أحدث المقالات

 

 

أ. محمد رضا محمد اللواتي
 

سؤال: لقد قرأت مقالة عن العرفان الإسلامي لكاتبها حيدر حب الله، والتي تتحدث عن المنهج العرفاني ومحاولات عقلنته وشرعنته. وانبثقت بعد قرائتها العديد من الأسئلة في ذهني، من قبيل: ما العرفان؟ على ماذا يستند؟ ما صلة معطياته باليقين؟ وما رأي الإسلام وأتباع مدرسة أهل البيت (ع) فيه؟ وماذا عن صدق محاولات شرعنته وعقلنته؟ كيف نفسر إنتماء علماء من طراز الإمام الخميني والعلامة الطباطبائي لهذا المنهج؟ أرجو التكرم بالتعليق على المقالة المشار لها، أو صياغة أخرى توضح الموضوع من جذوره، على أن يتم معالجة الإشكالات التي طرحتها مقالة حب الله، إن أمكن، هذا إذا لم يكن ذلك يتعارض مع فترة النقاهة التي تمرون فيها، فصحتكم الغالية هي الأهم، وشكر الله مجهودكم إن شاء الله، إنه سميع الدعاء.

 

§        الجواب:-

 

قبل قرابة عام من الآن، طلب مني بعض الزملاءأن أعلق على مقالة الأخ حيدر حب الله حول العرفان الإسلامي التي ظهرت في صندوق الرسائل الالكترونية آنذاك، وأرسل البعض الآخر أسئلة يطلب الإجابة عنها بعد أن قرأ المقالة المشار لها. وعند قرائتي لها بإمعان، وجدت، بجانب العديد من الأوجه الجمالية فيها، العديد من مواقع النظر أيضاً، لدرجة استصعبت بها كتابة تعليق عليه، وقررت أن أغزل بإبرة التحقيق مقالة مستقلة عن العرفان في الإسلام، أشير فيها إلى هويته كعلم، والمنهج المتبع فيه وكيفية تطبيقه، على أن أشير ضمناً إلى مكامن النظر في مقالة الأخ حب الله. إلا أن الوقت لم يسعفني آنذاك، إلى أن ذكرني بالموضوع مجدداُ سؤالك الكريم. كنت أرغب أن يكون الموضوع تأسيسياً، يتناول جذور المنهج العرفاني، وفقاً لنظرية المعرفة في الإسلام، ويحلل منهجه ومعطياته، ولكن، ونظرا للظرف الذي أمر فيه حالياً، لن يسعني بذل الجهد المطلوب لتحقيق تمام الغرض، لذا أرجو أن يكون ما سيأتي، على اختصاره، كافياً إلى حد مقبول، ومنه تعالى أستمد العون والتوفيق.

 

§        تحرير محل النزاع:-

 

إن البداية الصحيحة للتنقيب في حقيقة المنهج العرفاني، يجب أن تبدأ بالتساؤل التالي:-

بجانب الحس والعقل، أتوجد أداة ثالثة ضمن قوى الإدراك لدى الإنسان؟ ما تكون وكيف تعمل؟ وما الضمان الذي يجب اعتماده لأجل الوثوق في معطياتها؟ ولأننا نتحدث عن العرفان الإسلامي، فيجب إضافة الفقرة التالية على التساؤل المار: وما رأي الإسلام، المتمثل في مصادره الفكرية، أعني القرآن والسنة المطهرة للنبي (ص) والأئمة الأطهار(ع)، والبرهان العقلي المحكم[1]، في تلك الأداة وفي ثمارها؟

 

الشيخ السبحاني، أيضاً، سلك الطريق ذاته، عندما كان بصدد التحدث عن الإلهام والإشراق في كتابه النفيس: نظرية المعرفة[2]. قال:"الأصول التي يتبناها المادي في نظرته الكونية للعالم، تفرض عليه أن لا يعتقد إلا بأداتين من أدوات المعرفة: العقل والحس وما يعتمد عليه من تمثيل وإستقراء وتجربة. وأما الإلهي فيعتقد أن هناك وراء هذه الأدوات، أداة أخرى، يتجهز بها عدة ممن طهرت قلوبهم، وصفت أذهانهم، وصقلت نفوسهم، فاستعدوا لتلقي المعارف من عالم الغيب، وما وراء الحس والشهود". وزاد قائلاً: "وأما الإلهي المعتقد بكون دائرة الوجود أوسع من المادة، فيعتقد بأن هناك شهادة وهناك غيباً، وأنه يمكن للإنسان أن يتصل بعالم الغيب، ويقف على أشياء لا يقف عليها بحسه ولا بعقله، وليست حقيقة هذا الوقوف إلا إفاضة المعاني والحقائق والصور من ذلك العالم إلى نفس العارف السالك المطهر من درن المعاصي ورذائل الأوصاف"[3].

 

هذه هي البداية الصحيحة فعلاً لموضوع العرفان. وما لم نتحرى هذه المسألة، فلن نتقدم قيد أنلمة، وكلما سنقوله، لن يقدم أو يؤخر. إذن نحن نتجه صوب علم المعرفة لنطلب منه الإجابة[4]. لأن التحقيق في العلم ووسائله، مما أختص ببيانه علم المعرفة.

 

§        لفت نظر:-

1. التساؤل المار، لا يتعلق فحسب بالعرفان، وإنما يتعلق كذلك بالمنهج العقلي والمنهج الحسي أيضاً. فلقد أنكر جمع من علماء الغرب وفلاسفتهم، أن تكون المعارف التي تنبثق عن الأدوات الحسية، معارفاً يقينية ويمكن الاستناد عليها. إن هؤلاء طرحوا إشكالهم بهذا النحو: ما الدليل على أن ما تزودنا به حواسنا من معارف، يقينية وواقعية وعلينا الوثوق بها؟ فبعد ثبوت أخطاء الحواس في المعرفة، كيف يمكن الاعتماد عليها؟ وجمع آخر منهم، أنكروا أن تكون المعارف العقلية يقينية وواقعية وتقبل الوثوق. هذا، فضلا عن الاختلاف الهائل بين المعني بالعقل ودوره في عملية المعرفة، بين تصورنا نحن وتصور أولئك الباحثين الغربيين. فالعقل عندنا، أداة تمنح اليقين للمدركات الحسية، فضلا عن دورها المستقل عن الحس، في ابتكار المعقولات الثانوية الفلسفية. بينما تنكر غالبية المؤسسات الفلسفية الغربية وجود معارف ابتكرها الذهن بلا معونة الحس. المهم، أن ذات التساؤل الذي رسمناه قبل حين، بغية التحقيق في المنهج العرفاني، يرتسم هاهنا ليتساءل عن المعيار الذي يمنح للمعارف الحسية قيمة، وعن المستند الذي على أساسه نزعم بوجود أداة تدرك معارفاً فوق الحس، وأخرى عن غير طريق الحس، وتسمى تلك الأداة بالعقل، هذا فضلا عن المعيار الذي بواسطته نهب اليقين لها. إليك الإشكال:- :ما هو الدليل على أن ما ندركه عبر الأدوات الحسية من معارف، صحيحة وواقعية ولها قيمة يقينية؟ وما الدليل على وجود عقل يدرك معارفا لا صلة لها بالحس؟ وما الضمان على صحة مدركاته؟ لم لا تكون الإدراكات التي تسجل بإسم الإدراكات العقلية، محض إدراكات خيالية، كما وأن المشاهدات العرفانية محض أفكار شاعرية؟العلامة الطباطبائييقول بأن منكرو الوحي الإلهي وبعثة الأنبياء ورسالاتهم السماوية انطلقوا من ذات التساؤل فقالوا: ما البرهان الذي بواسطته يمكننا قبول مزاعم مدعوا النبوات والوحي الإلهي؟ إذن، نحن لسنا أمام حالة فريدة تريد الإثبات – أو الشرعنة والعقلنة كما يحلو للبعض أن يطلق عليها- تسمى بالعرفان، بل أمام منحى لا مناص عن السير فيه، لأجل صياغة معيار يهب للمعرفة قيمتها، سواء أكان المجلب لها إلى الذهن هو الحس، أم العقل، أم هما معا، أم الأداة الثالثة التي نحن بصدد رفع النقاب عنها في هذه المقالة.   

2. كل من يريد إنكار وسيلة للمعرفة، بالاستناد على وسيلة أخرى، لا إمكانية لها في إثبات أو نقي تلك الأداة، فمطلبه جزافي جداً. الحس، الذي لا يتعلق بما وراءه، ليس بالوسع الاستناد عليه لأجل إنكار ما وراءه. ومن هنا، فإن المنكرين لوجود الواقع الغيبي خارج الحد المادي، إنما أنكروه دون برهان. العلامة الطباطبائي يرى أن هذا الإنكار يساوي التخريف تماماً.[5]

3. أصحاب التساؤل المار عن العرفان، يقفون في مصاف واحد مع أصحاب التساؤل المار أيضاً عن قيمة الحس والعقل في المعرفة، فضلا عن وجود عقل بتعريف الإسلاميين له. هؤلاء جميعا يتساءلون عن أداة معرفية في الحقيقة، وقيمة ما تنتج من معرفة.

4. بصورة عامة، الانغماس الشديد في المدى المعرفي المادي، يعد من إحدى الأسباب التي لعبت دوراً في المعاناة التي واجهها أصحابها لكي يقتنعوا بوجود أداة غير الحس للمعرفة، ووجود واقع أعلى عن أفق المادة، يقبل المعرفة والإيمان[6]. كما أن هذا العامل أجج المعاناة ذاتها لدى أولئك الذين جلبوا لأممهم ومجتمعاتهم ألواناً من المعارف فوق الأحاسيس وخارج أطر المادة. لقد تعب هؤلاء في إقناع أؤلئك بالخروج عن أفق الفهم المادي والحسي للعالم، وإذا كانت جهودهم قد تكللت بالنجاح بالنسبة إلى البعض، فإن محاولاتهم هذه، بالنسبة إلى البعض الآخر، بائت بالفشل الذريع. عادة، يضرب على ذلك مثال قوم النبي موسى(ع)، أعني بنو إسرائيل، الذين، غاصوا في الأفق الحسي للواقع، فأنكروا معه وجود أفق أعلى كلياً. لقد كان إيمانهم بالألوهية المادية الحسية أقرب إلى إيمانهم بالألوهية التي كان موسى (ع) ينادي بها. ينقل الكتاب العزيز عنهم قولهم :"وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة". وكانوا قد آمنوا عندما رأوا العصا تنقلب إلى ثعبان، وهكذا تخلوا عن إيمانهم بمجرد أن رأوا عجلاً له خوار، وانكبوا على عبادته. يقول القرآن عن هذه المحنة العظمى: " فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقال هذا إلهكم وإله موسى". ولأن بنو إسرائيل لم يكونوا أهل التمرس في التفكير العقلي، عجزوا عن اكتشاف الفرق بين انقلاب العصا إلى ثعبان، وبين صدور الخوار من جسد العجل. لم يتمكنوا من الكشسف عن صلة الإعجاز بالنبوة، لأن هذا من أعمال التفكير العقلي. ومن هنا، ليس صحيحا القول بأن المعجزة حجة العوام، بل هي حجة الخواص الذين بمشاهدتها يدركون صلتها بالغيب[7]. على أية حال، فإن النزعة الحسية، وهيمنتها، وإصرار أصحابها على مشاهدة الغيب في البعد المادي، معروفة حتى في إدعاءات بعض مشركي قريش أيضاً. ينقل القرآن قولهم: " وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا جهرة" و "ما كان حجتهم إلا أن قالوا أئتوا بآبائنا إن كنتم صادقين". واليوم، المشكلة ذاتها تقف في طريق إيمان العديد من المؤسسات العلمية في الغرب نحو الاعتقاد بالغيب. إن جل الفلسفات الغربية قد آمنت بالعقل كأداة تابعة للمعارف الحسية، وأنكرت إمكانيته لإدراك أي شيء خارج إطار المادة. وإن كان ثمة شيء فقد جعلوه مساوياً للبطلان والخيال – على سبيل المثال: أنكر دافيد هيوم مبدأ العلية لأنه لا توجد حاسة تمون الذهن بهذه الفكرة-. وبجانب المؤسسات الفلسفية، فإن أغلب علماء المادة – أعني بعلماء المادة: علماء الفيزياء، على أساس أن علم الفيزياء هو علم المادة بالفعل- ، قد أنكروا وجود جوهر يعرف بالنفس، موجود في أفق غير مادي، وأن المعرفة من شأنه.

5. ستلعب هذه الأسطر دور التذكير عوضاً عن التأسيس، إذ ليس من شك في أن الأصول العليا التي دعا القرآن إلى الاعتقاد بها، غيبية. فوجود ذات الحق الإطلاقية تعالى، وجود الملائكة، وجود عالم وراء عالم الطبيعة والمادة، وجود الأرواح والأنفس البشرية، وجود الجنة والنار، وجود العرش الإلهي المجيد، وجود الألواح العالية التي تتضمن المقدرات الإلهية المتعلقة بالكون، وجود الحياة البرزخية ويوم الحساب، كلها وجودات ليست بمادية على الإطلاق، وبالتالي لا ينالها الحس. في الواقع، لا ينال الحس أي علم بالمرة كما هو مقرر في علم الأبستمولوجيا الإسلامي وسأشير إليه بالتوضيح بعد حين. والنبوة، وإن كان شخص النبي يتجسد في عالم المادة قطعاً، فإن التحقق من كيفية إتصاله بالوحي الإلهي، وبأي شكل تتنزل عليه الأوامر الربانية، وكيف يتلقاها قلبه الشريف، فهذا مما لا سبيل للحس إليه على الإطلاق، لأن الوحي الإلهي وهي الجهة المنزلة، والقلب النبوي، وهي الجهة المتلقية، ليستا حقيقتان ماديتان بالمرة. هوذا القرآن يصرح قائلاً بأن هدايته إنما تختص وتنحصر بالمتقين ويصفهم بأنهم:" الذين يؤمنون بالغيب". قال العلامة الطباطبائي في ذيل هذه الآية الكريمة:" الغيب خلاف الشهادة وينطبق على ما لا يقع عليه الحس وهو الله سبحانه وآياته الكبرى الغائبة عن حواسنا ومنها الوحي"[8].

6. في الوقت الذي يعرض الدين أمام البشر أصولاً غيبية، ويطالب الناس بالاعتقاد بها، فهو، ومن جهة أخرى، يرفض تماماً أن يتم الاعتقاد بأصوله عن جهل وبلا حجة وبينة، رفضاً قاطعاً. يقول العلامة الطباطبائي: " ولم يأمر الله تعالى عباده في كتابه ولا في آية واحدة أن يؤمنوا به أو بشيء مما هو من عنده أو يسلكوا سبيلا على العمياء وهم لا يشعرون"[9]. فلا بد، والحال هذا، أن يكون قد زوده بالقدرة على إدراك ومعرفة أصوله الغيبية، وبدرجة من الوعي الذي ينتج الإيمان، بل اليقين.

 

§       تحديد طريق السير:-

 

كيف قام الفلاسفة المسلمون بالرد على منكري قيمة المعرفة الحسية؟ وكيف تمكنوا من إثبات وجود العقل بالمعنى الذي يؤمن به فلاسفة الإسلام؟ في الواقع، ذات الطريق الذي ساروا فيه لإثبات ما مر، هو الطريق الذي سلكوه لإثبات وجود أداة غير الحس والعقل، والتي تنتج العرفان. للننظر أولاً، إلى الأسلوب الذي انتهجته الحكمة الإلهية في فلسفتنا لرد شبهة منكري قيمة المعرفة الحسية، ومنكري العقل المستقل في المعرفة عن الحس. ثمة عدة طرق يمكننا المرور من خلالها، أدقها وأصعبها طريق التحقيق في حقيقة العلم، وأسهلها ذلك الطريق الذي يمر عبر تشريح الذهن، لأجل اكتشاف أنماط الإدراكات التي تقبع فيه، بغية تحليل واكتشاف كيفية بلوغها الذهن. ولقد أزمعت السير من خلال الطريق الأسهل.

 

§        تشريح الذهن:-

 

تقرر الحكمة الإلهية في فلسفتنا، أن الإدراكات القابعة في وعاء الذهن كثيرة، ولكن يمكن تسليط الضوء على الأنواع التالية، لأنها تفي بغرض الموضوع، وهو التوصل إلى الأدوات التي لعبت الدور الريادي في تموين الذهن بها:-

1.     إدراك الإنسان لنفسه، ولمشاعر نفسه، ولقوى وأدوات الإدراك في نفسه، وموجده المتعالي تبارك وتعالى.

2.     إدراك الإنسان للتصورات الأولية من قبيل وجود الناس والأشياء على أنواعها من حوله.

3. إدراك الإنسان للكليات، أعني تصور عن الإنسان، الحيوان، النبات، الجماد، والتي تطلق الحكمة الإلهية عليها: المعقولات الأولى، أو الكليات.

4. إدراك الإنسان لما تطلق عليه الحكمة الإلهية: المعقولات الثانية أو المعقولات الفلسفية من قبيل تصورنا عن العلة والمعلول والوجود والعدم والغنى والفقر والارتباط والاستقلال.

 

ليس لدى أحد شك، في أن النوع الثاني من الإدراكات، قد بلغت الذهن عبر منفذ الأدوات الحسية. ولا يعرف منازع في ذلك. ولكن النزاع يكمن في تحديد الأداة التي مونت الإدراكات من النوع الأول والثالث والرابع. ففريق، وهم الأسميون، زعموا بأن الكليات ليست بإدراكات، – وهي المشار لها برقم 3- وإنما هي إطلاقات. فلقد أطلق الإنسان على مجموعة من الكائنات إسم إنسان، وعلى مجموعة أخرى اسم النبات، وعلى مجموعة ثالثة، اسم الحيوان، وفقا للتشابه القائم بينها. فلا إدراك، وإنما إطلاق. لقد واجهت الفلسفة الإسلامية هذا الرأي بحدة شديدة، وتمكنت من إسقاط قيمتها كليا، وذلك عبر الأدلة المحكمة التي أثبتت بواسطتها إن الفلسفة الإسمية فاقدة للأساس، وأن الإدراكات الأولية إدراكات وليست إطلاقات، وإلا، فبأي أداة تم إدراك التشابه؟ وبأي أداة تم إدراك العدد اللانهائي من الكائنات؟ إذن، وراء الحس، قوة إدراكية أخرى يطلق عليها العقل. غاية ما في الأمر، أن العقل ولأجل التوصل إلى تلك الإدراكات، استند على المعطيات الحسية لبلوغها.[10]

 

أما بالنسبة إلى الإدراكات المندرجة في رقم 4، فقد أسقط فريق قيمتها من الاعتبار تماماً، على أساس أن الأدوات الحسية لا تمون الذهن بها، وكلما لا يصل الذهن عبر الحس فلا قيمة له. وقام فريق آخر، بإرجاع إدراكها إلى العقل، ولكن بمعونة الحس. فالإدراكات الحسية هي الأرضية التي استندت عليها قوة أخرى وابتكرت تلك الإدراكات، تلك القوة هي العقل. الحكمة الإلهية في فلسفتنا، أقرت بأن العقل هو القوة المدركة لها، على أساس أنه لا تصلح أي من الأدوات الحسية أن توجد هذه الإدراكات في الذهن، لكنها، رفضت أن تكون الإدراكات الحسية هي الأرضية التي استند العقل لبلوغها. ذلك، لأن أول إدراك ابتكره العقل، وقبل أي إدراك آخر، هو أن اجتماع المتناقضات مستحيل. إذ لولا هذه القاعدة وهذا الإدراك، لاستحالت أية معرفة أخرى. الإنسان، ولكي يقر بوجوده، ووجود قواه الإدراكية، ووجود المدركات الحسية، لا بد وأن يستند على قاعدة استحالة اجتماع النقيضين، وإلا لما أمكنه الوثوق بأي شيء على الإطلاق. فكيف يمكن للحس أن يمون معرفة، يستند عليها الحس نفسه ويصبح موجوداً على أساسها؟ 

 

وإذن؟ على أية أرضية استند العقل لابتكار القاعدة المشار لها؟ متى وكيف أدرك العقل أن النقيضان لا يجتمعان؟ ومتى وكيف أدرك الوجود، والعلية؟ ليس لدى الفكر الغربي بشقيه الفلسفي والفيزيائي جواب يمكن حتى التفكير فيه، فضلا عن قبوله، فيما يتعلق بالمسألة المارة.

 

أما ما يتعلق بالنوع الأول من الإدراكات، أعني إدراك الإنسان لنفسه وعالمه الداخلي، وإدراكه لوجود الله تعالى، فأحسن ما رفضناه –لعدم كفاءته بالطبع- ما عرضه الفيلسوف الفرنسي الكبير رينيه ديكارت، إذ قال بأننا أدركنا وجودنا بإدراكنا لأفكارنا، فمن وجود الفكر، والذي لا يقبل الإنكار توصلنا إلى وجود أنفسنا. والعجب، أن الفكر متوقف في وجوده على وجود النفس ومنطوٍ في النفس وأحد قواها ومظهر لوجودها، فكيف يمكن لنا أن لا ندرك أنفسنا أولا وندرك ما يستند عليها في وجوده؟ ديكارت نفسه عندنا صاغ عبارته الشهيرة قائلا أنا أفكر، فقد أذعن بأنه قد أدرك وجود وأناه قبل فكره. أما أسوأ ما تم رفضه، فهو ما نطق به علم النفس الحديث، إذ زعم أن الإنسان أدرك ذاته كما أدرك غيره. أي أن الإنسان كما أنه التقط صور الكائنات ووضعها في ذاكرته، كذلك التقط صورة نفسه وضمها إلى مجموعته. ومن الذي قال للإنسان بأنه موجود، ويمكنه التقاط الصور، والاحتفاظ ها في ذاكرته؟ علم النفس استعاض عن الإجابة بالصمت المطبق زاعما بأنه استبدل البحث عن النفس وحقيقتها بالبحث عن سلوكها. 

 

§        حجر الزاوية:-

فلسفتنا، التي تنهل من البرهان القويم، وتستند على المعطيات القرآنية والروائية، تجاوزت المشكلة تماماً، إذ قررت بأن علم النفس بنفسها حضوري ولا يحتاج إلى توسط أمر. المعلوم هو النفس، والعالم أيضا، فالعالم والمعلوم واحد. النفس تدرك ذاتها لأنها تجد وتشهد وجودها. إذن ثمة طريق ثالث يسوق إلى المعرفة، وهو الشهود والوجدان، أو العلم الحضوري بالتعبير الفلسفي. هذا الشهود نال النفس أول ما نال، ومن وجدان النفس، وجد التالي:-

1.     قواها المنطوية في ذاتها، من سمع وبصر، وذوق وشم ولمس، وغير ذلك من القوى والإمكانيات.

2.     مشاعرها الكامنة فيها، فقد عثر عليها وجداناً. (الشاعر والمشعر به واحد).

3.     أرتباط تلك المشاعر والقوى بالنفس، وتوقفها في وجودها على وجود النفس (العلية، ومفهوم الغنى والاستقلال والفقر والارتباط).

4. وجود باريها المبدع لها، والتي تفتقر النفس إليه بتمام كيانها. إن البرهان الفلسفي الذي أقامه الشيرازي هنا يثبت أن ملاك الحاجة للموجد في الكائنات هو الفقر، وفي مورد النفس –والكون أيضا- ثمة كائن يستعير الوجود في كل لحظة من موجده. ومشاهدة الفقير بالذات، والمرتبط محضا بالباري، من المستحيل مشاهته دون مشاهدة من يتوقف تماما في وجوده عليه. لأن الفقير بالذات ليست له حقيقة إلا الارتباط بالمصدر الغني[11].

 

إذن، الينبوع الأول للمعرفة هو العلم الحضوري للنفس بالنفس، والمساوق لشهود النفس لموجدها الغني. هذه النتيجة عضدتها الآيات التي تقر بأن معرفة الله فطرية، وأن الإنسان قد شاهد ربه، " ألست بربكم قالوا بلى[12]"، الأخبار الشريفة دعمت نطق الكتاب العزيز، إذ أكدت أن معرفته تعالى قد تمت عبر الوجدان الإنساني لذات الحق المتعال[13]. قال الشيخ جوادي آملي في معض شرحه للأية:" الحديث هو أن الله أرى نفسه للإنسان في الإنسان،أي أن الإنسان وبالنظر إلى نفسه رأى الله مثل من يرى ذاته في المرأة"[14].

هكذا تنهض البراهين الفلسفية بمسؤولية إثبات وجود إدراك وجداني، شهودي وحضوري، يتعلق بالنفس وعالمها، ولولا هذا الوجدان، لما أمكن للعقل أن يؤسس الذهن، بتأسيس المعقولات الأولية والمعقولات الثانية أو الثانوية.

 

§        قيمة المعرفة:-

ثبت بهذا الطريق وجود قوة إدراك تتعلق بالنفس، تسمى بالوجدان، ولكن، كيف ترد فلسفتنا الإلهية على منكري قيمة المعارف الحسية والمعارف العقلية؟ إليك الإجابة:-

1. إن النفس، وقواها الإدراكية أمر واحد لا تعدد فيه. فالحواس، والمقدرة العقلية، والتخيلية، والذاكرة، كامنة كلها في النفس بنحو من الوحدة. هذه الوحدة تثبتها البراهين التي تثبت تجرد النفس عن المادة، وسقوط الأبعاد والتركيب عن المجرد من أشد ضروريات الكائن المجرد[15].

2. إن إنطواء القوى الإدراكية في ذات النفس معناه، عندما تقع هذه القوى على أمر ما لأجل إدراكه، فإن هذه القوى، ولأنها غير منفصلة عن النفس، يتحقق العلم بالمعلوم حضوراً لتواجد النفس عند المعلوم بقواها المنطوية كليا فيها. النفس هنا تشرف على الواقع الخارجي، وعلى الصورة الذهنية التي تتكون لديها عن ذلك الواقع. النفس ترى تطابق الصورة بالواقع العيني، فلا ثمة مجال لسريان الشك في صحة الإدراك وتطابقه مع الواقع[16].

3. إن ما مر يعني أن العلم كاشف فعلا عن الواقع. إنك بالعلم تتأكد حتى من شكوك وظنوك. وكما قال العلامة الطباطبائي:" نحن نشخص شكنا ما إذا كان شكا بعلمنا"[17]. لا سبيل أمام الشك في كاشفية العلم للواقع، لأن في كل شك، هناك علم[18].

 

§        ما هو العرفان:-

لنرجع إلى كنا فيه. ما صلة الكشف الوجداني للنفس بالعرفان؟ وأساساً ما العرفان؟ العرفان –وبكلمة واحدة- هو شهود فقر النفس إلى باريها، وبالتالي شهود باريها الغني الملازم لشهود النفس بلا فاصل. لقد كنا جميعاً نملك، وفي بداية المراحل الأولى لحياتنا، وعياً بذواتنا، وشؤون ذواتنا، وما يساوق هذا الوعي، أعني الوعي ببارينا وموجدنا. ونشأ لدينا بسبب الالتفات القوي إلى الأعماق، إدراكاً بأنفسنا مهد لعقولنا أن تبتكر في أذهاننا العديد من المفاهيم عن الوجود والعدم والعلة والمعلول وغيرها. ولكن، ومع نمو الالتفات إلى خارج النفس تدريجيا، قل الالتفات إلى الداخل، إلى أن أضحى الاهتمام فحسب بالخارج، وقل الالتفات إلى الداخل كلياً. العرفان هو العودة إلى الذات لأجل اكتشافها ومشاهدتها[19]. العرفان تركيز الالتفات إلى باطن النفس[20].

 
 

§        واقعية موضوع العرفان:-

 

البرهان قد تكفل بإثبات واقعية موضوع علم العرفان. أعني شهود الرب عبر شهود فقر النفس. فالنفس موجودة، وهي كائن مجرد عن المادة، وهي محض فقر تجاه موجدها الغني، وهي محض تعلق بالباري المبدع تعالى. والشهود أو العلم والوعي يعني حضور المعلوم لدى العالم، وفي مورد علم النفس بنفسها، هنالك وحدة تامة بين المعلوم، الذي هو النفس، وبين العالم، وهي النفس أيضاً. معرفة الله من هذا الطريق مما لا مناص لقبوله، بل لا مجال لإنكاره، لترتب إنكار جملة من الأصول العقلية عليه. قال العلامة الطباطبائي: " للإنسان شعور بربه، لا يجره إلى الغفلة عنه إلا اشتغاله بنفسه وبمعاصيه التي اكتشبها، وهي مع ذلك غفلة عن أمر موجود مشهود"[21].

 

لقد عقد العلامة في الميزان ج6 فصلا برهن فيه على أن المعرفة الأنفسية هي المنهج الذي عرضه الدين من خلال عدة آيات والعديد من الروايات، لأجل معرفة الله تعالى، ذلك لأن معرفته تعالى عبر السير الأنفسي معرفة شهودية حضورية، بينما السير الآفاقي سير عقلي لا يولد الشهود.[22]

 
 

§        المنهج المتبع في العرفان:-

 

العبادة هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ قعر النفس وشهود الحقيقية المتعالية. والعبادة هي تلك الطرق المقربة إلى ذات الحق تعالى والواردة بمنتهى الوضوح في لسان الشرع الحنيف[23]. ومن هنا، يتحقق الفاصل الدقيق بين الاتجاهات الصوفية لدى غير الإمامية، وبين العرفان لدى الإمامية. لا أثر لغير المناهج الواردة في لسان الشرع، في العرفان عند الإمامية، خلافاً لما هو عليه لدى فرق الصوفية على أنواعها[24]

 

§        بين الإدراك الوجداني والإدراك العقلي:-

 

ما الذي يضمن أن مشاهدة العارف لنفسه وأحوالها الباطنية، مشاهدة حقيقية وليست خيالية، أو ممزوجة بشيء من الخيال؟ إن علم النفس الفلسفي، ونظرية المعرفة في الإسلام، منهجان يمتلكان الجواب الشافي لهذا التساؤل المار. أرجو التأمل الوافي في النقاط المارة:-

1.     النفس وقواها وحدة واحدة، لأنه لا يوجد تركيب في المجرد. القاعدة الفلسفية هنا هي:" النفس في وحدتها كل القوى"[25].

2. في كل موقع يتصل أحدى قوى النفس بالواقع المراد معرفته، فالنفس هنالك حاضرة مع الأداة، وعليه يغدو العلم حضورياً لحضور المعلوم عند ذات العالم –النفس-[26].

3. عندما تتحرك النفس تجاه موضوع ما، تريد معرفته، ولأنها مع قواها وحدة واحدة، فسائر القوى ترافق النفس معها في رحلتها المعرفية الحضورية. لا تذهب النفس لوحدها تاركة قوتها العاقلة في صوب، وقواها الحسية في صوب آخر. كلا. قال الشيخ جوادي وهو يوضح ذلك:" كل القوى المعرفية الأخرى تشايع القلب الواصلة للشهود وهكذا تتابع القوى الدونية سير العقل في المعرفة[27]". ويقول:" جميع القوى تدرك شهوداً ما تدركه القلب والاختلاف قائم في الشدة والضعف[28]".ويقول:" تتبع القوى الدونية الإدراك العلوي كما أن الملائكة تنفذ الأوامر الإلهية بمجرد إرادته تعالى[29]".

إن معنى ما مر هو، أن العقل، كما رافق شهود النفس لذاتها، ومعرفتها لباريها عند أول نشأتها، فأوجد للمشاهدة الوجدانية مفهوما عقليا، وأحتفظ الذهن بالمفهوم في وعائه، والذاكرة في مخيلتها، كذلك هاهنا، يرافق العقل وغيره من القوى الأدنى رحلة القلب إلى عمق النفس، وكل ما تشاهده النفس، تلتقطه كل قوة بحسب طريقتها، وأهمها على الإطلاق قوتان هما العقل والذاكرة.[30]

 

4. إن العقل المتمرس في البرهنة، والمتقن لعملية العودة إلى البديهيات وعرض المعارف الجديدة عليها، وطرح ما يخالفها، والتمسك بما يتوافق معها، هذا العقل يصبح معياراً للعارف لكي يشخص شهوده، ما إذا كان يتوافق مع البديهيات والبراهين أم يخالفه. يقول آملي:" إن البراهين العقلية معيار ووسيلة لشهود الإنسان المبتدئ وهذا يعني أن البرهان العقلي علم آلي لمشاهدات السالكين لطريق الكشف[31]". وبجانب البرهان، المعيار الآخر للسالك للتحقق من صدق شهوده هو حديث المعصوم الذي هو كشف تام مدعم يقوة الوحي الإلهي. يقول آملي:" المشاهدات العرفانية تخضع لمقياس شهود المعصوم (ع) أو لميزان العقل". ويقول المصباح:" تشخيص صحة المكاشفات العرفانية يتم بالاستناد على الضابطة العقلية والشرعية"[32].

5. الطريقة المارة في المعرفة الوجدانية، لا تختص بالعرفان وحده، بل هي ذاتها المطبقة في سائر حقول المعرفة. ففي المعارف الحسية، نحتاج إلى المعيار العقلي ليؤمن لنا مشاهداتنا البصرية والسمعية. التجرية تستند لأجل أن تعمم على قاعدة حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد. عندما تقف في الشرفة المطلة على شارع المنزل، منتظرا قدوم والدك المنزل-لنفترض ذلك- في وقت شديد العتمة، وتشاهد رجلا في ظلام دامس يقترب من المنزل، ولا تتمكن من مشاهدة ملامح وجهه، حينئذ تستخدم معلوماتك الواضحة جدا عن ملامح وجهه وجسده لتقررما إذا كان القادم هو الشخص الذي ننتظره أم لا. الطالب في المدرسة عندما يكتب بحثا، يراجعه أستاذه لمعرفة مدى صحة ما جاء فيه. الفقيه لاستنباط الحكم الشرعي، يستند على قول المعصوم، وإلا وفي حالة غيابه، يلجأ إلى الأصول العقلية.

 
 
 

لعله قد توضح تماماً، بأن دعوى عقلنة العرفان – يعني جعله يخضع لمنهج العقل- تجهل هذه الدعوى كليا مدى لصوق البرهان العقلي ورفقته للشهود وزمالته للكشف العرفاني. ومدى استناد العرفان على البرهان العقلي، وعلى شهود المعصوم. إنه اللصوق ذاته للعقل بالحس عند الإدراك الحسي. في الواقع إن الدعوى غضت النظر عن تلاحم القوى الإدراكية بالنفس ورفقتها لها أينما توجهت. أما دعوى شرعنته، فقد غضت النظر عن عشرات ألايات الواردة في الكتاب العزيز، والتي تحث على النظر الأنفسي، وأهميته في بلوغ اليقين. في الواقع، إن بلوغ اليقين محصور في طريق العلم الحضوري، ولا يتحقق إلا عبر الطريق الأنفسي.

 

§        المعرفة في القرآن:-

 

تطرق الكتاب العزيز إلى مسألة المعرفة، وأشار أنواعها وأدواتها أيضاً في العديد من الآيات الكريمة. منها:

1. " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"[33]. إن تحميل مسؤولية الإدراك لجهاز السمع والبصر إعتراف من القرآن بصحة المدركات التي يظفر بها الإنسان عبرهما. وفي الوقت الذي ينتمي كل من السمع والبصر إلى الأجهزة الحسية، فإن الفؤاد أداة أخرى. أشار القرآن إلى نمط الإدراك الذي يتم عبر الفؤاد فقال تعالى:" ما كذب الفؤاد ما رأى"[34]. إذن يعترف القرآن بوجود أداة شهود يسميها بالفؤاد. قال العلامة الطباطبائي:" نسبة الرؤية إلى الفؤاد، الذي لا شبهة في كون المراد به هو النفس الإنسانية الشاعرة".

2. استخدم القرآن مصطلح القلب وألزمه المعرفة في عدد من الآيات منها قوله تعالى:" إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب"[35]. قال العلامة الطباطبائي:" قلب الإنسان هو روحه ونفسه"[36]. وقال آملي:" القلب في القرآن يشمل العقل أيضا والعقل يشمل القلب أيضا"[37].

3. قال تعالى:" هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون[38]؟". فأشار إلى أداة التفكير والتحليل لأجل الوصول إلى الحقيقة. إن اكتشاف عدم استواء البصير والأعمى من أعمال التفكير في عرف القرآن الكريم.

4. قال تعالى:" كلا لو تعلمون اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين"[39]. استخدم القرآن في الآيتين المارتين مصطلح علم اليقين، ومصطلح عين اليقين. ألزمهما معاً الرؤية والشهود. ووضع لكل منهما درجة من الرؤية والشهود. إذن يعترف القرآن بوجود أداة للشهود، ويربط اليقين بالشهود. يتضح ذلك أيضاً في قوله تعالى:" وكذلك نري إبر اهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين[40]"، إذن اليقين في عرف القرآن فرع للشهود.

5. قال تعالى:" قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين[41]". ألزم القرآن الصدق في المعرفة بالبرهان. فطالما البرهان موجود، فلا مجال لتكذيب المعرفة. ومن الواضح أن البرهان يجب أن يكون حجة على الجميع، وإلا لما كان ملزماً لأحد. وهذا يعني أن البرهان يجب أن يتوافق مع أصول يعتقد بها البشر بما هم بشر، ويرون صدقها وصحتها بفطرتهم وطبيعة أذهانهم. يقول العلامة الطباطبائي:" القرآن الكريم يهدي العقل إلى استعمال ما فطرت علي استعماله، وسلوك ما تألفه وتعرفه بحسب طبعها، وهو ترتيب المعلومات لاستنتاج المجهولات. والذي فطرت عليه العقول هو أن تستعمل مقدمات يقينية حقيقية لاستنتاج المعلومات التصديقية الواقعية وهو البرهان[42]". وإلا، فمن المستحيل أن يربط القرآن مصير المعرفة، ويعين ملاك صدقها أو كذبها بالبرهان، في الوقت الذي لا يكون هذا البرهان حجة على سائر العقول، ومألوفا لدى الطبيعة البشرية، يتعاطاه البشر يوميا في حياتهم.

6. قال تعالى:" وأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها[43]". وقال عز من قائل:" ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها[44]". وقال جل وعلا:" فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً[45]". ألايات المارة، تصب في إثبات طور خاص من المعرفة والإدراك، فالآية الأولى تقرر أن الدين من مستلزمات الفطرة، وأن الإنسان مفطور عليه، بينما تقرر الآية الثانية وجود علم إلهامي في روع الإنسان، يرشده إلى تقواه وإلى فجوره، أما الآية الثالثة، فتقرر أن ثمة علماً إلهيا يكون بتعليم منه سبحانه لبعض عباده.

7. قال تعالى:" واعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم[46]". أرجع القرآن حب الكفار للدنيا إلى انتهاء علمهم إليها ووقوفه عليها وعدم تجاوزه إلى باطنها وما وراءها. ومع ذلك، وبالرغم من أن علمهم انتهى إلى الدنيا، ولكن القرآن أدخلهم ضمن دائرة المضلين ولامهم لضلالهم، الأمر الدال بعدم اعتراف القرآن وقبوله لنتيجة وقوف العلم إلى ساحة الدنيا وعدم تجاوزه إلى الآخرة.

 
 

§        ملاحق:-

 

1. العرفان النظري:-بين الفينة والأخرى، نسمع من ينادي بضرورة إخضاع العرفان لدراسة عقلية صارمة تكشف محتواه وتقوم بتقييم منهجه. لعل هذه الدعوة غير ملتفتة إلى أنه قد تأسس في الحوزة العلمية علم يتولى التنقيب في مكنونات العرفان، وفقاً لمنهج عقلي رصين، يسمى هذا العلم بالعرفان النظري. ويتولى تدريس هذا العلم أساتذة أكفاء، لا يوجد بينهم من تقل خبرته عن 20 سنة في حقل التحقيق الفلسفي. وليس ذلك يعني، بالضرورة، أن غير أولئك الأساتذة، ليس من حقه أن يقوم بنقد المنهج العرفاني أو التحقيق فيه. ولكن، ولكي ينصف هذا الناقد نفسه، قبل أن ينصف ما هو بصدد نقده ودراسته، أن يكون مؤهلاً إلى الحد الذي يعتد به العقلاء، من جهة الإحاطة بالعلم المراد التحقيق فيه، وإلا، فلن يكون لمجهوده من نصيب غير التعب.

 

إن مثل العرفان النظري مثل غيره من العلوم، ليس بوسع كل شخص أن يدعى التحقيق فيه أو ينقده وهو لا يفهم في أبجدياته. إن الشرطان الأساسيان اللذان يجب أن يتواجدا في الباحث المحقق هما: العمق الكافي في علم المعرفة الإسلامي، والعمق الكافي في الحكمة المتعالية. آية الله الشيخ محمد تقي المصباح أشار إلى حقيقة العلم الحضوري بالنسبة إلى تعلقه بمعرفة الله تعالى في مجموعة أسطر ضمن تعليقاته على نهاية الحكمة، قال: "والتفسير الفلسفي لهذه المعرفة هو أنه علم حضوري للمعلول بعلته المفيضة، وله مراتب أدناها ما هو حاصل لكل إنسان، حصولا غير مشعور به في هذه النشأة للجميع، ولهذا العلم مراتب كاملة تحصل بتكامل النفس وتعاليها عن الماديات واقترابها من الحضرة الإلهية[47]". يرجى الملاحظة أن الفقرة المارة –على صغر حجمها- قد استندت لأجل بلوغ حقيقة العرفان الكامنة في العلم الحضوري للمعلول بعلته المفيضة، على مجموعة من المسائل التي لا يحققها علم على وجه الأرض غير الفلسفة الإسلامية، منها: العلم الحضوري ومراتبه ودرجاته، الصلة الواعية القائمة بين المعلول وعلته التامة، الفرق بين الشعور واللاشعور الفلسفي- يخالف كليا نظرية اللاشعور في العلم الحديث- النفس وتجردها وصلتها بالعلم وتكاملها، القرب والبعد من ذات الحق تعالى. يعني خمس مسائل فلسفية شائكة بذل الفلاسفة لأجل الإحاطة بها جهدا توزع في قرابة نيف وست قرون. إذن، كما أننا لا نقبل ممن لا أهلية له في أي علم من العلوم، أن يتحول في يوم وليلة إلى ناقد ومحقق فيه، هكذا لا نقبل على العرفان أن يصبح شرعة لكل وارد.

 

2. العقلنة والشرعنة:-

من الضروري أن نعرف ما الذي يعنيه المصطلحان الماران. هاهنا عدة احتمالات تتعلق بالمعني به من عقلنة أمر ما:- 

        لعله يراد به إخضاع نظرية ما للمنهج العقلي، بحيث تبدو متوافقة مع الأصول العقلية للتفكير الإنساني. وهذا أمر لا ضير فيه على الإطلاق، إذ دأب المفكرين والمجتهدين هو هذا. والأمثلة على هذا كثيرة جداً، ففي مجال العقيدة، بذل المتكلمون المعتزلة ومعهم جمع غفير من الإمامية لإثبات الحسن والقبح العقليين، وبذل الإمامية بمتكلميهم وفلاسفتهم جهد إخضاع نظرية الأمر بين الأمرين لمنهج عقلي رصين، وبذل بعض المتكلمين جهد اختراع نظرية جديدة ترسم العلاقة القائمة بين الخالق والمخلوق خارج إطار العلية، وجعلها بعد ذلك مقبولة عقلاً. إن هذه الممارسة لا يجب أن ينظر إليها بنظرة سلبية على الإطلاق، أما نتيجة الممارسة، فقبولها أور رفضها راجع إلى قوة برهانها وتوافقها مع معطيات العقل الاستدلالي.  

        أو لعل المراد منه، إخضاع نظرية ما، لمنهج عقلي أو شرعي، بعد أن ظلت متمردة عليهما، حتى بدت وكأنها منبوذة عقلاً، ومحاربة شرعاً. يمكن ضرب مثال نظرية وحدة الوجود والموجود على ذلك، وإخراج لعبة الشطرنج من الحرمة الشرعية، وإدخال نظرية ولاية الفقيه المطلقة ضمن دائرة البرهنة العقلية. وهذا أيضا أمر غير ذي ضير أبداً ومن الطبيعي أن نجد مثل هذه الحركات الفكرية في عالم الاجتهاد العلمي.

        أو لعل المراد بالعقلنة والشرعنة، إضفاء هالة العقل والشرع على نظريات وأفكار لا ترضخ للأدلة بأنواعها. أي دعوى عقلانية أفكار لا تقبل الأدلة أن تبرهن عليها، أو بذل محاولات جرها إلى صف الدليل ولكن دون جدوى، ومع ذلك التشبث بعقلانيتها. وبعبارة أخرى: محاولة عقلنة أمر عصي على الدليل. هذه العقلنة هي الوحيدة بين أخواتها التي ترتمي إلى الجانب السلبي.

أما ما يتعلق بالعرفان، والذي هو شهود فقر النفس لأجل شهود موجدها الغني، فلقد أشارت عليه عدة من الآيات الكريمات، وعشرات من الأخبار الشريفة، كما وأن البراهين العقلية التي أقيمت عليه في حقل العرفان النظري تعتبر محكمة جداً، سيما بعد تدشين قاعدة الإمكان بمعنى الفقر الوجودي.

 

أما رسالة الولاية التي جاء ذكرها في مقالة حب الله، باعتبارها محاولة عقلنة وشرعنة العرفان، فقد سبقتها عشرات الأعمال في هذا الصدد، منها أعمال العلامة نفسه في الإطار ذاته في ميزانه، سيما في المجلد السادس عند مبحث النفس حيث قال هناك: " فإذا أشتغل الإنسان بالنظر إلى آيات نفسه، وشاهد فقرها إلى باريها، وحاجتها في جميع أطوار وجودها، وجد أمراً عجيبا، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء، متصلة في وجودها وحياتها وعلمها، وقدرتها وسمعها وبصرها، وإرادتها وحبها، وسائر صفاتها وأفعالها، بما لا يتناهى بهاء وسناء وجمالا وجلالا وكمالا، من الوجود والحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال"[48].  

3.  الصلة بين البرهان والعرفان:- من خلال ما جاء في متن المقالة، بدا واضحاً الآن – ولا داعي من الإعادة والإطالة- أنه ليس ثمة عدم توافق بين البرهان وبين العرفان، على الإطلاق، حتى يقال بأن المدرسة العقلية تقف في واجهة المدرسة العرفانية، أو يقال بأن بين العقل والعرفان حرب، وأمثالها من التعبيرات. كما وتوضح تماماً بأن صلة المنهج العقلي بالعرفاني هي ذات صلته بالحس وبسائر المدركات البشرية على تنوعها. أما دعوى أن وجود الدليل لا يدل دائما على وجود أو صدق موضوعه فكلام لا قيمة له لأن مقتضاه شديد الفساد ولا يحتاج حتى إلى تعليق فضلا عن تكذيب القرآن له إذ عرض البرهان كدليل قطعي على صدق الموضوع. يجب الحذر الشديد من اتخاذ وجود المناقشات في الأدلة دليلا على عدم تماميتها.

4. بين المشاهدة والتخيل:-العقل المتمثل في البرهان هو المعيار في تمييز الحقيقة عن التخيل. ما الدليل على إن ما نشاهده عبر الحواس ليبس تخيلا؟ يظن البعض أن الحس بذاته دليل على واقعيته. ولكن نظرية المعرفة تؤكد استحالة جلب الحس إلى الذهن المعرفة التصديقية. فذاك من شأن العقل كما هو مقرر في موضعه الصحيح من نظرية المعرفة. وعليه، فالبرهان هو المعيار سواء في الإطار العرفاني أو في الإطار الحسي. يستبين بجلاء أن القول بأن العارف من المحتمل أن قد التبس عليه الأمر فظن خياله واقعا، لأمر جائز وممكن التحقق حتى في مورد المدركات الحسية، ولكن سيبقى البرهان العقلي هو المستمسك لتمييز الخيال عن الحقيقة في جميع موارد الإدراك.  

5. دور الأستاذ:-تعليق: منهج الأستاذ والمرشد بالنحو المار بيانه في المقالة موضوع التعليق لم يرد له إشارة في مناهج السير والسلوك لدى كبار عرفاء الإمامية من أمثال الإمام الخميني والعلامة الطباطبائي. نعم جاء عنهما وغيرهما أهمية الأستاذ في الدرس العرفاني لأنه قد مر في السير الروحي ويعرف صعوباته ويستطيع إرشاد تلامذته. كما في قصة العلامة الطباطبائي مع القاضي أثناء تعبده في مسجد السهلة. ولكن لا بالنحو الذي يغدو التلميذ كالميت في يد الأستاذ. لقد أنكر من المعاصرين وجود ثمة علاقة من هذا القبيل في التربية الروحية الإسلامية آية الله الشيخ بهجت وغيره كذلك. إن المناهج الصوفية السنية هي التي تتميز بهذه الخاصية وليس العرفان لدى الإمامية. ولم يعد من داعي لإعادة ما أفرزناه من صلة العقل بالكشف بمقدار صلته بالحس.

