أحدث المقالات

تابعنا في الآونة الأخيرة عبر بعض الصحف و المواقع سجالا حول معجزات النبي صلى لله عليه وآله و سلم غير القرآن الكريم. وقد تمحورت المناقشات حول بعض آراء الكاتب السوري المعروف جورج طرابيشي في كتابه " المعجزات أو سبات العقل " وكعادة المناقشات في مثل هذه المسائل، تباينت الآراء بين من اتفق معه ومن اختلف معه.
وفي تقديري أنّ ثمة أمور قد تكون موضع وفاق بين مختلف المتحاورين من المؤمنين بالأديان السماوية في هذه المسألة. منها مسألة أصل إمكان وقوع الآيات المعجزة بل و وقوعها الفعلي من الناحية التاريخية، بعد أن نصّت الكتب الدينية على وقوع نماذج منها على يدي عدد من الأنبياء العظام صلوات الله عليهم. وبالنسبة للمسلمين فإنّ القرآن الكريم صرح في عدد غير قليل من آياته على وقوع الآيات المعجزة على يدي مجموعة من الرسل والأنبياء الكرام مثل نوح وإبراهيم و موسى وعيسى ومحمد وغيرهم من أنبياء الله تعالى صلوات الله عليهم أجمعين.
كما أنّ الجدل حول بعض التفاصيل المتعلّقة بالمعجزات في أدبيات المسلمين ليس بجديد. فقد اختلفوا في طبيعة الإعجاز البياني اللغوي والبلاغي للقرآن الكريم، حيث ذهب بعض المتكلمين كالنظّام ومن وافقه  كابن حزم والمرتضى إلى الصرفة، بينما ذهب آخرون إلى أنّ إعجازه في هذه الناحية راجع إلى طبيعته المتفردة المعجزة. ونسب إلى بعض متكلمي المعتزلة أنّهم أنكروا أن تكون بعض المعجزات من دلائل صدق نبوة الأنبياء عليهم السلام. واختلف كذلك  في مدى حدوث بعض الخوارق على أرض الواقع من قبيل شق صدر النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) قبيل نزول الرسالة عليه وبعدها، وكذا في معجزة شق القمر بعد نبوته (صلى الله عليه وسلم). كما اختلفوا كذلك في تفسير طبيعة إسرائه و معراجه و ما إذا كانا بالجسم والروح معا أم بالروح فقط وهكذا.
وهنا لا بد من التفريق بين من ينكر وقوع الآيات المعجزة، فيعتقد باستحالتها وامتناع وقوعها على الرغم من تصريحات القرآن الكريم بشأنها،  وبين من يناقش آراء بعض المفسرين  حول دلالات بعض الآيات القرآنية، و ما إذا كانت تشير إلى وقوع أية معجزة أم تشير إلى أمر آخر،   كبعض علامات يوم القيامة، كما في الآية الكريمة " اقتربت الساعة وانشق القمر" ( القمر/1).
ويفترض عدم الخلط بين الموقف الذي يناقش أو لا يقبل بعض المرويات و الأخبار التي تتحدث عن وقوع بعض الخوارق لبعض الأنبياء(عليهم السلام)، فينفي وقوع حوادث ووقائع محددة من الناحية التاريخية، دون أن ينكر أصل الآيات المعجزات. وكذلك الحال بالنسبة لمن يفسر بعض الحوادث بطريقة روحية من قبيل من ذهب إلى أنّ الإسراء والمعراج كانا بالروح لا بالجسد. فإنّ أصحاب بعض هذه الاتجاهات لا ينكرون أصل حدوث الخوارق وإمكانية وقوعها بقدرة الله تعالى وبإذنه سبحانه، بل ينفون بعض الحوادث من حيث الوقوع  التاريخي لعدم ثبوت مستنداتها عندهم وعدم اقتناعهم بها. ويختلفون في تفسير وقراءة بعض الآيات القرآنية التي يستدل بها على وقوعها على يدي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). على أنّ هناك من ناقش الأدلة القرآنية التي يستند عليها الفريق الذي ينفي وقوع آيات مادية خارقة على يدي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). ويرى هؤلاء أنّ الآيات القرآنية النافية للآيات المعجزة جلّها جاءت ردًا على اقتراحات المعاندين.( راجع البيان للحوئي 114) ( مفاهيم القرآن للسبحاني 4/95)  و أيًا كان، فإنّ مثل هذه الاختلافات التفصيلية تعد من نوع الاختلاف في التطبيقات والصغريات وليس في الكبريات حسب تعبير المناطقة.
 ومن المسلم به، أنّ الاختلاف في التفسير سائغ بل واقع بين علماء التفسير. كما أنّ عرض المرويات و الأخبار على قواعد النقد الداخلي والخارجي أو نقد أسنادها ومتونها أمر مقبول بل ومطلوب إنجازه من قبل المختصين. وفي ضوئه إذا توصل باحث مختص إلى ضعف بعض المرويات المنسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) أو عدم صدورها فإنه لا يعد منكرا للسنة النبوية المطهرة. وقد ورد في مصادر الحديث والسيرة كثير من الوقائع المعجزة على أنّها صدرت من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من قبيل حنين الجذع و تسبيح الحصى ونبوع الماء بين أصابعه وإشفاء المرضى ونزول المطر باستسقائه وغيرها، وصرح بعض العلماء بصحة بعضها، إلا أنّ بعض المرويات لم تحظ بالقبول من قبل بعض المحققين. وهذا لا يعني إنكارا لأصل المعجزة من رأس، بل غاية ما في الأمر أنّهم نفوا وقوع حوادث وخوارق محددة لعدم ثبوتها لديهم. فالنبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم  تذكر له  معاجز كثيرة، إلا أنّ البعض منها لا تتصف بالقطعية في روايتها، ولم تكن مورد قبول واعتماد، ولكن المعجزة الباقية له (صلى الله عليه و آله وسلم) والتي لا تزال حيّة هي القرآن. ( الشيعة في الاسلام للطباطبائي 191) وعليه ، مهما  اختلف في وقوع بعض الخوراق و تفاصيلها، فإنّ من المتفق عليه بأن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الخالد الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لرسالة سماية خالدة بإذن الله تعالى. و الشريعة الخالدة يجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضا، لأنّ المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد لم يشاهدها البعيد، وقد تنقطع أخبارها المتواترة، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة، فلا بد للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة دائمة. و هكذا أنزل الله القرآن معجزة خالدة؛ ليكون برهانا على صدق الرسالة الخالدة وليكون حجة على الخلف كما كان حجة على السلف. بينما كانت نبوات الأنبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم، كان مقتضى الحكمة أن تكون معجزاتهم مقصورة الأمد ومحدودة ( البيان للخوئي 43).
وقد ظهرت في العصر الحديث، وفي مطلع القرن العشرين، المدرسة التوفيقية أو الإصلاحية التي تزعمها الشيخ محمد عبده، والتي تأثرت بالاتجاه العلمي التجريبي الحديث. وكانت تنزع منزع التوفيق بين العقل والعلم من جهة وبين حقائق الدين بما فيها الحقائق الغيبية من جهة أخرى. و هذا المنهج قادها إلى تبني تفسيرات و تأويلات لبعض الحقائق الدينية الغيبية، أثارت جدلا بين العلماء والمفكرين المسلمين.
يتحدث محمد عبده عن القرآن كما في  " الأعمال الكاملة " : و تآخي العقل والدين لأول مرة في كتاب مقدس على لسان نبي مرسل بتصريح لا يقبل التأويل ( 3/ 382).. أمّا الدعوة التي يحتج فيها الإسلام بخارق العادة، وما أدراك ما هو خارق العادة الذي يعتمد عليه الإسلام في دعوته إلى التصديق برسالة النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا الخارق للعادة هو القرآن الذي تواتر خبره ولم ينقطع أثره. ويقول: أمّا معجزة موت حي بلا سبب معروف للموت أو حياة ميت أو إخراج شيطان من جسم أو شفاء علة من بدن فهي مما ينقع عنده العقل و يجمد لديه الفهم، وإنما يأتي بها الله على يدي رسله لإسكات أقوام غلبهم الوهم ولم يضيء عقولهم نور العلم. ( 3/ 301) وتحدث عن النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) فقال: نبي صدق الأنبياء ولكن لم يأت في الإقناع برسالته مما يلهي الأبصار أو يحير الحواس أو يدهش المشاعر.. واختص العقل بالخطاب وحاكم إليه الخطأ و الصواب ( 3/ 459)"
و نقل الدكتور عمارة عن الأستاذ محمد عبده: الإسلام لا يعتمد على شيء سوى الدليل العقلي والفكر الإنساني الذي يجري على نظامه الفطري، فلا يدهشك بخارق للعادة و لا يغشي بصرك بأطوال غير معتادة، ولا يخرس لسانك بقارعة سماوية ولا يقطع حركة فكرك بصيحة إلهية، والمرء لا يكون مؤمنًا إلا إذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتى اقتنع به" ويعلق  عليه عمارة: هكذا انتقلت طبيعة المعجزة إلى " كيف جديد" بعد أن بلغت الإنسانية سن الرشد، فلم تعد" الخراف الضالة " فإنّ القرآن معجزة عقلية ناسبت ذلك الطور الجديد.. و فارقت الطابع المادي للمعجزات التي ناسبت تلك المرحلة (عمارة التقرير العلمي 125).
ويلخص سيد قطب صاحب الظلال منهج هذه المدرسة في تفسير سورة الفيل، بأنّها تميل إلى تضييق نطاق الخوارق والغيبيات وإلى رؤية السنن الكونية المألوفة تعمل عملها. وحسب نظرها إنّ تفسير هذه الحادثة بوقوع وباء الجدري والحصبة أقرب وأولى، وأنّ الطير قد تكون هي الذباب والبعوض الذي يحمل الميكروبات، فالطير هو كل ما يطير ( الظلال 8/667). و يقرر السيّد فضل الله صاحب من وحي القرآن منهج  المدرسة التوفيقية – حسب تعبيره – بأنّها في منهجها العقلي تعتمد على محاولة تفسير الظواهر القرآنية الغيبيّة ببعض الاكتشافات العلمية التي تجعل الآيات القرآنية الظاهرة تعبيرًا مجازيًا أو شبه مجازي ولكن بدون قرينة لفظية أو عقلية مما يمكن أن يعتمد عليه المتكلم ( وحي القرآن  24/488) ويتحدث الشيخ الخليلي صاحب جواهر التفسير عن اتجاه المدرسة الإصلاحية كما يطلق عليها، فيرى بأنّه نتج عنها محاولة تضييق نطاق الغيبيات في القرآن-  تلافيا لاتهام الإسلام بالتصادم مع العقل – كما نراه واضحًا في تفسير المنار حيث فسر آدم بالجنس البشري و الشجرة بالشر والملائكة بملكات الخير والشيطان بملكة الشر(الجواهر1/41).
هذه قراءات تكاد تتوافق على تحديد  بعض أبرز معالم منهج هذه المدرسة حيال الآيات الخارقة.
وهنا يلزم أن نوضح أنّ محمد عبده في تحليله العقلي العام للمعجزة يؤكد بأنّها تتفق مع العقل ولا تتناقض مع مبادئه. يذكر في الأعمال الكاملة " المعجزة ليست من نوع المستحيل عقلا، فإنّ مخالفة السير الطبيعي المعروف في الإيجاد مما لم يقم دليل على استحالته (3/426) ولكن الذي ألجأه إلى تلكم التأويلات هو التزامه بفكرة تولّي زمن الخوارق المادية وتحول العقل البشري إلى طور معرفي جديد مع الرسالة الإسلامية.
و لعلّ ما دفع هذه المدرسة إلى انتهاج  هذا المسلك في التفسير هو محاولتها تقديم حقائق الإسلام بطريقة واضحة مفهومة من قبل الناس بحيث تناسب مع عقلية هذا العصر الذي شاع فيه المنطق الوضعي والتفكير المادي. وتجدر الإشارة إلى أنّ منهج التأويل والتفسير الإشاري الرمزي ليس بجديد في تاريخ الفكر عند المسلمين، فقد سلكت بعض مدارس المسلمين،  مناهج التأويل وضمن ضوابط لغوية و عقلية و على تفاوت بينها في الضيق والاتساع. وربما كان منشأ الخلاف، كما ألمح إليه بعض المفسرين في قراءتهم الآنفة، هو طبيعة المنهج الذي اتبعه محمد عبده في التأويل الذي قد لا يتقيد أحيانًا بالمحددات اللغوية والعقلية في منهجه.
وكيف ما كان، فإن الاختلاف فيى بعض هذه المسائل التفصيلية ليس جديدًا، بل له جذور في تاريخ المسلمين الفكري. ومع تواصل البحث والاجتهاد فيها، يتجدد الاختلاف كما تقتضيه طبائع الأمور .

