رغم أن الغرب الذي طرح فكرة المواطنة كحل للتباينات الانتمائية والهويانية في مجتمعاته,وكخطوة عملية للتعايش بين هذه الاطياف المتباينة,إلا أن واقع الامر مازال يحاكي تناقضا تعيشه تلك المجتمعات,بسبب الهوية الأم التي صاغت شخصية الانسان واضطرته الظروف للرحيل عن أرضه ليحط رحاله في أرض أخرى أخذ جنسيتها لأنه مطابق للشروط إلا أنه حافظ على هويته التي كرست الانتماء للاصل.
وقد برز هذا الصراع على السطح في قضية الجهاديين الغربيين من المسلمين ، خاصة أولئك الذين ولدوا في الغرب وترعرعوا في نظامه القانوني إلا أنهم مسلمون في هويتهم الدينية وغربيون في انتمائهم الوطني ، ومع ذلك طغت الهوية الاسلامية وفق فهم متطرف لها على هوية وطنهم ، وهو ما خلق إشكالية جديدة لدى الحكومات الغربية وطرح تساؤلات محورية حول المسلمين في الغرب وخطورة وجودهم على الدول الغربية واستقرار المجتمعات فيها .
فبالنسبة لموضوع الجهاديين الغربيين المسألة طرفانية :
الطرف الأول ( الجهاديون ) : بنية التشريع النصية المعطلة للعقل التي تعتمد النص كما هو في فهم الأحكام الشرعية ، وتقتفي أثر السلف دون الأخذ في الحسبان لأثر الزمان والمكان ومحاكاة الواقع ، هذا فضلا عن الصراع القيمي بين هويتهم الإسلامية كنظرية وواقعهم المعاش في الغرب القائم على سياقات فلسفية مادية ليس محورها الإنسان بل هو أداتها ومحورها المنفعة والبراغماتية.
الطرف الثاني : الغرب والاسلاموفوبيا وأزمة الهوية والذات ، ودعمه المستمر لأنظمة ديكتاتورية أبوية لا تملك مشاريع وطن ، كانت سببا في تهجير أغلب الطاقات عن أوطانها إلى الغرب ، بل سببا في حالة اليأس والفشل التي يعيشها ملايين العرب والمسلمين .
الأول : تبنى وتربى في بيئة فكرية تؤمن بالتعبد بالنص وتعطيل العقل ( غالبا طغت مدرسة بن حنبل وفرعها ابن تيمية)
التعبد بالنص أي الأخذ بظاهر ألفاظ النص سواء الحديثي أو القرآني دون اعتبارات عقلية وقراءة تاريخية للنص.
الثاني (الغرب):
أولا :لم يفرق مبكرا بين النظرية الاسلامية والممارسة وبين الخلفيات العقدية والفكرية المختلفة بين المدارس الاسلامية.
ثانيا : دعم الاسلاموفوبيا من خلفية سياسية على حساب المعرفية فكرست لدى المهاجر المسلم حالة العودة الى الذات والانكفاء عليها ، بل والتطرف في ذلك كثمرة واقعية لصراع أزمة الهوية التي عاشها المهاجر المسلم ومع تنامي الشعور بالظلم والتمييز يتنامى الشعور بالانتقام .
هذا فضلا عن الأحكام الشرعية المتطرفة التي تعتبر هذه الدول دول كافرة ومن فيها كفرة ، وهو ما يساعد في لاوعي هؤلاء على نشوء بذور التطرف من جهة ، والرفض الداخلي في الاندماج بتلك المجتمعات من جهة أخرى ، مما يجعله مهيأ للانفصال والانقضاض عند أول فرصة يحسبها هو حقيقية .
واستطاع الغرب توظيف هذه الفئة عند حاجته السياسية ليدعم موقفه الاستعماري من جهة ،ويزيد من حركة الاسلاموفوبيا واقعيا من خلال رصد تجربتها على الأرض عبر هذه الفئة من المجاهدين الغربيين ليثبت أن الأصل لا يغلب محاولات الثقافة بعد الهجرة .
فاستغلال الغرب لهذه النماذج المتطرفة وغضه البصر عن هجرتها نحو المناطق المشتعلة لأنه يحتاجها كوقود لمعاركه التي يخوضها للهيمنة والتكسب ، خلق ثغرة كبيرة في المجتمعات الغربية بينها وبين المسلمين المتواجدين في تلك المجتمعات كأحد مكونات المجتمع ومواطني الدولة .
وهي ثغرة ثقة تمس الاستقرار الاجتماعي لجنبتها الأمنية .
وهو ما يظهر أحد أهم وأبرز مواطن الخلل عند الطرفين :
١– الجهاديون وتراثهم الذي اعتمدوه كدين يدان به يكفر المجتمعات المخالفة وبالتالي يبيح دمها.
٢– الغربيون الذين استغلوا هذه الفئات وتركوا لها الحرية تحت رقابتهم للذهاب والقتال في مواقع اشتباكهم ليحققوا بذلك مصالحهم وخططهم في الهيمنة وفرض مشاريعهم التقسيمية على المنطقة .
هذا الاستغلال يأتي ضمن السياقات المعرفية والفلسفية التي يعتمدها الغرب ، حيث من أهم نظرياته الأخلاقية التي تسير نظامه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هو نظرية المنفعة الأخلاقية التي لا تعتمد قيما إنسانية في نسج العلاقات الإنسانية ، بل تستخدم الإنسان كوسيلة في مشاريعها .
هذه النظرية الأخلاقية تضرب منظومة القيم والمعايير وبالتالي تخلق إشكاليات مستمرة في المجتمع والجهاديون الغربيون أحد تجليات السلوك المنفعي في الغرب.