التطوُّر والمزايا والآفات
د. الشيخ علي أكبر بابائي(*)
1ـ المقدّمة
إن لعنوان «الشيعة» استعمالات مختلفة، بَيْدَ أن المراد منه في هذه المقالة طائفة كبيرة من المسلمين الذين يعتقدون ـ استناداً إلى الآيات والكثير من الروايات ـ بأن الأرض لا تخلو من حجّةٍ لله على الخلق، وأن الله سبحانه وتعالى بعد رحيل خاتم الأنبياء‘ لم يترك الناس ـ من ناحية الإمامة ـ وشأنهم، بل اختار اثني عشر شخصاً لهدايتهم بعد رحيل النبي الخاتم، وكان النبي الأكرم قد سبق له أن عرّف بهؤلاء الأئمة للناس؛ لكي يتبعوهم، وقد تولّى هؤلاء الأئمة مهامهم في هداية الناس إلى الكمال والقرب من الله، واحداً بعد آخر. وكان أولهم الإمام علي×، وآخرهم الإمام المهدي#، وهو الآن حيٌّ، ولكنه غائبٌ عن الأبصار، وسوف يظهر يوماً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً([1]).
يُعَدّ علم تفسير القرآن من أهمّ وأقدم العلوم الإسلامية، فهو من أهمِّها؛ لأنه يجعل الفرد عالماً بالمعاني والمقاصد الواردة في القرآن الكريم بوصفه كتاباً سماوياً لا يتطرّق إليه الشكّ، كما أنه من أقدمها؛ لأن هذا العلم قد ظهر في عصر الرسالة، وظل موجوداً في جميع العصور والأزمنة، وقد جاء بأشكال مختلفة تمّ التعبير عنها بـ «أساليب التفسير» أو «مناهج التفسير». ومن تلك الأساليب والمناهج التفسيرية: «منهج التفسير الروائي». والمراد من التفسير الروائي هو إيضاح وبيان معنى الآيات من خلال الاستعانة بالروايات. وقد بدأ هذا المنهج التفسيري منذ عصر الصحابة، وكان موضع اهتمام المفسِّرين على الدوام.
نسعى في هذا المقال إلى بيان منزلة التفسير الروائي وتطوُّراته عند الشيعة، وبيان مزاياه وآفاته. ومن هنا سوف نتابع مسائل هذه المقالة ضمن محور منزلة وتطوّر التفسير الروائي عند الشيعة، وامتياز التفسير الروائي الشيعي، مع بيان المزايا والعيوب.
2ـ منزلة وتطوّر التفسير الروائي عند الشيعة
لقد كان للشيعة إسهامٌ كبير في العلوم الإسلامية، ومنها: «تفسير القرآن الكريم». وكان لهم نشاطٌ واسع في هذا الاتجاه، وألَّفوا الكثير من الكتب في موضوع التفسير. ومن خلال قراءة التراث التفسيري لدى الشيعة يتَّضح أن التفسير الروائي رغم مكانته الرفيعة عندهم، والاهتمام المتواصل الذي كان يبديه الشيعة تجاه هذا النوع من التفسير، إلاّ أن المفسِّرين الشيعة لم تكن لديهم منهجيةٌ واحدة بالنسبة إليه. فهناك مَنْ رأى أن التفسير الروائي هو وحده التفسير الصحيح، واكتفى في التفسير بذكر الروايات المبيِّنة لمعنى الآيات فقط، ومن هنا يمكن تسمية هذا المنهج «التفسير الروائي البَحْت». وعلى ما يبدو فإن أحد المفسِّرين الشيعة الذين ذهبوا إلى هذا النهج، واكتفوا في التفسير الذي ألَّفوه بذكر الروايات المبيّنة للآيات، هو السيد هاشم البحراني، مؤلِّف كتاب «البرهان في تفسير القرآن»، حيث ذهب في مقدّمة تفسيره إلى انتقاد المنهج التفسيري الذي لم يُرْوَ عن أهل بيت العصمة الأطهار^، وصرّح بضرورة التوقُّف عنده حتّى يأتي تأويل القرآن من قبلهم؛ لأن عندهم علم التنزيل والتأويل، فلا يأتي منهم سوى النور والهداية، وما يأتي من غيرهم لا ينطوي على غير الظلام والجهالة. ثم أبدى تعجُّبه من علماء علم المعاني والبيان، حيث زعموا أن معرفة هذين العلمين تطلع على مكنون سرّ الله ـ جلَّ جلاله ـ من تأويل القرآن، في حين لا رَيْبَ في أن محلّ ذلك من كتاب الله ـ جلَّ جلاله ـ تحتاج معرفته إلى العلم به من أهل التنزيل والتأويل، وهم أهل البيت^. وقال في ذلك: «فلا ينبغي معرفة ذلك إلا منهم، ومَنْ تعاطى معرفته من غيرهم ركب متن عمياء، وخبط خبط عشواء»([2]). وفي بعض التفاسير الشيعية الأخرى، من قبيل: تفسير العياشي، وتفسير فرات الكوفي([3])، وتفسير نور الثقلين، تمَّ الاكتفاء بذكر الروايات على هامش تفسير الآيات أيضاً، ولكنْ لا يمكن القول بضرسٍ قاطع: إن الذين ألَّفوا هذه التفاسير كانوا يذهبون إلى الاعتقاد بأن المنهج الصحيح في التفسير هو منهج التفسير الروائي فقط؛ إذ ربما كانت غايتهم من تأليف هذه التفاسير جمع الروايات التفسيرية والاستفادة منها في تفسير الآيات، ولكنْ لا شَكَّ في أنهم كانوا يولون أهمية كبيرة لدور الروايات في تفسير القرآن، وكانوا يعتبرون التفسير الروائي واحداً من أفضل المناهج التفسيرية.
وهناك جماعةٌ من المفسِّرين الشيعة، رغم تصحيحها الاجتهاد في تفسير القرآن وتوظيف غير الروايات ـ من قبيل: آيات القرآن، واللغة، وأشعار العرب، وما إلى ذلك ـ في بيان معاني الآيات، واستعانوا في التفسير الذي كتبوه للقرآن بغير الروايات، إلاّ أنهم في بيان معنى الآيات وتوضيح مراد الله تعالى قد استفادوا من الروايات أكثر من أيّ شيءٍ آخر، حتّى كان المنهج السائد عندهم هو التفسير الروائي. ويمكن لنا أن نطلق على هذا المنهج التفسيري عنوان «التفسير الاجتهادي ـ الروائي، أو الروائي ـ الاجتهادي». ومن بين التفاسير التي عمد فيها مؤلِّفوها إلى تفسير القرآن بهذا الأسلوب هو «تفسير القمّي»؛ إذ على الرغم من أن الروايات تشكِّل الجزء الأكبر من محتواه، ولكنه يحتوي أيضاً على اجتهادات المؤلِّف، وعلى استنادٍ إلى آيات القرآن وأشعار العرب أيضاً([4]).
كما يُعَدّ المولى محسن الفيض الكاشاني من المفسِّرين الشيعة الذين ساروا في تفاسيرهم على طبق هذا المنهج، فكان كتابه «تفسير الصافي» على منهج التفسير (الاجتهادي ـ الروائي). إن الروايات تشكِّل المحتوى الأكبر من هذا التفسير، ولكنه مع ذلك لا يخلو من الاستناد إلى المصادر اللغوية وغيرها لبيان معنى الكلمات، والاستناد إلى آيات القرآن لرفع الإبهام عن الآيات مورد التفسير أيضاً، كما صرّح بنفسه في مقدّمة تفسيره قائلاً: «إنْ وجدنا شاهداً من محكمات القرآن أتينا به… وإلاّ فإنْ ظفرنا فيه بحديثٍ معتبر من أهل البيت^»([5]).
كما سار محمد المشهدي في (كنز الدقائق) على ذات هذا النهج، فإنه حيث يرى حاجةً يشير أوّلاً إلى المعاني اللغوية للكلمات باختصارٍ، مع بيان النكات الأدبية في العبارات، ثم ينتقل بعد ذلك إلى بيان المراد من الآيات من خلال الاستعانة بالروايات.
وهناك جماعةٌ من المفسِّرين الشيعة، مثل: الشيخ الطوسي، والشيخ الطبرسي، رغم تفسيرهم القرآن على طبق المنهج والأسلوب الاجتهادي الجامع نسبياً، بَيْدَ أن الروايات من بين مستنداتهم الرئيسة. ويمكن اعتبار منهج هؤلاء المفسرين بالنسبة إلى التفسير الروائي هو «التفسير الروائي الضمني»؛ لأن المؤلِّف في هذا النوع من التفسير يباشر التفسير الروائي ضمن المنهج الاجتهادي الجامع نسبياً.
وذهب بعض المفسِّرين الشيعة الآخرون، كالعلامة الطباطبائي في «تفسير الميزان»، ـ في مقابل أنصار التفسير الروائي البَحْت ـ إلى القول بعدم ارتهان تفسير القرآن للروايات، وأن بالإمكان تفسير القرآن دون الاستعانة بالروايات، ويرى أن دور الروايات في التفسير هو تسهيل فهم المعاني والمقاصد القرآنية، وتفصيل كلِّياته ومجملاته([6]). ومن هنا نجده يقلِّل من الاستناد إلى الروايات، ولكنه مع ذلك يبدي اهتماماً بالروايات التفسيرية، حيث يتحدّث عن بيانها وتحليل مفادها. ويمكن لنا أن نطلق على هذا المنهج عنوان «منهج تبيين وتحليل الروايات التفسيرية». وعليه يمكن القول: إن الكتب التفسيرية الشيعية قد تعاطت مع التفسير الروائي على أربعة أنحاء:
1ـ التفسير الروائي البَحْت.
2ـ التفسير الاجتهادي ـ الروائي.
3ـ التفسير الروائي الضمني.
4ـ تبيين وتحليل الروايات التفسيرية.
إن هذه الأساليب الأربعة، رغم امتيازها المشترك عن التفسير الروائي عند أهل السنة، يبدو أن كلَّ واحدٍ منها يعاني من بعض الآفات. وفي ما يلي نتعرَّض إلى بيان الامتياز المشترك بينها، مع بحث آفات كلّ واحدٍ من هذه الأساليب الأربعة بشكلٍ مستقلّ.
3ـ امتياز التفسير الروائي عند الشيعة
لقد كان منهج التفسير الروائي على الدوام شائعاً بين المفسِّرين من الشيعة وأهل السنة، حتى ندر جدّاً أن يكون هناك مفسِّر لم يستفِدْ من هذا المنهج التفسيري. بَيْدَ أن توظيف هذا المنهج يختلف من فرقة إلى أخرى من فرق المسلمين، بل قد نشهد اختلافاً حتّى بين المفسرين المنتمين إلى فرقة واحدة أيضاً. وإن من الاختلافات الجوهرية بين التفسير الروائي الشيعي والتفسير الروائي عند أهل السنة هو أنهم رغم اتفاقهم في الاستناد إلى الروايات المأثورة عن رسول الله‘، يختلفون من نواحٍ أخرى؛ حيث يذهب الشيعة إلى الإكثار من الاستناد إلى الروايات المروية عن أهل بيت النبيّ (الأئمة المعصومين^)؛ بينما يذهب المفسِّرون من أهل السنة إلى الإكثار من الاستناد إلى آراء الصحابة والتابعين، وقلَّما وجَّهوا اهتمامهم إلى روايات أهل بيت النبيّ، ومن هنا كان الكم الكبير من التفاسير الروائية لدى أهل السنة يتألف من الآراء التفسيرية للصحابة والتابعين، وقلَّما نجد فيها رواية عن أهل بيت النبيّ^، وأما محتوى التفاسير الروائية عند الشيعة فهو زاخرٌ بالروايات المأثورة عن رسول الله‘ وأهل بيته^، ولا نجد فيها غير القليل من آراء الصحابة والتابعين وأمثال ذلك.
لقد ثبت في الكتب الكلامية والعقائدية، وفي المدارس التفسيرية، أن أهل بيت النبيّ الأكرم‘ هم مفسِّرون محيطون بجميع المعاني الظاهرية والباطنية للقرآن، وأنهم معصومون من الخطأ، وأنهم أخذوا تفسير ما يحتاج إلى البيان والتفسير من معاني القرآن عن رسول الله‘ ([7]). ومن هنا فإنّ كل معنى يذكرونه للآيات هو بمنزلة بيان رسول الله‘، فهو حق ومطابق للواقع، وهو المعنى الذي أراده الله سبحانه وتعالى من الآيات. وأما الآراء التفسيرية للصحابة والتابعين فهي مثل سائر آراء المفسِّرين، يجوز عليها الخطأ([8]). وبذلك يتضح أن هذا الفارق المذكور يمثِّل جانباً من الامتيازات البارزة للتفسير الروائي الشيعي، ورجحانه على التفسير الروائي لدى أهل السنة؛ إذ طبقاً لذلك يكون الجزء الأعظم ممّا ورد في تفاسير أهل السنة بوصفه تفسيراً روائياً ما هو في الحقيقة إلاّ آراء بشرية لا تنسجم مع البيان التفسيري لرسول الله‘، فحتى إذا صحّ سندها، وأثبتنا بالقرائن صدورها عن الصحابة والتابعين، لا يحصل لنا الاطمئنان للتعامل معها بوصفها من الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، خلافاً لما هو موجودٌ في التفاسير الروائية الشيعية المأثورة عن أهل بيت النبيّ‘، فإنها إذا صحَّتْ سنداً، أو حصل اطمئنانٌ بصدورها، ستكون قابلةً للاعتماد، كما لو كانت صادرةً عن رسول الله‘.
4ـ مناقشة الآفات
بالالتفات إلى أن إحدى مسؤوليات ومهامّ النبي الأكرم‘ وأوصيائه^ تتمثل في تفسير القرآن الكريم، وأن الروايات التفسيرية المأثورة عنهم تُعَدّ واحدة من مصادر التفسير المعتبرة؛ بوصفها من أكثر الطرق اطمئناناً للحصول على جانب من معاني القرآن، لا يبقى هناك من شكٍّ في اعتبار التفسير الروائي أحد أفضل المناهج والأساليب التفسيرية، ولربما أمكن القول: إنه أحد المناهج الضرورية في التفسير؛ إذ لا يمكن فهم وتفسير بعض مراتب معاني القرآن إلا من خلال هذا المنهج. وعليه لا شَكَّ في ضرورة التفسير الروائي، أو حُسْنه في الحدّ الأدنى، ولكنْ هناك متَّسعٌ للتأمّل في أسلوب وكيفية الاستفادة منه. ومن هنا سوف نناقش الأنحاء والأساليب الأربعة في التفسير الروائي الشيعي؛ لتوضيح آفات كلٍّ منها، وتقديم الأسلوب الأفضل الذي لا يعاني من تلك الآفات.
أـ دراسة التفسير الروائي البَحْت
يقوم منهج التفسير الروائي البَحْت على رؤية أولئك الذين يعتقدون أن القرآن الكريم لا يمكن تفسيره إلاّ بالرواية. إن هذا الاتجاه كان له الكثير من الأنصار، من الشيعة وأهل السنّة([9])، وذكروا لذلك أدلةً من الآيات والروايات أيضاً([10])، أما الآن فلا يميل إلى هذا المنهج سوى النَّزْر القليل. وقد تمّ بيان أدلتهم، وثبت أنها لا تدلّ على هذه الرؤية([11]). ومن هنا يمكن القول: إن هذا المنهج لا يقوم على أساسٍ صحيح، وإن الذين كتبوا تفاسيرهم اعتماداً على منهج التفسير الروائي البَحْت، من أمثال: العيّاشي، وفرات الكوفي، وهاشم البحراني، وعبد علي بن جمعة الحويزي؛ إذ ألَّفوا على التوالي: تفسير العيّاشي، وتفسير فرات الكوفي، والبرهان في تفسير القرآن، ونور الثقلين، إذا كان مرادهم الاكتفاء في فهم وتفسير القرآن بما ورد في الروايات، وأنه لا يمكن فهم القرآن أو تفسيره من غير طريق الروايات، فإن قولهم ومنهجهم التفسيري لن يحظى بالقبول؛ وأما إذا كانت غايتهم مجرّد جمع الروايات التفسيرية، وإعداد مصدر روائي للتفسير ـ كما يُستفاد ذلك من كلام الحويزي في مقدّمة تفسير نور الثقلين([12]) ـ فيكون ما قاموا به نافعاً، ولا يَرِدُ عليه إشكالٌ تفسيري؛ إذ لم يكونوا بصدد التفسير، ولكنْ تبدو بعض العيوب من ناحية جمعهم للروايات التفسيرية. وفي ما يلي نشير إلى بعض هذه العيوب:
1ـ عدم الجامعية: إن عدم جامعية تفسير العياشي وتفسير فرات الكوفي أمرٌ واضح وبيِّن. وأما التفاسير الأخرى، من قبيل: البرهان، ونور الثقلين، فيعتبران من الجوامع التفسيرية، حيث كان مؤلِّفاهما بصدد تجميع الروايات التفسيرية، وقد أمكن لهما أن يجمعا الكثير من الروايات في كتابَيْهما، بَيْدَ أن جامعيتهما ليست بالشكل الذي يغني الباحث عن الرجوع إلى الكتب التفسيرية والروائية الأخرى.
فعلى سبيل المثال: نجد تفسير نور الثقلين قد نقل رواياتٍ عن سبعة عشر كتاباً تقريباً([13]) لم ينقل عنها رواية في تفسير البرهان، وهناك روايات في تفسير البرهان لا نجدها في تفسير نور الثقلين.
وفي ما يتعلق بسورة التوحيد جمع في كتاب نور الثقلين ما يقرب من 44 رواية في بيان فضائل وخصائص سورة التوحيد وتلاوتها، وما يقرب من 46 رواية في ما يتعلق بمعنى وتفسير هذه السورة، في حين أن مجموع الروايات الواردة في تفسير البرهان بشأن هذه السورة 43 رواية؛ 28 منها في فضائلها وخصائصها؛ و15 رواية منها في معناها وتفسيرها.
وفي ما يتعلق بسورة الحمد ذكر في نور الثقلين 114 رواية، وهناك في تفسير البرهان 84 رواية (43 رواية منها في ثواب وفضيلة فاتحة الكتاب وبسم الله الرحمن الرحيم؛ و12 رواية في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم؛ و40 رواية في تفسير آيات سورة الحمد).
بل هناك روايات ورد نقلها حتّى في تفسير فرات الكوفي، ومع ذلك لا نجدها في تفسير البرهان. فعلى سبيل المثال: هناك في تفسير فرات الكوفي، على هامش تفسير كلٍّ من الآيتين 25 و26 من سورة البقرة، رواية عن الإمام الباقر×، في حين لم تَرِدْ أيٌّ منهما في معرض تفسير هاتين الآيتين في تفسير البرهان.
وهكذا لا يحتوي تفسير نور الثقلين على جميع الروايات التفسيرية؛ فهناك في تفسير البرهان، وحتّى في تفسير فرات الكوفي، روايتان لا وجود لهما في تفسير نور الثقلين([14])، فقد نقل في تفسير البرهان عمّا يقرب من ثلاثين كتاباً، ولم ينقلٍ شيء من هذه الكتب في نور الثقلين.
2ـ الإسرائيليات والروايات المختلقة أو المشبوهة: من قبيل: الروايات التي تتحدَّث عن هبوط هاروت وماروت إلى الأرض، وابتلائهما بشرب الخمر والشرك وارتكاب الزنا، وتعذيبهما في الهواء، ومسخ المرأة التي ابتُلي بها هاروت وماروت إلى كوكب الزُّهْرة، والرواية المشتملة على نسبة حلّ السراويل إلى يوسف ـ على نبيِّنا وآله وعليه السلام ـ الواردة في تفسير العياشي([15])، ورواية سحر النبيّ الأكرم‘، والرواية القائلة: إن الأرض على ظهر حوت، والحوت على قرن بقرة، والبقرة على صخرة، والروايات المشعرة بحذف كلمة من بعض الآيات والتي تسلَّلت إلى تفسير فرات([16])، والروايات التي لا تتناسب مع عصمة الأنبياء والأوصياء ومكانتهم ومنزلتهم السامية، مما يدلّ على أنها ناشئة من القراءات الشاذّة ونسخ التلاوة ونوع من التحريف (إنقاص الآية أو تغيير حرف أو كلمة)، على ما نشاهد ذلك في كلٍّ من: تفسير البرهان([17])، ونور الثقلين([18]).
3ـ حذف السند وتقطيع المتن: إذ إن هذا من آفات هذه المجموعة من التفاسير. وبطبيعة الحال فإن هذه الآفة لا يعاني منها تفسير البرهان([19])، ولكنّها موجودة في جميع روايات تفسير العياشي، والجزء الأكبر من روايات تفسير فرات الكوفي، والكثير من روايات تفسير نور الثقلين؛ حيث نجد آفة الإرسال وحذف السند، الأمر الذي يقلِّل من اعتبارها.
كما أن بعض روايات تفسير نور الثقلين يشتمل على آفة تقطيع المتن أيضاً، الأمر الذي قد يضطر المحقِّق معه ـ عند احتمال تأثير السياق المقطوع ـ إلى الرجوع إلى المصدر الرئيس الذي أُخذت منه الرواية.
4ـ عدم تبويب الروايات: وامتزاج روايات الظاهر والباطن، والتفسير والتأويل، والمفهوم والمصداق، والقراءة وثواب القراءة والتلاوة، وما إلى ذلك، هي من الآفات الأخرى التي تعاني منها هذه التفاسير.
ب ـ مناقشة التفسير الاجتهادي الروائي
إن هذا المنهج التفسيري يمتاز عن التفسير الروائي البَحْت من حيث جواز الاجتهاد فيه، وإمكان التدبُّر في سياق الآيات لفهم مفادها، مع إمكانية الاستعانة بالآيات الأخرى، والاستشهاد بكتب اللغة، وأشعار العرب، والقواعد الأدبية، والأحداث التاريخية، وما إلى ذلك. ولكنه في الوقت نفسه يعاني الآفات من ناحيتين:
1ـ من حيث إنه لا يتمّ الاهتمام في هذا المنهج بالمستندات غير الروائية كثيراً، ولا يُستفاد منها في حدود الإمكان. فعلى سبيل المثال: في تفسير قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (الفاتحة: 6) نجد أن أوضح شيءٍ لتفسير معنى «الصراط المستقيم» وأكثره إتقاناً هو الاستناد إلى الآيات، من قبيل: قوله تعالى: ﴿وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ (يس: 61)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ (آل عمران: 51). بَيْدَ أن الفيض الكاشاني، رغم ما قاله في مقدّمة تفسيره من أنه في الموارد التي يحتاج التفسير فيها إلى السماع من المعصوم إذا كان هناك شاهدٌ من محكمات القرآن يدلّ عليها فإنه سيذكره([20])، لم يستند إلى هاتين الآيتين في تفسير «الصراط المستقيم»، وإنما اكتفى بالاستناد إلى الروايات([21]).
كما لم يتم الاستناد في تفسير القمي إلى هاتين الآيتين أيضاً([22]).
2ـ يتمّ الاستناد في هذه التفاسير إلى الروايات دون دراسة السند أو الدلالة أو عدم وجود المعارض وسائر المباحث الضرورية الأخرى.
توضيح هذه الآفة أننا في مورد كل آية يجب أولاً أن ندرسها؛ لنرى ما إذا كان سندها معتبراً أم لا، وهل يمكن الاعتماد عليها أم لا؟ وإذا لم يكن سندها معتبراً فهل هناك قرائن توجب الاطمئنان بصدورها أم لا؟ وذلك لعدم إمكان الاعتماد على روايةٍ ليس لها سند معتبر، ولا هي محفوفة بالقرائن القطعية، وبحسب المصطلح لا تحتوي على وثوقٍ مخبري، ولا على وثوقٍ خبري، هذا أوّلاً.
وثانياً: يجب بحث دلالتها من خلال الالتفات إلى القرائن المتّصلة والمنفصلة؛ لكي تتضح حدود دلالتها.
وثالثاً: يجب دراستها من حيث عدم معارضتها أو مخالفتها للقرآن، والبرهان العقلي، والضروري من الدين، وعدم معارضتها مع روايةٍ معتبرة أخرى؛ لأن الرواية التي لها ما يعارضها، أو التي تخالف أحد الأمور المتقدِّمة بحيث لا يمكن الجمع بينها بالجمع العرفي، لا تكون معتبرةً، ولا يمكن الاعتماد عليها بالتفسير.
فعلى سبيل المثال: إن الرواية التي تقول: إن الإمام الصادق× كان يقرأ قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ (الحمد: 7) بصيغة: «صراط مَنْ أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم»، هذه الرواية حتّى إذا كان سندها صحيحاً لا يمكن الالتزام بظاهرها لتجويز هذه القراءة؛ لأن مضمون هذه الرواية موضع اعتراض جميع المسلمين ـ الأعمّ من الشيعة والسنّة ـ، ولا يمكن لمثل هذه الرواية أن تكون مشمولةً لأدلة الاعتبار (من السيرة العقلائية وغيرها)، أو في الحدّ الأدنى هناك شكٌّ في شمول أدلة الاعتبار لها.
وهكذا نجده يذكر قصة زوجة (أوريا) في ما يتعلَّق بالنبيّ داوود×، فهي حتى لو صحّت سنداً لا يمكن الاعتماد عليها؛ إذ إن مضمونها يتنافى مع الأدلة العقلية والنقلية القائمة على عصمة الأنبياء، ويضاف إلى ذلك أن هناك رواياتٍ أخرى تكذِّب مضمونها بشدّةٍ، ومع ذلك نجد هاتين الروايتين مذكورتين في تفسير القمّي([23]).
وهكذا ذكر الفيض الكاشاني على هامش قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ…﴾ (يونس: 91) روايةً عن جبرائيل يقول فيها: «لما غرق فرعون قال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾ (يونس: 90)؛ فأخذتُ حمأةً فوضعتُها في فيه، ثم قلتُ له: ﴿أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ…﴾، وعملت ذلك من غير أمر الله عزَّ وجلَّ»([24]). وهذه الرواية تتنافى مع الآية القائلة: ﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ (الأنبياء: 27)، كما أنها لا تنسجم مع ظاهر قوله تعالى: ﴿أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ…﴾؛ لأن ظاهر هذه الآية أن هذا الجواب قد قاله اللهُ لفرعون، بينما هذه الرواية تنسب هذا الكلام إلى جبرئيل، وأنه قال هذا دون أن يأمره الله بذلك، في حين أن الفيض الكاشاني ترك هذا الكلام دون مناقشةٍ أو تعليق.
كما أن الفيض الكاشاني في الموارد التي لا يعثر على روايةٍ من المصادر الشيعية يعمد إلى الاستناد إلى روايات أهل السنّة([25]). وهذه آفةٌ آخرى يعاني منها منهجه التفسيري؛ لأن الرواية التي ينقلها أهل السنّة عن الأئمة أو النبي تفتقر إلى السند المعتبر، والرواية التي تفتقر إلى السند المعتبر لا يمكن الاعتماد عليها حتّى إذا كانت مرويّةً في مصادر الشيعة.
ج ـ مناقشة التفسير الروائي الضمني
تقدَّم أنّ هناك مفسِّرين شيعةً عمدوا ضمن تفسيرهم الاجتهادي الجامع نسبياً إلى التفسير الروائي أيضاً، بمعنى أنهم قد استعانوا بالروايات لبيان وتوضيح معنى الآيات أيضاً. ومرادنا من التفسير الروائي الضمني منهج هذه المجموعة من المفسِّرين في توظيف الروايات التفسيرية والاستفادة منها. إن هذا المنهج؛ حيث يقوم ـ ضمن الاجتهاد الجامع في تفسير الآيات ـ بالتفسير الروائي وتوظيف الروايات، يكون قد تخلَّص من الآفة التي يعاني منها المنهج السابق (التفسير الروائي ـ الاجتهادي)؛ إذ يتم الاهتمام بالمستندات غير الروائية أيضاً. كما أن الآفة الثانية في هذا المنهج أخفّ وطأةً، بل لا وجود لها في بعض الموارد. فعلى سبيل المثال: تم ردّ خبر حلّ السراويل بشأن النبي يوسف× في كلٍّ من: تفسير التبيان، للشيخ الطوسي؛ وتفسير أبي الفتوح الرازي؛ ومجمع البيان، للطبرسي، بضرسٍ قاطع. وقد علَّق عليه الشيخ الطوسي بقوله: «ما قاله الجهّال»، موضِّحاً مخالفته له؛ استناداً إلى الخصائص والأوصاف المذكورة في القرآن لشخصيّة النبي يوسف×([26]). وأما أبو الفتوح الرازي فقد ذكر هذا الحديث بقوله: «أما أصحاب الحديث والحشوية قالوا…»، واعتبره منافياً للأدلة العقلية والنقلية الدالة على عصمة الأنبياء([27]). وقد استعمل الشيخ الطبرسي عبارة «ما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء» في مورد هذا الخبر، وتحدَّث في مخالفته له من خلال تنزيه الله سبحانه للنبيّ يوسف×([28]).
كما ذكر الطبرسي قصة النبي داوود× وزوجة أوريا، وعلَّق عليها بقوله: «لا شبهة في فسادها»([29]). وعرَّفه الشيخ الطوسي بأنه خبرٌ باطل ومختلق([30]).
ولكن على الرغم من ذلك يبدو أن هذا المنهج من التفسير الروائي وتوظيف الروايات في تفسير الآيات لا يخلو من النقص أيضاً. حيث تُذْكَر الروايات ـ في أغلب الموارد ـ من دون ذكر السند، وحتّى من دون الإشارة إلى المصدر، كما لا يتمّ الفصل بين الروايات الشيعية والروايات الواردة من طريق أهل السنّة، وروايات أهل البيت^ وآراء الصحابة والتابعين، ولا يُشار إلى وضعية سند الروايات ومدى اعتبارها. كما لا يتم البحث في دلالة الروايات، أو الجمع والتوفيق بينها، ولم تتمّ الاستفادة من الروايات في حدود الإمكان، وإن التفاسير التي تمّ تأليفها بهذا المنهج والأسلوب تفتقر إلى الجامعية الروائية.
د ـ مناقشة بيان وتحليل الروايات التفسيرية بمعزل عن التفسير
يُعَدّ العلاّمة محمد حسين الطباطبائي أحد المفسِّرين الشيعة البارزين في القرن الرابع عشر الهجري. وقد عالج تفسير القرآن بأسلوبٍ ومنهج جديد، أبدع من خلاله كتاب «الميزان في تفسير القرآن». وقد بحث في تفسيره هذا الروايات التفسيرية بأسلوبٍ خاصّ. وإن العنوان المتقدِّم يشير إلى أسلوبه التفسيري في مورد الروايات. فحيث لا يرى تفسير القرآن متوقِّفاً على الروايات، ويذهب إلى إمكان تفسير وفهم معاني القرآن الكريم ومقاصده دون الاستمداد من الروايات([31])، لا يستند في تفسير وبيان معاني الآيات إلى الروايات، إلاّ في القليل من الموارد. ولكنه بعد الفراغ من تفسير آيةٍ أو مجموعة من الآيات بالمقدار الكافي يسوق، تحت عنوان «بحثٌ روائي»، جانباً من الروايات التفسيرية من مصادر الشيعة وأهل السنّة، ويعمل على تحليلها ومناقشتها. وغالباً ما يحذف سند الروايات([32])، ويعمد أحياناً إلى تقطيع متن الروايات أيضاً. وإذا كان هناك غموضٌ في معنى الرواية بادر إلى إيضاحه، ويشير إلى التعارض الظاهري لبعض الروايات، ويبحث في رفع هذا التعارض([33]). وفي بعض الموارد يعمد إلى بيان معنى الروايات من خلال الاستعانة بالآيات([34]). وفي بعض الموارد يعمل على مناقشة ونقد المعنى الذي يذكره الآخرون للرواية([35]).
كما ذكر جانباً من الروايات الواردة في تأويل وتطبيق الآيات على الأئمة المعصومين^ أو أعدائهم، وفي بعض الموارد اعتبرها من قبيل: «الجَرْي» و«التطبيق» (تطبيق الآية على المصداق)([36])، وفي بعض الموارد الأخرى اعتبرها من المعاني الباطنية للآيات. وقال في المورد الأول الذي ذكر فيه روايات الجَرْي: «روايات الجَرْي كثيرة في الأبواب المختلفة، و ربما تبلغ المئين، ونحن بعد هذا التنبيه العامّ نترك إيراد أكثرها في الأبحاث الروائية؛ لخروجها عن الغرض في الكتاب، إلاّ ما تعلَّق بها غرض في البحث، فليتذكَّرْ»([37]).
ولم يعتبر «الجَرْي» و«البطن» من مختصات هذه الطائفة من الروايات. وفي ما يتعلَّق ببعض الروايات الأخرى التي لم تَرِدْ في تأويل الآيات بالأئمة^ أو أعدائهم اعتبرها في بعض الموارد من قبيل: «الجَرْي»، وفي بعض الموارد اعتبرها من المعاني الباطنية للآيات.
فعلى سبيل المثال: في مورد الرواية التي فسَّرَتْ «الصبر» في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ (البقرة: 45) بالصيام اعتبر العلامة الطباطبائي هذا التفسير من قبيل «الجَرْي»([38]). وفي مورد الرواية التي فسَّرَتْ «المعاد» في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد﴾ (القصص: 85) بـ «الرجعة» قال: «ولعله من البطن، دون التفسير»([39]).
وفي معرض البحث عن صحّة الروايات وسقمها قد يُشير أحياناً إلى صحّة أو ضعف السند([40])، إلا أنه في الغالب يُعْنى بمفاهيم الروايات ومضامينها، ومطابقتها أو عدم مطابقتها لظاهر الآيات أو سياقاتها. وبعد نقل الروايات يذهب أحياناً إلى جعلها مؤيّدةً لبيانه وتفسيره. ويقول أحياناً: إن هذه الروايات تتطابق مع ما ذكرناه أو استفدناه في بيان وتفسير كلام الله([41]). وفي الكثير من الموارد يشير إلى أن ما ذكره من الروايات لا ينسجم مع ظاهر أو سياق الآيات، ولا يمكن القبول بها([42]). وحيث إنه لا يقول بحجّية خبر الواحد الصحيح سنداً في غير الأحكام فإنه يعمد إلى تقييم الرواية غير المتواترة والرواية غير المحفوفة بالقرائن القطعية على صدورها ـ حتّى مع صحّتها سنداً ـ بمعيار الموافقة والمخالفة لظاهر وسياق الآيات والأصول العامة المستخرجة من القرآن الكريم، ويعتبر الرواية التي تخالف ظاهر أو سياق الآيات مردودةً ومرفوضة، ولا يرتضي الرواية إلاّ إذا كانت منسجمةً مع مفاد الآيات، ومؤيّدة ومؤكّدة لها([43]). ومن هنا فإنه في البحث الروائي لتفسير الآيات 1 ـ 6 من سورة المجادلة نقل روايةً صحيحة السند في بيان سبب نزول تلك الآيات عن تفسير القمّي، وقال فيها: «لا بأس بها من حيث السند أيضاً، غير أنها لا تلائم ظاهر ما في الآية»([44]).
وفي ما يتعلق بالروايات الواردة في تفاسير أهل السنة وبعض كتب الشيعة بشأن هاروت وماروت ونسبة المعصية إلى هذين المَلَكين، بعد بيان أن السيوطي ذكر ما ينيف على 20 حديثاً بهذا المضمون في (الدرّ المنثور) ـ وقد صرَّح جماعةٌ (من علماء أهل السنة) بصحة طرق بعضها، وفي منتهى إسنادها عدّةٌ من الصحابة ـ، قال: «وهذه قصّةٌ خرافية تنسب إلى الملائكة المكرَّمين ـ الذين نصّ القرآن على نزاهة ساحتهم، وطهارة وجودهم عن الشرك والمعصية ـ أغلظ الشرك، وأقبح المعصية»، ليستطرد بعد ذلك قائلاً في الختام: «تلك القصة الخرافية التي تشبه خرافات اليونان في الكواكب والنجوم»؛ لأنها لا تنسجم مع الصفات التي يثبتها القرآن للملائكة([45]).
وأحياناً يعمل على تأييد الروايات من خلال نقل نصوص من التوراة والإنجيل([46])، وتارةً يحكم باختلاق روايةٍ من خلال تطبيق محتواها على ما جاء في التوراة. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: إنه ذهب إلى عدم اعتبار الرواية التي تقول: إن الشيطان أغوى النبيّ آدم وزوجته حواء بمساعدةٍ من الحيّة والطاووس، وقال في ذلك: «وفي بعض الأخبار ذكر الحية والطاووس عونين لإبليس في إغوائه إيّاهما. لكنها غير معتبرة، أضربنا عن ذكرها، وكأنها من الأخبار الدخيلة، والقصّة مأخوذةٌ من التوراة»، ثم ساق ذات القصة من التوراة شاهداً على ذلك([47]).
وبعد ذلك قسَّم الروايات من ناحية الطرح والقبول إلى ثلاثة أقسام:
الأوّل: الروايات التي يجب القبول بها. وهي الروايات التي نقطع بصدورها عن النبيّ الأكرم‘ والأئمة الأطهار^.
الثاني: الروايات التي يجب طرحها. وهي الروايات التي نقطع بمخالفتها للكتاب والسنّة القطعية.
الثالث: الروايات التي لا يجب القبول بها، ولا رفضها. وهي الروايات التي لا يوجد دليلٌ عقلي على امتناعها وبطلانها، وفي الوقت نفسه لا يوجد في الكتاب والسنة القطعية ما يدلّ على امتناعها. وأشكل على أولئك الذين رفضوا هذه الروايات؛ لعدم صحّة سندها، وقال: إن عدم صحّة السند لا توجب ترك الروايات التي لا تخالف العقل ولا يصحّحها العقل في الوقت نفسه([48]). وفي بعض الموارد يستنبط من الروايات قاعدة وأصلاً للتفسير، ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: إنه في البحث الروائي الخاصّ بتفسير الآيات 108 ـ 115 من سورة البقرة، بعد ذكر روايتين (الرواية الأولى تقول: «الرجل يصلي في يوم غيم في فلاةٍ من الأرض، ولا يعرف القبلة، فيصلي حتّى فرغ من صلاته بدَتْ له الشمس، فإذا هو صلّى لغير القبلة، يعتدّ بصلاته أم يعيدها؟ فكتب×: يعيد ما لم يفُتْ الوقت، أَوَلم يعلم أن الله يقول، وقوله الحق: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ (البقرة: 115)»؟!؛ والأخرى تقول: «أنزل الله هذه الآية في التطوّع خاصّة»)، قال العلامة الطباطبائي بعد ذلك: «واعلم أنك إذا تصفحت أخبار أئمة أهل البيت^ حق التصفح، في موارد العام والخاص والمطلق والمقيِّد من القرآن، وجدتها كثيراً ما تستفيد من العام حكماً، و من الخاص أعني العامّ مع المخصِّص حكماً آخر. فمن العام مثلاً الاستحباب، كما هو الغالب، ومن الخاصّ الوجوب، وكذلك الحال في الكراهة والحرمة، وعلى هذا القياس. وهذا أحد أصول مفاتيح التفسير في الأخبار المنقولة عنهم، وعليه مدار جمٍّ غفير من أحاديثهم.
ومن هنا يمكنك أن تستخرج منها في المعارف القرآنية قاعدتين:
إحداهما: إن كل جملة وحدها، وهي مع كلّ قيد من قيودها، تحكي عن حقيقةٍ ثابتة من الحقائق أو حكم ثابت من الأحكام، كقوله تعالى: ﴿قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ (الأنعام: 91)، ففيه معانٍ أربعة: الأوّل: «قل الله»، والثاني: «قل الله ثم ذرهم»، والثالث: «قل الله ثم ذرهم في خوضهم»، والرابع: «قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون». واعتبر نظير ذلك في كلّ ما يمكن.
والثانية: إن القصتين أو المعنيين إذا اشتركا في جملةٍ أو نحوها فهما راجعان إلى مرجعٍ واحد. وهذان سرّان تحتهما أسرار»([49]).
المناقشة
إن الاستعانة بالروايات في فهم معاني الآيات، والقول بالحاجة إلى الروايات، وأن هناك مسائل لا يمكن الوصول إليها إلاّ من طريق الروايات، واعتبار السنّة قرينة للكتاب في الحجية، واعتبار حجية كلام النبي الأكرم‘ والأئمة الأطهار^ في تفسير جميع الآيات، وعدم اعتبار حجية آراء الصحابة والتابعين وسائر العلماء، والقول بعدم صوابية القبول المطلق بالروايات أو تركها بالمطلق، من جملة نقاط قوّة رأي العلامة الطباطبائي بشأن الروايات التفسيرية. وقد استدلّ على ذلك في موارد من هذا التفسير([50]).
كما يمكن عدُّ اهتمامه بالروايات التفسيرية، ومناقشة صحّتها وسقمها بمعيار مطابقتها أو عدم مطابقتها مع مضمون الآيات، وتوضيح معنى الروايات، والكلام في رفع التعارض الظاهري الواقع بينها، وتحديد روايات التأويل، والجَرْي والتطبيق، ومقارنة الروايات مع ما جاء في التوراة والإنجيل، والاستنتاج من ذلك، وعدم خلط التفسير ببعض الأبحاث الروائية البحتة، من بين نقاط قوّة المنهج التفسيري للعلاّمة الطباطبائي.
ولكنْ مع ذلك يبدو أن هناك في منهجه التفسيري ـ في ما يتعلق بالروايات ـ بعض الأمور التي تدعو إلى التأمُّل. وفي ما يلي نذكر بعضها بالتفصيل؛ لأهمِّيتها، ونكتفي بالإشارة إلى بعضها الآخر:
أـ رغم أن عدم خلط التفسير بالأبحاث الروائية البحتة وغير ذات الصلة بالتفسير يُعَدّ من نقاط قوة المنهج التفسيري، إلاّ أن المبالغة في عدم الاستناد إلى الروايات حتى في تفسير الآيات التي يتوقَّف عليها بيان معناها، وتلك التي يتوقَّف كشف مراد الله تعالى منها على بيان النبي الأكرم‘ والأئمة الأطهار^، يُعَدّ نقصاً في ذلك المنهج التفسيري؛ إذ سبق أن أثبتنا في «منهج تفسير القرآن» ـ من الطرق الثلاث: (قواعد التحاور العقلية، والدليل القرآني، والدليل الروائي) ـ أن الروايات الواردة من طرق موثوقة عن النبي الأكرم‘ وأوصيائه الأطهار^ في بيان الآيات الشريفة تُعَدّ من القرائن المنفصلة على الآيات، وطبقاً لقاعدة ضرورة الاهتمام بالقرائن في تفسير الآيات يجب الرجوع إلى تلك الروايات أيضاً. وإنّ كل ما يُفهم من ظاهر الآيات قبل الفحص والاستقصاء في القرائن المنفصلة للآيات، ومن بينها ما في الروايات، يعتبر من المراد الاستعمالي للآيات، ولا يمكن اعتباره مراداً جدّياً لها، كما لا يمكن اعتبارها مراداً واقعياً لله تعالى؛ إذ قد تشتمل الروايات على مخصِّص أو مبيِّن أو مقيِّد أو قرينة على الآيات، وبذلك يتغيَّر ظهور ومعنى الآيات([51]).
وبطبيعة الحال فإن أغلب المعاني التي يبيّنها العلامة من خلال الاستعانة بالآيات الأخرى تتطابق وتنسجم مع الروايات ذات الصلة بتلك الآيات. ولا يبعد أن يكون العلاّمة قد استلهم تلك الروايات في فهم معنى الآيات، بمعنى أن الروايات ساقته أوّلاً إلى معنى الآيات، ثم توصَّل إلى ذلك المعنى من خلال التدبُّر في سياق الآية والاستعانة بالآيات. وربما لو لم تكن هناك روايةٌ في البين لما استطاع أن ينصرف ذهنه إلى ذلك المعنى، ولكنْ عندما تكون الرواية قرينةً على الآيات ومبيِّنة لمعنى الآيات ومراد الله تعالى لا يكون هناك مبرِّرٌ لعدم الاستناد إلى الرواية، أو أن تكون الآيات وحدها غير ظاهرة في المعنى ومع ذلك يتمّ تكلُّف حملها على ذلك المعنى، بل ربما يؤدّي ذلك أحياناً إلى الابتعاد عن المعنى الواقعي للآية. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ (النساء: 43)، حيث تشتمل لوحدها على ظهور في أن الجنب لا تجوز له الصلاة قبل الاغتسال، إلاّ إذا أراد الصلاة في السفر. ولكنْ بالالتفات إلى رواية واردة في تفسير هذه الآية([52]) يتَّضح أن ذيل الآية يتعلق بالمسجد وموضع الصلاة، والمراد هو حرمة دخول المساجد على جنابةٍ، إلاّ اجتيازاً. وقد فسّر العلامة الطباطبائي& «الصلاة» في صدر هذه الآية بالمسجد، دون أن يستند إلى الرواية، مستدلاًّ لذلك بقوله تعالى: ﴿وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾، واعتبر النهي في قوله تعالى: ﴿لاَ تَقْرَبُوا﴾ متعلِّقاً بالمسجد، سواء في حالة السكر أو في حالة الجنابة([53]). ولكنْ يبدو أن الرواية لو لم تخصِّص عبارة: ﴿وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ بالمسجد لما فُهم منها أن المراد من «الصلاة» هو المسجد؛ لأن استثناء حال العبور من الطريق لا تتنافى مع النهي عن الاقتراب من الصلاة في حال الجنابة. لولا الرواية لدلّ ذيل الآية على عدم الاقتراب من الصلاة في حال الجنابة أيضاً، إلاّ في حالة الاجتياز أو السفر. وحيث كان المستند في رفع اليد عن ظهور الآية ما ورد في الرواية من القرينة المنفصلة صحّ تفسير الصلاة بموضعها. وبعبارةٍ أخرى: لو لم تكن الرواية قرينةً صارفة عن التمسّك بالظهور، ولا دلالة في الرواية إلاّ على المعطوف، الذي هو قول الله تعالى: ﴿وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾، حيث قالت الرواية: إن المراد من «الصلاة» هو المسجد، لما أمكن تفسيرها بذلك. وأما في ما يتعلَّق بالمعطوف عليه، وهو قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾، فلا تشتمل الرواية على مثل هذه الدلالة، وعليه لا يمكن تفسير «الصلاة» في الجملة الأولى بالمسجد أيضاً، وتفسير النهي عن الاقتراب من الصلاة في حالة السكر بأنه نهيٌ عن الاقتراب من المسجد في حالة السكر أيضاً؛ لأن هذا يمثِّل رفعاً لليد عن المعنى الحقيقي وظهور الكلام دون دليلٍ، وخاصّة أن قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ يتناسب مع ذات الصلاة بشكلٍ أكبر. وبالالتفات إلى أن عطف الفعل المتعلق بالمعطوف عليه يجعله بمنزلة التكرار في المعطوف لا يكون هناك مانعٌ من أن يكون المراد من «الصلاة» في حالة السكر هي الصلاة المعهودة، وأن يكون المراد منها في حالة الجنابة هو المسجد. كما نجد هذه الظاهرة في الضمائر أحياناً، حيث يُراد من المرجع شيءٌ ومن الضمير شيءٌ آخر، ويطلق على ذلك مصطلح «الاستخدام»([54]). وعليه فإن تفسير العلامة في مورد هذه الآية، من دون الاستفادة من الرواية، يعتبر من حيث المنهج حملاً للفظ على المعنى المجازي، دون دليلٍ وقرينة صارفة، ومن حيث المعنى والمحتوى وإنْ كان يتطابق مع الروايات بالنسبة إلى الجملة الثانية من الآية: ﴿وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾، إلاّ أنها لا تنسجم ولا تتطابق مع الروايات بالنسبة إلى الجملة الأولى من قوله تعالى: ﴿لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾؛ إذ لا توجد هناك روايةٌ تدلّ على أن «الصلاة» في هذه الجملة تعني المسجد، بل هناك ظهورٌ في بعض الروايات على أن «الصلاة» في هذه الجملة تعني الصلاة المعهودة([55]).
كما أن المعنى الذي يذكره العلاّمة الطباطبائي([56]) في تفسير قوله تعالى: ﴿…وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي ِلأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي…﴾ (ص: 35) لا يتطابق مع المعنى المذكور في رواية عليّ بن يقطين لبيان عبارة: ﴿مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي…﴾([57]).
وفي بعض الموارد أدّى هذا المنهج إلى تجاوز تفسير الآيات، وتركها مجملةً. ومن ذلك، على سبيل المثال: ما نراه في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ…﴾ (النمل: 82)، حيث يتجاوز العلامة الطباطبائي تفسير هذه الآية، متذرِّعاً بعدم اشتمال الآيات على شيءٍ من شأنه أن يُفسِّر هذه الآية؛ إذ يقول: «لا نجد في كلامه تعالى ما يصلح لتفسير هذه الآية، وأن هذه الدابّة التي سيخرجها لهم من الأرض، فتكلِّمهم، ما هي؟ وما صفتها؟ وكيف تخرج؟ وما تتكلَّم به؟»([58]). ثم ذكر في البحث الروائي بعض الروايات في هذا الشأن.
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى﴾ (البقرة: 238) يتجاوز كذلك المعنى المراد من «الصلاة الوسطى»، مكتفياً بالقول: إن السنّة هي التي تتكفَّل بتفسيرها([59]). ولكنّه ـ بطبيعة الحال ـ تناولها في البحث الروائي([60]).
ب ـ إن الملاك الرئيس الذي يعتمده العلاّمة الطباطبائي في البحث عن صحة وسقم الروايات هو مطابقتها أو عدم مطابقتها مع نصّ وظاهر وسياق الآيات الكريمة. فإذا حدّد مطابقة رواية لنصّ أو ظاهر أو سياق آية اعتبر تلك الرواية معتبرةً، وقابلة للاعتماد، حتى إذا لم يكن سندها صحيحاً، وأما إذا كانت الرواية مخالفةً للنص القرآني كانت مردودة من وجهة نظره، حتّى إذا كانت صحيحة السند([61]).
لا شَكَّ في أن مخالفة الرواية لنصّ الكتاب يمثِّل دليلاً على عدم صحّة تلك الرواية.
كما يمكن لمخالفة الرواية لظاهر الكتاب ـ بحيث لا يمكن الجمع بينهما حتّى بالجمع العُرْفي ـ أن يكون شاهداً على بطلان واختلاق الرواية.
وأما إذا كانت مخالفة الرواية للكتاب بحيث يمكن الجمع بينهما من قبل العُرْف ـ كما لو كانت الآية عامة والرواية خاصة، أو تكون الآية مطلقة والرواية مقيّدة، أو أن تكون الآية ظاهرة وتكون الرواية أظهر في المعنى، بحيث يمكن للرواية في مثل هذه الحالات أن تشكِّل قرينةً صارفة لظهور الآية ـ فإنّ مثل هذه المخالفة لا تصلح دليلاً على عدم صحة الرواية.
وهكذا إذا كان عدم تطابق الرواية مع الآية بأن تبيّن الرواية أمراً لا يُفهم من ظاهر الآية لا يكون ذلك دليلاً على عدم صحة تلك الرواية واختلاقها؛ إذ يمكن أن تبيّن الرواية في مثل هذه الحالة أمراً صحيحاً لا يكون للآية ظهورٌ فيه، وتكون ساكتةً عنه، أو أن تدلّ عليه بالدلالة الباطنية، وتعدّ الرواية من بطون تلك الآية. ومن ذلك، على سبيل المثال: الرواية التي ينقلها العياشي والكليني والصدوق عن أبي الربيع الشامي قال: سألتُ الإمام الصادق× عن قول الله: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (الأنعام: 59)، قال: الورقة السقط، والحبة الولد، وظلمات الأرض الأرحام، والرطب ما يحيا، واليابس ما يغيض، وكلُّ ذلك في كتابٍ مبين. ثم عقّب العلامة الطباطبائي على ذلك قائلاً: «الرواية لا تنطبق على ظاهر الآية»([62]). بَيْدَ أن عدم التطابق هذا لا يشكِّل دليلاً على عدم صحّة الرواية؛ إذ على الرغم من عدم فهم العُرْف هذا المعنى من ظاهر الآية، إلا أن هذا المعنى لا يتنافى مع ظاهر الآية، فقد يكون هذا المعنى المذكور آنفاً من المعاني الباطنية للآية، ومن باب التوسعة في مفهوم الآية. وعليه إذا كان سند الرواية صحيحاً أمكن الاستناد إليها، واعتبار المعنى المذكور مراداً للآية أيضاً.
وهكذا لا يمكن جعل مخالفة السياق دليلاً على اختلاق الرواية؛ إذ قد يُراد من الآية؛ بقرينة السياق، معنىً، ويكون ذلك المعنى ظاهرَ الآية؛ لأنها تدلّ عليه دلالة واضحة، ويكون المراد منها ـ بغضّ النظر عن السياق ـ معنىً آخر، ويكون ذلك المعنى هو المعنى الباطني للآية؛ إذ طبقاً للقواعد العقلائية في التحاور لا يمكن الوصول إلى إرادة هذا المعنى، وإن الطريق إلى معرفته منحصرٌ ببيان النبي الأكرم‘ أو أهل بيته الأطهار^. ثم إن العلاّمة نفسه، من خلال استفادته من بعض الروايات، قد أقرّ بأن بعض الآيات قد تدلّ في عبارةٍ منفردة منها على معنىً، وتدلّ بقيدٍ من قيودها على معنىً آخر([63]). ومن حيث التطابق إذا كان في الرواية بيانٌ لذات الأمر الذي تكون الآية ظاهرةً فيه يكون ذلك الأمر حقّاً، ويجوز الاعتماد عليه، ولكنْ في مثل هذه الحالة لا تكون هناك حاجةٌ إلى الرواية؛ إذ تكفي الآية وحدها لفهم ذلك الأمر. وأما إذا اشتملت الرواية على أمرٍ زائد على ما تدلّ عليه الآية بوضوح فلا يمكن القبول بذلك الأمر إلاّ إذا كانت الرواية صحيحة السند، فإذا لم تكن صحيحة السند فلا يمكن القول بتلك الزيادة تحت عنوان أن الرواية متطابقة مع ظاهر الرواية في جزءٍ من المعنى؛ إذ إن التطابق مع الآية في جزءٍ من المعنى لا يشكِّل دليلاً على صدور الرواية؛ إذ من المحتمل أن يقوم شخصٌ باختلاق الرواية بشكلٍ يزيد فيها على المعنى الذي تدلّ عليه الآية. وعليه إذا كان المراد من تطابق الرواية مع الآية تمام التطابق كانت الآية وحدها تغني عن الرواية، ولن يكون للرواية من أثرٍ؛ وإذا كان المراد من التطابق تناغم الرواية مع الآية بشكلٍ أعمّ من تطابقها معها في جزءٍ من المعنى فعندها يكون الاعتماد على المعنى الخاصّ بالرواية رهناً بصحة سندها، أو الاطمئنان بصدورها.
ومن هنا يتضح أنه لا يمكن تحديد صحّة وسقم جميع الروايات بملاك الموافقة للآيات ومخالفتها. والذي يمكن التوصُّل إليه بهذا الملاك هو وضع واختلاق الروايات التي تتنافى من الناحية العُرْفية مع نصوص وظواهر الآيات بشكلٍ كامل؛ إذ لا يمكن لمثل هذه الروايات أن تكون صادرةً عن النبي الأكرم‘ والإمام المعصوم×. وأما صحة وسقم الروايات الأخرى فلا يمكن تحديده بهذا الملاك، وإنما لا بُدَّ في ذلك من البحث عن ملاكٍ آخر، من قبيل: دراسة السند، والبحث عن القرائن الدالّة على الصدور.
ج ـ في بعض الموارد لا نجد اهتماماً بالمقدار اللازم في نقل الرواية وبيان المعنى وفهم محتواها. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: ما أورده في البحث الروائي لتفسير الآيات 45 ـ 46 من سورة البقرة، على النحو التالي: وفي تفسير العياشي: عن أبي الحسن×: في الآية، قال: الصبر الصوم، إذا نزلت بالرجل الشدّة أو النازلة فليصُمْ، إن الله يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ (البقرة: 45). والخاشع الذليل في صلاته المقبل عليها، يعني رسول الله‘ وأمير المؤمنين×.
ثم قال العلاّمة الطباطبائي في بيان ذلك: «قد استفاد× استحباب الصوم والصلاة عند نزول الملمات والشدائد، وكذا التوسُّل بالنبيّ والوليّ عندها، وهو تأويل الصوم والصلاة برسول الله وأمير المؤمنين»([64]).
بَيْدَ أن هناك نقصاً في كيفية نقل هذه الرواية. يضاف إلى ذلك أن فهم هذا المعنى الذي ذكره موضع تأمُّلٍ أيضاً. أما نقص الرواية فيظهر من المنقول في تفسير العياشي المطبوع بمقدّمة العلامة؛ إذ نجد الرواية هناك تختلف عن نقل العلامة لها، فهي هناك تخلو من جملة «والخاشع الذليل في صلاته المقبل عليها»([65]). نعم، ورد في بعض طبعات تفسير البرهان نقل الرواية، وهي تحتوي على هذه الجملة من تفسير العياشي([66]). وفي ذلك احتمالان:
1ـ أن لا تكون هذه الجملة جزءاً من الرواية، بل هي زيادةٌ توضيحية من مؤلف تفسير البرهان؛ لبيان معنى كلمة «الخاشعين».
2ـ أن تكون هذه الإضافة موجودةً في نسخة تفسير العيّاشي التي نقل عنها مؤلِّف تفسير البرهان.
ويحتمل أن يكون العلاّمة قد رأى الروايات في تفسير البرهان، ونقل عنها، دون الرجوع إلى تفسير العيّاشي. وفي هذه الحالة كان من المناسب:
أوّلاً: أن ينقلها بصيغة: «عن تفسير العياشي»؛ ليتّضح بذلك أنه لم ينقلها عن تفسير العيّاشي مباشرة، وإنما اعتمد في ذلك على نقل الآخرين.
وثانياً: على احتمال أن تكون هذه الجملة من مؤلِّف تفسير البرهان كان عليه لفت الانتباه إلى ذلك، وعدم بيانها كجزءٍ ثابت من الرواية.
وأما التأمّل في بيان المعنى من هذه الرواية فهو أنّه حتّى لو افترضنا أن جملة «والخاشع الذليل…» جزءٌ من الرواية فإنها مع ذلك لا تدلّ على أن الإمام أبا الحسن× قد استفاد من الآية استحباب التوسُّل بالنبي الأكرم‘ والإمام×؛ إذ لا يحتوي صدر الرواية على أيّ كلامٍ عن النبي‘ والإمام× والتوسُّل بهما. وفي الجملة الأخيرة تمّ تفسير الخاشع في الصلاة بأنه رسول الله‘ وأمير المؤمنين×، وهذا لا يحمل دلالة على استحباب التوسُّل بهما’. وإن هذا المعنى إنما يصحّ منه إذا تمّ تأويل الصوم والصلاة في الرواية برسول الله‘ وأمير المؤمنين×، وطبقاً لذلك ستكون الاستعانة والتوسُّل بهما مشمولاً لأمر الآية، بَيْدَ أن الرواية لا تحتوي على مثل هذا التفسير والتأويل.
وكذلك في بيان معنى الروايات نجده أحياناً يخصِّصها دون أن يكون فيها أي مخصِّص أو تخصيص. فعلى الرغم من أن خطاب الروايات متوجِّهٌ إلى عموم الناس، عمد سماحته إلى تخصيصها بجماعةٍ محدَّدة منهم. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: إنه قال في البحث الروائي لتفسير الآيات 33 ـ 62 من سورة النجم، بعد نقل الروايات الناهية عن التفكُّر في الله: «في النهي عن التفكُّر في الله سبحانه روايات كثيرة أخر مودعة في جوامع الفريقين، والنهي إرشاديٌّ متعلِّقٌ بمَنْ لا يحسن الورود في المسائل العقلية العميقة؛ فيكون خوضه فيها تعرُّضاً للهلاك الدائم»([67]).
وفي ما يتعلَّق بهذا الكلام يَرِدُ السؤال القائل: ما هو وجه تخصيص النهي وحصره بمثل هؤلاء الأشخاص؟ فالروايات ظاهرةٌ في توجّه النهي إلى عموم الناس، وعليه فإن رفع اليد عن هذا الظهور يحتاج إلى قرينةٍ صارفة، في حين أن العلاّمة لم يذكر مثل هذه القرينة.
كما أن عدم ذكر مصادر الروايات، وحذف أسانيدها، وتقطيع النصوص في بعض الروايات، وعدم الاشتمال على جميع الروايات التفسيرية المرتبطة بالآيات، يعتبر من الآفات الأخرى التي يعاني منها تفسير الميزان في ما يتعلَّق بالروايات التفسيرية. ومع ذلك فإنه في الأبحاث الروائية من هذا التفسير ينقل روايات قد لا نجدها حتّى في التفاسير الروائية الجامعة أيضاً([68])، كما أنه في ما يتعلَّق بتوضيح معنى الروايات وتمييز الروايات الصحيحة من غير الصحيحة يشتمل على مطالب نافعة قلَّما نجدها في التفاسير والكتب الأخرى. ومن هنا لا يمكن للكتب والتفاسير الأخرى أن تغنينا عن الأبحاث الروائية الموجودة في تفسير الميزان.
5ـ النتائج
نستنتج ممّا تقدَّم أن التفسير الروائي والروايات التفسيرية كانت على الدوام موضع اهتمام الشيعة، وأن المفسِّرين الشيعة رغم اختلافهم في الآراء والمناهج التفسيرية قد اهتمّوا بأجمعهم بالتفسير الروائي والروايات التفسيرية بما يتناسب مع منهجهم وأسلوبهم التفسيري. ومن هنا نشاهد التفسير الروائي والبحث بشأن الروايات التفسيرية في التفاسير الشيعية على أربعة أنحاء.
تمتاز جميع مناهج التفسير الروائي عند الشيعة على اختلافها من التفسير الروائي عن أهل السنّة، ونجد هذا الامتياز في الاهتمام البالغ بالروايات التفسيرية المأثورة عن أهل بيت النبي الأكرم‘. كما يشتمل كل واحد من هذه الأساليب والأنحاء الأربعة على فوائد وامتيازات، ومع ذلك لا يخلو أيٌّ منها من بعض نقاط الضعف والآفات، وبذلك لا يمكن لنا أن نعدّ أيَّ واحدٍ منها بوصفه هو المنهج الأكمل من بين أنواع التفاسير الروائية؛ فالمنهج الكامل هو الذي يشتمل على جميع نقاط قوة وامتياز التفاسير الأخرى، ويكون في الوقت نفسه خالياً من نقاط ضعفها وآفاتها، وذلك كما يلي:
1ـ أن يتمّ الاهتمام عند تفسير كلّ آيةٍ ـ بالإضافة إلى الاجتهاد الكامل والجامع في فهم معنى الآية ـ بجميع الروايات المؤثِّرة بنحوٍ من الأنحاء في بيان معناها ومصداقها وظاهرها وباطنها.
2ـ أن تتمّ دراسة مصادر وأسانيد الروايات، مع بيان معناها ومفادها، وموافقتها ومخالفتها لنصوص وظواهر الكتاب والسنّة القطعية والروايات المعتبرة، وما يعلم بالضرورة من الدين والمذهب والعقل، وتحديد مقدار اعتبارها مع أخذ جميع ما تقدَّم بنظر الاعتبار، مع حذف الروايات المختلقة والإسرائيليات، وتبويب سائر الروايات الأخرى من حيث درجة اعتبارها، والاهتمام بكلّ روايةٍ بمقدار ما لها من الاعتبار.
3ـ فصل روايات فضائل وخصائص السور والآيات والروايات والقراءات عن روايات التفسير ذات الصلة بمعنى ومضمون الآيات، مع بيان مدلول كلّ رواية من حيث بيان وتعيين الظاهر والباطن ومفهوم ومصداق الآيات، وتخصيص وتقييد وتوسيع وتعميم معنى الآيات الكريمة.
الهوامش
(*) أستاذ قسم القرآنيّات في مركز دراسات الحوزة والجامعة في قم. له عدّة مصنَّفات حول مناهج التفسير القرآني.
([1]) للوقوف على المعنى اللغوي والاصطلاحي، ومختلف استعمالات مفردة الشيعة والفرق الشيعية المختلفة، انظر: السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة 1: 18 ـ 23، دار التعارف، بيروت؛ مقالة: (شيعه وتشيُّع: مفهوم شناسي، ماهيت، وخاستگاه)، لكاتبها: علي آقا نوري، والمنشورة في المجلة الفصلية التخصُّصية (شيعه شناسي)، السنة الثالثة، العدد 11: 139 ـ 151 (مصدر فارسي).
([2]) السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 1: 10، دار الهادي، بيروت، 1412هـ.
([3]) لا شَكَّ في تشيُّع فرات بن إبراهيم الكوفي، إنما الكلام في كونه إمامياً اثني عشرياً، فقد ذهب محقق تفسير فرات الكوفي، من خلال قوله: (وربما كان من الناحية الفكرية والعقائدية زيدياً، أو كان متعاطفاً معهم ومخالطاً إياهم ومتمايلاً لهم…)، إلى احتمال أن يكون زيدياً. (انظر: تفسير فرات الكوفي: 11، طهران، 1410هـ). وفي المقابل هناك مَنْ ذكر الشواهد على كونه من الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، ومنها:
أـ ورد في خطبة التفسير قوله: (…صلّى الله عليه وعلى أهل بيته، أولهم المرتضى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، الذي هو لمدينة علمه [ماأ: علم نبيّه] الباب، وآخرهم المهديّ [بلا ارتياب ب، أ]، وعلى السبطين السيدين السندين الإمامين الهمامين الحسن والحسين، وعلى الأئمة الأبرار الأخيار…). (انظر: المصدر السابق: 45).
ب ـ جاء في هذا التفسير ضمن رواية مأثورة عن رسول الله‘: (…أسري بي إلى السماء قال لي العزيز…: يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ، قال: التفت عن يمين العرش، فالتفتُّ فإذا أنا بالأشباح [ب: بأشباح] عليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمة كلهم، حتى بلغ المهدي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين…). (المصدر السابق: 74).
ج ـ نجد في هذا التفسير روايات مروية عن الإمامين الباقر والصادق’، يقول مضمونها: (أصحاب اليمين هم شيعتنا)، و(إن الله خلقنا من نوره، وخلق شيعتنا منّا). (انظر: المصدر السابق: 513 ـ 514، 529، الأحاديث 671، 672، 681).
د ـ وعلى هامش آية أولي الأمر (النساء: 59) رواية عن الإمام الباقر×، سُئل فيها عن معنى أولي الأمر، بعد أن فسَّرها بأولي الفقه والعلم، أخاصٌّ أم عام؟ قال×: (بل خاصٌّ لنا).
هـ ـ نجد فرات في سند بعض الروايات التي نقلها الشيخ الصدوق، والتي يُشار فيها إلى وجود اثني عشر وصيّاً للنبيّ الأكرم‘. (انظر: الصدوق، علل الشرائع: 5).
و ـ رُوي في تفسير القمّي عن فرات (انظر: تفسير القمي 2: 232 (تفسير سورة ق)؛ 437 (تفسير سورة المطففين)). وبالالتفات إلى ما جاء في مقدمة تفسير القمي من قوله: (نحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا) (المصدر السابق 1: 30) يتَّضح أنه كان من وجهة نظر مؤلف هذا التفسير من الشيعة، وأنه كان ثقة.
ز ـ ذكر صاحب أعيان الشيعة أن فرات الكوفي من المفسِّرين الشيعة. (انظر: أعيان الشيعة 1: 126)، فيأتي ذكر تفسير فرات في هذه المقالة في عداد تفاسير الشيعة، بناءً على احتمال كونه شيعياً إمامياً اثني عشرياً.
([4]) انظر: تفسير عليّ بن إبراهيم القمي 1: 59، 61، 63؛ 2: 355، 399 في شرح الآيات التالية: ؟؟؟: 3، 8 ـ 25، البقرة: 44، الرحمن: 24، القلم: 13.
([5]) المولى محسن الفيض الكاشاني، تفسير الصافي 1: 75، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1402هـ.
([6]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 6، 8 ـ 9، 11؛ 3: 43، 77، منشورات جماعة المدرسين، قم.
([7]) انظر: علي أكبر بابائي، مكاتب تفسيري 1: 64 ـ 78، نشر پژوهشكده حوزه ودانشگاه، قم، ونشر سمت، طهران، 1381هـ.ش (مصدر فارسي).
([8]) انظر: المصدر السابق: 180 ـ 188.
([9]) يقول الراغب: هناك مَنْ تشدد في ذلك، وقال: لا يجوز لأحد ـ مهما كان عالماً أديباً ومتبحّراً في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار ـ أن يفسّر القرآن، إلا إذا انتهى تفسيره إلى روايات النبي‘، والصحابة الذين شهدوا نزول الآيات، أو التابعين الذين أخذوا [معاني القرآن] عنهم. (انظر: الراغب، مقدمة جامع التفاسير: 93، دار الدعوة، الكويت، 1405هـ). وقال الشيخ الطوسي: «اعلم أن الرواية ظاهرةٌ في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي‘، وعن الأئمة^، الذين قولهم حجة كقول النبيّ‘». (محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 1: 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت).
([10]) انظر: الحُرّ العاملي، الفوائد الطوسية: 63 ـ 195، المطبعة العلمية، قم، 1403هـ؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 18: 129، المكتبة الإسلامية، طهران، 1367هـ.ش.
([11]) انظر: علي أكبر بابائي، مكاتب تفسيري 1: 274 ـ 310.
([12]) انظر: عبد علي بن جمعة الحويزي، نور الثقلين 1: 2، مؤسسة إسماعيليان، قم، 1412هـ.
([13]) إليك عناوين تلك الكتب على النحو التالي:
1ـ اعتقادات الإمامية، الشيخ الصدوق (انظر: عبد علي الحويزي، نور الثقلين 3: 190؛ 4: 71).
2ـ كتاب الاستغاثة، عليّ بن أحمد الكوفي العلوي (انظر: المصدر السابق 4: 169).
3ـ كتاب الإهليليجة، المنسوب إلى الإمام الصادق× (انظر: المصدر السابق 1: 14؛ 4: 195).
4ـ تفسير الثعلبي (انظر: المصدر السابق 2: 157).
5ـ مقتل الحسين×، أبو مخنف (انظر: المصدر السابق 2: 160).
6ـ تلخيص الأقوال في أحوال الرجال (انظر: المصدر السابق 4: 71).
7ـ كتاب رجال الكشي (انظر: المصدر السابق 4: 33).
8ـ طبّ الأئمة^ (انظر: المصدر السابق 4: 128).
9ـ غوالي اللآلي (انظر: المصدر السابق 2: 97).
10ـ كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي (انظر: المصدر السابق 1: 80).
11ـ كشف المحجة، ابن طاووس (انظر: المصدر السابق 1: 378).
12ـ مصباح الكفعمي (انظر: المصدر السابق 2: 2).
13ـ نهج البلاغة (انظر: المصدر السابق 1: 13، 42، 48، 62، 119؛ 2: 3، 10).
14ـ مهج الدعوات (انظر: المصدر السابق 1: 8).
15ـ مصباح الزائر، ابن طاووس (انظر: المصدر السابق 4: 421).
([14]) فعلى سبيل المثال: هناك في تفسير البرهان على هامش الآيات 15 ـ 17 من سورة آل عمران عشر روايات، لا نجد منها في نور الثقلين سوى ستّ روايات. وفي تفسير الآية الثانية من سورة النساء هناك في تفسير البرهان خمس روايات، لا نجد منها سوى روايتين في نور الثقلين. وفي تفسير فرات الكوفي هناك في هامش الآية 25 من سورة البقرة روايتان، لم تَرِدْ أيٌّ منهما في تفسير نور الثقلين. وفي هامش تفسير الآية 26 من ذات السورة هناك رواية في تفسير فرات الكوفي (انظر: تفسير فرات الكوفي: 54)، ولا نجدها في تفسير نور الثقلين.
([15]) انظر: تفسير محمد بن مسعود العيّاشي 1: 53 ـ 55، الحديثان 75، 76؛ 2: 173، الحديث 17).
([16]) انظر: تفسير فرات الكوفي: 619 ـ 621، الأحاديث 774، 755، 495؛ 78، الحديث 52.
([17]) انظر: السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 2: 376.
([18]) انظر: عبد علي جمعة الحويزي، نور الثقلين 2: 419 ـ 421، الأحاديث 43، 45، 46، 47، 52؛ 1: 115، الحديث 312.
([19]) للوقوف على أمثلة حذف السند في تفسير نور الثقلين انظر: 2: 15 ـ 16، الأحاديث 45 ـ 48؛ 239، الحديثان 227 ـ 228.
([20]) انظر: الملا محسن الفيض الكاشاني، تفسير الصافي 1: 75.
([21]) انظر: المصدر السابق 1: 84 ـ 86.
([22]) انظر: تفسير القمّي 1: 57 ـ 58.
([23]) انظر: تفسير القمّي 1: 58؛ 2: 232 ـ 235.
([24]) الكاشاني، تفسير الصافي 2: 416.
([25]) انظر: الكاشاني، تفسير الصافي 1: 75.
([26]) انظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 6: 123.
([27]) انظر: الحسين بن عليّ أبو الفتوح الرازي، روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن 11: 47 ـ 48، بنياد پژوهشهاي إسلامي، مشهد، 1381هـ.ش.
([28]) انظر: الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 344، دار المعرفة، بيروت، 1408هـ.
([29]) انظر: المصدر السابق 4: 236.
([30]) انظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 8: 554.
([31]) انظر: السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 6، 8 ـ 9، 11؛ 3: 43، 77.
([32]) وقد ينقل في بعض الموارد جميع سلسلة أسانيد الروايات. فعلى سبيل المثال: في البحث الروائي: 1 ـ 6 من سورة المجادلة يذكر روايةً من تفسير القمي بكامل سندها. (انظر: المصدر السابق 19: 81).
([33]) انظر: المصدر السابق 1: 150.
([34]) انظر: المصدر السابق 1: 277 ـ 278، 286.
([35]) انظر: المصدر السابق 1: 146، 224.
([36]) انظر: المصدر السابق 1: 41، 46، 334 ـ 345؛ 2: 59؛ 4: 384 ـ 385؛ 5: 333؛ 9: 318؛ 13: 377.
([38]) انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 153.
([39]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 16: 95.
([40]) انظر: المصدر السابق 9: 296.
([41]) انظر: المصدر السابق 1: 250، 409.
([42]) انظر: المصدر السابق 2: 438؛ 11: 167.
([43]) قال في البحث الروائي للآيات 17 ـ 24 من سورة التوبة: (فالذي يهمّ الباحث عن الروايات غير الفقهية أن يبحث عن موافقتها للكتاب، فإنْ وافقتها فهي الملاك؛ لاعتبارها ولو كانت مع ذلك صحيحة السند، فإنما هي زينة زيّنت بها؛ وإنْ لم توافق فلا قيمة لها في سوق الاعتبار). (انظر: المصدر السابق 9: 212).
([44]) المصدر السابق 19: 181 ـ 182.
([45]) انظر: المصدر السابق 1: 239.
([46]) انظر: المصدر السابق 5: 357 ـ 359.
([47]) انظر المصدر السابق 1: 140 ـ 142، البحث الروائي على هامش تفسير الآيات 35 ـ 39 من سورة البقرة.
([48]) انظر: المصدر السابق 1: 293.
([49]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 260.
([50]) انظر: المصدر السابق 5: 214، 336؛ 12: 261؛ 1: 240، 293.
([51]) انظر: علي أكبر بابائي وآخرون، روش شناسي تفسير قرآن: 196 ـ 213، پژوهشكده حوزه ودانشگاه، قم، ونشر سمت، طهران، 1379هـ.ش (مصدر فارسي).
([52]) روى الصدوق& بسندٍ معتبر عن الإمام الباقر× أنه قال: (الحائض والجنب لا يدخلون المسجد إلاّ مجتازين، إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾). (البرهان في تفسير القرآن 2: 231).
([53]) انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 4: 36.
([54]) قال صاحب الجواهر في هذه الآية: «…لأنا نقول: قد يكون المراد من الصلاة نفسها بالنسبة إلى السكران، وإلى الجنب مواضعها، على طريق الاستخدام أو غيره». (الشيخ حسن النجفي، جواهر الكلام 3: 50).
([55]) انظر: البحراني، البرهان في تفسير القرآن 2: 228، الأحاديث 1 ـ 6.
([56]) انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 17: 205.
([57]) انظر: البحراني، البرهان في تفسير القرآن 6: 480، الحديث 3.
([58]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 15: 396.
([59]) انظر: المصدر السابق 2: 246.
([60]) انظر: المصدر السابق: 258 ـ 259.
([61]) وقد أكد العلامة الطباطبائي على هذا الأمر في بعض الموارد، ومنها: البحث الروائي في تفسير الآيات 17 ـ 24 من سورة التوبة. (انظر: العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 9: 212). وفي البحث الروائي لتفسير الآيات 1 ـ 6 من سورة المجادلة نقل العلامة روايةً في بيان شأن نزول تلك الآيات، وعلى الرغم من اعتبار سندها فقد رفضها لعدم موافقتها لظاهر تلك الآيات. (انظر: المصدر السابق 19: 181 ـ 182).
([62]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 7: 147.
([63]) انظر: المصدر السابق 1: 260.
([64]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 153.
([65]) نصّ الرواية في تفسير العياشي على النحو التالي: (عن سليمان الفرّاء، عن أبي الحسن×، في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾، قال: الصبر الصوم، إذا نزلت بالرجل الشدّة أو النازلة فليصُمْ، فإنّ الله يقول: ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾، الصبر الصوم). (تفسير العياشي 1: 43، ح41).
([66]) في تفسير البرهان، طبعة بيروت، دار الهادي، سنة 1412هـ، ورد نقل نصّ الرواية على النحو التالي: (عن سليمان الفراء، عن أبي الحسن×، في قول الله: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ قال: الصبر الصوم، إذا نزلت بالرجل الشدّة أو النازلة فليصم، فإن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾، والخاشع الذليل في صلواته، المقبل عليها؛ يعني رسول الله‘ وأمير المؤمنين×). (البرهان في تفسير القرآن 1: 94، ح6). وأما في الطبعة الأخيرة لتفسير البرهان ـ وهي من مطبوعات مؤسسة الأعلمي ـ، والتي تحتوي على مقدمة وتعليقة من قبل مجموعة من العلماء، لا نجد هذه الجملة في الرواية المنقولة عن العياشي، وإنما في الرواية التالية المنقولة عن مناقب ابن شهرآشوب؛ إذ نجد هذه الجملة مفردةً على شكل روايةٍ مستقلّة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية. (انظر: البرهان في تفسير القرآن 1: 210 ـ 211، ح6 ـ 7، مؤسسة الأعلمي).
([67]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 19: 53.
([68]) من ذلك ـ على سبيل المثال ـ: ما يذكره في البحث الروائي لسورة الحمد، حيث ينقل ثلاث روايات من الكافي، ونهج البلاغة، وعلل الشرائع، والمجالس، والخصال، في بيان أقسام العبادات من حيث دوافع العباد. (انظر: الميزان في تفسير القرآن 1: 37). ولا نرى لأيٍّ منها أثراً في التفاسير الروائية الجامعة، من قبيل: نور الثقلين، والبرهان في تفسير القرآن.