أحدث المقالات

الشيخ يوسف الصانعي(*)

ترجمة: حسن مطر الهاشمي

مدخلٌ

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ (الحجرات: 12).

إن الغِيبة من الذنوب المعدودة التي تمّ تناولها بالبحث في علم الفقه. وقد بحثها الفقهاء في الغالب ضمن المكاسب المحرَّمة، كواحدةٍ من الموارد التي يحرم التكسُّب بها؛ بسبب حرمتها في نفسها.

وعلى الرغم من أن التكسُّب بالغيبة لا يبدو متداولاً ومتعارفاً في الوَهْلة الأولى، فإنه حيث يتمّ هنالك طرح بعض الذنوب ـ ممّا لا يخلو من شائبة عدم التكسُّب به ـ، من قبيل: الكذب والسبّ وهجاء المؤمن وما إلى ذلك، تمّ طرح هذه المسألة أيضاً، وهذا يدلّ على أهمّية هذا الموضوع، واهتمام الفقهاء به. ومن هنا قلَّما نجد كتاباً فقهياً كاملاً لم يتناول هذه المسألة بالبحث والنقاش، أو العبور عليها دون بحث أبعادها المختلفة.

ثمّ إن التكسُّب بهذه الذنوب وأمثالها ـ ولا سيَّما الغِيبة ـ قد لا يبدو مستبعداً في الوقت الراهن. فحالياً هناك أشخاصٌ أو جماعات تقوم بهذه الممارسات؛ من أجل تشويه سمعة بعض الأفراد والجهات، والعمل بعد ذلك على مصادرة مناصبهم ومواقعهم والاستحواذ عليها، أو أن يستأجروا بعض المرتزقة للقيام بهذه الممارسات نيابةً عنهم؛ بغية تحقيق أهدافهم.

كما تناولت الكتب الأخلاقية مسألة الغِيبة بشكلٍ خاصّ. ويمكن القول: إن سبب ذلك يعود إلى شيوع هذه الموبقة، وكذلك اهتمام الشارع المقدّس بها.

إن جميع طبقات المجتمع، من الرجال والنساء، والشيوخ والشباب، والعلماء والعوام، وغيرهم، يعانون من الابتلاء بهذا المرض، وقلَّما نجد مكاناً أو زماناً يخلو من هذه المعصية؛ ورُبَما لهذا السبب ذهب علماء الأخلاق إلى اعتبار الغيبة من أعظم المهالك وأشدّ المعاصي. وعلى هذا تدلّ آيات القرآن الكريم والروايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين^.

ومن زاوية علم النفس وعلم الاجتماع تعتبر الغِيبة سبباً في انعدام الطمأنينة والثقة في المجتمع؛ إذ تؤدّي إلى تفشّي ظاهرة سوء الظنّ في المجتمع وعدم وثوق الأفراد ببعضهم من جهةٍ، وكذلك اضطراب الشخص المغتاب نفسه من ناحيةٍ أخرى؛ بسبب خوفه من اغتياب الآخرين له.

ويمكن القول: إن هذا الأمر هو أحد وجوه اعتبار أن «الغيبة أشدّ من الزنا»؛ وذلك لأن الطمأنينة الفردية والاجتماعية واحدةٌ من الحالات الهامّة جداً في إطار الوصول إلى كمال وسعادة الفرد والمجتمع، ولا شَكَّ في أن الإخلال بهدوء وطمأنينة الفرد والمجتمع إحدى العقبات الكبرى التي تقف أمام سعادة وكمال الإنسان في الدنيا والآخرة.

إن هذا البحث الذي بين أيدينا يحتوي على آراء المرجع الديني الشيخ يوسف الصانعي& في هذا الشأن، وهي منبثقةٌ عن رؤيةٍ جديدة إلى الأدلّة الفقهية في إطار الفقه الجواهري، ولكنْ الحيويّ والمتطابق مع جميع الشرائط الداخلة في الاجتهاد. ومن الطبيعي أن تؤدّي الرؤية الجديدة والمختلفة إلى مشهدٍ جديد ومختلف عن ذلك الشيء الذي كنا نراه إلى اليوم. إن هذا الاختلاف والتفاوت هو ثمرة الرؤية العميقة والثاقبة، والتخلّي عن بعض العصبيات والأفهام المسبقة والجاهزة تجاه أدلّة الفقه، أي الكتاب والسُّنّة والعقل، مع رعاية أصول الاجتهاد الحيويّ، دون الخروج عن إطار الفقه والاجتهاد الجواهري.

ومن ذلك أنكم ستجدون في هذا البحث، على سبيل المثال، أن النظرة التقليدية للفقهاء إلى هذه المسألة تشير إلى اختصاص حرمة الغيبة بالشيعة الاثني عشرية. وهذا يعني جواز اغتياب أتباع سائر المذاهب الإسلامية وسائر الأديان الأخرى. وهذا ما قال به جميع الفقهاء تقريباً، مثل: المحقّق البحراني، وصاحب الجواهر، والسيد الخوئي، والإمام الخميني، وآخرين. وقد أقاموا على هذا المدَّعى أدلّةً من الكتاب والسنّة والإجماع.

ويُستثنى من ذلك بعض العلماء، كالمحقّق الأردبيلي&؛ إذ بعد الفراغ من جواز غيبة الكفّار رفض اغتياب المسلمين بشكلٍ مطلق، وقال في (مجمع الفائدة والبرهان): «كما أن دمهم ومالهم محترم كذلك تحترم أعراضُهم أيضاً»([1]).

إلا أن النظرة المختلفة والدقيقة إلى مصادر الفقه (الكتاب والسنّة)، والاستناد إلى آراء السلف الصالح في جميع مواضع الكتب الفقهية، تؤدّي بنا إلى القول بأن اغتياب جميع الناس ـ بغضّ النظر عن أديانهم ومذاهبهم، وحتّى الكفّار منهم ـ لا يخلو من الحرمة، وإن جميع الناس محترمون، وتُصان أعراضهم، ما لم يُسيئوا إلى مقدّسات وعقائد المسلمين والموحِّدين، ولم يخالفوا العقيدة الحقّة عن عنادٍ ولجاج وتقصير.

إن هذا المعنى ينسجم مع الكرامة الذاتية لجميع الناس، على ما ورد في القرآن الكريم وروايات الأئمة المعصومين^. قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 70).

وفي المأثور عن رسول الله| أنه قال: «الناس كأسنان المشط سواء»([2]).

نسعى في هذا البحث إلى القول بأنه لا يمكن أن يُستفاد من الآيات والروايات الدلالة على أن الأفضليّة في العقيدة والدين تمنح المعتقد حقوقاً وأحكاماً خاصّة، وكما أن العِرْق والقومية والأرومة واللون والقوة والثروة لا تمنح صاحبها أفضليةً وامتيازاً في الحقوق والأحكام على الآخرين كذلك فإن الانتماء إلى المذهب أو العقيدة أو الاتجاهات الفكرية والسياسية بدَوْرها لا تمنح المنتمي ميزةً في الأحكام والحقوق، بل إن المحترم والمشمول لإطلاق هذه الآية الكريمة هو ذات الإنسان بما هو إنسان.

وعليه كما يحرم سبّ وهجاء واغتياب المسلمين والشيعة كذلك يحرم سبّ وهجاء واغتياب سائر الناس، أيّاً كانت عقيدتهم، وأيّاً كان انتماؤهم الفكري أيضاً. ويُستثنى من ذلك التقصير والعناد والنصب والسبّ واللجاج؛ إذ إن هذه الموارد تستوجب القول بجواز اغتياب أصحابها.

هل يشترط الإسلام والإيمان في حرمة الغِيبة؟

بمعنى: هل حرمة الغيبة مختصّةٌ بالمؤمنين فقط (أي: الشيعة الإمامية الاثني عشرية)، وعدم شمول هذه الحرمة لسائر المسلمين والكفّار، ومن هنا يجوز اغتياب هؤلاء، أم تختصّ حرمة الغيبة بعموم المسلمين، وتجوز غيبة الكفّار فقط؟

هناك في هذه المسألة ثلاثة احتمالات، بل ثلاثة أقوال.

الأقوال في المسألة

1ـ حرمة غيبة كلّ إنسان محترم النفس والمال والعِرْض؛ سواء في ذلك المؤمن والمسلم غير المؤمن، بل وسائر أبناء البشر من غير المسلمين أيضاً.

2ـ اختصاص حرمة الغيبة بالمسلمين فقط. وعليه تجوز غيبة غير المسلمين، وتبقى غيبة المخالفين من المسلمين (أي المسلمين من غير الشيعة الإمامية الاثني عشرية) على الحرمة. والقائل بهذا القول هو المقدَّس الأردبيلي&([3]).

3ـ اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمنين فقط. وعليه تجوز غيبة جميع المخالفين، من الكفّار وحتّى سائر المسلمين أيضاً. وهذا هو القول المشهور بين الفقهاء. وقد ذهب كبار العلماء، كالشيخ البحراني (صاحب الحدائق) والشيخ حسن النجفي (صاحب الجواهر) والشيخ الأنصاري والسيد الخوئي والسيد الخميني، إلى هذا القول، وأقاموا الدليل عليه.

وقد استدلّ المحدّث البحراني& لجواز غيبة الكفّار بشركهم وكفرهم، وقال بجواز غيبة المخالفين من هذا الباب أيضاً، واستشهد لذلك بالروايات والأخبار الدالّة على هذه المسألة([4]).

وبدَوْره قال صاحب الجواهر&: «في جواز غيبة المخالفين: بسبب كفرهم يلحقون بالمشركين». ثمّ قال بعد ذلك بأسطر: «لا أقلّ من أن يكون جواز غيبتهم لتجاهرهم بالفسق؛ فإن ما هم عليه أعظم أنواع الفسق، بل الكفر»([5]).

وقد ذهب الشيخ الأنصاري& بدَوْره إلى القول بأن ظاهر الأخبار والروايات على اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمنين، وقال بقيام ضرورة المذهب على عدم احترام المخالفين، وعدم جريان أحكام الإسلام عليهم([6]).

وأما السيد الخميني& فلم يَرَ جواز غيبة المخالفين من باب الكفر والشرك، بل إنه وجد مجموع أدلة الباب قاصرةً عن إثبات حرمة الغيبة لغير المؤمن، وقال في ذلك: «الإنصاف أن الناظر في الروايات لا ينبغي أن يرتاب في قصورها عن إثبات حرمة غيبتهم، بل لا ينبغي أن يرتاب في أن الظاهر من مجموعها اختصاصها بغيبة المؤمن الموالي لأئمّة الحقّ^. مضافاً إلى أنه لو سلّم إطلاق بعضها، وغضّ النظر عن تحكيم الروايات التي في مقام التحديد عليها، فلا شبهة في عدم احترامهم، بل هو من ضروريّ المذهب، كما قال المحقِّقون»([7]).

كما ذهب السيد الخوئي& إلى القول بأن دليل جواز غيبة المخالفين يكمن في كونهم من أهل البِدْعة والكفر والتجاهر بالفسق([8]).

وبالإضافة إلى ما تقدَّم ورد في جميع الموارد آنفة الذكر أن الذي يُستفاد من آيات وروايات الباب هو حرمة الأخ المؤمن، ولا توجد أيّ أخوّةٍ بين الشيعة والمخالفين، وإذا ورد في الأخبار والروايات([9]) بعض الموارد بشكلٍ مطلق ـ سواء بلفظ «الناس» أو بلفظ «المسلم» ـ يُحمل على «المؤمن».

وقد أضاف هؤلاء الأعلام إلى الأدلّة المتقدّمة النَّصْب؛ وسيرة المتشرِّعة القائمة بين العوامّ والعلماء على سبّهم ولعنهم؛ وكذلك دلالة صدر وذيل الآية الكريمة التي ورد فيها الخطاب للمؤمنين، وتشبيه المؤمن بالأخ.

وسوف نتناول جميع هذه الأدلّة في المباحث القادمة بالنقد والنقاش الدقيق.

وسوف نبدأ أوّلاً بإثبات أدلّتنا على الرأي المختار، الذي هو عدم جواز غيبة كلّ إنسانٍ، لننتقل بعد ذلك إلى نقد ومناقشة أدلّة الآخرين، وسوف نثبت قصورها عن هذا المدّعى.

أدلّة حرمة غيبة جميع الناس

الدليل الأول: عموم آية «حرمة الغِيبة»

وهي: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ (الحجرات: 12).

فإنْ قيل: إن الخطاب في هذه الآية يخصّ المؤمنين؛ وعليه فإنه لا يشمل غيرهم، قلنا له في الجواب:

أوّلاً: إن الكثير من آيات القرآن التي تذكر الأحكام المختلفة تبدأ بخطاب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، مع أنها تشتمل على الكثير من التكاليف والحقوق المدنية والاجتماعية، ولا شَكَّ في أنها مشتركةٌ بين جميع الناس، الأعمّ من المسلمين والكفّار والمشركين.

ثانياً: إن هذا النوع من الخطابات يأتي في سياق حثّ وتحريض وتشجيع المؤمنين، وفي إطار توفير الضمانة التنفيذية للقوانين والأحكام. وبعبارةٍ أخرى ومبسّطة: إن هذه الأحكام والقوانين وإنْ كانت مطلوبةً من جميع أفراد المجتمع ـ الأعمّ من المسلمين وغير المسلمين والمؤمنين ـ إلا أن توقّع القيام بها من المؤمنين يكون أكثر من غيرهم؛ بحيث لا يتمّ تعطيل تنفيذها والقيام بها.

ثالثاً: إن عموم التعليل في ذيل الآية: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾ يستوجب تعميم حكم الحرمة إلى غير المؤمنين من المخالفين والكفّار؛ لأن المراد من الأخ في هذه الآية الكريمة هو الأخ النسبيّ، الذي لا يختلف أمره بين أن يكون مؤمناً أو مخالفاً أو كافراً. والمعنى: «يا أيها الإنسان الذي تكره أكل لحم أخيك مَيْتاً لا تغتَبْه».

رابعاً: لو سلَّمنا جَدَلاً باختصاص الآية بالمؤمنين فإن إلغاء الخصوصية ومناسبة الحكم والموضوع تقتضي شمول غير المؤمنين بحكم الحرمة أيضاً؛ لأن هتك عرض أيّ شخص ـ مهما كانت عقيدته وخصوصيته ـ وفي غيابه، حيث لا يمكنه الدفاع عن نفسه، قبيحٌ وظلمٌ بحكم العقل، والعقل في هذا المورد لا يفرِّق بين المؤمن وغيره.

الدليل الثاني: عموم روايات «الغِيبة»

لم ترِدْ في الكثير من الروايات الواردة في حرمة الغيبة أيّ إشارةٍ إلى خصائص المُغتَاب أبداً، بل ورد بيان حكم الحرمة بشكلٍ عام، أو بألفاظٍ عامّة، من قبيل: «مَنْ» و«الناس»؛ الأمر الذي يُثبت عموم حرمة الغيبة لكلّ إنسانٍ، دون النظر إلى بعض الخصائص. وفي ما يلي دراسةٌ لبعض هذه الروايات:

1ـ موثَّقة سماعة، عن الإمام الصادق×: «مَنْ عامل الناس فلم يظلمهم، وحدَّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، كان ممَّنْ حرمت غيبته، وكملت مروّته، وظهر عدله، ووجبت أخوّته»([10]).

2ـ موثَّقة السكوني، عن الإمام الصادق×: «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه»([11]).

3ـ موثَّقة أخرى للسكوني، عن الإمام الصادق×: قال رسول الله|: «الجلوس في المسجد انتظاراً للصلاة عبادةٌ، ما لم يُحْدِث. قيل: يا رسول الله، وما يُحْدِث؟ قال: الاغتياب»([12]).

4ـ رواية نوف البكالي، حيث أراد من أمير المؤمنين× أن يعِظَه، فقال: «اجتنب الغيبة؛ فإنها إدام كلاب النار». ثمّ قال: «يا نوف، كذب مَنْ زعم أنه ولد حلالٍ وهو يأكل لحوم الناس»([13]).

5ـ رواية جامع الأخبار، عن النبيّ الأكرم| قال: «كذب مَنْ زعم أنه ولد حلالٍ وهو يأكل لحوم الناس»([14]).

وهكذا نلاحظ في جميع هذه الروايات أن تحريم الغيبة قد ورد بشكلٍ مطلق؛ فهي لا تحتوي على أيّ تصريح بكون المُغتَاب مسلماً أو شيعياً اثني عشرياً، بل وردت الحرمة في الرواية الأولى بكلمة «مَنْ»، وفي الروايتين الأخيرتين بكلمة «الناس»، وكلتا الكلمتين تشمل المؤمن والمسلم وغيرهما.

كما أن الروايات التي تقول بأن الغيبة أشدّ من الزنا قد وردت بدَوْرها على نحوٍ مطلق، دون بيان أيّ خصوصيةٍ أخرى، من قبيل: الإسلام؛ والإيمان. ومن ذلك مثلاً:

1ـ الرواية الواردة في كتاب الاختصاص، عن رسول الله| أنه قال: «الغيبة أشدّ من الزنا»، قيل: ولِمَ ذاك يا رسول الله؟ قال: «صاحب الزنا يتوب فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة يتوب فلا يتوب الله عليه حتّى يكون صاحبه الذي يحلِّله»([15]).

وقد وردَتْ هذه الرواية في كتب أخرى، مثل: (الخصال)([16])، و(علل الشرائع)([17])، للشيخ الصدوق.

2ـ رواية جابر وأبو سعيد، عن النبيّ الأكرم| قال: «إيّاكم والغيبة؛ فإن الغيبة أشدّ من الزنا، إن الرجل يزني ويتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتّى يغفر له صاحبه»([18]).

3ـ في المأثور عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «يا أبا ذرّ، إيّاك والغيبة؛ فإن الغيبة أشدّ من الزنا»، قلتُ: ولِمَ ذاك يا رسول الله؟ قال: «لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تُغْفَر حتّى يغفرها صاحبها…»([19]).

وهكذا نلاحظ في جميع هذه الروايات بيان أن الغيبة أشدّ من الزنا بالمطلق، دون ذكر أيّ قيدٍ آخر فيها، أعمّ من الإسلام والإيمان والأخوّة وما إلى ذلك؛ وعليه يكون حكم هذه الروايات شاملاً لجميع الناس.

وبطبيعة الحال هناك رواياتٌ أخرى أيضاً([20]) تدلّ على هذا المعنى، وقد أعرَضْنا عن ذكرها، واكتفَيْنا بذكر بعضها؛ تجنُّباً للإطالة.

لا يُقال: إن الآيات والروايات العامة والمطلقة يتمّ تخصيصها أو تقييدها بالروايات المقيّدة بالإسلام والإيمان والأخوّة؛ ومن هنا يتمّ تخصيص وتقييد ما يدلّ على حرمة الغيبة بشكلٍ عام ومطلق بجميع الأدلّة الدالّة على حرمة المؤمن بشكلٍ خاص.

إذ نقول في الجواب: إن التخصيص والتقييد إنما يكون حيث يوجد تعارضٌ وتنافٍ بين العامّ والخاصّ، والمطلق والمقيّد، وفي ما نحن فيه لا يوجد أيّ تنافٍ أو تعارضٌ بين حرمة غيبة كلّ إنسان وحرمة غيبة المؤمن والمسلم؛ لأن كلا النوعين من هذه الأدلّة بصدد إثبات حكم متعلّقه، كما يقال في مصطلح «المثبتين»، وفي مثل هذه الحالة لا يُحْمَل العامّ على خاصّه، ولا المطلق على مقيّده؛ لأن التقييد والتخصيص من قواعد باب التعارض، ولا يوجد في البين تعارضٌ أو تنافٍ.

وكذلك إذا قيل: إن الآية الكريمة والكثير من الروايات؛ بسبب اشتمالها على كلمة «الأخ»، إنما تدلّ على خصوص حرمة «المؤمن» فقط؛ إذ ليس هناك أيّ أخوّةٍ بين المؤمن ـ أي الشيعي الإمامي الاثني عشري ـ وغيره.

قلنا في الجواب: إن الأخوّة الواردة على هذه الشاكلة في مصطلح الآيات والروايات إنما هي في مقابل العداوة، والحال أنه لا يوجد في هذا البحث أيّ كلامٍ بشأن العداوة، ولا توجد بيننا وبينهم خصومةٌ وعداء، ولا سيَّما أن التعاليم الواردة بشأن حلّية ذبيحتهم، وعدم المنع من الزواج منهم، وعدم المنع من دخولهم إلى مساجد المؤمنين، كلّ ذلك يدلّ على عدم وجود العداء بيننا وبينهم، بل إن إظهار العداء والخصومة إنما يكون مع أصحاب البِدَع والمنكرين والجاحدين منهم والذين ينكرون الحقّ عن علمٍ وعمدٍ منهم.

نحن إخوةٌ؛ بمعنى أنه لا توجد عداوةٌ فيما بيننا. وإن كلّ شخصٍ لا يعادي ديننا وعقائدنا لن يكون لنا معه عداوةٌ من الناحية الدينية، ولكننا لا نؤاخي كلّ شخصٍ يُبْدي عناداً أو عداوةً تجاهنا وتجاه ديننا وعقائدنا.

وكذلك لا يُقال: إن كلامكم هذا إنما هو اجتهادٌ في مقابل النصّ؛ إذ إن الله تبارك وتعالى قال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10).

إذ يُقال في الجواب: إن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه؛ بمعنى أن الآية الكريمة وإنْ كانت تثبت الأخوّة بين المؤمنين، ولكنها في الوقت نفسه لا تنفي أخوّتهم مع الآخرين؛ فهي ليست بصدد بيان أنهم ليسوا إخوةً مع غير المؤمنين.

لقد تمّ التعبير في هذه الآية عن فئتين وطائفتين من المسلمين بأنهم إخوةٌ، مع أن الحرب كانت قائمةً بينهما، وتمّ الأمر بإقامة الصلح والسلام بينهما. وقد ورد ذات هذا التعبير في كلامٍ للإمام جعفر الصادق× ورد بشأن أمير المؤمنين× بعد انتصاره على الخوارج، حيث قال: «إن عليّاً× لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك، ولا إلى النفاق، ولكنّه كان يقول: هم إخواننا بغَوْا علينا»([21]).

بمعنى أن المسلمين مهما اختلفوا فيما بينهم فما داموا مشتركين في أصول العقيدة يبقون إخوةً لبعضهم، وإذا ظهر الخلاف والتخاصم بينهم وجب على جميع أفراد المجتمع أن يقيموا الصلح والوئام والسلام بين المتخالفين منهم.

ومن هنا رُبَما كانت الآية الكريمة بصدد بيان الاتحاد والتلاحم بين مجتمع المسلمين، مع وجود الهدف المشترك، وليست بصدد بيان مَنْ هو أخو «المؤمن»، ومَنْ ليس بأخٍ له.

نسبة الروايات الخاصّة إلى الروايات العامّة في حرمة الغيبة

إن للسيد الخميني&، في بحث تخصيص العمومات وتقييد المطلقات، كلاماً جديراً بالتأمُّل؛ إذ يقول: «ورواية أبي ذرّ عن النبيّ|، في وصيّته له، وفيها قال: «يا أبا ذرّ، سُباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ، وأكل لحمه من معاصي الله، وحرمة ماله كحرمة دمه»، قلتُ: يا رسول الله، وما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره»؛ ويمكن أن يُقال: إن هذه الرواية كرواية عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله×: «الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره الله عليه»، وغيرهما ممّا فسّرت الغيبة، حاكمةٌ على سائر الروايات؛ فإنها في مقام تفسيرها اعتبرت الأخوّة فيها، فغيرنا ليسوا بإخواننا وإنْ كانوا مسلمين، فتكون تلك الروايات مفسّرةً للمسلم المأخوذ في سائرها بأن حرمة الغيبة مخصوصة بمسلمٍ له أخوّةٌ إسلامية وإيمانية مع الآخر»([22]).

وطبقاً لهذا الكلام الذي ذكره السيد الخميني& تكون الروايات التي تذكر قيد الأخوّة والإيمان حاكمةً على سائر الروايات الواردة بشكلٍ عام ومطلق. وعلى هذا الأساس يكون الدليل الحاكم ـ في الحكومة ـ مقدَّماً على الدليل المحكوم، ولا يكون الدليلان مثبتين؛ إذ الدليل الحاكم ـ حتّى لو كان له أدنى ظهور ـ يكون مقدَّماً على المحكوم.

وقد وردَتْ بعض الملاحظات على هذا الكلام الذي ذكره السيد الخميني&، نذكرها على النحو التالي:

أوّلاً: إن أغلب الروايات التي أشار إليها سماحته تعاني من ضعف السند، بالإضافة إلى أنها قليلةٌ جدّاً، بحيث إنها لا تقبل الحاكمية، ولا يمكن بهذا العدد القليل من الروايات غضّ الطرف عن عموم وإطلاق الآية وجميع تلك الروايات الكثيرة.

ثانياً: إن كلمة «الأخ» التي ورد استعمالها في هذا النوع من الروايات هي من قبيل: ذات الخطابات المستعملة في هذه الآية وسائر الآيات بالنسبة إلى المؤمنين، بمعنى أنها مستعملة بداعي التشجيع؛ بهدف إيجاد الضمانة التنفيذية لهذه الأحكام، وليس لها صفة القيد في الموضوع، وعلى هذا الأساس لا تستوجب تقييد الإطلاقات وتخصيص العمومات.

ثالثاً: إن الروايات الواردة في مسألة الغيبة وذكر فيها قيد الإيمان، أو استعمل فيها كلمة «المؤمن» وأمثالها، يحتمل أن تكون واردةً لبيان شدّة وعظم الغيبة، حيث ترتكب بحقّ المؤمن بما هو مؤمنٌ، بمعنى أنه استُبيح لجهة الإيمان؛ أي إن إيمان هذا الشخص هو الذي أدّى بالآخرين إلى اغتيابه وهتك حرمته والقضاء على سمعته، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: 19)، بمعنى أنهم يحبّون أن تشيع الفحشاء وتنتشر القبائح في مجتمع المؤمنين؛ بسبب إيمانهم؛ كي يؤدّي ذلك إلى زوال عزّة المؤمنين وعظمتهم وشوكتهم، بمعنى أن المراد في الواقع هو انتهاك قِيَم الإيمان في المجتمع، وإلاّ فليس هناك أحقادٌ وعداوات شخصية، وإنما العداوة هنا تستهدف القِيَم الإلهية.

أو كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا﴾ (النساء: 93)، فأنْ يكون جزاء قتل المؤمن عمداً هو الخلود في النار إنما هو لأن المقتول إنما قُتل بسبب إيمانه. وقد ورد ذكر هذا المعنى في الروايات([23])؛ حيث قالت: إن هذه العقوبة إنما تخصّ القاتلين الذين يقتلون المؤمن بسبب إيمانه.

رابعاً: رُبَما أمكن القول: إن المراد من «المؤمن» في هذه الروايات شيءٌ غير الشيعة الإمامية الاثني عشرية؛ بمعنى أن المؤمن ـ طبقاً لبعض الروايات ـ هو الذي يأمنه سائر المؤمنين على أموالهم وأرواحهم، وأن المسلم هو الذي يسلم سائر المسلمين من يده ولسانه، كما في رواية سليمان بن خالد، عن الإمام الباقر×، عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «المؤمن مَنْ ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، والمسلم مَنْ سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر مَنْ هجر السيّئات وترك ما حرَّم الله، والمؤمن حرامٌ على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعةً»([24]).

خامساً: إن هذه الروايات التي يُدّعى أن لسانها هو لسان الحكومة على سائر الروايات لم ترِدْ في مقام تفسير وبيان الغيبة بشكلٍ مطلق ومن جميع الجهات حتّى يُقال: إن واحدة من الجهات المطروحة في تفسير الغيبة هي الإيمان، وإنما هي في مقام تفسير وبيان الغيبة في مقابل البُهْتان. وعلى هذا الأساس فإنها حيث لم تكن في مقام بيان جميع الجهات المطروحة في الغيبة لا يمكن أن تكون حاكمةً على سائر الروايات.

اتّضح ممّا تقدَّم أن المستفاد من القرآن والروايات هو حرمة غيبة جميع أبناء البشر، أيّاً كان معتقدهم وتفكيرهم، وأن حرمتها لا تختصّ بالمسلمين أو الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

 

الدليل الثالث: عموم روايات حُسْن المعاشرة والأخلاق

مضافاً إلى ما تقدّم من الأدلّة يمكن أن نشير إلى الروايات الواردة في مداراة الناس، والتعامل معهم بالأخلاق والإحسان، والتعاطي معهم بالتي هي أحسن، وتأليف قلوبهم ومعاملتهم بإنصافٍ؛ وكذلك الروايات التي تأمرنا بأن نعامل الناس كما نحبّ أن يعاملونا؛ وكذلك الروايات التي يأمر فيها الأئمّة المعصومون^ أتباعهم وشيعتهم بأن يكونوا زَيْناً لهم، لا أن يكونوا شَيْناً عليهم؛ وهكذا الروايات التي تأمرنا بأن ندعو الناس إلى المذهب الحقّ (مذهب أهل البيت) بصالح أفعالنا وحُسْن سلوكنا.

والملفت أن نعلم أن أكثر هذه الروايات قد وردَتْ بلفظ «الناس»، ولم ترِدْ فيها أيّ إشارةٍ إلى امتيازاتٍ خاصة، بما في ذلك الدين والمذهب والعقيدة. وعلى هذا فإن القول بجواز غيبة مَنْ هم على غير ديننا أو مَنْ هم على غير مذهبنا لا ينسجم قطعاً مع هذه الروايات العامّة؛ وذلك لأن هذا النوع من الأفعال، أي الحديث عن الناس بالسوء في غيابهم والتلاعب بسمعتهم وأعراضهم، سوف يتنافى تماماً مع تعاليم الأئمة المعصومين^ الواردة بشأن مداراة الناس، وحُسْن الأخلاق، والإنصاف، والإحسان، ودعوة الآخرين بواسطة السلوك والأفعال المناسبة، التي تكون مدعاةَ عزّة وزين الأئمة^. وفي المقابل فإن اجتناب الغيبة من المصاديق البارزة لجميع هذه التعاليم، الأعمّ من المداراة وحسن الأخلاق والإنصاف والإحسان وما إلى ذلك.

وكذلك يمكن القول: إن حرمة غيبة جميع الناس هي الأنسب بالكرامة الذاتية، وتساوي الناس في الحقوق، على ما تقدَّمَتْ الإشارة إليه في صريح الآيات والروايات.

لا يُقال: إن غيبة غير الشيعة والكفّار لا يتنافى مع تساوي جميع الناس في الحقوق؛ وذلك لأن التساوي إنما يكون في الأمور غير الاختيارية، وأما الأعمال والأمور الاختيارية؛ حيث يختار كلّ شخصٍ شيئاً بكامل رغبته وإرادته، فقد تؤدّي إلى الاختلاف في الحقوق. وحيث إن المخالفين لنا والكفّار قد اختاروا عقيدتهم الفاسدة ومذهبهم الباطل بسوء اختيارهم وإرادتهم فلن يشكِّل هذا مانعاً دون الاختلاف في الحقوق، ومن بينها: جواز الغيبة؛ إذ يتحمّلون نتيجة اختيارهم السيّئ.

نقول: لا يُقال ذلك لأن الجواب عنه واضحٌ: إن هذا الإشكال إنما يصحّ إذا كان المخالفون لنا والكفّار من الجاهلين المقصِّرين، أو الذين يبادرون إلى الإنكار والعدوان بعد التعرُّف على الحقّ؛ إمعاناً منهم في العناد واللجاج، هذا في حين أن أكثر المخالفين والكفّار إنما هم في الواقع من الجاهلين القاصرين وغير المعاندين لنا. ثم إن جواز الغيبة وهَتْك عرض الأشخاص يُعَدّ نوعاً من العقوبة، ومن البديهات الأوّلية لإثبات العقوبة على شخصٍ أن يكون قد ارتكب جريرةً أو جنحةً تضرّ بالفرد أو المجتمع، وإن مجرّد اعتناقهم عقيدةً مخالفة لا يوجب ارتكابهم لجريمةٍ يستحقّون عليها العقاب.

ورُبَما أمكن لهذه المجموعة من المناقشات أن تقنع فقيهاً كبيراً، مثل: المحقِّق الأردبيلي، وحمله على القول بعدم جواز غيبة جميع المسلمين؛ الأعمّ من الشيعة وغيرهم. لقد ذهب المحقّق الأردبيلي& في (مجمع الفائدة والبرهان) إلى القول بحرمة غيبة جميع المسلمين، دون اختصاص بالشيعة الإمامية. ولكنه بطبيعة الحال يرى جواز غيبة الكفّار.

كلام المقدَّس الأردبيلي في حرمة غيبة المسلم

والظاهر أن عموم أدلة تحريم الغيبة من الكتاب والسنّة يشمل المؤمنين وغيرهم؛ فإن قوله تعالى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾ (الحجرات: 12) إما للمكلَّفين كلّهم أو للمسلمين فقط؛ لجواز غيبة الكافر؛ ولقوله تعالى بعده: ﴿لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾؛ وكذا الأخبار؛ فإن أكثرها بلفظ الناس أو المسلم…، مثل: ما رُوي في الفقيه: «مَنْ اغتاب امرءاً مسلماً بطل صومه، ونقض وضوؤه، وجاء يوم القيامة يفوح من فيه رائحةٌ أنتن من الجيفة، يتأذّى به أهل الموقف، وإنْ مات قبل أن يتوب مات مستحلاًّ لما حرّم الله تعالى…».

وقد قال& في رسالة الغيبة (كشف الريبة): «قال النبيّ|: «كلُّ مسلمٍ على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه». والغيبة تناول العِرْض، وقد جمع بينها وبين الدم والمال».

وقال|: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا يغتَبْ بعضكم بعضاً، وكونوا عباد الله إخواناً».

وعن أنس قال: قال البراء: خَطَبَنا رسول الله| حتّى أسمع العواتق في بيوتها، فقال: «يا معشر مَنْ آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه مَنْ تتبّع عورة أخيه تتبّع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في جوف بيته»؛ وغير ذلك.

وبالجملة عمومُ أدلة الغيبة وخصوص ذكر المسلم يدلّ على التحريم مطلقاً، وأن عِرْض المسلم كدمه وماله، فكما لا يجوز أخذ مال المخالف وقتله لا يجوز تناول عِرْضه الذي هو الغيبة، وذلك لا يدلّ على كونه مقبولاً عند الله، كعدم جواز أخذ ماله وقتله، كما في الكافر.

ولا يدلّ جواز لعنه بنصٍّ على جواز الغيبة، مع تلك الأدلة، بأن يقول: إنه طويل أو قصير وأعمى وأجذم وأبرص وغير ذلك. وهو ظاهرٌ.

وأظنّ أني رأيتُ في قواعد الشهيد& أنه يجوز غيبة المخالف من حيث مذهبه ودينه الباطل وكونه فاسقاً من تلك الجهة لا غير، مثل: أن يُقال: أعمى، ونحوه. الله يعلم، ولا شَكَّ أن الاجتناب أحوط»([25]).

مناقشة أدلّة جواز غيبة المسلمين

بالنظر إلى أن المحقِّق البحراني& والسيد الخوئي& قد تناولا هذه المسألة بمزيدٍ من الشرح والتفصيل فسوف نتعرَّض لكلامهما في نقد ومناقشة أدلة جواز غيبة المخالفين:

قال المحقق البحراني&، في ردّ نظرية المحقِّق الأردبيلي: «أقول: وأنت خبيرٌ بما فيه من الوَهْن والقصور، وإنْ كان مبنيّاً على ما هو المعروف المشهور من الحكم بإسلام المخالفين، إلا أن أخبار أهل البيت^ ظاهرةٌ في ردّه، متكاثرةٌ مستفيضة على وجهٍ لا يعتريها الفتور. وقد بسَطْنا الكلام في (الشهاب الثاقب) في بيان معنى الناصب، وقد قدَّمْنا نبذةً في ذلك في كتاب الطهارة في باب نجاسة الكافر، وأوضَحْنا كفر المخالفين غير المستضعفين ونصبهم وشركهم؛ بالأخبار المتكاثرة التي لا معارض لها في البين، وأنه ليس إطلاقُ المسلم عليهم إلا من قبيل: إطلاقه على الخوارج وأمثالهم من منتحلي الإسلام. وتوجّه الطعن إلى كلام هذا المحقِّق أكثر من أن يأتي عليه قلم البيان»([26]).

إن المحدِّث البحراني يردّ إسلام المخالفين من عدّة جهات. وسوف نعمل على مناقشة هذه الجهات واحدةً تلو الأخرى:

أـ الروايات الدالّة على كفر المخالفين

1ـ رُوي في المأثور عن الإمام الباقر× أنه قال: «إن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ نصب عليّاً عَلَماً بينه وبين خلقه، فمَنْ عرفه كان مؤمناً، ومَنْ أنكره كان كافراً، ومَنْ جهله كان ضالاًّ»([27]).

2ـ في روايةٍ أخرى عن الإمام الباقر× أنه قال: «إن عليّاً× بابٌ فتحه الله عزَّ وجلَّ، فمَنْ دخله كان مؤمناً، ومَنْ خرج منه كان كافراً، ومَنْ لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك وتعالى: فيهم المشيئة»([28]).

3ـ في المأثور عن الإمام الصادق× أنه قال: «مَنْ عرفنا كان مؤمناً، ومَنْ أنكرنا كان كافراً، ومَنْ لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاًّ حتّى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فإنْ يمُتْ على ضلالته يفعل الله به ما يشاء»([29]).

قال الشيخ البحراني&: هناك الكثير من الروايات بهذا المضمون.

نقدٌ وتحقيق

ولكنّ الاستدلالَ على كفر المخالفين بهذه الروايات الثلاثة، وبهذا النوع من الروايات، غيرُ تامٍّ؛ وذلك للجهات التالية:

أوّلاً: إن المعنى اللغوي لكلمة «الكفر» هو الستر والإخفاء، وقد استعملت في الكثير من الآيات والروايات بهذا المعنى، ويختلف معناها باختلاف متعلّقها وموضوعها. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن متعلّقها في بعض الآيات هو أعمال الناس؛ فيكون معناها هو الكفر العملي، كما في قوله سبحانه وتعالى:

ـ ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (إبراهيم: 7).

ـ ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ (آل عمران: 97).

لا شَكَّ في أن «الكفر» في هذه الآيات لم يرِدْ بمعنى الكفر في مقابل الإسلام والإيمان، بل بمعناه اللغوي، حيث تعلّق بعمل المكلَّفين، ويفيد معنى الكفر العملي.

وفي بعض الموارد يُستعمل «الكفر» بمعناه اللغوي في مقابل الإسلام، ويكون بمعنى الخروج عن الإسلام وربقة المسلمين. ومن ذلك ـ مثلاً ـ قوله تعالى:

ـ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ (البقرة: 6).

ـ ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ (النساء: 141).

كما يُستعمل الكفر في بعض المواضع في مقابل الإيمان. وفي هذه الروايات التي استدلّ بها المحقّق البحراني& قد استُعْمِل الكفر بهذا المعنى، أي «الكفر» بما هو خروجٌ عن الإيمان، وليس خروجاً عن الإسلام، بمعنى أن عدم معرفة الإمام عليّ× لا يستوجب الخروج عن ربقة الإسلام، ولا يمكن الحكم على مثل هذا الشخص بعدم الإسلام.

ثانياً: إن هذه الروايات تخصّ الموارد التي يكون الإنكار فيها عن علمٍ ودرايةٍ كاملة، ولا يشمل الموارد التي يكون الإنكار فيها عن جهلٍ بالمسألة. وفي الحقيقة فإنها تعتبر المنكر الذي ينكر الحقّ والحقيقة عامداً رغم علمه كافراً، في حين أن أكثر المخالفين إذا كانوا ينكرون الإمامة والحقّ فهم في ذلك جاهلون قاصرون، وليسوا مقصِّرين. وإن ذيل الرواية الأولى يمثِّل شاهداً على هذا المطلب؛ لأنه يُقسِّم المخالفين إلى ثلاثة أقسام: المؤمن؛ والمنكر؛ والجاهل، وعرّف الشخص الجاهل بوصفه قد ضلّ الطريق، وأنه غير المنكر.

وأما بقية الروايات التي استدلّ بها المحقّق البحراني& على كفر المخالفين فهي:

4ـ رواية الإمام الصادق× حيث قال: «أهل الشام شرٌّ من أهل الروم، وأهل المدينة شرٌّ من أهل مكّة، وأهل مكّة يكفرون بالله جهرةً»([30]).

5ـ رواية أبي بصير قال: «إن أهل مكّة ليكفرون بالله جهرةً، وإن أهل المدينة شرٌّ من أهل مكّة، أخبث منهم سبعين ضعفاً»([31]).

ويَرِدُ عليهما:

أوّلاً: إن كيفيّةَ وطريقةَ الاستدلال بهاتين الروايتين على مدّعاه غيرُ واضحة.

وثانياً: يجب طرح هذه الروايات وتركها، أو القول في الحدّ الأدنى: إنها غيرُ مفهومةٍ بالنسبة إلينا، وإن علمها عند أهلها؛ وإلاّ كيف يمكن القول بأن أهل المدينة ـ الذين استقبلوا النبيّ الأكرم|، وجعلوا من مدينتهم حصناً منيعاً للإسلام ـ شرٌّ من أهل مكّة، وفيهم أمثال: أبي سفيان وأبي جهل وغيرهما، من الذين كانوا هم السبب في دفع النبيّ الأكرم| إلى الهجرة من بين ظهرانيهم. وألا يُعَدّ هذا النوع من الكلام بنفسه من مصاديق الغيبة؟!

وثالثاً: يبدو من ظاهر هذه الروايات أنها تعود إلى حقبةٍ تاريخية خاصّة ـ من قبيل: حادثة السقيفة وما جرى على السيدة الزهراء÷؛ حيث لم يقُمْ أهل المدينة بالدفاع عن الحقّ حينذاك ـ، ولا يمكن الحكم بأنهم شرٌّ إلى الأبد، واعتمادها لاستخراج حكمٍ كلّي.

ورابعاً: إن هذه الروايات لا تدلّ على كفر أهل المدينة والشامّ؛ وذلك لأن الشرّ غير الكفر.

ومن الجواب عن هذه الروايات يتّضح الجواب عن سائر الروايات التي استدلّ بها على كلامه أيضاً؛ وذلك لأنه قد استدلّ إما بالروايات المشتملة على كلمات «الإيمان» و«الكفر»، أو استفاد من روايات قد استُعْمِلَتْ فيها كلماتٌ من قبيل: «الإنكار» و«الجحد». وجوابنا عن هذا النوع من الروايات يكمن في التدقيق في المعنى اللغوي لكلمة «الكفر»، وهو ما سنبحثه بالتفصيل.

ب ـ الروايات الدالّة على نصب المخالفين

قال المحقِّق البحراني& في الردّ على كلام المقدّس الأردبيلي&، الذي يرى حرمة دماء ومال المخالفين([32]): «إن الأخبار قد جوَّزَتْ قتله وأخذ ماله مع الأمن وعدم التقية، ردّاً عليه وعلى أمثاله ممَّنْ حكم بإسلامه»([33]).

ثم ذكر رواياتٍ تعتبر دم ومال الناصبي هدرٌ وغير محترم، ثمّ أضاف قائلاً: «فإنْ قيل: إن أكثر هذه الأخبار تضمّن الناصب، وهو ـ على المشهور ـ أخصّ من مطلق المخالف، فلا تقوم الأخبار حجّةً على ما ذكَرْتُم! قلنا: إن هذا التخصيص قد وقع اصطلاحاً من هؤلاء المتأخِّرين؛ فراراً من الوقوع في مضيق الإلزام، كما في هذا الموضع وأمثاله، وإلاّ فالناصب حيثما أُطْلِق في الأخبار وكلام القدماء فإنما يُراد به المخالف غير المستضعف»([34]).

ثم تمسّك ببعض الروايات على دعواه القائلة بأن المخالف والناصبي شيءٌ واحد.

وفي ما يلي نناقش هذه الروايات:

1ـ رواية مستطرفات السرائر، التي يُسأل فيها الإمام الهادي×: هل نحتاج في اختبار الناصب إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت، واعتقاده بإمامتهما؟ فقال الإمام× في الجواب: «مَنْ كان على هذا فهو ناصبٌ»([35]).

قال المحقّق البحراني: إن هذه الرواية صريحةٌ في أن مظهر النصب والعداوة هو القول بإمامة الخليفتين الأوّل والثاني.

2ـ رواية عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق× أنه قال: «ليس الناصب مَنْ نصب لنا ـ أهل البيت ـ؛ لأنك لا تجد أحداً يقول: إنّي أبغض محمداً وآل محمد|، ولكنّ الناصب مَنْ نصب لكم، وهو يعلم أنكم تتولّونا، وأنكم من شيعتنا»([36]).

3ـ رواية المعلّى بن خنيس، وهي تشبه الرواية السابقة عن الإمام الصادق×: «…ولكنّ الناصب مَنْ نصب لكم، وهو يعلم أنكم تتولّونا وتبرؤون من أعدائنا»([37]).

وقد أضاف المحقّق البحراني، بعد نقل هذه الروايات، قائلاً: «فهذا تفسير الناصب في أخبارهم، الذي تعلّقت به الأحكام، من النجاسة وعدم جواز المناكحة وحِلّ المال والدم ونحوه، وهو عبارةٌ عن المخالف مطلقاً، عدا المستَضْعَف، كما دلّ عليه استثناؤه في الأخبار. وما ذكروا من التخصيص بفردٍ خاصّ من المخالفين مجرّد اصطلاحٍ منهم، لم يدلّ عليه دليلٌ من الأخبار، بل الأخبار في ردّه واضحةُ السبيل»([38]).

إشكالاتٌ وردود

تَرِد على هذا الكلام من صاحب الحدائق& عدّةُ إشكالات:

1ـ على الرغم من اعتبار سند الرواية الأولى، إلاّ أن الرواية الثانية والثالثة ـ أي: رواية علل الشرائع، ورواية معاني الأخبار ـ تعانيان من ضعف السند، ولا يكفي الاستناد إلى روايةٍ واحدة لإثبات مثل هذا الحكم. وكذلك لا يخفى أن هذه الرواية لم تَرِدْ في أيٍّ من الكتب الأربعة، ولم يعمل بها الأصحاب، ولم يُفْتُوا على طبقها.

2ـ ولو غَضَضْنا الطَّرْف عن ضعف السند نقول: إن هذه الروايات أخصّ من المدّعى، ولا تشمل جميع المخالفين؛ وذلك لأن الرواية الثانية والثالثة صريحتان في بعض المخالفين الذين يعادون شيعة ومحبّي أهل البيت^؛ بسبب تشيُّعهم وحبّهم لأهل البيت؛ وعليه فإنهما لا تشملان المخالفين الذين لا يعادون الشيعة، أو يعادونهم لسببٍ آخر غير تشيُّعهم ومودّتهم لأهل البيت.

وفي الرواية الأولى أُخذ النصب والعداوة أمراً مفروضاً، بمعنى: هل يتعيَّن علينا في إثبات النصب أن نرى ما إذا كان المخالف يقدّم الجبت والطاغوت أم لا نحتاج إلى مثل هذا الأمر؟ وعلى هذا الأساس فإن هذه الرواية تختصّ بأعداء أهل البيت^، ولا تشمل جميع المخالفين.

لا يُقال: لا معنى للسؤال عن الناصبيّ في فرض كونه ناصبيّاً؛ وذلك لأن الشخص الناصبي إنما يثبت نصبه بعد عداوته دون حاجةٍ إلى سؤال.

إذ نقول في الجواب: إن السرّ في ذلك يكمن في أن الذي يعادي قد لا يكون عداؤه عن عقيدةٍ ودينٍ، وإنما عن تقيّةٍ. ومن هنا يسأل السائل: هل يتحقّق النصب بمجرد إظهار العداء أم يجب في إثبات ذلك اعتقاد العدوّ بتقديم الجبت والطاغوت أيضاً؟!

وبغضّ النظر عن المطالب والإشكالات المتقدّمة كيف يمكن القول بحكومة هذه الروايات القليلة على سائر الروايات المرتبطة بالمخالف والناصب، والاعتقاد بأن هذه الروايات القليلة مفسِّرةٌ ومبيِّنة لتلك الروايات، ويُقال بالتالي: إن جميع المخالفين ناصبين، وتجري عليهم جميع أحكام النواصب أيضاً؟!

وقد نقل الشيخ الأنصاري& في (كتاب الطهارة)([39])، على هامش مسألة نجاسة الكافر ـ بعد نقل كلام بعض كبار علماء الفقه واللغة في تحقيق معنى النصب ـ، ضرورة اشتراط العداوة لأهل البيت^ في تحقُّق النصب.

قال&: «قال الصدوق في باب النكاح من الفقيه: والجهّال يتوهَّمون أن كلّ مخالفٍ ناصبٌ. وليس كذلك»([40]).

ثمّ نقل بعض الكلمات في هذا الشأن عن كتبٍ، من قبيل: المعتبر، والمنتهى، والتذكرة، والأنوار النعمانية، والتنقيح الرائع، والقاموس، والصحاح، وقال بعد شرحها وتوضيحها: «لا يخفى أن الظاهر من الأخبار هو مَنْ يبغض أهل البيت^… فلا يخفى ضعف تعميم الناصب للمخالف».

ج ـ الخطاب في صدر آية «حرمة الغيبة»

الدليل الآخر الذي استدلّ به لجواز غيبة غير المؤمن هو الخطاب في صدر الآية الكريمة، بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، بمعنى أن المؤمنين وحدهم هم الذين خوطبوا بالنهي عن «الغيبة» في قوله تعالى: ﴿لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾. ومن هنا فإن هذا النهي لا يشمل غير المؤمنين من المسلمين والكفّار.

ويَرِدُ عليه:

أوّلاً: لقد اتّضح الجواب عن هذا الاستدلال ممّا تقدَّم في الصفحات السابقة من المباحث المرتبطة بهذه الآية الكريمة.

ثانياً: هناك الكثير من الآيات في القرآن الكريم تصدَّرَتْ بذات هذا الخطاب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، لبيان الأحكام التكليفية والوضعية، دون أن يكون لها أيّ اختصاصٍ بالمؤمنين، بل نزلت لعموم أفراد المجتمع. ومن ذلك، على سبيل المثال:

ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ (البقرة: 282).

ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً﴾ (آل عمران: 130).

ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (البقرة: 172).

ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ (البقرة: 208).

وغيرها من الآيات الكثيرة الأخرى، التي صدر الخطاب فيها للمؤمنين، بَيْدَ أن الحكم الوارد فيها لا يختصّ قطعاً بالمؤمنين فقط.

د ـ انتفاء الأخوّة بين المؤمن والمخالف

قال المحقِّق البحراني&: «إن الآية التي دلَّتْ على تحريم الغيبة وإنْ كان صدرها مُجْمَلاً، إلاّ أن قوله فيها: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾ ممّا يعيّن الحمل على المؤمنين؛ فإن إثبات الأخوّة بين المؤمن والمخالف له في دينه لا يكاد يدَّعيه مَنْ شمّ رائحة الإيمان، ولا مَنْ أحاط خُبْراً بأخبار السادة الأعيان؛ لاستفاضتها بوجوب معاداتهم والبراءة منهم»([41]).

ثمّ ذكر بعض الروايات في تأييد هذا المطلب، كما أشار إلى بعض الآيات بوصفها مؤيِّداً لذلك أيضاً.

ويتّضح الجواب عن هذا الدليل ممّا سبق أن ذكرناه في ذيل الآية الكريمة، ولا نرى حاجةً إلى الإعادة والتكرار.

وبعد مناقشة ونقد الأدلّة التي أقامها المحقِق البحراني& ننتقل إلى نقد وبحث الأدلّة التي تمسّك بها السيد الخوئي&:

هـ ـ اعتبار المخالفين أهل بِدْعةٍ

قال المحقّق الخوئي&، في مصباح الفقاهة: «المراد من المؤمن هنا مَنْ آمن بالله وبرسوله وبالمعاد وبالأئمّة الاثني عشر^ ـ أوّلهم عليّ بن أبي طالب×، وآخرهم القائم الحجّة المنتظر عجَّل الله تعالى فَرَجَه وجعلنا من أعوانه وأنصاره ـ، ومَنْ أنكر واحداً منهم جازَتْ غيبته لوجوهٍ: الوجه الأوّل: إنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، وإكثار السبّ عليهم، واتّهامهم، والوقيعة فيهم، أي غيبتهم؛ لأنهم من أهل البِدَع والرَّيْب، بل لا شبهة في كفرهم؛ لأن إنكار الولاية والأئمّة ـ حتّى الواحد منهم ـ، والاعتقاد بخلافة غيرهم، وبالعقائد الخُرافية ـ كالجَبْر ونحوه ـ، يوجب الكفر والزندقة. وتدلّ عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية، وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة، وما يُشبهها من الضلالات. ويدلّ عليه أيضاً قوله× في الزيارة الجامعة: «ومَنْ جَحَدَكُمْ كافرٌ»؛ وقوله× فيها أيضاً: «ومَنْ وَحَّده قَبِل عنكم»؛ فإنه ينتج بعكس النقيض أنّ مَنْ لم يقبل عنكم لم يوحِّده، بل هو مشركٌ بالله العظيم. وفي بعض الأحاديث الواردة في عدم وجوب قضاء الصلاة على المستبصر: «إن الحال التي كُنْتَ عليها أعظم من ترك ما تركْتَ من الصلاة». وفي جملةٍ من الروايات: «الناصب لنا أهل البيت شرٌّ من اليهود والنصارى، وأهون من الكلب، وإنه تعالى لم يخلق خَلْقاً أنجس من الكلب، وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه». ومن البديهي أن جواز غيبتهم أهون من الأمور المذكورة، بل قد عرفْتَ جواز الوقيعة في أهل البِدَع والضلال، والوقيعة هي الغيبة. نعم، قد ثبت حكم الإسلام على بعضهم في بعض الأحكام فقط؛ تسهيلاً للأمر، وحَقْناً للدماء»([42]).

نقدٌ وردّ

1ـ إن ما ذكره في تعريف المؤمن يستلزم جواز غيبة سائر الشيعة، من أمثال: الزيدية، والإسماعيلية، والفطحية، والواقفية، وأمثالهم؛ في حين أن الكثير من كبار علماء الحديث ـ المقبولة أحاديثهم لأيّ سببٍ من الأسباب ـ من المنتمين إلى هذه الفِرَق.

2ـ لم نعثَرْ على أيّ دليلٍ يثبت جواز لعن المخالفين والبراءة منهم. وكان من الأفضل للسيد الخوئي أن يبيِّن المدرك في ذلك. أجل، إن المذكور في الروايات هو وجوب البراءة من أعداء أهل البيت^. كما ورد في الزيارة جواز لعن الظالمين لأهل البيت^ والغاصبين لحقّهم: «اللهمّ العَنْ أوّل ظالمٍ ظلم حقَّ محمد وآل محمد|، وآخر تابعٍ له على ذلك، اللهمّ العَنْهم جميعاً».

وعليه فإن هذه الطائفة من الروايات والزيارات إنما تخصّ الظالمين لأهل البيت^، والغاصبين لحقّهم، وأعداءَهم ومبغضيهم. والحال أننا لو نظرنا بعين الإنصاف لوجدنا أن أكثر المخالفين ليسوا مشمولين بهذه الروايات والزيارات؛ إذ إنهم ليسوا أعداءً، ولا مبغضين، ولا غاصبين لحقّ الأئمّة الأطهار^، بل إنهم في الكثير من الموارد يحبّون أهل البيت^، وهم في العقيدة جاهلون قاصرون، كما سبق أن ذكَرْنا ذلك.

3ـ ما تقدَّم في عدم تمامية الاستدلال على نصب المخالفين.

4ـ إن العوامّ من المخالفين وبعضَ علمائهم ليسوا من أصحاب البِدَع حقّاً حتّى تشملهم أحكام المبتدعين التي ورد التصريح بها في رواية داوود بن سرحان، عن الإمام جعفر الصادق×: قال رسول الله|: «إذا رأيتُمْ أهل الرَّيْب والبِدَع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبِّهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم؛ كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام، ويحذرهم الناس، ولا يتعلَّموا من بِدَعهم، يكتب الله لكم بذلك الحَسَنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة»([43]).

لماذا لا نعتبر عوامّ المخالفين وبعض علمائهم من أصحاب البِدَع؟

إن البِدْعة عبارةٌ عن: «إدخال ما ليس من الدين في الدين»، أو الذي يُشَكّ في جزئيّته من الدين. ومن هنا فإن الغاصبين الأصليّين والمؤسِّسين لأساس الظلم، وحُمَاتهم، وداعميهم في عصرهم، قد أحدثوا التغيير في الدين عن عِلْمٍ وعَمْدٍ، فهم أصحاب البِدْعة؛ ولكنْ هل يُعَدّ سائر المخالفين، الذين جاؤوا بعدهم، واتّبعوهم عن جهلٍ قصوريّ، من أصحاب البِدَع أيضاً، وهم الذين حتّى لا يخطر في أذهانهم أن ما يعتقدونه ويعملون به هو إدخالُ ما ليس من الدين فيه؟!

يُضاف إلى ذلك أن الدليل الأصليّ لغيبة أهل البِدَع ومحاربتهم ـ على ما ورد في الرواية السابقة ـ هو عدم الترويج لأفكارهم وشبهاتهم وفسادهم الناشئ عنها، وفي مثل هذه الحالة لن يكون لهذا الدليل أيّ صلةٍ بالغيبة؛ وذلك لأن الغيبة إنما تصدر عن الحَسَد والحِقْد والضغينة وسائر الرذائل الأخلاقية، والوقوف في جبهتين على طرفي نقيضٍ. وإن فعل الأمر «باهتوهم» ـ في رواية الإمام الصادق×، عن النبيّ الأكرم| ـ من مادة «بهت»، بمعنى بهتهم؛ أي إنه يجب البحث مع المبتدعين بقوّةٍ واستدلالٍ محكم وقاطع؛ حتّى تستولي عليهم الحَيْرة والبَهْت، ويعجزوا عن الردّ والجواب.

كما ورد هذا المعنى عن العلاّمة المجلسي، حيث قال: «والظاهر أن المراد بالمباهتة: إلزامهم بالحجج القاطعة، وجعلهم متحيِّرين لا يحيرون جواباً، كما قال تعالى: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ (البقرة: 258)»([44]).

وكما أن هذا الأسلوب هو الأنسب مع المنطق الاستدلالي للإسلام، فإن الإساءة والغيبة والبهتان لا تتناسب ـ بنفس النسبة ـ مع روح الإسلام، حتّى في مقام التقابل والمواجهة مع المخالفين.

5ـ إن الإنكار هو غير عدم القبول؛ وذلك لأن الإنكار يطلق على عدم القبول بأمرٍ محقّ مع العلم بأنه حقٌّ. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن ذلك الشخص العالم في عصر الإمام الكاظم× كان يعلم أن الإمامة بعد الإمام موسى بن جعفر’ تنتقل إلى الإمام الرضا×، إلاّ أن الطمع بمال الدنيا، والحرص على اكتناز الأموال، وحبّ الجاه والمقام، منعه من قبول ذلك؛ فأنكر أحقّية وإمامة الإمام الرضا×، رغم علمه بها، وعليه فإن هذا الإنكار وهذا الجَحْد يستوجب الكفر. بَيْدَ أن بحثنا إنما يدور حول المخالفين وغير المؤمنين الذين يتمسَّكون بعقيدتهم عن جهلٍ وقصور، لا أولئك الذين يتشبَّثون بمخالفتهم عن علمٍ وعَمْدٍ.

6ـ إن الكفر هنا ـ كما سبق أن ذكرنا ـ ليس في مقابل الإسلام، بل الكفر هنا في مقابل الإيمان، بمعنى عدم الوصول إلى مراتبه الكاملة.

كما أن استشهادَ السيد الخوئي بعبارة: «مَنْ وحّده قَبِل عنكم»، واستنتاجه الشرك بعكس نقيض هذه القضية، غيرُ تامٍّ أيضاً؛ وذلك لأن الشرك غير عدم التوحيد، ولا يُراد منه الشرك الذي تمّ وصفه في القرآن بأنه ظلمٌ كبير، وأنه الشرك الذي يُغْفَر كلُّ ذنبٍ سواه، بل المعنى المراد هنا من الشرك هو أن الشخص إذا لم يقبل تعلُّم التوحيد من الأئمّة لن يصل إلى المدارج التامّة والكاملة من التوحيد، وهذا المعنى يختلف عن القول بوجود شريكٍ لله سبحانه وتعالى.

7ـ أما استدلاله على كفر المخالفين بتلك الرواية الدالّة على عدم وجوب قضاء الصلاة على المستبصر فرُبَما كان أضعف من سائر أدلّته الأخرى؛ إذ لا يمكن العثور في هذه الرواية على أيّ شيءٍ يشير إلى كفرهم، وإن عدم وجوب قضاء الصلاة يقوم على اعتبار المخالفين جاهلين عن قصورٍ، وليس بسبب كفرهم.

و ـ تجاهر المخالفين بالفِسْق

الدليل الآخر الذي أقامة السيد الخوئي& على جواز غيبة المخالفين هو تجاهرهم بالفسق، بل وأكثر من ذلك؛ إذ يقول: «إن الذي التزم به المخالفون أشدّ من الفسق، ألا وهو إنكار الولاية»([45]).

وتتّضح الإجابة عن هذا الادّعاء ممّا تقدَّم في ذيل «الكفر» و«الإنكار» و«الجحد»؛ لأن جميع هذه المفردات إنما تتحقَّق إذا كان هناك علمٌ بتحقُّق أمرٍ، ومع ذلك يتمّ إنكاره عن عنادٍ ولجاج، وفي التجاهر بالفسق قد اشترط العلم والتعمُّد في الإتيان بالباطل. وكما سبق أن ذكرنا فإن أغلب المخالفين لا ينكرون أحقّية ولاية الأئمّة^ عن علمٍ وعَمْدٍ.

ز ـ سيرة المتشرِّعة على غيبة المخالفين

قال السيد الخوئي&: قامَتْ سيرة المتشرِّعة بين العامّة وعلماء الشيعة على غيبة المخالفين، وكانت السيرة مستمرّةً بين المتشرِّعة على غيبة المخالفين وشتمهم ولعنهم في جميع الأمكنة والأزمنة، بل قال صاحب الجواهر: «إن جواز غيبة المخالفين من الضروريات»([46]).

إن هذا الاستدلال بدَوْره غيرُ تامٍّ أيضاً؛ وذلك أوّلاً: إن قيام مثل هذه السيرة على جواز واستمرار شتم ولعن المخالفين غيرُ ثابتٍ؛ إذ لم يتمّ نقل سيرةٍ منعقدة في عصر الأئمّة الأطهار^، حيث يجب أن تكون هذه السيرة متّصلةً بهم، وليس هناك أيّ شاهدٍ على شتم ولعن ومباهتة المخالفين من قِبَل الأئمة^ وأصحابهم، بحيث يقع مورداً لتأييد الأئمّة الأطهار^. وثانياً: على فرض جواز لعنهم لا يمكن لذلك أن يشكِّل دليلاً على جواز غيبتهم؛ وذلك لأن اللعن إنما هو دعاءٌ عليهم، والطلب من الله إبعادَ رحمته عنهم، وهذا لا ربط له بهَتْك أعراضهم. وقد أشار المقدَّس الأردبيلي& إلى هذه النقطة بقوله: «ولا يدلّ جواز لعنه على جواز الغيبة مع تلك الأدلّة، بأن يقول: إنه طويل أو قصير وأعمى وأجذم وأبرص وغير ذلك. وهو ظاهرٌ»([47]).

مفاد الأصل العملي

لو قيل: إن أدلّة حرمة الغيبة قاصرةٌ عن شمول غير المؤمنين ـ الأعمّ من المسلمين والكافرين ـ، وإنها تشمل خصوص المؤمنين فقط؛ وعليه يجري أصل البراءة بالنسبة لهم، فتجوز غيبتهم.

فسوف نقول في الجواب: إن الأصل العملي إنما يجري عند فقد الأدلّة، ومع الالتفات إلى ما تقدَّم من الأدلّة يتّضح أن الأدلة النقلية والعقلية قائمةٌ على حرمة غيبة جميع الناس المحترمين، الأعمّ من المؤمنين وغير المؤمنين. وعليه لا يمكن للأصل العمليّ أن يجري في ما نحن فيه.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الأصل العقلي على اعتبار الغيبة قبيحةً وظلماً يشمل حرمة غيبة جميع المسلمين، بل جميع الناس المحترمين. وبناء العقلاء يؤيِّد هذا الحكم العقليّ أيضاً. ولذلك فإننا نحتاج للخروج من هذا الأصل إلى أدلّةٍ ثابتة وبراهين قاطعة من قِبَل الشارع المقدَّس، وهو ما لم نحصل عليه.

غيبة غير المسلمين

يجوز غيبة غير المسلمين من وجهة نظر مشهور الفقهاء؛ بَيْدَ أنه لم يتمّ بحث أبعاد هذه المسألة كثيراً. وأغلب الموجود من الأبحاث يدور حول محور المؤمن والمخالف، فلا بُدَّ من بحث هذه المسألة بشكلٍ دقيق، ولا سيَّما أن جواز غيبة الكافر قد أُخذ في كلمات الفقهاء بوصفه أمراً يقينيّاً وقطعياً، بل اعتبر موضوع الكافر أحد أدلّة جواز غيبة المخالفين([48]).

معنى «الكفر» و«الكافر»

لقد تمّ طرح مسألة «الكفر» والأبحاث المرتبطة بذلك في عدّة مواضع من الفقه، ومن ذلك: الطهارة والنجاسة، ودخول المساجد، والجهاد، والإرث (الحَجْب)، وما إلى ذلك.

وبالالتفات إلى أهمّية هذا البحث، وارتباطه بمختلف الموضوعات، ومنها: ما تقدَّم، سوف ندخل في بحثها بالتفصيل، ونخوض في بيان وتوضيح مفهومها، وكيفية تعلُّق الأحكام بها.

حيثما ورد الحديث في الفقه عن «الكفر» و«الكافر» كان المراد منه هو الأعمّ من القاصر والمقصِّر، وكل حكمٍ كان يحمل عليهما كان يحمل على مطلق الكافر، دون تمييز بين القاصر والمقصِّر.

بَيْدَ أن دقّة النظر، دون أخذ الذهنيات القَبْلية بالاعتبار، وتجنُّب العصبية الدينية والمذهبية، المقرونة بإمعان النظر الدقيق سوف يوصل البحث إلى هذه النقطة، وهي أنه في أكثر الموارد ـ ولا سيَّما في موضوع بحثنا، أي الغيبة ـ كان «الكفر» الناشئ عن التقصير والمقصِّرين من الكفّار موضوعاً للكثير من الأحكام، ومن بينها: جواز الغيبة.

إن الرجوع إلى القرآن الكريم والتدقيق في آياته، وكذلك الرجوع إلى كتب اللغة، في ما يتعلَّق بمادة «الكفر» و«الكافر» سوف تضع أمامنا نكاتٍ جديدة.

أـ في اللغة

وردت كلمة «الكفر» في اللغة بمعنى «الستر» و«التغطية» و«الإخفاء»: «ستر الشيء. ووصف الليل بالكافر؛ لستره الأشخاص، والزرّاع؛ لستره البذر في الأرض…، كفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها»([49]).

وقال ابن الأثير في النهاية: «أصل الكفر: تغطية الشيء تغطية تستهلكه»([50]).

وقال الفيّومي في المصباح: «كَفَر الشيء إذا غطّاه، وهو أصل الباب. ويُقال للفلاح كافر؛ لأنه يكفر البذر، أي يستره»([51]).

وقال ابن فارس في «معجم مقاييس اللغة»: «كفر… أصلٌ صحيح يدلّ على معنى واحد، وهو الستر والتغطية…، ويقال: الزارع كافرٌ؛ لأنه يُغطي الحبّ بتراب الأرض»([52]).

وفي الصحاح: «الكافر: الليل المظلم؛ لأنه ستر كلّ شيء بظلمته…، قال ابن السكّيت: ومنه سُمّي الكافر؛ لأنه يستر نعم الله عليه… والكافر: الزارع؛ لأنه يغطّي البذر بالتراب»([53]).

اتّضح معنى الكفر، ووجه تسمية الكافر، ممّا نقلناه عن علماء اللغة، وهو أنه يعني الستر والإخفاء. وهذا المعنى لا يتحقَّق إلاّ بعد العلم بما يتمّ ستره وإخفاؤه. وفي الحقيقة فإن الكافر ساترٌ لأنه أخفى ما يعلمه من الحقّ والحقيقة، وهو إنما يعمل على تغطية وحجب الحقّ بما يُظهره من الأباطيل؛ وأما الجاهل القاصر فليس لديه أدنى التفاتٍ بالنسبة إلى ما يكون من الحقّ، فضلاً عن أن يسعى إلى إخفائه وستره، وليس لديه غير اليقين بعقائده الباطلة. ولو نظرنا إلى هذه المسألة بدقّةٍ وإنصاف، بعيداً عن العصبية المذهبية، لوجدنا أن هذا هو الحقّ في المسألة.

ب ـ في القرآن الكريم

لقد اقترن الكفر في القرآن الكريم بـ «التقصير»، كما اقترن الكافر بـ «المقصِّر». وإن الآيات التي تتحدّث عن الكفار إنما تعني المقصِّرين منهم؛ إذ إن عذاب الشخص القاصر قبيحٌ عقلاً، وممنوعٌ شرعاً؛ وذلك لأن أدلّة البراءة قد وردت في القرآن الكريم نفسه، ومن ذلك قوله تعالى:

ـ ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء: 15).

ـ ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ (الطلاق: 7).

ـ ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (البقرة: 286).

ـ ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ (الأنفال: 42).

وإن رواياتٍ من قبيل: «حديث الرفع» و«حديث السعة»، الدالّة على البراءة الشرعية، تدلّ بدَوْرها على هذه المسألة أيضاً. وعلى هذا الأساس فإن أدلّة البراءة الشرعية من الكتاب والسنّة تحكي بأجمعها عن أن المراد من الكفّار في آيات القرآن هم خصوص المقصِّرين منهم.

كما أن العقل ـ بناءً على قاعدة «قبح العقاب بلا بيان» ـ يرى قبح عذاب وعقاب الكفّار القاصرين؛ بمعنى أنه بالملازمة العقلية وقاعدة «قبح العقاب بلا بيان» ندرك أنه حيثما اقترن الكفر في القرآن الكريم بالعذاب كان المراد من الكفر هو الذي يمثِّل إنكاراً وجَحْداً بعد العلم واليقين؛ إذ إن القرآن الكريم لا يحكم بما يخالف العقل.

وعلى هذا الأساس لو ورد في القرآن عذابٌ أو نظير ذلك بالنسبة إلى الكافر فإنه لا يشمل غير المسلم القاصر، وإنما يشمل خصوص الذي يمكن تعذيبه، وهو الذي يعلم بأحقّية الإسلام، ومع ذلك يُنْكره.

وفي ما يلي نلقي نظرةً على بعض آيات القرآن الكريم التي ورد فيها استعمال كلمة «الكفر» و«الكفّار» وبعض مشتقّاتهما، حيث يظهر في هذه الآيات بوضوحٍ أن المراد من الكفر هو الذي يكون عن تقصيرٍ، وأن الأحكام المترتّبة ـ الأعمّ من العذاب واللعنة وما إلى ذلك ـ إنما تحمل على هذا الصنف من الكفّار فقط. وفي الأساس فإن الكثير من الأفعال التي ذُكرَتْ في هذه الآيات عن الكفّار ـ ، وهي أفعالٌ من قبيل: قتل الأنبياء، والإنكار بعد معرفة الحقّ، والصدّ عن سبيل الله، وما إلى ذلك ـ إنما ترتبط بالذين يرتكبون تلك الأفعال رغم علمهم ومعرفتهم للحقّ، ممّا لا يبقى معه أيّ شكٍّ أو شبهة في أن الكفر المقصود هنا هو الكفر عن تقصيرٍ. وانظر الآيات التالية على سبيل المثال:

ـ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ (البقرة: 6).

ـ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 39).

ـ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (البقرة: 161).

ـ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً﴾ (النساء: 167)([54]).

وبشكلٍ عام يمكن القول: كلما تحدّث الله تبارك وتعالى في القرآن عن العذاب وأمثاله كان يكمن في البين نوعٌ من التقصير والجحد والإنكار والعناد من قِبَل الكفار؛ وإلاّ فإنه ـ كما تقدَّم في بداية هذا البحث ـ بحكم آيات القرآن الأخرى وروايات المعصومين^ الدالّة على البراءة الشرعية، وبحكم العقل ـ ونعني بذلك قاعدة «قبح العقاب بلا بيان» ـ، يعتبر عقاب الجاهل القاصر قبيحاً، وإن صدور مثل هذا الأمر محالٌ على الله عزَّ وجلَّ.

ج ـ في الروايات

إن ما جاء في بعض الروايات يثبت أن «الكفر» هو خصوص الجحد والإنكار عن علمٍ بأحقِّية الشيء، كما في رواية عبد الرحيم القصير: «ولا يُخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال»([55]).

وصحيحة محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر×: «كلّ شيء يجرّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان، وكلّ شيء يجرّه الإنكار والجحود فهو الكفر»([56]).

وصحيحة زرارة، عن الإمام الصادق×: «لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا»([57]).

وعن محمد بن مسلم قال: كنتُ عند أبي عبد الله×، جالساً عن يساره، وزرارة عن يمينه، فدخل عليه أبو بصير، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في مَنْ شكَّ في الله؟! فقال×: كافرٌ يا أبا محمد. قال: فشكَّ في رسول الله؟! فقال×: كافرٌ. قال: ثمّ التفت إلى زرارة، فقال: إنما يكفر إذا جحد»([58]).

وفي بعض الروايات الأخرى اعتبار المقصِّرين من الكفّار ـ وهم الذين ينكرون أحقّية الإسلام رغم علمهم بأحقّيته، أو الذين سلكوا طريق اللجاج والعداوة عن علمٍ وعمد ـ مستحقّين للعذاب، وليس جميع الكفّار، كما في هذه الرواية المنقولة في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه: «…اللهمّ عذِّبْ كفرة أهل الكتاب، الذين يصدّون عن سبيلك، ويجحدون آياتك، ويكذِّبون رسلك…»([59]).

إن إضافة «الكفر» في هذه الرواية إلى أهل الكتاب، ثمّ العمل على تعريف الكافر بأنه الذي يصدّ عن سبيل الله، وينكر آيات الله، ويكذِّب الرسل، يدلّ بأجمعه على أنهم مقصِّرون في كفرهم، وإن هؤلاء المقصِّرين من أهل الكتاب الذين يتّصفون بهذه الصفات هم الذين يقعون مورداً لاستحقاق العذاب الإلهيّ، لا مطلقهم.

وفي روايةٍ أخرى، عن محمد بن أبي عمير قال: سمعتُ الإمام الكاظم× يقول: «لا يُخلِّد الله في النار إلاّ أهل الكفر والجحود…»([60]).

وحيث إن الإمام× يربط الخلود في العذاب الإلهي في هذه الرواية بالكفر والجحود فإن هذا يدلّ على أن مراد الإمام هو الكفر عن تقصيرٍ وعناد؛ بمعنى أن الكفر في القرآن الكريم وأخبار الأئمّة المعصومين^ إنما يُطلق على الجحود والإنكار والتَّبَعية للهوى؛ حيث يوجب التقصير في الكفر وعدم الإسلام، وحيث يشمل العذاب واللعنة الإلهية هذه الطائفة من الكفّار، وليس عدم الإسلام الناجم عن قصورٍ وجهلٍ؛ إذ كما سبق أن ذكرنا فإن العذاب والخلود فيه بسبب الكفر عن قصورٍ وجهلٍ لا يتناسب مع عدالة الله سبحانه وتعالى.

الكفّار بين القصور والتقصير

أـ كلام المحقِّق الكلباسي الإصفهاني (رحمه الله)

ما أروع وأجمل كلام صاحب حديقة الأصول، في حاشيته على كتاب القوانين للميرزا القمّي، في ذيل قانون «عدم جواز التقليد في أصول الدين»؛ إذ يقول: «بل نقول: يظهر من لفظ الكافر أنه المقصِّر؛ فيكون القاصر خلاف الظاهر، وخلاف المتبادر من هذا اللفظ؛ فيكون محكوماً بعدم إرادته منه. ووجه الظهور أن الكافر مشتقٌّ من الكفر، بمعنى الستر، وهو فعلٌ اختياري صادر عن قَصْدٍ وشعور، فلا بُدَّ أن يكون المراد من الكافر مَنْ يكون كفره كذلك، ولا يكون ذلك إلاّ كفر المقصِّر، لا القاصر؛ فإن كفر القاصر انكفارٌ لا كفر؛ نظير: الفرق بين الاستتار والستر، والانجعال والجعل، والانكسار والكسر، فتدبَّرْ»([61]).

ب ـ كلام السيد الخميني (رحمه الله)

قال السيد الخميني في هذا الشأن: «لأن أكثرهم ـ إلاّ ما قلّ وندر ـ جُهّالٌ قاصرون، لا مقصِّرون؛ أما عوامُّهم فظاهرٌ؛ لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم، بل هم قاطعون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب، نظير عوامّ المسلمين، فكما أن عوامّنا عالمون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب، من غير انقداح خلافٍ في أذهانهم؛ لأجل التلقين والنشوء في محيط الإسلام، كذلك عوامهم، من غير فرقٍ بينهما من هذه الجهة. والقاطع معذورٌ في متابعة قطعه، ولا يكون عاصياً وآثماً، ولا تصحّ عقوبته في متابعته… وأما غير عوامّهم فالغالب فيهم أنه بواسطة التلقينات من أوّل الطفولة والنشوء في محيط الكفر صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة، بحيث كلّما ورد على خلافها ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ من بدوّ نشوئهم… فالعالم اليهودي والنصراني كالعالم المسلم، لا يرى حجّةَ الغير صحيحةً، وصار بطلانها كالضروريّ له؛ لكون صحّة مذهبه ضروريةً لديه، لا يحتمل خلافه. نعم، فيهم مَنْ يكون مقصِّراً لو احتمل خلاف مذهبه وترك النظر إلى حجّته؛ عناداً أو تعصُّباً، كما في بدوّ الإسلام في علماء اليهود والنصارى مَنْ كان كذلك… وبالجملة: إن الكفّار كجُهّال المسلمين؛ منهم قاصرٌ ـ وهم الغالب ـ؛ ومنهم مقصِّرٌ. والتكاليف أصولاً وفروعاً مشتركةٌ بين جميع المكلَّفين، عالمهم وجاهلهم، قاصرهم ومقصِّرهم. والكفّار معاقبون على الأصول والفروع، لكنْ مع قيام الحجّة عليهم، لا مطلقاً. فكما أن كون المسلمين معاقبين على الفروع ليس معناه أنهم معاقبون عليها سواء كانوا قاصرين أم مقصِّرين، كذلك الكفّار طابق النعل بالنعل؛ بحكم العقل وأصول العَدْلية»([62]).

ج ـ كلام الشهيد المطهَّري (رحمه الله)

قال الشيخ الشهيد مرتضى المطهَّري في هذا الشأن: «نحن عندما نقول: إن فلاناً مسلمٌ أو غيرُ مسلمٍ لا ننظر إلى واقع الأمر. فمن الناحية الجغرافية نطلق على الأشخاص الذين يعيشون في منطقةٍ، وصاروا بحكم التقليد والوراثة عن آبائهم وأمّهاتهم مسلمين، عنوان المسلمين، وأما الأشخاص الآخرون الذين عاشوا ضمن جغرافيّةٍ أخرى، وصاروا أتباعاً لدينٍ آخر؛ بحكم تقليدهم لآبائهم وأمّهاتهم، أو لم يعتنقوا ديناً أصلاً، فنطلق عليهم عنوان غير المسلمين.

لا بُدَّ من العلم بأن هذه الناحية لا تنطوي على أهمّيةٍ، لا من حيث الانتساب إلى الإسلام، ولا من حيث الانتساب إلى الكفر. إن الكثير منّا من المسلمين على مستوى التقليد والجغرافيا؛ بمعنى أننا مسلمون لأننا وُلدنا من أبوَيْن مسلمين، وقد ترعرعنا وعشنا في منطقةٍ يقطنها المسلمون. إن الذي يحظى بالقيمة في الواقع هو الإسلام الحقيقي، وهو الذي يكون فيه الشخص مستسلماً للحقّ والحقيقة قلباً وقالباً، والذي يفتح قلبه للحقيقة؛ ليؤمن بما هو حقٌّ ويعمل به، وإن الإسلام الذي آمن به إنما اعتنقه على أساس البحث والتحقيق من جهةٍ، وعلى أساس التسليم وعدم العصبية من ناحيةٍ أخرى.

فلو كان الشخص متّصفاً بالتسليم، وبقي الإسلام خافياً عليه لسببٍ وآخر، ولم يكن مقصِّراً في ذلك، فإن الله لا يعذِّبه أبداً، وسوف يكون بمنجىً من عذاب الجحيم»([63]).

وقال في موضعٍ آخر: «يرى حكماء الإسلام ـ من أمثال: ابن سينا، وصدر المتألِّهين ـ أن أكثر الناس الذين لا يعترفون بالحقيقة إنما هم قاصرون، وغير مقصِّرين؛ فإن هؤلاء إذا لم يكونوا يؤمنون بالله لا يستحقّون العذاب، وفي الوقت نفسه لا يستحقّون النعيم أيضاً، وإنْ كانوا يؤمنون بالله والمعاد ويعملون الصالحات قربةً إلى الله سوف يحصلون على جزاء إحسانهم. ولا يشقى سوى المقصِّرين، دون القاصرين»([64]).

وفي كتاب (الحقّ والباطل) قال: «لو نظرْتُمْ إلى هذه المسيحية المحرَّفة، وذهبتُمْ إلى القرى والمدن المسيحية، هل ستعتبرون كلّ كاهنٍ شخصاً فاسداً ولئيماً؟! أستطيع الجَزْم بأن ما بين سبعين إلى ثمانين بالمئة من هؤلاء هم أناسٌ صالحون مؤمنون أتقياء مخلصون، وطالما علَّموا الناس الصدق والتقوى والطهر باسم السيد المسيح، وليس لهم أيّ تقصيرٍ في ذلك؛ وعليه فإنهم يستحقّون الجنّة، وحتّى كاهنهم يدخل الجنّة أيضاً. إذن يجب التمييز والفصل بين رجال الدين المسيحيين الفاسدين وبين أكثرية المبشِّرين وأتباع السيد المسيح»([65]).

الكرامة الذاتيّة للبشر

بالإضافة إلى ما تقدَّم، لا يمكن اعتبار هذا النوع من الأحكام منسجماً مع أصل الكرامة الذاتية للإنسان؛ وذلك لأن الإسلام يرى أن هناك قيمةً لأصل وذات جميع الناس، وأن العقيدة والمذهب وسائر الاتجاهات الفكرية من عوارض ذلك، وكما أن اللون والعِرْق والقومية والغنى والفقر وما إلى ذلك لا يوجب أفضليةً وامتيازاً، كذلك العقيدة والمذهب لا يستوجبان أفضليةً وامتيازاً في أيّ شيءٍ، ناهيك عن الأحكام.

كيف يمكن نسبة هذا الأمر إلى الإسلام الحنيف، والحال أن الله سبحانه وتعالى قد تحدَّث في القرآن الكريم عن كرامة جميع الناس بشكلٍ صريح، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 70)؟!

كما ورد هذا المعنى في الروايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين^، ومنها: الرواية القائلة: «الناس كأسنان المشط سواء»([66]).

وما إلى ذلك من الموارد الأخرى التي سنتعرَّض لها في ما يأتي.

التعامل مع غير المسلمين في الروايات

هناك الكثير من الروايات التي تشتمل على حثّ الأئمّة المعصومين^ أصحابهم وأتباعهم إلى التعامل مع الآخرين بأسلوبٍ حَسَن؛ كي يؤدّي هذا التعامل إلى ترغيبهم وتشجيعهم على اعتناق المذهب الحقّ، وبذلك تنفتح لهم آفاق المعرفة، والتعرُّف بعد ذلك على واقع وحقيقة الأئمّة الكرام^.

فقد ورد في المأثور عن الإمام الصادق× أنه خاطب شيعته قائلاً: «كونوا دعاةً للناس بالخير بغير ألسنتكم؛ ليروا منكم الاجتهاد والصدق والوَرَع»([67]).

وفي روايةٍ أخرى عن الإمام الصادق× أنه قال لجماعةٍ من الشيعة: «كونوا لنا زَيْناً، ولا تكونوا علينا شَيْناً، قولوا للناس حُسْناً، واحفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول وقبح القول»([68]).

وكذلك في روايةٍ عن الإمام الصادق× أنه قال في مقام النصح والإرشاد: «كونوا لنا زَيْناً، ولا تكونوا علينا شَيْناً، حبِّبونا إلى الناس ولا تبغِّضونا إليهم، فجُرُّوا إلينا كلّ مودّةٍ، وادفعوا عنا كلّ شرٍّ…، الحديث»([69]).

من الواضح جدّاً أن الأئمّة الأطهار^ قد طلبوا في هذه الروايات من شيعتهم أن يعملوا بهذه التعاليم في تعاملهم مع المختلفين معهم في المذهب، بمعنى أنك عندما تتعامل مع شخصٍ غير شيعيٍّ أو غير مسلمٍ عليك أن تتعامل معه بشكلٍ تكون معه زينةً وفَخْراً ورفعةً لشأن أئمتنا، لا أن تكون سبباً في التنفير منهم وكراهتهم. وقد طلب الإمام الصادق× من أتباعه وشيعته أن يقوموا بكلّ ما يوجب زيادة محبّتهم ومودّتهم بين المختلفين، وأن يجتنبوا ويبتعدوا عن كلّ ما من شأنه أن يبغِّض بهم. ومن هنا فقد طلبوا منهم أن يتعاملوا مع المختلف معاملةً حسنة، وأن يرفقوا لهم في القول، وأن يجتنبوا فضول الكلام أو الحديث معهم بسوءٍ؛ كي يرَوْا في سلوكهم أمارات السعي والاجتهاد (في التديّن) والصدق والتقوى في العمل.

لماذا نقول: هذا ما أوصى به الأئمّة الأطهار شيعتهم في تعاملهم مع المختلفين معهم في الدين والمذهب؟

إنما نقول ذلك أوّلاً: لأن هذه الروايات بأجمعها قد استعملَتْ لفظ «الناس»، وبشكلٍ عامّ فإن هذا التعبير عندما يتمّ استعماله يُراد به المخالفين للشيعة أو مطلق الناس، الأعمّ من المسلمين وغيرهم.

وثانياً: إن الإمام الصادق× قال في الرواية الأخيرة: «حبِّبونا إلى الناس، ولا تبغِّضونا إليهم». ومن الطبيعيّ أن الأئمّة الأطهار^ كانوا محبوبين من قِبَل أصحابهم، ولم يكن الأصحاب يبغضونهم، بل إن المخالفين هم الذي يحتاجون إلى أن نستجلب مودّتهم ومحبّتهم، وأن نمحو من أذهانهم ما يُنْسَب إلى الأئمّة باطلاً.

يتّضح ممّا ذكرناه أنه لا شَكَّ في أن القول بجواز غيبة المخالفين وغير المسلمين لن يؤدّي إلى زيادة محبّة المخالف للأئمّة الأطهار^، بل يؤدّي إلى بُغْضهم ووَهْنهم وكراهتهم للأئمّة؛ إذ عندما يشاهد أتباع سائر المذاهب والأديان أن أئمّة دينٍ ومذهب ما يجيزون شتمهم وهَتْك عرضهم والإساءة إليهم سوف يمتعضون منهم ويبغضونهم بطبيعة الحال، وهذا يقع إلى الضدّ تماماً من توجيهات الأئمّة المعصومين^ لشيعتهم. ولا شَكَّ في أن موارد من قبيل: الغيبة والسبّ والاتّهام من المصاديق البارزة والتامّة لفضول الكلام وقبيح القول وعدم ضبط اللسان، وقد ورد النهي من قِبَل الأئمّة الأطهار^ عن جميع هذه الموارد بشكلٍ مطلق، ولا سيَّما في التعاطي والتعامل مع المختلفين في الدين والمذهب.

نماذج عمليّة من تعامل المعصومين (عليهم السلام) مع المخالفين وغير المسلمين

كيف يمكن لنا أن نقبل بمثل هذا الحكم في حين أن هناك الكثير من الروايات المأثورة عن السيرة العمليّة للأئمّة المعصومين^ في تعاملهم مع المخالفين وأتباع سائر الأديان، وهي تختلف بالكامل عن مثل هذه الممارسات، وتتناقض مع القول بجواز غيبتهم. وفي ما يلي نذكر بعض النماذج في هذا الشأن:

جاء في المأثور: «مرّ شيخٌ مكفوف يسأل، فقال أمير المؤمنين×: ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، نصرانيٌّ، فقال أمير المؤمنين×: استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه؟! أنفقوا عليه من بيت المال»([70]).

وعليه من غير المقبول القول: إن أئمّة الدين^، الذين يُبْدون مثل هذه الحساسية تجاه المشاكل المادّية لغير المسلم، ويأمرون بالإنفاق عليه من بيت المال، يحكمون في الوقت نفسه بجواز هَتْك حيثيّته وعِرْضه. بل إن نفس هذا الاهتمام من قِبَل الإمام بهذا الشخص النصرانيّ يأتي في إطار الحفاظ على كرامته وسمعته وعرضه.

وكذلك ورد عن الإمام عليّ× أنه عندما سمع بعض أصحابه يشتم معاوية وأصحابه في حرب صفّين، قال: «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتُمْ أعمالهم وذكرتُمْ حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العُذْر، وقلتُمْ مكان سبّكم إيّاهم: اللهمّ احقِنْ دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهْدِهم من ضلالتهم؛ حتّى يعرف الحقَّ مَنْ جهله»([71]).

عندما يتعامل أمير المؤمنين× مع الذين يحاربونه ويشهرون بوجهه السيف بمثل هذا التعامل المترفِّع، ولا يسمح لأصحابه بالتعرُّض إلى حيثيّتهم وسمعتهم، فمن البديهيّ أن يبدي اهتماماً أكبر بحيثيّة وسمعة وكرامة أولئك الذين يختلفون عنّا في مجرّد الانتماء الدينيّ والمذهبيّ، وهو الانتماء الذي يكون سببه القصور والجهل، دون العناد والتعصّب.

هل يمكن للأئمّة ـ الذين لا يرَوْن ملامةً على الذي يموت كَمَداً من المسلمين، وهو يرى اعتداءً من قبل المغيرين على يهوديّةٍ يسلبونها قرطها أو خلخالها ـ أن يقبلوا بالتعرُّض إلى حيثية وكرامة المختلف في الدين والمذهب بسبب قصوره وجهله، وهم غير الشيعة وغير المسلمين الذين لا يبدون في تشبُّثهم بدينهم وعقيدتهم عداوةً وعناداً؟!

قال الإمام عليّ×: «ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهَدة، فينزع حجلها وقُلبها وقلائدها ورُعُثها، ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام، ثمّ انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كَلَمٌ، ولا أُريق لهم دَمٌ، فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا أَسَفاً ما كان به مَلُوماً، بل كان به عندي جديراً»([72]).

يرى الإمام عليّ× أن مجرّد اتصاف الإنسان بالإنسانية يكفي لحصانته على مستوى احترام سمعته وشخصيته وضمان كرامته وعدم إهدار حقّه، فقد ورد عنه أنه قال في عهده إلى مالك الأشتر النخعي: «وأَشْعِرْ قلبك الرحمة للرعيّة، والمحبّة لهم، واللطف بهم…؛ فإنهم صنفان: إما أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق»([73]).

لا شَكَّ في أن الأمر بالرحمة والمحبّة واللطف بنظائرنا في الإنسانية لا ينسجم مع القول بجواز غيبتهم وبيان عيوبهم ممّا يُعَدّ نوعاً من الظلم، ويجب لذلك أن نجد محملاً آخر لتلك الروايات التي توهم جواز غيبة المخالف.

وفي ما يلي نعرض عليكم روايةً تبيِّن السيرة العملية للأئمّة^ في التعامل مع أتباع الأديان الأخرى: روى الإمام الصادق×، عن آبائه^، قال: «إن أمير المؤمنين× صاحَبَ رجلاً ذمّياً، فقال له الذمّي: أين تريد يا أبا عبد الله؟ قال×: أريد الكوفة، فلمّا عدل الطريق بالذمّي عدل معه أمير المؤمنين× ـ إلى أن قال: ـ فقال الذمّي: لِمَ عدلْتَ معي؟ فقال له أمير المؤمنين×: هذا من تمام الصُحْبة أن يُشيِّع الرجل صاحبه هنيئةً إذا فارقه، وكذلك أمَرَنا نبيُّنا…، الحديث. وفيه أن الذمّي أسلم لذلك»([74]).

أين عظمة هذه النفس وسعة هذه الروح التي يتمتَّع بها الأئمّة الأطهار^ ممّا يُنسب إليهم من الحكم بجواز الغيبة والسبّ وأمثال هذه الأحكام؟!

يمكن العثور على نماذج كثيرةٍ أخرى من هذه الروايات. وهي تشكِّل تحدّياً أمام القول بأحكامٍ من قبيل: جواز غيبة وسبّ المخالف وما إلى ذلك. بل إذا تأمَّلنا فيها فسوف تأخذ بنا إلى موقعٍ آخر، هو الأنسب مع روح الرأفة والرحمة الإسلامية.

وفي الختام يخطر إلى الذهن سؤالٌ. وإن الإجابة عنه بعد شيءٍ من التدقيق تدعو إلى التأمُّل: لو كنّا نعيش ضمن مجتمعٍ مؤلَّف من مختلف الأديان والفِرَق والمذاهب، وقلنا بجواز غيبة المختلف، ألن يؤدّي ذلك إلى ضرب الهَدَف والغاية الأصلية التي جاء بها النبيّ الأكرم|، وهو الهَدَف المتمثِّل بإرساء دعائم الأخلاق الفردية والاجتماعية، وذلك لأننا بذلك نعمل من جهةٍ على إشاعة الفحشاء والمنكر في المجتمع، الذي هو بحاجةٍ إلى الحفاظ على السِّلْم الأهلي والمجتمعي؟!

إننا في الحقيقة نعمل بذلك على ضرب الهدوء، ونساعد في إيجاد سوء الظنّ وعدم الوثوق ببعضنا، وبذلك سوف يختلّ نظام المجتمع. ومن ناحيةٍ أخرى فإن سلوكنا هذا يؤدّي بالآخر إلى مواجهتنا بالمثل، وسوف يؤدّي ذلك في المقابل إلى هَتْك حرمتنا وحيثيّتنا وكرامتنا بحقٍّ وباطل.

النتيجة

بعد الدراسة الدقيقة والمتأنِّية، والنظرة الجديدة إلى الآيات والروايات، بعيداً عن العصبيّات والمركوزات الذهنية، نصل إلى نتيجةٍ مفادها: إن أدلّة حرمة الغيبة تشمل جميع الناس. وإن الأدلّة التي تقصر حرمة الغيبة على الشيعة الإمامية الاثني عشرية فقط غيرُ تامّةٍ.

وعلى هذا الأساس فإن غيبةَ جميع الناس ـ الأعمّ من الشيعة وغير الشيعة، والمسلمين وغير المسلمين، بل الكفّار أيضاً ما دام اعتقادهم عن قصورٍ وجهلٍ ـ حرامٌ.

وبطبيعة الحال فإن المسلمين من غير الشيعة والكفّار إذا كانوا مقصِّرين أو جاحدين ومنكرين في اعتقادهم، أو ناصبونا العداء والعناد، لا يكونون مشمولين لحكم عدم الحرمة، وبذلك تكون غيبتهم جائزةً.

الهوامش

(*) أحد مراجع التقليد الراحلين، تلميذ الإمام الخميني والسيد البروجردي، والعضو السابق في مجلس خبراء القيادة. كانت له آراءٌ فقهيّة عديدة مخالفةٌ لمشهور العلماء، ولا سيَّما في فقه المرأة.

([1]) انظر: الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 8: 78، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم.

([2]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 379، دار الكتب الإسلامية، طهران.

([3]) انظر: الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 8: 76.

([4]) انظر: البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 18: 148، مؤسسة النشر الإسلامي.

([5]) النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 22: 62 ـ 63، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

([6]) «ثمّ إن ّ ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن؛ فيجوز اغتياب المخالف، كما يجوز لعنه. وتوهّم عموم الآية ـ كبعض الروايات ـ لمطلق المسلم مدفوعٌ بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم، وعدم جريان أحكام الإسلام عليهم». (الخميني، كتاب المكاسب المحرّمة 1: 319، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني).

([7]) الخميني، المكاسب المحرمة 1: 379.

([8]) انظر: الخوئي، مصباح الفقاهة (المكاسب) 1: 504 ـ 505.

([9]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 12: 279، كتاب الحجّ، الباب 152 من أبواب أحكام العِشْرة، ح1 و2 و3 و4 و5، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم.

([10]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 279، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، ح2.

([11]) المصدر السابق: 280، ح7.

([12]) المصدر السابق: 280، ح8.

([13]) المصدر السابق: 283، ح16.

([14]) النوري، مستدرك الوسائل 9: 121، كتاب الحجّ، الباب 132من أبواب أحكام العشرة، ح31، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم.

([15]) المصدر السابق 9: 114، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة، ح8.

([16]) انظر: الصدوق، الخصال 1: 63، مؤسسة النشر الإسلامي.

([17]) انظر: الصدوق، علل الشرائع 2: 557، مؤسسة داوري، قم.

([18]) النوري، مستدرك الوسائل 9: 118، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة، ح21.

([19]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 280، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة، ح9.

([20]) انظر على سبيل المثال: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 278، الباب 154 من أبواب أحكام العشرة، ح3 و6 و7؛ والباب 152، ح16؛ النوري، مستدرك الوسائل 9: 113، الباب 134 من أبواب أحكام العشرة، ح3 و9 و13 و15 و22 و30 و31 و32 و33.

([21]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 15: 82، كتاب الجهاد، الباب 26 من أبواب جهاد العدوّ، ح10.

([22]) الخميني، المكاسب المحرّمة 1: 378.

([23]) انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 29: 30، كتاب القصاص، الباب 9 من أبواب القصاص في النفس، ح1 و2 و3.

([24]) المصدر السابق 12: 278، الباب 152من أبواب أحكام العشرة، ح1.

([25]) الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 8: 76 ـ 78.

([26]) البحراني، الحدائق الناضرة 18: 148.

([27]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 353، كتاب الحدود، الباب 10 من أبواب حدّ المرتد، ح48.

([28]) المصدر السابق، ح49.

([29]) الكليني، الكافي 1: 188، ح12، دار الكتب الإسلامية، طهران.

([30]) المصدر السابق 2: 409، باب في صنوف أهل الخلاف… وأهل البلدان، ح3.

([31]) المصدر السابق 2: 410، باب في صنوف أهل الخلاف… وأهل البلدان، ح4.

([32]) الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 8: 78.

([33]) البحراني، الحدائق الناضرة 18: 155.

([34]) المصدر السابق: 157.

([35]) انظر: ابن إدريس الحلّي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 3: 583، مؤسسة النشر الإسلامي؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 29: 133، الباب 68 من أبواب قصاص النفس، ح4.

([36]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 29: 133، الباب 68 من أبواب قصاص النفس، ح3.

([37]) المصدر السابق، ح2.

([38]) البحراني، الحدائق الناضرة 18: 157 ـ 158.

([39]) الأنصاري، كتاب الطهارة 5: 146 ـ 147.

([40]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 258، ذيل الحديث: 1225.

([41]) البحراني، الحدائق الناضرة 18: 150.

([42]) الخوئي، مصباح الفقاهة (المكاسب): 323 ـ 324.

([43]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 16: 267، كتاب الأمر بالمعروف، الباب 39 من أبواب جهاد النفس، ح1.

([44]) المجلسي، مرآة العقول 11: 81.

([45]) الخوئي، مصباح الفقاهة (المكاسب) 1: 324.

([46]) انظر: المصدر السابق 1: 324.

([47]) الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 8: 78.

([48]) كما تقدّم هذا المعنى في صفحاتٍ سابقة.

([49]) الراغب الإصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن: 714، مادة «كفر».

([50]) ابن الأثير، النهاية 4: 187.

([51]) الفيومي، المصباح المنير 1 ـ 2: 535.

([52]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 5، 191، مادة «كفر».

([53]) الجوهري، الصحاح 2: 808، مادة «كفر».

([54]) وانظر أيضاً: الآيات 89 و90 من سورة البقرة، والآية 3 من سورة التوبة، والآيات رقم 37 و102 و140 من سورة النساء، والآية 4 من سورة يونس.

([55]) الكليني، الكافي 2: 27، ح1؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 354، ح50.

([56]) الكليني، الكافي 2: 387، ح15؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 1: 30، ح1.

([57]) الكليني، الكافي 2: 388، ح19؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 158، ح11.

([58]) الكليني، الكافي 2: 399، ح3؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 28: 356، ح56.

([59]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 432.

([60]) الصدوق، التوحيد: 407، ح6.

([61]) حديقة الأصول (تعليقة على قوانين الأصول) 2: 170.

([62]) الخميني، المكاسب المحرّمة 1: 200.

([63]) انظر: المطهَّري، الأعمال الكاملة 1: 293؛ العدل الإلهي: 269.

([64]) انظر: المطهَّري، الأعمال الكاملة 1: 342؛ العدل الإلهي: 318.

([65]) انظر: المطهَّري، الأعمال الكاملة 1: 439؛ الحقّ والباطل 1: 51.

([66]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 272.

([67]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 162، الباب 108 من أبواب أحكام العشرة، ح1.

([68]) المصدر السابق 12: 193، الباب 119 من أبواب أحكام العشرة، ح17.

([69]) المصدر السابق 12: 8، الباب 2 من أبواب أحكام العشرة، ح8.

([70]) المصدر السابق 15: 66، الباب 19 من أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه، ح1.

([71]) نهج البلاغة، الخطبة رقم 206، شرح: صبحي الصالح.

([72]) نهج البلاغة، الخطبة رقم 27.

([73]) نهج البلاغة، الخطبة رقم 53.

([74]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 12: 134، الباب 92 من أبواب أحكام العشرة، ح1.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً