(الدين والظمأ الأنطولوجي) هو عنوان الكتاب الصادر مؤخراً للمفكر العراقي الشهير الدكتور عبدالجبار الرفاعي، حيث تضمن هذا الكتاب التجربة الروحية (الإيمانية والأخلاقية) الشخصية للدكتور الرفاعي نفسه، ولا أخفيكم بأني قضيت وقتاً ممتعاً في مطالعته وتأمل ما جاء فيه من رؤى وأفكار تستحق العناية والاهتمام، فلقد نجح الدكتور الرفاعي وببراعة في شد انتباه القارئ وجعله يحلق معه في فضاءات متعددة تتمحور حول أزمة العلاقة بالدين ونمط الالتزام الديني في مجتمعاتنا، حيث تطرق الدكتور الرفاعي لهذا الأمر ليس من أجل الدعوة لهجر الدين والتخلي عنه، كما هي الحلول الجاهزة التي يقدمها البعض أمام كل هذه الأزمات والإشكاليات التي نعاني منها، وإنما على العكس من ذلك تماماً، إذ جاء مشدداً على أهمية الدين وضرورته الحتمية في حياة الإنسان، وذلك لكي يُعطي للحياة معنىً كما يقول.
أجل، فالدكتور الرفاعي في هذا الكتاب يشدد على أهمية الدين وقيمته في حياة الإنسان، ولذلك جاء كتابه بهذا العنوان (الدين والظمأ الانطولوجي)، ورغم تأكيده على ذلك إلا أنه وجه سهام نقده لبعض أنماط التدين التي تقوم بأدلجة الدين، محذراً من المخاطر التي يتعرض لها الدين بسبب ذلك، وبعبارته التي استعملها في نقده للدكتور علي شريعتي يرى بأن هناك مشكلة في “ترحيل الدين من الأنطولوجيا إلى الأيديولوجيا”. ولا يكتفي الدكتور الرفاعي بذلك فحسب، بل يُؤكد على ضرورة مراجعة ما تم توارثه من نظريات ونصوص المعارف الدينية في علوم القرآن والحديث وعلم الكلام (العقائد) وعلم الفقه والأصول (أصول الفقه)، ويذكر مثالاً يختص بعلوم القرآن قائلاً: “أود أن أشير هنا إلى مثال قرآني، طالما تحدثنا عنه واستندنا اليه كدليل لتبرير حرية الإعتقاد في الإسلام، ونفي إكراه أي إنسان على أي دين أو معتقد خاص. وهو الآية الكريمة: “لا إكراه في الدين”. لكننا حين نعود لمدونة التفسير الإسلامية، نلاحظ إن معظم المفسرين لا يؤسسون لمبدأ حرية المعتقد، استنادا لهذه الآية، كما نفعل نحن اليوم، ذلك إن تمسك المفسرين بقواعد التفسير وعلوم القرآن المتوارثة، انتهى بالكثير منهم إلى القول بنسخها، وتعطيل دلالتها، لأن نسخ الآية يعني نسخ حكمها ونفيه، كما هو مبدأ الناسخ والمنسوخ”[1].
كذلك نجد الدكتور الرفاعي يشدد على أهمية وضرورة تجديد علم الكلام بشكل خاص، ويرى أن ارتباطه بالفقه ارتباط وثيق، إذ بدونه لا يمكن التجديد في علم الفقه أيضاً، وفي ذلك يقول: “إن الاجتهاد الفقهي يعتمد على الاجتهاد الاصولي، ولا إجتهاد في أصول الفقه ما لم يتجدد علم الكلام، أي إنه لا معنى لتحديث الفقه من دون تحديث مرجعياته الكلامية”[2].
لعلي لا أغالي لو قلت بأن ما قرأته في هذا الكتاب يُعد من أجمل وأفضل ما قرأته من كتب تتحدث عن تجارب فكرية وروحية، ولكني مع ذلك – أي مع إعجابي بالكتاب وبكاتبه- كنت أتوقع منه أمراً آخر، فأول ما وقع في يدي هذا الكتاب كنت أعتقد بأنه سوف يحاول التأصيل منهجياً لهذا الأمر، حيث كنت أتوقع أن الدكتور الرفاعي سوف يأخذنا في جولة معرفية شاملة يبدأ فيها بالحديث عن مفهوم الدين ومفهوم الانطولوجيا والسياقات التاريخية لهذين المفهومين، كما كنت أتوقع بعدها أن يعرج بنا لما يريده من نحته لهذا المصطلح (الظمأ الانطولوجي للدين) أو (الظمأ الانطولوجي للمقدس) كما هو الحال في الدراسات والأبحاث العلمية المنهجية، ولكني عندما اطلعت على الكتاب وجدته لا يتطرق لهذا الموضوع بهذه الكيفية، وإنما يستعرضه كتجربة شخصية خاضها الدكتور الرفاعي في مراحل ومحطات مختلفة من حياته، وتوصل فيها إلى بعض النتائج المعروضة فيه.
لعل أبرز ما داعني لانتظار قيام هذا الكتاب بهذا الدور التأصيلي يعود للآتي:
أولاً: أن عنوان الكتاب (الدين والظمأ الأنطولوجي) لا يوجد به أية إشارة إلى أنه سيكون في مجمله عبارة عن تجربة روحية (إيمانية وأخلاقية) شخصية خاصة بالدكتور الرفاعي.
ثانياً: انشغالات الكاتب وهو الدكتور الرفاعي بالقضايا الفكرية لفترة طويلة من حياته، وهذه التجربة الطويلة تؤهله لخوض تجارب تأصيلية من هذا النوع بكفاءة واقتدار.
ثالثاً: أن عنوان الكتاب (الدين والظمأ الانطولوجي) اشتمل على مصطلح قد يبدو غريباً على عموم القراء الذين تنقصهم الدراية الكافية بالفلسفة بشكل عام وبالفلسفة الوجودية بشكل خاص، وهذا ما يتطلب عادةً القيام بتحديد المراد من هذا المفهوم بدقة لرفع ما قد يكتنفه من غموض والتباس.
طبعاً ما ذكرته في النقطة الثالثة أشار إليه الدكتور الرفاعي في افتتاحيته لهذا الكتاب بقوله: “لذلك جاء هذا الكتاب بعنوان: (الدين والظمأ الأنطولوجي) لعله يكشف غموض المفهوم، ويفصح عن شيء من إبهامه”[3]، ولكنه مع ذلك لم يتعرض لبيان المراد من هذا المفهوم إلا بصورة موجزة وسريعة بقوله: “أعني بالظمأ الأنطولوجي الظمأ للمقدس، أو الحنين للوجود، إنه ظمأ الكينونة البشرية، بوصف وجود الإنسان وجوداً محتاجاً إلى ما يثريه، وهو كائن متعطش على الدوام إلى ما يرتوي به”[4]، وهذا باعتقادي غير كافٍ لدفع الغموض ورفع الالتباس عن هذا المفهوم.
في رأيي المتواضع أن هذا الكتاب يتناول التجربة الروحية (الإيمانية والأخلاقية) الشخصية للدكتور الرفاعي أكثر من أي شيء آخر، ولذا لو كان عنوان الكتاب يشير إلى هذا المعنى كما صنعنا في عنوان هذا المقال (الدين والظمأ الأنطولوجي.. من خلال التجربة الشخصية للدكتور الرفاعي) لكان أفضل، وذلك لأن الكتاب هو في الأعم الأغلب ليس محاولة تأصيلية جادة لهذا الأمر، وإنما هو مجرد تأملات فكرية لنتاج تجربة روحية ذاتية للدكتور الرفاعي، وهذا الأمر هو ما سوف ينكشف لنا وبكل وضوح من خلال النصوص التي اخترناها للدكتور الرفاعي في جولتنا التالية في فصول هذا الكتاب.
جَوْلَةُ مُوجِزَةٍ فِي فُصُولِ الْكِتَابِ
في الفصل الأول الذي عنونه بـ (نسيان الذات) تحدث الدكتور الرفاعي عما أسماه (الأنا الخاصة) مشدداً على أهمية الذات الفردية والهوية الخاصة، كما تحدث عن خطورة تنميط الكائن البشري، ولذا انتقد أدبيات الأحزاب اليسارية والقومية والجماعات الإسلامية لسعيها لهذا الأمر، لأنها كما يقول “تتعاطى مع الفرد بوصفه عنصراً يذوب في مركب هو الجماعة، ليس له وجود حقيقي مستقل خارج إطارها، وتشدد في مقولاتها وشعاراتها وتربيتها على أن مهمة كل شخص في الحياة هي: الامتثال لما يؤمر به، والتنكر لذاته، والذوبان في المركب، والكف عن أية محاولة لاسبطان الذات واكتشاف فضاءات ومديات عالمها الجواني. أما قيمة الفرد، ومكانته، وحاجاته الذاتية، الروحية، والعاطفية، والوجدانية، والعقلية، فلا أهمية لها، إلا في سياق تموضعها في إطار هذا المركب، الذي هو الجماعة ومتطلباتها”[5].
ولذا نجده يؤكد على أن الإيمان خيار شخصي للفرد بقوله: “الإيمان شخصي، وهو خيار فردي، كذلك الإلحاد شخصي، وهو أيضاً خيار فردي، وهكذا هو الموت ومصير الإنسان بعد الموت. الكلام الكثير عن الدين والتبشير به، وتحشيد كتائب عددية من البشر، من أجل تلقينهم الإيمان، سيفضي إلى نتائج منافية لروح الإيمان والضمير الديني العميق، فإن “الانهيار الديني ناجم عن كثرة الكلام في الدين” كما يشدد على ذلك كيرككورد”[6].
وأما في الفصل الثاني الذي عنونه بـ (نسيان الإنسان)، والذي هو أطول فصول الكتاب، فتحدث الدكتور الرفاعي عن سيرته الذاتية وتجاربه الروحية (الإيمانية والأخلاقية) الخاصة، واصفاً إياه بـ: “محاولة أولية لكتابة سيرة ذاتية”، وقبل الولوج في تفاصيل هذه السيرة ومراحلها يتحدث الدكتور الرفاعي عن ما أسماه بـ (صعوبة الاعتراف) بقوله: “أسعى لأن أكون أشد جرأة في الاعتراف والبوح أمامكم، بالرغم أني جئتكم من محيط يتغلب فيه التكتم، والإضطراب عن الاعتراف، والكشف عن الحياة والتفكير الشخصي، فقلما كتب شخص في عالمي الذي عشت وتعلمت فيه سيرة ذاتية تبوح باعترافات وأسرار خاصة، أو تتحرر من التبجيل والتمجيد والثناء على الذات”[7].
وهكذا يتابع الدكتور الرفاعي في هذا الفصل سرد سيرته الذاتية باستعراض أبرز المحطات المهمة في حياته، واصفاً البيئة التي نشأ فيها وعاداتها الاجتماعية وأبرز الشخصيات التي عاصرها، ومسجلاً انطباعاته الشخصية حول كل هذه الأمور والأحداث، وعندما يتحدث عن حياته الروحية الأخلاقية نجده يقول: “حياتي الروحية الأخلاقية هي أثمن رصيد أمتلكه، يمكنني التفريط بكل شيء إلا بالإيمان، الأخلاق، والإنسانية، إنها ثوابت شخصيتي الأبدية. تفكيري بل كل شيء في حياتي يخضع للتحول والتغيير، ذلك أن عقلي لا يكف عن التساؤل والمراجعة والنقد والتقويض والغربلة، لكن ضميري الديني يتمثل في هذه العناصر الثلاثة المتضامنة: “الإيمان، الأخلاق، والإنسانية”، انطفاء أي منها يعني انطفاءها بتمامها”[8].
ويصف الدكتور الرفاعي نمط التدين الذي يتبناه بقوله: “الدين الذي أعتنقه هو الإسلام الرحماني الإنساني، الدين فيه هو الحب والحب هو الدين. “المحبة أصل الموجودات” كما يقول ابن عربي”[9].كما يصف إيمانه بقوله: “إيماني حالة أنطولوجية لا أستطيع الإطاحة بها، حتى لو قررت التخلي عنها. إنها نحو من الإشراق الروحي الذي لا يمكنني توصيفه بوضوح، لأنه مما يوجد، لا مما يدرك، وكما نصطلح في المنطق هو نوع من الحضور الوجودي الذي يتوطن القلب، وليس نوعاً من العلم والتصور والفهم المرتسم في الذهن”[10].
