أحدث المقالات
لا يمكن لعاقل أن ينكر أثر العولمة التكنولوجية على التحولات الثقافية والفكرية والمعرفية في العقل العربي، خصوصا ذهنية الشعوب

وعادة أي تحولات جديدة لا بد لها من المرور في مراحل عديدة، كي يتم هضمها عقليا وعمليا، ولا بد لها أن تمر بمخاضات لتتبلور كما يجب نتيجة التجربة والخطأ والتصويب.

وفي ظل الثورات العربية التي هبت على المنطقة وحركت مياه الشعوب الراكدة، بل لا نبالغ لو قلنا الآسنة، من تراكم عقود الاستبداد، بدأت حركات الوعي تتسرب إلى العقل الشعبي، وإن كانت هذه الحركات مازالت تمر بمخاضات نتيجة غياب عوامل مهمة في الحركات التصحيحية والثورية، أهمها قيادة حكيمة وإيديولوجيا فكرية منهجية تتناسب والزمان والمكان، وتحاكي الواقع لا من حيث يريد الناس، بل من حيث يحقق مصلحة الناس في العدالة الاجتماعية.

ومن ضمن حركات الوعي هذه بعض الحراكات الشبابية الكويتية التي يعلو صوتها للمطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد، وتحقيق إصلاحات سياسية جذرية تعمق من التجربة الديموقراطية الكويتية، وتوسع من دائرة مكونات العمل السياسي، وهذا الحراك ينمو وإن كان بطيئا، إلا أن الإشكالية تكمن في كيفية تعاطي المسؤولين في الدولة مع هذه الحراكات المطلبية من قبل جيل الشباب الذي يعتبر وقود الدولة في الحاضر والمستقبل.

إن الالتفاف على هذه المطالب، «سواء بالمواجهة الأمنية أو بالتشويه والحجب الاعلامي، لتوجيه وعي المجتمع باتجاه معاكس، أو من خلال ممارسة الرعوية المالية بمنح مالية للشعب لإبعاده عن هذه الحراكاتلاسكات صوته»، لا يأخذ إلا من رصيد الأجيال ومن رصيد طاقة العطاء لدى أبناء هذا الشعب، ويحول هؤلاء من قدرة عطاء وإبداع إلى طاقة معطلة اعتادت المنح المالي من دون مقابل أو من دون إنتاجية تصب في مصلحة الفرد والمجتمع والدولة، فتصيب «كل فرد» التخمة والترهل العقلي والعملي.

فثقافة الدولة الرعوية الواهبة للمنح المالية كي تسترضي الشعب وتسكت الأصوات الاصلاحية، هي ثقافة لم تعد ذات تأثير واقعي وحقيقي في عصر العولمة التي فقأت كل أعين الرقابة والمنع والحجب، واخترقت كل العقول سواء بطريقة سلبية أو إيجابية،

بل الأجدى من المنح المالية، سواء على مستوى الشعب أو الدولة، هو الاستثمار في الإنسان من خلال تنمية قدراته وتفجير طاقاته للابداع والعطاء للوطن، للوصول به للاكتفاء الذاتي، وتحقيق المطالب الاصلاحية الحقيقية العقلانية وفق الأطر الدستورية والقانونية البعيدة عن الفوضى والغوغاء.

فكما أن لكل مواطن حقا، فكذلك على كل مواطن واجب، أما ممارسة المنح المالي لمجرد ثراء الدولة من دون وجود إنتاجية تنموية من قبل المواطن فهو يعكس حقيقة واحدة، وهي ان هذه الاستراتيجية لا تخدم الوطن، فبذهاب الثروة المالية وفق النظام الرعوي سيذهب الوطن، لان امتدادات الوطن والدولة وفق المفاهيم الحديثة تَعْبُر خلال جسر التنمية في الإنسان، ووضع استراتيجيات لذلك، ومنهجيات تضمن سريانها وفاعليتها مهما تغير الشخوص والهدف هو استمرار وجود الوطن وهذا هو مفهوم السيادة الحقيقية.

 

 
Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً