د. محمد رسول آهنگران(*)
أ. مصطفى زكي يحيى(**)
المقدّمة
عند دراسة كلّ العلم تظهر للباحثين معوّقات حقيقية، تلزمهم بتوسعة معارفهم في علوم أخرى؛ من أجل الإحاطة في كلّ جوانب العلم المدروس. وهذا ممّا قد يعيق عملية المطالعة أو الفهم لذلك العلم، ولذلك قالوا بوجود: «العلاقات المتبادلة بين العلوم… وإنّ أجزاء المعرفة هي في الحقيقة أعضاء متضامنة، كما أنّ أشهر المُبْدِعين في تاريخ العلوم هم الذين عُرفوا بقدرتهم الواسعة، وتحليلاتهم للمعارف المتداخلة، في صياغة نظريات علمية»([1]).
هذا وإنّ علم الفقه غير بعيد عن هذا الأمر؛ حيث ظهرت هذه المشكلة في علم الفقه واستفحلت، ممّا دعا علماءنا إلى دراسة موضوعةٍ بعنوان: «تأثير العلوم والمعارف في علم الفقه». ولهذا انطلق بحثنا لتحديد هذه العلوم باستعراضها بشكلٍ مختصر، وفهرستها بشكلٍ فنّي، وذلك تسهيلاً لذوي الاختصاص؛ للإحاطة بتلك العلوم في ما يحتاجونه في عملية استنباط الأحكام الشرعية؛ لكي لا يغيب عنهم بعض تلك العلوم، فيصعب عليهم الإحاطة بكلّ جوانب المسائل المستنبطة أحكامها الشرعية. وفي نفس الوقت يتبيَّن من بحثنا هذا مدى السَّعة التي يجب أن يحيط بها الفقيه من أجل الوصول إلى الحكم الشرعي.
وبذلك تبرز أهمّية أن تكون لدى الفقيه معرفةٌ واسعة، وبمستوياتٍ مختلفة، بمقدار تأثُّر تلك العلوم والمعارف بعلم الفقه، فكلّما اشتدّ التأثير كلّما لزم أن يكون لديه معرفة أكثر بذلك العلم.
السؤال الأساس
هل يمكن فهرسة العلوم والمعارف المؤثِّرة في علم الفقه؟
فرضية البحث
علم الفقه، وقرينه علم الأصول، متأثِّران بالعلوم والمعارف الدينية وغير الدينية، بنسبةٍ مختلفة، ويمكن فهرستها.
سابقة البحث
تناولت الكتب والمؤلَّفات، سواء المختصّة بفلسفة الفقه وأصوله، أو مطلق الكتب الفقهية والأصولية، موضوعة العلوم والمعارف المؤثِّرة بعلم الفقه، ولم تتجاوز ذكرها كمبحثٍ من مباحث الكتاب. وبحَسَب اطّلاعنا لم يعرض موضوع فهرستها واستعراضها بشكلٍ مستقلّ أو في ضمن أحد الكتب؛ وهذا ممّا دعانا للكتابة عنه؛ لتسليط الضوء عليه بشكلٍ واضح ومستقلّ.
منهج وخطّة البحث
البحث سلك المنهج التعريفي التبويب، وذلك بترقيم المطالب بشكلٍ يسهل على القارئ متابعتها؛ وذلك لكون بعض المطالب متداخلة فيما بينها.
وخاض البحث في المقدّمة والمباحث التمهيدية التي ذكرت في الفصل الأوّل، حيث ذكر فيها: المبحث الأوّل: الذي تضمّن تاريخ الدين والاجتهاد في حركة الإنسان؛ وفي المبحث الثاني: علاقة العلوم والمعارف بعلم الفقه. وأمّا في الفصل الثاني فقد فصّل في ذكر العلوم والمعارف المؤثِّرة بعلم الفقه، حيث ذكر المبحث الأوّل: طبيعة علاقة هذه العلوم الأخرى بعملية الاستنباط في علم الفقه؛ والمبحث الثاني: ذكر العلوم الأخرى التي يلمّ بها المجتهد في علم الفقه؛ والمبحث الثالث: ذكر تأثُّر وارتباط الفقه بالمنهجيات الدخيلة، وفيها فصّل الكلام في ذكر مطالب، وهي: المطلب الأوّل: تأثُّر وارتباط علم الفقه بالعلوم الإسلامية، وفيه: تأثُّر وارتباط علم الفقه بعلم الكلام، وكذا تأثُّر وارتباط علم الفقه بالتفسير وعلوم القرآن، وتأثُّر وارتباط علم الفقه بعلوم الحديث؛ وفي المطلب الثاني: ذكر تأثُّر وارتباط علم الفقه بالعلوم والمعارف غير الإسلامية، وتأثُّر وارتباط علم الفقه بالعلوم والمعارف الإنسانية، وهنا فصّل بين: تأثُّر وارتباط علم الفقه بعلم التاريخ وتأثُّر وارتباط علم الفقه بالفلسفة والمنطق. وبعد ذلك استرسل البحث في ذكر تأثُّر وارتباط علم الفقه بالعلوم والمعارف الاجتماعية، وتأثُّر وارتباط علم الفقه بعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعيّ، وهكذا تأثُّر وارتباط علم الفقه بالعلوم المَحْضَة (الصلبة). وهنا فصّل ما بين تأثُّر وارتباط علم الفقه بعلم الرياضيات وتأثُّر وارتباط علم الفقه بعلم الكيمياء وتأثُّر وارتباط علم الفقه بعلم الفيزياء.
لينتهي البحث بتسليط الضوء على العلوم المؤثِّرة والمرتبطة بعلم الفقه وأصوله، حتّى ينتهي الكلام بذكر المصادر والمراجع الواردة في هذه المقالة.
1ـ بحوث تمهيدية
أـ المبحث الأوّل: تاريخ الدين والاجتهاد في حركة الإنسان
إنّ طبيعة الحديث عن الدين، وأنّ من لوازمه هداية الإنسان، ومقتضى الهداية هو إراءة الطريق، هي في مستوى رسم الخطوط التفصيليّة لحركة الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية، لا أنّ الدين يلازم حركة الإنسان في الحياة الدنيا. وهذا من أدوار الدين الأساسية في حياة الإنسان([2]).
وإنّ سبيل الدين لتحقيق هذه الغاية هو من خلال بيان الأحكام الإلهية الشرعية، ودعوة الناس أجمعين للالتزام بها؛ لتحقيق الحياة الطيبة. وبذلك يتأكّد لنا عدم انحصار دَوْر الشريعة في مجال النُّسُك والشعائر الدينيّة فحَسْب؛ لأنّ الشريعة تتولّى تحديد المعالم العامّة لحركة الإنسان في الحياة، من خلال عمليّة التوجيه الشرعي، ومن دون مباشرة التفاصيل، إلاّ بقدر الحاجة والضرورة.
وبناءً على ذلك فالمسلم المكلَّف لا بُدَّ أن يكون سلوكه العملي منسجماً مع أحكام الشريعة في شتّى المجالات، ويُؤجَر على التزامه ويُعاقَب على المخالفة يوم يلقى الله تعالى. ونظراً لكون تحديد الموقف العملي على أساس الشريعة ليس بالأمر السهل، وخصوصاً مع البُعْد الزمني عن عصر النصّ، وطروء مسائل لم يَرِدْ فيها نصٌّ صريح، مع حصول وقائع جديدة باستمرارٍ؛ لذلك توقَّفت معرفة الموقف العملي في أكثر الحالات على بذل جهدٍ خاصّ، مع تحصيل مُسبَق لجملةٍ من العلوم بمستوى الاختصاص، وهو ما يصطلح عليه في مجمله بـ «الاجتهاد».
وإنّ مسألة الكشف عن المؤثِّرات الخفيّة في العملية الاجتهادية ورصدها، مع دراسة مدى تأثيرها على تقوية أسس الاجتهاد تارةً؛ وأخرى على الإطاحة ببعض ما كان يتوهَّم أنّه أساسٌ صحيحٌ. أين خبر المبتدأ؟
ومن خلال هذا الكشف انفسح المجال للباحثين في ممارسة عملية نقديّة لعلم الفقه من الخارج.
وبذلك يمكن للفقيه، من خلال اطلاعه على العلوم والمعارف المؤثِّرة في علم الفقه، أن يمارس رصداً ميدانياً لواقع الفقه في الحياة، ويحلِّل مَدَيات صدق الفرضيات الفقهية المدّعاة؛ من أجل تطبيق الشريعة في الواقع.
وهذه النظرة تعطي الفقه مجالاً لإجراء الاختبار. فعلم الفقه يمكن اختباره بدرجةٍ ما من زاوية التطبيق؛ وذلك لإعطاء صورةٍ واقعية عن هذا الفقه، من خلال ملاحظة العلوم المؤثِّرة في علم الفقه. وقد تساعد الفقيه على إعادة النظر في العملية الاجتهادية من منطلق وَعْيٍ جديد للظواهر؛ وقد تؤدّي به إلى إعادة النظر في فتواه، وهذا قد يفضي إلى إصدار فتوىً جديدة، ولو بالعنوان الثانوي، أو تقييد الفتوى الأولى، أو تجديد النظر في الفتوى السابقة.
لذلك فإنّ النظرة الخارجيّة للفقه تساعد على رصد شبكة علاقاته بالعلوم الأخرى، والتأثيرات المتبادلة بينه وبين هذه العلوم، حيث سيزوِّدنا الفقيه بنظرةٍ واعية للعلوم التي تتأثَّر بالفقه، وبتلك التي تؤثِّر فيه، من قريبٍ أو بعيد، ولا سيَّما في ظلّ التطوّر العلمي الكبير في الطبيعيّات والإنسانيّات.
فكما أنّ علمائنا من قبل رصدوا تأثير علم المنطق واللغة على علم الفقه، وقرينه علم الأصول، أمكن اليوم اكتشاف تأثيرات أوسع نطاقاً لعلومٍ أخرى على علم الفقه، بما يبدو لأوّل وهلةٍ أنّه لا علاقة بينها وبين علم الفقه نفسه.
وعلى ذلك فقد انطلق بحثُنا لتحديد أكثر موارد هذه العلوم والمعارف تأثيراً بعلم الفقه، من خلال صلتها بعلم الفقه، وطبيعة الربط بينها، وإنْ كانت بنسبٍ متفاوتة، واتجاهات مختلفة.
ب ـ المبحث الثاني: علاقة العلوم والمعارف بعلم الفقه
إنّ دراسةَ علاقة العلوم والمعارف بعلم الفقه، وكذلك تأثير تطوّرات الزمان والمكان على علم الفقه، ومنها: تطوّر المعلوماتية والتقنية والتكنولوجية والإمكانات الحديثة التي قدَّمتها العلوم، وحجم الارتدادات التي أحدثتها في علم الفقه، أمرٌ في غاية الأهّمية. لذلك فإنّ التوسُّع في بيان دَوْر العلوم الحديثة في تحديد مفاهيم ومصاديق وموضوعات الأحكام الشرعية هو أمرٌ يعمِّق العمليّة الاجتهادية، ويضعها أمام رؤى أعمق وأدقّ.
وهكذا دراسة مناهج التربية والتعليم في المعاهد والحوزات الدينية، ودرجة تأثيرها على نموّ الفقه أو شلله، كلُّ ذلك أمورٌ ينبغي ملاحظتها من أجل إكمال الصورة لدى الفقيه الممارِس لعملية استنباط الأحكام الشرعية، ومن خلال ذلك يتعرف على مدى أهمّية الإحاطة بهذه العلوم والمعارف.
وهنا نحاول أن نحدِّد البحث، حيث يمكن تصوُّره بشكلٍ عامّ في وجهين من العلاقة:
1ـ علاقة المقدّمة بذي المقدّمة
إنّ البحث في العلم الذي له علاقةٌ بعلم الفقه كعلاقة المقدّمة بذي المقدّمة، أي بدونه لا ينتظم عقد علم الفقه، ولا يكتب له الظهور. وهذا لا يتجلّى إلاّ في علم أصول الفقه، لذلك قالوا: إنّه قد تأسَّس علم الأصول «بهدف ضبط عملية الاجتهاد الفقهي، وتقنين الاختلاف القائم بين الفقهاء، الذي وصل ذروته في القرون الأولى من الهجرة»([3]).
وعليه لا يمكن التفكيك بين العلمين، فهما كالعلم الواحد؛ حيث إنّ علم الأصول ملازمٌ لعلم الفقه، والعلاقة بينهما علاقة المقدّمة بذي المقدّمة، أو بعبارةٍ أخرى: إنّ علم الفقه مبتنيةٌ أسسه على مباني علم الأصول، حتّى أصبح: «علم الأصول منطق الفقه»([4]).
بل تعدّى ذلك، فأصبح بحَسَب تعبير ابن السمعاني: «علم الأصول… هو أصل الأصول، وقاعدة كلّ العلوم»([5]).
وقد صرّح الآخوند الخراساني بقوله: « فالعلم على تشعُّب شؤونه، وتفنُّن غصونه، مفتقرٌ إلى علم الأصول افتقار الرعيّة إلى السلطان، ونافذٌ حكمه عليها بالوجدان، ولا سيَّما العلوم الدينية، وخصوصاً الأحكام الشرعية. فلولا الأصول لم تقع في علم الفقه على محصول. فيه استقرّت قواعد الدين، وبه صار الفقه كشجرةٍ طيّبة تؤتي أكلها كلّ حين»([6]).
ومن هنا فإنّ علم الأصول يمارس أدواراً عدّة في مجال عملية الاجتهاد والاستنباط. فأوّل الأمر يوفِّر الاعتبارات المنهجية لعلم الفقه، حيث إنّ كلّ عمليات الاستنباط تخضع لرقابةٍ صارمة من علم الأصول؛ وذلك بهدف فحص الأدوات المعرفية المشاركة في العملية الاجتهادية. وكذلك يتولّى علم أصول الفقه تحديد الخطوات التي ينبغي أن يسلكها الفقيه للوصول إلى الحكم الشرعي، برسم خريطة العمل الاستنباطي، وتحديد الخطوات التنفيذية التي ينبغي أن يتقيَّد بها الفقيه عند ممارسة الجهد الفقهي. وهكذا هو يوفِّر أدوات التقييم والتقرير لعملية الاستنباط، من خلال بناء المفاهيم، وتكوين أسس القناعات الفقهية.
وعليه فإنّه من دون معرفة علم أصول الفقه يتعذَّر استنباط الأحكام الفقهية، والحال يتَّضح عند البحث في مسائل كثيرةٍ، ومنها: «مسألة حجّية خبر الواحد»، وكذا: «مسألة حجّية الظهور». ومن الواضح أنّ هذه المسائل وغيرها أصوليةٌ، لا فقهية، ولكنّ الحاجة إليها جعلتها تُعَدّ في مصافّ ضروريات علم الفقه.
2ـ علاقة المبادئ التصوُّرية للفقه
البحث في العلوم والمعارف التي لها علاقة بعلم الفقه، ولكنّها في الحقيقة كالمبادئ التصوُّرية للفقه، حيث إنّها تعمل على توضيح بعض المفاهيم المستعملة في الفقه أو في مقدّماته أو في موضوعاته، دون أن تكون من علل تحقُّق وظهور علم الفقه، كما في علم الكلام وغيره. نعم، نستطيع القول: إنّها من العلوم التي ينبغي أن يلمّ بها المجتهد، فهي من قبيل: العلوم اللازمة لممارسة الاجتهاد. ولذلك تُعَدّ معرفة بعض هذه العلوم والإلمام بها إلى حدٍّ معيّن من الأمور الضرورية، التي لا غنى عنها بأيّ شكلٍ من الأشكال في بعض المسائل الفقهية. وهذا بخلاف الاتجاه السابق، وهو ما سوف ندرسه في الفصل القادم.
2ـ تأثير وتأثُّر العلوم والمعارف بعلم الفقه
ونفصِّل الكلام في هذا المبحث في ما يخصّ الاتجاه الثاني، وهو البحث في ما يلي:
أـ المبحث الأوّل: طبيعة علاقة هذه العلوم الأخرى بالاستنباط في علم الفقه
إنّ بعض نظريات هذه العلوم تكون ذات علاقة مباشرة بعلم الفقه، حيث في بعض الحالات تُعَدّ معرفة بعض هذه العلوم والمعارف والإلمام بها إلى حدٍّ معيّن ضروريّة في بعض أبواب ومسائل علم الفقه([7]).
وكمثالٍ على ذلك: لزوم معرفة الرياضيات بشكلٍ عامّ في مسائل الوصايا والإرث، ولإعطاء الرأي في المعاملات البنكية، وفي بعض مسائل تقسيم المال المشترك. وكذا من الضروري أن يكون الفقيه على درايةٍ بمسألة بطلان الدَّوْر ـ وهي من المسائل الفلسفية ـ على صعيد عدم جواز التقليد في مسألة التقليد. وكذا ينبغي التوفُّر على مبحث حجّية الكتاب والسـنّة، وهذه مسألةٌ كلامية. وذلك كلّه في حدود الثقافة العامة.
ومع ذلك فإنّ عملية فهم النصّ الفقهي تمرّ من خلال علوم ومعارف جمّة، منها، على سبيل المثال: المعرفة اللغوية، بمفرداتها وقواعدها وأساليبها وبلاغتها وتاريخ اللغة.
ومنها: المعرفة الاجتماعية، وذلك من خلال مراجعة السوابق؛ أي فهم السَّلَف الصالح والبيئة المعرفية للنصّ.
ومنها: المعارف العقلية، من قبيل: إقامة البرهان، وإعمال الاستقراء، والمقارنة، الاستدلال، والاستنتاج، وغيرها.
وهناك علومٌ ومعارف مساعِدة وممهِّدة، تعين معارف أخرى؛ بهدف الوصول إلى المقاصد المعرفية المنشودة.
ومن خلال ذلك يتأكَّد لنا أن علم الفقه لا يعيش في عزلةٍ من التأثُّر، حاله حال العلوم الأخرى في عالم المعارف. غير أنّ درجة تأثير العلوم والمعارف الأخرى على علم الفقه تختلف من مجالٍ معرفي إلى آخر؛ فإنّ بعض المعارف تؤثِّر على مستوى البنية المنطقية لعلم الفقه، في حين أنّ معارف أخرى تشارك في بلورة المسائل الفقهية وتنقيحها وتجدّدها، أو تساهم في تنظيم علم الفقه وترتيب أبحاثه وتحديد أُطُره وأفكاره.
ب ـ المبحث الثاني: بيان العلوم الأخرى التي يلمّ بها المجتهد في علم الفقه
إن من العلوم اللازمة لعلم الفقه، وللاجتهاد فيه ـ مع غضّ النظر عن علم أصول الفقه؛ كونه أساس علم الفقه، كما أسلفنا ـ: علوم آداب اللغة العربية، والمنطق، وتفسير القرآن، وآيات الأحكام بالخصوص، ومعرفة الأحاديث الفقهية، ومعرفة مواطن الإجماع، والدراية بالأحكام العقلية بالدرجة الضرورية التي تستلزمها ممارسة الاجتهاد، بالإضافة إلى لمحاتٍ من علوم أخرى، كما بالنسبة إلى النظريات الفلسفية والكلامية والعلمية التجربية، فيمكن أن تكون كلُّها بشكلٍ أو بآخر مؤثِّرةً في مقدِّمات الرؤية. لذلك يحصل أحياناً في علم الأصول، الذي هو أساس علم الفقه، أن تتَّسع دائرة البحث لتشمل المسائل الفلسفية. وهناك بحوثٌ، من قبيل: «اجتماع الأمر والنهي»، و«مبحث الضدّ»، و«الطلب والإرادة»، و«قبح العقاب بلا بيان»، لها جميعاً خلفية فلسفية أو كلامية.
أما بالنسبة إلى النظريات العلمية فيمكن أن تكون مؤثِّرةً في تشخيص الموضوعات. وكثيرةٌ هي الأمثلة التي يمكن ذكرها شاهداً في هذا المجال([8]). فعلى سبيل المثال: ما يُذْكَر؛ طبقاً لمفاد مجموعةٍ من الروايات، بما مضمونه أن النطفة تمكث في الرحم أربعين يوماً، وتكون علقةً أربعين يوماً، ومضغةً أربعين يوماً. في حين لا تنسجم معطيات العلم اليوم مع هذا الترتيب. فالأحكام تابعةٌ لموضوعاتها، ويمكن للعلم أن يُعين الفقيه ويُساعده في معرفة الموضوعات. وفي مثل هذه الحالة يجب أن تكون المعرفة دقيقةً، من دون أن تنطوي على شكٍّ أو تردُّد.
لذلك فإن علم الفلسفة وعلم الكلام يهبان الفقيه رؤيةً إلهيّة، ويجعلان أُفُقَه أرحب. وهذا أمرٌ حَسَنٌ له تأثيره؛ إذ يجب أن يكون للفقيه رؤيةٌ غيبيّة إلهيّة، وإلاّ لا يكون فقيهاً، ولن تكون ثَمَّة قيمة لفتاواه.
وحيث إنّ الفلسفة تُثْبِت لنا أن كلَّ علمٍ هو سلسلة حلقاتٍ فكلُّ حلقةٍ مرتبطةٌ بحلقاتٍ أخرى. وهذه أمور كلُّها ينبغي للعالِم المستنبط في علم الفقه أن يعرفها([9]).
ومن المعلوم أنه ليس المقصود من بيان تأثير العلوم الأخرى في علم الفقه، وأساسه علم أصول الفقه، هو خلط المسائل الفلسفية والعلمية بعلم الفقه وأصوله؛ لتكون النتيجة تضخُّماً في مطالب علم أصول الفقه وعلم الفقه. وهذا أمرٌ مرفوض، بل هو البحث عن مقدار تأثُّر علم الفقه ورفيقه علم أصول الفقه بالعلوم الأخرى، فهو من قبيل: تأثير علم الكلام وعلم الفلسفة فيهما، وكيف أحدث علم الكلام وعلم الفلسفة فروقاتٍ واسعة بين مدرستَيْ الشيخ محمد حسين الأصفهاني&([10]) والميرزا محمد حسين النائيني&([11])؛ حيث يذكر أنّ الأصفهاني كان متأثّراً بالفلسفة والكلام، وذلك الذي جعل اتّجاهه الأصولي يختلف تماماً عن الاتّجاه الأصولي للميرزا النائيني، ومن الواضح أنّ لهذا الاختلاف أثره في علم الفقه.
ج ـ المبحث الثالث: تأثُّر وارتباط الفقه بالمنهجيات الدخيلة
يبقى علينا أن نقول: إنّ تأثُّر وارتباط علم الفقه بالمنهجيات الدخيلة التي تنتمي إلى دائرة المعارف قد أثارت تساؤلاتٍ كثيرة. ولذلك صار من الضرورة تبيين مدى تداخل علم الفقه مع شتّى العلوم والمعارف الأخرى. هناك علومٌ لازمة للاجتهاد ـ كما ذكرنا سابقاً ـ، من قبيل: علوم آداب اللغة العربية، والمنطق، وغيرها، وكذا بالنسبة إلى النظريات الفلسفية والكلامية والعلمية، فيمكن أن تكون مؤثِّرةً في مقدِّمات الرؤية ـ كما ذكرنا سابقاً ـ. لذلك اقتضى البحث الفهرستي أن نتطرَّق إلى بعضها، وإلاّ فهي متشعِّبةٌ وكثيرة، قد تتَّسع أكثر باتّساع الأمور المستحدثة. ولذلك نلخِّصها في مطالب، وهي:
1ـ تأثُّر وارتباط العلوم الإسلامية بعلم الفقه
هناك علومٌ إسلامية كثيرةٌ لها ارتباطٌ وثيق بعلم الفقه؛ بل هي مؤثِّرة في علم الفقه وأصوله. وهنا نستعرض أهمَّها:
أـ تأثُّر وارتباط علم الكلام بعلم الفقه
إنّ ارتباط علم الفقه بعلم الكلام يتّضح من خلال الأصل المنهجيّ لكلٍّ منهما؛ حيث إنّ الأحكام الشرعية مبنيّةٌ على المحاور الأساسية لعملية الاجتهاد الفقهي، وهي مباحث: الحاكم، والمحكوم به، والحكم([12]).
إنّ الحاكمَ هو «الله»، وذلك في ما جاء في قوله تعالى: ﴿…إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ…﴾ (الأنعام: 57؛ يوسف: 40، 67)، وهو محور علم الكلام.
وأمّا «المحكوم به»، ومن المعلوم أنه محور علم الفقه، فهو بحثٌ في فعل المكلَّف([13]) الذي تتوجَّه إليه الأحكام الفقهية، التي يدور عليها علم الفقه.
وأمّا «الحكم»، وهو الحكم الشرعي الظاهري، فهو محور البحث الأصولي.
لهذا نجدهم يقولون: «إنّ حسم القضايا الفقهية الكبرى لا يتيسَّر إلاّ بالاستناد إلى اعتباراتٍ كلامية؛ حيث إنّ علم الكلام هو العلم المعنيّ مباشرةً بالكُبْرَيات في الفقه والفكر الإسلاميّين»([14]).
وفي هذا المجال نلاحظ أن المسائل الفقهية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي من دون الانطلاق من المبادئ العامّة التي تعطي الحلول الناجعة ـ مثل: مبدأ «العدالة»، وهو ذو جَذْرٍ كلاميّ عميق في الفكر الإسلامي([15])ـ إنّ القضايا الفقهية الكبرى لا تنتج حلولاً مناسبة.
لذلك إنّ علم الكلام له الدَّوْر الكبير في بناء المفاهيم في علم الفقه. وفي ذلك يقول الشهيد محمد باقر الصدر: «ويمكننا أن نضع إلى صفّ الأحكام في عملية الاكتشاف المفاهيم التي تشكِّل جزءاً مهمّاً من الثقافة الإسلامية ـ ونعني بالمفهوم كلّ رأيٍ للإسلام أو تصوُّر إسلاميّ يفسِّر واقعاً كونياً أو اجتماعياً أو تشريعياً ـ. فالعقيدةُ بصلة الكون بالله تعالى وارتباطه به تعبيرٌ عن مفهومٍ معين للإسلام عن الكون… والعقيدةُ بأنّ الملكية ليست حقّاً ذاتياً، وإنّما هي عمليّة استخلافٍ، تعكس التصوُّر الإسلامي الخاصّ لتشريعٍ معين…»([16]).
ولذلك صحّ أن يقال: إنّ المصادر الأساسية والفرعية للتشريع الإسلامي لها جذورٌ كلامية. وهو ما صرّحوا به في أقوالهم. فنلاحظ قول الجويني في هذا: «فإنْ قيل: فما أصول الفقه؟ قلنا: هي أدلته. وأدلة الفقه هي الأدلة السمعية، وأقسامها: نصّ الكتاب، ونصّ السنّة المتواترة، والإجماع، ومستند جميعها قول الله تعالى. ومن هذه الجهة تستمد أصول الفقه من الكلام»([17]).
وهكذا الحال في الأصول المبدئية في الفقه، مثل: «أصالة الإباحة»، و«أصالة الحَظْر»، و«القول بوجود أحكامٍ تأسيسية في الشرع الإسلامي أو عدم ذلك»، وغيرها من المواقف المبدئية، هي كلُّها مسائل كلاميّة بامتيازٍ، وليست فقهيةً.
ولهذا فإنّ لعلم الكلام تأثيراً واضحاً على علم الفقه، ولذلك قالوا: إنّ لعلم الكلام هيمنةً معرفية كبيرة على علم الفقه([18]).
ب ـ تأثُّر وارتباط التفسير وعلوم القرآن بعلم الفقه
إنّ المصدر الأوّل والأساس للفقه الإسلامي هو القرآن الكريم. وحيث لا مجال للفقيه إلاّ الرجوع إلى القرآن، وفهم آياته المختلفة، ينبغي رجوعه إلى علوم القرآن والتفسير وتقسيماته المختلفة، ومنها: الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والحقيقة والمجاز، والمحكم والمتشابه، وغيرها الكثير من التقسيمات، التي تؤثِّر في فهم آيات القرآن الكريم.
وكذلك دوَّن الفقهاء المفسِّرون منذ البداية الآيات التي تتناول الأحكام الشرعية بشكلٍ مباشر، وأسمَوْها: «آيات الأحكام»، وألَّفوا فيها كتباً عديدة. وقد اتّفق فقهاء المسلمين على كونها مصدراً رئيساً للفقه.
وبحكم تنوُّع آيات القرآن الكريم فإنّ دائرة عمل المفسِّر جعلته يتّصف بصفة الموسوعية، بل كانت هذه الصفة من الشروط الأساسية للمفسِّر. ولذلك نجد السيوطي، مثلاً، ينقل قولاً في مَنْ يتعاطى مع علم التفسير، قال: «يجوز تفسيره لمَنْ كان جامعاً للعلوم التي يحتاج المفسِّر إليها، وهي خمسة عشر علماً»([19]).
ولذلك اتسعت دائرة علم التفسير لتستوعب علم الفقه. ومن الواضح أنّ هناك علاقةً متبادلة بين علمي علم الفقه وعلم التفسير؛ فعلم الفقه يزوِّد علم التفسير بما وصل إليه من استنتاجٍ فقهيّ واكتشافٍ دلالي من خلال الجهد الفقهي، في حين أنّ علم التفسير يزوِّد علم الفقه بقواعد وضوابط التفسير؛ بهدف فهم آيات الأحكام والأحاديث الشريفة.
ومن هنا فإنّ علمَيْ الفقه والتفسير في مجالَيْ التفسير والدلالة يتبادلان الوسائل، فكلٌّ من العلمين يؤثِّر ويتأثَّر بالآخر في نفس الوقت.
ج ـ تأثُّر وارتباط علوم الحديث بعلم الفقه
إنّ علوم الحديث التي نشأت كانت تهدف في ما تهدف إليه من أمورٍ التثبُّت من الحديث، صدوراً ودلالةً، ولذلك انقسمت بدَوْرها إلى أقسام([20]):
أـ علم رجال الحديث، أو علم الجَرْح والتعديل. ومؤدّاه البحث عن رجال الإسناد بما يشينهم أو يزكّيهم.
ب ـ علم مصطلح الحديث، أو دراية الحديث. ومهمّته البحث عن المصطلحات الدخيلة في فهم أنواع الحديث.
ج ـ أصول الحديث، التي تشمل آداب نقل الحديث، ومهمّة ناقل الحديث والمنقول إليه، ففيها مباحث تتّصل بالإسناد وما يرتبط به.
د ـ علم مختلف الحديث، الذي يشمل البحث عن الأحاديث المتناقضة، ومحاولة التوفيق بينها. وغيرها.
وانطلاقاً من ذلك تعاطى الفقهاء مع الحديث في مرحلتين([21]):
المرحلة الأولى: التثبُّت من أصل صدور الحديث، وتحديد موقعه بين نظرائه. ومن المعلوم أنّها من مهامّ علماء الحديث بشكلٍ عام، وعلم الرجال، ودراية الحديث.
المرحلة الثانية: البحث عن دلالة الحديث، وتحديد المراد منه. ويصطلح عليه «فقه الحديث»، وهو مهمّةٌ أساسية لعلماء الفقه.
وبما أنّ المرحلة الأولى تتقدَّم رتبةً على المرحلة الثانية؛ إذ لا إمكانية للفهم في علم الفقه قبل التثبُّت من صدور الحديث، كان علم الفقه يحتاج إلى علم الحديث.
وهذا ما جعل علم الحديث مؤثِّراً ومرتبطاً بشكلٍ واضح بعلم الفقه.
2ـ تأثُّر وارتباط العلوم والمعارف غير الإسلامية بعلم الفقه
هناك أهمّيةٌ بالغة توجب الإحاطة بالعلاقات التي تربط علم الفقه بالعلوم والمعارف الأخرى غير الإسلامية، وهي العلوم والمعارف الإنسانية والاجتماعية. وهنا نبيّن بعض هذه العلوم، وتأثُّرها وارتباطها بعلم الفقه، فنقول:
أـ تأثُّر وارتباط العلوم والمعارف الإنسانية بعلم الفقه
إنّ الإلمام بالمجالات الرديفة الممهِّدة والموجِّهة لعملية الاجتهاد تساعد الفقيه بشكلٍ وآخر في تفعيل البناءات التحتية والنظريات الأساسية في علم الفقه؛ إذ لا يكفي الاقتصار في فهم روح العصر وحاجاته المتجدِّدة بتناول ما يُسمَّى: «المستَحْدَثات»، من دون معرفة المباني الفكرية للموضوعات المطروحة. فمع الإلمام بالاختصاصات الموجّهة والمؤثّرة في عملية الاستنباط يصل الفقه إلى معرفة الحكم الشرعي، بل وإدراك إجماليّ لمرادات الله في بعض الحالات([22]).
وحيث إنّنا نلاحظ العلوم والمعارف الإنسانية ـ وهي التي يغلب عليها التوجُّه نحو النظر والتبحُّر والبحث المَحْض. وقد تكون في طبيعتها ذات موضوع يقرِّبها من العلوم الاجتماعية، لكنّها على مستوى المنهج هي من العلوم الطبيعية. وإن الاختلاف ليس فقط في المنهج؛ بل كذلك في مسألة المزاج والجبلّة الإنسانية ـ يتّضح بذلك طبيعة التأثُّر والارتباط الحاصل بين العلوم والمعارف الإنسانية وعلم الفقه. فمن خلال موضوع الفقه، وهو «المحكوم به» ـ كما بيَّنا سابقاً ـ، أي فعل المكلَّف، ينطلق الفقهاء ـ من هذه النقطة تحديداً ـ للبحث عن شروط الفعل والفاعل، وذلك من خلال البحث في: شروط المحكوم به؛ وأقسامه.
وهذا البحثان ليسا من موضوعات الفقه مباشرةً، وإنّما دخلا فيه انطلاقاً من اعتباراتٍ كلاميّة([23])، وهذا يتطلَّب توفُّر بحثٍ في أمرٍ أعمّ، وهو «الإنسان، ونظرتنا إليه، وكيفية فهمنا له». وهذا ما يتطلّب الاستعانة بمباحث علم الإنسان؛ لتكوين رؤية شمولية عن الإنسان، من حيث حاجاته وحالاته، ومن ثمّ الرجوع إلى النصّ؛ لتكوين موقفٍ مناسب؛ لأنّ وعي الفقيه هو الضمان الوحيد لإضفاء الدلالة على النصّ وإنتاج المعنى منه.
وإنّ العلوم والمعارف الإنسانية التي قد تؤثِّر وترتبط بعلم الفقه هي التي قد تشمل: علم التاريخ، وعلم الآثار، وعلوم اللسانيات، والفلسفة، والمنطق، وعلم النفس، وغيرها. وهنا نلقي الضوء على بعضٍ منها:
1ـ تأثُّر وارتباط علم التاريخ بعلم الفقه
من المؤكَّد أنّ التأريخ جزءٌ لا يتجزّأ من عملية الاجتهاد، بدءاً بالنزول التدريجي للقرآن الكريم([24])، مروراً بضرورة معرفة أسباب نزول الآيات القرآنية([25])، بما فيها آيات الأحكام، وكذا النشأة التاريخية للسنّة، والبحث عن القرائن المحفوفة بأخبار السنّة([26])، ومعرفة حيثيات السيرة العملية للنبيّ والأئمّة الأطهار^([27])؛ بل المتشرِّعة عموماً([28])، وصولاً إلى ضرورة البحث عن رجال الحديث ودرايته([29]).
هذا، وإن إهمال الصلة التاريخية يؤدّي إلى أن يصبح الخبر مجتزءاً عن مقدّماته وقرائنه وتداعياته، وهذا ما يؤدّي إلى أن يفقد الخبر عناصره الرئيسة المحدِّدة للمعنى في بُعْده التاريخي.
وإنّ إهمال الصلة التاريخية أفضَتْ إلى أن يفقد الفقيه قدرته على الحسم والوضوح في موارد غير قليلة من الأحكام ذات الشأن التاريخي. ومن هذه الموارد: التعليل والتريُّث في التمييز بين الأحكام التبليغية العامّة والأحكام التدبيرية التي تشكِّل حكماً في واقعةٍ، ولا تصلح للتعميم([30]).
وينبغي الالتفات إلى أنّ الذاكرة المعرفية التاريخية لدى الفقيه هي عاملٌ مؤثِّر في عملية الاجتهاد، وتظهر آثاراها عند نشوء النزاعات المعرفية للفقيه مع ممارسة عملية الاستنباط، فتساهم في وضع الخطّة وخطوات التنفيذ، وذلك بدءاً من اختيار المصادر والمراجع وطريقة توليفها، مروراً بعملية تقويم النصوص، ثبوتاً ودلالةً، ووصولاً إلى بلوغ الرأي الفقهي في الموضوع المبحوث عنه.
وهذا ما جعل دراسة التأريخ ـ كعلمٍ ذي منهجيّة علميّة ـ يصبح مؤثِّراً بشكلٍ واضح في علم الفقه.
2ـ تأثُّر وارتباط الفلسفة والمنطق بعلم الفقه
إنّ البحث عن العلاقة بين علم الفقه والفلسفة والمنطق أمرٌ في غاية الأهمّية؛ حيث إن هناك علاقةً حقيقية لا شَكَّ فيها؛ وذلك لعدّة اعتبارات:
أوّلاً: إنّ أيّ جهدٍ معرفي لا يخرج عن دائرة تأثير الفكر الفلسفي؛ لأنّه المحرِّك لأيّ نشاطٍ تقويمي. والفقه وقضاياه ليس استثناءً من القاعدة، بل هو الأحوج من غيره إلى الفلسفة والمنطق ونظريّاتهما؛ وذلك نظراً إلى أنّ القضايا الفقهية هي قضايا تقويمية، تحتاج في طبيعتها إلى المواقف والقِيَم الفلسفية العامة([31]).
ثانياً: إنّ العلاقة المتصوَّرة بين علم الفقه والقضايا الفلسفية والمنطق تظهر عند ملاحظة النموذج الإرشادي للاستنباط الفقهي من حيث الاستدلال والاستنتاج([32])؛ حيث إنّه حقيقةً «نموذجٌ إرشادي فلسفي مطعَّمٌ بالمذاق الفقهي»، إضافة إلى استعارة نمط التفكير الفلسفي في المقارنة والتطبيق، واستعارة الجَدَل الكلامي في عملية المناقشة والتحكيم.
ثالثاً: إنّ القضايا الفقهية والأصولية الكبرى، مثل: مباحث الحجج واليقين، وغيرها، هي منتجٌ فلسفيّ ـ كلامي ـ فقهيّ، إنْ صحّ التعبير عنها؛ حيث ليس هناك «حجج فقهية خالصة»، و«لا يقين فقهي مَحْض». فنلاحظ أنّ اليقين المبحوث عنه في القضايا الفقهية هو تارةً يقين عُرفي؛ وأخرى فلسفي؛ وثالثة يقين اجتماعي؛ ورابعة يقين طبعاني نفساني. ومن هنا فإنّ الفلسفة والمنطق شريكا علم الفقه في دائرته الخاصّة([33])، أراد الفقيه ذلك أم لم يُرِدْه.
رابعاً: إنّ متابعة المسائل الفقهية، وملاحظة وجوه الاختلاف بين الفقهاء، تكشف عن موارد عديدةٍ فيها اضطرابٌ في الفتوى. ويرجع ذلك إلى وجود اضطراب في المواقف الكلّية التي كوَّنها الفقيه في رؤيته العامّة عن «الله، الإنسان، الكون، والحياة». ويترجم ذلك الاضطراب من خلال المواقف المربكة للفقيه تجاه قضايا الحياة. ومثل هؤلاء الفقهاء في الحقيقة هم يعيشون اضطراباً في رؤاهم الفلسفية في الغالب. وكذا العكس صحيحٌ أيضاً. لذلك قالوا: «ليس من الصدفة أن نرى الجرأة في الفتوى لدى أصحاب المواقف الكونية والفلسفية الواضحتين والمستقرّتين. ومن علامات الاضطراب في الموقف الإكثار من الاحتياطات الفقهية في موارد الفتوى؛ وذلك لقلّة الحيلة؛ ودفعاً للحيرة»([34]).
وانطلاقاً من ذلك فإنّ نفي الفلسفة والمنطق هو بمنزلة نفي المرتكزات العقلية التي يعتمد عليها علم الفقه؛ إذ هما الأداتان البارزتان لإعمال الفكر والنظر لدى الفقيه في القضايا والمسائل التي تعرض على علم الفقه. وليس للفقيه أدوات تفكير منهجية مستقلّة حتّى يتمّ التعامل بها، بَدَلاً عن الفلسفة والمنطق. فاستبعادهما يؤدّي إلى حرمان الفقه من أدواته المعرفية والعقلية. لذلك قال الغزالي في المقدّمة المنطقية التي وضعها لكتاب المستصفى: «وليست هذه المقدّمة من جملة علم الأصول، ولا من مقدّماته الخاصة به، بل هي مقدّمة العلوم كلّها. ومَنْ لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلاً»([35]).
وبذلك اتّضح مدى تأثير وارتباط الفلسفة وعلم المنطق ونظريّاتهما في علم الفقه وأصول الفقه.
ب ـ تأثُّر وارتباط العلوم والمعارف الاجتماعية بعلم الفقه
وهنا يلاحظ أنّ علم الفقه متداخلٌ مع العلوم الاجتماعية، التي تشمل علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي. وهكذا الحال في الاقتصاد والسياسة والقانون الوضعي و…؛ حيث يغلب عليها طابع الممارسة والبحث التطبيقي. هذا، وإنّ العلوم الاجتماعية وإنْ كانت ليست من صميم العلوم الدينية، لكنّها متداخلةٌ معها، وهذا التداخل من المميّزات الأساسية لكلّ العلوم والمعارف… وهنا نلقي الضوء على بعضها:
تأثُّر وارتباط علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي بعلم الفقه
إنّ الاجتهاد التطبيقي يبرز معالمه في مرحلتين: إحداهما: مرحلة التعرُّف على الواقعة محلّ الاجتهاد؛ والأخرى: مرحلة تطبيق الحكم على الواقعة([36]).
ويلاحظ أنّه في المرحلة الأولى ينبغي على الفقيه فهم ظواهر الواقعة من خلال الأدوات المعرفية المناسبة، وضمن منهجيةٍ ملائمة لتلك الظواهر. وهذا ما يدعو في كثيرٍ من الأحيان إلى الاستعانة بالمناهج المختلفة؛ لفهم الواقعة محلّ الاجتهاد في علم الفقه. وإنّ من العلوم التي لها حضورٌ واضح في الوقائع الاجتهادية علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي؛ إذ الوقائع الاجتهادية خارج دائرة العبادات هي وقائع اجتماعية في الغالب، ولفهمها نحتاج إلى الإحاطة بعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي.
وإنّ علم الاجتماع يتكفَّل بدراسة المجتمع والسلوك الاجتماعي من خلال دراسة المجموعات والمؤسّسات والبِنَى والنظم الاجتماعية والسياسات المتَّبعة والتنظيمات والعمليات الاجتماعية وغيرها…، ولذلك فإنّ نتائج البحث الاجتماعي مجموعات مختلفة من المدراء والمهتمّين بحلّ المشاكل الاجتماعية والمشرّعين والقانونيين وصانعي الاجتماع والاقتصاد والتربية والثقافة.
وأمّا علم النفس الاجتماعي فهو معنيٌّ بدراسة السلوك الاجتماعي، من خلال متابعة الخصائص النفسية للجماعات، وأنماط التفاعل الاجتماعي والتأثيرات التبادلية بين الأفراد، وهدفُه بناء مجتمعٍ أفضل من خلال فهم سلوك الفرد والجماعة. وهذا هو ما يُعنى به الفقه بشكلٍ خاصّ؛ حيث إنّ هدفه هو ترسيخ الفضائل، بحَسَب ما قاله ابن رشد([37])؛ حيث يرى اشتراك صناعة الفقه وصناعة الأخلاق في نفس الموضوع، على الرغم من الاختلاف في وجهة نظرهما إلى الموضوع؛ فإنّ الفقيه ينظر إلى الفضائل باعتبارها تنتمي إلى النصّ القرآني أو النصّ النبوي، أما رجل الأخلاق فيحاول أن يستمدّ سلطته من الثقافة السائدة في مجتمعه، سواء كانت دينية أو غير دينية.
وأمّا المرحلة الثانية، أي تطبيق الحكم الشرعي على الواقعة، فإنّها تحتاج بدَوْرها إلى ملاحظة اعتباراتٍ عدّة، من الناحية النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
وبذلك ينبغي مراعاة جميع تلك الاعتبارات بشكلٍ دقيق وموضوعيّ؛ حتّى يصبح الحكم مصيباً للواقع ومحقِّقاً للعدالة في آنٍ واحد. ومع ذلك لا مناص لعلم الفقه من الاستعانة بالاعتبارات النفسية والاجتماعية التي يوفِّرها كلٌّ من: علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، فهما يؤثِّران ويرتبطان بشكلٍ ما بعلم الفقه.
ج ـ تأثُّر وارتباط علم الفقه بالعلوم المَحْضَة (الصلبة)
ينبغي التعريف بالعلوم المَحْضَة أو الصلبة([38])، وباختصارٍ هي: علم الرياضيات وعلم الفيزياء وعلم الكيمياء.
وقد سبق أن ذكرنا أن فروع المعرفة، على الرغم من استقلاليتها النسبيّة، تتشابك فيما بينها. وإنّ أيّ مشكلةٍ نواجهها في أيّ مجالٍ من المجالات المعرفية يتطلب فهمها ومعالجتها ـ في الغالب ـ إلى أكثر من لونٍ من ألوان المعرفة، بما فيها المشكلات الفقهية.
وإنّ العلوم المَحْضَة هي علومٌ مولِّدة للنظريات العامّة التي تنتج بدَوْرها إطارات منظّمة لباقي المعارف. كما أنّها تزوِّد باقي المجالات بمعلوماتٍ وأسس وأفكار. ولذلك لا يخلو فرعٌ من فروع المعرفة من حاجةٍ إلى هذه العلوم، بما في ذلك علم الفقه وملازمه علم أصول الفقه؛ حيث لا يستقيم أمر الاستنباط والاستنتاج في علم الفقه من دون استعارة معلومات ومفاهيم واعتبارات خاصّة أو عامّة من خارج العلم نفسه. فكلّما استعان الفقيه بالمعارف الصلبة؛ لدعم اجتهاده، أصبح أكثر قدرةً على الإثبات والإقناع([39]).
وهناك فائدةٌ أخرى يمكن ملاحظتها من ناحية العلوم الصلبة، وهي أنّها تحمي الإنسان من ضيق الأفق، وقلّة العدّة المعرفية، وهما عاملان جوهريان في عملية الاجتهاد.
وأما على صعيد كلّ علمٍ من هذه العلوم فيمكن أن نبيِّن صلته بعلم الفقه بما يلي:
1ـ تأثُّر وارتباط علم الرياضيات بعلم الفقه
تُعَدّ الرياضيات أمّ المعارف البشرية؛ حيث لا يمكن الاستغناء عنها في فهم الإنسان والطبيعة وقضاياهما، بما في ذلك قضايا الأحكام الشريعة؛ وذلك لاعتباراتٍ عدّة:
أوّلاً: لا يخلو الفقه من مفاهيم، مثل: الزمن، السرعة، المسافة، وهكذا من المفاهيم الرياضية التي تحتاج إلى عمليات رياضية، أقلّها العمليات الحسابية الأربع (الجمع، والطرح، والضرب، والقسمة)، وكذا النسبة.
ثانياً: النمذجة الرياضية: «هي تطبيق الرياضيات في معالجة مشاكل واقعية في الحياة، أو مشاكل في الرياضيات نفسها، أو مشاكل في علوم أخرى، وذلك عن طريق تحويل المشكلة الحياتية إلى مسألةٍ رياضية، ثمّ التعامل مع هذه المسألة وحلّها، باختيار أفضل الحلول التي تتناسب مع طبيعة المشكلة»([40]).
وبذلك هي من أبسط المهارات التعليمية في هذا العصر، حتّى أصبح أمراً لا مفرّ منه، وعلى الأغلب لها تأثيرٌ كبير على زيادة دافعيَّة الطلاب للتعلُّم، فكانت مهارةً هامّة للفقيه؛ لاختصار الزمن وإيصال أفكاره.
ثالثاً: هناك العديد من المباحث في الفقه الإسلامي التي لا يمكن فهمها ومعالجتها من دون الرياضيات، وذلك في مثل: البنوك وأعمالها، التي أصبحت معقَّدة جدّاً، وليس من السهل تمييزها بدون الإحاطة بعلم الرياضيات؛ وذلك لتمييز هل هذه التصرُّفات البنكية شرعية أم لا؟ وخصوصاً مع ورود أسئلةٍ شرعية في مسائلها الدقيقة. وكذا مسائل البيوع الجديدة عبر الإنترنت، وما يشوبها من دقّةٍ في التصرُّفات المالية المعقَّدة، ومسألة تحديد الأزمنة الشرعية بشكلٍ دقيق، ومسائل الإرث.
وبذلك لا رَيْبَ ولا شَكَّ في تأثير وارتباط علم الرياضيات بعلم الفقه.
2ـ تأثُّر وارتباط علم الكيمياء بعلم الفقه
علم الكيمياء هو علم التفاعلات بين المادّة والعناصر الكيمياوية([41]). وفيه يدرس بناء المادّة، وسلوكها، والفروع الأساسية في علم الكيمياء هي: الفيزياء الكيميائية أو الكيمياء الحيوية أو الكيمياء التحليلية أو الكيمياء غير العضوية أو الكيمياء العضوية. والفرع الأكثر شهرةً هو فرع الكيمياء العضوية؛ بسبب استخدامه في مجالات علم الكيمياء، مثل: الغذائية، والعلاج، ومستحضرات التجميل، والنسيج.
وبذلك يكون دَوْره ممهِّداً ومعيناً لعلم الفقه في فهم العديد من الموضوعات الفقهية، التي لا تنحصر دائرتها في الكحول والعصير العنبي، بل تشمل الموادّ الجديدة التي تظهر في السوق بشكلٍ مستمرّ؛ حيث إنّ معرفة الحكم الشرعي فيها تستلزم معرفة مكوّناتها الكيميائية، وخصائصها التركيبية.
3ـ تأثُّر وارتباط علم الفيزياء بعلم الفقه
إنّ علم الفيزياء يُعَدّ أمّ النظريات في العلوم؛ حيث له دَوْرٌ هامّ على صعيد تكوين المفاهيم، وبناء المقوّمات، والتمهيد لمباحث فقهيّة عدّة. فنلاحظ مثلاً أنّ علم الفيزياء يساعد الفقيه على فهم المفاهيم المفتاحية، مثل: الكلّيات والجزئيات، الإطلاق والتقييد، التعين وعدم التعين خارج دائرة الأمر الذهني. وكذا يساعد على فهم الطبيعة الفيزيائية للأشياء([42]).
وبذلك يكون علم الفيزياء من العلوم المؤثِّرة في بيان الأحكام الشرعية الخاصّة في الموضوعات الخارجية، فهو علمٌ مؤثِّر بعلم الفقه.
الهوامش
(*) عضو الهيئة العلميّة في جامعة طهران ـ پرديس قم.
(**) باحثٌ وطالبٌ جامعيّ في مرحلة الدكتوراه.
([1]) محمد همام، تداخل المعارف ونهاية التخصُّص في الفكر الإسلامي العربي: 29.
([2]) انظر: محمد مهدي الآصفي، دَوْر الدين في حياة الإنسان: 121 و122.
([3]) محمد مصطفوي، فلسفة الفقه، دراسة في الأسس المنهجية للفقه الإسلامي: 97.
([4]) محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول: 13.
([5]) منصور بن محمد (ابن السمعاني)، قواطع الأدلة في الأصول: 17.
([6]) الآخوند الخراساني، كفاية الأصول: 3.
([7]) انظر: مجموعة من المؤلِّفين، الفقه وسؤال التطوير ـ حوارات (الفقه والاجتهاد تحديات التأصل والتجديد): 167.
([8]) انظر: معهد الرسول الأكرم| العالي، الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة، العدد 2: 21.
([10]) انظر: المصدر السابق، العدد 2: 22. ولاحِظْ كتابه الأصولي القيِّم (نهاية الدراية في شرح الكفاية). ولذلك عدّ المحقِّق الاصفهاني إحدى القمم الفلسفية في النجف في القرن الرابع عشر الهجري، كما كان يعتبر صاحب مدرسةٍ خاصّة في أصول الفقه.
([11]) لاحِظْ تقريرات بحثه في الأصول القيِّمة (أجود التقريرات)، لتلميذه السيد الخوئي؛ وكتابه (تنبيه الأمة وتنـزيه الملّة). ولذلك يُعَدّ الميرزا النائيني صاحب مدرسةٍ خاصّة في أصول الفقه، وهي الأكثر شهرةً في النجف الأشرف.
([12]) انظر: مجموعة من الباحثين، دراسات في تفسير النصّ القرآني 2: 27.
([13]) الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الأصول: 9.
([14]) مصطفوي، فلسفة الفقه، دراسة في الأسس المنهجية للفقه الإسلامي: 95.
([15]) حسن يوسفيان، دراسات في علم الكلام الجديد: 221، ترجمة: محمد حسن زراقط.
([16]) محمد باقر الصدر، اقتصادنا: 376، 377.
([17]) عبد الملك بن عبد الله الجويني، البرهان في أصول الفقه: 7.
([18]) عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول فقه الإمامية: 89.
([19]) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 2: 477.
([20]) انظر: حسن بن هادي الصدر، نهاية الدراية ـ في شرح الرسالة الموسومة بالوجيزة، للبهائي ـ: 21، 25، 28.
([21]) انظر: محمد حسن بن جعفر الآشتياني، بحر الفوائد في شرح الفرائد 8: 94.
([22]) انظر: إبراهيم جاسم محمد، (المسائل المستحدثة ومرونة الفقه)، مجلة آداب الفراهيدي، العدد 7: 14، 16.
([23]) انظر: مجموعة من الباحثين، دراسات في تفسير النصّ القرآني 2: 34.
([24]) انظر: ناصر بن محمد كريم مكارم الشيرازي، الأمثل 9: 170 ـ 172؛ 11: 249.
([25]) انظر: الطباطبائي، القرآن في الإسلام: 121 ـ 126.
([26]) انظر: ابن حجر العسقلاني، النكت على كتاب ابن الصلاح: 51.
([27]) انظر: محمد محسن الفيض الكاشاني، الوافي 3: 139.
([28]) انظر: محمد رضا المظفَّر، أصول الفقه 3: 178 وما بعدها.
([29]) انظر: علي حسين مكّي العاملي، بحوث في فقه الرجال: 41.
([30]) انظر: مؤسّسة دائرة المعارف، موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت^ 4: 312.
([31]) انظر: علي جمعة، (علم أصول الفقه وعلاقته بالفلسفة الإسلامية)، سلسلة أبحاث علمية، العدد 9: 12.
([32]) انظر: إدريس هاني، الاجتهاد الممانع: 36.
([33]) انظر: علي جمعة، (علم أصول الفقه وعلاقته بالفلسفة الإسلامية)، سلسلة أبحاث علمية، العدد 9: 13.
([34]) مصطفوي، فلسفة الفقه، دراسة في الأسس المنهجية للفقه الإسلامي: 112.
([35]) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، المستصفى في علم الأصول: 22.
([36]) انظر: معهد الرسول الأكرم| العالي للشريعة، الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة ٢: 12.
([37]) عزيز الحدادي، مجلة فكر ونقد، العدد 10، المقالة 4 (ملاحظات حول التأويل والاجتهاد عند ابن رشد).
([38]) انظر: أحمد محمد الشامي وسيّد حسب الله، الموسوعة العربية للمصطلحات 3: 1985.
([39]) انظر: مجموعة مؤلّفين، مشاريع التجديد والاصلاح في الحوزة العلمية: 74.
([40]) انظر: موقع جوجل (دمج النمذجة في تعليم الرياضيات):
https://sites.google.com/site/nmthajatuqa/nadare