حيدر حب الله(*)
المقدّمة
عندما نراجع كتب الكثير من الفقهاء المسلمين، نجدهم يدرجون الزكاة والخمس في كتاب العبادات، فيما يخرجون الجزية ودفع الخراج عن المجال العبادي، بل يصرّح كثيرٌ منهم بأنّ الزكاة والخمس من العبادات([1])، ويدخل أيضاً في مجال العبادات الكفّاراتُ، حيث يشترط فيها ـ كالزكاة والخمس ـ قصد القربة إلى الله تعالى.
ومعنى ذلك كلّه أنّ الزكاة والخمس لا يكفي فيهما مجرّد وصول المال إلى الفقير أو المستحقّ، وخروج عشرين في المائة من أموال زيد لتدخل في أموال عمرو الفقير، أو خروج اثنين ونصف في المائة من أموال بكر لتدخل في أموال خالد الفقير، فلو حصل ذلك من دون نية القربة من زيدٍ أو بكر لم يجزِء، ووجب عليهما الدفع مرّةً أخرى.
وكأنّ الفقه الإسلامي لم يلاحظ حالة معاملة تقع بين الطرفين في الزكاة ـ كما هي الحال في البيع أو الإجارة ـ فأخرجها عن إطار باب المعاملات، ليُدخلها في باب العبادات([2]). وقد أرسل الكثيرون هذه القضيّة إرسال المسلّمات، ولم يُنسب الخلاف في ذلك إلا إلى الإمام الأوزاعي، حيث اعتبرها دَيناً، فلا يجب فيها (أي الزكاة) النية كسائر الديون([3]). ويظهر من الشيخ الفيّاض في بحوثه الاستدلاليّة أنّ المسألة احتياطيّة عنده([4])، وإن كانت فتواه في رسالته العمليّة واضحة في العباديّة([5]).
كما يُلفت هنا الموقف الوسطي الذي اتخذه السيّد محمد باقر الصدر في رسالته العملية ـ الفتاوى الواضحة ـ حيث أخرج الزكاة والخمس من دائرة العبادات في تقسيمه الرباعي للفقه إلى عبادات، وأموال، وسلوك خاص كالزواج، وسلوك عام كالجهاد والقضاء و.. ووضعها في دائرة الأموال، ضمن قسم الأموال العامة، مع أنّه جعل الكفارات في قسم العبادات، مصرّحاً بأنّ الزكاة والخمس من العبادات لكن يعتبر الجانب المالي فيهما أبرز من الجانب العبادي([6])، إلى جانب ما نجده في تعليقته على (منهاج الصالحين للسيد الحكيم) حيث ذكر أنّ قصد القربة واجب في الزكاة، لكن لو أخرجها بدون قصد القربة لا يبعد الصحّة، وإن كان الأحوط العدم، ووافقه فيه بعض الفقهاء([7]).
على أيّة حال، نجد هذا الموضوع هاماً لتحديد الضرائب أو الإعانات الماليّة في الإسلام، وتصنيف موقعها وما يترتّب عليه من آثار فقهيّة، فلو أخذت الدولة الإسلاميّة ضرائب اليوم تحت مسمّيات متعدّدة من أموال من يجب عليهم الزكاة، لتصرِفها في المصالح العامة (سبيل الله)، فهل هذا الإخراج من مال الغنيّ لصالح الدولة يحقّق إخراج الزكاة أو الخمس من ماله، حيث لا يحتاج الأمر إلى قصد ونية أو لا؟ إلى غيرها مما سنلاحظ آثاره لاحقاً إن شاء الله.
ونفضّل أن ندرس كلّ واحدة من الضرائب أو النشاطات الماليّة على حدة، من حيث عباديّتها وعدمه، وهي: الزكاة والخمس والكفارات والجزية والخراج والوقف والأنفال، وسيتضمّن بحثُ العباديّة أدلّةَ أصل أخذ النيّة أيضاً، فليلاحظ.
1 ـ ضريبة الزكاة واشتراط القربة في الدفع
قلنا بأنّ مشهور الفقهاء المسلمين اشترطوا في الزكاة دفعها بقصد القربة إلى الله سبحانه، وأبرز أدلّتهم في ذلك ما يلي:
1 ـ 1 ـ مستند الإجماع والتسالم الإسلامي، ملاحظات نقديّة
الدليل الأوّل: الإجماع الإسلامي، بل تسالم الفريقين ـ كما أسلفنا سابقاً ـ على اعتبار الزكاة من الأمور العبادية، وهذا الإجماع كان المستند الوحيد لبعض الفقهاء، الذين يظهر منهم عدم قبول أيّ دليل آخر في المسألة عداه، مثل السيد محمّد الروحاني، حيث لابد لهذا الإجماع من أن يكون صادراً عن الشرع في النهاية([8]).
ويناقش: بأنّ هذا الإجماع ـ لو تمّ ـ محتمل المدركيّة، إنطلاقاً من الوجوه القادمة التي سوف نشير إليها إن شاء الله سبحانه، ولا يغيّر في تأثير المدركيّة حصول التسالم الذي هو رتبة أقوى من الإجماع بحسب عبارات الفقهاء؛ لأنّ المرجع إلى خصوصيّة واحدة وهي الكشف، فكما تتعطّل طاقة الكشف في الإجماع بالمدركيّة، يمكن أن يتعطّل التسالم كذلك، لوحدة الخصوصيّة.
هذا، وقد شكّك الشيخ المنتظري والشيخ الفياض في انعقاد إجماع، على أساس أنّ المسألة لم تكن معنونة في كلمات المتقدّمين من الفقهاء، فكيف نحرز وجود إجماع؟!([9]). وأمّا قول الشيخ الطوسي وغيره بأنّ عليها اتفاق الفقهاء عدا الأوزاعي([10])، فهو يدل على توافق أهل السنّة عليه لا الإماميّة، ولهذا لا نجده ذكر شيئاً ولا غيره من الفقهاء المتقدّمين حول هذا الموضوع في غير كتاب المبسوط والخلاف، مما ينظر فيهما عادة لآراء أهل السنّة([11])، وربما يُعتبر تشكيك الشيخ المنتظري غير بعيد. كما أنّ مخالفة الأوزاعي ليست هيّنة أيضاً.
يضاف إلى ذلك أنّ كلمات بعض العلماء في هذا الموضوع من المذاهب كافّة ظاهرة في شرط النيّة، لا في شرط القربة بالضرورة، بمعنى أنّ خروج المال نحو الفقير، لابد أن يكون مقصوداً من قبل المالك، أمّا أن يكون قربيّاً فهذا غير واضح من عبارات هؤلاء، ولهذا تجد أنّ المحقّق الحلّي يستدلّ لشرط النيّة في الزكاة بأنّ الزكاة عبادة، فلزم فيها النيّة([12])، ولا معنى لهذا الاستدلال لو كان مقصوده بالنيّة هو نفس العباديّة كما هو واضح، فلتراجع كلماتهم بدقّة أكثر ليظهر هذا الأمر.
1 ـ 2 ـ مرجعيّة أصالة الاحتياط أو التعبديّة، نقد وتعليق
الدليل الثاني: أنّ ذلك هو مقتضى الأصل عند الشك، فنحن نعرف أنّ الزكاة واجبة علينا، ونريد تفريغ ذمّتنا من هذا التكليف الثابت، وحيث إنّنا لو دفعنا الزكاة من دون قصد القربة نشكّ في فراغ الذمّة، فيلزمنا قصد القربة لإحراز فراغها؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
ويمكن أن نصوغ مقتضى الأصل والقاعدة بصياغة أخرى وهي: إنّ الأصل في المأمور به أن يكون عبادياً لو دار الأمر بين عباديّته وتوصّليته، وهذا الأصل جارٍ هنا ما لم تثبت التوصّلية بدليل.
وهذا الدليل قابل للمناقشة، من جهة أنّ قاعدة الشغل اليقيني تقع في مرتبة لاحقة على أصل البراءة، فإذا ثبت أنّ أصل البراءة جارٍ في موردٍ ما لم يعد هناك معنى لإجراء قاعدة الشغل اليقيني في المورد نفسه، وهنا تجري البراءة عن قيد قصد القربة؛ لأنّه من القيود التي تلحق التكليف وتقع في رتبة الشك فيه.
وأمّا ما قيل عن أصالة العباديّة، فهو مبنيّ على القول بعدم إمكان أخذ قصد الأمر في متعلّق الأمر، والتحقيق ما ذهب إليه المحقّقون من الأصوليّين من أصالة التوصّلية، فليراجع في كتب أصول الفقه.
1 ـ 3 ـ نصوص أصالة العباديّة في الأفعال، وقفة وملاحظة
الدليل الثالث: ما قد يقال([13]) من أنّ مقتضى الدليل العام هو أنّ الفعل عباديّ إلا ما خرج بالدليل، وهذا غير ما تقدّم في الدليل الثاني من أصالة التعبّدية عند الشك. ومرجع الدليل العام إلى مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيْمُوْا الصَلَوةَ وَيُؤْتُوْا الزَّكَاْةَ..﴾ (البينة: 5).
حيث يفيد هذا النصّ القرآني الحصر بأنّ ما اُمرنا به ليس سوى العبادة عن إخلاص، فيكون هذا الحصر بمثابة القانون الذي لا يُخرج عنه إلا بدليل، وحيث إنّ هذا النص واضح في العبادية والإخلاص، فيكون الأصل في الأعمال العباديّة، ومنها الزكاة والخمس والكفارات وغير ذلك.
ومن نماذج النصوص المقعّدة للأصل هنا الخبرُ المعروف المتواتر بحسب تعبيرهم: «إنّما الأعمال بالنيات»([14])، فإنّه يفيد الحصر للأعمال بأن تكون بالنيّة، فلو لم تقع النية فلا عمل، والتوصّليّات مما يقع بلا حاجة إلى النية، تماماً كطهارة الثوب المتنجّس، فإنّ غسله بالطريقة المقرّرة شرعاً يوجب طهارته حتى لو لم يقصد الغاسل الطهارة أساساً، وهذا يعني أنّ الأصل في العمل أن يكون عن نية، أي ليس توصّلياً.
إلا أنّ الذي يبدو عدم صحّة الاستدلال بمثل هذه النصوص لتأسيس قاعدة العبادية في الأعمال، فإنّها أجنبية تماماً عن ذلك، ولكي نطبّق إشكالنا على هذين النصّين المشار إليها يمكن القول بأنّ الآية الكريمة وقعت في سياق انتقاد أهل الكتاب، ففي الآية السابقة عليها قال تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾، وفي الآية للاحقة جاء قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾، فالسياق ليس سياق تأسيس قاعدة في الأعمال بقدر ما المراد من الحصر هو ما قابل وأضيف إلى من تخاطبهم الآيات من أهل الكتاب، فكأنّ الآية تريد أن تقول: إنّ أهل الكتاب انحرفوا عن المسار الصحيح، فهم لم يؤمروا بما يدّعون، بل أمروا بعبادة الله وحده حنفاء على ديانة إبراهيم، وأين هذا المعنى من استدلال المستدلّ هنا؟! فإنّ الآية لا يُفهم منها أنّ كلّ أمر من عند الله هو عبادي، وإنّما يفهم منها أنّ الله لم يأمر بعبادة سواه خلافاً لما فعله المشركون وأهل الكتاب، ولا أقلّ من عدم ظهورالآية فيما يطرحه المستدلّ هنا.
أمّا الحديث الشريف، فإنّ المفهوم منه ـ لا سيما بقرينة ذيله ـ أنّ الإنسان يحاسب على قصده ونيته، فمن هاجر لله كان قصده لله وهو الذي يثيب، وأمّا من هاجر للدنيا وللنكاح وللتجارة فليس له عند الله سوى هذا ، فاقتطاع هذا الذيل أوهم أنّ الحديث مرتبطٌ بهذا الموضوع، وبعبارة أخرى: لا يريد الحديث أنّ يقول لا يُعمل عملٌ ولا يصحّ إلا بقصد القربة، وإنّما يريد أن يقول بأنّ الإنسان في مآلاته وثوابه وعقابه رهينُ ما يقصد، وإلا لو أخذ المعنى العام الذي قصده المستدلّ هنا للزم تخصيص الأكثر المستهجن عرفاً، أو إطلاق العام وإرادة الجزء الأقلّ منه، بعد العلم بعدم كون الأغلبية الساحقة من أعمال الناس من نوع العبادات القربيّة كما هو واضح.
هذا، وقد أقرّ الشيخ المنتظري هنا بأنّه لو صحّ الاستدلال بهذه النصوص وأمثالها للزم تخصيص الأكثر المستهجن عرفاً، فإنّ أكثر الأعمال لا تقع قربيّةً في الشرع([15])، وهو وجيه كما رأينا، ويجري في كثير من الآيات التي ذكروها وجملة من الأدلّة المتقدّمة واللاحقة، فلاحظ حتى لا نطيل.
1 ـ 4 ـ مرجعيّة الارتكاز المتشرّعي، تفكيك وتشكيك
الدليل الرابع: ما ذكره السيد الخوئي وغيره، من الاستناد إلى الارتكاز المتشرّعي الراسخ في الأذهان في أنّ الزكاة من العبادات، وارتكاز المتشرّعة كاشفٌ عن الموقف الشرعي([16]).
ويناقش بأنّ هذا الارتكاز لا يُحرز وجوده في عصر النصّ الذي هو العمدة في الكشف عن موقف المعصوم، ولو أحرزه المستدلّ فليبيّن لنا منشأ فهمه لحصول هذا الارتكاز عندهم، وهل في طبيعة أسئلتهم مثلاً ما يوحي بمفروغيّة الإرتكاز أو لا؟ وأين؟ وإلا فصرف ادّعاء الارتكاز اعتماداً على وجوده في أذهان المتشرّعة اللاحقين الذين يمكن أن يكون الارتكاز قد تولّد عندهم نتيجة تراكم الفتاوى والاتفاق الفقهائي على الموضوع.. لا يثبت الحكم الشرعي وموقف المعصوم.
بل قد ندّعي عدم وجود هذا الارتكاز، وذلك أنّ الزكاة كانت تجبى من قبل الدولة، ومن الطبيعي أن يدفع بعض الناس زكاتهم إجباراً؛ لعدم تديّنهم مثلاً أو عدم إرادتهم الدفع للسلطان، فلو كان قصد القربة شرطاً مرتكزاً في الأذهان لكان من المفترض أن يُسأل عن حكم أولئك الذين دفعوا زكاتهم للدولة مجبرين ولو كانت الدولة شرعيّةً، نظراً لكثرة الابتلاء بهذا الموضوع، بصرف النظر عن كون الدافع للدولة شيعياً أوغيره، ما لم نقل بالتمييز الذي طرحه السيد الصدر من جعل قصد القربة واجباً لكن من دونه لا تبطل الزكاة، فيفيد هذا الوجه الذي قدّمناه بمقدار.
1 ـ 5 ـ حديث دعائم الإسلام وأركانه، مطالعة نقديّة
الدليل الخامس: ما ذكره السيّد الخوئي، من أنّ الزكاة عُدّت في بعض الأحاديث الشريفة من مباني الإسلام وأركانه الخمس، وهي أحاديث وردت عند السنّة والشيعة، بل في بعض الأخبار أنّ الواحدة من هذه الأركان لا تُقبل إلا بالأخرى، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع ومقارنتها مع أخواتها من سائر العبادات، ولاسيما الصلاة، تقضي بأنّ الكلّ من سنخٍ واحد في اعتبار العبادية([17]).
وهذ الوجه جيّد، لكن ينبغي التوقّف قليلاً عند حيث الدعائم هذا، وذلك:
أولاً: إنّه يشير إلى أنّ الإسلام قد بُني على عدّة أمور، وهنا ينبغي أن نعرف: ما هو المراد من الإسلام؟ فإنّ للإسلام معنيين محتملين في الحديث:
أحدهما: الفعل والأمر الذي يقوم به الفرد، فيتحقّق به انتماؤه لطريق الله المستقيم، فيكون المراد أنّ إسلام كلّ فرد ينبني على عدّة أمور، ولا يكون إسلامه إلا بها.
ومن هذا المعنى انطلق السيّد الخوئي ـ فيما يبدو ـ في تفسير هذا الحديث النبوي المشهور، فإنّه إذا كان إسلام كلّ فرد لا يقوم إلا على هذا، فهذا يُفهم منه عرفاً أنّ هذه الأمور تقع عن نيّة وقصد إلهي.
ثانيهما: أن لا يُقصد من الاسلام في الحديث إسلام الفرد، بل يراد منه الظاهرة والمنظومة التي جاء بها الرسول، بمعنى أنّ هذا الدين يقوم على الصلاة والزكاة والشهادتين والولاية والحجّ وغير ذلك مثلاً، فلا إسلام من دون شهادتين، ولا إسلام من دون صلاة، ولا إسلام في الحياة من دون الحجّ، وكذلك لا إسلام من دون زكاة، فأيّ إسلام لا تكون في هذه الأمور، لا يصلّي فيه الناس، ولا ينفق الغني منهم على الفقير فيه، ولا يحجّ فيه الناس، فليس بإسلام، تماماً كما يقال من أنّ الإسلام قد قام بسيف علي ومال خديجة، أو نقول: لا إسلام من دون عدالة اجتماعيّة مثلاً.
فالإسلام منظومة لها أسس، وهذه الأسس هي الأركان الخمسة، نعم لو عبّرت النصوص بالإيمان بما هو فعل قلبي لم يعد يمكن هذا التفسير.
وما يبدو لي هو أنّ أغلب صيغ هذا الحديث يُقصد منها المعنى الثاني، وهو أنّ هذا الدين مبنيّ وقائم على أركان لا يوجد من دونهما، ومن ثم لا علاقة له بالجانب الذاتي الفردي.
ولهذا كلّه، لا يمكن أن نستفيد عباديّة الزكاة من قرنها الكثير بالصلاة في الكتاب والسنّة، كما ألمح إلى هذه النقطة الأخيرة الشيخ الفياض أيضاً([18]).
ثانياً: حتى لو أخذنا بفهم السيّد الخوئي، فلا دلالة في الحديث على عباديّة الزكاة بالمعنى المشهور؛ فلو أنّ شخصاً يزكّي ويُنفق ويُخرج ماله للفقراء، لكن لا بقصد القربة؛ بل لأنّ هذا العمل خيرٌ وحسن، لماذا لا يشمله الحديث، فيرى أنّه حقّق ما يريد الإسلام، بصرف النظر عن تفاصيل نيته إلا بنحو المصادرة على المطلوب؟!
ومجرّد أنّ سائر ما ورد في الحديث هو من الأمور العباديّة لا يكفي لجعل الزكاة أمراً عبادياً، كما هو واضح.
ثالثاً: لو أنّ شخصاً اعتقد بأنّ الله واحد وأنّ محمداً رسوله، نتيجة بحث علمي، ولم يعش قصد القربة في اعتقاده، وإنما اضطرّ إليه اضطراراً عبر المقدّمات العلميّة، هل لا يصدق عليه أنّه مسلم؟! وقد ورد في بعض صيغ هذا الحديث ـ كما في صحيح البخاري وخصال الشيخ الصدوق وغيرهما([19]) ـ أنّ الشهادتين من الخمسة التي بني الإسلام عليها، فكيف يمكن الحكم بإسلامه مع أنّه لم يقصد القربة بذلك؟!
رابعاً: إنّ الحديث عن أنّ بعض الروايات ذكرت أنه لا تُقبل الواحدة من دون أخرى، لا يصحّ شاهداً، بل المراد أنّه لا تُقبل صلاة إنسانٍ يمنع المال عن الفقير، أما من يعطي الفقراء ـ سواء عن قصد القربة أو لغير ذلك ـ فهذا تقبل صلاته، وهكذا لا يقبل إحسان الغني على الفقراء ـ ولو بدافع إنساني فطري ـ إلا بالصلاة وعبادته لله فيها.
والحاصل أنّ هذا الحديث وإن كان الاستدلال به جيداً، إلا أنه غير تام فيما يبدو.
1 ـ 6 ـ اندراج الزكاة في مفهوم الصدقة العبادي، تأمّل وتحليل
الدليل السادس: ما ذكره السيد الخوئي وغيره أيضاً، من أنّ الزكاة قد عبّر عنها في الكتاب والسنّة بالصدقة كما هو معروف، كما عبّر عن العامل عليها في بعض الأخبار بالمصدّق، ومن المعلوم أنّ الصدقة ـ واجبةً كانت أم مندوبة ـ يعتبر في مفهومها قصد القربة، بل هذا هو الفارق بينها وبين الهديّة([20]).
ولعلّ هذا الوجه من أقوى الوجوه التي تطرح في المقام، إلا أنّ ما يجب التركيز عليه هو معنى الصدقة في اللغة العربية وتمييزها عن الهبة والهدية، فإنّ الكلمة ليست ابتكاراً قرآنياً، بل لها وجود عند العرب قبل الإسلام، وقد استخدمها القرآن الكريم عنواناً للزكاة، وكان الاستخدام القرآني هذا أساساً في نحت مصطلح ثانٍ للزكاة وهو الصدقة، ولهذا استخدم هذا التعبير في حقّها وما يشتقّ منه كالمصدّق وغير ذلك.
ولو رجعنا إلى التحليل اللغوي لما رأينا فكرة قصد القربة إلى الله وامتثال أوامره جزءاً من مفهوم الصدقة في كلمات اللغويين المحقّقين([21])، وإنّما سمّيت صدقة من الصدق الذي يرجع إلى معنى القوّة والاستحكام. والفرق بين الصدقة والهدية واضح، فإنّ الصدقة في لغة العرب يؤخذ معها مفهوم الإعانة والمساعدة بخلاف الهدية، فإذا أعطيت الفقير مالاً لفقره كي ترفع عجزَه كان ذلك صدقةً، وأما إذا أعطيت الغني مالاً لا لأجل ذلك كانت هدية، ولعلّه لهذا قال الجوهري في الصحاح: «والصدقة: ما تصدّقت به على الفقراء»([22]).
ومن هنا، استخدم القرآن الكريم في حقّ إخوة يوسف عندما عمّهم العجز التعبيرَ التالي: ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ (يوسف: 88)، فلا علاقة لمفهوم الصدقة في اللغة العربية بالجانب الشرعي، وإنما ترتبط بمفهوم الإعانة والمساعدة وإنقاذ الغير وتفريج همّهم وكربهم ورفع مشاكل المحتاجين بدفع المال إليهم، ولهذا كانت الصدقة مما يمكن أن تحتوي المِنّة ويترقّب فيها ذلك؛ فمن يتصدّق على شخص يمكن أن يمنّ عليه، أما مطلق الهدية فلا منة فيها عادةً، قال تعالى: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 263 ـ 264).
وارتباط الصدقة بالقربة إلى الله مفهوم تأسّس بالتدريج في الثقافة الإسلاميّة، وإلا فنحن نلاحظ القرآن الكريم يتحدّث عن الصدقة عن قربة بتعبير (الإنفاق في سبيل الله او ابتغاء مرضات الله) أو ما شابه ذلك، فعندما يدلّ الدليل على قصد القربة تصبح الصدقة ذات معنى شرعي خاصّ، وإلا ففي النصّ القرآني لا تعني ذلك ـ مبدئيّاً ـ بحسب اللغة العربيّة.
ونستنتج ممّا تقدّم، أنّ مفهوم الصدقة لا يستبطن العبادية، لكن حيث ركّز القرآن على الإنفاق على المحتاجين ابتغاء رضا الله تعالى تبلور مفهوم الصدقة الشرعي، وهذا غير أنّ كلّ مورد استعملت فيه كلمة الصدقة فهي تدلّ على شرط القربة إلى الله، فليلاحظ.
نعم، يمكن أن يستدلّ هنا بطريقة أخرى لعلّها هي مقصود السيد الخوئي، وحاصلها أنّ الزكاة تعرف في الوسط الفقهيّ والمتشرّعي وبلغة الكتاب والسنّة على أنّها صدقة، كما يُطلق مصطلح الصدقة أيضاً في حقّ أمور أخرى، وبناءً عليه فإذا جاء نصّ لاحق من أحد الأئمة^ يعلن فيه أن لا صدقة إلا ما اُريد به وجه الله تعالى، فيكون هذا الحديث مفيداً لنفي تحقّق الزكاة ـ والتي هي صدقة بنصّ الكتاب والسنّة ـ عند عدم القربة إلى الله تعالى، وهذا ما يفيد اشتراط القربيّة في الزكاة وغيرها من الصدقات، بحيث لو اُتي بها بدون قصد القربة فتكون بحكم العدم، فيجب إعادة إخراجها من جديد كما هي فتوى مشهور الفقهاء.
وأهم النصوص الدالّة على نفي الصدقة بدون قصد القربة ما يلي:
1 ـ خبر حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله× قال: «لا صدقة ولا عتق إلا ما اُريد به وجه الله عز وجلّ»([23]). ونحوه خبر حمّاد وابن اُذينة وابن بكير وغيرهم([24]).
2 ـ خبر جميل، قال: قلت لأبي عبدالله×: الرجل يتصدّق على ولده بصدقة وهم صغار أله أن يرجع فيها؟ قال: «لا، الصدقة لله عز وجلّ»([25]).
3 ـ خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه×، قال: «من تصدّق بصدقة ثم ردّت عليه فلا يأكلها؛ لأنّه لا شريك لله عز وجلّ في شيء فيما جعل له..»([26]).
وغير ذلك من النصوص التي يمكن أن تراجع في محلّها، فلا نطيل.
وقد يقال في مقابل ذلك:
أولاً: إنّ كلمة الصدقة مصطلح يطلق تارةً ويراد به معنى عام، وثانيةً ويراد به معنى خاص، تماماً كمصطلح الغنيمة الذي هو مشترك بين معنى عام هو مطلق الفائدة، ومعنى خاص وهو ما يؤخذ من مال العدو في الحرب، وككلمة الخمر التي تطلق تارةً بالمعنى العام المساوق لكلّ مسكر خامر العقل، وأخرى على المعنى الخاصّ الذي يعني الشراب العنبي المسكر نتيجة تعتيقه بالتدريج حتى صار مسكراً بنفسه.
وعليه، فإذا أطلقت كلمة الصدقة لزم النظر في المراد، هل المراد هو المعنى العام أو المعنى الخاص؟ وهل المعنى الخاصّ واحد أو متعدّد؟
ولو راجعنا كلمة الصدقة في الكتاب والسنّة لوجدناها تطلق تارةً ويراد بها الزكاة، وأخرى تطلق اسماً للوقف، وثالثة تُطلق ويراد بها المعنى اللغوي العام الذي هو عبارة عن مطلق الدفع إلى المحتاجين، ورابعة تطلق ويراد منها ما دفع قربةً لله تعالى وله أحكام خاصّة، فاللفظ بات ينصرف إلى أربعة معانٍ بحسب السياق والمناسبات، لا أنّه في اللحاظ العرفي له معنى واحد، ويراد تطبيقه على مصداق معيّن هنا أو هناك، مع أنّ جذره اللغوي يرجع لمعنى واحد فتأمّل جيداً.
فمثلاً، لنلاحظ آية مصارف الصدقات في القرآن الكريم (التوبة: 60)، فهي تقول بأنّ الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها وفي الرقاب و..، ولم يفهم أحد من علماء المسلمين عنوان الصدقات هنا إلا بمعنى الزكاة، ولهذا لم يحصروا صدقة الوقف ولا الصدقات المستحبّة ولا الخمس ولا غيرها بأن تُصرف في هذه الموارد الثمانية خاصّة، وليس ذلك إلا لأنّهم فهموا أنّ كلمة الصدقات اُريد منها هنا ما هو كالعَلَم والاسم للزكاة خاصّة، لا أنّها استُعملت في مطلق العطاء الخيري، واُريد خصوص الزكاة من بين هذه العطاءات الخيريّة.
وكمثال آخر، لنلاحظ أيضاً صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر أنّه قال ـ في حديث ـ: «لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها وجه الله عز وجل»([27]). فيفهم أنّ الصدقة قد تعني حالة عدم قصد القربة، غايته أنّ عدم الرجوع مربوط بحالة قصد القربة. وكذلك صحيحة محمد بن مسلم الأخرى، عن أحدهما عليهما السلام، أنّه سُئل عن رجلٍ كانت له جارية فأذته امرأته فيها، فقال: هي عليك صدقة، فقال: «إن كان قال ذلك لله عزّ وجل فليمضها، وإن كان لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها»([28]). ممّا يوحي بأنّ الصدقة تقع، غايته أنّ الرجوع مربوط بالقربة، وإلا لقال له: لو لم تقصد القربة لم تقع صدقة أساساً، أو لسأله هل نويت الصدقة حقيقةً فيما قلت أو لا؟
وهذا يعني أنّنا أمام احتمالات في تفسير النصوص هنا، لاسيما الحديث الأوّل الذي هو العمدة في المقام:
أ ـ فقد يراد الزكاة؛ لمعروفيّتها بعنوان الصدقة. وهذا يثبت المطلوب هنا.
ب ـ وقد يراد الوقف؛ لمعروفيّته بهذا العنوان أيضاً. وهذا ما يثبت المطلوب في باب الأوقاف، دون الزكاة.
وقد وضع بعض المحدّثين هذا الحديث في سياق الحديث عن باب الوقف، حيث فهموا منه ذلك، ولم يذكروه في باب الزكاة.
ولو بقينا نحن وهذين الاحتمالين فقد يقال: يكفينا التردّد في هذا المجال بين الزكاة والوقف، والشكّ في إرادة الزكاة في الحديث، فتجري البراءة، ما لم يقل قائل بأنّ دوران الأمر بين الوقف والزكاة يوجب تعلّق العلم الإجمالي بكليهما احتياطاً، ما لم يورد عليه بأنّ عبادية الوقف قد قام الدليل عليها، فينحلّ العلم الإجمالي حينئذٍ. إلا أنّ إثبات العبادية في الوقف مشكلٌ جداً لو تركنا مثل هذه الأحاديث، وسيأتي إن شاء الله.
ج ـ وقد يراد مطلق تقديم المال للمحتاج بعنوان الإعانة الخيريّة لا بعنوان الهدية والهبة والنحلة. ومن الواضح أنّ هذا الاحتمال إذا أريد من الحديث، فسوف ينفي عنوان الإعانة إلا بقصد القربة، فكلّ من يعين الغيرَ المحتاجَ إذا لم يصدر منه ذلك بقصد القربة لا قيمة له، بل لم يقع أساساً ، ومن الواضح أنّه لا يُراد ذلك؛ إذ لا معنى لنفي عنوان الإعانة للمحتاج عن الفعل الذي قام به المتصدّق، إلا إذا أريد بنفيه مجرّدَ نفي بعض آثاره.
د ـ وقد يراد مطلق تقديم المال للغير لكن بقصد القربة، أو الإحسان للغير بقصد القربة، سواء كان هذا الذي يقدّم للغير زكاةً أو وقفاً أو صدقة مستحبّةً أو خمساً أو إبراءً من دينٍ أو غير ذلك، فعنوان الصدقة هنا اُخذ في مقابل مطلق الزكاة والوقف والعطاء، حيث عنى العطاء القربيّ، وقد تحوّلت الصدقة في الثقافة الفقهيّة إلى هذا المعنى، حيث باتت تنصرف في الفقه إلى العطاء القربيّ أكثر من انصرافها إلى محض الخمس والزكاة والوقف وغير ذلك، ولهذا تجد أنّ بعض الفقهاء([29])، يضعون باب الصدقة مستقلاً ملحقاً بعنوان الوقف؛ لأنّ الصدقة هناك تنصرف إلى العطاء القربيّ. بل نجد الكثير من العناوين التي تميّز الصدقة عن الزكاة والوقف وغيرها، في كتب الحديث والفقه فليراجع([30]).
بل قد يؤيّد ما نقول ببعض الروايات التي اعتبرت أنّ الصدقة مفهوم محدَث أسّسته الثقافة الإسلاميّة، وأنّ العرب قبل ذلك ما كانوا يعرفونها، إذ من الواضح أنّ الصدقة بالمعنى اللغوي المحض كانت معروفة للعرب، بينما الذي لم يكن معروفاً هو الصدقات القربيّة لله تعالى ولو كانت للغنيّ، فقد ورد في صحيحة زرارة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: «إِنَّمَا الصَّدَقَةُ مُحْدَثَةٌ إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ يَنْحَلُونَ وَيَهَبُونَ ولَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَعْطَى لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ..»([31]). فهذا يعني أنّ مفهوم العطايا القربيّة ولو داخل الأسرة هو مفهوم لم تكن تعرفه العرب، وقد أسّسته الثقافة الإسلاميّة، ممّا يؤكّد أنّ مصطلح الصدقة أخذ معنى جديداً عند العرب بعد الإسلام، وأنّ هذا المعنى هو العطاء القربي لله تعالى وأنّ من آثاره عدم جواز الرجوع في هذا العطاء.
وهذا كلّه يؤكّد أنّ إطلاق الصدقات على الزكاة يحتمل أن يكون إطلاقاً لغويّاً فقط؛ لأنّه يستبطن عطاءً خيريّاً، بينما إطلاق الصدقة بمفهومها الحادث المشتهر في الثقافة الإسلاميّة هو إطلاق مستجدّ.
وهنا قد يقال: لا يراد في الحديث الصدقة بالمعنى الفقهي المصطلح اليوم والذي يدلّ على التصدّق على شخص بقصد القربة إلى الله، إذ لو كان هذا المعنى هو المراد من الصدقة في الحديث، لكان الحديث لغواً وتكراراً، كالقضيّة بشرط المحمول على حدّ تعبير المناطقة، إذ المعنى بناء عليه هو: لا إنفاق بقصد القربة إلا أن يكون بقصد القربة!
لكنّ هذا الكلام غير كافٍ؛ لاحتمال أن يراد من الصدقة ذلك المال الذي يدفع وتترتّب على دفعه بعض الآثار الخاصّة، كعدم جواز الرجوع فيه، فيكون الحديث بصدد بيان أنّ هذا المال الذي لا يجوز الرجوع فيه، واستُخدم تعبير الصدقة في حقّه، إنّما هو الذي يُدفع لوجه الله، لا مطلق التصدّق والإنفاق على الفقراء والمساكين.
وهذا يعني أنّه يحتمل إرادة الزكاة والوقف، كما يحتمل أن يراد ما يلي: هناك مفهوم اسمه الصدقة في الشرع تترتّب عليه بعض الآثار الفقهيّة، كعدم جواز الرجوع فيما اُعطي، وهذا المفهوم لا يتحقّق إلا إذا اُريد مما اُعطي وجه الله سبحانه، وعليه فلا يكون الحديث مشترطاً للقربة في الزكاة أو الوقف جزماً، بل مشترطاً لقصد القربة في كلّ عطاء تترتب عليه آثار الصدقة الشرعيّة المعروفة.
فالصدقة عنوان يطلق على ثلاثة مسمّيات متفرّقةً: الزكاة، والوقف، والعطاء الذي له آثار خاصّة في الشرع، كعدم جواز الرجوع، والذي به يمتاز عن الهبة والنحلة، وحيث لا ترجّح في الأحاديث للزكاة والوقف، لم يعد يمكن اشتراطهما بالقربة، والقدر المتيقن من الاشتراط هو المفهوم الثالث للصدقة.
ولمزيد تقريب للفكرة نقول: اليوم عندما نطلق كلمة الصدقة في العرف المتشرّعي بين الناس، فلا ينصرف ذهنهم إلى مطلق الزكاة ولا مطلق الخمس ولا مطلق الخراج ولا مطلق الأنفال ولا مطلق الأوقاف، بل ينصرف للعطاءات الخيريّة التي تُعطى للمحتاجين، ولا تمثل هبةً أو نحلة، بل هي مفهوم عطائي آخر، لا يصحّ الرجوع فيه ويكون منبوذاً هذا الرجوع، وما ندّعيه هنا هو أنّ هذا المفهوم ربما يكون هو المقصود من الأحاديث، والتي وجدناها لا تتصل بحسب سياقاتها بالزكاة. ومعه يصعب الاعتماد على هذه الروايات لإثبات شرط القربة في كلّ شيء أطلقت الشريعة عليه عنوان الصدقة، فإنّ الإطلاق متعدّد ولا يحرز اتحاده.
وخلاصة إشكالنا هو ادّعاء تعدّد معنى الصدقة في اللغة بعد العصر الإسلامي، على الزكاة، وعلى الوقف، وعلى نوع خاص من العطاء، له أحكام خاصّة، وعُرف بالصدقة، وهو مشروطٌ بالقربة، ومعه لا يُحرز في هذه الروايات إرادتها مطلق ما سمّي بالصدقة واستعمل تعبير الصدقة فيه، بل خصوص المعنى الثالث لها.
ثانياً: قد يبطل الاستدلال بهذه الأحاديث، من حيث إنّ لسانها متداولٌ في نفي الكمال، لا في نفي الصحّة أو نفي الوقوع، مثل: «لا صلاة لجار المسجد..»، بل قد ورد في الحديث عن الصدقة نفسها: «لا صدقة وذو رحم محتاج»([32])، مع أنّ الصدقة بكلّ معانيها تجوز ولو كان ذو الرحم محتاجاً.
ولعلّ ما ذكرناه هو التفصّي الذي اعتمده السيد الصدر من مثل هذا الدليل، حيث حكم ـ كما قلنا ـ بصحّة الزكاة لو وقعت من دون قصد القربة.
وقد يناقش بأنّ ظاهر الحديث نفي الوقوع، وتنزيل هذه الصلاة أو الصدقة منزلة العدم، فإذا دلّ الدليل في الخارج على إرادة نفي الكمال اُخذ به؛ لقيام القرينة، وإلا بقينا على ظاهر الدلالة المذكورة ، وحيث لم يقم في المقام دليل لزم تفسير النفي بنفي الصحّة أو نفي الوقوع، فيثبت استدلال السيد الخوئي.
وقد يجاب ـ بعد التنزّل عن إشكالنا الأوّل المتقدّم ـ بأنّ هذا الكلام غير صحيح، فإنّ لسان النفي رغم تحقّق الشيء ظاهراً لسان شائع في اللغة العربية والعرفيّة، ويراد منه المبالغة كثيراً، فأنت تقول: لا تقوى وجارك محتاج، ولا تديّن عندك وأنت لا تصلّي في المسجد، ولست بمواطن إذا لم تهتمّ بالقضايا السياسية، فأنت لا تريد نفي التديّن مطلقاً، ولا نفي المواطنة مطلقاً، بل تريد نفي رتبة منهما، فتبالغ لبيان أهميّة ذلك الشيء، فتنفي أصل القضيّة. وشيوع هذا التعبير شيوعاً كبيراً في اللسان العرفي وفي النصوص، هو الذي يجعلنا لا نستظهر منه إرادة نفي الوقوع أساساً إلا بقرينة، فيكون المقصود بالحديث هنا: إنّ من ينفق إنفاقاً خيريّاً على الفقراء مثلاً إذا لم يقصد بذلك وجه الله، فكأنّه ما فعل شيئاً، ويراد من ذلك المبالغة في تصفية النيّة في أعمال الخير والإعانة، فإنّ المؤمن هو من يعطي لوجه الله لا لمقابل.
وربما يؤيّد ما نقول أنّ النصوص الحديثية عبّرت عن كلّ معروف بأنّه صدقة، فقد ورد في الحديث الصحيح: mكلّ معروف صدقةn([33])، وهذا معناه أنّ كلمة الصدقة لو كانت تشرط بقصد القربة في جميع استعمالاتها للزم شرط قصد القربة في فعل أيّ معروف، إلا إذا قيل بأنّ هذا الحديث يريد تنزيل المعروف منزلة الصدقة ولو لم يكن صدقةً واقعاً.