و اقتنع أو تأثر بهذا المنهج جمع من الباحثين والمفكرين، وانعكس ذلك على ما كتبوه في مجال السيرة النبوة الشريفة. فمثلا صرح الأستاذ محمد فريد وجدي في مقالاته عن السيرة المحمدية؛ قائلا: "وقد لاحظ قراؤنا إننا نحرص كل الحرص فيما نكتبه في هذه السيرة على ألا نسرف في كل ناحية إلى ناحية الإعجاز مادام يمكن تعليلها بالأسباب العادية حتى ولو بشيء من التكلف" ( فقه السيرة للبوطي: 27)؛ فهو يحاول الابتعاد ما وسعته المحاولة عن التفسير الخوارقي ولو باتباع أساليب متكلفة.
كما أن بعض كلمات الشيخ محمد الغزالي تكاد تتفق في مضامينها، مع اتجاه الأستاذ محمد عبده سالف الذكر.
ويقول الغزالي في "فقه السيرة"، وقد سرت في المسلمين لوثة شنعاء في نسبة الخوارق إلى الصالحين منهم.. ما كان محمد (ص) رجلَ خيالٍ يتيه في مذاهبه ثم يبني حياته ودعوته على الخرافة، بل كان رجل حقائق يبصر بعيدها كما يبصر قريبها.. إن النبوات بما قارنها من خوارق قد انتهت مع الماضي البعيد.. إن معجزة محمد بن عبد لله (ص) لم تكن على غرار من سبقها، بل كانت معجزة إنسانية عقلية دائمة. ( فقه السيرة 48- 52).
وحول بعض إرهاصات البعثة التي وقعت عند ولادة النبي (ص) حسب مؤرخي السيرة كسقوط شرفات من إيوان كسرى وخمود نار المجوس وانهدام الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت. يعلق عليها الغزالي وهذا الكلام تعبير غلط عن فكرة صحيحة، فإن ميلاد محمد كان حقا إيذانا بزوال الظلم واندثار عهده واندكاك معالمه (فقه السيرة: 61). وحول حادثتي شق صدر النبي (ص)، الأولى حينما كان طفلا عند حليمة السعدية، والأخرى عندما بلغ الخمسين من عمره الشريف، حسب مصادر الحديث والسيرة. ورغم ان الروايات من جهة السند صحيحة كما أبان الشيخ الألباني، ولكن الغزالي علق عليها :  لو كان الشر إفراز غدة في الجسم ينحسم بانحسامها، أو لو كان الخير مادة يزود بها القلب كما تزود الطائرة بالوقود فتستطيع السمو والتحليق، لقلنا إن ظواهر الآثار مقصودة. ولكن أمر الخير والشر أبعد من ذلك، بل البديهي أنه بالناحية الروحية في الإنسان ألصق. وأضاف: عندما ينتهي البحث إلى ضرورة استكشاف الوسائل التي يسير بها الروح هذا الغلاف المنسوج من اللحم والدم يصبح البحث لا جدوى منه لأنه فوق الطاقة. واستنتج من قصة شق الصدر أن بشرا ممتازا كمحمد لا تدعه العناية غرضا للوساوس الصغيرة التي تناوش غيره من سائر الناس. وذكر أن الخازن في تفسيره أورد واقعة شق الصدر الأولى عند تفسير قوله تعالى "ألم نشرح لك صدرك"، لكنه خالفه قائلا: وشرح الصدر الذي عنته الآيات ليس نتيجة جراحة يجريها ملك أو طبيب ويحسن أن تعرف شيئا من أساليب الحقيقة والمجاز التي تقع في السنة. ( فقه السيرة: 65-66)
ويتضح من النص السابق أنه لم يستطع هضم هذه الواقعة، ولكنه لم يصرح برفضها، ولم يحاول الغوص فيها أو التمحل والتكلف في تفسيرها.
بل ركز على ما تهدف إليه من مضمون عام، ملمحا إلى أنها قد تكون قصة مجازية رمزية ومؤكدا على أن النبي محمد (ص) بشر ممتاز يتمتع بعناية ربانية خاصة.
ويتفق السيد فضل الله مع هذا الاتجاه من جهة رفضه الاستغراق والاسترسال في تفسير كل مفاصل دعوات الأنبياء (ع) وليس فقط دعوة النبي محمد (ص) من خلال الآيات المعجزات. ويرى أن المعجزة ليست غاية الرسالات وليست أساسا في الدعوة بل هي مسألة استثنائية. يقول ضمن تفسير قوله تعالى "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي اليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر " (النحل: 43)، أما المعجزات التي تمثل الأعمال الخارقة للعادة، فقد كانت حالة طارئة استثنائية اقتضتها ظروف التحدي التي كانت تحاول إسقاط الرسالة أمام جماهير الناس البسطاء فيما كانت تمثله القوى المضادة من إمكانات" (من وحي القرآن: 13/283) ويقرر في تفسير آيات من سورة الإسراء والتي تتضمن طلب المعاندين من النبي (ص) إحداث بعض الخوارق: "وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا.. أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا.. أو ترقى إلى السماء ولن نؤمن لك حتى تخرج لنا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا" (الإسراء: 90-93)، قال: "لعل مشكلة الأنبياء في التصور المنحرف الذي يحمله الناس الذين كانوا يعيشون معهم عن فكرة النبوة والنبي، فقد كانوا يعتقدون بأن النبوة حالة غير عادية باعتبارها تفويضا إلهيا للنبي بأن يتحرك في الأرض.. إننا نعلم أن الله قد أرسل رسله من أجل أن يفتحوا عقول الناس وقلوبهم على الحق من موقع المنهج الفكري.. ولم تكن المعجزة أساسا في ذلك بل كانت ردا للتحدي الكبير الذي يحاول أن يسقط الدعوة أمام الناس كما في مسالة فرعون وموسى وأمثالها" (وحي القرآن: 14/249).
على أن فضل الله لم يتقبل تفسيرمحمد عبده لسورة الفيل. ومما لاحظه عليه أن بعض ما قاله عن احتمال أن تكون الحجارة من الطين المسموم الذي تحمله الرياح فيعلق بأرجل الطيور فيؤدي إلى تسمم الأجساد التي يدخل فيها، هو أيضا من الظواهر غير العادية لأن حمل الطيور لهذه الحجارة بهذه الطريقة أمر غير مألوف عادة فلا بد من تدخل الإرادة الإلهية الغيبية التي تخضع الأمور للسنن غير العادية. وانتهى إلى القول بأن الغيب جزء من النظام الفكري الديني فلا بد من تأكيده كمبدأ في مواجهة الفكر المادي باعتباره أصلا عقائديا في تفسيره للكثير من حقائق العقيدة.. مما لا يمنع عنه عقل ولا يثبت خلافه علم ولا ينافيه ظاهر لفظ. (من وحي القرآن: 24/489).
ويظهر أن بعض الأعلام والباحثين المشار إليهم أعلاه – كما توحي كلماتهم – لم يكونوا متأثرين بالاتجاه التوفيقي بقدر ما كان اهتمامهم منصبا على مواجهة ومعالجة ثقافة الاستغراق في تفسير حركة التاريخ ودعوات الأنبياء ورسالاتهم عبر الخوارق والمعجزات والآيات وتهميش جهودهم الكبيرة التي بذلوها لتحريك عقول أممهم وأقوامهم. فلقد هيمنت القراءة الخوارقية لحركة الرسالة والدعوة على فئة من الوعاظ والخطباء والكتاب وبعض الشرائح من الجماهير المسلمة، إلى درجة جعلتهم يرجعون جل دعوات الأنبياء وتفاصيلها ونجاحاتها وانتصاراتها إلى الخوارق والمعجزات بشكل يوحي وكأنه لم يكن ثمة دور للإنسان بما هو إنسان في حركة الدعوة، في التخطيط والتدبير واتخاذ الوسائل واتباع الأسباب ومعرفة السنن الكونية والاستجابة لمقتضياتها. وهذا النهج قادهم إلى التساهل في قبول كل الحكايات والأخبار والقصص وتبجيل المصادر التي تزخر بالخوراق والمعجزات والكرامات، دون تمييز بين غثها وسمينها وصحيحها وسقيمها ودون تدقيق في أصلها ومصدرها أو تحليل لمضامينها. وجل ما يتشبث به بعضهم لتمريرها على الناس بأنها ممكنة الوقوع بإذنه تعالى. غير أن هذا لا يثبت وقوعها التاريخي وهو ما يتطلب إثباته، سواء عبر النصوص الدينية أو البحث التاريخي. إذ إن بين مجرد الإمكان والوقوع مسافة لابد من اجتيازها للوصول إلى النتيجة، إثباتا أو نفيا. وهذا النهج المتساهل أدى إلى انتشار كثير من الإسرائيليات في مجتمعات المسلمين، بحيث تسللت إلى وعي الجماهير المسلمة وأسهمت في تشكيل كثير من مفاهيمها ونظراتها تجاه الدين ورموزه وحقائقه. وصار الناس يتهيبون من نقد هذه الحالة أو توجيه بعض التساؤلات والمناقشات حول بعض ما يطرحه هؤلاء من قصص وحكايات، خوفا من أن يوصفوا ببعض الأوصاف الجاهزة المعروفة، من قبيل رميهم بالتشكيك في قدرة الله تعالى أو التنقيص من منازل الأنبياء أو إنكار المعجزات والحقائق الغيبية أو التأثر بالشرق والغرب وما إلى ذلك.
إن إجراء البحث التحليلي النقدي للأخبار والحكايات والقصص التي تزخر بها بعض مصادر التراث، ضرورة ملحة لسلامة منهج البحث وصدقية النتائج التي ينتهي إليها.

                   

 

يلاحظ على بعض آراء و كلمات الباحثين و المفكرين السالفة الذكر  ،  أنّها تستبطن مفارقات تستحق التوقف عندها. فأثناء المقارنة بين القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى، وصفت الكتب السماوية ضمنا بمفارقة العقل، وأشير إلى الآيات المعجزة وكأنّها مصادمة للعقل وصنفت الأمم السابقة بأنّها لم تبلغ مستوى الرشد والفهم ولهذا كانت الآيات التي أجريت على أيدي أنبيائها مادية غير عقلية أو فكرية. والسؤال الذي يطرح هنا:   هل حقًا إنّ الكتب السماوية المقدسة الحقيقية كانت غير متآخية مع العقل؟ وكيف يمكن ذلك مع أنّها كتب منزلة من الله تعالى؟ والقرآن ينعتها بالهدى والنور" إنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور" ( المائدة /44) ويقول" وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور" ( المائدة 46) من هنا لا أستبعد أن يكون قصد الأستاذ محمد عبده منها الكتب الدينية المتداولة.
وإذا لم يخاطب الله تعالى ورسله الكرام الأمم السالفة ، استنادًا إلى العقل والفطرة فبماذا  خاطبوها إذاً؟ وهب أنّ تلك الكتب السماوية اشتملت على الخوارق المادية التي جاء بها الأنبياء السابقون عليهم السلام، فهل الخوارق تتناقض مع مبادئ العقل؟ وهل كل ما لا يقدر العقل البشري فهم أسراره وإدراك قوانينه يعتبر مضادًا له؟
إنّ كثيرًا من الآيات القرآنية تفيد خلاف ذلك. وتؤكد أن الأنبياء (عليهم السلام) كانوا يحاورون أقوامهم ويجادلونهم بأساليب منطقية ليحركوا عقولهم ويوقظوا تفكيرهم و يحرروهم من الخرافات والأوهام وعبادة  الأوثان والكواكب ويخلّصوهم من تأثيرات الآباء والعقائد الموروثة الباطلة و ما شابه.  يقول سبحانه" قالت لهم رسلهم أفي الله شك فاطر السموات الأرض" (إبراهيم/ 10) و    نقرأ عن أساليب الدعوة التي اتبعها النبي نوح " ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا* فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا* مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا" ( نوح/8-17) و نقرأ عن دعوة النبي إبراهيم (ع) " وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله و اتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا، ان الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا… " ( العنكبوت/16-17) و لنقرأ حوراه مع أبيه " إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، " (مريم/ 42-43)  و لنقرأ عن حوار النبي موسى مع فرعون " قال فمن ربكما يا موسى، قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثمّ هدى، قال فما بال القرو ن الأولى، قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي و لا ينسى " (طه /49-50) ثمّ حدّثهم بنعم الله ومظاهر خلقه فقال:" الذي جعل لكم الأرض مهدًا وسلك فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى، كلوا وارعوا أنعامكم إنّ في ذلك لآيات لأولي النهى"  طه /53- 54) ويقص الله تعالى عن أساليب الحوار و النقاش المنطقي التي اتبعها الأنبياء (عليهم السلام) مع المترفين عبر التاريخ، يقول تعالى" وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون، قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم، قالوا إنّا بما أرسلتم به كافرون " ( الزخرف/23-24)
 وهكذا نجد أن القرآن حافل بآيات كثيرة تؤكد أنّ الأنبياء كانوا يستخدمون مختلف أساليب الحوار الإقناعي والجدال الفكري مع أقوامهم وأممهم. وكانوا يدعون أقوامهم إلى النظر  في آيات الله تعالى والتدبر في مظاهر خلقه، ويخاطبون عقولهم  ويذكّرونهم بنعمه عليهم، إلى جانب الترغيب والترهيب. ولم تقتصر دعواتهم على إظهار الخوارق والآيات المعجزة فقط . و لهذا يقول تعالى " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى…." (يوسف/111)
صحيح أنّ البشرية تسير في مدارج الإرتقاء والتكامل بفعل التراكم المعرفي والحضاري، و  تحرز مزيدا من التقدم العلمي و المدني كلما تقدمت حركة التاريخ. ولكن هذا لا يعني أن البشرية في سالف الأزمنة لم تكن تعي الحقائق الفطرية والبديهيات العقلية. وتاريخ الحضارات والمدنيات ومسيرة العمران البشري تشهد بخلاف  ذلك. والقرآن الكريم تحدث مبكرا عن تكريم الله تعالى للإنسان بالعلم " وعلم آدم الأسماء كلها…." ( البقرة /31)  نعم ورد في بعض الروايات عن النبي (صلى الله عليه وسلم)  نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم. و هذا مضمون تربوي ومنطقي وعقلائي اتّبعه جميع الأنبياء (عليهم السلام) بمن فيهم خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم). فقد كانوا يخاطبون النّاس على قدر عقولهم، فيبسطون لهم المفاهيم ويقرّبونها إلى أفهامهم وعقولهم. لأنهم جمدوا عقولهم  وعطلوا تفكيرهم وجعلوهم في سبات عميق بما قدموه من الآيات المعجزة  أو تحدثوا  معهم بحديث الخرافة و الخيال  و اللامعقول .
إنّ الدارس المتتبع للقرآن الكريم يجد أن الأنبياء (عليهم السلام)  بشكل عام اعتمدوا في دعوتهم في الأعم الأغلب على الحوار و الجدال ومحاولة الإقناع الفكري  في مجال معارف الدين و حقائقه ولم يعتمدوا فيها على الآيات المعجزة.
إنّ دور الآيات المعجزة اقتصر على تأكيد صدقية الرسل في دعواهم كونهم رسل الله إلى أقوامهم، و لهذا احتاجوا إلى تقديم دلائل وآيات خارقة للعادة لا تغلب من قبل البشر بأي حال من الأحوال. فالأنبياء لم يأتوا بالآيات المعجزات لإثبات شيء من معارف المبدأ والمعاد مما يناله العقل كالتوحيد والبعث و أمثالهما وإنّما اكتفوا في ذلك بحجة العقل والمخاطبة عن طريق النظر كقوله تعالى " قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السمات و الأرض…. (إبراهيم /10) وإنّما سئل الرسل المعجزة لإثبات رسالتهم وتحقيق دعواها  (الميزان 1/84). أي أنّ وظيفة الآيات المعجزة التي زوّد بها الأنبياء عليهم السلام، هي في المقام الأول لإثبات صدق دعواهم بأنّهم مبعوثون من قبل الله تعالى.
ثم إنّ اعتبار الآيات المعجزة على أنّها وسائل تشل العقل و تجمد التفكير، وتشبيهها بالخيال ووصفها باللامعقول كما في بعض الكتابات، يرجع في النتيجة إلى الله سبحانه وتعالى.   بالتالي أنّ ذلك يعني أنّ الله تعالى تعامل مع البشر من أمم الأنبياء بهذه الطرق اللامعقولة حتى يضطرهم إلى الإيمان من غير اقتناع منهم!! أو أنّه سبحانه وتعالى جارى الثقافة الخيالية و الأسطورية والخرافية التي سادت في مجتمعاتهم، فعمّقها فيهم وأسبغ عليها الشرعية و المشروعية الدينية! ومما لا شك فيه أنّ ساحة الحكيم المطلق والغني الحميد تتنزه عن مثل ذلك. و من حق المرء أن يبدي استغرابه من بعض الكلمات التي شبهت الآيات الخارقة بالخيال وقرنتها بالسبات، في الوقت الذي نجد القرآن الكريم يعبر عنها بالآيات والبينات والبراهين. يقول تعالى لنبيه موسى (عليه السلام) "… فذانك برهانان من ربك… " ( القصص /32) و يقول " فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى…" ( القصص/36) و في المقابل يعتبر القرآن أعمال السحرة أقرب إلى الخيال، فيقول عنها "… فإذا حبالهم وعصيّهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى…  " ( طه66 ) ويصف تأثيرها السحري الظاهري في آية أخرى   بقوله "… سحروا أعين الناس  واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم"  (الأعراف 116) 
 كما أنّ القرآن بنفسه حافل بقصص الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، و ما أجراه الله تعالى من آيات خارقة على أيديهم، وهي بمجموعها تعتبر جزءا صميمًا من القرآن الكريم .  بل إنّ الاعتقاد بها هو جزء من عقيدة المسلم، فليس بوسع مسلم أن ينكرها أو يكذبها لأنّه بذلك يعد مكذبا للقرآن الكريم. فهل يعني ذلك بأنّ الكتاب السماوي للمسلمين يتضمن أمورًا خرافية   أو أنه زاخر بقصص الخيال و اللامعقول؟ وهل يعني ذلك أنّ جزءا مهمًا من عقيدة المسلم لا يعدو أن يكون حكايات خيالية تصنف ضمن خانة اللامعقول؟ من ناحية أخرى، إنّ القرآن هو أيضًا آية خارقة للمألوف و للنواميس الطبيعية، وإن كان إعجازه متميزا ومختلفا عن غيره، ولكنه في النتيجة خارق للعادة وللمألوف من السنن. مضافا إلى أنّ القرآن أشار إلى وقوع بعض الآيات الخارقة المحسوسة زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) من قبيل شق القمر والإسراء والمعراج والإمداد الملائكي في واقعة بدر. ولئن اختلف في تفسير بعضها، فهل يختلف في  الإعجاز الخبري بالمغيبات التي تضمّنها القرآن الكريم عن الماضي والحاضر للنص و المستقبل؟ ( الجواهر 1/118 ) تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ عبده كما في الأعمال الكاملة  أكد الإخبارات الغيبية في القرآن. وهنا نتساءل كيف يقرأ  الحداثيون، خطاب الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) يخبره فيه باستماع نفر من الجن إليه وإيمانهم به بقوله " قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبًا، يهدي إلى الرشد فآمنا به " ( الجن /1)  فهل يدرج كل ذلك ضمن مساحة الخيال أو الأسطورة أو اللامعقول في كتاب الله تعالى حتى لو كانت قليلة؟ 
 إنّ الآيات المعجزة التي أتى بها الأنبياء (عليهم السلام) لا يرفضها العقل، لأنّها ليست مستحيلة من الناحية العقلية ولا ممتنعة التحقق بالذات بحيث يبطلها العقل أو ينفيها أو لا يؤمن بها. وهي لا تتعارض مع  مبادئ العقل الضرورية ولا تنتهي إلى ما يضادها، حتى يرفضها العقل القطعي كما يرفض بعض المقولات من قبيل: أنّ الواحد ليس نصف الإثنين أو أن الجزء ليس أصغر من الكل،و لا تقرر إمكانية اجتماع النقيضين وارتفاعهما  معًا من كل جهة وما شابه من الأمور الممتنعة عقلا ( الميزان للطباطبائي 1/75).
كما أنّ الآيات المعجزة لا تتعارض مع قاعدة العلية وقانون  السببية الذي يقرره العقل. بل غاية ما في الأمر أنّها تخالف ما اعتاده البشر بحسب القوانين و السنن الطبيعية. فهي تخرق ما اعتاده الناس و ما ألفه الناس ولا تخرق واضحات العقل ومبادئه البديهية. نعم إنّها لا تخضع للحواس ولا للأنظمة التجريبية المادية ومن ثمّ فهي خارجة عن اختصاص علوم الطبيعة بفروعها المختلفة، فليس من اختصاصها إثباتها أو نفيها.
إنّ الآيات المعجزة تعبّر عن شكل من أشكال التصرّف الإلهي في السنن والقوانين الكونية، وهي – الآيات الخارقة –  تخضع لقوانين وسنن أخرى غير مادية لم يطلع عليها البشر العاديون. وهو أمر ليس بعسير على الله تعالى الذي خلق الطبيعة ووضع قوانينها و نواميسها و معادلاتها، فهو  القادر على  كل ممكن وعلى كل مقدور، فهو على كل شيء قدير. يقول تعالى "… وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون" (المؤمن 78) فالآيات الخارقة هي أمر من أمر الله تعالى الذي قال عنه عز وجل في سياق حديثه عن الروح " … قل الروح من أمر ربّي، و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (الإسراء /85) .
 

 
Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً