الصنمية :هي تقديس غير المقدس واعتباره الحق المطلق ومادونه الباطل المطلق وهو يمتلك الحصانة من النقد او الملاحظة ولعل اخطر ماتشكله الثقافة الصنمية على الحياة الاجتماعية عندما تم تبنيها سياسيا ً، واخذت تعكس بشكل واضح خصائص ومكونات الثقافة السياسية التسلطية، حيث أن خصائص هذه الثقافة تتجلى بوضوح في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ، وأن هذه الثقافة التسلطية بما تتضمنه من قيم الرضوخ والتسلط ، وما تعكسه من أنماط سلوك تعمل بشكل مستمر ودائم على عرقلة بناء الديمقراطية الحقيقية في مجتمعاتنا . إن علاقات التسلط والرضوخ المنتشرة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية تنعكس في نهاية المطاف على الحياة جميعها . ففي كل مكان تشاهد النزعة الديكتاتورية بطريقة مباشرة وغيرلامباشرة فتراها في البيت والدائرة والمدرسة وكل جوانب الحياة ، فيصبح من الطبيعي للإنسان الذي يعيش في الاجواء الصنمية أن وان يتقبل هذا النظام المتسلط سياسيا ام اجتماعيا ام اقتصاديا ام دينيا ، حيث أن هذا هو ما تعود عليه طيلة حياته ويبدو هذا بوضوح في روح الإذعان والاتكالية السائدة في المجتمعات التي تطغى فيها الثقافة الصنمية ,حيث ان الصنم الذي صنعناه بانفسنا سيستعبدنا ويرى في نفسه مالايرى في الاخرين ويشعرنا إننا من دون وجوده لانملك القدرة على التغيير والحركة حتى نضع حالة من التقديس على وجوده . والإحساس بعدم القدرة على تغييرها ، ولذا انتشرت في مجتمعاتنا ثقافة مغلوطة وهي تقديس الرموز الدنيوية وتقديس مانصنعه بانفسنا حتى تمثلت الحالة بنا وكاننا من عباد اصنام من حيث الصور الفنية التي نصنعها وكانها مقدسات لايمكن التجاوز عليها واذا حصل نقدا هنا او نقدا هناك لما نفعله من مواقف يعتبر اننا قد تجاوزنا الخطوط الحمراء التي صنعناها بانفسنا . لايولد الرمز دكتاتورا بل يصنعه الناس من خلال الطبقلت الاجتماعية التي عبر عنها شهيدنا الصدر الاول وهي الحواشي التي ربطت مصيرها بالرموز التي صنعتها وطبقة المطبلين المنتفعين وطبقة اللامبالين ينطبق عليهم المثل (اللي ياخذ امي ايصير عمي )وطبقة الظالمي انفسهم ليخلقوا حالة من التقديس الى المظاهر والحالات والافراد ليكونا جزء من مقدسات المجتمع وتعتبر هذه الشخصية او تلك حالة فريدة التي لم ينجب الزمان مثلها ومن يتجاوز حدوده في عملية النقد او الملاحظة سيلقى جزاءه .
إن هذه الظاهرة تمثل خطورة اجتماعية كبيرة – فهي التي تخلق الدكتاتوريات وهي التي تحول الحق باطلا والباطل حقا وهي التي تخرب البنية االاجتماعية وتفتت المجتمع –وتخلق عناصر الحساسية والخصومة بين افراد المجتمع الواحد. لان الذي يمتلك العقلية الضيقة ولا يتسع ذهنه للرائ الاخر ولايتمن من ايجاد مساحة مشتركة بينه وبين من يختلف معه ويرى في نفسه مالايراه في غيره من خلال مايسمعه من الطبقات السابقة الذكر من الذين صنموه وقدسوه حتى يصل الى مرحلة نقده من الخطوط الحمراء واذا مسهم احد بنقد او ملاحظة فهي اخطر من التجاوز على الله ومقدساته .ولو اخطاء هذا الصنم او ذاك فلا نسمع الا التبريرات ووسائل الدفاع جاهزة ,وسمة الانفعال من المدافع والتسقيط للناقد جاهزة.
