قراءةٌ أخرى
الشيخ أحمد عابديني(*)
تمهيد
من المسائل المبتلى بها في عصرنا هذا هو البحث عن مكان ذبح الهدي؛ إذ المتعارف من زمن الرسول| إلى قبيل زماننا أنّ محله الطبيعي منى، والناس كانوا هناك مجتمعين، وكانوا يأكلون من لحوم الأضاحي.
ولكنْ في الآونة الأخيرة دَعَتْ كثرة الحجاج في منى، وضيق المكان، ورعاية المصالح الصحية، الفقهاء كي يتفحّصوا المسألة من جديدٍ؛ فبعضهم أفتى بوجوب الذبح في منى، كائناً ما كان، ولو بعد يوم الأضحى إلى آخر ذي الحجّة؛ وبعضهم قال بوجوب ذبحه في بلادهم؛ وبعضهم أفتى بالذبح خارج منى اضطراراً.
وأنا أظنّ أنّ الحكم بوجوب الذبح في منى لم يكن أمراً مسلَّماً فقهياً، بل كان أمراً متعارفاً؛ لأجل مصلحة الناس والتسهيل عليهم، حتّى يأكلوا لحومها؛ وأيضاً كي يكون متّصلاً بأعمال الحجّ، حتّى يرى الحجّاج أنفسهم كإبراهيم× حين ذبح ولده و….
فكأنّ الذبح في منى لم يكن واجباً حتّى يغيِّره الاضطرار، فيجوِّزوا أن يكون الذبح خارج منى، وداخل الحرم.
قال المحقِّق الحلّي: ويجب ذبحه بمنى. وذيّله في الجواهر بقوله: عند علمائنا في محكيّ المنتهى والتذكرة، وعندنا في كشف اللثام. وهذا الحكم مقطوعٌ في كلام الأصحاب في المدارك. وقال الصادق× في خبر إبراهيم الكوفي… وقال أيضاً في خبر عبد الأعلى([1]).
أقول: صاحب الجواهر نقل الإجماع بألفاظ مختلفة، مثل: «عندنا»، «عند علمائنا»، و…
وأيضاً جاء بالروايات في هذا المجال، فيلزم علينا أن ننقل الأقوال، حتّى نرى أن المسألة إجماعية أو لا؟ ثمّ نتكلَّم حول الروايات.
1ـ قال في المقنع، بعد بيان الرمي ومستحبّاته: ثمّ اشتَرِ هَدْيَك إنْ كان من البدن أو من البقر، وإلاّ فاجعله كبشاً سميناً فحلاً، فإنْ لم تجد… فإنْ لم تجد فحلاً فما تيسَّر لك، وعَظِّمْ شعائر الله؛ فإنّها من تقوى القلوب. ولا تُعْطِ الجزّار جلودها، ولا قلائدها، ولا جلالها، ولكنْ تصدَّق بها، ولا تُعْطِ السلاّخ منها شيئاً([2]).
أقول: الظاهر من ذكره اشتراء الهَدْي بعد الرمي أنه من أعمال منى. ولكن هل يجب أن يقع في منى أو يجوز فلم يَقُلْ شيئاً. اللَّهُمَّ إلاّ أن يقال: إن إصراره على دفن الشعر في منى، وعدم ذكر لفظ منى في الذبح، يدلّ على جواز وقوعه في منى أو استحبابه، دون وجوبه. وممّا يقرب هذا قوله: «اشْتَرِ»، مع أنه وسيلة للتملُّك، دون غيره.
وببيانٍ آخر: هو& ذكر الواجبات والمستحبات في سياقٍ واحد ولكنْ أكّد الحكم في الواجبات، دون المستحبّات. مثلاً: قال في نفس الصفحة: «إيّاك أن تفيض منها قبل غروب الشمس، فيلزمك دم شاة». وفي نفس الصفحة، في وصف الأضاحي، قال: «قال والدي في رسالته إليَّ: يا بنيّ، اعلَمْ أنه لا يجوز في الأضاحي من البدن إلاّ الثني…». وأيضاً أصرّ على دفن الشعر في منى بقوله: «وادفِنْ شعرك بمنى؛ فإنه روي عن أبي عبد الله×: …ولا تُلْقِ شعرك إلاّ بمنى، فإنْ جهلت أن تقصر من رأسك أو تحلقه حتّى ارتحلت من منى فارجع إلى منى، فأَلْقِ شعرك بها، حلقاً كان أو تقصيراً»([3]). فهذا الإصرار في دفن الشعر بمنى، وعدم الذكر أو عدم الإصرار في مكان الهَدْي، يشعر بعدم وجوب إيقاعه في منى، وإلاّ كان عليه البيان، وهو في مقامه، بحيث ذكر المستحبّات والإرشادات أيضاً.
على أن تصدير الجملة بـ «اشْتَرِ»، مع أنه ليس واجباً، ولا مستحباً، بل وسيلة للتملُّك، وليس له مكانٌ خاصّ، يُشْعِرُ على أن محلّ الذبح أيضاً هكذا.
ثم هو&، بعد أسطر، قال: «وإن نسيتَ أن تذبح بمنى حتّى زرت البيت فاشْتَرِ بمكّة، وانحَرْ بها، وليس عليك شيءٌ، وقد أجزأت عنك»([4]).
أقول: من هذه العبارة الأخيرة: يُفْهَم أن المحل الأصلي للذبح هو منى، من دون أن يدلّ على الوجوب أو الاستحباب، فإذا جاوزت منى ودخلت مكّة لا يلزم عليك أن ترجع إلى منى، بل اشْتَرِ بمكّة واذبحه بها.
2ـ وقال الصدوق: ثمّ اشْتَرِ منه هَدْيَك، إنْ كان من البدن أو من البقر فاجعله كبشاً سميناً فحلاً، إلى قوله: ولكن تصدّق بها([5])، نحو ما مرّ من المقنع طابق النعل بالنعل، بالنسبة إلى الإفاضة من عرفات، ومستحبّات الرمي والذبح، ولكنْ لم يذكر مسألة نسيان الذبح بمنى.
3ـ وقال الحلبي في إشارة السبق: وينحر أو يذبح ما وجب منها في إحرام الحج بمنى. وهدي التمتُّع أعلاه بدنة، وأدناه شاة. ومحلّ نحره أو ذبحه بمنى. ويؤكل منه ومن هدي القِران، دون الكفارات…([6]).
أقول: كما أنه لا يوجد إصرارٌ على ذبح كفّارات إحرام العمرة بالجزورة مقابل الكعبة الآن، بل لا يمكن، فكذلك ينبغي أن لا يوجد إصرارٌ على ذبح الهَدْي بمنى؛ لأنهما من وادٍ واحد، وفي سياقٍ واحد.
4ـ وفي فقه الرضا×: فإذا طلعَتْ الشمس على جبل ثبير فأفِضْ منها إلى منى، وإيّاك أن تفيض منها قبل طلوع الشمس، ولا من عرفات قبل غروبها، فليزمك الدم… فإذا بلغت طرف وادي محسَّر فاسْعَ فيه مقدار مئة خطوة، وإنْ كنت راكباً…، ثم أمرّ السكين عليها، ولا تنخعها حتّى تموت… ولا يجوز في الأضاحي من البدن إلاّ الثني…، ومن الضأن الجذع…. فإذا نحرت أضحيتك أكلت منها، وتصدَّقت بالباقي([7]).
أقول: أوّلاً: اختلف علماؤنا في كتاب فقه الرضا؛ فبعضهم قالوا: إنه كتاب عليّ بن موسى الرضا×؛ وبعضهم قالوا: إنه رسالة عليّ بن بابويه إلى ولده الصدوق&، وبما أن اسم والد الصدوق& كان عليّ بن حسين بن موسى، وبما أن الولد ينسب إلى جدّه كثيراً، كان يقال: رسالة عليّ بن موسى إلى ولده، ثم توهّم بعضٌ أنه رسالة عليّ بن موسى الرضا×؛ وبعضهم قالوا أشياء أخر. فأقلُّ شيءٍ نستطيع أن نقول ـ والنتيجة تابعة لأخسّ مقدّماتها ـ: إنه رسالة من أحد العلماء السَّلَف. ويعطي لنا رأيَ عالمٍ في تلك الأعصار، قبل الشيخ الطوسي وأمثاله.
ثانياً: نقلت عباراته بالتفصيل حتّى يظهر أنه لم يخلط بين الواجبات والآداب والسنن، فترى تأكيده على وقت الإفاضة وشرائط الهَدْي، ولكن لا يؤكِّد بالنسبة إلى الأدعية ومستحبّات الذبح ومكان الذبح. فأكثر ما تفيده عبارته هو راجحية وقوع الذبح في منى، لا غيره. وهذه التعبيرات قريبةٌ من تعبيرات الصدوق في المقنع والهداية، كما مرّ.
5ـ وفي الكافي، لابن الصلاح الحلبي: فإذا انتهى إلى منى فلينزل بها، ويأتِ جمرة العقبة… وذكر مستحبات الرمي وواجباته، ثم قال: …ثم يرجع إلى منى فيشتري هدياً لمتعته إنْ كان متمتعاً، أعلاه بدنة وأدناه شاة، تستقبل بما يذبح أو ينحر من هدي متعته أو ما ساق منه إنْ كان قارناً القبلة، ويقول وجهت وجهي…، ثم يمرّ الشفرة ويذبح، ولا ينخع…، وليأكل من هديه، ويطعم الباقي، ولا يعطي الجزّار منها ولا من جلالها ولا قلائدها شيئاً([8]).
6ـ وفي المهذَّب، لابن البرّاج: وإذا ضلّ الهدي عن صاحبه فوجده غيره فذبحه بغير منى كان على صاحبه العوض؛ لأنه إنّما يجزي عنه إذا ذبحه بمنى([9]).
أقول: كلام ابن البرّاج هو ما يفهم من رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد الله×. فسوف نذكر الرواية مع توضيحٍ منّا. ولا يُعطي شيئاً أكثر ممّا في إشارة السبق، وسوف يأتي كلامٌ حوله، وحول ما قال الشيخ في النهاية، فانتظر.
7ـ وفي الانتصار لم يذكر هذه المسألة، مع أن الانتصار دوِّن لذكر منفردات الإماميّة، فعدم ذكر هذه المسألة مع أن الذبح في منى مستحبّ عند جميع العامّة يدلّ على عدم وجوب الذبح بمنى عندنا أيضاً.
فننقل أقوال فقهاء السنّة قبل نقل سائر الأقوال من فقهائنا.
8ـ وفي وقت ذبح الهدي ومكانه تفصيلٌ في المذاهب:
أـ الحنابلة قالوا: …وأمّا مكان ذبحه فهو الحَرَم، فيجزي نحره في أيّ ناحية منه، إلاّ أن الأفضل للمعتمر أن ينحره عند المروة، وللحاج أن ينحره بمنى، فإنْ نحره في غير الحرم فلا يجزئ إلاّ إذا عطب قبل الوصول، فينحره في مكان عطبه.
ب ـ الحنفية قالوا: …وأمّا مكان ذبح الهدي مطلقاً فهو الحَرَم، ويسنّ ذبحه بمنى إنْ كان الذبح في أيام النحر، وإنْ كان في غيرها فمكّة أفضل.
ج ـ الشافعية قالوا: …وأمّا مكان ذبحه فهو الحَرَم، فلا يجوز ذبحه بغيره، فحيث نحر الهدي أجزأه، في أيِّ جزءٍ من أجزاء الحَرَم، إلاّ أن السنّة للمعتمر أن ينحره بمكّة؛ لأنّها موضع تحلُّله…، والسنّة للحاج أن ينحره بمنى؛ لأنّها موضع تحلُّل الحاج.
د ـ المالكية قالوا ما ملخَّصه: وأمّا مكان ذبحه فهو منى، بشروط ثلاثة: الأوّل: أن يكون مسوقاً في إحرام الحج؛ الثاني: أن يقف بالهدي بعرفة جزءاً من ليلة يوم النحر؛ الثالث: أن يريد نحره في يوم من الأيام الثلاثة السابقة، فإنْ انتفى شرط من هذه الشروط فمحلّ ذبحه مكّة، لا يجزئ ذبحه بغيرها([10]).
9ـ وقال الطوسي: مسألة 216: مَنْ وجب عليه الهدي في إحرام الحجّ فلا ينحره إلاّ بمنى، وإنْ وجب عليه في إحرام العمرة فلا ينحره إلاّ بمكّة. وقال باقي الفقهاء: أيّ مكان شاء من الحَرَم يجزيه، إلاّ أن الشافعي استحبّ مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط([11]).
أقول: الحنابلة أيضاً قالوا مثل قول الشافعية، فلا أدري لماذا يذكرهم الشيخ! والإجماعُ ـ مضافاً إلى وجود المخالف ـ مدركيٌّ؛ للتأسّي بفعل النبيّ، وطريقة الاحتياط، كما سيأتي.
10ـ وفي الغنية: وأمّا هدي التمتع فأعلاه بدنة وأدناه شاة، ويذبح أو ينحر بمنى، وكذا هدي القِران، ويلزم سياقه بعد التقليد أو الإشعار على ما قدّمناه، وإنْ كان ابتداؤه تطوُّعاً؛ بدليل الإجماع المشار إليه، وطريقة الاحتياط([12]).
أقول: مضافاً إلى أن إجماعه موافق للاحتياط، فإنّنا نحتمل أن مدرك المجمعين هو طريقة الاحتياط، لا قول المعصوم. إن الإجماع مرتبطٌ بهدي القِران، لا التمتع، وإلاّ فلا وجه لقوله: «وكذا». وأيضاً إن ديدن صاحب الغنية في مثل هذه الموارد التعبير بـ «كلّ هذه بدليل الإجماع المشار إليه أو المتكرِّر»، فعدم ذكر «كلّ هذا» قرينة على أن الإجماع مرتبط بالأخير، لا الكلّ. وثالثاً: ادّعاء الإجماع التعبّدي نحن لا نقبله بعد عدم ذكر الوجوب في كلام مَنْ عرفت.
11ـ وفي المقنعة: باب الذبح والنحر: ثمّ يشتري هديه الذي فيه متعته إنْ كان من البدن أو من إناث البقر، فإنْ لم يجد ففحلاً، و…، ويعظم شعائر الله…. واعلم أنه لا يجوز في الأضاحي من البدن إلاّ الثني([13]).
أقول: المفيد& لم يذكر شيئاً بالنسبة إلى الذبح بمنى. اللهُمّ إلاّ أن يقال: إن لفظة «ثم» عطف على ما قبله، أي الرمي، فمقصوده الاشتراء والذبح في منى.
فنقول: أكثر شيء يمكن أن يقبل هو أن وقوعه في منى لا إشكال فيه، أو مستحبّ، ولكن لا يدلّ على وجوب كونه في منى؛ إذ لا يحتمل أحدٌ أن الاشتراء يجب أن يكون في منى، وأن الشراء من غيرها، أو إذا كان بنفسه مالكاً وراعياً للغنم، وأتى بها إلى منى وذبحها، لم يكْفِ؟! فهذا الكلام لا يمكن أن نلتزم به، وكذا وجوب كون الذبح في منى.
فالواجب هو الذبح في يوم النحر، لا سائر الخصوصيات.
12ـ وفي الوسيلة، لابن حمزة: فصل: …والمناسك بمنى ضربان: أحدهما في يوم النحر؛ والثاني في أيام التشريق. فالمناسك في يوم النحر ثلاثة: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق. ويتعلق بالرمي أفعال… وأمّا الذبح والنحر فأربعة أشياء: هدي التمتع، والقارن، والكفّارة، والأضحية. والمتمتع إما يجد الهدي وثمنه؛ أو يجد الثمن دون الهدي؛ أو الهدي دون الثمن. فالأوّل يلزمه… والثاني إنْ أقام بمكّة طول ذي الحجة ووجد الهدي ابتاعه وذبح، وإنْ لم يقم…([14]).
أقول: عبارته مجملةٌ؛ إذ إنه يقول: الذبح من مناسك منى، ولكن لم يذكر وجوب كون الذبح في منى أو استحبابه. كما أن ذيله أيضاً ساكت من بيان وجوب كون الذبح في مكّة أو منى إنْ أقام بمكّة ووجد الهدي. فالمهم عنده نفس الذبح، دون المكان، ولذا أهمله.
13ـ وفي النهاية، للشيخ الطوسي: ولا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحجّ إلاّ بمنى، وما ليس بواجب جاز ذبحه أو نحره بمكّة… وقال بعد صفحةٍ: وجميع ما يلزم الحاج المتمتّع وغير المتمتّع من الهدي والكفارات في حال الإحرام لا يجوز ذبحه ولا نحره إلاّ بمنى. وكلّ ما يلزمه في إحرام العمرة فلا ينحره إلاّ بمكة([15]).
أقول: الشيخ& هو أوّل مَنْ صرَّح بوجوب وقوع الذبح في منى، مع أنه لم يذكر شيئاً في المبسوط، بل كان سعيه فيه لإثبات وجوب الهدي، دون مكان ذبحه. قال في المبسوط: فإذا فرغ من رمي جمرة العقبة ذبح هديه، وإنْ كان متمتعاً، فالهدي واجب عليه… ومَنْ وجب عليه الهدي ولا يقدر عليه فإنْ كان معه ثمنه خلَّفه عند مَنْ يثق به حتّى يشتري له هَدْياً يذبح عنه في العام المقبل في ذي الحجّة؛ وإنْ أصابه في مدة مقامه بمكّة إلى انقضاء ذي الحجّة جاز له أن يشتري به ويذبحه؛ وإنْ لم يصبه فعلى ما ذكرناه([16]).
14ـ وفي المراسم: وكلّ ما يجب من الفدية على المحرم بالحجّ فإنه يذبحه أو ينحره بمنى([17]).
15ـ وفي السرائر: ولا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحجّ والعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ إلاّ بمنى يوم النحر أو بعده، فإنْ ذبحه بمكّة أو بغير منى لم يُجْزِه، وما ليس بواجب جاز ذبحه أو نحره بمكة([18]).
أقول: إلى هنا ذكرنا خمسة عشر من كلمات العلماء حول وجوب الذبح في منى.
فالذي يظهر من الكلمات إلى زمان الشيخ الطوسي هو عدم الوجوب. والشيخ هو الذي صرَّح بوجوب الذبح في منى في النهاية، وادّعى الإجماع في الخلاف، ولكن أهمله في المبسوط، وتبعه ابن إدريس والسيد المرتضى وغيرهم من المتأخِّرين، كما سنذكر عباراتهم. ولكن القدماء من الأصحاب بين تاركٍ لهذه المسألة وبين ناقلٍ لفعل النبيّ|، خالطاً الواجب والمستحبّ.
فالإجماع التعبُّدي الحاكي عن دليلٍ وصل إليهم ولم يصِلْ إلينا بعيدٌ؛ بعد احتمال التأسّي بفعل النبيّ|، وبالروايات الموجودة التي سنذكرها؛ وبعد موافقة المسألة للاحتياط. فللبحث حول المسألة مجالٌ واسع، وخصوصاً بملاحظة أن أفعال الإنسان تقع عرفاً في زمانٍ ومكان ما، فإنْ كان الزمان أو المكان قيداً للعمل وجب التصريح به، كما كانوا يصرِّحون بزمان الذبح وخصوصيات الهدي، وزمان الصوم في صورة عدم وجدان الهدي، فعدم التصريح أو عدم توجُّه خاصّ إلى تعيين مكان الذبح يدلّنا على أن منى كان ظرفاً للذبح عادةً، لا قيداً له. ولذا ترى روايات صحيحة دالّة على أن الإمام× ذبح بمكّة.
16ـ وفي المنتهى: نحر هدي التمتُّع يجب بمنى. ذهب إليه علماؤنا، وقال أكثر الجمهور: إنّه مستحب، وإن الواجب نحره بالحَرَم… لنا: ما رواه الجمهور عن النبيّ| قال: منى كلّها منحر، والتخصيص بالذكر يدلّ على التخصيص في الحكم؛ ومن طريق الخاصة: ما رواه الشيخ عن إبراهيم الكوفي…؛ ولأنه| نحر بمنى إجماعاً، وقال: خذوا عنّي مناسككم([19]).
17ـ وفي تذكرة الفقهاء: يجب النحر أو الذبح في هدي التمتع بمنى، عند علمائنا؛ لما رواه العامّة عن النبي| قال: منى كلها منحر، و…؛ ومن طريق الخاصّة…([20]).
أقول: هل الأدلة التي ذكرت بعد الإجماع هي مدرك المجمعين، كما هو الظاهر من عباراته، أو كما نذكر الأدلّة إسكاتاً للخصم، وإن المجمعين أجمعوا لدليل عندهم لم يصل إلينا، أو مدركهم أخبار العامة والخاصّة وفعل النبيّ|؟ فعلى أيّ حالٍ احتمال كونه مدركيّاً يكفي للتشكيك في الحكم، مضافاً إلى أن استفادة الوجوب من عبارات الفقهاء السابقين على الشيخ الطوسي ليس سهلاً. والكلام حول سائر الأدلة التي ذكرها سيأتي في البحث الروائي.
18ـ وفي كشف اللثام: ومكان هدي التمتع منى عندنا؛ للتأسّي؛ ونحو قول الصادق في خبر إبراهيم الكرخي…؛ وفي صحيح ابن حازم…([21]).
19ـ وفي مدارك الأحكام، في ذيل قول المصنِّف: «ويجب ذبحه بمنى»، قال: هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، وأسنده العلاّمة في التذكرة والمنتهى إلى علمائنا، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، واحتج عليه بقول النبيّ|…([22]).
20ـ وفي جامع المدارك، للخوانساري، قال: وأمّا وجوب كون الذبح بمنى فقيل: إنه مقطوع به في كلام الأصحاب، ويدل عليه خبر إبراهيم الكرخي…. وفي قباله صحيح معاوية بن عمار، وحسنه…([23]).
21ـ وفي رياض المسائل، في ذيل قول المصنف: «يجب ذبحه بمنى»، قال: بإجماعنا الظاهر المستظهر من جملة من العبارة، كالمنتهى والتذكرة والمدارك والذخيرة؛ للتأسي؛ والمعتبرة المستفيضة([24]).
22ـ في معتمد العروة، للسيد الخوئي&، في ذيل قول العروة الوثقى: «ويجب أن يكون الذبح بمنى»، قال: للقطع. ويدل عليه ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ الكتاب العزيز…([25]).
أقول: هؤلاء العلماء لم يحصِّلوا الإجماع بأنفسهم، وإلاّ كان عليهم أن ينقلوا إجماع الشيخ في الخلاف، بل نظروا إلى فعل النبيّ| وفعل المسلمين في طول القرون، وظنّوا أنه واجبٌ، مع أن فعل النبيّ| لا يدلّ على الوجوب، وكذا فعل المسلمين، بل يدلّ على أنه كان أمراً متعارفاً بينهم، ولا سيَّما بملاحظة أنه كان عليهم أن يقيموا بمنى ثلاثة أيام، فكانوا يذبحون هناك، ويأكلوا ويشربون ـ كما هو صريح روايات حرمة الصوم في منى أيام التشريق؛ لأنّها أيام الأكل والشرب ـ، وكانوا يشرقون اللحوم للشمس في منى، حتّى يدَّخروها لسائر الأوقات ـ كما يظهر من وجه تسمية أيام التشريق ـ، فلذا كان الذبح بمنى متداولاً، بل سنّة، ولكنْ لا يدل على وجوب كونه بمنى. فإثبات الوجوب يحتاج إلى مؤنةٍ زائدة، فيلزم أن نراجع الروايات والآيات؛ حتّى نرى هل نجد دليلاً على الوجوب أو لا؟
الروايات التي استدلّ بها لوجوب ذبح الهدي في منى
1ـ صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد الله×: في الرجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره؟ فقال: إنْ كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ منه، وإنْ كان نحره في غير منى لم يُجْزِ عن صاحبه([26]).
2ـ خبر إبراهيم الكرخي، عن أبي عبد الله×، في رجل قدم بهديه مكّة في العشر؟ فقال: إنْ كان هدياً واجباً فلا ينحره إلاّ بمنى، وإنْ كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إنْ شاء، وإنْ كان قد أشعره وقلّده فلا ينحره إلاّ يوم الأضحى([27]).
3ـ خبر عبد الأعلى قال: قال أبو عبد الله×: لا هدي إلاّ من الإبل، ولا ذبح إلاّ بمنى([28]).
4ـ خبر مسمع، عن أبي عبد الله× قال: منى كلّه منحر، وأفضل المنحر كله المسجد([29]).
5ـ في دعائم الإسلام: روينا عن أبي عبد الله× أنه ذكر الدفع من المزدلفة، فقال: وإذا صرت إلى منى فانْحَرْ هديك، واحلق رأسك([30]).
6ـ في دعائم الإسلام: عن عليٍّ×: إن رسول الله| لمّا رمى جمرة العقبة يوم النحر أتى إلى المنحر بمنى، فقال: هذا المنحر، وكلُّ منى منحر([31]).
ومن هنا يظهر الجواب عن سؤالٍ آخر كان في ذهني، وهو إصرار أهل السنّة على نقل كلام النبيّ|: «منى كلّها منحر»، كما مرَّ في ضمن نقل الروايات تحت رقم 9، 10، 11، 12، 13؛ إذ إنّهم لا ينقلون إلاّ كلام الرسول| في حجّة الوداع، وما قاله في عرفات والمزدلفة ومنى، مع أنّ الشيعة والأئمة المعصومين ينقلون حجة الوداع، وما قال النبيّ|، وما فعله، وكثيراً من الجزئيات ـ حتّى مكان بوله في الطريق ـ، وكلامه في عرفات ومزدلفة بأنّ هذا موقف، وكلّ عرفات أو المشعر موقف، ولكنْ لم ينقلوا ما قاله أهل السنّة بأن هذا منحر، وكلّ منى منحر([32]).
فأظنّ أن أهل السنّة قاسوا ـ كما هو ديدنهم ـ منى بالمزدلفة وعرفات. وقالوا كلاماً شبه ما قال النبيّ، ونسبوه إلى النبي|. وهذا الأمر جائز عندهم، ولا سيَّما في القياسات الجليّة. وكيف كان هذه العبارة مختصّةٌ بهم، ولم ينقل من طرقنا إلاّ ما رواه الشيخ& في التهذيب، عن موسى بن القاسم، عن الحسن اللؤلؤي، قال: حدَّثنا الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن مسمع، عن أبي عبد الله×، قال: منى كله منحر، وأفضل المنحر كلّه المسجد([33]).
ولكنّ هذا الخبر، مضافاً إلى ما في سنده، لا يدلّ على وجوب الذبح في منى؛ إذ أوّلاً: هذه الجملة الخبرية خاليةٌ من أداة القصر تدلّ على إثبات منحرية منى، لا عدم منحرية غيرها؛ وثانياً: ما هو المقصود بقوله: «وأفضل المنحر كله المسجد»؟! هل المقصود أن النحر في المسجد يكون أفضل، كما هو صريح ما فهم الشيخ&؛ إذ قال: ومنى كله منحر، وأفضله المسجد([34])؟! إنْ كان هذا فنحن نمنعه أشدّ المنع؛ إذ هو إخراجٌ للمسجد عن المسجدية وتبديله بالمنحر، مضافاً إلى عدم جواز تنجيس المسجد؛ وإذا كان المقصود أنّه كلما كان النحر أقرب إلى المسجد يكون أفضل فنحن نلتزم به، ولكنْ لا يدل على وجوب الذبح في منى.
ومن هنا يظهر الجواب عن صحيحة عبد الأعلى قال: قال أبو عبد الله×: لا هدي إلاّ من الإبل، ولا ذبح إلاّ بمنى([35])؛ إذ قوله «ولا هدي إلاّ من الإبل» يكون قرينة على أفضلية الذبح في منى؛ لاتحاد السياق ووقوعهما في كلامٍ واحد، ومن الواضح جواز الهدي بغير إبلٍ، فكذلك يجوز الذبح بغير منى.
ولو أصرَرْتَ على ظاهر اللفظ فنقول: على هذا القول يلزم عدم جواز ذبح كفارات الإحرام وغيرها بمكّة وبسائر البلدان، بل يدلّ على عدم جواز أيّ نوع من أنواع الذبح، سواء كان مرتبطاً بالحجّ أو لا. وبعد تقييد إطلاقها بقيود كثيرة لا يبقى لها إطلاق حتّى يتمسك به.
إنْ قلتَ: إنكار قول الرسول| «هذا منحر، وكل منى منحر» إنكار للخبر المتواتر لفظاً؛ إذ مضافاً إلى نقله في كتب السير والسنن نقله صاحب الدعائم أيضاً كما مرّ تحت رقم 5، 6 و7 من الروايات.
قلتُ: في تعريف التواتر قالوا: خبر جماعة يؤمَن معه من تعمُّدهم الكذب، أو قالوا: خبر جماعة يؤمَن تواطؤهم على الكذب. والأوّل أدقّ من الثاني؛ إذ ربما لا يتواطؤون على الكذب، بل لأجل حبّ شيءٍ أو شخص كلّهم يقولون شيئاً من دون التواطؤ على شيء. وهنا لا يبعد أنّه لأجل مشابهة الأماكن والكلمات ـ ومساعدة القياس أيضاً ـ قالوا هذا الكلام.
ومن ناحيةٍ أخرى أكثر الأسانيد يصل إلى جابر، كما أن أسانيدنا أيضاً كذلك، فلا مجال لإثبات التواتر.
ونحن نشكّ في إثبات الخبر الواحد أيضاً؛ إذ إن أصحابنا لم ينقلوا هذا الكلام عن النبيّ|، مع أنّهم كانوا بصدد ذكر الجزئيات، وجابر كان يشرح حجّ رسول الله| للباقر×، وكان المقام مقام تطويل، ومع ذلك لم ينقل هذا الكلام.
وكيف كان فيبقى حديثاً عامّياً، كما أشار إليه العلاّمة الحلّي في كتابَيْه بقوله: «ما رواه الجمهور عن النبيّ| «منى كلها منحر». فعنده هذا الخبر لم يكن ثابتاً عن طرقنا، فلذا نسبه إلى الجمهور.
اللهمّ إلاّ أن يقال: إن كلامه هذا كان لإسكاتهم، لا لنصر مذهبه ـ وهو وجوب الذبح بمنى ـ، فيبقى أصل الحكم بدون الدليل من طرقنا. وعلى أيّ حال إثبات هذا الكلام عن الرسول| مشكلٌ، بل عدم ثبوته أوضح؛ بقرينة عدم ذكر الأصحاب والأئمة^ هذا الكلام، مع أنهم ذكروا كثيراً من التفاصيل التي لم يذكرها العامّة في هذه القضية.
هذا كلُّه حول إثبات الحديث سنداً.
بحث حول متن الحديث
لو فرض صحّة السند، وأن الرسول| قال: منى كلّها منحر، فدلالتها على وجوب الذبح في منى قابلٌ للنقاش؛ إذ هذا الحديث وضع لتجويز الذبح في منى، لا عدم جواز الذبح في غيرها. وهذا يظهر من ملاحظة أقرانه، فقوله×: «الماء كلّه طاهر» هل يدلّ على عدم طهارة الأرض؟! وقوله: «الميتة كلّه نجس» هل يدلّ على عدم نجاسة الدم أو البول؟!
نجاسة الدم أو البول؟
فكلام العلاّمة في كتابيه بظاهره باطلٌ لا أساس له؛ إذ قال: التخصيص بالذكر يدلّ على التخصيص في الحكم([36]).
نعم، التخصيص بالذكر يدلّ على التخصيص في الحكم على القول بوجود مفهوم للقب، ولا يقول به هو، ولا نحن. هذا، ولو فرض وجود أداة الحصر في المقام فالقصر لا يكون حقيقةً، بل يكون قصر قلب.
بيان ذلك: إن الرسول| لمّا نحر هديه بمنى أراد الناس أن يذبحوا وينحروا في نفس المكان، فقال: «هذا منحر، وكل منى منحر»، فلا يجب عليكم أن تنحروا هنا، بل تستطيعون أن تنحروا في رحالكم. والشاهدُ على ذلك ما في السنن الكبرى قال: «نحرت هنا، ومنى كلّها منحر، فانحروا في رحالكم»([37]). وأيضاً ما في الدعائم من قوله: «هذا المنحر، ومنى كلها منحر، وأمر الناس فنحروا وذبحوا ذبائحهم في رحالهم بمنى». فمقصوده ـ والله العالم ـ جواز النحر في الرِّحال في غير المنحر المعروف، لا عدم جواز الذبح بغير منى، ولو في أمكنةٍ قريبة جدّاً.
هذا كلُّه بناءً على أن هذا الحكم ـ أي الذبح بمنى ـ حكمٌ دائمي إلهي للمسلمين إلى الأبد، ولكن يحتمل أن تكون مثل هذه الأحكام أحكاماً موسمية.
الأحكام الموسمية
بعض الأحكام تكون أحكاماً دائمية، ولا يغيِّرها تغيُّر الأحوال والشرائط؛ وبعض الأحكام تكون أحكاماً موسمية، مرتبطة بالشرائط الخاصة والأمكنة المختصّة بها.
فمثل النهي عن إخراج اللحوم من منى قبل ثلاثة أيام، وجوازه بعدها، تكون أحكاماً موسمية. كما أن حكم الصلاة والطواف حول البيت يكون من الأحكام الدائمية، نظير: نفس الذبح والوقوف.
وقبل التوضيح في هذا المجال ينبغي نقل بعض الروايات:
1ـ صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله× قال: سألتُه عن إخراج لحوم الأضاحي من منى؟ فقال: كنّا نقول: لا يخرج منها شيء؛ لحاجة الناس إليه، فأمّا اليوم فقد كثر الناس، فلا بأس بإخراجه([38]).
أقول: قوله×: «كنا نقول» يدلّ على الاستمرار، فالنهي كان أمراً مستمرّاً إلى زمان الصادق×، ولكنْ هو رخَّص في الإخراج بعد نهيٍ كثير صدر منه ومن آبائه^ عن الإخراج.
أقول: وهذا الخبر يرشدنا إلى محملٍ آخر لصحيحة معاوية بن عمار السابقة: «قلتُ له: إنّ أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكّة»([39])، وهو أن أهل مكة أنكروا عليه لأنّه ذبح بمكة في منزله، فلذا لم يستطيعوا أن يأكلوا ويدَّخروا، فأنكروا عليه ترك الإنفاق، والإمام× يجيب بأنّه كان يلزم علينا الذبح في منى عندما كان الاحتياج كثيراً، واللحم قليلاً، وأمّا اليوم فلا يلزم أن ننحر في منى؛ لكثرة الأضاحي وقلّة الناس. ومن ناحيةٍ أخرى كانت مكّة منحراً، فلا يبقى وجه لعدم جواز الذبح في غير منى، ولا يبقى وجهٌ لإنكار أهل مكّة. هذا ما يقتضيه الجمع بين الخبرين، فالروايات الواردة بوجوب الذبح في منى (لو ثبتت) صحيحة في موردها والروايات المجوّزة أيضاً صحيحة، وتحمل على كثرة الأضاحي في منى، فلا يبقى وجهٌ لحمل الشيخ&، الذي حمل خبر الجواز على الهدي تطوّعاً، كما مرّ([40]).
2ـ صحيحة حنان بن سدير، عن أبي جعفر×؛ وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله×، قالا: نهانا رسول الله| عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، ثمّ أذن فيها، وقال: كلوا من لحوم الأضاحي بعد ثلاثٍ، وادَّخروا([41]).
أقول: بهذا المضمون يوجد سبعة أخبار مذكورة في باب جواز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادّخارها([42]). وبهذا المضمون الأخبار الواردة الناهية عن إخراج اللحوم من منى، والناهية عن إعطاء الجزّارين شيئاً([43])، وإجازتهم^ في بعض الأخبار الأخر، الدالّة على موسميّة الحكم.
فنحن نقول: وقوع الذبح في منى أيضاً كان حكماً موسمياً مرتبطاً بالصدر الأوّل وزمن الأئمّة^.
بيان ذلك: إن منى كانت منطقة وسيعة بالنسبة إلى الذين كانوا يحجّون في الصدر الأوّل وعصور الأئمة^؛ إذ لم يتجاوز عدد الحاجّ عشرات الآلاف. فالمكان كان يسعهم لكي يسكنوا، ويذبحوا، ويشرقوا اللحوم للتجفيف، ويأكلوا ويشربوا ويدّخروا، كما هو مقتضى الروايات الكثيرة، ومقتضى تسمية أيام التشريق، ومقتضى النهي من الصوم أيّام التشريق بمنى، كما في الأخبار الكثيرة المتفرِّقة في أبواب مختلفة، كما سيأتي نماذج منها.
… إن رسول الله| أمر بنداء: إن هذه أيّام أكلٍ وشرب فلا يصومَنّ أحد([44]). ولكنْ بعد مرور الزمان، وتحسين وضع السفر، وإمكان السفر بالطائرات وبالوسائل الجوّية الجديدة، وتحسّن وضع الناس اقتصاديّاً، وهجوم الملايين من الحجاج للزيارة والوقوف بمنى، وعدم اتّساع المكان لجلوسهم وأعمالهم الضروريّة، كيف نحكم بوجوب الذبح في منى، وننسبه إلى الشارع؟ إنّ معنى هذا الحكم وهذه النسبة هو أن الله ـ نعوذ بالله ـ كان جاهلاً بما سيقع في المستقبل!! هل الله الذي يعلم عدد رمل العالج غفل عن هذه النقطة، وفوّض أمره إلى السلطات في السعودية حتّى يحسبوا المكان وسعته، ويسمحوا للزوار بمقدار المكان، لا كلّ مَنْ يريد أن يدخل مكّة ويزور البيت؟! إلاّ أن ينكر أحدٌ ويقول: لا هذا، ولا ذاك، بل منى بشكلها الفعلي تسع كلّ الحجاج في زماننا الحاضر والقادم أيضاً. فمرّة يقول هذا الكلام ومقصوده منه وجوب عمران منى وبناء البنايات الكبيرة إلى عشر طبقات وما فوق، حتّى يتّسع للسكن وللذبح وسائر الأمور، فهذا كلامٌ جيِّد، ولكن يحتاج إلى صرف أموال كثيرة؛ لبناء هذه البنايات الضخمة لثلاثة أيّام فقط، وهذا إسرافٌ كبير، وأيضاً يخرج أعمال منى والوقوف هناك عن كونه تذكرة لقصّة إبراهيم، وإيثاره، وأيضاً يخرج أعمال منى عن كونه مشقّة وامتحاناً للناس، بل يصبح الوقوف بمنى كوقوف في بعض الفنادق الكبيرة الجيِّدة. فبهذا يمكن تصحيح كلام القائل ولكنْ أخرجنا الأحكام عن حكمتها، مضافاً إلى أن هذه ـ أي بناء الأبنية الضخمة في منى ـ من الأوهام الذهنية، وليس لها واقع، ولا يمكن تطبيقها عملاً؛ إذ تطبيقها يحتاج إلى صرف أموال كثيرة لصنع البنايات والمصانع، وأموال أكثر لحفظها طوال السنة.
وأخرى بأن يقال: إن منى بشكلها الفعلي، بدون بناء الفنادق والبنايات تكفي لجميع الحجّاج وكل مَنْ يريد أن يحجّ. وهذا كلام يلزم أن يرجع إلى صاحبه، وليس قابلاً لأن نبحث عنه؛ لأنّه لا يتكلَّم عن علمٍ، أو مسؤولية.
بحوثٌ جديدة
المسائل التي ينبغي أن نتكلَّم حولها بعد العلم بضيق المكان في منى، وعلم الله تعالى بأنه يأتي زمان يكثر فيه الحجّاج، ولا تسعهم أرض منى. فإمّا يلزم أن نقول بجواز البناء في منى، خلافاً للرواية العامّية «المنى لا يبنى». وأمّا وجوب إخراج الذبح والذبيحة من منى حالياً، وأيضاً الالتزام بأن حدود منى أو عرفات أو غيرهما ليست منحصرة في ما حصرناه حالياً، بل يمكن التجاوز عنها إلى مقدار الحاجة؛ وإلاّ يلزم أن نلتزم بأن الله جعل أحكاماً للأزمنة الماضية فقط؛ أو نلتزم بأن هذا كله ضرورات، والضرورات تبيح المحظورات؛ أو نلتزم بأن الدين لا يزال ينتصر برجلٍ فاسق، فالحمد لله الذي أعطى القدرة والشوكة لآل سعود حتّى يصدّوا عن سبيل الله، ويمنعوا أن يدخل مكّة أكثر من هذا المقدار!!
والالتزام بكل واحدٍ من هذه الطرق، والإفتاء بها، يحتاج إلى مزيد مؤنةٍ ودقّة. فالأحسن أن نلتزم بما هو مقتضى فعل الإمام×، وخالٍ عن أيّ شبهةٍ، ويحل مشكلة عصرنا أيضاً، ولا يضرّ بحكمة الأحكام، أي التذكرة بقصة إبراهيم من ناحية، وإطعام المساكين والفقراء من ناحية أخرى، وهو أن يقال بجواز بل لزوم ذبح الهدي في خارج من منى، وإرسال لحومها إلى الثلاجات وما شابهها، وإرسالها إلى المناطق الفقيرة، نظير: أفريقيا.
وهذا هو الطريق المتَّبَع حالياً. ونحن بيَّنّاه ورفعنا الغبار عنه، ليس من باب الضرورة حتّى يرجع إلينا نفس الإشكال الذي قلناه سابقاً ـ وهو لزوم غفلة الشارع عن هذه المشاكل الحاصلة في عصرنا ـ، بل الشيء الذي كنّا بصدده هو أن وجوب الذبح بمنى لا دليل له من طرقنا، فنحن أولى بالحكم باستحباب الذبح في منى من أهل السنّة، واستدلال العلاّمة في كتابَيْه كان لإسكاتهم، ولم يكن أدلّةً حقيقة، وهو& كان يظنّ أن هذا الحكم مفروغٌ عنه عندنا، فكان يريد إسكات الخصم فقط.
إلى هنا تمّ الدليل الثاني الذي ذكروه لوجوب الذبح بمنى. ولكنْ لم نتكلم حول صحيحة منصور بن حازم؛ إذ يجوز حمله على الأحكام الموسمية، كما شرحنا، وأيضاً فيه بعض الأمور الذي يشكل الالتزام بها، ومنها: جواز الذبح عن الغير، وكفايته عنه، وإنْ لم يَنْوِ عنه، ولم يكن وكيلاً أو متولِّياً من ناحيته؛ ومنها: احتمال أنه ذبحه في غير منى حتّى لا يراه أحدٌ، فيأكل ويدّخر لنفسه، فالإمام× يقول: «إنْ كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلَّ عنه»، ويؤيد هذا الاحتمال قوله×: «وإنْ كان نحره في غير منى، وليس مقصوده من (غير منى) مكّة فقط، بل مراده ـ والله العالم ـ إنْ لم ينحره في أمكنةٍ ليس فيها أحدٌ فيجزي؛ لأن الناس في تلك الأيام إمّا موجودون في مكّة وإمّا في منى. ويؤيِّده أيضاً الروايات التي يسأل فيها أصحاب الأئمة ^: هل يجوز لنا الانتفاع بإهاب الهدي أو بشعرها؟ أو هل نعطي جلدها للجزّارين؟ أو غير ذلك، والإمام ينهاهم ويقول: أعْطِ الجزارين أجرهم، وتصدّقوا بالجلد، أو اجعله فراشاً في البيت يصلّون عليها، وأمثال ذلك([45]).
فمنها: «نهى رسول الله| أن يُعطى الجزّار من جلود الهدي وأجلالها شيئاً».
ومنها: «نحر رسول الله| بدنة، ولم يُعْطِ الجزّارين جلودها، ولا قلائدها، ولا جلالها، ولكن تصدّق به».
ومنها: «سألت أبا عبد الله× عن الإهاب؟ فقال: تصدّق به، أو تجعله مصلّى تنتفع به في البيت»([46]).
وبعد هذا كلّه نقول: لو فرض عدم قبول هذه الأمور كلّها، فتتعارض هذه الصحيحة مع صحيحة معاوية بن عمّار، فتتساقطان، والمرجع بعد التساقط هو الأصل، أي عدم وجوب كون الذبح بمنى؛ إذ سائر أدلّة وجوب الذبح بمنى لم تكن قابلة للاعتناء. والعجب من السيد الخوئي&، مع أنه لا يعتني بالإجماع وقول الأصحاب ويفتي بمقتضى الأخبار الصحاح، كيف توهَّم هذا الحكم مقطوعاً به؟! ولذا ذكر صحيحة منصور بن حازم كدليلٍ على الوجوب، ولم يتكلَّم حول التعارض، والرجوع إلى الأصل.
إنْ قلتَ: بعد التعارض نرجِّح صحيحة منصور بن حازم؛ للإجماع والشهرة وسيرة الرسول| والأئمة^.
أقول: استحباب الذبح في منى أو حسنه لا بأس به، ولكن الكلام حول وجوبه. فبعد هذه الاحتمالات هل يمكن الحكم القطعي بالوجوب، مع أنه ينتهي إلى تضييع كثير من اللحوم، وعدم العمل بحكمة تشريع الذبح في منى، وعدم العمل بـ ﴿أَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾، وعدم العمل بالروايات الآمرة بالصدقة، والناهية عن بيع جلودها.
وبعد هذا كلّه الشهرة والإجماع والسيرة إنما حصلت لاحتياج الفعل (الذبح أو النحر) إلى مكانٍ، والمكان الذي كانوا يقفون فيه، وكان وسيعاً للذبح والأكل وسائر الأمور، هو منى، فعندما كان مدرك إجماعهم وسيرتهم معلوماً عندنا، ولم يكن مدركهم هذه الصحيحة، كيف يمكن أن تكون هذه الأمور نحو تأييد للصحيحة؟!
وملخَّص الكلام: إن الشهرة أو الإجماع أو السيرة تكون مرجِّحاً لهذا الخبر في صورتين:
إحداهما: إن كان مدركهم هذا الخبر، بحيث يدلّنا على أن الخبر الآخر فيه إشكال.
ثانيتهما: إنْ كان مدركهم شيئاً مجهولاً لنا، بحيث نحتمل أنه كان عندهم شيءٌ من الدليل لم يصل إلينا؛ كي يقال: العلماء السَّلَف الذين كانوا لا يفتون بدون الدليل، ولا بالقياس، ولا بالاستحسان، كان عندهم دليلٌ معتبر لم يصِلْ إلينا. ولكن كلّ هذه الأمور منتفية هنا، فلا وجه لترجيح أحد الخبرين على الآخر.
هذا مضافاً إلى أن دلالة الفعل على الجواز يكون أصرح وأوضح من دلالة اللفظ على الوجوب، فالصحيحة الحاكية عن الذبح في مكّة أصرح في الجواز من قوله× في صحيحة منصور بن حازم على وجوب الذبح في منى.
نقطةٌ
يمكن أن يقال: إن علمائنا وإنْ كانوا يتكلَّمون حول الذبح في منى، ولكن كانوا يقصدون مقابلة مكّة، فلذا كانوا يقولون: كفارة كذا محلّها بحذاء الكعبة، وكفارة كذا محلّها منى، ولم يكن في ذهنهم مكانٌ لا يكون من مكّة ولا من منى، فيذبح فيه؛ إذ سائر الأمكنة كانت أراضٍ قفار، ليس فيها أحد، ولا يمرّ عليها أحد، إلاّ نادراً. وفي أيّام التشريق وهي أيّام الذبح والنحر الناس إمّا كانوا في منى؛ للوقوف الواجب، وأمّا كانوا في مكّة؛ للإتيان بأعمال الحجّ.
استدلالٌ بالآيات الشريفة
استدلّ لوجوب الذبح في منى ببعض الآيات القرآنية.
قال السيد الخوئي، في ذيل قول السيد اليزدي في العروة الوثقى: «ويجب أن يكون الذبح بمنى»: للقطع به عند الأصحاب، وللسيرة القطعية المستمرّة من زمن النبي| إلى زماننا. ويدل عليه مضافاً إلى ما ذكر الكتاب العزيز، بضميمة ما ورد في تفسيره من الروايات.
أمّا الكتاب فقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ… وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ (البقرة: 196)، فيظهر من الآية أن الهَدْي له محلّ معين خاصّ، لا يجوز ذبحه في غيره.
وفي رواية معتبرة فُسِّر المحلّ بمنى: عن زرعة قال: سألتُه عن رجل أحصر في الحجّ؟ قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، ومحلّه أن يبلغ الهدي محلّه، ومحلّه منى يوم النحر إذا كان في الحجّ، وإنْ كان في عمرة نحره بمكة، فإنّما عليه أن يعدهم لذلك يوماً، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، وإنْ اختلفوا في الميعاد لم يضرّه إنْ شاء الله تعالى([47]).
فضمُّ الرواية إلى الآية ينتج أن الكتاب العزيز يدلّ على لزوم الذبح بمنى، بل يمكن الاستدلال بنفس الآية الشريفة، مع قطع النظر عن المعتبرة؛ لأنّ الآية صريحة في أن الهدي له محلّ خاص معين، وليس ذلك غير منى قطعاً، فيتعين كونه منى»([48]).
أقول: أمّا الدليل الأوّل، أي الإجماع والسيرة القطعية، فقد تكلَّمنا حولها بشكلٍ وافٍ. وخلاصته: إن السيرة العملية لا تدلّ على الوجوب، والإجماع محتمل المدركيّة، بل هي متيقنة. وإنّ منى كانت ظرفاً متعارفاً للذبح والنحر؛ حيث كان الناس مجتمعين هناك للوقوف، فكانوا يذبحون هناك ويأكلون ويتصدّقون، فالمحل كان ظرفاً للذبح، ولم يكن قيداً له.
أمّا الكتاب فنقول: لفظة «محلّه» مشتركة بين اسم الزمان واسم المكان؛ فمرّة يقصد منه حتّى يبلغ الهدي إلى مكانه المخصوص؛ وأخرى حتى يبلغ الهدي إلى زمانه المخصوص. والسيد الخوئي& قصد الأوّل؛ فلذا مرّة ضمّ الرواية إلى الآية، ووصل إلى النتيجة؛ وأخرى استفاد من نفس الآية، بدون ضمّ الرواية.
ولكنْ من أين ثبت له أنّ «محله» اسم مكان؟! فيحتمل أن يكون اسم زمان، فيبطل الاستدلال من رأسه.
قال الجصّاص: إن المحلّ اسم لشيئين؛ يحتمل أن يراد به الوقت؛ ويحتمل أن يراد به المكان، ألا ترى أن محلّ الدين هو وقته الذي تجب المطالبة به، وقال النبي| لضباعة بنت الزبير: اشترطي في الحجّ، وقولي: محلي حيث حبستني، فجعل المحل في هذا الموضوع اسماً للمكان([49]).
وقال أبو بكر محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾، بكسر الحاء، وهو وقت الحِلّ. ونحن نقول: إن وقته وقت حلّ الهدي، وقد حلّ باليأس عن البلوغ([50]).
أقول: لا أريد أن أرجِّح أحد المعنيين على الآخر، بل أريد أن أقول: إثبات محل الهدي، سواء كان منى أو غيره، من نفس الآية الشريفة لا نخالفه، بل يمكن أن يقال: إن الآية تشير إليه، ولكنّ الاستدلال بها غير تامّ، سواء انضمّت إليها معتبرة زرعة أم لم تنضمّ.
على أن الآية والمعتبرة تشعران بأنّ محل الهدي يشمل الزمان والمكان.
ففي الرواية: «ومحلّه أن يبلغ الهدي محله، ومحله منى». هكذا في الوسائل والمقنع. فإنْ كان «محله» اسم مكان كان اللازم أن يقال: «أن يبلغ الهدي منى»، لا التكرار بهذه الصورة. وهذا التكرار فيه احتمالان:
الأول: أن يقال: أن يبلغ الهدي محلّه، ومحله في هذا الزمان يكون منى، فالرواية تصير موسمية، وتريد أن تبين أنّ «محله» له مفهوم عامّ يختلف بحسب الأزمنة. وهذا يكون من خواصّ القرآن، فإن الألفاظ مفاهيم عامة قابلة للتطبيق في جميع الأزمنة وجميع الحالات. ألا ترى لفظ (ميزان) قابل للتطبيق على ما يزن الكميات والكيفيات والأعمال. فهكذا ما نحن فيه.
الثاني: أن يقال: أراد بلفظة «محله» اسم الزمان؛ إذ قال: «ومحله منى يوم النحر». فباعتبار منى يكون اسم مكان، وباعتبار يوم النحر يكون اسم زمان. ولكنّ الثاني أولى وأقوى؛ لأن الذبح قبل يوم النحر في منى لا يصحّ، ولو لذوي الأعذار، ولكن الذبح في غير منى يصحّ في بعض الشرائط.
وملخَّص الكلام: إن الآية تتحمّل المكان والزمان معاً، فإثبات واحد منها يحتاج إلى دليل. والمعتبرة أيضاً نفس الشيء تتحمّل كلا المعنيين. ولو فرض أنّ «محله» في الآية يكون للمكان فإثبات انحصار المكان في منى من نفس الآية، أو من المعتبرة، ليس أمراً سهلاً. اللهُمَّ إلاّ أن يتمسك بتقديم لفظة «منى» على «يوم النحر»، وهذا أيضاً كما ترى؛ إذ كيف يمكن فهم حكمٍ بهذه الأهمية، والفتوى على طبقه، من تقديم لفظٍ على آخر، بدون أيّ قرينةٍ أخرى.
الهوامش
(*) أستاذ الدراسات العليا ـ الفقهيّة والفلسفيّة ـ في الحوزة العلميّة في إصفهان. له كتاباتٌ نقديّة عديدة.
([4]) الجوامع الفقهية: 23 و24.
([10]) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 627.
([19]) منتهى المطلب 2: 728 (ط حجريّة).
([20]) تذكرة الفقهاء 1: 380 (ط حجريّة).
([22]) مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام 8: 19.
([23]) جامع المدارك في شرح مختصر النافع 2: 451.
([30]) بحار الأنوار 99: 301، نقلاً عن دعائم الإسلام 1: 194.
([32]) فراجع في هذا المجال: فروع الكافي 4: 245 إلى 248، 249؛ وراجع أيضاً: بحار الأنوار 21: 378 إلى 407، باب حجّة الوداع وما جرى فيها. مع أنه نقل عن الإرشاد والأمالي والمنتقى والكافي وسائر كتب الشيعة جلّ التفصيلات، بل كلّها، ولم ينقل هذا الكلام عن النبيّ| في منى.
([36]) منتهى المطلب 2: 738؛ تذكرة الفقهاء 1: 80.
([41]) فروع الكافي 4: 501؛ وسائل الشيعة 10: 148.
([42]) وسائل الشيعة 10: 148، 19.
([43]) المصدر السابق 10: 150 ـ 152، باب 42 و43 من أبواب الذبح.
([45]) راجع في هذا المجال: فروع الكافي 4: 501.
([47]) المصدر السابق 9: 306، باب 2 من أبواب الحصر والصيد، ح2.