في الفصل الثالث: (المثقف الرسولي علي شريعتي) ينقد الدكتور الرفاعي الدكتور علي شريعتي بسبب أدلجته للدين أو لقيامه بـ (ترحيل الدين من الانطولوجيا إلى الأيديولوجيا) كما يُعبر، وحول الأدلجة يقول: “ما زلت أدرك أن الدين يهدف لتحقيق العدالة، لكن العدالة لا يمر من خلال (أدلجة الدين)، لأن (الأدلجة) تفسد الدين. الدين يتمحور هدفه العميق حول تأمين ما يفشل العقل والخبرة البشرية في تأمينه للحياة. الإنسان كائن لا يشبه إلا الإنسان، وهو الكائن الذي يفتقر إلى ما هو خارج عالمه المادي الحسي، خلافاً للحيوان الذي تتجاوز احتياجاته عالمه المادي الحسي. الإنسان في توق ووجد أبديين إلى ما يفتقده في هذا العالم، وذلك ما تدلل عليه مسيرة هذا الكائن منذ فجر تاريخه إلى الآن، بل أزعم أن هذه الحاجة مزمنة، وستستمر حتى آخر شخص يعيش في هذا العالم. وهو ما يُعبر عنه (الظمأ الأنطولوجي للمقدس) في حياة الكائن البشري”[11].
وفي الفصل الرابع تحدث الدكتور الرفاعي عن (التجربة الدينية والظمأ الأنطولوجي للمقدس)، ومن ضمن ما جاء في كلامه قوله: “التجربة الدينية تمثل البعد الأنطولوجي في الدين، وجوهره وذاته وروحه وباطنه العميق. التجربة الدينية جوانية، غاطسة في الذات، بل متماهية معها، لا يمكن بلوغها بأدوات ووسائل حسية، وربما لا تشير اليها ظواهر التدين الخارجية، أو قد تشي بعكسها أحياناً، كما لدى بعض رجال الدين، الذين ربما يؤشر خطأ ما يمارسونه من قداسات وطقوس وشعائر، إلى عمق تجاربهم الدينية، رغم أن عالمهم الباطن بعيد عن الله”[12].
وبعد أن يتحدث عن ما أسماه بـ (إرواء الظمأ للمقدس) يقول: “الدين الذي أتحدث عنه، هو ذلك الإيمان الغاطس المتوحد بالذات، بل هو كينونة المؤمن الوجودية. سواء أسميت ذلك ديناً أو إيماناً. أفضل التعبير عنه بـ “الإيمان”، حذراً من الالتباس بمفهوم ومصطلح “الدين” بمضمونه المؤسسي المجتمعي”[13].
ويعود الدكتور الرفاعي في هذا الفصل مجدداً للحديث عن “دين الأنطولوجيا” و”دين الأيديولوجيا”، ولنقد دين الايدلوجيا فيقول: “معنى كون الدين يشتغل على إرواء الظمأ الانطولوجي، هو أنه يشبع حاجات لا يمكن أن يشبعها العقل والخبرة البشرية، انه يهتم بأزمة المعنى وسبل معالجتها، انه يعالج فقدان معنى الحياة في عالم اليوم، وكيفية إنتاج هذا المعنى. وأية محاولة لنسيان مهمته في بناء الذات، وإقحامه في مجالات أخرى، يتحول معها إلى وحش مفترس، وسم زعاف يفسد كل شيء”[14].
وتحت عنوان (الإيمان يروي الظمأ الأنطولوجي للمقدس) يتحدث الدكتور الرفاعي قائلاً: “تجربتي الروحية ان الايمان هو الأمان. بل يمكنني القول في سياق تجربتي الشخصية، اني لم أعثر على أمان في حياتي خارج فضاء الايمان. إيماني مثلما أتذوقه هو ايمان انطولوجي متوحد بكينونتي. العلاقة بالله فيه أفقية لا عمودية. انها علاقة جوهرها الحب والحرية، لا تتضمن: استرقاقاً وقهراً وانتهاكاً لكرامتي واضطهاداً. حقيقة الحب في ضميري هي الصلة بالحق، أو من يوصلني بالحق”[15].
وأما في الفصل الخامس والذي جاء بعنوان: (أية دولة بلا حياة روحية وقيم أخلاقية؟) يواصل الدكتور الرفاعي نقده لأدلجة الدين من خلال نقد ما أسماه بـ (تكفير الآخر المختلف) ويتعرض لفكر ابن تيمية بالنقد ثم يتحدث قائلاً: “لم أعثر على كتاب أو بحث أو مقال، كتبه شخص ينتمي للمؤسسة الدينية السلفية، أو باحث أكاديمي متخصص في الشريعة والدراسات الإسلامية، أو اعلامي، أو مثقف، تناول فيه شيئاً من آثار ابن تيمية ومدرسته، بالمراجعة والتحليل والنقد، بل كل ما عثرت عليه من كتابات على وفرتها، تتمحور حول التبجيل والثناء، والشرح والتلخيص والتنظيم لأفكاره. ولو وجدنا بعض الكتابات النقدية، فإنها تنطلق من مواقف دفاعية مذهبية، تقتصر على بيان ونقد مواقفه حيال ذلك المذهب أو تلك الطائفة، من دون أن تهتم بالكشف عن أصول التكفير في تفكيره، وأثر ذلك في تشييد مدرسة عقائدية فقهية راسخة، شديدة التأثير في الإسلام المعاصر، استطاعت أن تتمدد ويتكرس حضورها، وتهيمن على التفكير الديني، وحياة مجتمعات عديدة في عالم الإسلام اليوم”[16].
ثم يعبر عن مخاوفه من أن يفهم كلامه هذا ونقده للسلفية ولابن تيمية بشكل طائفي بقوله: “أخشى أن يتم تفسير ما أقول تفسيراً طائفياً، أود التوضيح أني عندما تحدثت عن ابن تيمية، كنت أود الإشارة إلى الأثر الفتاك لميراثه، ومحورية مرجعيته وسلطته الدينية وسطوته على الإسلام السلفي، الذي هو الأوسع حضوراً، والأشد تأثيراً، والأخطر اجتياحاً لعالم الإسلام اليوم”[17].
من مجموع هذه النصوص السابقة التي اخترناها للدكتور الرفاعي من الفصل الأول إلى الفصل الخامس يلاحظ القارئ الكريم بأن عباراته ومفرداته تكشف لنا وبكل وضوح بأن كتابه يتمحور في الدرجة الأولى حول تجربته الشخصية، ويتجلى ذلك بوضوح أيضاً في الفصول اللاحقة، أي الفصل السادس والسابع، والذين هما عبارة عن حوار مع الدكتور عبدالجبار الرفاعي نفسه، ولهذا لا يستطيع القارئ قراءة هذا الكتاب بعيداً على شخصية كاتبه الدكتور الرفاعي، وذلك لأن الكتاب في مجمله يحكي سيرته الذاتية وتجربته الروحية في ظمئه الأنطولوجي للدين أو للمقدس.
ختاماً أقول: حتى لو كانت كتابة هذا الكتاب ترتكز في مجملها على جانب التجربة الروحية الشخصية للدكتور الرفاعي وليس على الجانب التأصيلي الممنهج، فإنه لا يخلو من أهمية وفوائد، إذ يكفي أن يتعرف القارئ على تجربة روحية فريدة ومميزة لشخصية كبيرة وعملاقة بحجم الدكتور عبدالجبار الرفاعي، وعليه فإن كل ما ذكرته في هذا المقال ليس للتقليل من قيمة هذا الكتاب وأهميته، وإنما لوضعه في إطاره الصحيح وسياقه الطبيعي، ولبيان بأن عنوانه يُوحي بخلاف مضمونه ومحتواه، فالكتاب لم يكن واضحاً من عنوانه كما في المثل المشهور، لأنه إذا لم يفهم كتجربة شخصية فإنه سوف يواجه العديد من المؤاخذات والنقد، وذلك لعدم تماميته واكتماله من الناحية المعرفية والمنهجية.
الهوامش