للصنمية انواع- صنمية الافراد- صنمية الاسرة- صنمية الحزب او الحركة – صنمية الطائفة اوالقومية وتتسع حتى تصل مداها الى آفاق كبيرة في كل جوانب الحياة .ولقد شخص القرآن الكريم هذه الصنمية باتجاهين-
صنمية الهوى والانا فيرى في نفسه مالا يرى في الاخرين ويرى في خطه ملايراه في الاخرين ويرى في منهجه مالايرى في الاخرين { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28, {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً }الفرقان43
صنمية المجموعات البشرية التي تؤدي الى التفتيت الاجتماعي {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }المؤمنون53, {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }الروم32.
أننا اليوم إذا اردنا لاهلنا وبلدنا الخير والتطور والبناء ليكون النوذج بحاجة الى وعي اجتماعي نتحررمن هذه الاجواء الخانقة التي تفتت المجتمع وتمنع التطوير والبناء .ولابد ان ننطلق من إنسانيتنا وديننا ونتحرر من هذه القيود التي شرنقتنا حتى اختنقت بنا المساحات المشتركة التي ضيقناها على انفسنا ,فاننا سنكون من القوم المستبدلين. فلنجعل قاعدة لامقدس في الحوار هي اساس حوارنا ونجمع كل السبل والمساحات المشتركة التي تجمعنا مع الاخرين على انواعهم والوانهم وعقائدهم منطلقين من القاعدة الانسانية المشتركة التي تجمعنا . فالعراق للجميع والجميع للعراق . ومن يريد ان يحترم انسانيته فليتحرر من صنميته ويجد اكبر المساحات المشتركة للحوار البناء وتهديم كل العقبات التي تواجه مسيرة العاملين المخلصين لتهديم كل المفاهيم المغلوطة التي تعرقل المشروع الانساني في العراق- إننا بحاجة الى انسة المشروع العراقي لنتحرر من كل القيود والسعي لبناء دولة الانسان في العراق . فلنكن يدا بيد لتفتيت كل عناصر الشر ولنحمل جميعا معاولنا لتهديم اصنامنا ونعبد الطريق لبناء معاني الدولة المدنية الديمقراطية الحقيقية المبينية على اسس الاخوة والمحبة الانسانية فنكون بذلك من المرحومين وليس من حتى نكون من المرحومين وليس من الملعونيين.
كيف نتحرر من الصنمية؟
إن معالجة الظواهر السلبية في المجتمع تتطلب البحث عن الأسباب الحقيقية والجوهرية التى تعرقل بناء هذا المجتمع ، بدلا من الاكتفاء بالتركيز على المظاهر الشكلية والثانوية . ولعل اهم معرقلات بناء المجتمع الحديث هي غياب الديمقراطية الحقيقية بكل ما تعنيه من مفاهيم وقيم حضارية . وهذا يتطلب ابتداءً ، الابتعاد عن تشجيع الظواهر الصنمية في المجتمع ، وإلى عدم تعصب الإنسان إلى أي شخص، بل أن يلتزم فكره ما دام يسير في الاتجاه الصحيح ، فإن انحرف فإنه لا ينحرف معه، لأن القيم هي الأساس في الارتباط، وهي مقياس العلاقة بالأشخاص . إن أولى خطوات البناء الديمقراطي السليم في بلادنا هو العمل على تخليص المجتمع من المفاهيم الصنمية التي تعرقل البناء الاجتماعي من معرفة كامل الاسباب والعمل على معالجتها بالحكمة وتغيرها بالكامل فستصبح عاملا مساعدا على بناء الديمقراطية وليست عاملا معرقلا لهذا البناء. فقذكرنا في الموضوع السابق الصنمية واسبابها ,وفي هذه السطور نعالج عملية التحرر من الصنمية فمعركة المواجهة مع الصنمية تحتاج الى مقدمات صحيحة , وبدون توفر المقدمات الصحيحة فسيكون عملنا غير ناضج وسوف نعيش بصنمية جديدة فعلينا اولا
معرفة الاسباب التي تصنع الصنم في المجتمع وهي:
اولا-الجهل
ثانيا-الفقروالحاجات الاقتصادية
ثالثا الفراغ الفكري والعقائدي
رابعا –غياب الوعي الاجتماعي
خامسا-العصبية القبلية-العصبية الحزبية-العصبية الفكرية-العصبية المذهبية وغيرها.
فحينما نشخص الاسباب يسهل علينا المعالجة رغم كل التحديات التي تواجهنا –لان محاربة الصنمية مسؤولية انسانية ووطنية ودينية –والارهاب الذي نواجهه اليوم في مجتمعنا هو نتاج لهذه الصنمية الي ذكرنا اسبابها .إذن فلابد ان نتحرر من هذه القيود واول هذه القيود هي اصنام الشهوة ,لان اصنام الشهوة تحطم المحتوى الداخلي للانسان وتجعله يقلب كل الموازين من اجل تحقق رغباته وتسلبه حريته الانسانية. فإذا استطاع الانسان ان يتحرر من الصنم الاول (الهوى والانا) التي تمثلهما الشهوة . وحينما يستطيع ان يحطم صنم نفسه ,يكون قادرا على تجاوز ,يستطيع ان يتحرر من الاصنام الاجتماعية التي تعيق علاقات الافراد فيما بعضهم البعض من خلال منطلق انساني هو قاعدة الكلمة السواء التي تجمع كل الناس على المشتركات الانسانية, بعيدا عن الاستعباد والاستغلال اللامشروع لاهل الحاجة ,والتذكر دائما ان هناك مخلوق وهو الانسان وهناك الخالق المطلق وهو الله سبحانه وتعالى «قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم: ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله» آل عمران 64.
فهذه العبادة المطلقة الى الله وتحرير النفس من القيود الصنمية الفردية او الاجتماعية سواء كان الصنم امة، ام فئة تمكننا من الانطلاق والقول بصوت عالي –انه لاسبيل لسيطرة مجموعة بشرية على مجموعة بشرية وانتهاك حريتها ولاسبيل لأنسان مخلوق ان ينصب نفسه صنما للاخرين من دون الله . أن الانسان الواعي الذي يتحرر من قيوده الصنمية ويقر بعبوديته المطلقة الى الله سوف يرفض كل صنم وكل تأليه مزور لاي انسان ويرفع راسه حرا أبيا ولايستشعر ذل العبودية والهوان امام اي قوة من قوى الارض او صنم من اصنامها لان الله وليه ومن يكن الله وليه فلاخوف عليه وهو ينطلق نحو الله بارادة وعزيمة واعية الذي يرشدنا الى طريق الحرية واحترام انسانيتنا التي يحاول الاخرين استلابها بطريقة الاستغفال . كذلك انه من الحكمة والنجاح ان نجمع المشتركات الانسانية ونبني المساحات التي جمعتنا ونصغلر حجم المساحات التي نختلف فيها منطلقين من قواعد الكلمة السواء-والحوار الواعي لتكامل الحقيقة من قاعدة قل هاتوا برهانكم «.. فبشر عبادِ * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.»(الزمر: 17 ـ 18 ). «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون»(النحل: 44 ). «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون»(البقرة: 170 ). «تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين»(البقرة: 111 ).
فلنبني العراق الجديد كدولة للانسان ولنحطم جميع اصنامنا التي صنعناها بانفسنا او فرضت علينا دون ارادتنا ولنتوكل على الله بعد التخطيط السليم الذي اراده الله منا ان نكون بعيدا عن الاناية والهوى اللذان يقصمان ظهر البناء الداخلي للامة ونكون من المستبدلين . فلنتفق على مفهوم ليس منا من يملك الحقيقة كلها وانما الحقيقة تتكامل بالحوار
وليكن شعارنا الدائم
نختلف لنتكامل لا لنتخاصم من اجل بناء دولة الانسان بالعراق تحت مظلة القانون والدستور.