ثالثاً: ما ذكره اُستاذنا السيد محمود الهاشمي حفظه الله، من أنّ هذه الروايات هنا ظاهرة في أنّ الصدقة تُعطى في سبيل الله، وكأنّها تُعطى لله، وهذا مأخوذ في مفهوم الصدقة، وهو غير قصد القربة، فلو أعطاها في سبيل الله بقصد الرياء كان صدقة([34]).
وقد تُثار مداخلة هنا وهي أنّ ظاهر هذه الأحاديث هو اتصالها بالإرادة والقصد، كما هو صريح تعابيرها: (اُريد به وجه الله)، ولا معنى لكلمة (اُريد به وجه الله)، إلا أن يكون القصد من وراء الصدقة هو الله تعالى، لا مجرّد كون الصرف والدفع قد وقع خارجاً في سبيل الله ولخدمة طريقه سبحانه، فهذا هو المفهوم عرفاً من هذا التركيب. واللافت أنّ سيدنا الأستاذ الهاشمي قد فهم من آية (ابتغاء وجه الله) قصد القربة، غايته حصرها بقصد القربة في مقابل أخذ الثواب([35])، مع أنّ تعابير الروايات هنا ليست بعيدةً عن تعبير هذه الآية الكريمة.
رابعاً: إنّ بعض الروايات الواردة في المقام لا دلالة لها على ما نحن فيه (وهذا إشكال على دلالة بعض الروايات هنا، لا جميعها)، وهو ما جاء بلسان أنّ الصدقة هي لله تعالى، مثل خبر جميل، أو أنّه لا شريك لله عز وجلّ في شيء فيما جُعل له، مثل خبر طلحة بن زيد.
وهذا اللسان لا يثبت عباديّة الصدقات، بل يُثبت أنّها لو وقعت فهي لله، فلا يجوز الرجوع فيها، بمعنى أنّ الصدقات قد جعلها الشارع لله، فإنّه هو الذي يأخذ الصدقات، ولمّا كانت لله، لم يجز الرجوع فيها، ولا فرق في كونها لله بين أن تكون قد قُصد فيها القربة من دافعها أو لا، بل مجرّد كونها دفعت بقصد الإعانة والمساعدة وسدّ حاجات الآخرين والإشفاق عليهم، فهذا يعني أنّها دخلت في يد الله تعالى، فلم يجز الرجوع فيها، وعليه فهذه النصوص لا تدلّ على شرط القربيّة، بل تدلّ على وقوع الصدقات مطلقاً خارجاً في يد الله وتحقّق العلاقة معه خارجيّاً بذلك، سواء قصد الدافع ذلك أم لا. وتعبير (فيما جُعل له) في خبر طلحة، لا يحرز أنّ الجاعل هو الدافع للصدقة، بل الجاعل قد يراد منه الله تعالى، أيّ إنّ الصدقة خُصّصت لله سبحانه، ولا يعلم كون (جعل) مبنيّاً للمعلوم حتى يُنسب الجعل للدافع. على أنّ لنا كلاماً في وثاقة طلحة بن زيد.
والمتحصّل أنّ نصوص قربيّة الصدقات لا يحرز شمولها لمطلق الزكاة، نعم لو قُصدت القربة من الزكاة وغيرها دخلت في المعنى الثالث للصدقات.
1 ـ 7 ـ نصوص العلاقة بين الله وأخذ الصدقة، مناقشة نقديّة
الدليل السابع: ما ذكره السيد الخوئي أيضاً، من الاستناد إلى ما ورد في بعض الأحاديث، من أنّ الله سبحانه هو الذي يُباشر بنفسه أخذ الصدقة، بل قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ (التوبة: 104)، وكذلك ورد استحباب تقبيل اليد بعد التصدّق، وعليه فمناسبة الحكم والموضوع تقضي بأنّ الشيء الذي يباشره الله سبحانه بنفسه لأخذه لابدّ وأن يكون منسوباً إليه ومضافاً إليه جلّ شأنه، فتثبت العبادية بذلك([36]).
وهذا الوجه مبنيّ على أنّ النسبة إلى الله تعالى دليل اشتراط العبادية في هذا الفعل، وهذا يعني أنّ هذه النسبة لا تتحقّق إلا في ظلّ قصد امتثال الأمر الإلهي والقربة إليه سبحانه بفعل الزكاة، وكأنّك تقصد إعطاء المال لله سبحانه.
إلا أنّ الذي يبدو لي أنّ الآية الكريمة وأمثالها بصدد استخدام تعبير كنائي عن قبول الله سبحانه لهذا الفعل من الإنسان، بهدف حثه وتشجيعه على القيام به، فكأنّ الله يريد أن يقول: إنّكم عندما تدفعون الزكاة لمساعدة المحتاجين من الفقراء والمساكين وفي الرقاب وأبناء السبيل، فإنكم لا تخسرون هذه الأموال، بل كأنكم تضعونها بيد الله وتعطونها، والله ليس بفقير حتى يذهب المال عليكم، بل هو غنيٌّ سيضاعف لكم هذا المال.
ولهذا ركّزت النصوص الأخرى في الكتاب والسنّة على مفهوم مضاعفة المال لمن يعطي ماله للمحتاجين بمثال السنبلة وغيرها، فالتعبير بأخذ الصدقة يعني أنّها مضمونة، وأنّ الله يكافيك ويجازيك على فعلك هذا، وهذا غير قصد القربة إلى الله.
ويقوم فهمنا لهذه الآية وأمثالها على أنّ الإثابة وردّة الفعل الحسنة من الله سبحانه على أفعال العباد، لا تنحصر بحالة الإتيان بالفعل عن قصد القربة، وإن كان هذا القصد أعلى درجات الفعل، بل يمكن أن يتحقّق ذلك ولو كان بقصد آخر، شرط أن يكون هذا القصد إنسانيّاً فطرياً أخلاقياً وجدانياً، أما لو كان قصداً غير أخلاقيّ كالرياء والسمعة والمنّ على الفقير والتقرّب لآلهةٍ غير الله، فهو غير مقبول، ولا يوجد دليل قاطع يمنع ترتب الثواب الإلهي على الأفعال الحسنة الصادرة بقصد حسن، ولو لم يكن هو الله تعالى بالضرورة. وإطلاقات الكثير من نصوص ثواب الأعمال يفيد ذلك.
نعم بعض الأفعال في نفسه قبيح ما لم يقصد منه الله كالقتال وتعريض النفس للهلاك، فتعريضها للهلاك في حدّ نفسه مشمول لدليل الحرمة، ولا نخرج عنه إلا بدليل، ولم يدلّ الدليل إلا على تعريضها لذلك حال كون القتال لأعداء الله وفي سبيل الله.
وما نحن فيه من هذا القبيل؛ فإنّ الآيات تريد الحثّ على فعل الإنفاق والإعانة والمدح لهذا الفعل، فتكشف أنّ الصدقة يأخذها الله، ولم تقل: إنّك تعطي الله حتى يُفهم جانب القصد، و الغرض من هذا الكشف عن أنّ الصدقة ليست خسارة. والحث على فعل ليس دليلاً على عباديّته، فقد ورد الحثّ على أفعال كثيرة تندرج في التوصّليّات كالوفاء بالعقود وغير ذلك.
الأمر الآخر الذي أريد أن أشير إليه هنا هو أنّ النصوص القرآنية في مجال الإنفاق عامّة تخلق جوّاً من العبادية، لا سيما مع تعابير مثل: الإنفاق ابتغاء رضوان الله أو الإنفاق في سبيل الله، لكنّ خلق هذا الجوّ لا يعني اشتراط قصد القربة بقدر ما يعني الحث على قصد القربة، وهناك فرق بين الدعوة إلى فعل الخير بقصد القربة والحث عليه والترغيب فيه بمضاعفة المال ونحوه، وبين أنّ فعل الخير هذا مشروط بقصد القربة بحيث لو لم يقع هذا القصد لم يجزِ ولم يترتب عليه شيء. ولعلّه من هنا ميّز السيد الصدر بين وجوب قصد القربة وبين الإجزاء عند عدم القصد المذكور، فنحن نجد حثاً على الإنفاق القربي لكن لا نجد تسفيهاً للإنفاق بدافع الخير دون ملاحظة حالة القربة إلى الله حتى نأخذ مفهوم الشرطيّة.
ومن هنا، يظهر ما في كلام السيد الخوئي، فإنّ مناسبة الحكم والموضوع تفيد أنّ ما يأخذه الله سبحانه بنفسه لابد وأن يكون منسوباً إليه من جهة، لكنّنا بصدد إثبات النسبة القصديّة من جهة المكلّف، فالله في الآية يعلن رضاه بأخذه للصدقات، لكن ما يقع من طرفه ليس بالضرورة قد قُصد من طرف المكلّف، فأيّ مانع أن يُعلن الله أنّ كلّ من يساعد الفقير المحتاج بقصد فطري إنساني فإنّ الله يحبّه ويمضي فعله ويجازيه عليه، تماماً كما يحبّ المتطهّرين بحيث يحبّ كل من يظلّ طاهراً نظيفاً ما لم يكن لديه قصدٌ سيء من فعله هذا، ووجود قصود خير في الإنفاق المالي بعيداً عن قصد القربة أمرٌ واضح، خلافاً لما يلوح من كلمات بعض الفقهاء المعاصرين، من أنّ طرد سائر القصود غير الحسنة يجعل الصدقة في ذاتها مقصودةً لله ولو إجمالاً([37]).
هذا وقد ذكر سيدنا الأستاذ الهاشمي تعليقاً على آية أخذ الله للصدقات، حاصله أنّها ناظرة إلى قبول الطاعات والإثابة عليها. والقبول أخصّ من الإجزاء([38]).
والحاصل هو أنّ الاستدلال بهذا اللون من النصوص وهذا اللحن من الألسنة غير واضح.
1 ـ 8 ـ نصوص الربط بين الزكاة وإرادة وجه الله، تأمّل ومراجعة
الدليل الثامن: الاستناد إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ (الروم: 39)، حيث يُفهم منه أنّ الزكاة تكون لوجه الله سبحانه([39]). ونحو ذلك من الآيات ( البقرة: 272؛ والليل: 19 ـ 20).
ويناقش بأنّ غاية ما تفيده الآية الكريمة هو التمييز بين حالتين: حالة المرابي الذي يعطي القرض متصوّراً أنّ ماله هذا سينمو في مال المقترِض، ويعود عليه زائداً، أو حالة المقترض بربا الذي يعطي الزيادة لتكون نماءً في مال المقرِض المرابي.. إنّ هذه الحالة لا توجب مضاعفة المال، والذي يوجب حصولكم على المضاعفة الحقيقيّة هو أن تنفقوا أموالكم ابتغاء وجه الله، فهذا ما يحقّق لكم المضاعفة الحقيقيّة لا ما تفعلونه من أمر الربا.
وهذه المقارنة التي وضعتها الآية الشريفة لا تفيد حصر الزكاة المصطلحة بقصد القربة، بقدر ما تفيد أنّ الإنفاق الخيري بقصد القربة يضاعف عند الله تعالى دون المعاملة الربوية، فقد قدّم القرآن الكريم الأنموذج الأعلى للمضاعفة في مقابل الربا، وهذا لا ينفي سقوط التكليف عن الإنسان لو دفع زكاة ماله بالمعنى الخاص للزكاة من دون قصد القربة، بل مع قصد خيري آخر.
ويمكن عدّ هذه الآية ـ التي قيل: إنّها مكّية، تبعاً لعدّ سورة الروم مكيّةً ـ بمثابة خطاب تمهيدي قرآني([40]) يعتمد الترغيب في شيء بديل مقابل شيء يراد لاحقاً إعلان حرمته، وهو الربا الذي حُرّم ـ على ما هو المعروف ـ في الحقبة المدنية، ومن ثمّ فلا ضرورة لما افترضه بعض المفسّرين من أنّ هذه الآية تقصد أمراً آخر من الربا، وهو الهدية والهبة ليُعطى المُهْدِي فيما بعد هديةً أعظم فيها، فتكون الآية حاصرةً الثواب بالصدقة المشترطة دوماً بقصد القربة، أمّا ما سواها من الانفاقات التي لا قربة فيها فلا قيمة لها عند الله سبحانه([41])، لا ضرورة لهذا التفسير الذي ذهب إليه بعضهم؛ وذلك أنّ هذا موجب لصرف كلمة الربا عن معناها المنصرف في لغة العرب عندما تطرح في القضايا المالية.
وقفة مع فكرة التمييز بين شرط القربة والإجزاء من دونها
ويمكن هنا أن ننتصر ـ على تقدير إثبات العباديّة في الزكاة ـ لوجهة نظر السيد الصدر وأمثاله، بأنّه لو كانت الزكاة على تقدير عدم قصد القربة باطلةً، وكان إخراجها مرّةً ثانية لازماً، لطُرح هذا الأمر في النصوص ولبيّنه المعصوم؛ فإنّ الزكاة كانت تجبى جبياً من قبل السلطة منذ العهد النبويّ، وكان هذا الجبي قهريّاً، بمعنى أنّ العمّال كانوا يجبون الزكاة، سواء كان المزكّي راضياً أم غير راضٍ، تماماً كحال جباة الضرائب اليوم، ولهذا جاء ـ على سبيل المثال ـ في قصّة نزول آية النبأ أنّ الجابي ظنّ أنّ بني المصطلق لا يريدون دفع الزكاة، بل يريدون قتله، مما دفع الرسول للاستنفار..
وعندما نتأمّل بطريقة عقلانيّة ظاهرةً ضريبيّة تجبى من قبل الدولة، فمن الطبيعيّ أن نترقّب حالاتٍ كثيرةٍ قد لا تُقصد القربة إلى الله فيها بقدر ما يُقصد الانصياع لسلطة الدولة انصياعاً عامّاً، وفي حالٍ من هذا النوع مما يبتلى به كلّ عام في جميع بلاد المسلمين، لو كان عدم تحقّق قصد القربة موجباً لضرورة إعادة إخراج الزكاة، لبيّنت ذلك النصوص حتى لو لم يسأل السائلون؛ لأنّها قضية نوعيّة، مما يُفهم منه أنّ قصد القربة لو كان واجباً في الزكاة، لكنّ فقدانه لا يوجب الإعادة؛ لأنّ العبرة والنكتة في الإخراج هي وجود حقّ للفقير في مالك، والمهم هو وصول هذا الحقّ لمستحقّه، فلو وصل لكن مع الإخلال بقيد من قيود كيفيّة الإيصال فلا معنى لإيصاله مرةً أخرى. بل وما هو الموجب لأخذ الدولة هذا المال بوصفه زكاةً مع عدم إحراز (قيد القربة من الدافع نفسه).
قال سبحانه: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات: 19)، وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج: 24 ـ 25)، فإنّ التعبير بثبوت الحقّ في المال يفيد أنّ في المال ما هو للفقير، فلو أخذه سقط التكليف حتى لو أخلّ الدافع بطريقة الإيصال، تماماً كما لو قيل: لو سددت الدين فليكن ذلك منك في السرّ لا العلن، فإنّه لو أعطاه في العلن يتحقّق سدّ الدين؛ لأنّه أمرٌ وضعي، غايته يكون قد أخلّ بكيفيّة الإيصال، فهذا هو المفهوم من مناسبات الحكم والموضوع في مثل هذا المجال، حتى لو قُلنا بلزوم قصد القربة.
فالأصحّ هو القول بعدم اشتراط الزكاة بقصد القربة، ولو شرطت فإنّها تصح على تقدير عدم قصد القربة، فيكون الوجوب تكليفيّاً لا وضعيّاً، فلا يجب عليه إعادة الإخراج ثانيةً.
وبناءٌ عليه، لسنا بحاجة لجملة من التخريجات التي طرحها بعض الفقهاء، مثل أن ينوي الحاكم القربة عند أخذ مال الممتنع أو غير المسلم، أو أن ينوي المالك ذلك ولو بعد إعطاء المال للفقير بلا قصد القربة، شرط أن تكون عين المال باقيةً غير تالفة.. فإنّه لم يقم دليل حاسم ومقنع على لزوم القربة في الزكاة، ولو قام فغايته ـ كما قلنا ـ هو الحكم التكليفي لا الوضعي، وعليه فأقصى ما هنالك هو ارتكابه محرّماً تكليفيّاً بعد دفعه الزكاة بلا قصد القربة، على تقدير علمه بالوجوب والتفاته لضرورة ذلك، لا بطلان الزكاة نفسها.
الموقف في زكاة الفطرة
بصرف النظر عن شرط القربة في الزكاة المعروفة، هل يثبت هذا الشرط في مثل زكاة الفطرة، كما هو ظاهر كلمات الفقهاء، أو هو خاصّ ـ على أبعد تقدير ـ بزكاة الأموال دون الأبدان؟
الأصحّ عدم الاشتراط؛ وذلك:
أوّلاً: إنّ دليل الإجماع يرد عليه بشكل أوضح هنا، ما تقدّم من التشكيك في الصغرى، وتوفّر إجماعٍ كاشف، وكذلك الحال في دليل السيرة المتشرّعية؛ فإنّه هنا أوضح بكثير، من حيث إمكان التشكيك في انعقاد ارتكاز متشرّعي.
كما أنّ مجرّد غلبة قيام الناس بذلك بدافعٍ شرعي، لا يفيد أنّه لو قام بذلك بدافع إنساني أو عائلي ـ غير شرعي ـ لبطل، فإنّ العبرة في ثبوت الارتكاز على القيديّة والاشتراط واللزوم، لا على الحُسن أو مطلق التحقّق.
ثانياً: إنّ أصالة الاحتياط أو وجود دليل عام على العبادية سبقت المناقشة فيه، فلا نعيد.
ثالثاً: إنّ حديث دعائم الإسلام، إذا فهمنا منه الزكاة المصطلحة، فلا يوجد اطمئنان بانعقاد إطلاق فيه يشمل زكاة الفطرة، بل الأقرب أن يكون منصرفاً إلى المعنى الأساس للزكاة، والتي لها حضورها وجُبَاتُها وغير ذلك بين المسلمين، أعني زكاة الأموال، فهي المنصرفة عند إطلاق الزكاة لو خصّصنا المعنى، فانعقاد إطلاق في نصّ عام من هذا النوع يستوعب زكاة الفطرة ـ وهي زكاة محدودة الحجم ـ غير واضح. فهذا مثل انصراف كلمة النكاح والزواج إلى النكاح الدائم دون المنقطع حيث لا قرينة، فلو قال: تزوّجت امرأةً فهل لي أنّ أفعل معها كذا وكذا؟ نفهم من منصرف كلامه أنّه يريد الزواج الدائم، رغم أنّ إطلاق كلمة الزواج على المنقطع هو إطلاقٌ صحيح، والأمر هنا من هذا النوع، ولا أقلّ من الشكّ في انعقاد إطلاق.
أمّا لو فهمنا كلمة الزكاة بمعنى مطلق الإنفاق في سبيل الخير، فسوف تُشترط القربة في مطلق الإنفاق، وسيشمل ذلك زكاة الفطرة أيضاً، بل سيصبح خروج أيّ إنفاق مالي غير عبادي بدليل خاصّ.
ولستُ أنفي الشمول في كلمة الزكاة هنا؛ لأنّ هذا هو المفهوم منها غالباً في العصر النبوي، خاصّةً في مكّة المكرّمة، إلا أنّ الاستدلال بهذا الحديث على قربيّة الزكاة قد سبقت المناقشة فيه.
رابعاً: إنّ الأدلّة التي ترجع إلى تسمية الزكاة بالصدقة إذا صحّت فهي تجري هنا أيضاً؛ لإطلاق عنوان الصدقة على زكاة الفطرة في جملة من الأحاديث حتى عبّر عنها بصدقة الفطرة:
منها: خبر زرارة، قال: قلت: الفقير الذي يتصدّق عليه، هل عليه صدقة الفطرة؟ فقال: «نعم، يعطي مما يتصدّق به عليه»([42]).
ومنها: خبر إسحاق بن عمار، عن أبي إبراهيم× قال: سألته عن صدقة الفطرة، أعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال: «نعم، الجيران أحقّ بها؛ لمكان الشهرة»([43]).
ومنها: مكاتبة محمد بن القاسم بن الفضيل البصري، إلى أبي الحسن الرضا× يسأله عن الوصيّ يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب×: «لا زكاة على يتيم»، وليس على المحتاج صدقة الفطرة([44]).
فإنّ هذه النصوص وغيرها يفهم منها تداول تعبير الصدقة في حقّ زكاة الفطرة؛ لأنّ السائلين هم الذين عبّروا بهذا التعبير، بناءً على استبعاد نقلهم جميعاً بالمعنى، ومصادفة هذا التعبير من مجموع الرواة اللاحقين.
هذا، وقد سبق منّا المناقشة في دلالة نصوص الصدقة على اشتراط قصد القربة في الزكاة، فيشمل الإشكال الموقف هنا. وبهذا يظهر النقاش في سائر النقاط المتقدّمة، ومن ثم فلا دليل على اشتراط زكاة الفطرة بقصد القربة، ولو ثبت فأقصاه الحكم التكليفي دون الوضعي، فتصحّ منه هذه الزكاة لو لم يقصد القربة.
2 ـ ضريبة الخمس واشتراط قصد القربة
ذكر بعض الفقهاء أنه لابد في الخمس من قصد القربة أيضاً، فإذا دفع خمس ماله لا بقصد القربة وجبت عليه الإعادة([45]). ويُفهم من طبيعة الأدلّة هنا تشابهها مع ما جاء في كتاب الزكاة بحسب تعبير بعضهم([46]). وذكر بعض الفقهاء أنّ بعض أنواع ما يجب فيه الخمس لا يشترط في خمسه قصد القربة، مثل خمس الأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم([47]).
ولو راجعنا النصّ القرآني في الخمس ـ بصرف النظر عن شموله لغير خمس غنائم الحرب وعدمه ـ لوجدنا أنّه بصدد بيان تعلّق حق الغير بمال الشخص، فهي لا تقرّر حكم الإخراج، بل تثبت أنّ خمس هذا المال ليس لصاحبه، بل هو لله ورسوله و.. قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الأنفال: 41)، فليس في النصّ القرآني أيّ إشارة لهذا الموضوع إطلاقاً، تماماً كالنصّ القرآني الوارد في الأنفال، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: 1).
وحتى لو راجعنا نصوص الحديث الواردة في الخمس، والتي نقل أغلبها الحرّ العاملي في تفصيل وسائل الشيعة (ج9)، سنجد أنّه لا إشارة إلى مسألة قصد القربة في إخراج الخمس على أنواعه، لامن قبل المالك في مثل أرباح المكاسب، ولا من قبل الحاكم الشرعي نفسه في مثل خمس الغنيمة الحربيّة.
ومن هنا، فغاية ما يمكن أن يستدلّ به على قربيّة الخمس وعباديّته، ما يلي:
الدليل الأوّل: الإجماع والارتكاز كما هو ظاهر بعض الفقهاء([48]).
ولكنّ الإجماع والتسالم والارتكاز المتشرّعي أمورٌ يصعب إثباتها هنا جداً، فأغلب الذين بحثوا في الخمس لم ينصّوا على اشتراطه بقصد القربة، بل لقد أهملت هذه المسالة في جملة وافرة من الكتب الفقهية، ولم نكد نعثر على من تعرّض للحديث عنها، فكيف يدّعى الإجماع؟! ومجرّد ورودها في أبواب العبادات في بعض التقسيمات ـ كالرسائل العمليّة عند المتأخّرين ـ لا يُثبت بالضرورة التزامهم بعباديّة الخمس، فقد أوردوا في باب العبادات أموراً ليست عبادية كالأنفال والاجتهاد والتقليد وأحكام النجاسات والمطهّرات وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ألحق بعضهم بقسم العبادات مؤخّراً مستحدثات المسائل المرتبطة بالبنوك والتلقيح الصناعي وعقد التأمين وقضايا التشريح وزرع الأعضاء واليانصيب وبعض أحكام الشوارع كما فعل السيد الخوئي في منهاج الصالحين، مع أنّ هذه يناسب ذكرها في المعاملات ونحوها.
هذا، فضلاً عن أنّهم لم يذكروا في العبادات ما اشترطوا ـ ولو البعض ـ فيه قصد القربة، كالوقف والصدقة والكفارات. فالتقسيم الفقهي ليس معياراً لاكتشاف موقف الفقيه بالضرورة، إذ غالباً ما يشير الفقيه الى مسائل بنحو المناسبة، فلعلّهم لما ذكروا الزكاة التي يرون عباديّتها عقّبوه بفريضة مالية أخرى وهي الخمس، ولما ذكروا الخمس أردفوه بالأنفال؛ للتناسب، من حيث الرجوع إلى الإمام في هذه الأموال.
وعليه، فالحصول على شهرات وإجماعات وارتكازات وسير عقلائيّة أو متشرّعيّة كاشفة في غاية الصعوبة هنا.
الدليل الثاني: قد يُستند هنا إلى فكرة بدلية الخمس عن الزكاة، بمعنى أنّ الخمس قد جاء بدلاً عن الزكاة، فيلحق البدل حكم المبدل، وحيث اشترط في الزكاة قصد القربة لزم اشتراطه في الخمس أيضاً ما لم يقم دليل على عدم الاشتراط.
ونصوص البدلية هي:
أ ـ خبر سليم بن قيس، قال: سمعت أمير المؤمنين× يقول: «نحن والله الذين عنى الله بذي القربى، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه|»، فقال: ﴿مَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ (الحشر: 7)، منّا خاصة، ولم يجعل لنا سهماً في الصدقة، أكرم الله نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس»([49]). ونحوه خبر حماد بن عيسى، حيث يستفاد أنّ بني هاشم أبدلهم الله تعالى عن الزكاة بالخمس.
إلا أنّ هذا الخبر ـ كما حقّقنا في محلّه ـ ضعيف من حيث السند بضعف أبان بن أبي عياش، وكذا ضعف طريق الطوسي إلى ابن فضال في المشيخة، حيث يقع في طريق الرواية إلى حمّاد.
وقد جاءت رواية قريبة من هذا الخبر مسندة إلى سليم بن قيس أيضاً في خطبة طويلة من خطب الإمام علي×([50])، واحتمال الإرسال قويّ فيها، كما ذكره الخوئي؛ لعدم اتحاد طبقة إبراهيم عن عثمان مع طبقة سُليم([51]).
ب ـ مرسل حمّاد بن عيسى، عن العبد الصالح×، قال: «..وإنما جعل الله هذا الخمس لهم دون المساكين وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس، تنزيهاً من الله لهم، لقرابتهم برسول الله|، وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس..»([52]).
وهذا الخبر ضعيف السند بالإرسال.
وقد يشكل على هذين الخبرين بتعبير (الأوساخ)، من حيث إنّ الزكاة حقّ فرضه الله، فأيّ معنى للتعبير عنه بالأوساخ، وليس هذا إلا إهانة وطبقيّة جائرة يتنزّه عنها أهل البيت، ولهذا قام بعض العلماء بمناقشة هذا التعبير متنيّاً، رافضاً نسبته إلى أهل البيت، ورأى أنّه لا ينسجم مع الثقافة الدينية، ولعلّ أحد المبرّرات التي ترجّح ـ بنحو التأييد ـ ما ذهب إليه هؤلاء العلماء، هو عدم انسجام هذا التعبير مع الثقافة القرآنية والحديثيّة، فقد ورد في الروايات مضمونُ قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ (التوبة: 104)، فالذي يأخذ الزكاة هو الله تعالى، وقد تقدّم استدلال السيد الخوئي بهذه النصوص على أنّ الزكاة من العبادات؛ لأنها علاقة مع الله سبحانه، وأنّها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير نفسه، فإذا كان الله هو الذي يقبض الزكاة قبل أن يقبضها الفقير، فلا أدري كيف يتنزّه الهاشمي عن أخذها؛ لأنّها أوساخ، بينما يستقبلها الله تعالى بالودّ ويأخذها بيده، حتى أنّه ورد استحباب تقبيل المتصدّق يد نفسه بعد الصدقة، في تعبير كنائي عن ملامستها يد الله سبحانه؟!
هذا، ولهذه القضيّة تفصيلات وتفسيرات، وتوجد مناقشات في هذا المجال نتركها لمحلّها([53]).
ج ـ مرسل أحمد بن محمد، قال: «..والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد|، الذين لا تحلّ لهم الصدقة ولا الزكاة، عوّضهم الله مكان ذلك بالخمس..» ([54]).
وهذا الحديث مرسل مرفوع، بل لم يسند إلى معصوم، ومثل هذا الإضمار لا تحرز حجيّة الحديث معه، بصرف النظر عن الإرسال.
د ـ خبر الريان بن الصلت، عن الرضا× ـ في حديث طويل بعد حديثه عن جعل الخمس لهم ـ قال: «.. فلما جاءت قصّة الصدقة نزّه نفسه ورسوله ونزّه أهل بيته، فقال: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ﴾، ثم قال: فلما نزّه نفسه عن الصدقة نزّه رسوله ونزّه أهل بيته، لا بل حرّم عليهم؛ لأنّ الصدقة محرّمة على محمد وآله، وهي أوساخ أيدي الناس، لا تحلّ لهم؛ لأنهم طهّروا من كلّ دنس ووسخ»([55]).
ويناقش: أولاً: بضعف السند بكل من: محمد بن جعفر بن مسرور، وعلي بن الحسين بن شاذويه، وهما شيخا الصدوق، ولم تثبت وثاقتها وإن كانا من مشايخه، أو ترضّى عنهما، ودعوى أنّ الترضّي منصرف في العرف الخاصّ ـ بخلاف الترحّم ـ إلى خصوص الأجلاء، غير محرز تاريخيّاً.
ثانياً: إنّ التعبير بالتنزّه لا يتلاءم مع الآية القرآنية القائلة: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (التوبة: 104)، فهل هذا اللسان القرآني يناسب لسان التنزّه والتعالي عن أخذ الزكاة والصدقة، ومن المعلوم أنّ الله لا يأخذ الصدقة لنفسه حتى إذا جعل في المصارف صار محتاجاً آخذاً؟
وكذلك الحال في قوله سبحانه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (التوبة: 103)، فلسان التنزّه لا يتلاءم مع هذا اللسان القرآني التكريمي الذي يجعل آخذ الصدقة هو الله ورسوله.
هـ ـ ما أخرجه الزيلعي في نصب الراية، عنه|: «يا بني هاشم، إنّ الله تعالى قد حرّم عليكم غُسالة الناس وأوساخهم، وعوّضكم منها بخمس الخمس»([56]).
وهذا الحديث وصفه الزيلعي بالغريب، ولو قارنّا خمس الخمس فسوف يكون أربعة في المائة، وهي نسبة قريبة للزكاة، وتكون معقولة حينئذٍ، والفرق بين الخمس والزكاة في الفقه السنّي يصلح فيه جداً تخريج السيد الأستاذ محمود الهاشمي في القضيّة؛ لأن أهل السنّة يرون الخمس في غنائم الحرب، ومن ثم فلن يأخذ الهاشمي من الناس شيئاً لا بالمباشرة ولا بالواسطة، بل سيأخذ من أموال الدولة. وعلى أية حال فلم أعثر على سند معتبر لهذا الحديث.
هذه هي نصوص البدلية، وقد تبيّن ضعفها السندي، وليس عددها بالذي يوجب تحصيل الوثوق بصدورها، بل لو ثبتت هذه الأحاديث دلالةً وسنداً، فإنّ غاية ما تفيد هو أنّ الله حرّم الصدقة على الهاشمي ثم أبدله مكانها بالخمس، أما هل أنّ تمام أحكام الزكاة تجري على الخمس؟ فهذا ما لا يُفهم من الروايات إطلاقاً، إذ هو تماماً كقول القائل: إنّ الله حذف الركعتين من ظهر الجمعة، وأبدل مكانهما خطبتي الجمعة، فهل يدلّ ذلك على لزوم تحقيق تمام شروط الصلاة في خطبتي الجمعة إلا ما خرج بالدليل؟
والمتحصّل أنّ الاستدلال بقانون البدليّة بين الخمس والزكاة على اشتراط قصد القربة في الخمس غير صحيح.
الدليل الثالث: قد يُستدلّ هنا ـ كما فعل السيد الخوئي ـ بنفس حديث دعائم الإسلام([57])، ولم يذكر السيّد الخوئي تقريب الاستدلال، لكن من المحتمل أنّه يريد ـ إذا استبعدنا فكرة البدليّة ـ أنّ كلمة (الزكاة) في الصدر الأوّل تطلق و يراد منها مطلق الإنفاق المالي الخيري الواجب، فتشمل الخمس أيضاً، وتقريب الاستدلال سيكون هو عينه ما تقدّم.
لكن قد يناقش ـ إضافة إلى ما تقدّم ـ بأنّ هذا الحديث النبوي لا نعلم تاريخ صدوره بالضبط، هل هو في الفترة المكّية أو في الفترة المدنيّة أو في أواخر الفترة المدنية؟ ومن ثم فيمكن أن يكون صدوره بعد تبلور المصطلح الخاص للزكاة في الثقافة الإسلاميّة بوصفها الضريبة المعهودة المنصرفة عن الخمس الذي كانت له آيته الخاصّة، بل لو صحّ أنّ آية الخمس شاملة لأرباح المكاسب وغيرها لكان إطلاق الزكاة على الخمس بعد نزولها يحتاج إلى دليل؛ لتعارف تسميته بالخمس بعد ذلك، فهذا الاستدلال غيرصحيح.
هذا ما يبدو لي أنه يمكن أن يكون دليلاً على عباديّة الخمس، ولم أعثر على شيء آخر، من هنا فالصحيح أنّ الخمس بمختلف أنواعه ليس عبادةً، نعم لو أخرجه الإنسان بقصد القربة فيكون عبادة، لكنه لو لم يفعل فيبقى فعله صحيحاً ومبرءاً للذمّة.
3 ـ الخراج والجزية والأنفال
الظاهر أنّ فقهاء المسلمين متفقون على أنّ الجزية والخراج والأنفال ـ كالنفقة الواجبة على الزوج أو الوالد أو الأولاد ـ من الواجبات المالية التي لا يُشترط فيها قصد القربة، وهو الصحيح، بعد عدم وجود مبدأ أعلى يفيد التعبديّة، وعدم وجود دليل خاص فيها يلزم بقصد القربة، فتبقى على الحالة الأوّلية وتكون واجباً غير مشروط بقصد القربة.
4 ـ الوقف وشرط القربة
اختلف الفقهاء في أنّ الوقف مشروط بقصد القربة أو لا؟ فذهب جماعة إلى الاشتراط وقالوا: لا يصحّ وقفاً إلا إذا نوى القربة إلى الله تعالى فيه، فيما نفى آخرون شرط القربة لاسيما في مثل الوقف الذُرّي.
ولا بأس بعرض أدلّة القائلين بشرط القربة لنرى أنّها لو صحّت أثبتت عباديّته، وإلا كان إنفاقاً مالياً خيريّاً مطلقاً.
الدليل الأوّل: الاستناد ـ كالعادة ـ إلى الإجماع والارتكاز والشهرة.
والجواب واضح، فإنّ المسألة خلافيّة، ومحتملة المدركيّة، وإحراز الصغرى فيها مشكل جداً.
الدليل الثاني: إنّ مقتضى أصالة عدم تحقّق الوقف أن يُشرط بقصد القربة، إذ لا نحرز التحقّق من دونه، ونحرزه معه.
والجواب: إنّنا ننفي الشك في المقام ـ لو كان ـ بأصل عدم الاشتراط، بل بعمومات الوقف التي هي المرجع في المقام حين الشك.
وقد يناقش بأنّه لا يوجد عموم فوقاني في الوقف يصحّح كلّ الوقوف إلا ما خرج بالدليل على خلاف البيع الذي يحظى بشيء من هذا النوع.
لكن يجاب بأنّه يمكن افتراض مرجع أعلى يصحّح الوقف إلا ما خرج بالدليل ويمكن صياغته بالأنحاء التالية:
النحو الأوّل: إنّ الوقف من العقود، حيث عرّفوه بأنه عقد ثمرته تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وبناءً عليه فيكون الوقف مشمولاً لعمومات صحّة العقود والوفاء بها، وهي العمومات التي تشكّل الأصل الثانوي (الصحة) في باب العقود، والحاكم على أصالة الفساد المبنيّة على أصل عدم النقل والانتقال.
إلا أنّ هذا النحو غير صحيح؛ لعدم وجود دليل على عقديّة الوقف؛ إذ لا يحتاج الوقف إلى القبول، لأصالة عدم إشراطه بالقبول، بل تقتضي السيرة العملية عدم أخذ القبول شرطاً، ولا سيما في الوقوف على البطون، أو الوقف التحريري كوقف المساجد، وعليه نشكّ جداً في عقديّة الوقف أو صدق عنوان التجارة عليه أو البيع حتى تشمله العمومات المفترضة في تصحيح المعاملات.
النحو الثاني: أن تُجعل أدلّة الحث على الإنفاق مرجعاً هنا فكلّ إنفاق لمعونة الآخرين خيرٌ وحسن ومرغوب، وقد ورد الحث عليه في الكثير من النصوص، وحيث إنّ الوقف إنفاق في سبيل الخير فيكون مشمولاً للنصوص ولو صدر بغير قصد القربة.
وعليه فكلّ وقف مشمول للحث الشرعي إلا ما خرج بالدليل، وهذا مستبطن للتصحيح؛ إذ لا يعقل الحث على ما هو باطل وضعاً، وحيث النص مطلق، فقد أفاد ذلك الحكم بالصحّة ما لم يتم دليل على البطلان.
النحو الثالث: القول بأنّ الوقف ظاهرة عقلائية وأنّ الشارع لم يؤسّس هذه الظاهرة في حياة البشر، بل عرفتها الديانات والأمم كافّة، وهذا معناه أنّ الشارع حينما صحّح هذه الظاهرة العقلائية وأمضاها وجعل نظامها الداخلي بيد الواقف كما في مثل صحيحة الصفار «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله» فإنه يكون قد أمضى كلّ أنواعها والنكتة المرتكزة فيها، إلا ما خرج بالدليل، فإذا لم يدلّ دليلٌ على شرط القربة في الوقف، أمكن القول بأنّ الشارع أمضى هذه الظاهرة العقلائيّة، فيكون قد صحّح مختلف ألوان الوقوف إلا ما خرج بالدليل، وهذا مرجعٌ جيد لو قبلنا بأنّ الممضى هو النكتة الارتكازيّة.
وعليه، فالاستدلال بالأصل هنا غير صحيح، بل تحكمه العمومات أو الأدلّة المصحّحة.
الدليل الثالث: أن يُستند إلى أصالة التعبديّة في الأعمال.
ويجاب كما تقدّم بعدم صحّتها.
وقد أجاب بعض الفقهاء المعاصرين بأنّ الوقف يصحّ من المخالف، والحال أنّ المخالف لا يمكنه قصد القربة؛ لعدم صحّة العبادة من غير المؤمن، فيكون ذلك كاشفاً عن توصّلية الوقف وخروجه عن أصل التعبديّة([58]).
لكنّ هذا الجواب قابل للنقاش:
أولاً: إنّ تأتّي قصد القربة متحقّق من قبل الكافر فضلاً عن المخالف؛ لأنّ قصد القربة يكفي فيه الاعتقاد بالله تعالى والعمل لأجل رضاه، فإذا كان الإنسان مسيحياً أمكن أن يأتي بالأعمال بهدف رضا الله تعالى وفق اعتقاده، وهذا غير أن يكون عمله مقبولاً أو غير مقبول؛ فلنفرض أنّ عمله قد حُكم بعدم قبوله أو حُكم بعدم صحّته، فهذا لا يكشف عن عدم تحقّق قصد القربة منه، بل يكشف عن وجود مانع ما عن قبول العمل أو صحّته دون تعيين المانع بكونه هو عدم تحقّق القربة منه كما هو واضح.
ثانياً: إنّ ما دلّ عليه الدليل هو عدم قبول أعمال المخالف، وعدم القبول لا يساوق عدم الصحّة الفقهيّة؛ فإنّ عدم الصحّة حكمٌ فقهي يترتب عليه لزوم الإعادة مثلاً أو القضاء بحيث يبقى العمل في ذمّته دنيوياً، أمّا عدم القبول فيعني أنّ الفعل قد اُنجز ولا تجب إعادته، لكنّه عند الله مما لا يترتب عليه الأثر ولا يكون له عند الله حقّ، وهذا هو لسان النصوص الواردة في هذا الموضوع حيث تحدّثت عن رفع الحسنات وأخذ الثواب، وعن حالتهم عند الإقبال على الله يوم القيامة، فلا ترابط بين الصحّة والقبول.
بل قد يستشهد بنحو التأييد لذلك، بأنّ الفقهاء بحسب إطلاقات كلماتهم يجرون قاعدة الصحّة في فعل المسلم، بلا تمييز بين الإمامي وغيره، الأمر الذي يكشف عن حكمهم بتصحيح عمله من حيث ترتيب آثار الصحّة الدنيوية، ولو كانت نصوص عدم قبول الأعمال نافيةً للصحّة، لما شملت القاعدة فعل المسلم، بل لاختصّت بفعل المؤمن، أي الإمامي بحسب اصطلاحهم.
الدليل الرابع: إنّ الوارد في الوقوف التي وقفها أهل البيت^ أنّهم قصدوا فيها الله تعالى، ودليل التأسّي يُلزم باتّباعهم في ذلك، فلا ينفذ الوقف ولا يجوز إلا مع قصد القربة.
وفيه أنّ دليل التأسي ـ كما حقّقناه في محلّه([59])ـ مشروطٌ بشرطين:
الشرط الأول: التطابق في كيفيّة الفعل، فلو صلّى الإمام مقدّماً الركوع على السجود لزم في تحقّق التأسّي أن يتطابق فعلنا مع فعله في الكيفيّة.
الشرط الثاني: التطابق في جهة الفعل، فلو صلّى الإمام بقصد الاستحباب، لم يصحّ منّا الصلاة بقصد الوجوب؛ لأنّ ذلك مناقض لمفهوم التأسّي به.
من هنا، لا يكون دليل التأسّي مؤسّساً لوجوب ثانوي للفعل الذي صدر من الإمام في حقّنا؛ لأنّ ما يصدر منه قد يكون بنحو الاستحباب وقد يكون بنحو الإباحة بالمعنى الأخصّ، فلو كان كلّ ما يصدر منه بأيّ قصد وبأيّ جهة كان واجباً علينا بدليل التأسّي، كان ما هو مستحبّ واقعاً بالعنوان الأوّلي واجباً علينا بالعنوان الثانوي، وهذا ما لا يقول به أحد.
من هنا يجب معرفة جهة صدور الفعل من المعصوم حتى نتأسّى به، وفي المقام نحن لا نحرز أنّ المعصوم قد صدر منه قصد القربة على جهة الوجوب حتى يجب علينا قصد القربة في الوقف، بل قد يكون صدر على جهة الاستحباب بحيث أمكنه الوقف بلا قصد القربة ووقع صحيحاً، لكنّه أكمل الفعل فقصد به القربة، فلا يفيد دليل التأسّي اشتراط الوقف بقصد القربة.
بل حتى لو تمّ دليل التأسّي هنا فهو يثبت وجوب قصد القربة في الوقف لا اشتراط صحّة الوقف بقصد القربة، فإنّه مطلب إضافي لا ارتباط له بدليل التأسّي.
الدليل الخامس: الاستناد إلى إطلاق عنوان الصدقة على الوقف في بعض النصوص، ومن هذه النصوص خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: أوصى أبو الحسن× بهذه الصدقة: هذا ما تصدّق به موسى بن جعفر^، تصدّق بأرضه في مكان كذا وكذا كلّها، وحدّ الأرض كذا وكذا، تصدّق بها كلّها ونخلها وأرضها وقناتها وماءها وأرحابها..»([60]). حتّى أنّ الوقف عُرّف في الفقه بالصدقة الجارية، وحيث إنّ كل صدقة مشروطة بقصد القربة لزم شرطه بها([61]).
ويجاب: أولاً: إنّ وقوف الأئمة^ وإن كانت قربيّة، إلا أنّ هذا لا يدلّ لوحده على أنّهم أصدقوها على نحو اشتراط القربة في الوقف كما تقدّم آنفاً، فلا تصلح صيغ وقوفهم لإفادة الاشتراط.
ثانياً: ما ذكره السيد السبزواري، من أنّه لا يحرز كون كلّ صدقة مشروطة بقصد القربة، فقد ورد في النصوص ـ وبعضها معتبر ـ إطلاق وصف الصدقة على أمور يُعلم بعدم كونها عباديّةً، كما جاء في الخبر الصحيح المتقدّم: «كلّ معروف صدقة»، وقوله|: «إماطتك الأذى عن الطريق صدقة»، وقوله|: «وتبسّمك في وجه أخيك صدقة»، فلا يشترط في كلّ صدقةٍ القربة، نعم بعض الصدقات مشروطة([62]).
لكنّ هذه المناقشة ناقصة؛ إذ لم يدلّنا السيد السبزواري كيف يخرج من الأدلة الدالة على أنّ كلّ صدقة لا تكون إلا لوجه الله تعالى، حيث قد يقال بأنّ كل صدقة مشروطة بقصد القربة بمقتضى هذه النصوص إلا ما خرج بالدليل، والروايات التي ذكرها رحمه الله قد يقول المشترطون هنا بأنّها ذات لسان تنزيلي، بمعنى أنّها تريد تنزيل مثل هذه الأعمال الخيّرة ولو لم تقع بقصد القربة منزلة الصدقة التي يترتب عليها الثواب ويجزي الله عليها خيراً.
من هنا فالأصحّ في الجواب أن يقال: إنّه مع تعدّد النصوص الدالّة على إطلاق وصف الصدقة على أمور يعلم بعدم كونها مشروطةً بقصد القربة، لا يحصل وثوق بإرادة غير التنزيل من أيّ نصّ آخر ما لم يكن إطلاق وصف الصدقة بنحو الانصراف، فعندما استخدمت النصوص هنا عَرَضاً تعبير الصدقة فلعلّه كان من ناحية أنّ الوقوف من أعمال الخير التي يطلق عليها الصدقة تنزيلاً لما فيها من الأجر الجزيل والعمل الخيّر، وقد يكون إطلاق الصدقة في النصوص التي دلّت على اشتراط الصدقة بالقربة، إطلاقاً للصدقة على معنى خاص، هو المنصرف إليها، وهو ما قصد منه التمليك بقصد القربة، ولا دليل على الشمول لكلّ ما يطلق عليه الصدقة، كالوقف أو هو والسكنى والعمرى والرقبى. ومن ثمّ يشك في تحقّق الإطلاق الشامل لكلّ ما جرى التعبير عنه بالصدقة، لا سيما وأنّ الأوقاف حظيت بإطلاق وصف الصدقة بدرجة أقلّ من مثل الزكاة.
هذا، وقد ذكر السيد السبزواري أنّ من الأمور التي تثبت كون الوقف صدقة أنّه قد ورد ترتب الثواب عليه، والثواب يدور مدار قصد القربة، لكنّه ناقش في هذا الدليل ببطلان القاعدة المدّعاة فيه؛ لأنّ ترتب الثواب أعمّ من قصد القربة، واستشهد السبزواري لذلك بإطلاق قوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ (الزلزلة: 7)، فإنّها تدلّ على أنّ كل خير ولو بمقدار بسيط، فإنّ الإنسان يرى نتائجه يوم القيامة، ولا شكّ في صدق عمل الخير على أمور كثيرة حتى لو لم يُقصد فيها القربة إلى الله تعالى([63]).
ومضمون هذا الكلام ـ بصرف النظر عن الآية المذكورة ـ تقدّم تصحيحه، وأنّه يمكن الاستناد أيضاً إلى إطلاقات بعض نصوص إفادة الثواب على فعلٍ هو خير، بل نفس النصوص التي أطلقت عنوان الصدقة على بعض أعمال الخير تفيد ذلك، لأنها ترتب آثار الصدقة على كلّ معروف، سواء قصدت القربة به أم لم تقصد به القربة.
بل إنّ الرجوع إلى النصوص القرآنية يفيد أنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيتلقّون أجورهم وسيدخلون الجنة، وهذا التوصيف غاية ما يفيد ضرورة الإيمان في ترتب الثواب، لكنه لو تحقّق الإيمان فإنّه يكفي معه العمل الصالح لترتيب الثواب، والعمل الصالح غير مشروط بقصد القربة؛ لصدق هذا العنوان ولو من دونها. نعم، لا يتمّ العمل الصالح إلا بالإتيان بالعبادات التي شُرطت بقصد القربة في المرحلة السابقة، فعنوان العمل الصالح لا يصدق عليها إلا بقصد القربة كالحج والصلاة ما لم يكن النظر فيها لمصالح أخر.
نعم، لقد كان القرآن واضحاً في أنّ الأعمال التي يراد بها الله لها مكانتها العظيمة، لكنّ هذا لا ينفي غيرها على مستوى ترتب الثواب.
ثالثاً: ما ذكره السيد الروحاني، من أنّ النصوص لو قالت: الوقف صدقة، بحمل الصدقة على الوقف، كان يمكن التمسّك بها لإثبات ترتيب أحكام الصدقة على الوقف، ومنها قصد القربة، لكن ليس في النصوص إلا استخدام إطلاق الصدقة على الوقف، ولازم ذلك أنّ للصدقة معنى عام، وأنّ هذا المعنى العام يشمل الوقف، أما كون كلّ وقف يصدق عليه أنّه صدقة، فهذا ما لا يستفاد من الأخبار؛ لأنه من الممكن أن تكون النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه فيصحّ الإطلاق المذكور.
والنتيجة إنّه لا إشكال في أنّه لا يطلق على الوقف الذي لم يقصد به التقرّب إلى الله تعالى عنوان الصدقة، أما أنّ ذلك يقتضي بطلان هذا الوقف بحيث يصلح لتقييد مطلقات صحّة الوقف، فهذا ما لا يُستفاد من الأخبار([64]).
ويمكن تأييد ما ذكره السيد الروحاني أيضاً بأنّ إطلاق وصف الصدقة على الوقف بالطريقة التي بينّها حفظه الله، إطلاقٌ قد يكون لغلبة تحقّق الوقوف القربيّة في الخارج، لا لأجل الجعل الشرعي في اعتبار الوقف صدقة، وترتيب آثار الصدقة عليه، وهذا ما يبطل الاستدلال من رأسه أيضاً.
وعليه، فلم يتم دليلٌ على عباديّة الوقف، واشتراط قصد القربة في صحّته، وفاقاً لغير واحدٍ من المتأخّرين.
5 ـ الكفارات وشرط القربة
المعروف بين الفقهاء أنّ الكفارات من الأمور التي يشترط فيها قصد القربة، ولهذا أدرجها السيّد محمد باقر الصدر في قسم العبادات من رسالته العمليّة (الفتاوى الواضحة)([65]).
ويستدلّ لذلك بأمور:
الدليل الأوّل: الإجماع، كما أفاده السيد السبزواري وغيره([66]).
وفيه عدم إحراز تعبديّته لو أحرزت صغراه، لاحتمال اعتمادهم على ما سيأتي.
الدليل الثاني: إنّ مفردات الكفارة عباديّةٌ في الغالب، فيُفهم من ذلك أنّها مشروطة بقصد القربة، وذلك كالعتق والصيام، فهما مشروطان بقصد القربة كما هو واضح.
ويجاب بأنّ وجود بعض خصال الكفارات على نحو القربة لا يعني أنّ كلّ الكفارات مشروطة به، بل غايته أنّه لو أراد الصيام لزمه قصد القربة، لكن لو أراد إطعام مسكين أو كسوته لم يلزم ذلك، ولا مانع من هذا التفكيك مبدئيّاً.
ولهذا لو راجعنا كلماتهم في شرطهم القربة في الإطعام والكسوة لا نجد سوى الإجماع والاتفاق والتعليل بأنّ الكفارات عبادة ([67]) ، مع أنّ الكلام في عباديّتها، فلا يصحّ إطلاق القول بهذه الطريقة.
الدليل الثالث: قد يستند هنا إلى تحليل مفهوم الكفّارة، فإنّ الكفّارة نوعٌ من العقوبة أو التدارك الذي يقوم به الإنسان عن فعلٍ فعله، فيلاحظ فيها حينئذٍ النظر إلى الفعل الأصل والتكفير عنه، ولا يقال بأنّ فلاناً كفّر عن فعلته إلا إذا أتى بالفعل الثاني بقصد التكفير عن الفعل الأوّل الذي ارتكبه.
ويشهد لذلك أيضاً أنّ كلمة (كفر) لا يبعد ظهورها في الفعل القصدي كما ذهب إليه بعضهم، فيكون معنى أنّ زيداً كفر، هو أنّه ستر ذلك الشيء مع علمه به، ويغدو ذلك أوضح عندما نستخدم صيغة مشدّدة مثل (كفّر) أو (كفّارته) وما شابه ذلك، ولعلّ ذلك هو المستند لهم.
ويدعم هذا كلّه أنّ نصوص الكفّارات الواردة في الكتاب والسنّة ليس فيها إنشاء حكم وضعي، كما هي الحال في بعض نصوص الزكاة والخمس والأنفال ونحو ذلك، فهي لا تقول بأنّ للفقير في ذمّة فلان مالاً أو حقّاً، بل تشير إلى أنّ على فلان أن يدفع المال، والملفت أكثر أنّ نصوص الكفارات استخدمت صيغ الإطعام والكسوة، و ليس دفع المال، الأمر الذي يعزّز أكثر ما نريده هنا.
لهذا ليس من البعيد ـ بضميمة هذا الإجماع والارتكاز الإسلامي ـ فهم اشتراط النيّة والقربة في الكفّارات.
خلاصات ونتائج
نستخلص ممّا تقدّم ما يلي:
أوّلاً: إنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو أنّ الزكاة يجب فيها قصد القربة إلى الله تعالى؛ لكنّ ذلك ليس بواجب، لكن لو اُخرجت من دون قصد القربة لم يجب إعادتها مرّةً أخرى. ولا فرق في ذلك بين زكاة الأموال وزكاة الأبدان.
ثانياً: لا يجب قصد القربة ـ لا وضعاً ولا تكليفاً ـ في الخمس، ولا الخراج، ولا الجزية، ولا الأنفال، ولا الإنفاق المنزلي ونحوه، لا على الناس ولا على الحاكم.
ثالثاً: لا يجب قصد القربة ـ لا وضعاً ولا تكليفاً ـ في الوقوف، وإن كان هو الأحوط استحباباً.
رابعاً: لا يبعد الاحتياط الوجوبي بقصد القربة في الكفّارات، بل هو الأظهر.
خامساً: لم يقم أيّ دليل على اشتراط القربة في أيّ ضريبة تضعها الدولة والسلطات الرسميّة مطلقاً، بمقتضى ولايتها القانونيّة.
وبهذا كلّه نعرف أنّ أقصى ما تفيده الأدلّة، هو عباديّة فريضة الكفّارات دون غيرها من الضرائب أو الفرائض الماليّة، وإن كان الأفضل قصد القربة في أيّ عطاء مالي.
ويترتّب على عدم عباديّة مثل الزكاة والخمس، وعلى عدم لزوم إعادتها لو صدرت من دون قصد القربة، أمور، منها:
1 ـ لو أخرج الخمس مثلاً لا بقصد القربة، فلا يجب عليه إعادة الإخراج، بل لا يكون قد ارتكب مخالفةً شرعيّة. وكذا لو وكّل غيره ولو كان غير مسلم بحساب أمواله وإخراج الخمس أو الزكاة، كفى في فراغ الذمّة، ولو لم ينوِ الوكيل أو النائب، ولم يلتفت أصلاً إلى كونه خمساً أو زكاةً، مع وجود النيّة الإجماليّة من الموكّل.
2 ـ لو أخرج من ماله ما هو بمقدار الخمس خلال العام بعد تعلّق الخمس بماله، وهكذا الزكاة، ونوى ما في ذمّته شرعاً من مال لمستحقّيه، تحقّق إخراجه الفريضة من ماله إذا كان الصرف في الجهة المطلوبة، ولو لم يكن قد نوى في ذلك الخمس بعنوانه؛ لأنّ مال الفقير الموجود في ماله قد وصل للفقير واقعاً، فلم يعد للفقير في ذمّة المالك شيء، ولو لم يكن المالك قد نوى الفريضة بعنوانها. نعم يشترط أن لا ينوي في الإخراج الصدقة المندوبة أو الزكاة فيما الواجب عليه هو غيرها، وهذا بحث يحتاج لمزيد توسعة نتركه لمناسبة أخرى، وبعض الفقهاء قبل بهذا الأمر على تفصيل.
3 ـ لو أخذت الدولة الإسلاميّة المبلغ المستحقّ على المكلّفين من أخماس وزكوات وغيرها عبر الضرائب العصريّة اليوم، أمكنها اعتبار ما أخذته خمساً حتى لو لم يقصد المكلّفون إخراج الخمس بدفعهم هذا المال، فلو وضعت الدولة الإسلامية نظاماً ضريبياً يفضي عملياً إلى إخراج خمس مال المواطنين أو مقدار زكاتهم، أمكن اعتبار ذلك خُمساً، نعم لو اعتبرته الدولة ضريبةً أخرى إضافيّة لم يكن خمساً في هذه الحال، وكذا لو نوى المكلّف بدفع الضريبة غير عنوان الخمس أو الزكاة أو ما في الذمّة، فإنّه لا تفرغ ذمّته. أمّا لو نوى أنّ كلّ ما يدفعه للدولة من ضرائب أو ما تأخذه الدولة تلقائيّاً من ضرائب من ماله، هو إخراج لما في ذمّته من الحقوق الشرعيّة للحاكم الشرعي، بحيث يعلم أنّ من بين ما يدفعه أو يؤخذ منه خلال العام ما هو بمقدار الخمس أو الزكاة، كفاه ذلك في الدفع ولو لم يقصد القربة، بل تكفي النيّة الإجماليّة العامّة خلال العام كلّه، غايته تكون الدولة ملزمةً بصرف هذه الأموال في مصارفها الشرعيّة المقرّرة، ويكون دفع المكلّف للدولة إمّا من باب التوكيل في الصرف أو من باب أنّ لها الولاية على هذه الأموال العامّة، وفقاًَ لاختلاف المباني الفقهيّة في هذا الموضوع. وهذه نقطة تفتح باباً كبيراً في إدارة قضيّة الأخماس والزكوات بالطرق الضريبيّة المعاصرة، ونقترح أن يتناولها الباحثون والفقهاء بجديّة عالية.
4ـ لو صادرت الدولة الشرعيّة أو الحاكم الشرعي أموال الخمس أو الزكاة الراجعة لشخصٍ ما، بالقوّة أو القهر أو الحيلة، سقط التكليف عن ذلك الشخص نفسه، ولو لم يكن راضياً بأخذ خمس أو زكاة ماله، شرط أن يكون للدولة الحقّ الشرعي في المصادرة المذكورة.
إلى غير ذلك من النتائج والآثار العديدة.
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نشر هذا البحث في المجلّد الخامس من كتاب (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر)، للمؤلّف، وذلك عام 2015م.
([1]) انظر على سبيل المثال: علي كاشف الغطاء، النور الساطع 1: 437؛ وجواهر الكلام 15: 58؛ والعروة الوثقى 4: 151؛ ومستمسك العروة 9: 345؛ ومحمد تقي الآملي، مصباح الهدى 10: 358؛ ومحمد هادي الميلاني، محاضرات في فقه الإمامية (الزكاة، ق1): 28؛ والخوئي، شرح العروة الوثقى (موسوعة الإمام الخوئي) 24: 269 ـ 270؛ والسبزواري، مهذب الأحكام 11: 278؛ والحكيم، منهاج الصالحين 1: 442؛ والخوئي، منهاج الصالحين 1: 318؛ ومحمد الروحاني، منهاج الصالحين 1: 366؛ وفضل الله، فقه الشريعة 1: 509؛ والخميني والصانعي، تحرير الوسيلة (مع تعليقات الصانعي) 1: 414.
([2]) انظر: محمد حسين فضل الله، فقه الشريعة 1: 509.
([3]) انظر: مستمسك العروة 9: 345.
([4]) انظر: تعاليق مبسوطة 6: 220.
([5]) انظر: الفياض، منهاج الصالحين 2: 37 ـ 38.
([6]) راجع: محمد باقر الصدر، الفتاوى الواضحة: 143.
([7]) انظر: الصدر، منهاج الصالحين 1: 442 (التعليقة: 67)؛ والسيستاني، منهاج الصالحين 1: 378 (لو دفعها بعنوان الزكاة ولو من دون قصد القربة)؛ ومحمود الهاشمي، منهاج الصالحين 1: 342.
([8]) انظر: مستمسك العروة 9: 345؛ والآملي، مصباح الهدى 10: 358، والخوئي، موسوعة الإمام الخوئي (الزكاة) 24: 269؛ والسبزواري، مهذب الأحكام 11: 278؛ وتقي القمي، مباني منهاج الصالحين 6: 513، 514؛ ومحمد الروحاني، المرتقى إلى الفقه الأرقى 3: 81.
([9]) انظر: العروة الوثقى مع تعليقات المنتظري 2: 944؛ والفياض، تعاليق مبسوطة 6: 218 ـ 219.
([10]) انظر: الطوسي، الخلاف 2: 49؛ والحلّي، المعتبر 2: 559.
([11]) انظر: المنتظري، كتاب الزكاة 4: 232 ـ 233.
([12]) انظر: الحلّي، المعتبر 2: 559.
([13]) انظر: محمد تقي الآملي، مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى 10: 358.
([14]) تهذيب الأحكام 4: 186؛ وصحيح البخاري 1: 2.
([15]) المنتظري، كتاب الزكاة 4: 237.
([16]) موسوعة الإمام الخوئي (الزكاة) 24: 269؛ ومحمود الهاشمي، بحوث في الفقه (كتاب الزكاة) 3: 255.
([17]) موسوعة الإمام الخوئي (الزكاة) 24: 269.
([19]) الخصال: 447؛ وصحيح البخاري 1: 8.
([20]) موسوعة الإمام الخوئي (الزكاة) 24: 269؛ والمنتظري، العروة الوثقى مع تعليقات المنتظري 2: 944؛ وله أيضاً: كتاب الزكاة 4: 244 ـ 246.
([21]) راجع: معجم مقاييس اللغة 3: 339 ـ 340؛ والجوهري، الصحاح 4: 1505 ـ 1506؛ والفراهيدي، العين 5: 56 ـ 57؛ و..
([24]) المصدر نفسه؛ وتهذيب الأحكام 9: 139، 151ـ 152.
([29]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: الخوئي، منهاج الصالحين 2: 255 ـ 257.
([30]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: الكليني، الكافي 7: 30، حيث عنون البابَ بقوله: بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّحْلِ وَالْهِبَةِ وَالسُّكْنَى وَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى و..
([32]) کتاب من لا یحضره الفقیه 2: 68، و4: 369.
([33]) الكلينيّ، الكافي 4: 26، 27؛ والقاضي النعمان، دعائم الإسلام 2: 320؛ والصدوق، الخصال: 134؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 2: 55؛ وابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول: 380؛ والاختصاص: 240؛ والطوسيّ، الأمالي: 458؛ وابن أبي جمهور الأحسائيّ، عوالي اللآلي 1: 376، 453؛ والنوريّ، مستدرك الوسائل 12: 343، نقلاً عن كتاب الأخلاق، لأبي القاسم الكوفيّ.
([34]) الهاشمي، كتاب الزكاة 3: 252.
([36]) موسوعة الإمام الخوئي (الزكاة) 24: 269 ـ 270.
([37]) انظر: السبزواري، مهذّب الأحكام 11: 278.
([38]) انظر: كتاب الزكاة 3: 252.
([39])الاشتهاردي، مدارك العروة الوثقى 23: 49.
([40]) انظر: محمد عزة دروزة، التفسير الحديث 5: 454.
([41]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: ابن الجوزي، زاد المسير 6: 153.
([43]) المصدر نفسه 4: 174؛ وعلل الشرائع 2: 391.
([44]) کتاب من لا یحضره الفقیه 2: 177.
([45]) انظر: محمد صادق الروحاني، المسائل المنتخبة: 204.
([46]) انظر: السبزواري، مهذب الأحكام 11: 485.
([47]) انظر: محمد علي الأراكي، المسائل الواضحة 1: 316؛ والمنتظري، الأحكام الشرعية: 325؛ والروحاني، المسائل المنتخبة: 204.
([48]) السبزواري، مهذب الأحكام 11: 485؛ والمحقّق الكابلي، المباحث الفقهية (كتاب الخمس): 240؛ وموسوعة الإمام الخوئي 25: 183.
([51]) الخوئي، كتاب الخمس: 320.
([52]) الكافي 1: 540؛ و تهذيب الأحكام 4: 129.
([53]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: السيستاني، الرافد 1: 70 ـ 71؛ وحيدر حب الله، إضاءات في الفكر والدين والاجتماع 1: 514 ـ 517.
([55]) الصدوق، الأمالي: 624؛ وعيون أخبار الرضا 2: 216.
([57]) الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي 25: 183.
([58]) القمي، مباني منهاج الصالحين 9: 445.
([59]) حجية السنّة في الفكر الإسلامي: 612 ـ 613.
([60]) كتاب من لا يحضره الفقيه 4: 249 ـ 250.
([61])الحدائق الناضرة 22: 153 ـ 154.
([63]) المصدر نفسه 22: 14ـ 15.
([64]) فقه الصادق 20: 306 ـ 307.
([65]) الفتاوى الواضحة: 142، 733.
([66]) انظر: مهذب الأحكام 10: 182؛ ونهاية المرام 2: 219 ـ 220.
([67]) انظر: رياض المسائل 12: 481؛ وفقه الصادق 23: 369 ـ 370.