إطلالةٌ عامّة على تجربته الفكريّة
أ. محمد جواد صاحبي(*)
مقدّمة ــــــ
كان مكتب مجلة «كيهان أنديشه» محفلاً يأنس به عدد من العلماء والمفكرين، حيث يجتمعون فيه. وكانت الكثير من الاجتماعات تُعقد دون تخطيط سابق، حيث يَفِد الضيوف دون دعوة، ويمكن القول في الحقيقة: إن مكتب المجلة قد تحوّل إلى ما يشبه المقهى أو المنتدى الفكري والعلمي، الذي يقصده أصحاب الفكر والقلم. إلاّ أن بعض الاجتماعات كان يتمّ التخطيط لها مُسبَقاً، وكانت الدعوات توجَّه إلى العلماء، ويتمّ عقد الاجتماعات تحت رعاية اللجنة العلمية أو الهيئة التحريرية.
وقد سبق لي أن ذكرتُ بعض الذكريات والخواطر عن تلك المرحلة، وسوف أعمل على نشرها إنْ شاء الله تعالى. ومن الأشخاص الذين كانوا يُبْدون عناية واهتماماً خاصاً بمجلة «كيهان أنديشه»، ويشارك في اجتماعات هيئتها التحريرية، ويساعدنا في مناقشة ومعالجة المقالات القرآنية، ويقدِّم للمجلة من حينٍ إلى آخر بعض المقالات التي تتزيَّن المجلة بنشرها على صفحاتها، هو الشيخ محمد هادي معرفت.
يعود تعلقي بالشيخ معرفت إلى عدّة أمور:
أحدها: إنه من تلاميذ الإمام الخميني. وقد بلغني أنه عندما كان مقيماً في النجف الأشرف قام بترجمة أبحاث الإمام& حول ولاية الفقيه إلى اللغة العربية، وأنه كان شديد التعلّق به. وقد مثَّلت هذه المزية التي يتمتع بها الشيخ معرفت بالنسبة إلى شاب مثلي كان له دورٌ في الثورة الإسلامية أهمِّيةً بالغة.
وثانيها: تحقيقاته العلمية، حيث كان في تلك المرحلة قد أرسل كتاب «التمهيد في علوم القرآن» إلى الطبع على ما يبدو.
وثالثها، وهو الأخير، وهو الأهمّ: أخلاقه الدمثة، وحرّيته الفكرية، وتواضعه الكبير، الذي قلَّما نجده عند الآخرين. وكنتُ كلّما اتّصلت به هاتفياً، ورجوت منه الحضور إلى مكتب المجلة، يلبّي رجائي، ويحضر في الوقت المحدَّد دون إبطاء. وكان يقرأ المقالات بصبرٍ ودقّة، ويعرض وجهة نظره التصحيحية، وكان يتناول البحث بحضور الجميع، وكان أحياناً يلبّي الدعوة التي نوجِّهها له، رغم المرض الذي كان يعاني منه، ورغم حاجته في بعض الأحيان إلى إجراء عمليّة جراحية كبرى. وكان أحياناً يتصل بمكتب المجلة أو بالمنزل، ويقول بكل تواضع: هلاّ تفقَّدتم أحوالنا؟
وقد استمرّ هذا التواصل، وتواصلت هذه الألفة بيننا، إلى اليوم الأخير من حياته المباركة. وقد استمرّ حضوري المستمرّ في حلقة المعنيين بالبحث القرآني لسماحته في مؤتمر الباحثين في الشأن الديني الذي كنتُ أدعو إلى انعقاده إلى ما قبل يومٍ واحد من وفاته، حيث قدَّم لي الجدول النهائي بقائمة أعماله العلمية ـ بطلبٍ مني ـ خلال حضور جمعٍ من المحقِّقين في العلوم الدينية.
وبمناسبة الذكرى السنوية لرحيل هذا الأستاذ الكبير أجد من الواجب تلبية أمر بعض الأصدقاء المخلصين، من خلال تقديم قبضةٍ من سنابل البيدر العلمي لهذا الأستاذ إلى أصحاب الفضيلة من العلماء والمفكِّرين.
التفكير والتأمُّل ــــــ
لقد كان الشيخ معرفت ـ وعلى الدوام ـ يحثّ طلاب العلوم الدينية على إعمال الفكر، وممارسة التدقيق والتأمُّل. ومن هنا كان يدعوهم إلى التأمّل والتدبّر من خلال توظيف القرآن والسنّة. وفي شهر آذر من عام 1378هـ.ش، حيث أقمنا مهرجاناً للاحتفاء بالباحثين في الشأن الديني، كانت الكلمة الافتتاحية لسماحته، فبدأها بالقول: «إن القرآن الكريم يخاطب النبي الأكرم| قائلاً: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: 44). إن هذه الآية التي تحظى بأهمِّية كبيرة للغاية تبيِّن رؤية الإسلام بشأن التفكير والتدبُّر.
تشتمل هذه الآية على ثلاثة أمور:
الأول: ﴿أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾.
الثاني: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾. إن هذا المقطع من الآية يُفهم منه أن للنبي وظيفتين: الأولى: هي الإبلاغ؛ والثانية: هي البيان. فلا يقتصر الأمر على الإبلاغ، بل لا بُدَّ معه من التفسير والإيضاح والبيان.
الثالث: ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾. فلم يقُلْ: «لعلّهم يستمعون» أو «لعلّهم يُطيعون»، بل قال: «لعلهم يتفكّرون ويتدبّرون»، وهذا يعني أن عليهم التفكير والتدبّر حتى في الكلام الذي يسمعونه مباشرةً من النبي الأكرم|، وعليه فإن هذه الآية ونظائرها تبيّن أن للتفكير والتدبّر مكانة مرموقة ومنزلة رفيعة في الإسلام. ومن هنا فقد دفع المسلمين منذ اليوم الأول إلى البحث والتحقيق، وهذا يعني أن على المجتمع الإسلامي أن يكون مجتمعاً مفكّراً، ولا يكون مجرّد مجتمع يقبل الأقوال عن تقليدٍ وتعبُّد».
كان هذا النوع من الكلمات ـ التي تصدر عن الشيخ معرفت ـ يُثير أحياناً حفيظة بعض الذين يعيشون هاجس سقوط أو انحراف المجتمع الإيماني، ويوجِّهون له سهام النقد والاعتراض، حيث يتوهَّمون أن الدعوة إلى حرّية التفكير تؤدّي إلى الخروج عن دائرة التعبُّد، الأمر الذي من شأنه أن يؤول إلى أفول المعتقدات الدينية. من هنا فإن هؤلاء لم يكونوا يطيقون كلامه. وقد سبق للشيخ معرفت أن تحدّث عن هذه الظاهرة قائلاً: «لقد اعترض عليّ بعض الأصدقاء قائلاً: إن طرح هذا النوع من المسائل قد ينطوي على بعض المخاطر. فأنتَ تقول: إن الله يدعو الناس إلى التدبّر حتّى في الأمور التي يسمعونها من النبي مباشرة ـ سواء أكانت من الفروع أم الأصول ـ، وأن يؤمنوا بها بعد التدبُّر. وقد يصل شخصٌ من خلال التدبُّر إلى خلاف ما يريده الإسلام، فما هو الشأن حينئذٍ؟!
فقلتُ له في الجواب: إن الذي قال هذا الكلام كان على جانب من الثقة والاطمئنان، بحيث يعلم أن الشخص إذا تدبّر في كلامه بشكلٍ صحيح لن يصل إلى غير ما يريد. إن تعاليم الإسلام لا تنطوي على أيّ غموضٍ أو إبهام، من هنا فإن مسألة التفكير والتدبّر تعتبر واحدةً من أهمّ المسائل التي يطرحها الإسلام، ويدعو الناس إليها»([1]).
تعريفٌ بجذور البحث والتحقيق (التتبُّع) ــــــ
كان الشيخ معرفت ينصح الطلاب والجامعيين والباحثين في موضوعٍ ما أن يبحثوا ويحقِّقوا في مؤلَّفات وآراء الآخرين، وأن يطلعوا على النتائج والمعطيات العلمية للآخرين. ومن هنا كان يؤكّد على ضرورة أن لا يبدأ المحقِّق من الصفر أبداً. وكان من هذه الناحية يستند إلى سيرة العلماء الكبار، ويقول في ذلك: «لقد كتب العلامة الحلّي في وصيَّته لولده قائلاً: بُنيّ، إذا أردْتَ أن تكون فقيهاً معلماً فعليك أن تطّلع على آراء الفقهاء».
وبطبيعة الحال فإن الشيخ معرفت كان في الوقت نفسه مدركاً لآفة الرجوع إلى تراث المتقدمين؛ إذ من الممكن أن تخلق لدى المحقِّقين حالةً من النزعة التقليدية في اللاشعور، الأمر الذي سيحول دون حرّية التفكير والاجتهاد والإبداع كما قيل بشأن المتقدّمين. من هنا يقول الشيخ معرفت: «إن التتبّع والبحث في آراء المتقدّمين في كل علمٍ لا يعني أن نقلِّدهم في آرائهم. كلا، فالعلم في نهاية المطاف هو حصيلة الفكر والتدبّر الذي بذله المتقدِّمون، وبذلك يكون قد طوى بعض مراحله التاريخية. فإذا أردْتَ أن تبدأ من الصفر كانت الحركة دورانية! من هنا عليك أن تنظر في ما قاله المتقدِّمون، وما قاله المتأخِّرون. إن الدين يحتاج إلى عملية تتبّع متكاملة، ولا يكفي أن تقرأ كتاباً أو كتابين، أو تعتمد على مصدرٍ أو مصدرين؛ ليصحّ إطلاق لقب المحقِّق عليك».
لقد عمد الشيخ معرفت بعد بيان هذه المسألة إلى التأكيد على أن الباحث عليه أن لا يقتنع حتّى بالكتب التي ترتبط بالموضوع على نحوٍ مباشر، بل عليه مراجعة الموضوع حتّى في الكتب التي يقلّ احتمال تناولها لذلك الموضوع. وقد أشار سماحته إلى نماذج من أسلوبه في هذا الشأن، إذ يقول: «عندما كنتُ أكتب في القراءات كانت جميع الكتب التي تتناول هذا الموضوع في متناول يدي، وكنتُ أنظر في جميع المصادر التي كتبها المتقدّمون والمتأخّرون. وهناك قراءةٌ مأثورة عن ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ (الرحمن: 9)، إذ كان يستبدل كلمة القسط باللسان، ويقرأ الآية على النحو التالي: «وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِاللسان وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ»، حيث كان من دأب ابن مسعود أن يستبدل الكلمات الغامضة بكلماتٍ أوضح. فهل تعلمون من أين حصلْتُ على هذه المعلومة؟ أنا لم أحصل عليها من المصادر الخاصّة بموضوع القراءات، وإنَّما عثرت عليها في كتاب البيع من «إحياء العلوم»، للغزالي، وهي غير موجودة في أيّ مصدرٍ من المصادر الأخرى.
أذكر لكم مثالاً آخر، وبطبيعة الحال أنا إنما أبوح لكم بهذه الأمور بوصفي زميلاً لكم، ولا أريد بها أن أتبجَّح أو أتكبَّر عليكم. التفتوا إلى هذه الآية الكريمة، حيث يقول تعالى: ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ (الطارق: 6 ـ 7). عندما تراجعون التفاسير الموجودة بشأن هذه الآية ستجدون جميع المفسِّرين يقولون: إن الصُّلْب يعني صلب الرجل، والترائب تعني ترائب المرأة، ويفسِّرونها بأنها أضلاع صدر المرأة. هذا ما قاله جميع المفسِّرين من المتقدّمين والمتأخّرين. وهذه النظرية تضع المحقق أمام إشكال علمي؛ إذ العلم لا يتوافق مع هذه النظرية، سواء في ذلك العلم الجديد والعلم القديم. فحتّى ابن سينا قال بعدم صحة هذا الكلام، وقد ذهب ابن سينا في كتاب «القانون» إلى أن المرأة لا مني لها. فالمني من الرجل فقط.
وذات يوم اتَّصل بي أحد أساتذة الجامعة، وقال لي: لم أستطِعْ إقناع الطلاب برأي المفسِّرين في هذا الشأن، وذهبت كلّ محاولاتي في الاستشهاد بأقوال العلماء والأطبّاء أدراج الرياح.
وعلى المستوى الشخصي راجعْتُ ما يقرب من الثلاثين تفسيراً حول تفسير هذه الآية، ولم أعثَرْ على شيءٍ جديد، إلاّ في تفسير ابن كثير، حيث نقل كلاماً عن الضحّاك ـ وهو من مفسِّري القرن الهجري الثاني، وهو من التابعين ـ، إذ يقول: التَّرَائِبُ بَيْنَ الثَّدْيَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ، بمعنى ما كان من العظام زوج. فالترائب جمع تريبة من الترب، ويطلق لغةً على الأطفال المتقاربة أعمارهم، والذين يلعبون بالتراب معاً، وعليه فالترب مشتقّ من التراب.
إذن فكلمة التريبة تجمع على ترائب، وتطلق على العظام الموجودة في الجسم على شكل أزواج. من هنا يقول الضحاك: التَّرَائِبُ بَيْنَ الثَّدْيَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ.
وبذلك ساعد قول مفسِّر على حلّ مشكلتنا، وهذا لا يكون إلاّ من خلال التتبُّع. من هنا فإن من وظائفكم الخطيرة ـ بوصفكم من المحقِّقين ـ هو التتبُّع»([2]).
مواجهة الشكّ والشبهة ــــــ
لم يكن الشيخ معرفت يخيف الباحثين وطلاب العلوم الدينية من التعرّض للشكّ أو الوقوع في الشبهة، وإنما كان يعلمهم كيفية التعامل مع الشكّ والاستفهام. كما كان يأبى على الدوام محو صورة المسألة، ويسعى إلى تقوية الأذهان والأفكار؛ لتغدو قادرة على حلّ المسائل. ومن هنا فقد صرَّح في كلماته بهذه المسألة، ومن ذلك قوله: «إن الحركة باتجاه التحقيق، والتي يُراد منها أن تؤدّي إلى اليقين، إنما تنطلق من الشكّ. فلولا الشكّ لما كان هناك مَنْ ينشد اليقين، فاليقين إنما يأتي في أثر الشكّ؛ لأن الشكّ هو الدافع نحو تحصيل اليقين، ولذلك نجد جميع العلماء بدأوا جميع حركاتهم العلمية من الشكّ. والذي لا يكون عنده شكٌّ لا يُكلِّف نفسه عناء البحث والتحقيق، ولذلك لا يحصل على ذلك اليقين المنشود أبداً. والملفت للانتباه أن القرآن الكريم في الأساس يؤكِّد على ضرورة أن لا يقبل المؤمن شيئاً إلاّ بعد التأمُّل والتفكير، بمعنى أن عليه أن يفكِّر ثم يتبنَّى ما يُطْرَح عليه. فمثلاً: في قوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: 44) يقول تعالى: إن على النبيّ أن يبيِّن، وعلى الناس أن يتدبَّروا ويفكِّروا في بيان النبيّ، وكان بإمكان الله أن يقول: «لعلّهم يؤمنون بما تقول»، ولكنّه لم يقُلْ ذلك.
وأساساً إن منهج دين الإسلام منهج تحقيقي وعقلي، والإسلام يريد للمؤمن الحقيقي أن يتعاطى مع المسائل بشكل علمي وفكري.
وبطبيعة الحال فإن التعبّد بالإسلام حَسَنٌ بالنسبة إلى البعض، ولا إشكال فيه. ولا شَكَّ في حسن عاقبة المتعبِّدين، وأنهم سيدخلون الجنة حَتْماً. بَيْدَ أن الذي يريده الله يفوق هذا الأمر، وإن هذا الكلام إنما هو صادرٌ عن وجود مطمئنّ بأن التفكير الصحيح سيهدي إلى الحقيقة حَتْماً. وليس الأمر بأن يضع القرآن نفسه في مغبّة إعراض الناس عنه بسبب تفكيرهم؛ لاطمئنانه بعدم حصول شيء من ذلك»([3]).
في بعض الأحيان كان يَفِدُ إلى قم المقدّسة، وإلى مكتب «كيهان أنديشه»، بعض الأشخاص من البلدان الأخرى؛ وذلك للقاء أعضاء الهيئة التحريرية، والحصول على إجابات عن بعض الشبهات العالقة في أذهانهم. وكان من بين هؤلاء «البروفسور نوري عثمانوف»، مترجم القرآن إلى اللغة الروسية، وقد ادَّعى أن ترجمته دقيقةٌ وخالية من الإشكالات الواردة على بعض الترجمات الفارسية، وكان يقول: «لقد قرأتُ الانتقادات التي أوردها عددٌ من الناقدين، من أمثال: السيد بهاء الدين خرمشاهي، على ترجمات القرآن، وبحمد الله فقد وجدْتُ ترجمتي خاليةً من تلك الإشكالات. ولكنّي مع ذلك أواجه في الترجمة بعض المشاكل أحياناً، ولا أستطيع التغلُّب عليها وإدراكها بالذهنية الراهنة، ومن ذلك: آياتٌ من قبيل: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (طه: 5). فما هو السبيل إلى تفسيرها؟ إذ لو فسَّرنا الاستواء بمعنى «الجلوس» لزم من ذلك القول بالتجسيم».
وقد استمع الشيخ معرفت إلى كلامه برحابة صدرٍ، ثمّ أجابه قائلاً: إن «الاستواء» في اللغة العربية لا يعني الجلوس دائماً، كما لا يستعملها المتكلِّم العربي في مطلق معنى الجلوس، وعلينا أن نعلم قبل ذلك ما هو المراد من «العرش»؟ وما هو المراد من «الكرسي»؟ فلو قلنا بأن العرش والكرسي هو هذه الأدوات المعهودة التي يجلس عليها الملوك والناس لزم من ذلك أن يكون الاستواء بمعنى الجلوس، وأما إذا اعتبرنا «العرش» كنايةً عن التدبير كان معنى الاستواء هو الاستيلاء والسلطة. وبعد هذا الجواب انتقل الأستاذ معرفت إلى بيان متشابِهات القرآن، ونقل عن الزمخشري قوله: إن بعض الآيات التي كانت من المُحْكَمات تحوَّلَتْ بفعل التفسير المشوَّه إلى متشابِهات.
ثم طرح «البروفسور عثمانوف» أسئلة أخرى، وأجاب عنها الأستاذ معرفت بسعة صدرٍ، ولم يُبْقِ على شيءٍ منها. الأمر الذي دعا البروفسور عثمانوف إلى الاعتراف قائلاً: لكي يدرك المَرْء المسائل التي ذكرتموها عليه أن يبدأ التعلُّم من جديد في مدارسكم الدينية([4]).
أسلوب التحليل النقدي ــــــ
كان الشيخ معرفت شديد التمسّك بمنهج التحقيق النقدي، وكان يقول بشأن هذا المنهج: في مقام استعراض آراء الآخرين يمكن العمل بثلاثة أساليب:
الأول: أسلوب «الهدم»، بمعنى تشويه آراء الآخرين. وفي هذا الأسلوب يبدأ المحقِّق عمله ـ في كل مسألة أو موضوع يريد التحقيق فيه ـ بنقد آراء الآخرين، ويعمل على استعراض آراء الآخرين على نطاق واسع، والتركيز على النواقص والعيوب فيها، دون أن يبدي شيئاً من عنده.
وكان سماحته يرى هذا الأسلوب خاطئاً، وكان يقول: إن آفة هذا الأسلوب تكمن في أن المحقِّق يصرف وقته وطاقته في مجرّد التشويه والتخريب، ولا يترك لنفسه فرصة الإبداع والابتكار والإنتاج الفكري.
الثاني: أسلوب البناء والإحكام، بمعنى الخوض في الرأي المختار، والعمل على دعم مبانيه.
إن المحقِّق من خلال انتهاجه لهذا الأسلوب يعمل قبل كل شيء على التوجّه نحو مختلف الآراء، ويبادر إلى دراستها دراسةً دقيقة، ليقوم بعد ذلك بفرز الرأي الأرجح والأقوى من بينها، ومن ثم يعمل على تدعيم مبانيه، ويسوق له أدلّة وبراهين وشواهد متقنة. وأضاف سماحته قائلاً: إن هذا الأمر يحتاج ـ بطبيعة الحال ـ إلى مقدرة علمية عالية، وإن من العلماء الذين كانوا ينتهجون هذا الأسلوب هو أستاذنا العظيم السيد الخوئي.
لقد كان السيد الخوئي في بيان المسائل قلَّما يتعرَّض لآراء الآخرين، وإنما كان في كلّ مسألةٍ يتَّجه مباشرة إلى الرأي الأصيل والقويّ فيها، ويجهد في العمل على تدعيمه وتقويته. وإذا اقتضَتْ الضرورة أحياناً لجأ إلى ذكر رأيٍ أو رأيين مخالفين. وكان في الغالب يذكر رأي المحقِّق النائيني أو السيد الإصفهاني، وكان السيد الخوئي يُعبِّر عن النائيني بـ «الشيخ الأستاذ»، وعن السيد الإصفهاني بـ «بعض المحقِّقين».
وكان الشيخ معرفت يقول: إن هذا الأسلوب أسلوبٌ تحقيقي للغاية؛ لأن المحقِّق يصرف فيه طاقته في مجرّد شرح وتدعيم الرأي المختار، دون تضعيف الآراء الأخرى.
الثالث: أسلوب في غاية التعقيد، وكان هذا هو الأسلوب الذي ينتهجه الشيخ هادي الطهراني، وهو من المعاصرين للآخوند الخراساني. وكان الشيخ محمد رضا الجرقوئي ـ وهو من الحكماء والفلاسفة والعلماء الكبار في كربلاء ـ إذا أراد تحصيل آراء الشيخ هادي الطهراني يدرس مدّةً على يد الشيخ علي الرامهرمزي، رغم أنه أعلم منه؛ لأنه كان شديد الشغف بالشيخ هادي الطهراني.
لقد قال لي الشيخ محمد رضا الجرقوئي ذات مرّة: ليست العبرة بأن يقوم المرء بهدم آراء الآخرين، إنما العبرة بأن تكون إذا هدمْتَ قادراً على البناء، فتكون (هادماً بانياً)، وكان يقول: لم يكن مَنْ هو قادرٌ على هذا الأسلوب غير الشيخ هادي الطهراني، حيث كان يستطيع تحويل الأكواخ المتداعية إلى قصور شامخة. وقد ذكر لذلك الكثير من الأمثلة. وهنا سأذكر لكم واحداً من تلك الأمثلة.
إن من تلك الموارد مسألة التعارض في الأراضي الشاسعة الأبعاد. إن هذه الأراضي الزراعية الكبيرة إذا كانت خاليةً، وأراد المكلَّف أن يقيم عليها أو يصلّي فيها وما إلى ذلك، هل يُشترط في ذلك الحصول على إذن صاحبها أم لا؟
هذه من المسائل التي احتدم الخلاف حولها بين العلماء والفقهاء منذ القِدَم. وقد ذهب الأغلب إلى وجوب الحصول على إذن صاحبها. وتبدو المشكلة إذا كان صاحب الأرض من خارج المذهب أو كان مُشْرِكاً، وهنا يغدو الحصول على الإذن والرضا مشكلاً. ومن هنا ذهب أكثر الفقهاء إلى القول بالاحتياط، وعدم الصلاة في مثل هذه الأراضي.
بَيْدَ أن للشيخ هادي الطهراني في هذه المسألة بياناً في غاية الدقّة، وهو يستحق الإشادة حقّاً، إذ يقول: إن هذه المسألة أساساً من الأمور التي تقوم على القَصْد، وإن ذات القصد الذي يشترط هنا هو الذي يحدِّد جهة المِلْكية في ذلك الشيء.
بمعنى أن المزارع لو سحب مجرىً للماء من مجرى أكبر؛ لإرواء زرعه، فحيث يكمن الحلّ في هذه الجهة يتمّ حصرها بهذه الجهة فقط، فإذا أردْتَ الوضوء من هذا المجرى، بحيث لا يُعَدّ وضوؤك أو تصرّفك مخالفاً ومعارضاً لتلك الجهة وذلك القَصْد، لم يكن للمزارع شأنٌ في ذلك أصلاً، فلا حاجة إلى اشتراط أخذ الإذن منه؛ لأن ملكيَّته لم تتعلَّق بهذه الجهة. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الأرض. ومن هنا فإن هذا هو الذي يحدِّد الملك في إطار تصرّفنا أو تصرّف الآخرين. فهذه المسألة هي التي تحدِّد ما إذا كان الأمر يحتاج إلى إذنٍ أو لا، وعليه حتّى لو صرَّح المالك بعدم الرضا لا يكون عدم رضاه معتبراً([5]).
التدقيق والتحقيق ــــــ
إن من الخصائص التي يتمتَّع بها الشيخ معرفت في البحوث القرآنية الدقّة وبُعْد الرؤية وعمق الفكرة. كان سماحته يقول: إن ما نُسب من القول إلى بعض كبار العلماء باشتمال القرآن على جميع العلوم التي يحتاج إليها الإنسان، وأنْ ليس هناك علمٌ تجاهل القرآن ذكره، إنّما هو أوّلاً: مجرّد ادّعاء جزافي؛ وثانياً: إن نسبة مثل هذا الادّعاء إلى العلماء الكبار لا أساس لها من الصحّة، كما نسب ذلك إلى أبي حامد الغزالي، من القول بأن القرآن قد اشتمل على جميع العلوم، من العلوم التدبيرية والنجوم والطبّ وكلّ ما يُطلَق عليه عنوان العلم. إن نسبة مثل هذا الكلام إلى رجل عظيم مثل: الغزالي لا يمكن قبولها بحالٍ؛ وذلك لاستبعاد صدور مثل هذا الكلام الاعتباطي عن أصحاب الفكر والفضيلة، وأبو حامد من أكابر علماء المسلمين.
يقول الغزالي: إذا أرَدْنا أن نفهم القرآن الكريم فهماً صحيحاً فلا بُدَّ من الإحاطة بجميع العلوم البشرية، بمعنى أن هناك ضرورةً لتحصيل العلوم والمعارف البشرية المتنوّعة لفهم ومعرفة جميع أبعاد القرآن وأعماقه. ثم يستنتج ويقول: إن هذا هو الذي دفع المسلمين في صدر الإسلام ـ ولا سيَّما في القرن الهجري الثاني والثالث ـ إلى تحصيل مختلف أنواع العلوم التي كان يحتاجها المجتمع البشري آنذاك، وذلك لغرض فهم القرآن، بمعنى أن الناس؛ لكي يدركوا عمق المطالب القرآنية وجميع الأسرار والإشارات الكامنة فيه، كان لا بُدَّ لهم من التعرُّف على جميع العلوم. وعليه فإنّ ما نقوله من أن القرآن منشأٌ لجميع العلوم الإنسانية نعني به إيجاد الدافع لدى المسلمين لتحصيل جميع العلوم والمعارف.
كما توصّل الشيخ معرفت، من خلال دقّته في الظرائف القرآنية وكلمات المفسِّرين والمحقِّقين في العلوم القرآنية، إلى نتيجةٍ مفادها أن القرآن لا يمكن أن يكون حتّى كتاباً في علم التاريخ.
وقال سماحته، نقلاً عن سيد قطب: إن القرآن عندما يقدّم تقريراً تاريخياً يتعاطى مع ثلاثة عناصر، وهي: عنصر الزمان؛ وعنصر المكان؛ وعنصر البطولة. إن هذه العناصر الثلاثة الأساسية في غاية الأهمِّية لكتابة التاريخ، فلو كتب المؤرّخ حادثةً، وأغفل فيها واحداً من هذه العناصر الثلاثة، يكون ما كتبه ناقصاً.
يقول سيد قطب: إن القرآن لا يتعرَّض إلى ما يتعرَّض له المؤرِّخون؛ لأن المؤرِّخين يختلفون فيما بينهم في تحديد الزمان والمكان والشخصيات (التي تأخذ دور البطولة)، كما يختلفون فيما بينهم من منطلقات عصبية أيضاً. ومن هنا نجد القرآن الكريم، بعد بيان قصة أصحاب الكهف، وإشارته إلى الاختلاف في الروايات بشأن عددهم، ينقل قول الله سبحانه وتعالى لنبيِّه الأكرم|: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ (الكهف: 22).
بل يذكِّر الله حتّى باختلاف أقوال الآخرين في عدد السنين التي اختفى ونام فيها أصحاب الكهف، إذ يقول تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ (الكهف: 25).
يضيف الشيخ معرفت في هذا الشأن قائلاً: إن عبارة ﴿وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ واضحة؛ لأن السنوات الثلاثمائة كانت في ضوء التاريخ الشمسي، وحيث كان المخاطبون من العرب كان هناك احتمال أن يتبادر إلى الذهن أن حساب عدد السنين في هذه الآية إنما هو على طبق النظام القمري، فأمر الله بإضافة تسع سنوات؛ لتكتمل عدّة السنين؛ لأن كلّ مئة وثلاث سنوات قمرية تعادل مئة سنة شمسية. بَيْدَ أن الله بعد بيان هذه الرواية الشائعة يُبادر إلى الاستدراك والقول: ﴿قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ (الكهف: 26). وعليه فإن القرآن الكريم لا يريد البتّ في هذه المسألة، أو الحديث عنها بضرس قاطع، وإنما يريد توظيف ما هو دائرٌ بين أهل الكتاب وسائر الناس من الكلام، وذلك لبيان الأغراض المتعالية. بَيْدَ أن البعض لم يلتفت إلى هذه الناحية، ورأى أن عدة الثلاثمائة سنة هي التي تمثِّل العدد القطعي للسنوات التي قضاها أصحاب الكهف لابثين في كهفهم، ونسبوا ذلك إلى الله، كما نقل ذلك في الكتب التفسيرية، وتمّ الاستناد له في المسلسل التلفزيوني الإيراني «مردان آنجلس» (أصحاب الكهف).
وقد ورد في دائرة المعارف البريطانية: أن الملك الأول «دقيانوس» قد انتهى سلطانه سنة 251م، وأما الملك الثاني «تريدوس» فقد انتهت سلطته عام 450م. وقد ذكرت هذه الموسوعة أن الفترة الزمنية بين هذين الملكين تقدَّر بمئتي سنة. إن الذي يقرأ هذا التقرير التاريخي يتوهّم وجود التعارض في القرآن الكريم، وتَرِدُ إلى ذهنه شبهة في هذا الشأن. في حين أن أدنى تدقيق في هذه القصة يدفع الشبهة من الأساس؛ لأن القرآن لا يريد الدخول في التفاصيل والجزئيات التاريخية، بل كل مراده من رواية القصّة إيصال العبرة، وتوجيه الإنسان وهدايته إلى ما فيه الرشاد والكمال([6]).
الإبداع ــــــ
لقد كان الذهن الوقّاد والمحلِّل الذي يتمتَّع به الأستاذ معرفت عنصر إبداع وابتكار متواصل في العملية التنظيرية. وقد اتَّصف بالشجاعة والجرأة الخاصة في إبداء الآراء البديعة والاستنباطات الجديدة حتّى اليوم الأخير من أيام حياته. ولا يمكن لنا أن ننسى ذكرى حضوره الأخير في «المهرجان الثامن لمشروع تكريم الباحثين الأوائل في مجال الدين».
وكنتُ، بوصفي مدير المهرجان المذكور طوال مراحل انعقاده على مدى ثماني سنوات، أدعو على الدوام شخصيتين لأداء دور المتحدِّث باسم المهرجان، وهما: الشيخ معرفت، والشيخ أستادي.
وقد كان الدافع وراء الاعتماد على هذين الشخصين المحترمين يكمن في أمرين: أحدهما: شعبيتهما ومقبوليتهما بين الباحثين والمحقِّقين في العلوم الدينية، وثانيهما: تواضعهما وعدم سعيهما خلف الأغراض الشخصية والفئوية.
لقد كان هذان العزيزان المحترمان يفيضان علينا بما يجود به كلّ واحدٍ منهما بحسب تخصُّصه وخصائصه. وكانا في كلّ عام يرسلان إلى المهرجان ما تجود به قريحتهما من الموضوعات الجديدة. وكان الشيخ الأستادي يخوض عادةً في مسائل الأخلاق، وينصح الباحثين في الشأن الديني برعايتها. وأما الشيخ معرفت ـ بوصفه شخصيّةً قرآنية ـ فكان يسعى إلى البحث عن الأساليب المطلوبة والمناسبة للتحقيق في القرآن، ويلفت عناية المحقِّقين إلى اللطائف والظرائف القرآنية.
في المهرجان الثامن لـ «تكريم المحقِّقين الأوائل في مجال الدين» لبّى الأستاذ معرفت دعوتنا برحابة صدرٍ، وكان أول الحاضرين إلى مقرّ إقامة المهرجان. وعندما أخذ مكانه خلف الميكرفون قال، بعد بيان مقدّمة مقتضبة: «لقد فكرتُ اليوم في الموضوع الذي أحمله إليكم بضاعةً مزجاة، وقد خطر في ذهني عددٌ من العناوين التي طالما شغلَتْ فكري وشكَّلَتْ لي هاجساً على الدوام، وكانت تقضّ مضجعي بشكلٍ متواصل، حتّى توصلْتُ في نهاية المطاف إلى بعض النتائج بشأنها، ورأيْتُ أن أحمل لكم هذه الحلول بوصفها رافعةً للهواجس الفكرية التي عرضَتْ لي، وقد تعرض لكم أيضاً. ولذلك رأيْتُ أن أطرحها اليوم عليكم، كما هو دأبي في طرح مثل هذه الأمور في الأوساط العامّة… وبطبيعة الحال، فأنا لا أطرحها إلاّ في الأوساط العلمية التي يكون الحضور فيها من العلماء والفضلاء من أمثالكم، ولكنّني لم أنشرها مكتوبةً حتّى هذه اللحظة، فأنا ما لم أطرح المسألة في الأوساط العلمية لأكثر من مرّةٍ لا أنشرها مكتوبة أبداً».
ثمّ استطرد الشيخ معرفت في طرح الاستعانة بالروايات في تفسير القرآن، قائلاً: «إن الرجوع إلى الروايات لفهم القرآن يكون على شكلين؛ فتارةً تروم إسقاط المعنى على الآية معتمداً على الرواية. وهذا خطأً؛ إذ ينبغي بالقرآن أن يكون هو المعبِّر عن نفسه، وأما أن تكون الرواية هي مَنْ يفسّر القرآن فكلاّ وحاشا. فالقرآن هو الذي يصف نفسه بالقول: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: 138). كما وصف نفسه في مواضع أخرى بتعبيرات من قبيل: «البصائر»، و«النور»، و«التبيان».
أما إذا كان رجوعك إلى الرواية لغرض أن تجعلك في مناخ يفتح أمامك فضاء يساعدك على فهم الآية بنفسك فهذا هو الأسلوب الصحيح.
من الواضح لنا أن أسلوب القرآن هو أسلوبٌ خطابي، وليس أسلوباً كتابياً. وإن من خصائص الأسلوب الخطابي أن يعتمد المتكلِّم على ذهنيّة المخاطَب الخاصّ، بخلاف الأسلوب الكتابي الذي يجب أن لا يعتمد على ذهنية المخاطَب.
وحيث إن أسلوب القرآن أسلوبٌ خطابي فقد اعتمد على ذهنية المخاطَب الخاصّ، وعلى القرائن المتوفِّرة في زمان وحال الخطاب. فإذا أردْتَ أن تفهم القرآن عليك الذهاب إلى ذلك المخاطَب الخاصّ؛ لتجالسه وتستمع إلى آياته؛ لكي تفهمها منه، وعليك أن تتحلّى بتلك الذهنية التي كان يمتلكها المخاطَبون في عصر نزول القرآن.
إن دور الروايات يكمن في أن تأخذ بيدك إلى مرابع العرب قبل ألف وأربعمائة سنة، حيث كانوا هم المخاطَبون بالآيات، وتمنحك ذهنيّةً شبيهة بذهنيّتهم، وتضعك في أجواء تساعدك على فهم المسائل من ذات القرآن»([7]).
الفقاهة والبحث القرآني ــــــ
إن ما ذكرتُه حتى الآن يعكس إحاطة الأستاذ معرفت بالقرآن والعلوم القرآنية. وبطبيعة الحال فإن للبحث القرآني منزلة سامية، وإن الأنس بالقرآن ـ بوصفه كلاماً سماوياً ـ يعني مجالسة ومصاحبة الباري تعالى والمصدر الرئيس لفهم الأحكام والمعارف الإلهية.
بَيْدَ أن هذا الكتاب والكلام الإلهي للأسف الشديد أصبح في المجتمع الإسلامي مهجوراً، بل لم يحصل على مكانته المناسبة، حتّى في المحافل العلمية للمسلمين، وكأنّ مفسِّر القرآن والمحقِّق في العلوم القرآنية لا يستطيع ـ بل لا ينبغي له ـ أن يتدخَّل في المباحث الفقهية. ومن هنا لو عمد بعض الأفذاذ من الفقهاء إلى الخوض في المباحث القرآنية عُدّ ذلك مغمزاً عليهم من قبل بعض العقول القاصرة، حتّى يضطرّهم الضغط إلى ترك العمل في منتصفه، وما القصة المأساوية لتفسير البيان، للسيد الخوئي، إلاّ نموذجاً واحداً من هذه الحقيقة.
وعلى الرغم من شهرة الشيخ معرفت بوصفه محقِّقاً بارزاً في العلوم القرآنية، الأمر الذي طغى على توجُّهه الفقهي والاجتهادي، بَيْدَ أنه مع ذلك يمتلك منهجاً ومدرسة خاصّة في المسائل الفقهية أيضاً. وقد امتاز سماحته بهذه المدرسة من أقرانه ومعاصريه.
لقد كان فهم الشيخ معرفت للفقه والفقاهة استمراراً لمنهج وأسلوب المصلحين الكبار في العصور الأخيرة، وكان يعتبر الطريق الصحيح لتطبيق الأحكام المتطابقة مع مقتضيات الزمان والمكان رَهْناً بفهمها وإدراكها بشكلٍ صحيح.
وفي العدد الخاص لمجلة «كيهان أنديشه»، الذي أصدرناه بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني&، طلبنا من الشيخ معرفت أن يختار موضوعاً بهذه المناسبة، وأن يساهم بمقالٍ في ذلك العدد. فقدَّم لنا سماحته موضوعاً تحت عنوان «الواقعية في الرؤية الفقهية للإمام الخميني»، ورحَّبْنا بذلك. وفي صدر هذا البحث تحدَّث ـ بمناسبة بعض الإيضاحات بشأن «تَبَعيّة الأحكام الشرعية للمصالح الواقعية» ـ عن مقدرة الفقيه، قائلاً: «إن الفقيه القدير هو الذي يبحث في المسائل الشائعة برؤية واقعية. والفقيه هو الذي يتوجّه إلى المصادر الفقهية متسلِّحاً بهذه الرؤية. وهذا هو الذي يُعبَّر عنه في المصطلح بـ «شَمِّ الفقاهة». إن الفقيه هو الذي يحيط بجميع جوانب الشريعة على نحوٍ كامل. ويجب على الفقيه أن يكون مدركاً ومستوعباً لملاكات الأحكام الشرعية ـ باستثناء العبادات ـ بشكلٍ جيّد([8]).
لقد كان لدى الشيخ معرفت توضيحان بشأن المعاملات والعبادات:
الأول: عبارة عن تعريف المعاملات.
والثاني: عبارة عن إمكان التعرُّف على ملاكات المعاملات.
وقال سماحته في تعريف المعاملات: «إن للمعاملات في مصطلح الفقهاء مفهوماً واسعاً يشمل كلّ ما له مدخلية في النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والإداري في حياة الإنسان، ويكون بحاجة إلى برمجة وتخطيط. والمراد بذلك الأعمال التي لا يحتاج القيام بها إلى قصد التعبُّد، وإنْ كان قصد التعبُّد فيها ينطوي على المزيد من الثواب».
وقد أكمل الأستاذ معرفت إيضاحه من خلال العبارة التالية: «إن العبادات وحدها هي التي تكون ملاكاتها غير واضحة، ولا يمكن لشخصٍ أن يحيط بجميع الأسرار الكامنة في كلّ واحد من العبادات بشكلٍ دقيق. إلا أن سائر الأحكام الشرعية قابلة للإدراك، ويمكن توقُّع ملاكاتها. وكان الفقهاء الكبار ـ ولا سيَّما المتقدِّمون منهم ـ يسعَوْن إلى تحصيل جميع أبعادها وملاكاتها. وقد أصابوا نجاحاً في هذا المسعى».
لقد ذهب كبار الفقهاء في العالم الإسلامي، في باب المعاملات (بالمعنى الأخصّ)، إلى الاعتقاد بأن الشارع المقدَّس قد اكتفى ببيان الأصول. فكلّ معاملة عقلائية تحدث في كلّ عصرٍ، ويستحسنها العقلاء ويصحِّحونها، يصحِّحها الشَّرْع، ويعمل على إمضائها أيضاً.
وبعد ذكره للأصول العامّة المنظورة للشَّرْع في ما يتعلَّق بموضوع المعاملات يُضيف سماحته قائلاً: «وعلى هذا الأساس فإن المعاملات التي يتراضى عليها عقلاء العالم تقع مشروعةً، سواء أكانت بين شخصين أو انعقدت ضمن المعاهدات الدولية».
وبعد الإشارة إلى اختلاف آراء الفقهاء في نوع المعاملات المنشودة للشَّرْع، وما إذا كانت محدودة ومحصورة بتلك الأنواع التي كانت شائعةً في عصر الشارع، أو تشمل جميع المعاملات العقلائية في كلّ الأعصار والأمصار، قال سماحته: «لقد درس فقهاء السَّلَف المعاملات الشائعة في عصورهم في ضَوْء هذا الأسلوب (الشمول الإمضائي)، واعتبروها في ظلّ بعض الشرائط مشمولة لقاعدة «أوفوا بالعقود»، وقاموا بتصحيحها. ولم يخطُرْ ببالهم أبداً ضرورة أن تكون المعاملات التي كانت شائعةً في شبه الجزيرة العربية ـ وما كانت عليها من الحياة البسيطة الخالية من التعقيد ـ هي التي تحكم طريقة المعاملات التي يحتاجها الناس في جميع المراحل التاريخية»([9]).
وبطبيعة الحال فإنّ هذا النوع من النظرة إلى الفقه لا ينحصر بعلماء الشيعة فقط، بل لها جذورٌ تاريخية طويلة بين أهل السنّة. وقد وجد كبار المصلحين منهم، كالشيخ محمد عبده ومحمد بشير الإبراهيمي، في هذا الأسلوب طريقاً مناسباً لحلّ المشاكل، وذلك من خلال جعل أحكام الإسلام مواكبة لمقتضيات الزمان والمكان.
لقد كان الشيخ معرفت فريداً في شجاعته وصراحته في بيان الحقائق. فقد كان، رغم احترامه وتقديره لكبار العلم والدين، إذا توصّل إلى استنباطٍ جديد بادر إلى الإعلان عنه دون تحفُّظ. وعلى الرغم من تصنيفه ضمن المفسِّرين والأساتذة المختصّين في العلوم القرآنية، إلاّ أن علمه لا ينحصر بهذه الناحية فقط. وكان يعتبر من المنظِّرين في سائر العلوم الأخرى، من قبيل: علم الكلام، والفقه، أيضاً. الأمر الذي أضفى عليه صفة الموسوعية والقدرة الخاصّة على الربط بين مختلف العلوم المتنوّعة، كما يبدو ذلك من فتحه باباً جديداً في بحث «دَوْر الموسيقى في تلاوة القرآن»، بعد نقل الروايات بشأن التأثير العجيب للآيات القرآنية الموزونة والمتناغمة على المخاطَبين، ولا سيَّما في عصر نزول الوحي، إذ تحدَّث قائلاً: إن هذا الكلام المتناسق والموزون إنما يُظهر جماليّته الفنّية والتصويرية عندما يكون القارئ مطلعاً على تناغم ونظم القرآن وفنّ الموسيقى، ومن هنا يُذكِّر بالروايات الشريفة الواردة في هذا الشأن، ومنها:
ـ «ليس منّا مَنْ لم يتغنَّ بالقرآن»([10]).
ـ «تغنُّوا بالقرآن، فمَنْ لم يتغنَّ بالقرآن فليس منّا»([11]).
ومن ثم ينتقل الأستاذ معرفت بهذه المناسبة إلى بحث الموسيقى من الزاوية الفقهية، ويقول: «هل الموسيقى حرامٌ في ذاتها؟ فنكون بحاجة إلى إباحتها في الموارد المستثنيات (من قبيل: تلاوة القرآن، والحَدْي، والأعراس، وما إلى ذلك) إلى دليل خاصّ، أم أنها ليست حراماً من الأساس إلاّ إذا اقترنت بعنوان «اللَّهْو» و«اللَّغْو» و«الباطل»، مما يؤدّي إلى الانحراف؟»([12]).
وبعد بيان الأستاذ معرفت للأدلّة المتوفِّرة في النصوص الإسلامية بشأن هذين الرأيين المذكورين، ومناقشتها، يصرِّح برأيه المختار قائلاً: «لم يَرِدْ في أيٍّ من الأجوبة [الصادرة عن الأئمّة الأطهار^] تحريم «الغناء» بالمطلق، إلاّ إذا اقترن بعناوين محرَّمة. فعلى سبيل المثال: لو قيل صراحةً: إن الموسيقى حرامٌ لكانت حرمتها الذاتية ثابتة لا محالة. ولكنّ التحريم ورد على صيغةٍ أخرى، حيث قيل في الجواب عن السؤال القائل: «هل الغناء حرام؟»: «ألا تعلم أن الله قد حرَّم اللَّهْو والباطل». من هنا فإن هذا الجواب يُشْعِر بأن الغناء والموسيقى إنما تدخل تحت عنوان الحرام إذا اقترنت بمحرَّمٍ، لا غير.
وإن قولَ الذين أرادوا «إعمال التعبُّد» فقالوا: إنّنا نعتبر الغناء، رغم عدم كونه لهواً أو لغواً أو باطلاً، محرَّماً، مخالفٌ للظاهر تماماً، كما هو مخالفٌ لقواعد وأصول فنّ التحاور»([13]).
وبعد ذكر بعض المؤيِّدات من الروايات يصل إلى النتيجة التالية، حيث يقول: «والنتيجةُ هي أن الموسيقى إذا كانت وسيلةً للتعريف بالتعاليم السامية، وتوجيه الناس إلى فضائل الأخلاق الإسلامية، لم ينطبق عليها عنوان اللهو أو اللغو أو الباطل. ومن هنا فإن توظيف الأنغام في تلاوة القرآن لا يُعَدّ من موارد الاستثناء، بل لا يكون مشمولاً لعنوان الحرام أصالةً»([14]).
العلم بالفقه السياسي ــــــ
هذا وقد كان الأستاذ معرفت صاحب أفكار وآراء جديدة في مجال الفقه السياسي أيضاً. فحيث كان من تلاميذ الإمام الخميني& في النجف الأشرف، وقد تولّى عملية تعريب أبحاثه في ولاية الفقيه، كان مطَّلعاً منذ أمدٍ بعيد على أفكار الإمام الخميني، ولا سيَّما منها تلك المتعلقة بالفقه السياسي. ولكنّه لم يكن من الصنف الذي يتوقّف عند حدود درس الأستاذ، بل حيث كان يباشر التحقيق والتحليل بشكلٍ مستقلّ كان يأتي بشذرات جديدة وفريدة.
لقد طلبتُ منه في عام 1367هـ.ش مقالةً بمناسبة الرسالة الخاصة لمؤتمر الشيخ المفيد العالمي. قال سماحته في الجواب: هناك الكثير من المحقِّقين الذين يستطيعون تلبية طلبك بهذا الشأن، أما أنا فأرى من الأفضل أن أخوض في أمرٍ آخر أجده مورد حاجةٍ ماسّة للمجتمع الراهن، ومن هنا فقد حمل على عاتقه كتابة مقال تحت عنوان: «الحدود والضوابط الشرعية لولاية الفقيه». وبعد بيان سماحته وتوضيحه لمسألة تعيين القيادة في مدرسة أهل البيت^، وأنها تكون على أحد شكلين: «التعيين بالنصّ»، وهو خاصٌّ بعصر حضور الإمام المعصوم×؛ و«التعيين بالوصف»، والذي يخصّ عصر الغَيْبة، تناول& بحث مسائل جديدة ضمن العناوين التالية: «توجيه الآراء العامة»، و«المسؤولية العامة»، و«الإشراف والرقابة المتبادلة». وقال تحت عنوان: «الإشراف والرقابة المتبادلة»: «إن الرقابة (المتبادلة بين المسؤولين وأفراد الشعب) تتمّ على نحو متبادل، وذلك من قبل المسؤولين في المناصب العليا تجاه مَنْ يعملون تحت إمرتهم من المسؤولين الصغار، ومن المسؤولين الصغار وسائر أفراد المجتمع تجاه المسؤولين الكبار. وتكون هذه الرقابة على نحوين: علنية ومكشوفة، يتولّى القيام بها جهاز الشرطة، ولجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتفويض المسؤوليات الإدارية إلى الرؤساء والمدراء والمفتِّشين ونظرائهم؛ والنحو الآخر: السرّي والخفيّ بواسطة أجهزة الاستخبارات. وقد كانت هذه الطريقة معمولاً بها منذ اليوم الأوّل لقيام الدولة الإسلامية، على ما هو واضحٌ من الشواهد الكثيرة الواردة في سيرة النبيّ الأكرم|، وأفعال وأقوال مولانا أمير المؤمنين×.
وأما الرقابة الجماهيرية على حسن أداء المسؤولين، ولا سيَّما المسؤولين في المراتب العليا، فيجب أن تتمّ عبر لجنة من المختصّين (الخبراء)، يتمّ انتخابها من قبل الشعب. وبطبيعة الحال يجب على الشعب المسلم أن يكون واعياً ومدركاً ومتعلِّماً، وأن يتمتَّع بثقافة قوية وشاملة، وأن يسعى على الدوام إلى متابعة أخبار وأوضاع البلاد والعباد، ويجب على المسؤولين في الدولة من هذه الناحية أن يضعوا الأخبار الصحيحة في متناول أبناء الشعب على الدوام، وفي الوقت المناسب، من خلال وسائل الإعلام والصحف؛ ليكون الناس على معرفة آنيّة بجميع تفاصيل الأحداث، جليلها وحقيرها، وأن يقدِّموا في الحقيقة فاتورة أعمالهم إلى الشعب بشكلٍ دقيق وشفاف، دون إبهام أو غموض.
وفي الوقت نفسه من الضروري للهيئة المنتخبة من الخبراء والمختصّين أن تتّصف بالقانونية والدستورية في مراقبتها لأداء الرؤساء والقادة والمسؤولين؛ كي تتمكَّن رسميّاً من إبداء رأيها، وأن تطلع الشعب على حقائق الأمور، تمهيداً لاتّخاذ القرارات الضرورية والحاسمة.
ويجب أن يتمّ انتخاب هيئة الخبراء بشكلٍ كامل ودقيق. وإنّ صلاحية وكفاءة وصدق وأمانة أعضاء هذه الهيئة من الأركان والخصائص البديهية. ويجب أن يشارك في هذه الهيئة خبراء من مختلف طبقات المجتمع وفئاته وأصنافه؛ لأن رقابة هذه الهيئة يجب أن تستوعب جميع أبعاد قيادة المجتمع. وعليه لا ينبغي حصر التمثيل في هذه الهيئة بطبقةٍ أو فئة دون أخرى. كما لا ينبغي انتخاب أفراد لا هَمَّ لهم سوى الثناء على أداء المسؤولين، دون أن يعلموا ما هي الوظيفة والمسؤولية الخطيرة الملقاة على عواتقهم.
وفي هذا السياق لا بُدَّ من التذكير بأهمّ الفرائض الاجتماعية في الإسلام، والتي تعتبر من أوثق ركائز ودعامات المجتمع، وقد ورد هذا الأمر الخطير بشكلٍ صارم وصريح في التعاليم الإسلامية، إذ رُوي عن رسول الله|، أنه قال: «مَنْ أصبح ولم يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم»([15]).
وفي هذا الحديث تصريحٌ بضرورة أن يكون المسلم في تفكيرٍ دائم ومستمر بمصالح المسلمين، وإلاّ لن يكون واحداً من المسلمين.
وفي حديثٍ آخر عنه| أنه قال: «ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم: 1ـ إخلاص العمل لله؛ 2ـ والنصيحة لأئمة المسلمين؛ 3ـ واللزوم لجماعتهم»([16]).
وعن الإمام أمير المؤمنين× أنه قال: «إن الله لا يعذِّب العامة بذنب الخاصة إذا عملت الخاصة بالمنكر سرّاً من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصّة بالمنكر جهاراً فلم تغيِّر ذلك العامّة استوجب الفريقان العقوبة من الله عزَّ وجلَّ»([17]).
وفي الختام أشار الأستاذ معرفت إلى المزايا والخصائص المباركة المترتِّبة على هذه الرقابة المتبادلة، باعتبارها سبباً للارتباط الوثيق والحميم بين قادة المجتمع وأفراد الشعب، وتوثيق عُرى النظام السياسي والاجتماعي([18]).
أكتفي هنا بهذه الفقرات المختصرة، على أمل الحصول على فرصةٍ أخرى إنْ بقي في العمر بقيّةٌ؛ لأستعرض باقةً أخرى ممّا لمستُه ورأيتُه من التراث الفكري للشيخ الأستاذ محمد هادي معرفت.
الهوامش
(*) كاتبٌ ومحقِّق في الحوزة العلميّة في قم، متخصِّصٌ في دراسة تاريخ الحضارات.
([1]) مهرجان الاحتفاء بالمحقِّقين الأوائل في الشأن الديني، المهرجان الأول، شهر آذر، عام 1378هـ.ش.
([4]) تمّ تضمين التقرير المختصر عن هذه المباحثات في مجلة كيهان أنديشه، العدد 63: 172 ـ 175.
([5]) مهرجان الاحتفاء بالمحققين الأوائل في الشأن الديني، المهرجان الثاني، شهر آذر، عام 1379هـ.ش.
([6]) مهرجان الاحتفاء بالمحققين الأوائل في الشأن الديني، المهرجان الخامس، شهر دي، عام 1382هـ.ش.
([8]) انظر: كيهان أنديشه، العدد 29: 39.
([9]) انظر: المصدر السابق: 41.
([10]) المجلسي، بحار الأنوار 89: 190 ـ 191.
([12]) انظر: محمد هادي معرفت، كيهان أنديشه، العدد 28: 65.
([15]) الكليني، أصول الكافي 2: 163.
([16]) بحار الأنوار 75: 66، ح5.