([56]) ابن شهرآشوب المازندراني، معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنِّفين منهم قديماً وحديثاً: 10، 26، 65، راجعه وقدَّم له: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، دار الأضواء، بيروت.

([57]) المصدر السابق: 16، 52، 126، 138.

([58]) تقي الدين الحسن بن عليّ بن داوود الحلّي، كتاب الرجال: 416، 419، عني بطباعته: جلال الدين الحسيني، 1963م.

([59]) المصدر السابق: 420، 433.

([60]) المصدر السابق: 428.

([61]) المصدر السابق: 434.

([62]) ابن المطهر الحلي، ترتيب خلاصة الأقوال في معرفة علم الرجال: 484، تصحيح وتحقيق: قسم الحديث في مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، 2002م.

([63]) السيد علي البروجردي، طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال 2: 231، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مكتبة المرعشي النجفي العامة، قم، 1989م.

([64]) المصدر نفسه.

([65]) محمد رضا المظفَّر، عقائد الإمامية: 35.

([66]) المصدر السابق: 47.

([67]) راجع: محمد بن جرير بن رستم الطبري، المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: 111، تحقيق: محمد المحمودي، مؤسسة الثقافة الإسلامية، قم؛ محمد يعقوب الكليني، أصول الكافي: 124، دار المرتضى، بيروت، 2005م؛ محمد بن علي بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق)، الاعتقادات: 84، تحقيق: عصام عبد السيد، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم؛ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 42، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم؛ ابن شهرآشوب المازندراني، مناقب آل أبي طالب 1: 39، ط2، تحقيق وفهرسة: د. يوسف البقاعي، دار الأضواء، بيروت، 1991م؛ علي بن موسى ابن طاووس الحلّي، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: 16، مطبعة الخيام، قم؛ نور الله التستري، الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة: 176، عني بتصحيحه: جلال الدين الحسيني، دار مشعر، قم؛ محمد صادق الصدر، الشيعة الإمامية: 53، ط2، راجعه وعلق عليه: السيد مرتضى الرضوي، دار التوفيقية، القاهرة، 1982م؛ محمد حسين آل كاشف الغطاء، أصل الشيعة وأصولها: 121، دار الأضواء، بيروت، 1990م.

([68]) على سبيل المثال راجع: الكليني، أصول الكافي: 213؛ الصدوق، الاعتقادات: 92؛ الصدوق، عيون أخبار الرضا 1: 50 ـ 53، منشورات الشريف الرضى، قم؛ الشيخ المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 1: 45 ـ 51، مؤسسة آل البيت لأحياء التراث، بيروت، 1995م؛ ابن المطهر الحلّي، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين: 254 ـ 304، تحقيق: حسين الدركاهي، مركز تحقيقات العلوم الإسلامية، طهران، 1991م.

([69]) على سبيل المثال راجع: النعمان بن محمد، اختلاف أصول المذاهب: 123، ط3، تحقيق وتقديم: د. مصطفى غالب، دار الأندلس، بيروت، 1983م؛ النعمان بن محمد، دعائم الإسلام 1: 39، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، القاهرة، 1963م.

([70]) البداء هو الاعتقاد بأن الله تعالى من الممكن أن يظهر شيئاً على لسان وليّه أو نبيّه أو في ظاهر الحال؛ لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار، ثم يمحوه، فيكون غير ما ظهر أوّلاً، مع سبق علمه تعالى بذلك. (محمد رضا المظفر، عقائد الإمامية: 32).

([71]) الصدوق، الاعتقادات: 91.

([72]) من الآيات القرآنية التي ورد بها ذكر جبريل×.

([73]) ومن ذلك: تفسير ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوّاً للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 97 ـ 98)، حيث ورد في سبب نزولها أن جماعة من اليهود قد سألوا الرسول‘ عن اسم الملاك الذي يأتيه، فلمّا قال لهم جبريل، قالوا له: (ذاك الذي ينـزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدوّنا، لو قلتَ: ميكائيل، الذي ينـزل بالقطر وبالرحمة، تابعناك). (مسند أحمد بن حنبل؛ د. محمد بن عبد الوهاب العقيل، معتقد فرق المسلمين والنصارى واليهود والفلاسفة الوثنيين في الملائكة المقربين: 281، أضواء السلف، الرياض، 2002م.

([74]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري 8: 166، المكتبة السلفية، القاهرة.

([75]) 21فَتَكَلَّمَ دَانِيآلُ مَعَ الْمَلِكِ: «يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، عِشْ إِلَى الأَبَدِ! 22إِلهِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِي؛ لأَنِّي وُجِدْتُ بَرِيئاً قُدَّامَهُ، وَقُدَّامَكَ أَيْضاً أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَمْ أَفْعَلْ ذَنْباً». دانيال: 21 ـ 22.

24حِينَئِذٍ تَحَيَّرَ نَبُوخَذْنَصَّرُ الْمَلِكُ وَقَامَ مُسْرِعاً فَأَجَابَ، وَقَالَ لِمُشِيرِيهِ: «أَلَمْ نُلْقِ ثَلاَثَةَ رِجَال مُوثَقِينَ فِي وَسَطِ النَّارِ؟» فَأَجَابُوا وَقَالُوا لِلْمَلِكِ: «صَحِيحٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ». 25أَجَابَ وَقَالَ: «هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ». 26ثُمَّ اقْتَرَبَ نَبُوخَذْنَصَّرُ إِلَى بَابِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ وَأَجَابَ، فَقَالَ: «يَا شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو، يَا عَبِيدَ اللهِ الْعَلِيِّ، اخْرُجُوا وَتَعَالَوْا». فَخَرَجَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو مِنْ وَسَطِ النَّارِ. 27فَاجْتَمَعَتِ الْمَرَازِبَةُ وَالشِّحَنُ وَالْوُلاَةُ وَمُشِيرُو الْمَلِكِ وَرَأَوْا هؤُلاَءِ الرِّجَالَ الَّذِينَ لَمْ تَكُنْ لِلنَّارِ قُوَّةٌ عَلَى أَجْسَامِهِمْ، وَشَعْرَةٌ مِنْ رُؤُوسِهِمْ لَمْ تَحْتَرِقْ، وَسَرَاوِيلُهُمْ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَرَائِحَةُ النَّارِ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِمْ. 28فَأَجَابَ نَبُوخَذْنَصَّرُ وَقَالَ: «تَبَارَكَ إِلهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْلاَ يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لإِلهٍ غَيْرِ إِلهِهِمْ». دانيال: 24 ـ 27.

([77]) المشنا هي مجموعة من الشرائع اليهودية المرويّة على الألسنة، وتأتي في المقام الثاني بعد التوراة، ويتمّ نسبتها إلى النبيّ موسى، وتعرف أحياناً بـ (التوراة الشفوية). (د. حسن ظاظا، الفكر الديني الإسرائيلي: 78).

([78]) التلمود هي الشروحات التي قام بها أحبار اليهود وعلمائهم لنصوص المشنا. (المصدر السابق: 96).

([79]) http://www.jewishencyclopedia.com/articles/6450 ـ Gabriel.

([80]) للمزيد عن العلاقة بين اليهودية والتشيُّع راجع بحثنا الموسوم بـ (الجذور اليهودية للتشيع، قراءةٌ نقدية لنظرية فلهاوزن):

http://www.nama ـ center. com/ActivitieDatials.aspx?ID=30626

([81]) من تلك الأحاديث المقصودة:

1ـ قال رسول الله‘ لأهل نجران: (لأبعثنَّ عليكم أميناً حقّ أمين)، فأشرف أصحابه، فبعث أبا عبيدة رضي الله عنه. (صحيح البخاري، ح3745).

2ـ إن أهل اليمن قدموا على رسول الله‘، فقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلِّمنا السنّة والإسلام، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة، فقال: هذا أمين هذه الأمّة. (صحيح مسلم، ح2419).

([82]) للمزيد حول تفسير هذا البيت ـ من وجهة نظر الشيعة الإمامية ـ راجع: نور الله التستري، الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة: 233 ـ 238.

([83]) ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ (المائدة: 27 ـ 31).

([84]) جاء ذكر ذلك في الكتاب المقدّس:

6وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَرْبَعِينَ يَوْماً أَنَّ نُوحاً فَتَحَ طَاقَةَ الْفُلْكِ الَّتِي كَانَ قَدْ عَمِلَهَا، 7وَأَرْسَلَ الْغُرَابَ، فَخَرَجَ مُتَرَدِّداً حَتَّى نَشِفَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ. 8ثُمَّ أَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنْ عِنْدِهِ لِيَرَى هَلْ قَلَّتِ الْمِيَاهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، 9فَلَمْ تَجِدِ الْحَمَامَةُ مَقَرّاً لِرِجْلِهَا، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ إِلَى الْفُلْكِ؛ لأَنَّ مِيَاهاً كَانَتْ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا وَأَدْخَلَهَا عِنْدَهُ إِلَى الْفُلْكِ. (التكوين: 6 ـ 9).

وقد وردت تلك القصة في عددٍ من التفسيرات للقرآن الكريم.

([85]) وهناك العديد من الأدلة التي تثبت كراهية الغراب، ومنها: حديث رُوي عن الرسول‘ يقول فيه: (الحية فاسقة، والفأرة فاسقة، والغراب فاسق). (سنن ابن ماجة، ح3249).

وما ورد في قصائد الشعر العربي:

وصاح غراب فوق أعواد بانة *** بأخبار أحبابي فقسمني الفكر

فقلت غراب باغتراب وبانة *** ببين النوى تلك العيافة والزجر

وهب جنوب باجتنابي منهم *** وهاجت صبا قلت الصبابة والهجر

([86]) ومن تلك الأحاديث: عن عكرمة: «إن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي، قالت عائشة: وعليها خمار أخضر، فشكت إليها، وأرتها خضرةً بجلدها. فلما جاء رسول الله‘، والنساء ينصر بعضهنّ بعضاً، قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشدّ خضرةً من ثوبها، قال: وسمع أنها قد أتت رسول الله‘، فجاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: والله، ما لي إليه من ذنبٍ إلا أن ما معه ليس بأغنى عنّي من هذه، وأخذت هدبةً من ثوبها، فقال: كذبت، والله، يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشزٌ تريد رفاعة، فقال رسول الله‘: (فإنْ كان ذلك لم تحلّي له، أو لم تصلحي له، حتّى يذوق من عسيلتك)، قال: وأبصر معه ابنين له، فقال: (بنوك هؤلاء؟) قال: نعم. قال: (هذا الذي تزعمين ما تزعمين، فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب». (صحيح البخاري، ح5487).

([87]) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ (الحج: 73).

([88]) على سبيل المثال: نجد أنه أثناء بداية الدعوة الموحدية في المغرب الأقصى في بدايات القرن السادس الهجري قام قائد تلك الحركة محمد بن تومرت بتلقيب المرابطين بالزراجنة، وهي طيور بيضاء سوداء الصدر، وكان هدفه بذلك التعريض بهم والتشنيع عليهم. (الباحث).

([89]) الترمذي، مختصر الشمائل النبوية: 13 ـ 27، ط2، اختصره وحقّقه: محمد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، 1985م.

([90]) ابن عبد الهادي الدمشقي الصالحي، طبقات علماء الحديث 2: 352، ط2، تحقيق: أكرم البوشي وإبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1996م.

([91]) للمزيد حول ترجمة ابن حزم راجع: ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان 3: 325 ـ 330، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت؛ ابن عبد الهادي، طبقات علماء الحديث 2: 341 ـ 352؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء 18: 184 ـ 212، ط11، تقديم: د. بشار عواد معروف، حقّقه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه: شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1996م؛ محمد أبو زهرة، ابن حزم: 21 ـ 59، دار الفكر العربي، القاهرة.

([92]) ابن حزم، الفصل في الأهواء والملل والنحل 5: 42 ـ 43، تحقيق: محمد إبراهيم نصر ـ عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت.

([93]) ابن حزم، الفصل 2: 213.

([94]) المصدر السابق 5: 40.

([95]) أبو بكر ابن العربي، العواصم من القواصم: 249، تحقيق: د. عمار طالبي، مكتبة دار التراث، القاهرة.

([96]) تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية الكبرى 1: 90.

([97]) المصدر نفسه.

([98]) إبراهيم محمد العلي، شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رجل الإصلاح والثورة: 36، دار القلم، دمشق، 2000م.

([99]) محمد أبو زهرة، ابن تيمية: 18، دار الفكر العربي، القاهرة.

([100]) ابن المطهر الحلّي هو جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي ابن المطهّر الحلّي، توفي في عام 726هـ، وقد كتب منهاج الكرامة للسلطان المغولي أولجايتو خدابنده، أحد ملوك الدولة الإيليخانية، حيث قصد أن يدعوه إلى المذهب الشيعي، وهو الأمر الذي تمّ فعلاً في عام 709هـ. (مقدمة منهاج السنة: 89 ـ 96).

([101]) للمزيد حول ترجمة ابن تيمية راجع: ابن عبد الهادي الدمشقي الصالحي، طبقات علماء الحديث 4: 279 ـ 296؛ الذهبي، تذكرة الحفاظ: 1496 ـ 1498؛ ابن شاكر الكتبي، فوات الوفيات 1: 74 ـ 80، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت؛ ابن عبد الهادي الدمشقي الصالحي، العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية: 3 ـ 24، دراسة وتحقيق: أبو مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، 2002م؛ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 1: 144 ـ 160؛ ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار مَنْ ذهب 8: 142 ـ 150، أشرف على تحقيقه وخرَّج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، حقَّقه وعلَّق عليه: محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، 1986م؛ إبراهيم محمد العلي، شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رجل الإصلاح والثورة: 35 ـ 84؛ محمد أبو زهرة، ابن تيمية: 17 ـ 106.

([102]) ابن تيمية، منهاج السنة 1: 27، تحقيق: محمد رشاد سالم، 1986م.

([103]) ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 7: 529 ـ 530.

([104]) ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة 2: 71.

([105]) يُقصد بهذا الحديث قول الرسول‘ لعليّ بن أبي طالب في غدير خمّ: (مَنْ كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه). وقد ورد هذا الحديث في العديد من الكتب السنّية بطرق وروايات كثيرة. وقد حاول ابن تيمية أن يضعِّف هذا الحديث بعددٍ من الطرق. راجع: منهاج السنة 7: 319 ـ 325.

([106]) محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة 5: 263 ـ 264، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1995م.

([107]) المصدر السابق 5: 264.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً