مناقشةٌ وتحليل
أ. حميد رضا تمدن(*)
د. الشيخ علي إلهي خراساني(**)
المقدّمة
لا شَكَّ في أن «ابن جنيد الإسكافي» فقيهٌ عُرف بكثرة تأليفه حسب كتب الرجال، وذكر فيها بإجلال واحترام في عداد العلماء العظام، لكنْ لم يحْظَ اليوم بكثيرٍ من الاهتمام.
قد يكون مردّ عدم الاهتمام هذا إلى الاتجاهات والسبل الفقهيّة الخاصة التي اتبعها، كمَيْله إلى اتباع «القياس»، وهو ممّا اشتُهر به، لذلك انتقده بعض تلامذته ومعاصريه؛ حيث قارنوه بأبي حنيفة([1]).
وما نرنو إليه في هذا المقال هو دراسة ما نسب إليه، ومناقشته، ومن ثم استقصاء الاحتمالات والأسباب المختلفة التي أدّت إلى ظهور هذه التصوّرات؛ إذ تمّ التغاضي عن دراسة فتاواه ومناقشتها، والتي وردت بشكلٍ متفرّق، وخاصّة في ما وصل إلينا من مؤلَّفات مدرسة الحلّة. ولذلك يعتقد المؤلِّفون أن ما ورد في هذا المقال يعود إلى ما قبل دراسة فتاوى ابن جنيد ومناقشتها. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المقال استند إلى آراء الفقيه الكبير السيد عليّ السيستاني، وخاصّة في مناقشة الأسباب التي أدَّت إلى الوَهْم في ما يخصّ القياس.
أـ ابن الجنيد في بيان معاصريه
لقد أورد النجاشي، في كتابه، تحت اسم ابن جنيد أسماء كتبٍ مثل: «كشف التمويه والإلباس على أغمار الشيعة من أمر القياس»، و«إظهار ما ستره أهل العناد من الرواية عن أئمة العترة من أمر الاجتهاد». وفي ما يبدو أنه هو مَنْ ألّفها. ولم يعلق النجاشي عليها، لكنْ يستشعر من أسمائها أن ابن جنيد ألَّفها في دعم وتبرير نهجه في ما يتعلَّق بـ «القياس»([2]).
وقبل النجاشي، نسب آخرون ذلك إلى ابن جنيد، كالسيد المرتضى صراحةً([3])، وابن بابويه تلميحاً([4]).
أما الشيخ الطوسي، ففي نفس الوقت الذي يجده موهوباً لما قدّمه من مؤلّفات، يعتقد بأن اتباعه للقياس كان وراء إعراض فقهاء الإمامية عن مؤلَّفاته([5]).
ب1ـ القياس ومعانيه
ما يتعقبه المؤلفون هو اكتشاف معنى القياس وما نسب إلى ابن جنيد. فيا ترى ألم يطّلع ابن جنيد على الروايات التي تنهى عن القياس؟ وإنْ كان على علمٍ بها لِمَ انتهجه في فقهه واتبعه؟
ما يعرف اليوم بالقياس، كما يفسِّره الأصوليون، هو: «حمل معلوم على معلوم في إثبات حكمٍ لهما أو نفيه عنهما بأمرٍ جامع بينهما، من حكمٍ أو صفة»([6]).
كما يمكن تلخيصه وتصنيفه كالتالي:
أـ قياس منصوص العلّة، أو القياس الذي تمّ التصريح فيه بعلّة الحكم، وورد ذلك نصّاً([7]): يعدّ أغلب فقهاء الإمامية هذا النوع من القياس معتبراً ومقبولاً. وقد انضمّ الوحيد البهبهاني إلى هذا الاعتقاد، حتّى ادّعى شهرة اعتباره ومقبوليته([8]). وعلى الرغم من رفض حجّيته من قِبَل السيد المرتضى([9])، إلا أن أغلب فقهاء الإمامية يجدونه معتبراً.
ب ـ قياس الأولوية: في هذا النوع من القياس يسري الحكم الذي ثبت للدرجة الأضعف إلى الدرجة الأقوى([10]). وهذا النوع أيضاً كسابقه أُخذ بدلالته وحجّيته، على الرغم من وجود الخلاف فيها([11]).
ج ـ تنقيح المناط القطعي (لدى مَنْ يعتبرونه من أنواع القياس): بناءً على هذا النوع من القياس للمجتهد تطبيق حكمٍ على أمرٍ حادث، إنْ كان على يقينٍ في معرفته لما يتعلّق به الحكم وقاعدته وأساسه. وقد عدّ أكثر فقهاء الإمامية هذا النوع من القياس معتبراً([12]).
د ـ تنقيح المناط الظنّي: لا شَكَّ في أن هذا النوع ليس مقبولاً لدى فقهاء الإمامية([13]). ويبتني على حدس العلّة المحتملة وراء الأحكام. ويعود ظهوره في الفقه الإسلامي إلى القرن الثاني([14]).
المشكلة هنا هي عدم معرفتنا بنوع القياس الذي كان يتبعه ابن جنيد. فكما مرّ إن علماء الإمامية رفضوا النوع الرابع فقط، ورُبَما عمل ابن جنيد بالثلاثة الأخرى؛ إذ فقدت جميع تأليفاته، وليس في أيدينا سوى عددٍ من النصوص المنقولة عنه. كما أن ما كتبه الشيخ المفيد في نقد طريقة ابن جنيد([15]) لم يصلنا بدَوْره، ولم يُتَحْ لنا الاطلاع على نسخه، ولذلك من الصعب تقدير رأيه في الأمر. يضاف إلى ذلك وجود مثل هذا القول في شأن مفاهيم أخرى، كالاجتهاد، لكنّها تتبع اليوم ببساطة من قِبَل الشيعة، ولم يكن موقفهم منها في بادئ الأمر مؤاتياً، فقد كانت جموع الإمامية تنظر إليها بعين الاستنكار والذمّ([16]).
ب2ـ تحليل رأي السيد بحرالعلوم في نسبة القياس إلى ابن جنيد
يعتقد السيد بحر العلوم بأن مَنْ نسب القياس إلى ابن جنيد هم فقهاء عظام، كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي. لذلك لا يمكن الاعتقاد بأن القياس الذي اتبعه ابن جنيد في فقهه هو القياس منصوص العلة أو قياس الأولوية، اللذان يحظيان بقبولٍ لدى الشيعة. فلو صحّ هذا الاعتقاد لما ذمّه هؤلاء الفقهاء العظام. لكنّ المكانة الرفيعة التي يحظى بها ابن جنيد لدى الشيعة لم تُبْقِ لنا إلاّ أن نقول: إن موضوع القياس لم يكن معروفاً وبديهياً آنذاك، ولم تكن حرمته من ضرورات المذهب الشيعي([17]).
لكنْ بالإمكان مناقشة رأيه من عدّة وجوه:
أـ هل كان كلٌّ من: قياس الأولوية؛ ومنصوص العلة، المقبولان لدى الشيعة، محلّ قبول آنذاك أيضاً؟ فأساساً هذه المفاهيم حديثةٌ في علم الأصول. كما أنه في المختصر الذي وصلنا من كتاب التذكرة، للشيخ المفيد، تطرَّق إلى موضوع القياس ومنعه في سطرٍ واحد فقط([18]). وكذلك السيد المرتضى في كتابه الذريعة لم يتطرّق إلى أنواع القياس التي مرّ ذكرها، بل ذكر تصنيف القياس إلى: عقليّ وشرعيّ من منظورٍ؛ وعقليّ وسمعيّ من منظورٍ آخر([19]).
ب ـ من أجل الوثوق بصحة نسبة القياس إلى ابن جنيد، وتقييم ما يرمي إليه الشيخ المفيد والشيخ الطوسي، ينبغي الرجوع إلى مؤلّفات ابن جنيد، لكنّها ليست في متناولنا. كما لا يمكننا تبيُّن صورة واضحة في هذا الشأن من كلام الشيخ المفيد؛ إذ يذكر منهج أستاذه ابن جنيد، بعد نقده لطريقة الشيخ الصدوق وأصحاب الحديث الآخرين، ويقول: «فاما كتب أبي علي بن الجنيد فقد حشاها بأحكامٍ عمل فيها على الظنّ، واستعمل فيها مذهب المخالفين في القياس الرذل، فخلط بين المنقول عن الأئمة^ وبين ما قاله برأيه، ولم يفرد أحد الصنفين من الآخر. ولو أفرد المنقول من الرأي لم يكن فيه حجّة؛ لأنه لم يعتمد في النقل المتواتر من الأخبار، وإنما عوَّل على الآحاد»([20]).
كذلك الأمور التي أخذها السيد المرتضى والشيخ الطوسي على ابن جنيد لا يمكنها شرح طريقته أيضاً؛ إذ تبيّن هذه النسبة فحَسْب، ولم تُعْطِ تفصيلاً عن الأمر([21]).
ج ـ يعتقد بعضهم أن ما كان يسعى إليه ابن جنيد في الفقه هو معرفة علة الحكم القطعية، لا العلة الظنية. لذلك يمكن اتخاذ هذا الأمر قرينةً على عدم قبول أهل الحديث من السنّة لنهجه، وليس انتهاجه القياس السنّي([22]).
وبناءً على ما مرّ يمكن القول بأن للقياس معاني متعدّدة، وقد يكون ذلك وراء نسبته إلى بعض أصحاب الأئمة أيضاً، وسنتطرق إليه لاحقاً.
ج ـ تحليل موضوع انتساب القياس مع احتساب المنهج الاستنباطي السائد
مع الأخذ بنظر الاعتبار المعاني المتعدّدة التي قد يكون حملها القياس آنذاك، وكذلك مراجعة المؤلَّفات الفقهية الأولى، كالمقنع للصدوق، والمقنعة للشيخ المفيد، يتّضح أن تلك المؤلّفات تستند على الروايات والأخبار فحَسْب، ولا تخرج عن فلكها. فمن الطبيعي أن يُواجَه مَنْ يريد الخروج عن دائرتها ولو قليلاً، وتجاوزها، بردّة فعل الآخرين الذين يريدون منعه بطرقٍ مختلفة.
ويطرح المدرسي الطباطبائي أيضاً هذا الاحتمال بنحوٍ ما؛ إذ يعتقد بأن بعضاً من أصحاب الأئمة، كفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمن، كانوا يعتقدون بجواز الاجتهاد على نحوٍ محدود، وضمن قواعد وشروط. أي إنه ليس من الضرورة بمكانٍ سؤال الإمام عن حكم كافّة الجزئيات الحادثة، على الرغم من أن دَوْر الأئمة تبيين الأحكام الإلهية؛ أو أن يكون هناك حكمٌ خاصّ مستقلّ في اللوح المحفوظ لكافّة أشكال حدوث الأمور، لنرجع إلى الأئمة من أجل كشف حكم كل أمرٍ حادث؛ إذ إن في القرآن وتعاليم النبيّ والأئمة الأطهار ما يكفي من الأسس العامة والقواعد الكلّية التي تغطي كافة احتياجات البشر، وتفيد الأحكام المجهولة العامة والخاصة. فأيّ حادث خاصّ مردّه إلى أحد الأحكام العامة، التي وردت في الكتاب والسنّة. هذه الرؤية كانت وراء التباس الأمر على كثيرٍ من أهل الحديث، حتّى عدّوها نوعاً من القياس([23]).
ومن المفيد هنا أن نعرف كيفية تعاطي الأئمّة مع هذه الأمور. فآنذاك اهتمّ كثيرٌ من الشيعة بالاستماع إلى الأحاديث ونقلها فحَسْب، ولم يستسيغوا المناقشات والحوارات الكلامية، وتَبَعاً لذلك لم يحملوا عن المتكلِّمين انطباعاً إيجابياً([24]).
إن المتكلِّمين، الذين دعموا من قِبَل الأئمة، تعرّضوا للطعن آنذاك من قِبَل هؤلاء الأشخاص، ما بعث على استيائهم، فكان الأئمة يخفّفون عنهم، ويوصونهم بمسايرة الطاعنين([25])؛ إذ إن عدم استيعاب هذه الفئة لهذه الحوارات وعدم فهمهم للأمور الدقيقة فيها كان وراء طعنهم([26]).
فمثلاً: كان المحدِّثون في قم على خصامٍ حادّ مع المتكلِّمين، ويهاجمون آراءهم بقوّة([27]). لكنْ من جانبٍ آخر كان الأئمة يرشدون شيعتهم إلى الرجوع إلى هؤلاء المتكلِّمين وآثارهم([28]). كما كانوا يدعون أهل قم إلى احترام المتكلِّمين وودّهم، على الرغم من عداء محدِّثيها لهم([29])، حتّى وصل بهم في كثير من الأحيان إلى النزاع وقطع العلاقة فيما بينهم إلى الأبد([30]).
هذا الموضوع قد يكون شاهداً على التباين في فهم الدين، والذي أدّى في بعض الأحيان إلى أن تنسب أمور غير لائقة إلى بعض الأشخاص لمنع خطرٍ قد يصيب الشيعة من جانبهم. وقد وردت في كتاب رجال الكشّي نماذج كثيرة من هذا النوع.
بناءً على ما ورد، وكذلك الصورة العامة التي تمّ تقديمها عن نمط الفكر السائد في أيام الأئمة وأصحابهم، يمكن أن نعي بوضوحٍ أن المحدِّثين كانوا يعارضون أيّ استدلالٍ عقلي. وحتى النتائج القاطعة والمؤكّدة لعمليات استكشاف علل الأحكام ومناطاتها وأسسها وقواعدها كانت في رأيهم نوعاً من القياس أيضاً، ورفضوا العمل بها([31]). ومع أن طريقة كشف العلل القطعية تتباين عن التمثيل المنطقي أو القياس الأصولي المعمول به لدى أهل السنّة، إلاّ أن فقهاء العصور اللاحقة أطلقوا عليها «القياس المشروع»([32]).
فيبدو أن تفوُّق منهج المحدِّثين حتّى القرنين الثالث والرابع، وقبل صعود نجم السيد المرتضى والشيخ المفيد، وعدم انسجام آراء ابن جنيد ومؤلَّفاته مع الفكر السائد في هذه المرحلة، أدّى إلى عدم ذكرها في الكتب الفقهية حتّى القرن السادس. وبعبارةٍ أخرى: إن منهج ابن جنيد يتفق ويشاكل طرائق الفقه الشيعي الأكثر تطوّراً في الفترات اللاحقة([33]).
لذلك نجد ابن إدريس الحلّي في أواخر القرن السادس يأتي ببعضٍ من آراء ابن جنيد في مؤلَّفاته، وقد أثنى على بعضها([34]).
وقد وردت آراء ابن جنيد بعد ابن إدريس أيضاً في المؤلفات الفقهية الأخرى، مع اتّساع دَوْر العقل وزيادة تأثيره في الفقه الشيعي آنذاك([35]).
وبالإمكان ذكر كتاب «كشف القناع» القيِّم، الذي وردت فيه فتاوى بعض أصحاب الأئمة ـ وقد مرّ ذكر بعضهم ـ المتَّهمين باتباع القياس التقليدي،كشاهدٍ آخر على أن هذه النسبة إليهم ليست بصحيحةٍ، بل كانوا ينتهجون طريقة الاستدلال والتحليل([36]).
ويبدو مما ورد أن التماثل الظاهري أو تشابه الأسماء جعل من أيّ استدلالٍ أو تحليل عقليّ قياساً في العُرْف المذهبي السائد في القرون الأولى، وعدّ الأصحاب المناصرون للحديث أيّ عملية استدلالٍ أو تحليل عقلي ممّا يقع في دائرة الرفض من قِبَل الروايات والأخبار التي تنهى عن العمل بالقياس([37]).
كما يدلي المدرّسي الطباطبائي بملاحظةٍ هامة، يمكنها أن تفيد كثيراً في مجرى البحث، فيقول: «ينبغي أن نكون منصفين ونعترف بأن بعضاً من أسس الحقوق في الفقه الشيعي التي انتهجت في الفترات المتأخّرة، والتي يستبان من خلالها السبب القطعي للحكم بناءً على شكل من أشكال التحليل العقلي، يماثل كثيراً ما يتبعه أهل السنّة في القياس، والفرق ضئيلٌ بينهما، وليس من السهل استيعابه. فعلى سبيل المثال: القاعدة الحقوقية لـ «تنقيح المناط» و«تناسب الحكم والموضوع»، اللتان يكونان أحياناً أساساً لاستنباط قاعدة شاملة من حكمٍ خاصّ في قضايا محدّدة([38])، يمثِّلان اليوم أسس وقواعد رئيسية في الفقه الشيعي»([39]).
د ـ رأي السيد السيستاني في شرح القياس
بناءً على ما ورد في كتاب «مباحث الحجج»، وهو تقريرٌ لدروس المرجع السيستاني، يعتقد سماحته بأن انتساب القياس إلى عددٍ من الفقهاء وأصحاب الأئمة، كزرارة وجميل بن دراج ويونس بن عبد الرحمن وفضل بن شاذان، أمرٌ خطَّط له الأخباريون.
أما القياس (كما أصبح متعارفاً اليوم) فيمكن تقسيمه إلى صنفين:
1ـ الاختراعي: أي أن يوضع حكمٌ في قضايا تشبه القضية التي وضع نفس الحكم من أجلها.
2ـ الاستكشافي([40]).
لكنّ حجّية الأول متوقّفة على مقدمتين:
أـ لم ترِدْ جميع القضايا في الكتاب والسنّة، بل لم نجِدْ لكثير منها حكماً في الكتاب والسنّة، كالقضايا المستحدثة.
ب ـ من واجبات المجتهد أن يعيِّن حكماً للقضايا التي لم يرِدْ في شأنها حكم صريح في المصادر التشريعية، في ضوء الأهداف التي رسمها الإسلام، أو بناء على الأسباب المستنبطة في المتشابهات.
وكلتا المقدّمتين باطلة. لكنْ ليس في وسع هذا المقال شرح الموضوع وتفصيله.
كما يبدو أن القياس الاستكشافي أيضاً لا يمكن عدّه سبيلاً عقلائياً لاستكشاف الحكم في القضايا المشابهة؛ إذ حتى في القوانين التي وضعها البشر أيضا ليس هناك قطعية في استخدامها من قِبَل العقلاء، فما بالك باستكشاف القوانين الإلهية، التي لا يمكن معرفة أسبابها، وبالتالي لا يمكن تعميم حكمها على القضايا المشابهة لها؟! والروايات التي وردت عن الأئمة في منع القياس أيضاً مردّها إلى اتساع هذه الظاهرة آنذاك([41]).
ويعتقد مؤلِّف الفصول في شأن القياس بأن الإمامية متّفقون على عدم حجّية القياس، إلاّ ابن جنيد؛ فكما نقل عنه، كان يعتقد بحجّية القياس ابتداءً، لكنه رجع عن اعتقاده لاحقاً. وعلى أيّ حال يُعَدّ بطلانه من ضروريات المذهب الإمامي في زماننا.
لكنْ يبدو أن ليس هناك حجّة على صدق هذا الادّعاء، كما في الأمور الأخرى المنسوبة، حتّى رد السيد السيستاني على ذلك قائلاً: «لم نجِدْ أيّ حجّة على ما أورده مؤلِّف الفصول في رجوع ابن جنيد عن اعتقاده بالقياس»([42]).
هـ ـ مراجعة الأسباب التي أوهمت باتباع القياس من وجهة نظر السيد السيستاني
بالإمكان الإدلاء باحتمالات كثيرة حول مصدر هذه النسبة، ومن أهمّها:
1ـ التخمين
من الممكن أن يكون مصدرها الروايات التي نقلها القمّيون في كتبٍ كبصائر الدرجات. ومن هذه الروايات: «كان عليٌّ× إذا ورد عليه أمرٌ ما نزل به كتابٌ ولا سنّة قال: رجم فأصاب، قال أبو جعفر: وهي من المعضلات».
ويوجد في هذا الباب، أي المعضلات، ستّ روايات، يعود سندها إلى «عبدالرحيم القصير»، ولم يوثِّقها غير «المحدِّث النوري». أما معنى «الرجم» في هذه الروايات وما شابهها، بناءً على ما ورد في كتب اللغة، فهو الحديث عن حَدْسٍ وتخمين([43]). وقد يكون ابن جنيد وبعض القمّيين اعتمدوا القياس بناءً على هذه الروايات.
لكنْ يرى العلامة المجلسي، كما أورد بعد ذكره للرواية، أن المراد من الرجم قد يكون الإلهام من الله، كما تدلّ على ذلك بعض الروايات في كتاب البصائر([44]).
إذن، حتّى مع الأخذ بصحة هذه الروايات تُفسَّر بالإلهام من قِبَل الله، ولذلك يستبعد أن تكون مصدراً اتّبعه ابن جنيد لاعتماد القياس. وقد يصحّ هذا الاحتمال في شأن القمّيين؛ لأنهم مَنْ نقلوا هذه الروايات([45]).
2ـ الحقّ في الكتمان في ظلّ روايات التفويض
بناءً على فحوى هذه الأخبار يعود للأئمة التصريح أو كتمان الأحكام، اعتماداً على تشخيصهم للمصلحة. وقد عدّ هذا الأمر دائماً أحد جذور الاختلاف في الأحاديث. وقد أدّى اعتقاد مجموعة بترك تقييم المصلحة في التبيين أو عدمه للأئمة إلى اتهامهم بالقياس.
3ـ حقّ الأئمة في تشريع الحكم الولائي
قد تكون الروايات التي تشير إلى حقّ الأئمة في تشريع بعض الأحكام؛ بسبب المصالح المتغيرة، وراء هذا الاعتقاد. ففي الحقيقة تولّي الأئمة ولاية الأمر فوَّضهم حقّ التشريع([46]).
فمثلاً: العهد الذي أرسله الإمام عليّ× إلى مالك الأشتر، وأمره فيه بتسعير السلع وما إلى ذلك، من هذا النمط من الأوامر، وكلُّها أمور ولائية. وما ورد في كفّارة الحيض أيضاً قد يكون من هذا النمط.
وبعبارةٍ أخرى: قد يعود الاختلاف في كفّارة الحيض إلى أن الكفارة وقوانين العقوبات منوطة برأي الأئمة، وقد حكموا على أحدٍ بدينار، وعلى آخر بنصف دينار، وفي موضع آخر بربع دينار، ككفّارةٍ. ويمكن إطلاق تعبير «الرأي» على هذا الأمر أيضاً. ورُبَما جعلت هذه الروايات ابنَ جنيد ينساق إلى مجرى البحث([47]). ومن الممكن أن تكون روايات أخرى سبباً في رغبته إلى القياس.
4ـ الأخذ بالشواهد بإذن من الأئمة عليهم السلام
قد يتمّ الاستشهاد بروايات تدلّ على ضرورة اتباع شواهد الكتاب والسنّة. فمثلاً: قد ورد في بعض هذه الروايات: «فقِسْه على كتاب الله»([48]). وقد يتبادر إلى الأذهان أن هذه الروايات تدلّ على حجّية القياس.
لكنْ من الواضح أنها تدلّ فقط على انسجام فحوى الأخبار والروايات مع القرآن، وليس القياس المصطلح([49]).
5ـ أسلوب الأئمة عليهم السلام في اتّباع الشواهد
تقول بعض الروايات بأن الإمام كان يستشهد بحكمٍ في إصدار حكمٍ على موضوعٍ مشابِه. وقد يخيَّل لشخصٍ قليل الخبرة أن هذا من باب الاستدلال. لكنّ هذا الاستشهاد، كما مرّ، هو من باب اتباع الشواهد من الكتاب والسنّة. وعلى سبيل المثال: وردت روايةٌ في الكافي([50]) بأن الإمام الباقر× يطلب من الحاضرين في مجلسه أن يسألوه في خصوص كلّ ما يقوله أين ورد في كتاب الله؟ ثم يجيب عن ثلاثة أسئلة لسائلٍ بناءً على حكمٍ مشابِه لها في ثلاث آيات من القرآن الكريم.
6ـ وجود أخبار توهم حجّية القياس إلى جانب الأدلة الأربعة
الاحتمال الآخر هو وجود روايات تدلّ على حجّية القياس إلى جانب الكتاب والسنّة وفي عرضهما، كالذي ورد في مقدّمة «جامع الأحاديث»، نقلاً عن المصادر الثلاثة الأخرى:
أـ مجموعة الشهيد محمد بن مكي، نقلاً عن كتاب الاستدراك، لعددٍ من القدماء.
ب ـ الاختصاص، المنسوب للشيخ المفيد([51]).
ج ـ تحف العقول: (أو قياس تعرف العقول عدله… إلى آخر الخبر)([52]).
دـ هذه الرواية، ورغم وصولها إلينا بطريقةٍ غير سليمة، قد تكون هي وأمثالها أَوْهَمَتْ ابن جنيد فاستنبط حجّية القياس. مع أنه يتراءى أن الهدف من القياس بهذه الأوصاف هو القانون الفطري ذاته الذي أودعه الله في كينونة كلّ شخص([53]).
وعلى أيّ حال يبدو أن ليس هناك من شكٍّ في أن العمل بالرأي (بمعناه اليوم) والقياس ممنوعٌ. لكنْ لا يوجد فهمٌ راسخ وقاطع لحدوده ومداخله، وهناك فهم مختلف عنه. وأفضل شاهد على ذلك نسبة القياس هذا إلى عددٍ من قدماء الإمامية. وإنْ لم تصحّ جميعها، فإنها ثابتة في شأن بعضهم. وبعبارةٍ أخرى: يبدو أن علماءنا أصيبوا بالإفراط والتفريط في تبيين حدوده ومداخله. وإن بعضهم، كما نتصوّر، كانوا يعتقدون بجواز أنواعه غير الجائزة؛ وبعضهم الآخر قام بإدخال نماذج في دائرة القياس الممنوع، مع أنها ليست من مصاديق المنع. ولذلك اتّهم بعضٌ من الأخباريين الفقهاء المعتدلين أو الأصوليين باتباع القياس أو العمل بالرأي([54]).
وفي شأن المجموعات الثلاث من الروايات المذكورة يجب القول: إنه من حيث السند كلُّها مخدوشة؛ إذ إن نسبة كتاب الاختصاص إلى الشيخ المفيد مشكوكة، ورواية تحف العقول مرسلةٌ أيضاً. ومن حيث المضمون هناك روايات محكمة تنهى عن العمل بالقياس في عرض الكتاب والسنّة، وإلى جانبهما. وحتّى لو افترضنا صدورها عن المعصومين^ أيضاً لا يدخل في دائرتها القياس الذي كان يعمل به أبو حنيفة وأمثاله؛ فقد يقصد الأئمة بها الأحكام العقلية الجليّة، والحديث يتمّ عن معلولاتها أو العمل بها وعصيانها وما إلى ذلك؛ أو قد يريدون القياس منصوص العلة، لكنْ تمّ التعبير عنه بالقياس فقط. وعلى أيّ حال لا يمكن لهذه الرواية أن تتحدث عن حجّية القياس مستنبط العلة، الذي هو موضوع مقالنا.
ومن ناحيةٍ أخرى هناك أمرٌ في غاية الأهمّية، وهو أن مؤلفات الأشخاص الذين اتُّهموا بالقياس توحي برفضهم لما نسب إليهم. وعلى سبيل المثال: إن فضل بن شاذان، الذي نسب إليه القياس من قِبَل السيد المرتضى والشيخ الصدوق، كما مرّ، ينتقد فقهاء أهل السنّة في كتاب «الإيضاح»؛ لنأيهم عن الكتاب والسنّة واتباعهم القياس([55]).
7ـ توهُّم صدور الإذن من الإمام، وقياسه على تعلُّم علم الكلام
ظنّ هؤلاء بأن القياس كالخوض في علم الكلام. فكما أن الأئمة^ منعوا جمعاً من الخوض فيه؛ لعدم كفاءتهم في ذلك، وأذنوا لآخرين، ينطبق الأمر على القياس أيضاً، أي لم يكن القياس جائزاً، إلاّ إذا أذن الإمام؛ لمصلحة تبيّنها([56]).
والشاهد على هذا الأمر روايةٌ، فحواها أن محمد بن حكيم استأذن الإمام المعصوم لاتباع القياس([57]). وقد ورد في مصدرٍ آخر، عن محمد بن حكيم، أن سؤاله جاء فقط لطلب الإذن لاتباع القياس([58]).
وقد وردت عبارةٌ قريبة من هذا المضمون في مقدّمة كتاب الكافي: «اعلم يا أخي، أرشدك الله، أنه لا يَسَع أحداً تمييز شيء مما اختلفت فيه الرواية عن العلماء برأيه، إلاّ على ما أطلقه العالم»([59]).
8ـ ترجيح ما يمتلك أمارةً أقوى
يعتبر البعض الترجيح وفق الأمارة الأقوى، حين التعارض، ضرباً من العمل بالرأي؛ إذ يعدّونه مصداقاً للاستصلاح([60])، حيث يقوم أبناء العامة باكتشاف الدليل الأقوى بجهدٍ عقلي، الأمر الذي ترفضه الشيعة. إذن العمل بالرأي ممنوعٌ، إلاّ إذا حصل إذنٌ في بعض القضايا. وفي هذه الحال للعمل بالرأي صنفان: قسم أوتينا الإذن لاتباعه (قياس تعرف العقول عدله)؛ وقسم لا إذن فيه وممنوعٌ.
9ـ القياس الباطل: رفض السنّة القطعية
قد يقال بأن القياس إذا أدّى إلى رفض السنّة القطعية باطل. كما أن هناك روايات كثيرة تدلّ على ذلك، استشهد فيها الإمام× بقياس إبليس حين رفض النصّ القطعي بالقياس: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ (الأعراف: 12)، وكذلك قول الإمام×: «يا أبان، السنّة إذا قيست مُحِقَ الدين». تلك النماذج جاءت فقط في حالة النأي عن السنّة القطعية بالقياس. لكنّها تدلّ أيضاً على عدم جواز رفض الحكم الصادر قطعاً عن المولى لمخالفته القياس. وعلى سبيل المثال: سمع راوٍ حكماً من الإمام×، لكنْ يجده مخالفاً للقياس، فيراوده الشكّ، وقد يتراءى له أن الحكم ليس واجباً؛ لأنه ظنّ عدم امتلاكه البرهان، لمخالفته القياس. وبعبارةٍ أخرى: تسعى هذه الروايات لإيضاح أنه في ما ورد فيه حكمٌ قاطع من المولى لا محلّ لرأي المكلَّفين وقياسهم.
ولا يستبعد أن تكون رواية أبان بن تغلب من هذا الباب؛ حيث رُوي: (قلتُ لأبي عبد الله×: ما تقول في رجلٍ قطع إصبعاً من أصابع المرأة، كم فيها؟ قال: عشرة من الإبل، قلت: قطع اثنتين؟ قال: عشرون، قلت: قطع ثلاثاً؟ قال: ثلاثون، قلتُ: قطع أربعاً؟ قال: عشرون، قلتُ: سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون، ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون؟! إنّ هذا كان يبلغنا، ونحن بالعراق، فنبرأ ممَّنْ قاله، ونقول: الذي جاء به شيطان…)([61]). ويبدو أنه لم يُرِدْ تقبّل الموضوع؛ لأنه وجد الأمر مخالفاً للقياس. إذن بعض الروايات التي تمنع القياس يأتي منعها فقط في حال معارضته للسنّة أو الواجب القطعي. ويبدو أن رواية الإمام الكاظم× في أصول الكافي أيضاً تشير إلى هذا الأمر: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى قال: سألتُ أبا الحسن موسى× عن القياس؟ فقال: ما لكم والقياس، إن الله لا يُسأل كيف أحلّ وكيف حرَّم»([62]).
يقول الإمام× في هذه الرواية: ما لكم والقياس؟ لا ينبغي سؤال الله عن سبب الحلال والحرام. ويبدو أن الإمام يريد القول بأن عليكم العمل بواجبكم (قد يظهر ذلك أنهم كانوا يقيِّمون كلّ خبرٍ يسمعونه بالقياس).
10ـ اتساع دائرة القياس من قِبَل الأخباريين
الأمر الآخر هو أن مَنْ وسّع من دائرة القياس في الغالب هم الأخباريون أنفسهم، وقد أدخلوا في القياس ما ليس فيه. ومن ذلك، على سبيل المثال:
أـ إبداء الرأي في النصّ الشرعي، كتاباً وسنّة، فيما لم يكن جلياً لدى الجميع، واحتاج فهمه إلى تعمّق وتدبّر، واستدعى التدقيق في مفرداته لغوياً، أو في جمله وكيفية تركيبها. فقد كانوا يطلقون على أيّ فتوى منوطة بالتدقيق رأياً، في حال أننا أُمرنا في الكتاب والسنّة بالتدبّر والتدقيق. وقد شكا الشيخ الطوسي أولئك في مستهلّ كتابه المبسوط. وقد يكون ابن جنيد رُمي بالقياس بسبب التدقيق من هذا النمط.
ب ـ التفريع على الأصول، أو تطبيق الكبريات على الصغريات، وخاصة حين يخفى التطبيق، ويحتاج استنباطه إلى الفطنة. وقد يكون ذلك مدعى شكوى الشيخ.
وببيان آخر: بعض مواضيع الأصول التي تؤدّي أحياناً إلى أن ينتقد الأخباريون الأصوليين، مثل: استنباط حكم من تطبيق في المعايير القانونية لدى المجتهدين، حقيقة الأحكام الوضعية والتكليفية، الأوامر الولائية والإرشادية والتمييز بينهما. وعلى سبيل المثال: قد يقول الشارع أمراً بصيغة الأمر، لكنْ يظهر للفقهاء فيه الشرط والجزاء. وفي النهاية هذه الاستظهارات عملٌ بالرأي، في حين أنها ليست كذلك حقّاً.
وقد اعتبر أهل السنّة والجماعة بعض التفريعات عملاً بالرأي؛ إذ تقول قاعدة لا ضرر: كلّ حكم يؤدّي إلى ضررٍ، أو علّةٍ لضرر، مرفوعٌ، ولا يلزم العمل به. فهذه القاعدة كبرى شاملة، ويمكن تطبيقها على النماذج الصغرى. ولدى أهل السنّة اعتقادٌ كاعتقادنا؛ والفرق بين الاثنين هو أنهم لا يأخذونه من باب تطبيق الكبرى على الصغرى؛ بل يعتبرونه من باب الاستصلاح، وهو فرعٌ من العمل بالرأي([63]). لذلك قد يتوهّم بأن الشيعة اتبعوه من باب الاستصلاح أيضاً.
11ـ اتّباع العلة المنصوصة
الاحتمال الآخر في طريقة ابن جنيد أنه أخذ بالعلة المنصوصة. فقد اختلف في وقوع هذا الأمر في دائرة القياس؛ فإنْ رأى أحدٌ أنه ليس من القياس، وأفتى بناءً عليه، سيظنّ الذين يعتبرونه قياساً أن الفتوى صادرةٌ بآلية القياس. ومن الذين يعتبرونه قياساً يمكننا ذكر السيد المرتضى في كتابه الذريعة([64]).
وفي المواضع التي تكون فيها العلة منصوصة، كما إذا كانت العلّة من قبيل: الواسطة في العروض، فهي ليست علّةً حقّاً، بل الموضوع عينه، كما لو قيل: «لا تشرب الخمر فإنه مسكر». ففي مثل هذا الموضع لا يمكن تعميم الحكم على القضايا المشابهة. لكنْ إنْ كانت العلة من قبيل: الواسطة في الثبوت، كأن يقال: «لا تشرب الخمر لإسكاره»، يبدو أنه من الممكن تعميم هذا الحكم على القضايا المشابهة، وهو استظهارٌ للعلة، ولا يمكن إطلاق القياس عليه.
12ـ قياس الأولوية
هذا الموضوع أيضاً من المواضيع المختلف فيها، وليس هناك اتفاقٌ على أنه من القياس أو لا، كالآية الكريمة: ﴿فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ (الإسراء: 23).
لا شَكَّ أن هذه الجملة تدلّ على عدم جواز ضرب الأب والأم وما إلى ذلك من باب الأولوية؛ إذ يبدو أن قول الله في هذه الآية الكريمة كناية، حَسْب الفهم العرفي. وإذا التزمنا باللفظ تدلّ على التعميم. وفي جميع الأحوال هي تقع خارج دائرة القياس المصطلح، كما لو قيل: «لا تعطه حبّةً، أو لا تتكلّم معه بكلمةٍ».
إذن، بطلان هذا الوَهْم بيِّنٌ، فقد يقال بأن البيان كناية، وفي هذه الحالة لا صلة له بالقياس؛ إذ إن ألفاظ الكناية تحمل من المعاني ما يمكن استظهاره.
وقد يقال بأن لهذه الجملة مدلولاً ملازماً لها، وهو أن الضرب حرام أيضاً، ويستظهر ذلك ملازماً للقول. وفي كلا الفرضين الحديث لا يمتّ إلى القياس بصلةٍ؛ ففي الاستظهار يبحث الأمر العامّ والشامل، ولا ينقِّب بحثاً عن العلة بهدف تعميمها على النماذج الأخرى.
13ـ بيان الحكم الإرشادي
الاحتمال الآخر هو التدقيق في التمييز بين أقسام الأحكام من أوامر ونواهٍ تبتني عليها الأحكام. فمثلاً: التمييز بين الأوامر والنواهي من حيث هي ولائية أحياناً؛ وإرشادية أحياناً أخرى. والإرشادية بدَوْرها قد تشير إلى أن الآثار العقلية المطلوبة لا تبتني عليها، كالنهي عن البيع الغرري، أو الأمر بالطلاق في الآية الكريمة: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ (الطلاق: 1).
وقد ترشد أحياناً إلى عدم انطباق متعلق الحكم على المصداق، أي كما لو أريد قول شيء لتبرئة الذمّة، كأنْ يقال: «لا تصلّ في ما لا يؤكل لحمه». فيبدو هذا النهي ظاهراً متعلقاً بالصلاة في لباس من جلد الحيوان المحرّم أكله. لكنه في الحقيقة يريد تبيين عدم صحة الصلاة في حال كان لباس المصلّي من جلد الحيوان المحرّم أكله.
فالتمييز بين الاثنين يحتاج التدقيق. وقد قيل: إنْ كان الهدف وراء عملٍ ما هو تحقق آثاره التكوينية، ولم يكن فساده مما تبين من آراء الشارع، ولا يمكن التصرُّف فيه، فيكون حين ذاك الأمر به أو النهي عنه ولائياً، كقوله: «لا تشرب الخمر»، ويعني ذلك أنك ستنال العقاب إنْ شربْتَ. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكم الجزائي ينضوي تحت الحكم الولائي([65]).
14ـ إلغاء الخصوصية
استنباط موضوع الحكم من الروايات يكون في الوقائع الخاصة، وفي مقام الإفتاء، فيقوم الفقيه بإلغاء الخصوصية، ممّا قد يتوهّمه بعضهم قياساً.
ففي رواياتنا كثيراً ما طلب سائلٌ الحكم في موضوعٍ من باب الإفتاء والاستفتاء، لكنّ الإمام× أدلى بالحكم الكلّي في الجواب. لذلك من البديهي أن يعتبر الموضوع من صغريات القضية.
وبناءً على ذلك يكون الجواب أحياناً حكماً كلّياً، أي يسأل شخصٌ ما عن موضوعٍ خاصّ، لكنْ يُكتَفَى ببيان الكبرى في الإجابة. في مثل هذه الحالات يكون الأمر كحالات الحكم الكلّي، ولا يعدّ مخصّصاً، ولا يعتبر من القياس المرفوض لدى الشيعة، كقولهم: «لا تنقض اليقين بالشكّ»([66]).
وفي روايةٍ أخرى يسأل شخصٌ الإمام: عالجت عيني، ولا يمكنني السجود، فقال الإمام: اسجد بأيّ طريقةٍ ممكنة لك. ثم بيَّن الحكم الكلّي. وفي أحيان أخرى يدلي الإمام بالحكم الكلّي فقط؛ وفي هذه الحالات لا إشكال في اتّباع الحكم الكلّي وتطبيقه على الموضوعات الأخرى.
لكنْ إنْ لم يكن الحكم كلّياً، كأن يقول الإمام: أومئ برأسك بدل السجود، وحدث الأمر في شأن الركوع، فهل من الممكن اتباع الحكم الكلّي؟
قد يستظهر الفقيه أن الحكم لا يختصّ بالسجود، والملاك فيه الاضطرار، وتَبَعاً لذلك يعمِّم الحكم للركوع أيضاً. إذن يستظهر الفقيه؛ استناداً على ذَوْقه الفقهي وتسلُّطه على الروايات ومناسبات الأحكام، أن الحكم في كلَيْهما واحدٌ (لأن مناط الحكم واحد)، ولذلك لا يندرج في باب القياس.
15ـ الانسجام الماهوي مع الكتاب والسنّة
الاحتمال الآخر هو أن القدماء كانوا يقيِّمون الروايات بعرضها على الكتاب والسنّة. وقد عبَّر بعضهم عن ذلك بـ «الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب»، كالكليني، الذي خصّص باباً لهذا الموضوع (باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب)، وإنْ عبّر الشيخ المفيد عن ذلك بالقياس، والذي يعني أن الأخبار ظنية الصدور يجب أن تقيّم على هذا النحو، من حيث إنها تنسجم وتتطابق مع الكتاب والسنّة أو لا.
وعلى هذا الأساس كانوا يُعْرِضون عن كثير من الروايات؛ بسبب عدم انسجامها مع الكتاب والسنّة. ولذلك أنكر عليهم ذلك بعض معاصريهم، كالعبارة التي نقلها المحقّق الحلّي في كتاب المعارج عن الشيخ المفيد في شروط قبول خبر الآحاد، وعلى أساسها يشرح الشيخ المفيد أحد هذه الشروط: «أو شاهداً من العقل»([67]). في حين أن ما يهدف إليه الشيخ من قوله: «شاهداً من العقل» هي الأحكام العقلية الفطرية.
وما يلفت الانتباه هو أن الشيخ المفيد يعيّن شرطاً آخر للرواية، وهو: يجب أن تكون موافقة للقياس: «أو حاكماً من القياس». وأدنى ما تدلّ عليه هذه العبارة هو عدم وجود معنى واحد متّفق عليه للقياس؛ إذ إن الشيخ المفيد هو أحد المعارضين للقياس بالمعنى المستخدم في فقه العامّة (كما مرّ شرحه).
إذن، ما يرمي إليه الشيخ من عبارة: «أو حاكماً من القياس» هو تطابق الرواية مع الكتاب والسنّة؛ فقد تمّ التعبير بلفظ القياس للدلالة على عرض الرواية على الكتاب والسنّة والأخذ بشواهدهما في تعابير الاحاديث([68]).
لكنْ بسبب عدم وضوح الأمر للمحقِّق كتب: «إن أراد الشيخ بالقياس البرهان فليس هناك ما يؤخذ عليه؛ لكنْ إنْ أراد القياس بذاته فالأمر محلّ إشكال»([69]).
لذلك قد يتصوّر الكثير أن عدم انطباق هذا الشرط على بعض الروايات يجعل الأمر قياساً ممنوعاً، وأخذاً بالرأي.
إن شرح هذه النظرية والحديث عنها يتطلّب كتابة مقالةٍ أخرى، لكنْ يمكن الإشارة إلى أن هذا الأمر كان متداولاً بين المتقدِّمين من الفقهاء([70])، وإنْ لم يؤخذ كثيراً بعين الاعتبار في الاستنباطات الحديثة، في حين يمكنه حلّ كثيرٍ من القضايا المستحدثة([71]).
يصرِّح السيد السيستاني بعدم جواز إطلاق القياس على طريقة ابن جنيد، ويجده معتقداً بـ «نقد نصّ الأخبار». وبعبارةٍ أخرى: قد يكون ابن جنيد وآخرون، كيونس بن عبد الرحمن، من المتشدِّدين في قبول الأخبار، وكانوا يقيسونها بمحكمات الكتاب والسنّة. وخير دليل على هذا المدّعى ما قاله الشيخ المفيد، ونقله المحقِّق الحلّي؛ إضافة إلى أن من العسير تصوُّر أن هؤلاء العظماء كانوا يعملون بالقياس([72]).
و ـ محصّلة البحث
بناء على ما مرّ في البحث، التباين في المناهج المتَّبعة من قِبَل ابن جنيد ومعاصريه، وعلى الأخصّ المحدِّثين الذين لم يطيقوه، كان السبب الوحيد وراء نسبة القياس إلى ابن جنيد. كما أن مراجعة الأقوال التي تدلي بهذه النسبة كانت في العموم مجرّدة من ذكر مثالٍ ونموذج، بل كانت مجرد ادّعاءات عامة. في حين أن الاحتمالات والعلل التي أدلى بها السيد السيستاني تذهب بنا إلى أن التشابه الاسمي أدّى إلى هذا الأمر. وأدنى ما نصل إليه هو أنه في ظلّ وجود كلّ هذه الاحتمالات المختلفة من العسير نسبة القياس المصطلح في أصول فقه السنّة إلى ابن جنيد.
الهوامش
(*) طالب ماجستير في جامعة الإمام الصادق×، ومحقِّقٌ في مؤسّسة البحوث وتأليف المناهج الدراسية ـ وزارة التعليم.
(**) طالب دكتوراه في جامعة عدالت، ومحقِّقٌ في قسم الفقه العمليّ في مؤسّسة إسلام تمدُّني.
([1]) المفيد، المسائل السروية: 251، النجاشي، الرجال: 388؛ الطوسي، الفهرست: 134؛ الطوسي، عدة الأصول 1: 339.
([2]) راجع: النجاشي، الرجال: 387.
([3]) رسائل الشريف المرتضى 3: 311.
([4]) ابن بابويه، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 197.
([5]) الطوسي، الفهرست، رقم 602.
([6]) الغزالي، المستصفى من علم الأصول 2: 167؛ الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام 2: 164.
([7]) مكارم الشيرازي، أنوار الأصول 2: 519؛ وانظر: وحيد البهبهاني، حاشية مجمع الفائدة والبرهان: 592؛ المحقق الحلّي، معارج الأصول: 184.
([8]) البهبهاني، الفوائد الحائرية 1: 148.
([9]) السيد المرتضى، الذريعة إلى أصول الشيعة 2: 684.
([10]) راجع: مكارم الشيرازي، أنوار الأصول 2: 519.
([11]) الحائري الإصفهاني، الفصول الغروية في الأصول الفقهية: 386؛ المظفّر، أصول الفقه 2: 184 ـ 185.
([12]) النائيني، رسالة الصلاة في المشكوك 2: 319؛ المظفر، أصول الفقه 2: 200؛ الآخوند الخراساني كفاية الأصول (مع تعليق المشكيني) 4: 448.
([13]) الميرزا القمّي، قوانين الأصول 2: 85؛ الشيخ يوسف البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 1: 56.
([14]) ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام 7: 177؛ ابن حزم، ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل: 50.
([15]) النجاشي، الرجال، رقم 1048.
([16]) راجع: أحمد پاكتچي وأبو القاسم گرجي، دايرة المعارف بزرگ إسلامي (مدخل اجتهاد) 6: 602.
([17]) السيد بحر العلوم، الرجال (المعروف بالفوائد الرجالية) 3: 214.
([18]) الشيخ المفيد، التذكرة بأصول الفقه: 43.
([19]) السيد المرتضى، الذريعة إلى أصول الشيعة 2: 195.
([20]) الشيخ المفيد، المسائل الصاغانية: 73.
([21]) السيد المرتضى، الانتصار في انفرادات الإمامية: 470، 488؛ رسائل الشريف المرتضى 1: 189؛ الطوسي، الفهرست: 209.
([22]) السيد بحر العلوم، الرجال (المعروف بالفوائد الرجالية) 3: 214؛ الشوشتري، قاموس الرجال 11: 94.
([23]) المدرسي الطباطبائي، مكتب در فرآيند تكامل: 174.
([24]) اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشّي): 279، 487، 488، 496، 499، 498؛ وراجع أيضاً: ابن بابويه، التوحيد: 458 ـ 460؛ ابن طاووس، كشف المحجّة لثمرة المهجة: 18 ـ 19.
([25]) رجال الكشّي: 498 ـ 499.
([27]) رجال الكشّي: 483، 489، 506؛ الأردبيلي، جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد 1: 459؛ 2: 357.
([28]) النجاشي، الرجال: 344 ـ 348.
([30]) الكليني، أصول الكافي 1: 409 ـ 411.
([31]) المحقّق الكركي، رسالة في طريق استنباط الأحكام: 17.
([32]) الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 3: 65؛ وحيد البهبهاني، القياس / إبطال القياس (نسخة خطّية): 85.
([33]) الشوشتري، قاموس الرجال 11: 94.
([34]) ابن إدريس الحلّي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 99.
([35]) العلاّمة الحلّي، رجال العلاّمة أو خلاصة الأقوال: 145؛ العلاّمة الحلّي، إيضاح الاشتباه: 89؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 2: 222.
([36]) المحقق الكاظمي، كشف القناع عن وجوه حجّية الإجماع: 82، 83، 198، 244.
([37]) السيد حسين المدرسي، مقدّمه إي بر فقه شيعه: 35؛ بناءً على نموذج من هذه المصادر: رجال الكشّي: 189؛ المحقّق الحلّي، معارج الأصول: 127.
([38]) على سبيل المثال، راجع: مغنية، فقه الإمام الصادق× 3: 29 ـ 40.
([39]) السيد حسين المدرسي، مقدّمه إي بر فقه شيعه: 35.
([40]) رباني، مباحث الحجج (تقرير دروس السيد علي الحسيني السيستاني): 279، على الموقع التالي: www.taghrirat.net.
([41]) رباني، مباحث الحجج (تقرير دروس السيد علي الحسيني السيستاني): 280.
([43]) ابن منظور، لسان العرب 6: 116.
([44]) المجلسي، بحار الأنوار 2: 177.
([45]) الصفّار، بصائر الدرجات: 189 ـ 190.
([46]) للاطلاع على الشرح في هذا الموضوع، راجع: السيد هاشم الهاشمي، أسباب اختلاف الحديث [تقريرات دروس السيد السيستاني، النسخة القديمة): 42.
([47]) ربّاني، مباحث الحجج (تقرير دروس السيد علي الحسيني السيستاني): 287.
([48]) الطبرسي، الاحتجاج 2: 357؛ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 18: 87.
([49]) من البديهي أن هذا الوهم ليس بصحيح؛ إذ إن الأخذ بالشاهد ليس قياساً، وإنْ تقاربا، لكنهما مختلفان. فأحياناً يستشفّ الفقهاء من الآيات والأحاديث أموراً، وترد روايةٌ لا تنسجم مع تلك الأمور، فيأتي الأمر بعدم الأخذ بالشاهد في مثل هذا الظرف. لكنّ هذا ليس قياساً؛ فالقياس هو أن نستنبط دليلاً ظنّياً من حكم على موضوع، ثم نعمِّم ذلك الدليل على موضوعٍ آخر.
وهذا مثالٌ عرفيّ على الموضوع: نفترض أن لأحد علاقة بإنسان مهمّ، ومن خلال علاقته به أحاط علماً بأخلاقه وحالاته النفسية والروحية. في هذه الحالة، إنْ نقل أحدٌ آخر عن ذلك الإنسان المهمّ أمراً يظهر لديه الشكّ إنْ كان ذلك الأمر لا ينسجم مع أخلاقه ونفسيته. والأخذ بالشواهد أيضاً على غرار هذا المثال، أي تبيين الأهداف وتقويم الروايات بهذه الأهداف. وهذا غير القياس موضوع المقال.
السيد هاشم الهاشمي، أسباب اختلاف الحديث [تقريرات دروس السيد السيستاني، النسخة القديمة): 272؛ نقلاً عن: ربّاني، مباحث الحجج (تقرير دروس السيد عليّ الحسيني السيستاني): 287.
([50]) الكليني، أصول الكافي 1: 60.
([52]) الحرّاني، تحف العقول: 407.
([53]) ربّاني، حجّية الخبر الواحد (تقريراً لدروس السيد علي الحسيني السيستاني): 25، على الموقع التالي: /169630/fa.shafaqna.com/news
([54]) ربّاني، مباحث الحجج (تقرير دروس السيد علي الحسيني السيستاني): 288.
([55]) الفضل بن شاذان، الإيضاح: 243.
([57]) الصفّار، بصائر الدرجات 1: 302.
([58]) راجع في هذا الموضوع: الكليني، أصول الكافي 1: 56.
([59]) الكليني، أصول الكافي 1: 8.
([60]) يعتقد الشيخ مهدي مرواريد ـ وهو من تلامذة السيد السيستاني ـ في هذا الشأن بأن الأخذ بالمرجِّح حين التزاحم يوهم أنه من باب الاستصلاح (استنباط المصلحة)، ومن مصاديقه: اتّباع الأهمّ. وتفسير ذلك أنه الملاك الأهمّ لدى الشارع أيضاً.
ويذكر الغزالي مثالاً للاستصلاح: إذا جعل الكفّار عدداً من المسلمين درعاً، وأرادوا الهجوم، قيل: إن مبادرة المسلمين بالهجوم جائزة؛ لأنهم إنْ لم يفعلوا أصبح الإسلام في خطر.
ومن نماذجه: الواجب الأهمّ. فإذا تبيّنا الأمر الأهمّ، وتيقّنّا بأنه الأهمّ لدى الشارع أيضاً، نعمل على نفس المنوال. فمثلاً: لا يتردّد أحدٌ ولا يشكّ في أن حفظ النفس المحترمة لدى الشارع أهمّ من التصرُّف في أموال الآخرين. وإنْ تزاحم الواجبان فلمعرفة الأَوْلى سبل تعود إلى التمسُّك بما هو ثابت في الشرع. ومع وجود واجب أهمّ لا يمكن لأحدٍ تقديم الواجب المهمّ. وبما أن ليس بمقدوره الإتيان بكلَيْهما يرفع عنه الواجب المهمّ. فما من شيءٍ حرَّمه الله إلاّ وقد أحلَّه لمَنْ اضطرّ إليه، كأن يتصرف أحدهم مضطرّاً في دار مغصوبة.
إذن يعود الأمر دائماً إلى البراهين الشرعية. أو أن نجعله من باب الحكم بالعقل حين يتبيّن لأحد أولوية أمرٍ، فيرجِّحه. ولحكم العقل هنا حجية، ويقدم العذر لصاحبه، حتّى لا يعاقب. وهذا أيضاً من النماذج التي توهم بالقياس (درس الشيخ مهدي مرواريد، 18جمادي الثاني 1433هـ).
([61]) الكليني، أصول الكافي 1: 299 ـ 300.
([62]) الكليني، أصول الكافي 1: 57.
([63]) الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن: 372.
([64]) سيد مرتضى، الذريعة إلى أصول الشيعة 2: 683.
([65]) انظر: علي إلهي الخراساني، نظريه اعتبار قانوني در گذار أز شخصيت گرايي: 151 ـ 162.
([66]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 1: 174 ـ 175.
([67]) المحقّق الحلّي، معارج الأصول: 187.
([68]) على سبيل المثال، راجع: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 18: 87.
([69]) المحقّق الحلّي، معارج الأصول: 187.
([70]) راجع: ربّاني، مباحث الحجج (تقرير دروس السيد علي الحسيني السيستاني): 20، 36؛ السيستاني، قاعدة لاضرر ولا ضرار: 213؛ القطيفي، الرافد في أصول الفقه (محاضرات السيد علي الحسيني السيستاني): 11، 24 ـ 25.
([71]) لمزيدٍ من الاطلاع، راجع: حميد رضا تمدُّن وعلي إلهي خراساني، نقش يابي عدالت در اجتهاد فقهي در پرتوي بررسي چالش حكمت إنگاری عدالت در خطابات قرآني، مجله علمي پژوهشي كاوشي نو در فقه، العدد 23: 87، ربيع وصيف 1395هـ.ش.
([72]) القطيفي، الرافد في أصول الفقه (محاضرات السيد علي الحسيني السيستاني): 12.