6.  الطور العقلي والطور العرفاني:- يبدو أن الأمر قد التبس على البعض فظن أن الكلمة التي يستخدمها بعض المحققين لتبيين الفارق بين طور العقل وطور العرفان بقوله أن العرفان طور فوق طور العقل، جعلته يتخيل بأن المقصود منه أن العرفان أمر فوق العقل بالنحو الذي لا شأن للعقل في إثباته وتقييمه. إن هذه الكلمة تريد القول بأن الشهود العرفاني معرفة تختلف عن المعرفة التي يتم تحصيلها من خلال ترتيب المقدمات العقلية لبلوغ النتائج. وهذا الاختلاف هو في الشدة والضعف. إن ترتيب المقدمات لبلوغ النتائج معرفة غيابية وليست شهودية، بينما العرفان شهود، ومن هنا فالطور العرفاني أعلى من الطور العقلي في ميدان المعرفة. العلو هنا كما تبين هو العلو في طبيعة الأمر المدرك من جهة شدة وضوحه. وليس في العبارة أية تقليل من شأن العقل، فطبيعة الإدراك العقلي هو هكذا. كما أن طور الوحي فوق طور العقل، إذ لا يوجد من يدعي أن الإدراك عبر الوحي لا يتسم بالقوة إذ قورن بالإدراك العقلي. ولكن مع ذلك لا يوجد من يدعي أن طور الوحي لا يقبل البرهنة أو التمحيص العقلي.

 

أكتفي إلى هذا الحد. أرجو أن تكون الأسطر الفائتة كافية لتبيين الخطوط العامة للعرفان.

 

 
 
 


[1] مصادر الفكر الديني في مدرسة أهل البيت (ع) تتمثل في القرآن، والسنة الطاهرة، والبرهان العقلي. راجع العقائد الإسلامية من وجهة نظر مدرسة أهل البيت للسبحاني. 

[2] أقترح على سائر الأخوة الأعزاء من زملاء الدرس قراءته كاملاً.

[3] نظرية المعرفة للسبحاني ص 179

[4] علم المعرفة يتناول حقيقة العلم، وأدوات المعرفة، ومعيار اليقين، وأروع الأعمال الكتابية فيه لعلمائنا هي: أصول الفلسفة والمذهب الواقعي للطباطبائي، نظرية المعرفة في القرآن لجوادي آملي، نظرية المعرفة للسبحاني، علم النفس الفلسفي للحيدري.

[5] مقالات تأسيسية للطباطبائي ص 136.

[6] عد مجموعة من المحققين الركون إلى المادة والحس ضمن الأسباب المؤدية إلى إنكار الواقع الغيبي ورفض دعوة الأنبياء. أنظر نظرية المعرفة للسبحاني والدوافع نحو المادية للمطهري ومقالات تأسيسية وكذلك تفسير الميزان للطباطبائي ونظرية المعرفة في القرآن الكريم لجوادي آملي.

[7] نظرية المعرفة في القرآن الكريم لجوادي آملي ص118
[8] الميزان للطباطبائي ج1ص45
[9] الميزان للطباطبائي ج5ص254.

[10] من أحب الإطلاع الاسميين وردود الفلسفة الإسلامية على إثاراتها فليراجع قسم المعرفة من المنهج الجديد للشيخ المصباح، أو الأيدلوجية المقارنة للمؤلف ذاته، أو أصول الفلسفة للعلامة والشيخ الشهيد.   

[11] راجع تقارير البرهان في نداء الحق لجوادي آملي وعيون مسائل النفس لحسن آملي ومعرفة الذات للمصباح والمنهج الجديد للمصباح وأصول الفلسفة للعلامة والشيخ الشهيد ورسالة في الولاية للعلامة أو راجعه في برهان الصديقين.

[12] 172 الأعراف.
[13] راجع معارف القرآن للشيخ المصباح حول معرفة الله الحضورية.
[14] نظرية المعرفة لجوادي آملي ص 233.

[15] من أحب الإطلاع على أدلة تجرد النفس فليراجع المنهج الجديد لتعليم الفلسفة، أو علم النفس الفلسفي.

[16] المنهج الجديد لتعليم الفلسفة. قسم المعرفة: الباب الأول، ج1.

[17] الميزان ج1ص49.

[18] أصول الفلسفة والمذهب الواقعي. ج1 المقالة الأولى.

[19] معرفة الذات للمصباح. تمام الكتاب.
[20] المنهج الجديد لتعليم الفلسفة ج1ص115.
[21] الميزان ج8ص440.
[22] الميزان ج6ص240
[23] يستحسن جدا مطالعة كتاب معرفة الذات وصياغتها من جديد للمصباح.

[24] يراجع في هذا الصدد محاضرة السيد كمال الحيدري حول العرفان. راجع أيضاً المؤلفات التي تتحدث عن منهج السير والسلوك لدى كبار عرفاء الإمامية في هذا العصر من قبيل العلامة الطباطبائي (السيرة الذاتية للعلامة بقلم آية الله جوادي آملي و السيد الطهراني) والسيد الإمام كذلك وبيانات آية الله محمد تقي بهجت حول السير العرفاني عند الأئمة وأتباعهم.

[25] راجع منظومة السبزواري الفلسفية وشروح الأعلام عليها: شرح آية اللح حسن الآملي، شرح آية الله السيد كمال الحيدري، شرح الشيخ الشهيد المطهري (الشرحان معا الأصغر والأكبر).

[26] أصول الفلسفة والمذهب الواقعي، المقالة الأولى. المتن والشرح.
[27] نظرية المعرفة في القرآن ص224
[28] المصدر ص246
[29] المصدر 247

[30] إنتباه: ما جاء أعلاه يساعد على تفسير الأنماط الثلاثة لتلقي الوحي تفسيراً ليس فحسب فريدا في باب تفسير الآية وإنما ثورياً ايضاً. إن الأشكال الثلاثة للوحي (عير الملك، ومن وراء الحجاب، وعبر التجلي الإلهي المباشر) ليست إلا شكلاً واحداً في الحقيقة، والتنوع راجع إلى عمل القوى الإدراكية المختلفة أثناء تواجدها مع القلب لحظة التلقي. القلب يتصل بالرب الجليل فيقع النمط التجريدي للوحي، والعقل الذي يشايع القلب في محضر الحق يتلقاه من وراء حجاب، والحس يشاهد ملك الوحي في شكل دحية بن خليفة الكلبي. وعليه فلم يتلقى النبي الوحي إلا بطريقة واحدة، وتعددت الأشكال لتعدد القوى الإدراكية. يعد الفقيه المتأله الشيخ جوادي آملي هو الأول في تنقيح هذا المطلب مستفيداً من خلاصة نتائج الحكمة المتعالية في أطوار المعرفة ومراتبها.  

[31] المصدر ص260.
[32] المنهج الجديد ج1ص116. يستحسن جدا الرجوع إلى شرح الحيدري للدرس.
[33] 36 الإسراء
[34] النجم 11
[35] ق 37
[36] الميزان ج2ص223
[37]  نظرية المعرفة في القرآن ص 246
[38] الأنعام 50
[39] التكاثر 5و6
[40] الأعراف 175
[41] البقرة 111
[42] الميزان ج5ص267
[43] الروم 30
[44] الشمس 7و8
[45] الكهف 65.
[46] النجم 29
[47] تعليقة على نهاية الحكمة ج2ص272.
[48] الميزان ج6ص172

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً