الفكر الإسلامي المعاصر وتجدد النقاش حول الديمقراطية
زكي الميلاد
تجدد وتراكم النقاشات
النقاشات التي بدأت حول مسألة الإسلام والديموقراطية في تسعينيات القرن العشرين، لم تنقطع أو تتوقف مع ولوج القرن الحادي والعشرين، حيث ظلت وما زالت هذه النقاشات تستقطب الجدل والاهتمام في المجال العربي والإسلامي وحتى الدولي، فقد عقدت من أجلها العديد من الندوات والمؤتمرات، ونشرت حولها الكثير من المقالات والكتابات وبلغات مختلفة، وتطرقت إليها العديد من الكتب والمؤلفات الفكرية والسياسية، ونشأت لأجلها وتسمّت باسمها بعض مراكز الدراسات والبحوث المتخصصة للعناية بها.
وتكاد هذه النقاشات تجري اليوم في معظم المجتمعات العربية والإسلامية، من المغرب في أقصى الغرب إلى أندونيسيا في أقصى الشرق، ويشترك فيها شرائح واسعة ومتنوعة من النخب الفكرية والدينية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والتربوية، في محاولة من هؤلاء لدفع عملية التطور الديموقراطي في هذه المجتمعات، وتحسين نظم إدارة الدولة والمجتمع، سعياً وتطلعاً لتحقيق ما بات يُعرف اليوم في الأدبيات السياسية والقانونية بنظام الحكم الصالح أو الحكم الرشيد.
ولعل ما يفسر دينامية واتساع هذه النقاشات تلك الانبعاثات القوية والمؤثرة والمتزامنة لفكرة الأسلمة من جهة، وفكرة الدمقرطة من جهة أخرى، فكرة الأسلمة التي شهدت انبعاثاً واسعاً في المجتمعات العربية والإسلامية، وفكرة الدمقرطة التي شهدت انبعاثاً واسعاً أيضاً في مجتمعات أوروبا الشرقية، ودول البلقان وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، التي كانت خاضعة لأنظمة الحكم الشمولي.
وفي الوقت الذي كان يجري الحديث في المجتمعات الإسلامية عن صحوة إسلامية، كان يجري الحديث في مجتمعات المعسكر الشرقي عن صحوة ديمقراطية.
وكان لهاتين الصحوتين تأثيرات وامتدادات في واقع ومجريات السياسات الدولية، وفي واقع وحركة المجتمع الدولي، الذي ظل يتابع ويراقب عن كثب هذه التطورات التي غيرت وجهة المجتمعات التي حصلت فيها.
واستناداً إلى هاتين الظاهرتين جاء كتاب (الإسلام والديموقراطية)، الصادر باللغة الإنجليزية سنة 1996م، لمؤلفيه أستاذي التاريخ في جامعة جورج تاون الأمريكية الدكتور جون أسبوزيتو والدكتور جون فول، اللذين اعتبرا أن الانبعاث الديني وعملية الدمقرطة تُعدان من أهم التطورات التي حدثت في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، ومن الموضوعات الأكثر أهمية في شؤون العالم المعاصر، وأنهما يحددان إطاراً لأكثر القضايا حسماً في العالم الإسلامي المعاصر.
ويعد هذا الكتاب من المؤلفات المهمة التي حاولت استطلاع العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، من خلال دراسة تجارب ونماذج تنتمي إلى دول ومجتمعات عربية وإسلامية، آسيوية وأفريقية، شهدت تطورات هامة ومؤثرة في مجالي الأسلمة والدمقرطة، وهذه الدول والمجتمعات هي: إيران وباكستان وماليزيا ومصر والسودان والجزائر.
ومن المؤكد -في نظر المؤلفين- أن لهذا الطيف الواسع من التجارب تقديم نظرة مفيدة لفهم العلاقات المعقدة بين الإسلام والديمقراطية في العالم المعاصر .
ولهذا الغرض حاول المؤلفان مناقشة المصادر العامة المحتملة للديمقراطية في التجارب الإسلامية، ثم فحص كيف تستخدم الحركات الإسلامية هذه المصادر في ظروفها المختلفة، وبهذه الطريقة يصبح من الممكن في نظر المؤلفين التوصل إلى بعض التعميمات حول العلاقات بين الإسلام والديمقراطية.
هذا الكتاب على أهميته وقيمته الوصفية والتحليلية، الفكرية والسياسية، لا يمكن الوقوف عنده، وحصر الاستناد إليه في تكوين المعرفة بالعلاقات المعقدة بين الإسلام والديمقراطية، وذلك لأن التطورات التي جاءت بعد زمن صدور الكتاب سنة 1996م، كانت من الأهمية بدرجة أفقدته بعض مزاياه، ولم يعد مواكباً للتطورات التاريخية التالية، وما تمخضت عنها من تحولات وتجددات فكرية وسياسية غاية في الأهمية.
وقد أحدثت هذه التطورات فراغاً كبيراً في البنية المعرفية والتاريخية لهذا الكتاب، وكشفت عن نقص لا يمكن سده إلا بتجديد المواكبة المعرفية والتاريخية لهذه التطورات.
ولعل من أبرز التطورات التي حصلت بعد سنة 1996م، ظهرت في ثلاثة مجتمعات هي من أهم وأكبر مجتمعات العالم الإسلامي، وهذه التطورات هي:
أولاً: في سنة 1997م جرت انتخابات رئاسية هي الخامسة في إيران، أوصلت السيد محمد خاتمي -وبتأييد واسع- إلى رئاسة الدولة هناك، وهو السياسي والمثقف القادم من مكتبة طهران الوطنية حيث كان رئيساً لها في آخر منصب له.
الحدث الذي دشن عهداً سياسيًّا جديداً، وصفه البعض بمرحلة الخاتمية نسبة للرئيس خاتمي، وذلك لشدة مفارقاته السياسية والثقافية، المحلية والدولية. وقد اتخذ السيد خاتمي من المصالحة بين الدين والحرية شعاراً له ولعهده السياسي الجديد، وهو الشعار الذي طالما تحدث عنه، ولفت النظر إليه في خطاباته وأحاديثه قبل الانتخابات وبعدها، ومن أكثر كلماته دلالة قوله: «إن وضع الدين بوجه الحريات خسارة للدين والحريات معاً، وخدمة الدين هي أن نقول ونعتقد بأن الحريات والدين متلازمان، وأما إذا وضع التدين في تعارض مع الحريات، فإن التدين سيتحول إلى عقبة تمنع تقدم البشرية».
ولتكوين المعرفة بهذه المرحلة ومفارقاتها السياسية والثقافية يمكن الرجوع إلى كتاب الكاتب المتخصص في الشؤون الإيرانية السيد محمد صادق الحسيني، والذي يتجلى من عنوانه (الخاتمية.. المصالحة بين الدين والحرية) الصادر في بيروت سنة 1999م.
ثانياً: في سنة 1998م دخلت أندونيسيا أكبر دولة إسلامية عصراً سياسيًّا جديداً منفتحاً على التغيير والديمقراطية مع نهاية حكم سوهارتو الطويل، وفي سنة 1999م جرت انتخابات برلمانية، وخلال فترة قصيرة تشكَّلت الكثير من الأحزاب السياسية التي قاربت المائة، وظهرت العديد من الجماعات الإسلامية المعتدلة والمتشددة، الوضع الذي فتح معه نقاشات موسعة ولأول مرة تحصل في أندونيسيا حول الإسلام والديمقراطية على المستويين النظري والواقعي.
وهذا ما كشفت عنه العديد من المؤلفات والدراسات التي تناولت هذه القضية بالذات، وبدرجة عالية من الاهتمام، لكتّاب وباحثين غربيين وأندونيسيين، منها كتاب (الإسلام المدني.. المسلمون والديمقراطية في أندونيسيا) لمؤلفه روبرت هفنر، صدر عن جامعة برنستون الأمريكية سنة 2000م، وكتاب (أندونيسيا.. الإسلام والديمقراطية الديناميكية في المحيط العالمي) لمؤلفه الأندونيسي الدكتور ازيوماردي آزورا، صدر سنة 2006م، ودراسة (الإسلام السياسي والديمقراطية في أندونيسيا.. التحديات والفرص) للدكتور شافعي أنور مدير المركز الدولي للإسلام والتعددية في أندونيسيا.
ثالثاً: في سنة 2002م وصل حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان إلى رئاسة الحكومة والبرلمان في تركيا، الحدث الذي أدهش العالم، وأدهش تركيا نفسها، ومثّل علامة تحوّل مهمة لعلها الأهم في تاريخ تركيا منذ قيامها سنة 1923م.
وقد وجد البعض أن هذا التحول سيؤدي إلى تغيير وجه تركيا ووجهتها السياسية والثقافية، وهناك من استعمل تسمية شديدة الدلالة في التعبير عن هذا التحول وتوصيفه بعودة العثمانية من جديد إلى تركيا، وكأن تركيا تنقلب على نفسها، وترتد على حاضرها، وترجع إلى هويتها الأولى.
وحين تحدث أردوغان عن الهدف الذي سعى لأجله حدده بقوله: هدفنا يتلخص في إقامة بلد لخدمة نموذج يُظهر كيف بإمكان الإسلام التعايش مع الديمقراطية، وأنا مصمم على تحقيق ذلك، وعلى أن يكون هذا النموذج ناضجاً، وسنواصل جهادنا لتجسيد هذا الهدف.
وبهذا النموذج تكون تركيا قد قدمت تجربة مهمة في التناغم بين الإسلام والديمقراطية، وهي التجربة التي لفتت الانتباه بشدة، وتركز عليها الاهتمام بصورة كبيرة، واعتنت بها الكتابات السياسية، وباتت تعرف بالنموذج الإسلامي التركي المعتدل، وهناك من طالب بتعميم هذا النموذج لاعتداله وديناميته وتفوقه.
والاهتمام الفائق بهذا النموذج يرجع إلى ثلاثة عوامل أساسية ومترابطة، هي:
أولاً: كون أن تركيا البلد المعروف بعلمانيته المفرطة والمتشددة، والمحمية من الجيش والمؤسسة العسكرية التي تحرسها وتراقبها وتدافع عنها.
ثانياً: النجاحات الاقتصادية التي حققها هذا النموذج، وساهمت في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية هناك، وهذا الجانب الاقتصادي كان يمثل اختباراً حقيقيًّا وميدانيًّا، والنجاحات التي تحققت هي التي ضمنت بقاء هذا النموذج واستمراريته في إدارة الحكومة رغم توجّس الطبقة السياسية، وحذر المؤسسة العسكرية.
ثالثاً: توازن السياسات المزدوجة، بين الانفتاح السياسي على الغرب وأوروبا من جهة، والانفتاح السياسي على العرب والعالم الإسلامي من جهة أخرى.
وبفضل هذا النموذج استعادت تركيا حضورها ومكانتها السياسية المفقودة في العالم الإسلامي، وهي اليوم أكثر مقبولية من أي وقت مضى.
لا شك في أن هذه التطورات المهمة في هذه المجتمعات الفاعلة والكبيرة والمؤثرة، تؤكد أن العالم الإسلامي بحاجة إلى دراسات مسحية واستطلاعية جديدة، لتفسير وتحليل ديناميات تطور العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، تماثل وتتجاوز المحاولة المشتركة لجون أسبوزيتو وجون فول في كتابهما (الإسلام والديمقراطية).
مفارقات في ديناميات التطور
هناك مفارقات لافتة في ديناميات تطور العلاقة بين الإسلام والديمقراطية في المجالين العربي من جهة، والإسلامي غير العربي من جهة أخرى، بحيث يمكن القول: إننا كلما ابتعدنا عن المجال العربي وجدنا نمطاً ومساراً مختلفاً ومغايراً في ديناميات تطور هذه العلاقة، هو أكثر نضجاً وتقدماً من النمط والمسار السائد في المجال العربي.
وتتكشف هذه الملاحظة بالإشارة إلى ثلاث مفارقات أساسية، هي:
أولاً: في المجال العربي كان الجدل والنقاش وما زال حول الإسلام والديمقراطية، يتحدد بصورة رئيسية ويتركز حول العلاقة بين الشورى والديمقراطية، وبطريقة يغلب عليها الجدل النظري المتحيز أيديولوجيًّا من جهة، والمفتقر للعمق المعرفي من جهة أخرى.
والأقوال المتداولة في هذا الشأن، باتت متكررة ومعروفة لكثرة الحديث عنها، وتعيد إنتاج نفسها كما هي أو بصور مختلفة، فهناك من ينحاز إلى الشورى ويرفض الديمقراطية أو يتحفظ عليها، إلى جانب من ينحاز إلى الديمقراطية ويرفض الشورى أو يتحفظ عليها. وهناك من يرى إمكانية الجمع بين الشورى والديمقراطية، إلى جانب من لا يرى إمكانية الجمع بينهما. وهناك من يرى ديمقراطية في الشورى، إلى جانب من لا يرى ديمقراطية في الشورى، وهناك من يرى أن الشورى ملزمة، إلى جانب من يرى أنها معلِّمة.
إلى غير ذلك من أقوال لا تقدم ولا تؤخر، وكان يفترض أن تكون من مخلفات الماضي وعفا عليها الزمن، وتلاشت واضمحلت، لأنها لا تحرك ساكناً، ولا تغير واقعاً، ولا تقدّم حلًّا، ولا تعالج مشكلة.
ومتى ما ابتعدنا عن المجال العربي تغير هذا النمط من الجدل النظري العقيم، إلى نمط ومسار آخر بعيداً عن المطارحة أو المفاضلة بين الشورى والديمقراطية، إلى البحث عن إمكانية التوافق والتناسب والتكيف بين الدين والديمقراطية، على قاعدة التمسك بالديمقراطية وليس رفضها أو التشكيك فيها.
ثانياً: إن الأصوات التي ارتفعت عالياً في رفض الديمقراطية ومقتها وتصويرها بأشد الأوصاف تنكيراً، واعتبارها كفراً ومنكراً واستلاباً وعصياناً لأمر الله سبحانه، وخروجاً على هدي الدين وشريعته، إلى غير ذلك من نعوت وأوصاف بالغة الذم والتنكير؛ هذه الأصوات الصاخبة إنما ظهرت وعُرفت وارتفعت نبرتها بشكل أساسي في المجال العربي، ومتى ما ابتعدنا عن هذا المجال إلى المجال الإسلامي غير العربي خفّت هذه الأصوات، وهدأت نبرتها، وكادت تختفي وتتلاشى، وإذا وجدت فإنها لا تحظى بالوزن الذي هي عليه في المجال العربي.
ويذكر أن الشيخ يوسف القرضاوي حين ذهب إلى الجزائر ليشرف على الجامعة الإسلامية هناك، فوجئ بأن السؤال حول العلاقة بين الديمقراطية والكفر يلاحقه حيثما ذهب في الجامعة، أو المساجد، أو الملتقيات العامة، وأصبح هذا السؤال ملحاً عليه، وانتظر إلى أن تلقَّى سؤالاً مفصلاً من أحد الجزائريين يستفتيه عن هذه العلاقة، بحجة أن الديمقراطية تعني حكم الشعب، بينما الإسلام يدعو إلى حكم الله، فأجابه بشكل مفصل في فتوى شرعية أجاز فيها الديمقراطية شرعاً، وفند علاقتها بالكفر، وضم هذه الفتوى لاحقاً إلى الجزء الثاني من كتابه (فتاوى معاصرة) .
وحساسية هذه الأصوات المنافية للديمقراطية أنها تقفل الحوار في وجه الديمقراطية، ولا تفتح هامشاً ممكناً ولا حتى ضيقاً للنظر في الديمقراطية، وخلقت مناخاً ملتبساً ومخيفاً أحياناً من الاقتراب تجاه الديمقراطية أو الانفتاح عليها.
ولا شك في أن هذه الأصوات بهذه الحدة والتشدد تعيق بشدة تطور العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، وكونها ظهرت وعُرفت أكثر في المجال العربي، فهذا يعني أن البيئة الثقافية في المجتمعات العربية هي أشد تأزماً من المجتمعات الإسلامية الأخرى التي لم تظهر فيها مثل هذه الأصوات، أو بهذه الشدة.
ثالثاً: لا يمكن القياس أو المقارنة بين ديناميات تطور الديمقراطية والحياة السياسية في المجال العربي، وفي المجال الإسلامي غير العربي. وهذا ما تؤكده وتبرهن عليه الحقائق والوقائع الفعلية، وما يدركه ويعرفه من قريب أو بعيد المراقبون والمتابعون للشؤون السياسية والديمقراطية، وما تشير إليه وتتحدث عنه التقارير والدراسات المسحية والاستطلاعية المتخصصة والمعنية بمراقبة الديمقراطية والتطور الديمقراطي في العالم.
وحسب هذه التقارير والدراسات الدورية وغير الدورية فإن العالم العربي دائماً ما يصنف على الدول الأقل تطوراً في مجال الديمقراطية، والأشد جموداً في الانفتاح السياسي، ودائماً ما تكون الدلائل والمؤشرات في هذا الشأن غير مشجعة، ويكفي للدلالة على ذلك أن الرؤساء الذين يتغيرون في الدول الإسلامية غير العربية، فإنهم لا يتغيرون في الدول العربية.
والذي لا شك فيه أن النقاشات حول الديمقراطية في الدول والمجتمعات التي تشهد تطوراً ديمقراطيًّا، وتقدماً سياسيًّا، يختلف قطعاً وبدرجة كبيرة من حيث النضج والأفق، عن النقاشات التي تجري في الدول والمجتمعات المتعثرة ديمقراطيًّا، والمتراجعة سياسيًّا.
وهذا ما وجدته وتحدثت عنه النخب الفكرية والسياسية في أندونيسيا، حين خرجت أندونيسيا من مرحلة الجمود والانغلاق السياسي إلى مرحلة التطور والانفتاح السياسي بعد حكم سوهارتو، حيث ازدهرت وتراكمت النقاشات بصورة كبيرة حول الديمقراطية وحول العلاقة بين الإسلام والديمقراطية.
وفي هذا الشأن يقول أستاذ التاريخ الدكتور ازوماردي آزورا: «بعد سقوط حكم سوهارتو عادت المناقشات والنزاعات حول العلاقات ما بين الإسلام والديمقراطية إلى الطليعة ثانيةً على المستويين النظري والواقعي للسياسة الأندونيسية» .
ويذهب إلى هذا الرأي أيضاً الدكتور شافعي أنور الذي يرى أن عام 1998م وما تبع ذلك من تحول أندونيسيا نحو الديمقراطية، شكّل متنفساً جديداً نحو الجدال حول الموازنة بين الإسلام والديمقراطية في أندونيسيا .
وفي وقت سابق نقل الشيخ رشيد رضا عن عبد الرحمن الكواكبي حينما وصل سرًّا إلى القاهرة سنة 1899م، قوله: إن الإنسان يتجرأ أن يقول ويكتب في بلاد الحرية ما لا يتجرأ عليه في بلاد الاستبداد، وإن بلاد الحرية تولّد في الذهن من الأفكار والآراء ما لا يتولد في غيرها .
لهذه المفارقات النظرية والموضوعية فإن النقاشات التي تجري اليوم حول الإسلام والديمقراطية في المجال الإسلامي غير العربي هي أكثر نضجاً وتجدداً وانفتاحاً، من النقاشات التي تجري في المجال العربي، الأمر الذي يستدعي الانفتاح والتواصل مع تلك النقاشات، وجعلها رافداً فكريًّا ومعرفيًّا لتجديد وتطوير النقاشات السائدة في المجال العربي.
الديمقراطية الدينية.. تصورات في التأسيس
إن استعمال وتداول مفهوم الديمقراطية الدينية مثّل خطوة متقدمة في تطور علاقة الفكر الإسلامي بفكرة الديمقراطية، والمفهوم بهذه الصيغة التركيبية يختلف من حيث البنية والطبيعة والسياق عن الصيغة التجزيئية التي تجعل الدين والديمقراطية متقابلان، بمعنى أن الحقل الدلالي لمفهوم الديمقراطية الدينية يختلف عن الحقل الدلالي لمفهوم الدين والديمقراطية أو الديمقراطية والدين.
ومفهوم الديمقراطية الدينية جاء حصيلة النقاشات والتجددات المستمرة والمتراكمة من جهة، ونتيجة الخبرات والتجارب العملية والموضوعية من جهة أخرى، ويمكن لهذا المفهوم أن يضع حدًّا لثلاثة التباسات ظلت تحوم حول فكرة الديمقراطية، وحول علاقتها بالدين، وبشكل يعيق إمكانية تطورها في ساحة الفكر الإسلامي، وهذه الالتباسات هي:
أولاً: نقض المقولة التي تصور علاقة التلازم بين الديمقراطية والعلمانية، التلازم الذي يضع العلمانية شرطاً لوجود الديمقراطية وتطورها، وبوجودها توجد الديمقراطية، وبغيابها تنتفي الديمقراطية.
وبناء على هذا التصور فإن الديمقراطية تنشأ وتزدهر في المجتمعات العلمانية والتي تطبق العلمانية كالمجتمعات الأوروبية وما يماثلها، وتتعطل وتفشل في المجتمعات غير العلمانية والتي لا تطبق العلمانية كالمجتمعات الإسلامية وما يماثلها.
وبالتالي فإن الدعوة إلى الديمقراطية ينبغي أن تتلازم ولا تنفصل عن العلمانية بوصفها شرطاً وجوديًّا لتحققها وبقائها وازدهارها.
هذا ما حاول الترويج له بعض العلمانيين في خطوة منهم لكي يتملكوا الديمقراطية لأنفسهم، ويجعلوها حقًّا وامتيازاً لهم، وحتى يتفاخروا بها، ويقطعوا الطريق على الفكر الديني الإسلامي من الاقتراب منها، والتفاعل معها، وتسجيل بعض النقاط عليه لإحراجه ومحاصرته.
وجاء مفهوم الديمقراطية الدينية لنقض هذا التصور، ووضعه في دائرة الشك، وتفكيك التلازم الوهمي أو الأيديولوجي المزعوم والمصطنع بين الديمقراطية والعلمانية، والذي يتلاشى بمجرد القول بالديمقراطية الدينية.
ثانياً: نقض الالتباسات التي تحوم حول العلاقة بين الدين والديمقراطية، وقطع الطريق على الذين ظلوا يعترضون ويشككون في إمكانية أن يكون للدين دور وتأثير في بناء وازدهار الديمقراطية، وسلب هذه الإمكانية من الدين لتعطيل دوره وقدرته الاجتهادية الفعّالة، متأثرين من التجربة الأوروبية، وواقعين تحت ضغطها وهيمنتها، وهي التجربة التي من الخطأ الفكري والتاريخي قياس المجتمعات العربية والإسلامية عليها.
ومفهوم الديمقراطية الدينية جاء ليثبت العلاقة بين الدين والديمقراطية، ويغير سياقات النقاش من إمكانية هذه العلاقة إلى فعليتها، واعتبار النقاش حول إمكانية العلاقة إنما يعبر عن سياق من الماضي، ولا ينبغي الانشغال به طويلاً.
ثالثاً: إن هذا المفهوم جاء لكي يلفت النظر إلى نمط الديمقراطية الذي ينسجم ويتناغم مع طبيعة المجتمعات الإسلامية، التي يمثل الدين المكوّن التاريخي لهويتها وشخصيتها، والجامع لوحدتها وكيانها، بمعنى أن المجتمعات الدينية بحاجة إلى ديمقراطية دينية، كما هو حال المجتمعات الإسلامية.
وعند النظر في مفهوم الديمقراطية الدينية يمكن القول: إن أهم المحاولات التأسيسية لهذا المفهوم جرت في ساحة الفكر الإسلامي في إيران بين النخب الفكرية والدينية والأكاديمية هناك، التي فتحت نقاشات ثرية ومعمقة حول هذا المفهوم، وتناولته بعناية واهتمام فحصاً وتحليلاً وتفسيراً، لهويته وطبيعته وتركيبته، مستندين في ذلك إلى تجربة مجتمعهم في الديمقراطية، والتي يصفونها بالديمقراطية الدينية.
وحين جمع الدكتور توفيق السيف بعض الكتابات لعدد من المفكرين والأكاديميين الإيرانيين الذين ناقشوا مفهوم الديمقراطية الدينية، وجد أن هذه الكتابات تمثل إضافة هامة للفكر الإسلامي المعاصر، وحسب ظنه أنها تجاوزت فعلاً مستوى النقاش السائد بين الإسلاميين العرب، من زاوية تفحُّصِها لنقاط الجدل والإشكالات، ومن زاوية الحلول والمعالجات المقترحة.
ومن بين هذه الكتابات يمكن الإشارة إلى ثلاثة تصورات هي تلك التي حاولت التأسيس لمفهوم الديمقراطية الدينية فحصاً وتحليلاً وتركيباً، هذه التصورات هي:
التصور الأول
أشار إلى هذا التصور الدكتور محسن كديور الأستاذ في الحوزة والجامعة في قم وطهران، ومهّد له بالقول: إن «مفهوم الديمقراطية الدينية أو الإسلامية واحد من المفاهيم التأسيسية في الفكر السياسي للإسلام المعاصر لاسيما في إيران. وبالنظر إلى حداثة المفهوم فإنه يحتاج إلى إيضاح أبعاده ومبانيه وما يترتب عليه من انعكاسات، طمعاً في تحديد القواسم المشتركة بينه وبين المفاهيم السياسية الأخرى، وخطوط التمايز التي تفصله عنها» .
وفي تحديده الإطار العام المقارن لمفهوم الديمقراطية الإسلامية، يرى الدكتور كديور أن هذا المفهوم هو «عنوان لنظام سياسي يناظر النماذج الأخرى للديمقراطية، مثل الديمقراطية الليبرالية، الديمقراطية الاجتماعية أو الاشتراكية، المسيحية، المباشرة… إلخ. وهو يشاركها في بعض الخصائص، ويتمايز عنها في خصائص أخرى. ويستحق كل واحد من هذه النماذج اسم الديمقراطية تبعاً لتوفر منظومة خاصة من المباني والمبادئ والمعايير التي تحدد كيفية عمل النظام السياسي، هذه المنظومة هي صفة مشتركة بين جميع الديمقراطيات على اختلاف أنواعها. ثمة إضافة إلى ذلك خصائص يمتاز بها كل نموذج ديمقراطي عن النماذج المماثلة، هي انعكاس للهموم أو الخصائص الثقافية والاجتماعية للقطر الذي يطبق فيه هذا النظام. من هنا فإن فهم الديمقراطية الإسلامية يتوقف على وضوح المشتركات التي تجمعها مع الديمقراطيات الأخرى من جهة، ووضوح الخواص التي تتميز بها عنها» .
وهناك فرضيتان في نظر الدكتور كديور ينطلق منهما مركب مفهوم الديمقراطية الدينية، وبهما تتضح حدود هذا المفهوم، والملامح التي تميزه عن غيره من النماذج، وهاتان الفرضيتان هما:
الفرضية الأولى: تتعلق بالتمايز بين الدين والديمقراطية، بمعنى يجب ألَّا نتوهم أن الديمقراطية هي عين الدين، أو أن الدين هو عين الديمقراطية. والفرق بينهما أن الديمقراطية هي نظام عمل قابل للاشتغال في نطاق خاص هو الإدارة السياسية للمجتمع، في حين أن الدين هو منظومة قيم يمكن أن تكون مضموناً لمختلف جوانب الحياة، بما فيها النظام السياسي الديمقراطي.
ورغم هذا التمايز فإن الدين والديمقراطية ليسا متنافرين، بل يتمتع كل منهما بقابلية للتوافق مع الآخر. مع الالتفات إلى أن دعوى التوافق هذه تفترض قراءة معينة للدين، لأن هناك قراءات واجتهادات في الدين تتعارض مع الديمقراطية.
من جهة أخرى، أن التوافق بين الدين والديمقراطية لا يقود بالضرورة إلى ديمقراطية دينية، بمعنى أن الديمقراطية الدينية هي مقولة يتجاوز مداها ومتطلباتها وانعكاساتها مجرد التوافق بين الدين والديمقراطية.
الفرضية الثانية: تتعلق بالتمايز بين الديمقراطية الدينية وديمقراطية المتدينين، بمعنى لو أن مجتمعاً متديناً تبنى الآليات الديمقراطية لإدارة أموره العامة من دون أن يضيف أي عنصر جديد على أصول أو مباني أو معايير نموذج الحكم الديمقراطي المتعارف في العالم، فإن نظام الحكم الناتج يمكن وصفه بديمقراطية المتدينين.
في حين أن الديمقراطية الدينية هي مقولة تتجاوز مفهوم ديمقراطية المتدينين، وذلك لأن وصف الديني في هذا المفهوم هو وصف للديمقراطية وليس المجتمع الذي يتبناها.
أي أن الديمقراطية الدينية هي نوع من أنواع الديمقراطية، يضيف إلى مفهوم الديمقراطية الأصلي لوناً ورائحة إسلاميين، ويزيد في هذا المفهوم أو ينقص منه بعض المباني والمعايير بالرجوع إلى الثقافة الإسلامية. وبالتالي فإن المفهوم الجديد قد يوسع بعض جوانب المفهوم الأصلي، أو يضيق بعضها الآخر كي تتطابق مع مبادئ وضرورات الشريعة الإسلامية.
وبصورة أوضح أن ديمقراطية المتدينين هي نموذج يتضمن آليات عمل ديمقراطية محايدة وفارغة من المضمون القيمي الديني، يتبناها مجتمع مسلم أو متدين. أما الديمقراطية الدينية، فهي نموذج يتضمن آليات عمل ديمقراطية، كما ينطوي في الوقت نفسه على منظومات قيمية ومعايير مستمدة من الشريعة الإسلامية، ويتبناه أيضاً المجتمع المسلم أو المتدين .
والرأي الذي يرتضيه الدكتور كديور يعبر عنه بقوله إن: «الديمقراطية الإسلامية هي نظام للحياة السياسية للمسلمين في العالم الحديث، وليس المراد من نسبتها إلى الإسلام استنباطها من الكتاب والسنة، بل الإشارة إلى أنها منهج عقلاني لا يتنافى مع قيم الإسلام، وأنها وسيلة يمكن للمسلمين الأخذ بها لتنظيم حياتهم، وأن الفكر الإسلامي قادر على توفير المباني الفلسفية للديمقراطية الدينية» .
التصور الثاني
أشار إلى هذا التصور الدكتور محمد مجتهد شبستري الأستاذ بجامعة طهران، وحسب رأيه أنه يمكن تصور معنيين للوصف الديني في مفهوم الديمقراطية الدينية، هما:
المعنى الأول: إن الديمقراطية الدينية هي إطار يضم في داخله منظومة من القيم الدينية، أي أن المحتوى القيمي والأخلاقي للديمقراطية هو امتداد للنص الديني أو للتجربة الدينية.
وهذا يعني أن وصف الديني هو قيد للديمقراطية وليس شرحاً عليها، وبالتالي فإن أهمية الديمقراطية أو قيمتها تنبع من كونها تكليفاً دينيًّا، وأن قبول المؤمن بها راجع إلى ورودها في النص الديني أو ارتباطها بالتجربة الدينية.
المعنى الثاني: إن الديمقراطية الدينية هي الديمقراطية ذاتها المعروفة في العالم من دون أن نتدخل أو نغير في مفهومها. أي أنها غير مستنبطة من النص الديني، وليست موضوعاً للاجتهاد والاستنباط على النحو المتعارف اليوم في الحوزة العلمية وغيرها من مجامع العلم الشرعي. مفاد هذا القول أنه لا يمكن الحصول على قيم الديمقراطية في الكتاب والسنة أو سيرة المعصومين، ولا يمكن تأسيس شرعيتها أو معياريتها على هذا الأساس. وبالتالي فإن الاقتناع بها أو التعويل عليها لا يستند إلى آية في القرآن أو رواية من المأثورات أو عملاً مسجلاً كسيرة للمعصوم.
وفي رأي الدكتور شبستري أن المعنى الثاني هو الصحيح، لكن يجب الانتباه في نظره إلى أن عدم الإشارة إلى القيم الديمقراطية في التراث الديني، لا يعني أبداً أنها مقولة باطلة أو مضادة للدين.
وحين يشرح الدكتور شبستري هذا الرأي الذي يختاره يقول: إن الديمقراطية لم تكن سؤالاً مطروحاً في الزمن الذي نعتبره مرجعيًّا أي زمن حضور المعصوم، ونعلم أيضاً أن مجتمع المسلمين لم يتعرض خلال العصور السابقة التي يرجع إليها في دراسة النصوص الدينية، إلى تلك التحولات التي أثَّرت في وعي الإنسان، وأثمرت ظهور قيم الديمقراطية.
يضاف إلى ذلك، أننا نعيش اليوم في عالم جديد، ولدت فيه الكثير من المفاهيم الجديدة، وتغيرت فيه الكثير من المفاهيم المعروفة سابقاً، وعلينا أن نسعى لفهم هذه المفاهيم الجديدة ونقدها وتنسيجها في نظامنا الثقافي. أما البحث عن نظائرها في كتب التراث أو في تجربة المسلمين الأوائل، فهو عمل لا طائل تحته، لأنها بذاتها لم تكن موجودة، أو أن موضوعاتها لم تكن مطروحة فيما سبق .
وقد وجد الدكتور شبستري أن هذا الموقف يعترضه سؤال هو: كيف نتصور ديمقراطية دينية دون أن يكون لها مرجعية في النص الديني؟
وجوابه عن هذا السؤال يستند إلى ما يسميه التفسير العقلاني للدين من جهة، والعودة من جهة أخرى إلى القيم الدينية وإلى روح الدين، للبرهنة على أنه لا يوجد تعارض بين الدين والديمقراطية.
والملاحظة التي تستدعي النقاش في هذا التصور، تتحدد في اعتبار أن قيم الديمقراطية لم تكن معروفة في الثقافة الإسلامية والتراث الديني الإسلامي، وفي تجربة المسلمين الأولى، فهذا القول لا يمكن التسليم به، مع تسليمنا أن كلمة الديمقراطية لم تكن معروفة في الثقافة الإسلامية لأنها لم تكن كلمة عربية ومتداولة في اللسان العربي، وهي كلمة يونانية في الأصل، لكن إذا اعتبرنا أن المساواة وحقوق الإنسان ورضا الشعب، والعودة إلى الأمة، والالتزام بالقانون، ونبذ العنف، ورفض استعمال القوة، والركون إلى السلم والحوار والتسامح، والعفو بين الناس، هي قيم الديمقراطية، فإن هذه القيم هي في صلب النص الديني الإسلامي، الذي يُعلي من شأنها بطريقة لا يجاريه نص وضعي آخر.
التصور الثالث:
أشار إلى هذا التصور الدكتور علي بايا أستاذ الفلسفة في جامعة العلَّامة الطباطبائي في طهران، حيث يرى أن مفهوم الديمقراطية الدينية ينطلق من خلفية أن الديمقراطية من جهة هي عبارة عن وسيلة عمل بحتة مثل ماكينة آلية تؤدي وظائف محددة، ومن جهة أخرى فإن هذه الماكينة قد تحمل معها قيماً يضيفها أعضاء الجماعة إليها كي تبدو على صورة معينة، أو تخدم غرضاً معيناً.
ومن هذه الزاوية يمكن تصور نماذج متعددة من الديمقراطية تتمايز عن بعضها من جهتين، من جهة وظيفية بحتة بالنظر لكونها أداة محايدة، ومن جهة قيمية بالنظر لكونها تحمل أو تستهدف تجسيد قيم معينة. ولهذا يمكن الحديث عن ديمقراطيات ليبرالية، أو ديمقراطيات اجتماعية، أو ديمقراطية ليبرتارية شمولية وما إلى ذلك.
وبناء على هذا التحليل فإن الديمقراطية الدينية تشترك من حيث وظائفها الأساسية مع النماذج الأخرى للديمقراطية، لكنها تتمايز عنها من جهة القيم التي تضيفها الجماعة المنتسبة إليها.
والملاحظة التي يتوقف عندها الدكتور بايا هي أن وصف الدينية الملحق بمفهوم الديمقراطية، لا يعني – حسب قوله – نقل مكون قدسي إلى هذا المبنى المركب، بمعنى أن مفهوم الديمقراطية الدينية ليس فيه أي شيء مقدس، لأن الوصف لا يشير في حقيقة الأمر إلى الأجزاء الأساسية التي يتكوّن منها الدين الإسلامي، بل يشير إلى إمكانية تصميم نماذج من الديمقراطية يعتمد فيها على القراءات العديدة للدين الإسلامي كمصدر محتمل للقيم التي يحملها النموذج.
هذه ثلاثة تصورات تأسيسية لمفهوم الديمقراطية الدينية، بإمكانها أن تفتح نقاشات موسعة، وتراكم التجديد والتطوير في رؤية وعلاقة الفكر الإسلامي بفكرة الديمقراطية.
نقلاً عن موقع: الكلمة الإلكتروني.