أحدث المقالات

بنية المقالة العقائديّة في المسيحيّة والإسلام:

منهجيّة علم اللاهوت وعلم الكلام أنموذجا

 محمد فوزي المهاجر

    

حظيت ظاهريّة الفكر العقائدي في المسيحيّة والإسلام، باهتمام الكثير من الدارسين والباحثين، وهو شيء لا يثير أيّ استغراب. فآليّات حركة الفكر العقدي في المسيحيّة والإسلام لا تخرج فاعليّتها عن مجموعات اللاهوتيّين في المسيحيّة والمتكلّمين في الإسلام.  فعلم اللاهوت المسيحي، وعلم الكلام الإسلامي يعدّان من أكثر العلوم الدينيّة التي تعنى بعرض ودراسة المقالات العقديّة في كلّ من المسيحيّة والإسلام، ثمّ الذود عنها.

ومن الملاحظ أيضا أنّه يغلب على هذه الدراسات التي خصّصت لهذين العلمين النزعة التأريخيّة الاستعراضيّة أو الجداليّة. لذلك فإنّنا نروم من خلال هذا العمل توخّي وجهة مغايرة كليّا أو جزئيّا لما قدّم في السابق، لأنّها تحاول رصد منهجيّة هذين العلمين عبر إرجاعهما إلى طبيعة المفاهيم الأساسيّة التي ترتكز عليها بنية النسق العقدي لكلّ علم، دون بتره عن سياقه التاريخي – السياسي – الإيديولوجي.

علما بأنّه لا يمكن فهم منهج علم اللاهوت المسيحي وعلم الكلام الإسلامي، إلاّ بواسطة النظر إلى نسقهما الفكري في وحدته غير مجزّئ، أي النظر في كلّ علم منهما كنسق متكامل وموحّد. أي بتعبير آخر، لا يمكن فهم منهجيّتهما إلاّ في إطارهما كإشكاليّة أفرزت مفاهيم أساسيّة، نعتبرها الركائز التي يقوم عليها النظام الفكري لكلّ علم في مختلف نواحيه.

لمثل هذا سنكون ملزمين منذ البداية بربط علم اللاهوت المسيحي وعلم الكلام الإسلامي، بالمناخ العقدي والفلسفي للمسيحيّة وللإسلام، وبالينابيع الثقافيّة التي غرفت منهما المجتمعات المسيحيّة والمسلمة، إذ لا يمكن فهم طبيعة هذين العلمين، إلاّ في ارتباطه بكلّ ذلك، أي إذا أدرك بالقرائن الفكريّة – الثقافيّة التي شهدت نشأتهما، وحدّدت منهجيّتهما.

وعليه، واستنادا إلى منهج علم الدين المقارن وتاريخ الأديان – الذي يهدف إلى تعريف الدارس للعقائد والأديان، بكلّ الظواهر المتعلقة بالدين – ننشد أفقا معرفيّا يطمح إلى دراسة هذه المسألة، عبر اعتماد ابستيمولوجيا العلوم الإنسانيّة التي تركّز على دراسة تطوّر الفكرة في علاقتها بالأنساق المحايثة لها في مجال الأدبيّات الدينية – الثقافيّة عامّة. إنّه من المناهج التي تعنى بعرض المقالات الدينيّة، ثمّ مقارنتها بغيرها من المقالات المخالفة في الأصل. فهو يفرّق بين الإيديولوجيّات عند النقاد والدارسين، وبين الروايات التي احتوتها الكتب المقدّسة.

فمهمّتنا إذن ليست مجرّد نظر في ارتباط بعض القضايا اللاهوتيّة والكلاميّة ببعض، ولا مجرّد عرض لآراء، إنّما كانت أيضا مهمّة نظر داخل المنهج الذي مرّ به اللاهوت المسيحي، وعلم الكلام الإسلامي في معنى تلك الإشكاليّات – ذات العلاقة بالآخر – التي عالجاها، وفي مداها الثقافي الخاصّ داخل التنظيم الذي تناول "العلم الديني" في كلّ من المسيحيّة والإسلام.

إنّنا نرمي من خلال هذا العمل إلى استئناف النظر إلى خصائص المنهج اللاهوتي المسيحي، والكلامي الإسلامي، من خلال إعادة بناء النسق الفكري لكلّ علم اعتمادا على الإشكاليّات التي تمحور حولها خطابهما العقدي. وليس الغرض تأكيد تقاطع مواقف المسيحيّة من بعض القضايا العقائديّة الإسلاميّة ولا العكس فحسب، كما فعل جلّ الدارسين. بل القصد هو البحث عن الإشكاليّات المتوارية وراء النسق العقائدي للاهوت المسيحي والكلام الإسلامي، وهي التي حكمت خطابهما وحدّدت منهجيّتهما ومنحتهما سمات خاصّة، لا يمكن فهمها إلاّ في إطارها كإشكاليّات، وإبراز المفاهيم الأساسيّة التي تستند إليها هاته الأخيرة، التي مدّت اللاهوت المسيحي والكلام الإسلامي بأسسه النظريّة المعرفيّة.

وسعيا وراء تحقيق تلك الغاية– وكما أسلفنا – اعتمدنا أسلوب التحليل المعرفي (الإبستيمولوجي) الرامي إلى الكشف عن طبيعة المفاهيم الأساسيّة التي يرتكز عليها النسق الفكري لكلّ علم، وشروط انبثاقها وإمكانها والتي هي شروط عقائديّة معرفيّة نظريّة ذات صلة بتطوّر المجتمعين المسيحي والإسلامي.

وإنّنا لا نسعى عبر هذه القراءة لمنهج: علم اللاهوت المسيحيّ وعلم الكلام الإسلامي، قراءة ابستيمولوجيّة "معرفة في النظريّة" وبترهما عن سياقهما التاريخيّين ووشائجهما الثقافيّة الإيديولوجيّة، فليس من الممكن فصل "النظري" عن "العملي" ولا "الثقافي" عن "العقائدي" في تاريخ الفكر الديني المسيحي والإسلامي. لأنّنا سنظلّ في منأى عن إدراك النسق العقدي للمسيحيّة والإسلام، ما لم ننظر إليه في إطار الإشكاليّة الفكريّة الثقافيّة العامّة التي أملتها الملابسات التاريخيّة للديانتين.

إنّنا لا نهدف إلى الوقوف عند حدود إبراز مقاصد اللاهوتيّين المسيحيّين والمتكلمين المسلمين، بل نروم تعدّي ذلك لكشف الإشكاليّة المؤسّسة لفكرهم ولمواقفهم من الديانة المغايرة، من أجل انتقادها من خلال آليّاتها الذهنيّة. يتعلق الأمر إذن بالنظر في بنية اللاهوت المسيحي وعلم الكلام الإسلامي، من خلال نقد مسالك اللاهوتيّين والمتكلمين للوقوف على حقيقة هذه المناهج، وبيان مدى حرصها على المحافظة للدين عن هويّته، وللفكر والمنطق الفلسفي الذي استندتا إليه عن هويّتهما أيضا.

إنّا نواجه في المسيحيّة والإسلام على حدّ سواء، منهجين دينيّين يمكن أن نطلق على كلتيهما "علم العقائد" لأنّهما يعالجان أمورا متعلقة بالله، وحقائق أخرى متعلقة بالإيمان. ويبدو أنّهما وإن تعارضتا فقد إلتقتا إن قليلا أو كثيرا، كما يبرزه خطّهما البياني التاريخي.

نشأ علم الكلام الإسلامي حول القرآن متصلا به اتصالا حيويّا، ولم يلتقي بالفلسفة والمنطق إلاّ بعد ذلك، أي بعد أن قام التفكير في رسالته الدينيّة أوّلا. في حين أنّ علم اللاهوت المسيحي قد انتهج منهجا مخالفا، إذ أنّ المسيحيّة كما هو معلوم قد اختمرت وتطوّرت في البيئة الإغريقيّة الرومانيّة. فأقامت حسابا للفلسفة واهتمّت بكلّ الفكر السائد في بيئتها.

إذن جابه الفكر الإسلامي منذ النشأة الأولى لعلم الكلام كلّ العقائد والأفكار المناوئة لعقيدته. واستعان بعديد المناهج الفكريّة الأخرى وخاصّة الفلسفة والمنطق اليونانيّين. ويبدو أنّ المتكلمين كانوا يريدون صياغة معتقداتهم صياغة فكريّة تمكّنهم من مواجهة الأديان التي غزاها الإسلام، ومن ثمّ فإنّ منهجيّة علم الكلام إنّما تلتمس من موضوعات الخلاف بين الإسلام وما واجهه من أديان في البلدان المفتوحة. كما تعدّ ردود المتكلّمين المسلمين على أهل الكتاب/اليهود والمسيحيين، وغيرهم من أصحاب الممل والنحل الأخرى سببا هامّا في إثارة عديد الإشكاليّات الكلاميّة الإسلاميّة، وانتهاج عديد المناهج التي تمكنهم من الذود عن العقيدة.

لقد جابه متكلموا الإسلام آنذاك انقسام اللاهوت المسيحي آنذاك على نفسه إلى قسمين: واحد شرقي، نسطوري يعقوبي، وصف بكونه منطويا على ذاته في موقف دفاعي، ضدّ الآخر عامّة، وآخر غربي، بيزنطي، تواصلت فيه الأبحاث النظريّة، وكان بالتالي لكلّ قسم خصوصياته ومناهجه، وأدواته.

ومهما يكن من أمر التأثيرات المتبادلة، هناك تقابل حاصل بين الفكرين العقديين المسيحي والإسلامي، يستدعي توضيح المدى الثقافي الذي تنطوي عليه كلّ من المنهجيتين، لأنّ ذلك من شأنه أن يزيدنا عمقا لدى تفهّمنا للآليّات التي إلتزمها منهج علم الكلام الإسلامي (وخاصّة عند الأشاعرة المتقدّمين منهم) من جهة، الذي وإن استند إلى أدوات أهل الشريعة، وخاصّة المدوّنة الفقهيّة في عرضه للقواعد العقديّة، فقد توخّى منهجا كلاميّا/جداليّا خاصّا في منافحته عن جلّ القواعد العقائديّة المتعلّقة بالتوحيد (رؤية الله، وصفاته تعالى، وخاصيّة القرآن أقديم أم محدث؟)، والقدر وأفعال العباد، والأخرويّات، ثمّ الخلافة. فجاء هذا المنهج ملائما لآليّات المقولات المعارضة ومتناغما مع منهجها. في حين استند المتأخّرون منهم إلى القياس الأرسطي، للمنافحة عن هذه العقيدة.

أما علم اللاهوت المسيحي الذي وإن استند إلى المنهج الفلسفي – الإشراقي، فإنّ وظيفته – كما يرى القديس توما الإكويني (1225 – 1274 م) – لم تكن دفاعيّة، – كما هو الشأن بالنسبة لعلم الكلام الإسلامي – بقدر ما هي وظيفة إشراقيّة (تتعلق بالمقدّسات). لقد استند إلى المنهج التأويلي، الذي استعاره "بولس الرسول" مؤسّس الكاثوليكيّة إلى علم اللاهوت المسيحي، من اليهوديّة، بعد أن اكتشف أنّ استمراريّة مصداقيّة النصّ المقدّس تقتضي تأويلا عصريّا له، فكان منهجا باطنيّا – تأويليّا.

وإنّنا لن نورد في هذا ملخّصا لتاريخ الفكر الديني المسيحي والإسلامي، ولن نسرد مواقف علم اللاهوت تجّاه الإسلام بأسرها، ولا مواقف علم الكلام تجاه المسيحيّة. بل سنقتصر على ذكر بعض الأسماء والأحداث التي امتازت عن سواها، مبرزين حقيقة الخصام الجدلي المسيحي الإسلامي،  وعلاقته بالتوافق المنهجي اللاهوتي – الكلامي من جهة أخرى !   

وما من شكّ أنّ إدراك بنية العقليّة العقديّة للمسيحيّين ثمّ المسلمين من الباطن يمرّ حتما عبر دراسة علم اللاهوت بالنسبة للمسيحيّين وعلم الكلام بالنسبة للمسلمين، انطلاقا من بعض النصوص المدرسيّة الأصليّة الكبرى المستخدمة في العلمين المذكورين.

صحيح أنّنا في محاولتنا هذه لا يمكننا أن نأتي على جميع التعليم اللاهوتي والكلامي، لأنّ طرح بنية المقالة العقديّة في علم اللاهوت المسيحي وعلم الكلام الإسلامي يحيلان على تتبّع المفهومات المستخدمة في هذه الحقول المعرفيّة. لذلك لم يكن بدّ من متابعة عمل منهجي، فما عسى أن يكون علم اللاهوت المسيحي وعلم الكلام الإسلامي ؟ وما علاقة منهجهما بآليّات الحقول المعرفيّة الأخرى ؟ وما طبيعة العلاقة القائمة بين منهجيّتهما؟

 

I – في علم اللاهوت المسيحي:

لاهوت Théologie/theology  ، هو علم المسائل الدينيّة، إنّه "يقوم أساسا على النصوص المقدّسة والعقائد والتقليد". فهو "بحث لاهوتيّ يتناول جانبا معيّنا من جوانب العقيدة أو الأخلاق إلخ.. وهناك اللاهوت الكتابيّ (Scripturaire نسبة إلى الأسفار المقدّسة)  والوضعي والأساسيّ والكرازي(1) والرعويّ(2) ". (3)

وعلم اللاهوت بالمعنى المتواطئ عليه منذ القرن الثالث عشر للميلاد، أو ما يصطلح عليه بعلم اللاهوتيّات، التي تدرك على مستوى ما فوق الطبيعة، يعنى بـ"توضيح مسلّمات الوحي بعقل أشرق الإيمان فيه".(4) أما الإصطلاح: "ثيولوجيا" Théologie فبعد "أن كان قد احتفظ مدّة بمعناه الوثني، لم يلبث أن تبرّء منه، لدى الآباء اليونانييّن، ولا شكّ أنّ الأمر قد تمّ عندهم بأسرع ممّا اتفق له أن يتمّ لدى الآباء اللاتين. ولقد مهّد اكليمنضوس ولا سيما أوريجينوس الذي اتخذ علم اللاهوت بمعنى مشاهدة العالم الإلاهي. ثم أطلقه أوريزيبيوس القيصري بلا تردّد على علم الله الحقّ، لا بمعنى أنّه علم بالذات له منهجيّة منظمة، بل بقي الاصطلاح مقاربا للمعنى الذي ينطوي عليه في أصوله اللغويّة. فدلّ على "علم الكلام في الله، باعتبار الله في ذاته واحدا في ثلاثة".(5)

وبتأمّلنا في عوامل نشأة علم الكلام الإسلامي، يمكننا ملاحظة أنّ المسلمين قد جابهوا منذ بدايتهم لاهوتا نصرانيّا منقسما على نفسه إلى ثلاثة اتّجاهات كبرى،(6) بالإضافة إلى فرق صغيرة. وكانت الاختلافات بين الملكانيّة(7)  واليعاقبة(8)  والنساطرة(9)  دقيقة شديدة التعقيد. (10) من جهة أخرى كانت الكنيسة اليونانيّة في القرن الثامن للميلاد/الأوّل للهجرة، ضحيّة "الهرطقة" والإنشقاق بين النساطرة (11) واليعاقبة(12).

ورغم انقسام اللاهوت المسيحي آنذاك على نفسه إلى قسمين:

– قسم شرقي: نسطوري يعقوبي، وصف بكونه منطويا على ذاته في موقف دفاعي، ضدّ الآخر عامّة، من كنيسة كاثوليكيّة، ومسلمين وغيرهم.

– قسم غربي: بيزنطي، تواصلت فيه الأبحاث النظريّة، بغضّ النظر عن الانشقاقات القائمة بين الكنيستين الشرقيّة والغربيّة/النسطوريّة – اليعقوبيّة والكاثوليكيّة، فنهض عبره علم اللاهوت في الغرب اللاتيني، ولا سيما في علاقته بالفكر التومستي. (13)

فقد أصبح علم اللاهوت المنفذ الذي منه تدرك معرفة الله في ذاته. ولا سيما في آثار "ديونيزيوس المنحول"، فشاعت الاصطلاحات: "العلم التصوّفي باللاهوت"، و"العلم التأويلي باللاهوت"، و"العلم السلبي باللاهوت" إلخ… ولا يبدو العلم السلبي باللاهوت موقفا منهجيّا فحسب، بل موقفا عقديّا يرتبط بتأليف "الأريوباجيتي" كله، أي ذلك "الدخول في الظلمة الإلاهيّة التي دلنا "غريغوريوس النيسي" على الطريق إليها..". (14)  إنّه يتعلق بقراءة التاريخ الباطني، الذي يقوم على الدّلالات الروحيّة للوقائع والأحداث التي يحكيها الكتاب المقدّس، وتؤكّدها تأويلات آباء الكنيسة.

 

1 – منهجيّة علم اللاهوت المسيحي:

إنّ النظام العقلي الذي ساد القرون الأولى من التاريخ الميلادي كان "أساسه الشعور بقطيعة بين التربية المتوسّطة المتاحة للنّاس كافّة وبين الحياة الدينيّة التي لا وصول إليها إلاّ بطرائق تكاد لا تمتّ بصلة إلى مران العقل العادي، سواء أكانت هي التربية الخلقيّة الرواقيّة(15) أم الحدس الأفلوطيني(16) أم الإيمان المسيحي بالوحي والتنزيل.

لم تكن المسيحيّة بحال من الأحوال هي صانعة هذا النظام، بل قبلت به على أنّه أمر واقع. (…). يبقى أن نرى إلى أيّ حدّ نستطيع القول أنّ المسيحيّة جدّدت رؤيتنا للكون. ومن الخطأ أن نخلط هنا بين المسيحيّة ذاتها وبين التأويل الذي أوّلت به بعد تصرم قرون عديدة. فالمسيحيّة في بداياتها لم تكن تأمليّة على الإطلاق، بل كانت مجهودا للتآزر الروحي والمادي معا في أوساط الجماعات المؤمنة. غير أنّ هذه الحياة الروحيّة لم تكن بادئ ذي بدء، وقفا على المسيحيّة، فالحاجة إلى حياة داخليّة وإلى استجماع النفس في التأمّل راودت العالم الإغريقي كلّه قبل زمن مديد من انتصار المسيحيّة. وقد ترجم وعي الخطيئة والذنب عن نفسه في صيغ شعبيّة لدى المؤرّخين أو الشعراء، وكانت عادة فحص الضمير والمشورة الروحيّة، التي هي بمثابة اعتراف حقيقي، قد راجت على نطاق واسع في مطالع التاريخ الميلادي." (17)

ومعلوم أنّ المسيحيّة قد ظهرت في زمن كان الفيلسوف فيه في روما يبشّر بالمذهب العقلي، في حين كان النبيّ عيسى عليه السلام يكرز في الجليل في أناس أميّين يجهلون كل شيء عن العلوم اليونانيّة وعن تصوّرها للعالم. لقد كان تعليم المسيح كما يبرزه "أميل برهييه" "يتعارض بمنتهى الجلاء مع الهيلينيّة،(18) بحكم الانعدام التامّ فيه لأيّة رؤية نظريّة مرتكزة إلى العقل، للكون، ولله.." .(19)  لذلك ستشهد هذه الحقبة أفول الفلسفة الصارخ التي "صرفت اهتمامها عن المشاغل السياسيّة لتصبّه على اكتشاف القواعد العامّة للسلوك البشري وعلى توجيه الضمائر. وسوف نشهد في فترة الأفول هذه، صعودا متدرّجا للديانات الشرقيّة وللمسيحيّة،.."(20)

كان اللاهوت المسيحي في الشرق على سبيل المثال، "وقفا على رجال الدين وعلى أصحاب المناصب والطبقة الرّاقية، فلا يشذّ عن تقاليد النزعة الأرستقراطية الهلينيّة، بينما كان الشعب يعيش على نصرانيّة من منزلة ثانية."(21) فهذا "أوسابيوس القيصري" (265 – 340 م) مثلا، يكثر في كتابه "التحضير الإنجيلي" – وكان غرضه منه إثبات كيف أنّ النصرانية قابلة للبرهان الواضح على صحّتها وليست موضوع إيمان أعمى – من الإستشهاد بالفلاسفة اليونانييّن ويورد مقتطفات مطوّلة من نصوصهم.." .(22)

لقد أخذ مسيحيّو الشرق من الفلسفة ولكنّهم تصرّفوا "فالمسألة التي طرحت في الخصومات والمناظرات التي دارت حول طبيعة الثالوث(23) بين آريوس(24) وأنصاره من القائلين بأنّ الإبن(25) من خلق الآب(26)  من جهة أولى، وبين مستقيمي العقيدة من أمثال القديس أثناسيوس والآباء القبادوقيّين الذين كانوا يقولون بطبيعة واحدة مشاركة في الجوهر(27) للأقانيم(28) الثلاثة من جهة أخرى، كانت غريبة تماما فيما يظهر عن الفلسفة، وحتى كلمات التوالد والإنبثاق التي استخدمها المسيحيّون للإشارة إلى علاقات الإبن أو الرّوح القدس(29) بالأب لم تحتفظ بتاتا بالمعنى الدقيق المحدّد الذي كان لها عند أفلاطون والأفلاطونييّن، ولو احتفظوا بهذا المعنى لما كان أمامهم مناص من الأخذ بمذهب الأريوسيّة لأنّ أحد المبادئ الأساسيّة والمطلقة للأفلاطونيّة المحدثة أنّ الموجود الذي ينبثق أدنى منزلة من الوجود الذي ينبثق عنه. (30) إلا أنّ عقيدة المسيحيّين في ألوهيّة المسيح وقفت حائلا دون اعتناق هذا المبدأ وفرضت آراء لا جذور لها في النظر الفلسفي.

لمثل هذا يؤكّد مؤرّخو البروتستنتيّة الأوائل للفلسفة "أنّ ذلك القسم المتعلق من اللاهوت المسيحي بأصول العقيدة الذي أقحمه على الإنجيل والقديس بولس في القرون الخمسة الأولى، وعلى الأخصّ التأمّلات حول طبيعة الكلمة وحول الثالوث، لم يكن إلاّ إضافة خطرة للنظر العقلي اليوناني على المأثور الأصلي." (31) فمفاهيم الفداء بعذابات الإنسان – الله(32) التي أسبغوها على المسيحيّة لم تكن معروفة بين النصارى أتباع عيسى الأوائل. وهو ما أدّى بالوثنيّين وقتها، وعلى رأسهم "قالسوس"(33)  إلى الدخول في نقاش جادّ مع المسيحيّين حول مدى واقعيّة قصّة صلب المسيح وقيامته. رغم "أنّ ما يفرّق بين الوثنيّين والمسيحيّين ليس مسألة منهج في النظر العقلي، وإنّما فقط الخضوع للعبادات الشرعيّة وعلى الأخصّ عبادة الإمبراطور؟"(34)

وبالعودة إلى القرن الثاني والثالث للميلاد، في التاريخ المسيحي يمكننا أن نظفر مع "كليمنضوس الاسكندري" (ت 215 م) و"أوريجانوس" (ت 254 م)  بأوّل محاولة لتنظيم تعليم مسيحي يمكنه أن ينافس تعليم المدارس الوثنيّة. وهكذا يجد اللاهوت المسيحي نفسه في وسط ناء نسبيّا عن الغنوصيّة(35) يضمّ رجالا مطلعين على الفلسفة اليونانيّة وقادرين على أن يقفوا منها موقفا واضحا. (36)

لقد صبّ كليمنضوس "المسيحيّة برمّتها في قالب التعليم الفلسفي اليوناني، ولا سيما التعليم الرواقي الذي كان حتى القرن الثاني التعليم الوحيد المنظم تنظيما تامّا. قال: "ما دام الكلمة(37) نفسه جاء إلينا من السماوات، فقد انتفت الحاجة إلى طلب التعليم البشري". (38)  غير أنّ هذا التعليم الإلاهي الذي أحلّ محلّ هذا التعليم البشري احتفظ بشكله." (39)

فكليمنضوس يبرز أنّ الإيمان الذي طعن فيه اليونانيّون "هو طريق الحكمة"(40). فهو متفوّق عن الفلسفة، يقول "إنّ الموضوع الحقيقي للإيمان، ليس فلسفة النحل، وإنّما الغنوص Gnose أي البرهان العلمي على الأشياء المتناقلة في الفلسفة الحقة، أي المسيحيّة." (41)

ومن خلال كتابه "المؤدّب" الذي يشبه في "بنائه كله مصنّفا في الأخلاق الرواقيّة، فالباب الأول يحتوي على معيار الفعل المستقيم، أي العقل الرشيد المطابق للكلمة." وفي الفصل الثامن من هذا المصنّف، "يثبت كليمنضوس قاصدا الغنوصيّين بلا ريب، أنّ العدل والطيبة شيء واحد، معتمدا في برهانه هذا على محاجّة ذات شكل رواقي تامّ.. وعلى هذا النحو تشقّ الرواقية.. طريقها إلى التعليم المسيحي، وكلّ ما هناك أنّ كليمنضوس يحلّ محلّ المفارقة القائلة: "الحكيم وحده غنيّ" مفارقة تقول: "المسيحي وحده غنيّ"." (42)

وعليه، يمكننا أن نفهم أنّه وحسب التصوّر المسيحي "لا نجد تمييزا حقّا بين الإيمان وعلم اللاهوت، لا عند "الاسكندر الهاليزي" ولا في أكسفورد".(43) إلاّ أنّ الحسم في مسألة العلاقة بين الإيمان وعلم اللاهوت جاءت مع القديس "توما الإكويني"(1225 – 1274 م)، الذي استهلّ "عمله بالأثر الذي وضعه في شبابه وهو "الشرح في الأحكام"، فإنّه لا يثبت في هذا الأثر التمييز بين الإيمان وعلم اللاهوت فقط، بل بين الملكة الملقاة في باطن المؤمن وملكة العالم اللاهوتي المكتسبة أيضا. وهو مع ذلك لا يصدّق التواصل المتناسق بين الطرف الأوّل والآخر…

ثمّ يأتي شرح "المقالة في الثالوث" لبويس، ثمّ "الخلاصة اللاهوتيّة" فيرد فيهما الجواب النهائي عن سؤال فيشكر وكلورد بي: "هل العقيدة المقدّسة علم ؟" وكان الردّ ايجابيّا." (44) وعليه، اعتبرت وظيفة علم اللاهوت، "وظيفة إشراقيّة" وليست دفاعيّة كما هو الحال بالنسبة لعلم الكلام الإسلامي. إشراقيّة بمعنى تقمّص اللاهوتي للتجربة الإيمانيّة باعتبار أنّ "كهنوت(45) المؤمنين وكهنوت الخدمة الراعويّة أو الرئاسة، مترابطان كلاهما بالآخر وان اختلفا في الجوهر لا في الدرجة فقط، ذلك بأنّ كلا هذا وذاك يشتركان، كلّ على نحو خاصّ، في كهنوت المسيح الواحد." (46)

وبالتأمّل في المدوّنة التومستيّة يمكننا ملاحظة أنّ الإكويني ينبّه إلى أنّ الوظيفة الإشراقيّة هي وظيفة العلم بالمقدّسات، فيعترف به علما نظريّا وعمليّا في نفس الوقت. لقد ميّز هذا القديس "بين المتأخّر لما يتقدّم عليه، أو بين الأسلوب اللاهوتي الذي يتّصف بنوره الفائق أصلا". (47)

من هنا نفهم أنّ توما الاكويني كشف عن "إصلاح بين العلم والحكمة" في البحث عن الحقيقة، وأثبت علم اللاهوت المسيحي في حكمه النهائي. "جزءا من التدبير العام المتعلق بنجاة الإنسان."(48) كما اقتضته العقيدة المقدّسة، التي تعدّ ضروريّة لخلاص الإنسان، من حيث كونها تصدر من الوحي الإلاهي.

وفي المقابل يذهب "لويس غارديه" و"جورج قنواتي" إلى أنّ المسألة في الإسلام لا تتعلق بالنجاة الأبديّة، بل هي تتصل بالتكليف الشرعي، إنّها مسألة وظيفيّة تجب على الأمّة بحدّ ذاتها. فهي تتعلق بوظيفة علم الكلام(49)، وهي إثبات العقائد بالدليل العقلي وردّ الشبهات عنها. (50)  وهو رأي أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ/1111 م) – مع بعض التحفّضات – ويرى أغلب المتكلمين أنّ علم الكلام لا يعدّ فرض عين، إلاّ بما يجب عليه أن يمدّ به من يقين، على أنّ غاية هذا اليقين ليست المشاهدة، ولا النفاذ إلى غور أبعد في غيبيّات الوحي.(51)

إلاّ أنّنا لو عدنا إلى علم اللاهوت المسيحي في التصوّر الكاثوليكي والأرثوذكسي، فإنّ الأمر يتعلق بـ"إلصاق العلم النظري بالعلم اللاهوتي التصوّفي، وهو إلصاق متعمّد مراد بحدّ ذاته(52). على أنّ هذا الإلصاق كان هو ذاته متأصّلا في تكييف مذهبي، تناول بعض ما ورد من الصيغ عند الآباء اليونانييّن" (53).  وهكذا، نفهم أنّ علم الكلام الإسلامي حسب هذا التصوّر، "لم يوضع لدفع الإرادة إلى محبّة الله.." (54) كما هو الحال بالنسبة لوظيفة علم اللاهوت في التصوّر المسيحي.

 

2 – علاقة منهج علم اللاهوت بمناهج العلوم الأخرى:

لو أمعنا النظر في منزلة علم اللاهوت في المسيحيّة الكاثوليكيّة، بين العلوم كلها، يمكننا ملاحظة ظهور "الطابع العقدي" ظهورا أدقّ. ومعلوم – وكما سبقت الإشارة – أنّ المسيحيّة "اختمرت وتطوّرت في البيئة الإغريقيّة – الرومانيّة حول البحر المتوسّط. فسرعان ما اضطرّ العلم المسيحي (أي علم اللاهوت) أثناء نشأته إلى أن يقيم للتراث الإغريقي الروماني حسابا… اضطرّ على الفور إلى أن يهتمّ بحلقة الصناعات الحرّة وبالفلسفة التي تكتنفها، ليدرج في ثناياها رسالة الإنجيل، وبوجه أوسع مدى، رسالة الكتاب المقدّس في عهديه القديم والجديد."(55)

وعليه نفهم، أنّ المشكلة التي واجهت اللاهوت المسيحي منذ البداية تتمثل في الإجابة عن السؤال التالي: "ما هي العلاقات بين الإنجيل والسلوك الخلقي الذي يأمر به وبين الفلسفة، أي بين التفكير الذاتي على نحو ما أخذه العالم الإغريقي – الروماني من الفلاسفة القدامى ؟" (56)

بتأمّلنا في تاريخ الفكر اللاهوتي المسيحي، نرى أنّ هذا الفكر "في عهد الآباء كان مبقيا ما نسمّيه اليوم فلسفة وعلما لاهوتيّا في حكم طرفين غير متباينين. ولكنّنا سنلاحظ أيضا الدور التمهيدي المهمّ الذي يعترف به "للعلوم الإنسانيّة" بالنسبة إلى العلوم الدينيّة وخاصّة إلى فهم الكتاب المقدّس في عهديه القديم والجديد. وكان يقدّر هذا الدور اكليمنضوس الاسكندري مثلا في الشرق مثلما يقدّره أغسطينوس في الغرب." (57)

ولو نظرنا على سبيل المثال في كتاب "مدينة الله" للقديس "أغسطينس" (ت 430 م) نلاحظ أنّه يعود إلى التقسيم الثلاثي الأفلاطوني في الفلسفة، ويذكره مع رأيه في الفلسفة، أنّ مسائلها ترتدّ كلها إلى مسألة النفس والله. فيقسّم الفلسفة إلى فلسفة طبيعيّة غرضها الطبيعة، وإلى منطق أو علم عقلي يمدّ بالوسائل التي تكفل معرفة الحقّ، وإلى علم في الأخلاق أو العادات أخيرا يعالج الأخلاقيّات.

أجل إنّه يعترف للتقسيم الأرسطي بصحّة أساسه، ولكنّه يخلص الولاء لأستاذ المعهد، أفلاطون، فيفضّل أن يتقيّد بتقسيمه، أو بالأحرى يحاول أن يوفّق بين التقسيمين. فيقول: "ولو كان المنطق أو العلم العقلي ضروريّا للعمل مثلما هو ضروري للمشاهدة، فإنّ الصحيح، مع ذلك هو أنّ المشاهدة تدّعي الحقّ في البحث أو في معرفة الحقيقة على أنّه حقها الخاص الذي تنفرد به." ثمّ يضيف: "وهكذا لا يخالف التقسيم الثلاثي بحال التمييز الذي يحكم بأنّ قوام النظر في الحكمة هو العمل والمشاهدة."(58)

أما الصناعات الحرّة فلا بدّ منها للنظر في الفلسفة: فإنّها تعدّ النفس إلى أن تقوّي رغبتها في الحقّ، وتتبعه بثبات وتتعلق به على مزيد في الحبّ. ويقسّم القديس أوغسطينس الصناعات الحرّة إلى قسمين: قسم الصناعات التي تسخّر لمصالح الحياة، وقسم الصناعات التي تتيح لنا معرفة الأشياء في طبيعتها فتسوقنا بذلك إلى المشاهدة. أما المنطق فيتصوّر على أنّه جزء من أجزاء الفلسفة." (59)

ومن أشهر ممثلي النزعة الأرسطيّة، كما يرى ل. غارديه وج. قنواتي، "بويس"(60) الذي حدّد الفلسفة بأنّها "النظر في الحكمة والحبّ لها. من هذا النظر تنشأ حقيقة علومنا النظريّة، ومن هذا الحبّ طهارة أعمالنا وقدسيّتها. وهي نتيجة ذات وجهين، عليها يقوم تقسيم الفلسفة إلى نظريّة وعمليّة." (61)

أما تقسيم الفلسفة النظريّة فيقيمه بويس على مبدأ تنوّع الفلسفات النظريّة تبعا لتنوّع الحقائق، التي ترتّب في أصول ثلاثة: الحقائق الروحيّة والعقليّة والطبيعيّة. "فالحقائق الروحيّة هي تلك التي تكون حقّا، أو يسعها أن تكون حقّا، وهي مستقلة عن الهيولى،(62) أو منزّهة بذلك عن الحركة. ويحصر بويس هذه الحقائق في الله والنفس الروحيّة، وهما غرض الفلسفة النظريّة أو علم اللاهوت.. أمّا الحقائق العقليّة فهي، عمليّا ، "المثل" لدى الأجسام، بغضّ النظر عن الهيولى التي تقع فيها المثل. وهذا هو غرض الرياضيّات. ثمّ تشتمل الحقائق الطبيعيّة أخيرا على الأجسام، أغراض العلم الطبيعي، أو كما يسميه بويس، الفيزيولوجيا." (63)

وخلال القرن التاسع للميلاد مع "جان سكوت اريجينوس" (ت 870 م) تصبح "الفلسفة هي الدين الحقّ، وأنّ اللفظين مترادفتان. أليست معالجة الفلسفة بيانا للقواعد التي يقوم عليها الدين الحقّ والوسيلة التي تتيح لنا أن نسبّح الله، السبب الأعظم للأشياء كلها.. وأن ننظر في هذا السبب الأعظم على وجه يوافق العقل." (64) وتنقسم هذه الفلسفة إلى أربعة أقسام:

– الفلسفة الفاعلة أو فلسفة العادات (تنظر في الحركات العقليّة المتناولة للطبيعة الإنسانية).

– الفلسفة الطبيعيّة، (تنظر في ذوات الأشياء أو عللها ونتائجها).

– علم اللاهوت، (يطلعنا على السبب الوحيد للأشياء كلها، وهو الله. فهو بحث في الذات الإلاهية. ويشتمل على  جزئين: الأول منهما إيجابي والثاني سلبي).

– المنطق، (العلم العقلي المسمّى أيضا بالجدل). (65)

وعليه، نفهم أنّ علاقات علم اللاهوت بالفلسفة واضحة المعالم. ويمكننا أن نجد ذلك واضحا في الإخراج التأليفي الذي جاء به القديس "توما الإكويني"(1225 – 1274 م)، ذا النفحة الملكية/الكاثوليكيّة، الذي "أدرك استقلال الفلسفة عن اللاهوت إدراكا واضحا،"(66) رغم "استخدامه لتأليفه النظرة الأرسطيّة في تقسيم العلوم. لكنّه أضاف إليها، آخذا بسياقها، معنى نورانيّا، في ضوئه ينبغي أن ينظر موضوع البحث. فأتاح له ذلك أن ينقذ التراث الضخم الذي خلفته الفلسفة في عهدها القديم. كما أتاح له أيضا أن يكلّل هذه الفلسفة بعلم لاهوتي، هو في الآن نفسه علم وحكمة. ولم يكن ذلك بتجاور ولا بتلاصق اصطناعي، بل كان بتواصل داخلي عضوي."(67)

ممّا تقدّم نستنتج أنّ تصنيف علم اللاهوت والفلسفة في المسيحيّة يقوم "على مبدأ تأخّر الشيء عن غيره، أو إدراجه تحت غيره. وهو مبدأ يؤخذ من "الضوء" – العقل وحده، أو العقل وقد ارتفع الإيمان به – الذي عليه البحث جاريا." (68)

 وهذا الضوء المأخوذ من الإيمان المسيحي يقول كما يعتقد المسيحيّون أنّ الله تجسّد في عيسى المسيح، الذي هو إلاه وإنسان في آن واحد. وتقول أنّ الله أراد أن تتقاسم التاريخ مدينتان: مدينة الله ومدينة الإنسان، كما يبرزه القديس أوغسطين(69). ويقول لنا أنّ بين الخطيئة واللطف الإلاهي جدل علينا الإيمان به، وإذا أردنا استعمال العقل فيها فليكن بقدر كي لا نضلّ عن إيماننا !

وقد بيّن أوغسطين أنّ "المدينتان (مدينة الله ومدينة الإنسان) متداخلتان ومختلطتان بشدّة طوال هذا العصر حتى يحين يوم الحساب." (70) ومعلوم أن ّ الإطار الذي تتحقّق فيه المدينتان هو على حدّ تعبير هذا القديس in hoc seculo(71) /في ذلك الزمان. و"الزمان الذي يقصده أوغسطين هنا والذي تحدّث عنه في مواضع كثيرة سواء في "مدينة الله" أو في غيرها من مؤلفاته هو عصر ما بعد الخطيئة وحتى اليوم الآخر، وما قبله وما بعده هو الأبديّة. وفي هذا الزمان يتحقّق كل من تاريخ مدينة الله وتاريخ مدينة الأرض." (72)

ومعلوم أنّ اللاهوت المسيحي يعتبر الزمان – الذي يدور فيه تاريخ البشريّة في هذه الأرض والذي هو أثر من آثار الخطيئة التي وصمت البشريّة – شرّا. لذلك نرى أوغسطين من الذين لعنوا الزمان، الذي يقود البشريّة عبر سلسلة من الكوارث إلى الكارثة الكبرى وهي "الموت الثاني، الموت الأبدي". ولا ينجو من تلك النهاية الحتميّة إلا الذين يخلصهم اللطف الإلاهي."(73) ومن المعلوم أيضا أنّ اللاهوت المسيحي يعتبر الموت الأوّل الذي ينتج عن خطيئة آدم، تلك الخطيئة التي جعلت الإنسان يحرم من الحياة الأبديّة.

ويظهر لعن هذا القديس للزمان، أساسا في استخدامه تعبيرات مثل "العصر الفاسد malignum Seculum والأيام السيّئة Dies mali قاصدا بها زمن وعصر ما بعد الخطيئة وما قبل الحساب. يقول "في هذا العصر الفاسد وهذه الأيّام السيّئة حيث تكسب الكنيسة من خلال تدهورها الحالي عظمتها في المستقبل.. فإنّ كثيرا من المغضوب عليهم يختلطون بالخيّرين. وأولئك وهؤلاء يجتمعون في الشبكة الإنجيليّة فيسبحون في هذا العالم مختلطين كما يسبحون في بحر."(74) ويقصد بهذا العالم in hoc mundo الحياة الدنيا."(75)

ولا يخفى أنّ علم اللاهوت المسيحي قد استعار من اليهوديّة منهج التأويل، الذي كان قد استخدمه الفيلسوف الاسكندري "فيلون" Philon (ت 54 م) لحلّ مشكلة النصّ المقدّس، وتأكيد مصداقيّته، فتم ّابتداع هذا المنهج التأويلي لتفسير "النصّ المقدّس بما يجعله متضمّنا لتاريخ اليهود كله، أي ماضيه وحاضره بل ومستقبله !" (76)

وقد استعار القديس "بولس"(77) مؤسّس الكاثوليكيّة هذا المنهج إلى المسيحيّة، بعد أن اكتشف أنّ استمراريّة مصداقيّة النصّ المقدّس تقتضي تأويلا عصريّا له. فعرض هذا الرسول (بولس) "لهذا المنهج بشكل ضمني في رسالته إلى أهل غلاطيّة وفي رسالته إلى العبرانيّين، وبشكل واضح في الإصحاح العاشر من رسالته الأولى لأهل كورنثوس، حيث يقول لهم أنّ كثيرا من أفعال الأسلاف إنّما هي أمور "حدثت مثالا لنا حتى لا نكون نحن مشتهين شرورا كما اشتهى أولئك" (الآية 6). لقد حدثت هذه الأمور لأسلافنا لكي تكون إنذارا لنا. فهذه الأمور جميعا أصابتهم مثالا وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (الآية11).

ولم يكتف بولس بتقديم تطبيقات لمنهج التأويل بل تجاوز ذلك إلى صياغته في شكل مبدأ أو قاعدة وذلك في الإصحاح الثالث من رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس: "إنّكم رسالة المسيح مخدومة منّا. مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحيّ.. لا الحرف بل الرّوح. لأنّ الحرف يقتل ولكن الروح يحي" (الآيات من 2 إلى 6). (78)  وقد لجأ بولس إلى هذا المنهج اليهودي الأصل لأنّ التفسير الباطني للنصّ وحده هو الذي من شأنه إثبات أنّ المسيحيّين وحدهم الذين يدركون روح ما جاء به المسيح." (79)

فلإيجاد معنى خفيّ أو تفسير باطني لما جاء في العهد القديم، ممّا لا يصدّقه العقل أو يصعب عليه تصديقه. حلّت المجازات والمعاني الرمزيّة محلّ التحليل النقدي والقول الصريح. (80)

لقد اتّجه هذا المنهج المسيحي إلى الدفاع والتبرير بدلا من اعتماده على النقد والشكّ المنهجي، كخطوات في سبيل بلوغ اليقين، إذ كان عليه الدفاع عن الوقائع والأخبار الغير مقبولة عقليّا، بأن يجد لها تبريرات تؤكّدها، وهكذا ضحّى هذا العلم بالموضوعيّة من أجل تأكيد وإثبات معتقدات المسيحيّة، التي تنقلنا بكلّ بساطة من الجسمي إلى الروحي، ومن الإنساني إلى الإلاهي بكلّ يسر.

إنّ تطبيق المنهج الفلسفي على التراث العقائدي المسيحي، وإن عالج مسألة اتّحاد اللاهوت بالناسوت/الإلاهي بالإنساني، فإنّه وظّف في الغالب لتبرير هذه المقولة ضدّ الوثنيييّن والهرطوقيّين. فاستخدمت الإفلاطونيّة المحدثة على سبيل المثال لصالح المسيحيّة. مع العلم أنّ المسيحي القويم في نظر القديس يوحنا الذهبي الفمّ(81) – "لا يحتاج إلى معونة الكتاب المقدّس، بل من المفروض أن تكون حياته على درجة من النقاء والطهر بحيث تسدّ نعمة الرّوح مسدّ الكتب في نفوسنا وتنطبع في قلوبنا انطباع الحبر على القراطيس، وإنّما لأنّنا دفعنا عنّا النعمة بات محتما علينا أن نستعين بالكتب التي هي أشبه بملاحة ثانية." (82)

فمنهج علم اللاهوت المسيحي إذن في الأصل وكما يعتقد آباء الكنيسة، يقوم على التفسير الباطني للمسائل. فليست له وظيفة دفاعيّة، – كما هو الشأن بالنسبة لعلم الكلام الإسلامي – بقدر ما هي وظيفة إشراقيّة، باطنيّة، (يعيشها اللاهوتي بكلّ جوارحه). إنّه يستند إلى المنهج التأويلي، الذي استعاره "بولس الرّسول" مؤسّس الكاثوليكيّة إلى علم اللاهوت المسيحي، من اليهوديّة، بعد أن اكتشف أنّ استمراريّة مصداقيّة النصّ المقدّس تقتضي تأويلا عصريّا له. لمثل هذا اعتقد آباء الكنيسة خلال فترة المجامع الستّة الأولى أنّ علم اللاهوت المسيحي يخلو من التباين بين العقل والإيمان ! وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكننا فهم ظاهرة الهرطقات والانشقاقات التي مزّقت اللاهوت المسيحي خاصّة بين النساطرة واليعاقبة. (83)

 

2-  في علم الكلام الإسلامي:

لم يعتني المتكلّمون القدامى بوضع تعريف لعلمهم رغم المكانة التي احتلها علم الكلام مقارنة بالعلوم الإسلاميّة الأخرى. ومع ذلك يمكن اعتبار تعريف "أبو نصر الفارابي" (ت 318 هـ/950 م) أقدم تعريف وصلنا عن هذا العلم. يقول معرّفا علم الكلام بأنّه: "ملكة يقتدر بها على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرّح بها واضع الملّة وتزييف كلّ ما خالفها من الأقاويل." (84)

ثمّ يعقب الفارابي على هذا التعريف بأمرين هامّين: الأوّل، التفريق بين علم الفقه وعلم الكلام. والثاني، عرض "الوجوه والآراء التي ينبغي أن تنصر بها الملل". (85) 

إنّ هذا النصّ على عدم إلمامه بمناهج المتكلمين، حيث نجده يرد عامّا لا يشمل مختلف مذاهب المتكلمين ومناهجهم، عرّفنا أنّ علم الكلام لم يكن لأهل مذهب واحد من مذاهب المسلمين، بل كان ميدانا فكريّا/عقائديّا لأكثر من مذهب وفريق. (86)

والمتأمّل في أغلب التعريفات الموضوعة لعلم الكلام، يلاحظ أنّها لا تخرج في مجملها عن عرضه علما/أو منهجا، وضع للدّفاع عن العقيدة الإسلاميّة. فقد عرّفه التهانوي بأنّه: "علم يقتدر منه على إثبات العقائد الدينيّة على الغير بإيراد الحجج ودفع الشبه".(87)  وتتمثل هذه العقائد الدينيّة أو أصول الدين في: التوحيد والنبوّة والمعاد، أو بالأحرى الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وعرّف عضد الدين الإيجي (ت 756 هـ/1355م) علم الكلام بقوله: "علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة بإيراد الحجج ودفع الشبه"(88).  وقد حدّد الإيجي أيضا موضوع هذا العلم أنّه: " ذات الله تعالى إذ يبحث فيه عن صفاته وأفعاله في الدنيا كحدوث العالم، وفي الآخرة كالحشر، وأحكامه فيها كبعث الرسل..". (89)   

إذن يفهم من هذين التعريفين وغيرهما،(90) أنّ الهدف من وضع المنهج الكلامي هو البحث، والذود عن بعض المسائل العقائديّة التي ينبني عليها الدين الإسلامي، أي ما يعرف بأصول الدين. وأصل الشيء ما يقوم عليه، بحيث ينتفي بانتفائه، فأصول الدين هي تلك الأركان التي ينتفي الدين بانتفائها، أو بانتفاء واحد منها. ومثاله، درج المعتزلة على اعتبار الأصول الخمسة (التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)(91)، أصولا للدين الإسلامي.

وما من شكّ أنّ بعض المباحث العقائديّة كانت منشأ للاختلاف والشقاق بين الفرق الإسلاميّة ذاتها، إذ وصل بهم الأمر إلى تكفير بعضهم البعض (كاختلافهم في مسألة الجبر والاختيار، والقدر، وكلام الله ثمّ صفاته تعالى). وقد كان لمتكلمي المعتزلة والأشاعرة دور هامّ في إثراء وتطوّر موضوع علم الكلام.

ثمّ انتهى الأمر إلى المذهب الأشعري/ ينتسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري (324 هـ/938م)،  الذي حاول التوفيق بين عقيدة أهل الحديث وعقيدة المعتزلة، فكان مذهبه متفرّعا من مدرسة المتكلمين، لأنّه ينتهج أسلوبهم في تقرير عقائد أهل السنّة والجماعة. رغم أنّ الرجل بدأ حياته الفكريّة في كنف المعتزلة، ثم انشقّ عنهم ليؤسّس مذهبه الجديد، الذي لم يخرج عن دائرة منهج المتكلمين في إثبات العقيدة. لذلك نراه يدافع عن عقيدة أهل السنّة بنفس المنهج العقلي، فكانت له آراء مستقلة توسّط فيها بين المعتزلة وأهل الحديث ممّا خلق مذهبا توفيقيّا صار يعرف بالمذهب الأشعري.

ويرى المستشرق "دي بور" أنّ أحسن عبارة نستدلّ بها على علم الكلام هي  Theologische Dialektik = الجدل في المسائل الإعتقاديّة أو Dialektik = الجدل فقط. وهو يترجم كلمة "متكلمين" بكلمة Dialektikers. (92)

أما "هنري كوربان" فيطلق على علم الكلام مصطلح "اللاهوت الرسمي"، ويصفه بـ "الفلسفة المدرسيّة في الإسلام."(93)

ومن خلال هذين التعريفين الحديثين يمكننا ملاحظة أنّ علم الكلام كما فهمه المسترقون أيضا هو كلام في المسائل العقائديّة، كمسألة القدر والأسماء والصفات الإلاهيّة، والعلم والقدرة الإلاهيّة، ثم خلق القرآن.(94) ومعلوم أنّ هذا العلم لم ينشأ من فراغ بل ارتبط ظهوره وتطوّره بعوامل تاريخيّة وموضوعيّة متعدّدة. (95)

 

1- منهجيّة علم الكلام:

لم تكد تمضي عقود عن وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى كان الإسلام قد انتشر ونشأت قرائنه السياسيّة والاجتماعيّة. فكان كلّ ذلك سببا هامّا لأئمّة الأمّة إلى صوغ معالم العقيدة الإسلاميّة. ثمّ كان تطوّر الإسلام والتصدّي للمرتدّين والمناوئين. وجاءت الفتوحات، ففرض كلّ ذلك التمييز بين الإيمان والإسلام.

وأمام الجدل والنزاع السياسي أساسا، الذي وظّفت فيه أحيانا مقاييس الإيمان والكفر، بدأت تبرز صيغ عقيدة أهل السنّة والجماعة(96)، على طريقة أهل الحديث أوّلا(97). فظهرت شهادة "الفقه الأكبر،(98) توضّح القواعد العقديّة للجماعة السنيّة/لأغلبيّة الأمّة الإسلاميّة. وهي "شهادة خاصّة لم يرد فيها ذكر التوحيد ولا نبوّة محمّد (صلى الله عليه وسلم) ، فهما أمران خارجان عن كلّ جدال." (99)

والمتأمّل في كتب "الفقه الأكبر"، وخاصّة كتابي أبي حنيفة (ت 150 هـ/767 م)، والشافعي (ت 204 هـ/820 م)، وخاصّة في القواعد العقديّة العشر الأولى،(100) يلاحظ أنّ صياغة المسائل العقديّة فيها وردت في شكل "ردّ على المبتدعة في مواقفهم. فالمقصود بالقاعدة الأولى(101) هم الخوارج، إذ أنّها تشير إلى مشكلة المذنب وإلى ما بين الإيمان والأعمال من علاقة. على حين أنّ المقصودين بالقاعدة الثالثة(102) هم القدريّة الذين أثبتوا حريّة الاختيار. أما القاعدة الرابعة(103) فهي ردّ في  وجه أنصار عليّ (رضي الله عنه).  وتدعو القاعدة الخامسة(104)إلى التروّي والإتئاد في مسألة الثأر لعثمان(رضي الله عنه).. هذا وقد جاءت القاعدة السابعة(105) ردّا على موقف اليهود والنصارى. وتبدو القاعدة التاسعة(106) نفيا للغلوّ في الروحانيّة. أما القاعدة العاشرة(107) أخيرا فإنّها توضيح لبعض التفاصيل في الأمور الأخرويّة." (108)

ومعلوم أنّه مع "الفقه الأكبر" لأبي حنيفة أخذت المسائل تتّضح وترتسم معالمها. وقد تضمّنت العقيدة نحو ثلاثين قاعدة.(109) ويمكن تصنيفها حسب القضايا الكبرى التالية، على أن نذكر كل قاعدة مع رقم ورودها في العقيدة:

– القضيّة الأولى: مسألة الإيمان، ذكرت في القواعد 1 و2 و3 و4 و5  و14.

– القضيّة الثانية: مسألة القدر، تناثر ذكرها بين قواعد العقيدة كلها، وخاصّة في ارتباطها بقضيّة أفعال العباد. وتعلقه بإرادة الله. ثم يلي ذلك إثبات نحو عشرة أمور لتوضيح الاعتقادات الأخرويّة. وترد أخيرا قضيّة القرآن، أمخلوق أم غير مخلوق ؟ والقول في مراتب الخلفاء الأوّلين، وفي مقام السيّدة عائشة رضي الله عنها وفي صحّة المسح على الخفّين. ذكر كلّ ذلك في القواعد التالية 6  و8 و11 و12 و13 و17 و18 و19 و20 و21 و22 و23 و24 و25.

ومن الملاحظ أنّنا لا نتبيّن ذكرا أو إشارة لمسألة الصفات الإلاهيّة، ما عدا الإستواء على العرش، أو التمييز بين الواجب والجائز والمستحيل. (110)

أما في الفقه الأكبر الثاني، فإنّنا ندرك تزايدا في الأصول، "إذ اضطرّ الأئمّة إلى توضيح الاعتقادات، وردّ ما من شأنه أن يكون طعنا في التنزيه." (111) كما أنّهم أضافوا مسألة وظيفة الأنبياء وقيمة رسالتهم. إنّنا نجد "عرضا لمحتوى الإيمان في جملته: الله، وملائكته، ورسله، والبعث، ومسألة الخير والشرّ، وكتاب السيّئات والميزان، والنعيم والجحيم. كما نجد تخطيطا كاملا للمسلّمات العقائديّة المألوفة: وهكذا توافرت لعلم العقائد جملة المواد اللازمة،"(112) التي أخذ علم الكلام بعد ذلك بتنظيمها.

ويمكننا ترتيب المسائل العقائديّة في الفقه الأكبر الثاني كما يلي:

– الإيمان: القواعد، 11 و18 و19.

– التوحيد: القواعد، 2 و5 و14 و16 و17 و24 و25 و26.

– القرآن: القواعد، 3 و26.

– القضاء والقدر والمشيئة، وأفعال العباد: القواعد، 6 و7 و15 و22 و28.

– الأنبياء: القواعد، 8 و9 و15 و20 و29.

– الأخرويّات: القواعد: 14 و17 و20 و21 و23 و29.

– العبادات: القواعد، 12 و13.

– الإمامة العظمى: القاعدة 10. (113)

وبالعودة إلى كتب علم الكلام، وخاصّة الأشعريّة منها(114) نلاحظ أنّ أبا الحسن بعد عرضه لـ" فصل في قول أهل الزيغ والبدع"، من المعتزلة وأهل القدر والجهميّة والحروريّة والرافضة والمرجئة، يورد فصلا "في إبانة قول أهل الحقّ والسنّة"، يقول: " قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسّك بكتاب الله ربّنا عزّ وجلّ وبسنّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم وما روي عن السّادة الصحابة والتابعين وأئمّة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل – نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته – قائلون ولما خالف قوله مخالفون.."(115)

فالأشعري ينطلق في مصنّفه هذا من بيان عقائد أهل السنّة، التي يجب على كلّ مسلم التقيّد بها ليكفل لنفسه النجاة. ولكنّه يحدّد في ذات الوقت هذه العقيدة على الطريقة الحنبليّة، (116)/طريقة أهل الحديث والفقه، ليبرز تعلقه بها. لذلك نراه يلخّص الإيمان في "قاعدة إجماليّة تشرح بشيء من التوسّع ما وجدناه في الفقه الأكبر الثاني: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله… ثم تتوالى القواعد…" (117) العقديّة، التي يمكن تلخيصها في الآتي:

– التوحيد: عبّر عنه في: القاعدة 1، وفيها ردّ على النصارى.(118) والقاعدة 6، وفيها ردّ على المعتزلة أساسا(119). والقاعدة 13 – 29، وفيها عودة لتقرير عقيدة أهل السنّة في رؤية الله(120). والقاعدة 26، وفيها إبراز صريح لمنهجه في تقرير العقائد السنيّة(121).  أما القاعدة 45، فتتعلق بعلم الله تعالى(122). 

– القضاء والقدر وأفعال العباد: عبّر عنهما في القواعد: 7 و8 و9 و10 و11 و16 و41 و42. (123)

– الإيمان: عبّر عنه في القواعد: 14 و15 و21 و22.

– القرآن: عبّر عن موقفه من مسألة خلق القرآن في القاعدة 12.

– النبوءة:  عبّر عن هذه الظاهرة في القواعد: 1 و2 و35.

– الأخرويّات: عبّر عنها في القواعد: 13 و17 و18 و19 و20 و34 و40.

– الشريعة، الخلافة: عبّر عن موقفه منها في القواعد التالية: 23 و24 و25 و27 و28 و33. 

– العبادات: عرضها في القواعد: 30 و31 و32 و37 و39. (124)

استنادا لهذا النموذج/المدوّنة الكلاميّة الأشعريّة،  يمكننا أن نفهم أنّ أبا الحسن "المتكلّم"، وإن استند في تقريره للعقيدة السنيّة إلى منهج المدوّنة الفقهيّة في عرضها للقواعد العقديّة، فإنّه توخّى "منهجا كلاميّا"/جداليّا خاصّا في دفاعه عن جلّ القواعد العقائديّة المتعلّقة بالتوحيد، والصفات الإلاهيّة، والقرآن، والنبوّة.. فكان هذا المنهج ملائما لمناهج المقولات المعارضة، متناسبا مع آليّاتها في تقرير هذه القواعد العقديّة.

إلاّ أنّه مع مرور الزمن نظفر مع الأشاعرة المتأخّرين بطريقة جديدة، تستند إلى "القياس الأرسطي" على أنّه أحسن المناهج وأفضلها. والأرجح "أنّ ما تسرّب من الفكر قد حدث قبل ذلك، في ما يتعلق بالخلفيّات على الأقلّ، وإنّما حدث عن طريق من كان يقرأ أرسطو من أهل الاعتزال." (125)

ولا تفوتنا الإشارة إلى تأثّر المتكلّمين الأوائل، وخاصّة معتزلة بغداد بالفلسفة اليونانيّة لا سيما الأرسطيّة. ويروي "ابن النديم" (ت 385 هـ/995 م) في "الفهرست" خبرا مفاده "كيف رأى المأمون فيما يرى النائم شيخا فاضلا، هو أرسطو، يلتمس منه تعريب مؤلفاته. كان ذلك بداية حركة شديدة في التعريب جعلت بين أيدي العرب أمّهات الكتب الفلسفيّة في الفكر اليوناني القديم.. على أنّه لا بدّ من ذكر مركز آخر في أيّام العبّاسيّين: حرّان في بلاد ما بين النهرين، مركز "الصابئة" الذين كانوا يتداولون اللغة العربيّة بسهولة، وكان إسهامهم عظيما في نشر الثقافة اليونانيّة." (126)

وفي بغداد أنشأ المأمون (170 –218 هـ/811 – 833 م) بيت الحكمة التي حفلت بالمخطوطات، وفيها انصرف المترجمون إلى عملهم. فازدهرت حركة الترجمة والنقل، فتأثّر الفكر الإسلامي بمنطق أرسطو ومقالاته في الطبيعة وما وراءها، وكان لها التأثير الواضح في المنهج الكلامي الإسلامي.

أصبح علم الكلام في هذه الفترة مقبلا على المشكلات الدينيّة – العقديّة بجرأة مقطوعة النظير، وهو ما أثار حفيظة المحافظين الذين كانوا يتوقفون عند ظاهر القرآن والسنّة. لقد كانت مواجهة مختلف المذاهب الغريبة عن الإسلام عامّة، وأهل السنّة خاصّة، سببا هامّا في البحث عن آليّات الردّ والمواجهة. كانت مصادر هذه المذاهب ومقالاتها المتنوّعة المناوئة للإسلام من فارس والهند وسواهما، بل لقد نشأت في عاصمة الخلافة ذاتها. ولحسن الردّ عمد المتكلّمون إلى جميع الأسلحة المتاحة، وكلّ الآليّات الممكنة.

وعليه، نستنتج أنّ المنهج الكلامي الإسلامي مرّ بمرحلتين: الأولى، "طريقة المتقدّمين" أخذت بآليّات أهل الحديث والفقه في تقريرها للعقائد والمنافحة عنها. والثانية، "طريقة المتأخّرين" أخذت عن المنهج الفلسفي/القياس الأرسطي أساسا. لكن هل يمكننا الفصل فعلا بين الطريقتين؟

إنّ المتأمّل في المدوّنة الكلاميّة على اختلافها وتنوّعها، يجد أنّها جمعت بين الطريقتين: طريقة أهل الحديث والفقه من جهة، وطريقة القياس الأرسطي من جهة ثانية. بل إنّنا نجد في الكثير من الأحيان تداخلا مقصودا بين الطريقتين في تقرير القاعدة العقديّة الواحدة. (127)

وبانتقالنا لـ "أبي حامد الغزالي" وخاصّة في كتابه "الاقتصاد في الاعتقاد"، نجده يحدّد حقيقة علم الكلام، ومنهجيّته ثمّ موضوعه. فقسّم "جملة المسائل المنظور فيها إلى أربعة أقطاب، مرتبط بعضها ببعض ارتباطا دقيقا. ما دام الله هو موضوع البحث، وجب أوّلا النظر في ذاته: هذا هو غرض القطب الأوّل، وصفاته تعالى غرض القطب الثاني. ثمّ ينظر في أفعال الله، الخاصّة به في القطب الثالث، وأفعال رسله في القطب الرابع. "(128)

ولو وقفنا على سبيل المثال عند القطب الأوّل/وهو ذاته تعالى، فإنّنا لا نرى أثرا لدليل "أنطولوجي". "فالدليل المألوف في علم الكلام هو الدليل بالعلة الفاعلة استنادا إلى حدوث العالم. ويخصّص الغزالي صفحات غير قلائل (13 – 18) لهذا الإثبات، فيستنتج منه عددا من الصفات: أنّه تعالى قديم، أزلي، ليس جوهر ولا عرضا ولا جسما. كما أنّه ليس له جهة ولا يقوم في محلّ، فيؤوّل الإستواء على العرش، وهو تعالى مرئي، وهو واحد.

والجدير بالذكر هنا هو اهتمام الغزالي البالغ بأن يربط إثباتاته المختلفة ربطا محكما وأن يعلّل لكلّ إثبات المحلّ المناسب له." (129)

أمّا الشهرستاني (ت 548 هـ/ 1153 م) فعلى غير طريقته في موسوعته "الملل والنحل"، كان في كتابه "نهاية الإقدام في علم الكلام" عازما على جمع "المسائل التي تتعلق بالأصول وعلى أن يبيّن ما استغرق منها".(130) فكان هذا الأثر بيانا تعليميّا يشتمل على العقيدة الإسلاميّة، علاوة على تصدّيه للفلاسفة وردّه على المعتزلة والثنويّة والطبيعيّين.

ويتمثّل المنهج الذي توخّاه الشهرستاني في تخصيصه المسألة الأولى للنظر في حدوث العالم وبيان أنّه شيء له بداية في الزمان وله نهاية، وهو تصميم يستند إلى "علم الطبيعة في الصميم". لقد عيّن الشهرستاني لعلم الكلام غرضه، ودلّ على أصوله ومناهجه. وباشر عمله فأثبت وجود الله بإثبات حدوث العالم، وبالتالي خلقه.(131)

 

2 – علاقة المنهج الكلامي بمناهج العلوم الأخرى:

لا شكّ أنّ المسلمين منذ بداية دعوتهم قد واجهوا مسألتين في منظومتهم وبنيتهم الفكريّة العقديّة:

– الأولى، تتمثل في آليّة عرض القالب الفكر العقدي/التوحيدي، كما ورد في القرآن والسنّة النبويّة الشريفة.

– الثانية، تتمثل في طرح تساؤلات ونقاشات حول بعض المسائل العقديّة، كمسألة الصفات الإلاهيّة، والجبر والاختيار، وخلق القرآن… وهي مسائل وكما يبدو من خلال المدوّنة الكلاميّة عامّة أخذت صورة التأسيس والتأصيل في الفكر العقدي.

ولا ريب أنّ الذي حثّ عن تلك التساؤلات هو دعوة الإسلام الصريحة إلى التفكّر وطلب العلم وتعقّل أمور الدين، كما تنبّهنا لذلك عديد الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة. لقد أثار اعتماد فلاسفة ومتكلمو الإسلام النظر العقلي والبرهان كمنهج لمعرفة حقائق الوجود ردود فعل مختلفة ومتعدّدة من قبل الفقهاء والمحدّثين. ومن هنا جاءت المحاولات التوفيقيّة بين الحكمة والشريعة التي مثّلها أحسن تمثيل فيلسوف قرطبة "ابن رشد" (ت 592 هـ/1198 م) الذي تصدّى لفكر الغزالي وغيره من الفقهاء والمتصوّفة الذين وقفوا دون تنامي النظر العقلي البرهاني بمنطقه الفلسفي.

ويبدو أنّ هذه المحاولات التوفيقيّة بين الحكمة والشريعة لم تقف عند هذا الحدّ، "بل تعدّتها إلى عقد المصالحة بين الفلسفة والإشراق(132) والدين، في فلسفة عالية لم يشهد التاريخ البشري مثلها، وهي فلسفة "ملا صدرا الشيرازي" المسمّات بـ "الحكمة المتعالية". يقول السيّد "موسى الصدر"، إنّ الفيلسوف الإسلامي الكبير صدر الدين الشيرازي المعروف بملا صدرا، هذا الرجل العظيم، الذي لم يعرف عنه الغرب مع الأسف شيئا كثيرا – وقد بدأ دراسة حياته لأوّل مرّة البروفسور "كوربان" أستاذ الفلسفة بجامعة باريس – "القديس توما المسلم".

إنّ صدر الدين هو ذروة الفلسفة الإسلاميّة وخلاصة الأقدمين  وقدوة المتأخّرين، وهو مؤسّس الحكمة المتعالية التي تجمع فلسفة المشّائين وحكمة الإشراق والعرفان. وحينما نقابل الفلسفة الاسلاميّة الممثلة في شخص صدر الدين الشيرازي.. بفلسفة القرن العشرين، نشعر بتفوّق نهجه الفكري على كثير من المناهج الفلسفيّة الحديثة. (133) بالرغم من كونه ابن القرن السابع عشر الميلادي." (134)

ولمّا كان لهذا الأمر أهميّة خاصّة في بلورة منهج عقدي مغاير، فقد أصبح من الأهميّة بمكان أن نتناوله بكيفيّة تتيح التركيز على بنية كلّ علم/اللاهوت المسيحي وعلم الكلام الإسلامي. معتمدين آليّة المقارنة مع المسيحيّة المزامنة له والمتشخّصة بصيغ رئيسيّة وبأخرى فرعيّة.

إذ بقدر ما جسّد الإسلام وضعيّة تاريخيّة جديدة في المنطقة، بالقياس إلى "الديانتين"/العقيدتين السابقتين عليه، اليهوديّة والمسيحيّة. فإنّ الجديد الذي جاء به تمثل "خصوصا في "دنيويّته" التي تنسحب على معظم المسائل والمشكلات، التي قدّمها وعمل على تعميمها واتخاذ موقف منها."(135)

فإذا كانت العلاقة بين الإنسان والإلاه في المسيحيّة قد قامت على ارتباط وجودي (أنطولوجي)، فأفصحت عن نفسها عبر "الثالوث الأقدس" (الآب والابن، والرّوح القدس)، على نحو تنتفي فيه إمكانيّة الانفصال بين أطرافه. "فالابن – وهو هنا الإنسان – هو على نحو ما، الإلاه ذاته عبر ما يوحّد بينهما ويماهي، ونعني به "الرّوح القدس" مع الإشارة إلى أنّ عمليّة التوحيد والتماهي هذه قائمة بحسب الذات والزمان كليهما." (136)

في هذه النقطة من المسألة، نضع أيدينا مع – هنري كوربان – على نقطة دقيقة تمسّ "بنية المسيحيّة في علاقتها مع الزمان والتاريخ، وهي أنّها إذ ترتكز إلى واقعة "التجسّد" فإنّها تحيل إلى التاريخ، إلى الزمان التاريخي عبر دخول اللاهوتي في التاريخ أي في الناسوتي. (137) بيد أنّه إذا كان النصّ القرآني، قد انطوى على نمط من أنماط التضايف القيمي (دون الأنطولوجي) ما بين الله والإنسان عبر ما لا يفصح عنه علنا ويأتي تحت حدّ "الرّوح". (138) فإنّه – في إحدى قراءاته المهيمنة الحاسمة – يتأسّس على "أحديّة لاهوتيّة مطلقة" تنفي إيجابا وسلبا كلّ ما لا يتماهى (وما لا يتماثل) معها ".. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ..". (139) في ضوء هذا المعطى، تكمن هوّة أنطولوجيّة (وجوديّة) ذاتيّة لا يمكن تجاوزها بين الله والإنسان. فالله هنا أبدع الإنسان، لا من ذاته الإلاهيّة، ولا من وجود ما آخر، وإنّما من "عدم" سلبي بإطلاق كلّي." (140)

إنّ هذا التقابل الفكري المسيحي – الإسلامي بين اللاهوتي والناسوتي، يبرز دون أدنى شكّ أنّ التماهي المسيحي في العالم الإلاهي كان من أجل إيجاد حلّ لقصّة/أسطورة المسيح المنقذ/الفادي. وعبر سعيه لإيجاد حلّ للديني والدنيوي، فقد الفكر المسيحي السيطرة على الآليّات الدينيّة ثمّ الدنيويّة. أمّا الإسلام وإن تأسّس على "أحديّة لاهوتيّة مطلقة"، فإنّه أقام الدليل على أنّ علاقة الإلاهي بالإنساني ليست علاقة ماديّة بقدر ما هي علاقة معنويّة، كما عبّر عنها الوحي.

وعليه، فقد تعيّن على المتكلمين المسلمين والفلاسفة والمتصوّفة، أن يكافحوا في سبيل أنسنة العلاقة بين الله والإنسان، ليس من أجل إبراز فاعليّة الإنسان في الحقل المادّي وحسب، بل كذلك في الحقل المضايف، الإلاهي. "ومن هنا كان الطريق مقيّدا باتّجاه الكشف عن فضاءات لاهوتيّة وفكريّة وفلسفيّة وكذلك جماليّة وأدبيّة أخرى. وربّما كانت منظومة "وحدة الوجود"(141) L"unicité de l"être(142) الفلسفيّة والصوفيّة و"التجلي الفيضي"(143) لدى الفريق الأعظم من المفكّرين العرب الإسلاميّين أوّلا.. في طليعة تلك الفضاءات." (144) 

ويبدو أنّ تداخل اللاهوتي والناسوتي (التاريخي) في المسيحيّة لم يثمر حالة جديدة من الكفاح الإنساني الذي "يجعل من الخلاص حالة إنسانيّة، واستحقاقا إنسانيّا تاريخيّا مشخّصا، في حين ظهر الأمر على نحو آخر في الحقل الإسلامي، بالرغم من عدم انغماس في التاريخي على نحو مباشر وتلقائي.

إنّ "الخطيئة الأصليّة"، التي يمكن تجاوزها والتخفيف منها ضمن التصوّر المسيحي، عموما وإجمالا من خلال تضحية ذاتيّة… وهذا من شأنه الإشارة إلى التأمّل "السلبي" والصلاة الداخليّة إضافة إلى فعل "الإنابة" المتمثّل في اختزال "الخلاص" إلى تضحية المسيح وحده،"(145) فإنّ الأمر على خلاف ذلك في الإسلام. فـ "الكفاحيّة الدنيويّة والنهوض بأعباء "الجماعة" في سياق التشريع لها ضمن سلطة (حاكميّة) مدنيّة، هما  ما يصنع مثل هذا الطريق: إنّ تواشج الديني والدنيوي، الداخلي والخارجي هو ما صنع من الإسلام دينا "دنيويّا"، أي دينا ودنيا." (146)

تأسيسا على كلّ هذا، نتساؤل عن ذلك التلاقي الفكري المسيحي الإسلامي بصيغته الأفلوطينيّة الشرقيّة التي ساهمت في نشأة علم الكلام المعتزلي أساسا (ذو النزوع الإنسي: الإنسان العاقل المسؤول عن حرّيته ومصيره) وعلى نشوء فلسفة في رحمه كانت بمثابة سبق معرفي مستقلّ، وحافز للتفكير باتجاه تسلم الإنسان مشروع حياته، بعد أن مكث في حقلي الألوهة والنبوّة، وأخيرا عبر نشوء التصوّف، عبر إقصاء ثنائيّة الرّوحي والمادي، والإلاهي والإنساني.(147)

إنّ التيّارات الفكريّة/الفلسفيّة والعقائديّة غير الاسلاميّة التي أسهمت في نشأة علم الكلام الإسلامي، وتحديد موضوعاته، كانت لها تأثيرات ايجابيّة على هذا العلم خاصّة والفكر الإسلامي عامّة. ويمكن حصر هذه الايجابيّات خاصّة في اكتساب منهج جديد يجيد الخوض في خبايا منطق الخصم واستدلالاته، من أجل تفكيكها ومحاولة الردّ عليها.

لقد برع أهل الكتاب وخاصّة المسيحييّن في الأخذ عن المنطق والفلسفة اليونانيّين، علاوة عن التيّارات الفكريّة – الروحيّة الأخرى كالغنوّصيّة(148) والهيلينيّة (149) وغيرها. لذلك جاء ردّ فعل المتكلمين المسلمين سريعا، خاصّة بعد ازدهار حركة الترجمة الكبيرة في العصر العبّاسي، (132 هـ/ 750 م – 640 هـ/1258 م). حيث بدأ متكلموا الإسلام في التدرّب على مصطلحات الفلسفة اليونانيّة التي كان يستعملها المسيحيّون من مثل الوجود والماهية والأقنوم والجوهر والعرض وغيرها..

وفي هذا السياق لا تفوتنا الإشارة إلى أنّ نشأة علم الكلام، ومناهجه – كما سبقت الإشارة – ترجع من جهة أخرى إلى ذلك الواقع السياسي والاجتماعي للمسلمين في القرنين الأول والثاني للهجرة/الثامن والتاسع للميلاد، وما نتج عنه من أفهام مختلفة لبعض المسائل العقائديّة، ممّا مهّد لظهور أهمّ مدرسة كلاميّة في الإسلام، وهي المدرسة الاعتزاليّة، التي تصدّت لهذه التيّارات وما جلبته معها من أفهام متطرّفة(150) للعقيدة الإسلاميّة.

لقد كانت لكلّ هذه الفرق آراء سياسيّة وكلاميّة/عقديّة خاصّة في مسألة الإيمان والكفر والمعصية، والتجسيم، وغيرها.. واقتضت كلّ فكرة ردّة فعل كلاميّة من قبل الخصوم، ممّا مهّد لتعدّد المناهج والآراء في قراءة المتشابه(151)  من الآي القرآني(152) والحديث النبوي(153)، من أجل توظيفه في تحقيق الأفكار والردّ على المناوئين، من المسلمين وغيرهم. لقد جاء ردّ فعل المتكلمين وعلى رأسهم المعتزلة الذين لجؤوا لتأويل المتشابه من القرآن، نوعيّا منهجا ومحتوى، مجمعين/أهل السنّة والمعتزلة، على تنزيهه تعالى عن كلّ تشبيه وتجسيم.

ومن جهة أخرى ظهر القدريّون(154) القائلون بحريّة الإرادة الإنسانيّة، وقدرة العبد على أعماله. في مقابل الجبريّة القائلين بأنّ الأفعال تنسب إلى الإنسان على سبيل المجاز وليس الحقيقة. واقتضت كلّ هذه الآراء ردود فعل كبيرة من قبل المعتزلة ثمّ الأشاعرة في موضوع أفعال العباد، وظّفت فيها مناهج مغايرة لمنهج السلف، في تحقيق العقائد.

هكذا نتبيّن أنّ كلّ هذه التيّارات العقديّة الأجنبيّة (كأهل الكتاب، من يهود ومسيحيّين)، وغيرهم كديانات الفرس (مثل الزاردشتيّة والمانويّة والمزدكيّة)، أوالصابئة والبراهمة والبوذيّة وغيرها.. كالتيّارات الفلسفيّة اليونانيّة أساسا. أضف إلى ذلك التيّارات السياسيّة العقائديّة الإسلاميّة، كلها مجتمعة ساهمت في بلورة موضوعات ومناهج علم الكلام الإسلامي، الذي اختلط بالفلسفة اليونانيّة، التي كانت وقتها تعبّر عن روح الحضارة العالميّة.

لقد تبنّى علم الكلام اتّجاها عقليّا في مجال دراسة أصول الدين، دعّمه أعلام المعتزلة خاصّة الذين انفتحوا على مختلف الثقافات والمناهج الفكريّة وقتها، ومن أبرزها الفلسفة والمنطق اليونانيّين. فاستخدم هؤلاء الأساليب المنطقيّة والمصطلحات الفلسفيّة في عرض المسائل الكلاميّة، بعد إفراغها من مضمونها اليوناني وإلباسها مضامين إسلاميّة، تتفق مع منهجهم الدفاعي عن عقيدة الإسلام. إلا أنّ كلّ ذلك لا يعني الذوبان في المنهج الفلسفي اليوناني، لأنّ ما قدّمه أعلام المعتزلة من انتقادات للمنطق والفلسفة اليونانيّة يثبت استقلاليّة الفكر الإسلامي وأصوليّة منهجه. (155)

إنّ منهج إدراك العقائد في الإسلام، كما يبرز في علم الكلام، يستند إلى البيان والدفاع القائمان في الأغلب على القرآن والسنّة النبويّة المطهّرة. كما يبرزه كتاب "الإبانة" للأشعري، من أجل إثبات عقائد الإيمان والمنافحة عنها، لا سيما تلك التي نهض في وجهها خصوم، كالذات الإلاهيّة وصفاته تعالى،.. لمثل هذا سمّي علم الكلام بـ"أصول الدين"، تمييزا له عن أصول الفقه، الذي يعنى بالمسائل التشريعيّة/التفصيليّة.

إنّ منهج معالجة الإشكاليّات المثارة من قبل المسيحيين واليهود المبشّرين أو العلمانيّين على الإسلام فكرا وتاريخا، فليس منهجا واحدا لتنوّع طبيعتها، إذ بعضها يرتبط بتفسير القرآن، وبعضها يرتبط بالعقائد الإسلامية، وبعضها يرتبط بالتاريخ الإسلامي ومصادره، وبعضها بالفقه الإسلامي ومصادره، وليس من شكّ أنّ لكلّ علم من هذه العلوم منهجه الخاص به وهذا الواقع يفرض على الباحث المسلم أن يراعي ذلك عند ردّه على الشبهة المعينة بأن يكون من أهل الخبرة (منهجيّا)، في العلم الذي تربتط به الشبهة أو يسترشد بأهل الخبرة في ذلك العلم.

وبموازاة ذلك أدرك متكلمو الإسلام أنّه لا بدّ من التجديد في المباني، لذا اهتم المتكلم سابقاً بترسيم مبانٍ خاصّة في المعرفة، تستند إلى المنطق الأرسطي، وشيء من ميراث الفلسفة اليونانيّة، وجعلها ممهّدة للمباحث الكلاميّة. لقد أدرك متكلمو الإسلام المتأخرين ضرورة تجديد علمهم ومنهجهم فتمّ إلحاق مسائل جديدة واستيعابها في إطار المنظومة الموروثة لعلم الكلام. وفي هذا الإطار شرع في تجاوز الغايات المعروفة لهذا العلم، التي تتلخص في الدفاع عن المعتقدات، إلى تحليل حقيقة الإيمان ومجمل التجربة الدينية.

نقلاً عن موقع: الملتقى الفكري للإبداع

 

الهوامش:

(1) – Kérygme كلمة يونانيّة تعني إعلان البشارة الأوّل، يقوم به منادي المسيح، داعيا غير المؤمنين إلى توبة الإيمان والمعموديّة. وتعدّ الكرازة العمل الأساسيّ في التبشير//كرازي Kérygmatique نسبة إلى كرازة (بكسر الكاف)، اللاهوت الذي يوضع بالنسبة إلى الوعظ ليكون الموضوع المباشر للوعظ، (يختلف عن اللاهوت النظري الاستنباطي الذي يكتفي بنفسه)… (انظر: الأب صبحي حموي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، دار المشرق، بيروت، ط 1، 1994، ص 395).

(2) – Pastoral يعود إلى الأسقف أو إلى الكاهن الرعية، بصفتهما راعيي نفوس ومكلفين بإعلان البشارة إلى مجموعة معينة، مع الاهتمام في آن واحد بالذين داخل الرعية والذين ليسوا منها..(انظر: نفس المرجع، ص 236 – 412)

(3) – انظر: نفس المرجع، ص 412.

(4) – لويس غاردييه، وجورج قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ترجمة: صبحي الصالح، وفريد جبر، دار العلم للملايين، بيروت، ط 1، 1967/ط 2، 1979، ج 2، ج 2، ص ص  50 – 51.

 (5) – نفس المرجع، ص ص  50 – 51.

 (6) – وهي: الملكانيّة/الكاثوليك، واليعاقبة/الأرثوذكسيّة، والنساطرة.

(7)- الملكانيّة  Melkites/Milchites نسبة إلى ملكا الذي ظهر بأرض الروم كما يروي الشهرستاني. أو ملكيّون اسم أطلقه اللاخلقيدونيّون على مسيحيي سوريّة ومصر الذين حافظوا على  الايمان القويم الذي كان عليه الامبراطور البيزنطي، أي على العقيدة الخلقيدونيّة، في حين أنّ= =أبناء بلادهم انظمّوا إلى اللاخلقيدونيّة. وبعد انسقاق ميخائيل كيرولاريوس، انفصل الملكيّون عن الغرب. وفي وقت لاحق، وعلى اثر جهود بذلت للتقارب، أنشأت كنيسة ملكيّة متّحدة برومة. أما اليوم، فإنّ كلمة "ملكيّون" تدلّ على الروم الكاثوليك فقط، وهم ينتمون إلى بطريكيّات أنطاكية وأورشليم والاسكندريّة الثلاث. (الأب حموي صبحي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، ص 482).=

 (8) – اليعاقبة  Jacobites نسبة إلى يعقوب البرادعي ومن أهمّ رعاتها أوتيخيس (ق 3 و4 م) ( راهب قسطنطيني كان خصما لدودا للنساطرة واستطاع أن يؤلّب عليهم بلاط بيزنطة) وديوسكوروس اللذان تطرفا في العداء ضدّ النساطرة وقالوا بالطبيعة الواحدة في المسيح ونفوا بشريّة ابن الله المتجسّد ولذا يسمّون بأصحاب الطبيعة الواحدة Monophysistes فالإتحاد تامّ بين االاهوت والناسوت بحيث أصبحا جوهرا واحدا..(انظر: صبحي أحمد محمود، في علم الكلام: دراسة فلسفيّة لآراء الفرق الإسلاميّة في أصول الدين، ج 1، ص 56). اسم عرف به السريان، وأطلق على حزب يعقوب البرادعي في أثناء المشاكل التي أثيرت على البطريك بولس الأنطاكي الثاني. (الأب حموي صبحي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، ص 547).

 (9) – والنساطرة Nestorianisme نسبة لنسطور كاهن أنطاكي (القرن 5 م)، وهي المسمّات "ببدعة نسطور في الصلة القائمة بين اللاهوت والناسوت في يسوع المسيح. فبدل أن ينسب نسطور إلى أقنوم الكلمة المتجسّد الواحد الطبيعة الإلاهيّة والطبيعة البشريّة، وبالتالي خواصّ هاتين الطبيعتين وأعمالهما، قال بأنّ المسيح مكوّن من شخصين، شخص إلاهي هو الكلمة، وشخص بشريّ هو يسوع. لم يكن هناك في نظره اتحاد بين طبيعة بشريّة وأقنوم إلاهيّ بل مجرّد صلة بين شخص بشريّ واللاهوت. فكان يرفض كلّ مشاركة في الخواصّ ويأبى أن يطلق على مريم لقب "والدة الإلاه". شجب مجمع أفسس في 431 م مذهب النسطوريّة وثبّت في الوقت نفسه لقب "والدة الإلاه". (الأب صبحي حموي اليسوعي،معجم الإيمان المسيحي، ص ص  509 – 510)./فالمسيح عند نسطور إنسان ولد من إنسان ولكن النعمة الإلاهيّة التي اتصلت بالرسل من قبله اتصالا مؤقتا اتصلت به اتصالا دائما مع بقاء الكلمة الإلاهية مباينة للطبيعة البشريّة أو الناسوتيّة.. (انظر: صبحي أحمد محمود، في علم الكلام: دراسة فلسفيّة لآراء الفرق الإسلاميّة في أصول الدين، ج 1، ص 55).

(10) – يمكن توزيع المسائل التي جاء بها آباء الكنيسة الشرقيّة إلى أربعة:

    أ – المقالات الجداليّة والردود على الخصوم.

   ب – تفسير الأناجيل والمواعظ والمراثي.

   ج – الخطبة اللاهوتيّة (عن الله في ذاته) أو التعليميّة.

    د –  شروح الكتاب المقدّس.

(11) – كانت عاصمتهم الحيرة جنوبي الكوفة على أبواب بادية الشام يحكمها الأمراء اللخميّون الذين خضعوا للفرس، وانتهى بهم الأمر إلى اعتناق المسيحيّة. ثمّ أزال اللخميّون الفرس في 602 م، وفتحت المدينة سنة 633 م أبوابها للمسلمين من دون مقاومة. ومنذ القرن السادس لجأ إليهم –  تحت نفوذ الفرس – قوم يقولون بالطبيعة الواحدة في المسيح، – وهم عرب مسيحيّون -، اضطهدهم الإغريق. وقد سكنوا شرقي الأردن، وكان يحكمهم وال أو أمير من أمراء الغساسنة يعمل لحساب بيزنطة.

وقد كانت المراكز الثقافية الكبرى في الشرق الأوسط وبلاد فارس للنساطرة، على حين كانت المراكز الريفيّة والبدويّة في بلاد الشام وجزيرة العرب في مصر لليعاقبة، القائلين شكلا بالطبيعة الواحد في المسيح. (انظر: لويس غاردييه، وجورج قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ترجمة: صبحي الصالح، وفريد جبر، دار العلم للملايين، بيروت، ط 1، 1967/ط 2، 1979، ج 2، ص ص 14 – 15).

(12) – ساهم اليعاقبة والنساطرة في ترجمة العديد من الكتب اليونانيّة "إلى اللغة السريانيّة أخت اللغة العربيّة. فكلتاهما سامية". وترجم النساطرة أيضا لأفلاطون وأرسطو. وكانت "هذه النصوص غالبا مأخوذة ممّا نقل عن الآباء في مدرسة الإسكندريّة، أو من تيّار الإفلاطونيّة المحدثة". (نفس المرجع، ج 2، ص ص 20 – 21).

(13) – انظر: لويس غاردييه، وجورج قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 2، ص 127.

(14) – نفس المرجع، ص 51.

(15) – جميع الرواقيين المعروفين بهذا الاسم في القرن 3 م كانوا من الأغراب والدخلاء على أثينا، قدموا من الأمصار الواقعة في أطراف الحضارة اليوانيّة وعند تخومها، وهي أمصار معنيّة بالتراث المدني المتمحور حول فكرة وحدة اليونان الكبرى، ومتأثرة بمؤثرات أخرى غير المؤثرات الهيلينيّة، وعلى الأخص الصادر منها عن شعوب مجاورة من عرق سامي. فزينون مؤسّس الرواقية، رأى النور في كتيوم، إحدى مدن قبرص، وهي المدينة عينها التي أنجبت تلميذه برسيوس، أما المؤسّس الثاني للمدرسة، كريزيبوس، فمن مواليد طرسوس أو صولي من أعمال قليقيا، كما أن ثلاثة من تلامذته، وهم: زينون وانتباتر وأرخيدامس، ولدوا في طرسوس، ومن بلدان سامية قحة..(انظر: أميل برييه، تاريخ الفلسفة: الفلسفة الهلنستية والرومانية، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، ط 2، 1988،  ص 37).

(16) – نسبة لأفلوطين Plotin (ت 270 م) زاهد وصوفي وفيلسوف ولد بمصر/ليكوبوليس، تأثر بأفلاطون، وهو مؤسّس الإفلاطونية الحديثة. حاول التوفيق بين الفلسفة اليونانية والمعتقدات الدينيّة الشرقيّة بما فيها المسيحيّة. جمع فورفوريوس تعاليمه بعد وفاته في كتاب عن حياته: الرسائل الأربعة والخمسون، وزّعها على ستّة أقسام في كلّ قسم تسع رسائل، لذلك سمّيت بـ"التاسوعات" Ennéades وهي رسائل تعكس تعليمه الشفهي. (انظر نفس المرجع، ص ص 243 – 244).

 (17) – BREHIER  EMILE, Histoire de la philosophie ; Tome 1 ; L"antiquité et le moyen Age, Période Hellénistique et Romaine , Presses Universitaires de France, Edition revue et Mise a Jour, Paris 1981,/ترجمه للعربيّة: جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط 2، 1988، ص 296.

(18) – Hellénisme روح وفكر العصر الهيليني، وهو العصر الذي يقع بين خروج الإسكندر الأكبر من اليونان لغزو العالم (323 ق.م) حتى سقوط الممالك اليونانية على يد الدولة الرومانيّة (30 ق.م) وتختلط فيه الفلسفات اليونانية بالمعتقدات والأفكار غير اليونانيّة لشعوب آسيا الوسطى والبحر الأبيض. ظهر في هذا العصر فلاسفة لم يكونوا يونانيين ولكنّهم سكنوا أثينا وكتبوا باليونانيّة مثل "زينون"، "أبيقور" ، "فيلون" .. وكان على رأس هذا الفكر مدرستان من أكبر مدارس الفكر قاطبة وهما الأبقوريّة والرواقيّة. (عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، مكتبة مدبولي، مصر، ط 3، 2000، ص 914).

(19) – نفس المرجع، ص 290.

(20) – نفس المرجع، ص ص 34 – 35.

(21) – هرناك، تاريخ العقائد، م 2، ص 273./عن أميل برييه، تاريخ الفلسفة: الفلسفة الهلنستية والرومانية، ص 324.

(22) – نفس المرجع، ص 324.

(23) – يعترف المسيحيّون أنّ هناك صعوبات تعترض كلّ من يحاول فهم أصول ومصادر عقيدة الثالوث، يقول "الأب سليم بسترس" "يستحيل .. تكوين صورة واضحة عن يسوع التاريخي استنادا إلى تفسير حرفي للعهد الجديد. ذلك أنّ أسفار العهد الجديد كلها شهادات إيمان الرسل والتلاميذ الذين اختبروا المسيح القائم بين الأموات. وكل ّ منهم يروي سيرة يسوع على ضوء إيمانه. ومع ذلك يجد التأكيد على أنّ ما يروونه ليس اختراع مخيّلتهم، بل هي أحداث واقعيّة عن يسوع الناصري الذي عاشوا معه وآمنوا به. فيجب من ثمّ من الناحية المنهجيّة الأخذ بعين الإعتبار الناحيتين معا: الرواية على ضوء الإيمان، ورواية أحداث واقعيّة." (الأب سليم بسترس، الفكر المسيحي بين الأمس واليوم: اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر، منشورات المكتبة البولسيّة، لبنان، ط 2، 1989، ج 2، ص 38).

(24) – آريوس Arius رسم كاهنا في الاسكندريّة.  تعتبره الكاثوليكية من الهراطقة.// مما قاله أريوس أن المسيح ما دام ابن الله فلا بدّ أن يكون أصغر منه، لأن الأب أسبق في الوجود على الابن. وان تكن طبيعة المسيح مشابهة لطبيعة أبيه، فإنّها ليست من طبيعته نفسها. ومن هنا سمي أنصاره بأصحاب الطبيعتين.//أنكر لاهوت المسيح. مات موتا غامضا في 336 م. (انظر: الأب صبحي حموي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، ص 32).       

(25) – ابن الله Fils اسم يطلق في الكتاب المقدّس على الملائكة وعلى خلف شيت وعلى شعب اسرائيل، وبنوع خاصّ على يسوع المسيح، وعلى كلّ مسيحي معمّد أخيرا.. (نفس المرجع، ص 8).

(26) – Le Pére تسمية عربيّة للدلالة على الله الآب.//اسم سمّي به يسوع ذلك الذي أرسله "أبي وأبوكم" (متى 7: 21 ولو 2: 29 ومتّى 5: 45..) ويعتقد المسيحيّون أنّ يسوع كشف لهم بقوله في نفسه إنّه ابن الآب، المساوي للآب والمتّحد بالآب ( يو 17: 11 و21: 22).. (نفس المرجع، ص 1).

(27) – جوهر Substance استعملت هذه الكلمة منذ القرون الأولى للدلالة على الـ"أوسيّا" واستعملت أيضا "بالإضافة إلى كلمة طبيعة" للدلالة على الـ"فوسيس". (الأب حموي صبحي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، ص 181).

(28) – أقنوم Hypostase. جاء في "معجم الإيمان المسيحي" أنّه "بهذه الكلمة أو بكلمة "شخص" نترجم كلمة "هيبيطاسيس" اليونانيّة الدالّة على الجوهر، أي على ما يجعل الإنسان أن يكون ما هو.فنقول إنّ الله واحد في ثلاثة أقانيم (أو أشخاص)، ونقول إنّ يسوع المسيح أقنوم واحد (أو شخص إلاهي واحد) في لاهوته وناسوته." (نفس المرجع، ص ص 55 – 56).

(29) – الرّوح القدس Saint-Esprit  "بالروح القدس يتحد الله بالإنسان ويصل الإنسان إلى الله. فالرّوح القدس هو الإلاه الذي كلّم الإنسان بواسطة الأنبياء، وكلّم الإنسان بالمسيح، ولا يزال اليوم يتكلم بالوجود المسيحي على مدى الزمن… يقول بطرس الرسول في رسالته الثانية: "لم تأت نبوّة قطّ عن إرادة بشر، وإنّما بإلهام الروح القدس تكلم رجال الله القديسون" (2 بطرس 1: 21).." و"الروح القدس هو حضور الله نفسه في الكون" (الأب سليم بسترس، الفكر المسيحي بين الأمس واليوم 3: اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر،ج 2 ص ص 113 – 114).

(30) – برييه أميل، تاريخ الفلسفة: الفلسفة الهلنستية والرومانية، ص ص 325 – 326.

 (31) – نفس المرجع، ص 290.

(32) –  بعد رحيل عيسى عن العالم سنة 37 م، وحتى انعقاد المجمع النيقي في 325 م حصلت تطوّرات جذريّة يمكن أن تكون لها صلة بتحويل شخصيّة عيسى المسيح الناصري – التاريخيّة – إلى شخصيّة عيسى الهلنسيتيّة الميثولوجيّة المسمّاة باليونانيّة "كريجما" بمعنى الرسالة أو الاعلان، إنّها أسطورة الآلهة التي تموت ثم تحيا من جديد في الميثولوجيا الإغريقية وفي الديانات الهلنستية الغامضة.(Kelber OWG p 5), (funk HTJ p 39 ; 257) , (Mack WWNT p 79 FF) , (DaWes HJQ p 277)/عن محمد فاروق الزين، المسيحيّة والاسلام والاستشراق، دار الفكر المعاصر- لبنان، دار الفكر – سوريّة، ط 1، 2000، ص 88). 

33) –  فيلسوف أفلاطوني عاش في روما في عهد الأنطونيين (ق2 م) اشتهر بطعونه في المسيحيّة وممن رد عليه أورجانوس في كتابه "الرد على قالسوس". (أميل برييه، الفلسفة الهلنستية والرومانية، ص 293).

(34) –  نفس المرجع، ص 294.

(35) – Gnostisem الغنوصيّة جاءت من الكلمة اليونانيّة Gnosis التي تعني المعرفة الحدسيّة الباطنيّة أو العرفان بمصطلح التصوّف الإسلامي . والغنوصيّة حركة فلسفيّة ظهرت في أوروبّا والشرق الأوسط وازدهرت في القرنين 2 و8 الميلاديين حيث تكوّنت لها فرق من النصارى وغيرهم ممّن كانوا يعتقدون معرفة أسرار الطبيعة والكون وأصل البشريّة والقضاء والقدر.. اعتقد الغنوصيّون أنّ بإمكان الناس انقاذ أنفسهم من الاثم بالوصول إلى المعرفة الروحيّة، كما اعتقد معضمهم بوجود كائن علوي بعيد غير معروف. واعتقد معظم النصارى الغنوصيين أنّ المسيح كان رسولا من السماء، وجلب المعرفة المقدّسة للنصارى العاديين، وادعوا أن المسيح حلّ مؤقتا في جسم بشري، لذا فهم ينفون موته وبعثه كما نصّ على ذلك العهد الجديد.ساهمت العديد من الفلسفات والديانات القديمة في نشوء الغنوصيّة. وهاجم كثير من زعماء النصارى مثل القديس ايرانيوس هذه الحركة وأعمال الهرطقة التي تضمنتها.. الخلاص في الغنوصيّة يتأتى عن طريق فعاليّة روحانيّة داخليّة تقود إلى معرفة النفس، ومعرفة النفس تقود إلى معرفة الطبيعة الانسانية، ومصير الإنسان، وفي أعمق مستوياتها تقود إلى معرفة الله ذوقا وكشفا وإلهاما..(الموسوعة= =العربيّة العالميّة، مؤسّسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض – السعوديّة، ط 2، 1419 هـ/1999 م ج 17، ص 123).انظر أيضا: فراس السواح، الوجه الآخر للمسيح، منشورات دار علاء الدين، سورية، ص ص 66).

(36) – انظر: أميل برييه، تاريخ الفلسفة: الفلسفة الهلنستية والرومانية، ص 312.

 (37) – كلمة Parole:"الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس//كلمة الله أو الكلمة، كلّ تعبير عن فكر الله، سواء كان في الخليقة، أم في أقوال أنبياء شعب الله وحكمائه، أم في الكتب المقدّسة الملهمة.. (الأب حموي صبحي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، ص 399).

 (38) – المدخل، الفصل 9./عن أميل برييه، تاريخ الفلسفة: الفلسفة الهلنستية والرومانية، ص 313.

 (39) – نفس المرجع، ص 313.

(40) – الطنافس، الكتاب 2، الفصل 2،/ عن نفس المرجع، ص 313.

(41) – الطنافس، الكتاب 2، الفصل 6،/ عن نفس المرجع، ص 314.

(42) – نفس المرجع، ص 314.

(43) – نفس المرجع، ص 214.

(44) – نفس المرجع، ص ص 215 – 216.

 (45) – Sacerdoce وظيفة من كان لهم امتياز المقدّسات أو بعض الصلات العامّة بالألوهة، إمّا لتقريب الذبائح والصلاة باسم الشعب، وإما لتبليغ الشعب بعض تعاليم الله وبركاته. … //كهنوت المؤمنين: لم ينسب يسوع الكهنوت إلى شعبه، ولكن كما أنّه أظهر كهنوته بتقريب ذبيحته وخدمة الكلمة، كذلك دعا كلاّ من خاصته إلى أخذ نصيبه من هاتين الوظيفتين. فعلى كل تلميذ أن يحمل صليبه (متى 16: 24) ويشرب كأسه (متى 20: 22 و26: 28) ويحمل رسالته (لو 9: 20 و10/ 1: 16)ويشهد له حتى الإستشهاد (متى 10/ 17: 42). فبولس وسائر الرسل ينظرون إلى إيمان المؤمنين نظرهم إلى ذبيحة وتقدمة (روم 12/1 وفل 3/3 وعب 9/14 و12/28 و13/15 ويع 1/26 ت)…  (انظر: الأب صبحي حموي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، ص 405).       

(46) – بيوس 12: الخطاب "عظّمو الربّ"، 2 تشرين الثاني 1954: أعمال الكرسي الرسولي 46 (1954) ص 669. – الرسالة العامة "وسيط الله"، 20 تشرين الثاني 1947: أ. ك. ر. 39 (1947) ص 555./عن المجمع الفاتيكاني الثاني: دساتير – قرارات – بيانات، أشرف على الترجمة عن الأصل اللاتيني، الأب حنّا الفاخوري،  منشورات المكتبة البولسيّة، لبنان، ط 1، 1992، ص 45.

(47) – نفس المرجع، ص 217.

(48) –   A. Gardiel, Le donné révélé et la théologie, éd du Cerf, Paris, 1932, p 250./ عن لويس غاردييه، وجورج قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 3، ص 33.

(49) – يرى كلّ من لويس غاردييه، وجورج قنواتي، أنّ الغزالي في استخدامه لعلم الكلام وضع قيودا أبرزت حقيقة موقفه من هذا العلم. وحذره الشديد بوجه الإجمال، بحيث أنّ المقالة التي وضعها في هذا العلم، وهي كتابه: "الاقتصاد في الاعتقاد" توشك أن تظهر بمظهر تواطئ مؤقّت، يكاد يكون تساهلا. ويذكر أنّ الفئة التي يوصيها وحدها بالنظر في علم الكلام، والتي من أجلها وحدها يصلح للمتكلمين أن يعملوا، هي فئة الذين عرضوا للضلال، ثم لا يسعهم الشفاء منه إلا بالحجج والأدلة. فإنّما في الأمر وظيفة علاجيّة قبل كلّ شيء. ولئن كان النظر في علم الكلام فرض كفاية، وليس فرض عين، فلأنّ الغاية من علم الكلام هي الشفاء من الشكوك والردّ على تشويشات الخارجين عن السنّة واشتباهاتهم". ويوصي الغزالي في كثير من المواضع بالنظر في علم الكلام، بطريقة "تفضي بالذي كان على الحقّ إلى درك ما ينطوي عليه الايمان من حقائق". وقد طلب أبو حامد نفسه، "هذه الطريقة بعد ذلك، من المعرفة التي يكفلها التصوّف لأهله." (انظر: الإقتصاد في الاعتقاد، للغزالي، القاهرة، ص ص 7 – 8./عن نفس المرجع،  ص 33.

(50) – انظر: الباجوري، جوهرة التوحيد، القاهرة، 1352 هـ، ص ص 14 – 15.

(51) – انظر: لويس غاردييه، وجورج قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 3، ص 34.

(52) – "إنّ الكنيسة الشرقيّة لم تميّز قطّ بوضوح بين التصوّف وعلم اللاهوت، أو بين إدراك الغيبيّات الإلاهيّة بالتجربة الذاتيّة الشخصيّة والعقائد التي تثبتها الكنيسة" (فلاديمير لوسكي، بحث في علم الكنيسة الشرقية التصوفي، ص 6./عن نفس المرجع، ج 3، ص 37).

(53) – نفس المرجع، ج 3، ص 37.

(54) – نفس المرجع، ج 3، ص 38.

(55) – لويس غاردييه، وجورج قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص 218.

(56) – نفس المرجع، ص 219.

(57) – نفس المرجع، ص 219.

(58) – انظر: أوغسطينس، "مدينة الله" ، الكتاب 8، الفصل 4.

(59) – لويس غاردييه، وجورج قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص ص 219 – 220.

(60) – وريث حكمة القدامى، المربي الأول الذي تدين له العصور الوسطى الحديثة بأصول ثقافتها. ولد في روما سنة 480 م. نشأ في روما وأكمل ثقافته في أثينا وربما في الإسكندريّة. فاطلع على الأفلاطونيّة المحدثة والأرسطية والرواقيّة، وعزم على أن يطلع الرومان على فلسفة أرسطو وأفلاطون قاصدا أن يبين توافق الرجلين في جوهر تفكيرهما. من أهم كتبه "التعزية الفلسفيّة". وأعدم بعد اتهامه بالخيانة العظمى للبيزنطيين على دولة الغوط، في 524 م. (انظر: نفس المرجع، ص 220).

(61) – نفس المرجع، ص 220.

(62) – في عرف الحكماء هي الجوهر القابل للإتصال والانفصال، وهي محلّ للصورتين أي الجسميّة والنوعيّة وهي الهيولى الأولى. وأما الهيولى الثانية فهي جسم تركّب منه جسم آخر كقطع الخشب الذي تركّب منه السرير. والهيولى لفظ يوناني معناه الأصل والمادّة. وقال بعضهم الهيولى في الأصل هيئة أولى والهيئة هاهنا بمعنى الجوهر. (موسوعة مصطلحات جامع العلوم، "الملقّب بدستور العلماء"، للقاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري، تقديم رفيق العجم، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط 1، 1997، ص 965).

(63) – لويس غاردييه، وجورج قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص 221.

(64) – نفس المرجع، ص 226.

 (65) – انظر: نفس المرجع، ص ص  226 – 227.

 (66) – انظر: نفس المرجع، ص 230..

 (67) – انظر: نفس المرجع، ص 230..

(68) – يرى ل. غارديه وج. قنواتي أنّ علم العقائد الإسلامي، وفي التصنيفات التي تعين للكلام منزلته حقا، يؤخذ مبدأ التصنيف تارة من التمييز بين العقل والنقل، وطورا من التمييز بين العلوم الدنيويّة والعلوم الأخرويّة، كما هو الأمر مثلا في تصنيفات الغزالي. (انظر: فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص 236).

(69) – انظر: Saint Augustin, La cité de Dieu, traduction de L"abbé g. vidal, Avignon, maison Aubanel Pére, 1930, Liv VIII, ch x.                                                                                                                                                                                        

(70) – محمود الخضيري زينب، لاهوت التاريخ عند القدّيس أوغسطين، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، ص 42.

(71) – Augustinus, Decivitate dei Contra Paganos, Lipsiae Sumtibus Ernesti Bredtiti, 1877, I, 35, p 37./عن نفس المرجع ص 42.

(72) – نفس المرجع ص 42.

(73) – La Cité de Dieu, XIII, 16, p 220./ عن نفس المرجع ص 48.

(74) – La Cité de Dieu; III, 49, p 500./عن نفس المرجع ص 43.

(75) – نفس المرجع ص 43.

(76) – Guitton Jean, Le Temps et l"éternité chez Plotin et Saint Augustin, Boivin et Cie, éditeurs, Paris, p 306./عن نفس المرجع، ص 55.

(77) – Paul ولد في طرسوس قليقية حوالي 10 م وقطع رأسه في روما حوالي 67 م. كان فريسيّا متشدّدا، اضطهد المسيحيّين الأوّلين. لكنّه اهتدى إلى المسيحيّة على اثر ترائي يسوع له (رسل 9 و22 و26) فأصبح الرسول المثالي. علم التحرّر المسيحي من شريعة موسى (غل 2: 7) .. قام بدور حاسم في توجيه الكنيسة. (انظر: الأب صبحي حموي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، ص 118).

 (78) – Guitton Jean, Le Temps et l"éternité chez Plotin et Saint Augustin, , p 307./عن نفس المرجع، ص 55.

 (79) – نفس المرجع، ص ص 55 – 56.

(80) – shotwell. J. Th ; The History, New York, 1939, p65./عن نفس المرجع، ص 54.

(81) – ولد في أنطاكيا، رسم كاهنا في 386 م فانصرف إلى الوعظ قبل أن يصبح أسقف القسطنطينية في 398 م توفي في المنفى في 407 مأولته أعماله الأدبيّة مكانة طليعيّة في آباء الكنيسة، بصفته كاتبا أخلاقيّا ومفسّرا. استحقّ ببراعته الخارقة في الكلام أن يلقّب بـ"الذهبي الفم" (انظر: الأب صبحي حموي اليسوعي، معجم الإيمان المسيحي، ص 555).

(82) – شرح على انجيل متى، المفتتح./عن: أميل برييه، تاريخ الفلسفة: الفلسفة الهلنستية والرومانية، ص 325).

(83) – أساسا حول المسيح أهو ذو طبيعة واحدة أم طبيعتين/ناسوتيّة ولاهوتيّة، وقضيّة وحدة الأقنوم في المسيح.

(84) – الفارابي أبو نصر، إحصاء علوم الدين، طبعة القاهرة، 1968، ط3، ص ص 107 – 108.

 (85) – نفس المصدر، ص 108.

(86) – انظر: مروّه حسين، النزعات الماديّة في الفلسفة العربيّة الإسلاميّة، دار الفارابي، بيروت، ج 1، ص 844.

(87) – التهانوي محمد علي، كشّاف اصطلاحات الفنون، طبعة كلكتة 1862، بيروت، ص ص 22 – 23.

 (88) – الإيجي عضد الدين، المواقف في علم الكلام، عالم الكتاب، بيروت، ج 1، ص 7./ ولمزيد التوسّع يمكن الرجوع إلى: ابن النديم، الفهرست/الشهرستاني، نهاية الإقدام في علم الكلام/الجويني، الإرشاد/فخر الدين الرازي، المحصّل/وابن خلدون، المقدّمة/طاش كبري زاده، مفتاح السعادة،/السنوسي، أمّ البراهين/الباجوري- القاني، جوهرة التوحيد/عبده، رسالة التوحيد، وغيرهم كثير…

(89) – نفس المرجع، ص 11.

(90) – لمزيد التوسّع يمكن الرجوع لـ: ابن النديم، الفهرست/الشهرستاني، نهاية الإقدام في علم الكلام/الجويني، الإرشاد/فخر الدين الرازي، المحصّل/ابن خلدون، المقدّمة/طاش كبري زاده، مفتاح السعادة/السنوسي، أمّ البراهين/الباجوري- القاني، جوهرة التوحيد/عبده، رسالة التوحيد، وغيرهم كثير…

 (91) – انظر: أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين، دار الحداثة، بيروت، ج 1، ط 2، 1958، ص 311.

 (92) – انظر: ت . ج . دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، القاهرة، ط 4، 1957، ص ص 95 – 96.

(93) – كوربان هنري، تاريخ الفلسفة الإسلامية، بيروت، 1966، ص 169.

 (94) – انظر: الرازي فخر الدين، خلق القرآن بين المعتزلة وأهل السنّة، دار الجيل، بيروت، 1992.

(95) – انظر في هذا الإطار: أحمد أمين، ضحى الإسلام/ابن خلدون، المقدّمة/احمد محمود صبحي، في علم الكلام.

(96) – مصطلح أهل السنّة والجماعة يستخدم بشكل خاصّ للدّلالة على المذهب السنّي الذي يعتمد على تمييز أنفسهم عن باقي الطوائف الأخرى، كالباطنيّة مثل الشيعة أو الخوارج. وهو مفهوم سياسي يتبدى من خلال تأكيد فقهاء هذه الجماعة دوما على وحدة الجماعة ومنع الفتنة، وهو موقف بدأت بوادره في موقف الكثير من الصحابة رضي الله عنهم عندما اعتزلوا الفتنة. (الصراع بين معاوية وعلي رضي الله عنهم) من ثم قبلوا بحكم معاوية بعد أن استتبّ له الأمر خوفا من الفتنة. ويرجع تاريخ أهل السنّة ونشأتهم أيضا إلى الخلافات التي كانت قائمة على أشدّها بين الفرق الإسلاميّة المختلفة. (انظر: عبد الفتاح أحمد فؤاد، الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانيّة، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الاسكندريّة، ط 1، 2003 م، ج 1، ص 73).

(97) – انظر في هذا الإطار: ما قرّره الأشعري عن أصحاب الحديث في أمور الاعتقاد من أهل الحديث أنفسهم، وهي الكتب المؤلفة في عقيدة أهل السنة والجماعة على طريقة أهل الحديث:

   – اعتقاد أئمّة أهل الحديث، للحافظ الإمام أبي بكّر الإسماعيلي.

   – اعتقاد السلف أصحاب الحديث، للحافظ الإمام شيخ الإسلام أبي عثمان إسماعيل الصابوني.

   – شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة، للحافظ الإمام شيخ الإسلام أبي القاسم اللالكائي.

   – الحجّة في بيان المحجة، للإمام الحافظ أبي محمد الفضل التميمي الأصبهاني. وغيرهم من كتب أهل السنّة والجماعة.

   – شرح العقيدة الواسطيّة، لشيخ الإسلام ابن تيمية.

(98) – انظر كتاب الفقه الأكبر في التوحيد، لأبي حنيفة نعمان بن ثابت، (ت 150 هـ/767 م). والفقه الأكبر، للشافعي محمد بين إدريس، (ت 204 هـ/820 م)، وقواعد العقيدة السنيّة عندهم.

(99) – ل. غارديه وج.قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص 250.

(100) – انظر: الرسائل السبع في العقائد، ط 2، حيدر آباد، 1367 هـ/1948 م.

 (101) – القاعدة 1: لا نكفّر أحدا بذنب ولا ننفي أحدا على الإيمان.

(102) – القاعدة 3: إنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

 (103) – القاعدة 4: لا نبرأ من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نتولى أحدا دون أحد.

(104) – القاعدة 5: إنّا نردّ أمر عثمان وعلي (رضي الله عنهما) إلى الله وهو عالم السرّ والخفيات.

 (105) – القاعدة 7: اختلاف الأمة رحمة.

 (106) – القاعدة 9: من قال: لا أعرف الله أفي السماء أم في الأرض فقد كفر.

(107) – القاعدة 10: من قال لا أعرف عذاب القبر، فهو من الطبقة الجهميّة والهالكيّة. (انظر: الرسائل السبع في العقائد، ط 2، حيدر آباد، 1367 هـ/1948 م).=

(108) – ل. غارديه وج.قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص 251.

 (109) – انظر النصّ كاملا في "العقيدة الإسلامية"، ص ص 125 – 131. والنص في "الرسائل السبع" المذكورة آنفا.

(110) – انظر: ل. غارديه وج.قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص ص 252 – 253.

(111) – نفس المرجع، ج 1، ص 253.

(112) – نفس المرجع، ج 1، ص 253.

 (113) – نفس المرجع، ج 1، الصفات 255 – 256 – 257 – 258 – 259.

 (114) – ورد ذكر العقيدة الأشعريّة في كتاب "الإبانة عن أصول الديانة"، لأبي الحسن الأشعري.

 (115) – الأشعري أبو الحسن، الإبانة عن أصول الديانة، دار الأنصار، القاهرة، ط 1، 1397 هـ، ص 20.

(116) – نسبة للمحّدث والفقيه والمتكلم الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله، (ت 241 هـ/855 م/ من بغداد)، زعيم المتمسّكين بالنقل ومقاومة الرأي، والمدافعين عن النزعة السلفيّة.

 (117) – ل. غارديه وج.قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص 260.

 (118) – القاعدة 1: "إنّ الله إلاه واحد فرد صمد لا إلاه غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا"، (الإبانة عن أصول الديانة، ص 20).

 (119) – القاعدة 6: "إنّ الله استوى على عرشه، وإن له وجها ويدا وعينا بلا كيف، وأن من زعم أن اسم الله غيره كان ضالا. وأنّ لله علما، ونثبت لله قدرة والسمع والبصر، وكلامه غير مخلوق"، (نفس المصدر، ص 20).

 (120) – القاعدة 13: "وندين أن الله يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر ويراه المؤمنون"/ "ونقول: إنّ الله تعالى يقرب من عباده.. كما قال " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.."(سورة النجم الآيات 8 – 9) ، (نفس المصدر، ص 20).

(121) – القاعدة 26: "ونصدق بجميع الروايات التي أثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا"، (نفس المصدر، ص 20).

(122) – القاعدة 45: " وندين بأنّ الله تعالى يعلم … ما يكون وما لا يكون .."، (نفس المصدر، ص 20).

(123) – انظر: نفس المصدر، ص 20.

(124) – انظر: ل. غارديه وج.قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، الصفحات من 260 إلى 264.

(125) – نفس المرجع، ص 281.

(126) – نفس المرجع، ص ص 75 – 76.

(127) – انظر على سبيل المثال إلى طريقة الباقلاني في "التمهيد"، فهو يمزج بين تقرير العقائد، وبين ردّ ومناقشة الفرق غير الإسلاميّة من مانويّة ويهود ونصارى وغيرهم.. وإنّ الباقلاني لينتهزها فرصة سانحة يعرض فيها بقول موجز لاآرائه في مذهب الذرّة  مقسّما المحدثات إلى جسم مؤلّف وجوهر فرد وعرض. ثم يتوسع في القول في الأعراض فيثبت طبيعتها ووجودها. والغاية من تلك التمهيدات في نظره، أن يقيم الدليل أولا على حدوث العالم ثم على وجود الله. (انظر: كتاب التمهيد، الباقلاني، طبعة الخضيري وأبو ريدة، القاهرة، 1366 هـ/1947 م، ص ص 42 – 44).

(128) –  ل. غارديه وج.قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص ص 287 – 288.

(129) –  نفس المرجع، ص 288.

 (130) –  انظر: نهاية الإقدام، للشهرستاني، ص 3./عبر الأنترنت: موقع الورّاق http://www.alwarraq.com

(131) –  انظر: ل. غارديه وج.قنواتي، فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحيّة، ج 1، ص 294.

 (132) –  Illumination بمعنى العرفان، الذي يرادف المعرفة النورانيّة التي يتلقاها القلب مباشرة عن الله، كالنور الذي الذي قذفه الله في صدر  الغزالي، والذي حكى عنه في تجربة الشكّ التي عاشها./انظر كتابه: المنقذ من الضلال.

(133) – أثبت الشيرازي بطرقه البرهانيّة الحركة الجوهريّة على أنّها مصدر الحركات الكميّة والكيفيّة والوضعيّة والإينيّة، فالوجود المادّي يتحرّك بجوهره وبتمام ذاته فهو حركة ومتحرّك. (آل بزرون أحمد قاسم، وعلي جليح حسين، المنهج الاستنطاقي في علم الكلام الجديد، فراديس للنشر والتوزيع، مملكة البحرين، ط 1، 2008، ص 13).

(134) – نفس المرجع، ص ص 12 – 13.

(135) – تيزيني طيّب، من اللاهوت إلى الفلسفة العربيّة الوسيطة، "القسم الأوّل: الفكر العربي قبل الفلسفة وحتى تخومها"، دار ورد، دار بترا، دمشق، ط 1، 2002، ص 70.

(136) – نفس المرجع، ص 70.

(137) – انظر مع المقارنة: هنري كوربان، تاريخ الفلسفة الإسلاميّة، بيروت، 1966، ص 103.

(138) – يقول تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا. (سورة مريم، الآيات 16 – 17).

(139) – سورة الشورى الآية 11.

(140) – تيزيني طيّب، من اللاهوت إلى الفلسفة العربيّة الوسيطة، ص ص 70 – 71.

(141) – في الفكر الصوفي: أجمع المتصوّفة على أنّ الأشياء موجودة في الخارج كما هو مذهب النظّار غير أنّهم قالوا هي موجودة بوجود زائد على الوجود الحقّ سبحانه ، وليس هذا مذهب الكمل أصحاب الكشف التامّ. وما صدرت هذه المقالات إلاّ من جماعة مزجت الحكمة بكلام أهل الله وأخذت أقوالهم على حسب الحكمة بكلام أهل الله وأخذت أقوالهم على حسب ما استحسنته أفكارهم. (الجيلي، رسالة الأنوار، 13، 11).

    – أما في الفكر الحديث: "يسوقني الخضوع لوحدة الوجود أن أصل الكائنات هو هذا الفضاء غير المتناهي المتساوي الأطراف المتماثلها بأن يؤثر كل قسم من أقسامه وكل نقطة من امتداده في غيره من الأقسام والامتدادات، فتحصل القوى البسيطة والحركات غير المحسوسة. فيتلاقى بعض هذه الحركات وتتركّب وتنشأ عنها الجواهر أو ذرّات الأثير، ثم يحصل بسبب حركات الأثير جواهر المادّة فتجتمع وتتألّف منها الدقائق ومن الدقائق تتألّف الأجسام." (جميل الزهاوي، الكائنات، 206، 6).

     القول بالذات يبطل القول بـ"وحدة الوجود" كما يبطل القول بأنّ الله معنى لا ذات له أو قوّة غير واعية. فإنّ القائلين بوحدة الوجود يرون أن الكون هو الله وأنّ الله هو الكون، وأنّه لا فرق بين الخلق والخالق ولا بين المظاهر الماديّة والحقائق الإلاهيّة. (العقّاد، الله والعقيدة= =الإسلاميّة، 59، 16)./انظر: جماهي جيرار ودغيم سميح، الموسوعة الجامعة لمصطلحات الفكر العربي والإسلامي، (تحليل ونقد)، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط 1، 2006، ج 2، ص 3040).

(142) – هو من المفاهيم التي ارتبطت بالفكر الديني والفلسفي الهندي والفارسي واليوناني القديم، ويعني المماثلة بين الله والعالم وانصهارهما الكلّي، أي أنّ الله ماثل في الطبيعة. إلاّ أنّ الأمر مختلف عند صوفيّة الإسلام، فهم يعترفون بالوجود المفارق لله، وباختصاصه تعالى بماهية له وإن يتجلّى في الكون والإنسان.

(143) – في الفكر الصوفي:هو تأثير أنوار الحقّ بحكم الإقبال على قلوب المقبلين الجديرين بأن يروا الحقّ بقلوبهم، والفرق بين هذه الرؤية ورؤية العيان هي أن المتجلي إذا أراد يرى، وإذا أراد لا يرى، أو يرى وقتا ولا يرى وقتا آخر. (الهجويري، كشف المحجوب، 2، 633، 17).

    – أما ابن عربي فيرى أنّ "التجلي هو اختيار الخلوة والإعراض عن كلّ ما يشغلك عن الحقّ." (ابن عربي، التعريفات، 17، 9). ثم يعرّفه قائلا: "وهو عند القوم ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب وهو على مقامات مختلفة.." (ابن عربي، الفتوحات المكيّة، 2، 485، 20).

      أما الفيض فهو "زيادة على ما يحمله المحل، وذلك أنّ المحل لا يحمل إلا ما في وسعه أن يحمله، وهو القدر والوجه الذي يحمله المخلوق وما فاض من ذلك وهو الوجه الذي ليس في وسع المخلوق أن يحمله يحمله الله، فما أمر إلا وفيه للخلق نصيب ولله نصيب." (ابن عربي، الفتوحات المكيّة، 4، 98، 25).

   – وتعتبر مقولة الفيض في الفلسفة إحدى أسس النظريّات الجداليّة للعالم تكوينا وتطوّرا، وكذلك تفسيرا للعلاقة بين السفلي والعلوي، الحديث والقديم، الكثرة والوحدة. فكيف بنا نفسّر قدم العالم مثلا دون المسّ بذاتيّة الله ووحدانيته؟ بالفيض طبعا، نظرا لارتباط الكون ككلّ يفيض الواحد أزلا. ولعلّ تقبّل نظريّة الفيض لدى بعض المشّائين كاالفارابي وابن سينا قد أمسى طرحا لهم وفقوا بواسطته بين العلاقة الظاهرة الخارجيّة للكائنات بالله، وتلك الداخليّة الباطنيّة بين الواجب والممكن، دون الوقوع في الإثنينيّة ما دام الواحد الفيّاض لا يفيض إلاّ واحدا. لذا فالتركيب يمسي ضمنيّا شكلا وليس فعليّا طبيعة، فالعقل يعقل ذاته ويعقل واجب الوجود لكنّه يبقى واحدا. كذلك هي حال المعرفة التي يمكن أن تتمّ برهانيّا من خارج بواسطة التعقّل والتجربة، أو أن تتم من داخل انطلاقا من التبيان الذاتي évidence internel والحدس الباطني أو العرفان Gnose. فنلامس إذ ذاك مدركاتنا مركّبة مجرّدة، أو نحدسها مباشرة دون عناء تفكير. هذه العمليّة المزدوجة أدّت إلى إقامة فوارق شاسعة بين المعرفة البرهانيّة المنطقيّة والمعرفة الإشراقيّة أو الحدسيّة./انظر: جماهي جيرار ودغيم سميح، الموسوعة الجامعة لمصطلحات الفكر العربي والإسلامي، ج 2، ص ص 2148 – 2149).

(144) – تيزيني طيّب، من اللاهوت إلى الفلسفة العربيّة الوسيطة، ص 71.

 (145) – نفس المرجع، ص ص 71 – 72.

(146) – نفس المرجع، ص 72.

(147) – انظر: نفس المرجع، ص ص 72 – 73.

 (148) – الغنوصيّة Gnostisem: جاءت التسمية من الكلمة اليونانيّة Gnosis، التي تعني المعرفة الحدسيّة الباطنيّة، أو العرفان بمصطلح التصوّف الإسلامي. والغنّوصيّة حركة فلسفيّة ظهرت في أوروبّا والشرق الأوسط وازدهرت في القرنين الثاني والثامن الميلاديين، حيث تكوّنت لها فرق من النصارى وغيرهم ممّن كانوا يعتقدون معرفة أسرار الطبيعة والكون وأصل البشريّة والقضاء والقدر.

اعتقد الغنوصيّون أنّ باستطاعة الناس إنقاذ أنفسهم من الإثم بالوصول إلى المعرفة الرّوحيّة، كما اعتقد أكثرهم بوجود كائن علوي بعيد غير معروف… ويعتقد أكثر النصارى الغنوصيّين أنّ المسيح كان رسولا من السماء، وجلب المعرفة المقدّسة للنصارى العاديّين وادعوا أنّ المسيح حلّ مؤقتا في جسم بشري، لذا فهم ينفون موته وبعثه كما نصّ على ذلك العهد الجديد. وقد ساهمت العديد من الفلسفات والديانات القديمة في نشوء الغنّوصيّة. وكردّ فعل هاجم كثير من زعماء النصارى مثل القديس ايرانيوس هذه الحركة وأعمال الهرطقة التي تضمنتها. (الموسوعة العربيّة العالميّة، مؤسّسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض – السعوديّة، ط 2، 1419 هـ/1999 م، ج 17، ص 123)/انظر أيضا:  (فراس السوّاح، الوجه الآخر للمسيح، دار علاء الدين، سوريّة ط 1، 2004، ص 66).

 (149) – انظر تعريفها،  بالهامش رقم: 17.

(150) – نذكر منهم:

  أ – الخوارج: أوّل فرقة انشقت عن صفوف الجماعة وكوّنت لها آراء أخرى مستقلة سياسيّا ثمّ عقائديّا، وكانت سببا في ظهور آراء أخرى مخالفة ردّت عليها. (انظر: الأحكام السلطانيّة، للماوردي/ والأحكام السلطانيّة، لأبي يعلى القاضي/و الفرقان بين الحقّ والباطل، لابن تيمية/ وتاريخ الرسل، للطبري/ ونهاية الإقدام في علم الكلام، للشهرستاني/ والملل والنحل، للشهرستاني/ والفرق بين الفرق، للبغدادي).

  ب – الشيعة: وهم الذين قالوا بأحقيّة عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه في الإمامة على غيره من الخلفاء. وقد أوّلوا العديد من العقائد والفلسفات الأجنبيّة، تبعا لتوجّههم السياسي، ممّا أدّى إلى تصدّي متكلمي الإسلام لهم. (انظر: الشيعة في الميزان، لمحمد جواد مغنية/ وموسوعة فجر الإسلام وضحاه وظهره، لأحمد أمين/ ونشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، لعلي سامي النشّار/ وحركات الشيعة المتطرّفين، لمحمد جابر عبد العال/ وفي علم الكلام، لأحمد محمود صبحي، وأيضا كتابه: نظريّة الإمامة لدى الشيعة الإثني عشريّة/ والصلة بين التصوّف والتشيّع، لكامل مصطفى الشيبي، وأيضا كتابه: طائفة الإسماعيليّة تاريخها ونظمها وعقائدها/ ومذاهب الإسلاميين، لعبد الرحمان بدوي).

  ج – المرجئة: وهي اتجاه اسلامي حول مسألة أفعال العباد والحكم عليها، وقد سمّوا بهذا الاسم لقولهم بإرجاء أمر المختلفين الذين سفكوا الدماء بسبب تباين آرائهم حول الخلافة/الإمامة، بل قالوا أنّ الله يحاسبهم يوم القيامة كما يشاء. وقد كان الخوارج يكفّرون عليّا وعثمان رضي الله عنهما والقائلين بالتحكيم، وكان من الشيعة من يكفّر الأموييّن، وفي المقابل كان الأمويّون يرون أنّهم على باطل ويقاتلونهم. فظهرت المرجئة كاتجاه محايد، داعين إلى عدم تكفير أيّ من الأطراف، بل الأمر يرجأ كله لله ليحكم عليهم بالكفر أو الإيمان. (انظر: فجر الإسلام، لأحمد أمين/ ونشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، لعلي سامي النشّار). 

(151) – في أصول الفقه، "هو ما تشابه معناه، فلا يتوصّل إلى المقصود بلفظه". (الجويني، الجدل، 51، 11).

      وهو" ما تعارض فيه الاحتمال". (الغزالي، المستصفى، 1، 106، 9).

      "هو ما احتاج إلى بيان". (ابن تيمية، المسودة، 161، 8).

    – ومن جهة الإصطلاح، المتشابه هو اللفظ الذي خفيت دلالته على معناه مع غياب أيّة قرينة تزيل هذا الخفاء ووجود المتشابه في القرآن الكريم ثابت بالنصّ، لقوله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب .. (سورة آل عمران 7) وقد اختلف العلماء على مواضعه، فرأى البعض (ابن حزم) المتشابه في الحروف المقطعة عند أوّل بعض السور كقوله: (ألم) .. وذهب البعض الآخر إلى أن التشابه واقع بالإضافة إلى ما سبق في الآيات التي فيها ما يوحي تشبيه الله تعالى بالمحدثات كقوله تعالى: ..يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ..(سورة الفتح 10) ..وقد اهتمّ المتكلمون أكثر من غيرهم بالمتشابه من القرآن واختلفوا، ويعود سبب الخلاف إلى قوله تعالى: .. وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (سورة آل عمران 7). فمن وقف في الآية عند "الله" حصر التأويل به تعالى وحده. ومن وقف في الآية عند "الراسخون في العلم" جعل التأويل عند الله وعند الراسخين في العلم أيضا الذين يؤوّلون اللفظ بإيراد معنى ويحتمله ويتفق في القوت نفسه مع تنزيه الخالق. (انظر: جماهي جيرار ودغيم سميح، الموسوعة الجامعة لمصطلحات الفكر العربي والإسلامي، ج 2، ص ص 2488 – 2489).

(152) – وردت في القرآن الكريم على سبيل المثال عبارات في وصف الله/قدرته، جاء في ظاهرها اسم لبعض الجوارح (الأعضاء البشريّة) مضافا لله تعالى، كإسناد اليد لله كما في قوله عزّ وجلّ: .. يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ.. (سورة الفتح، الآية 10)/أو العين كما في قوله تعالى:  .. وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (سورة طه الآية 39) … أو عبارات ظاهرها أنّ الله تعالى في السماء، أو في مكان وجهة محدّدة هي جهة العلوّ المكاني والفوقيّة .. كما في قوله:.. أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء.. (سورة الملك الآية 16)./انظر أيضا:  السور: فاطر الآية 10، المعارج: 4، النحل: 50، البقرة: 255، أو آيات تسند لله تعالى الإتيان والمجيء كما في قوله تعالى: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (سورة الفجر، الآية 22).. ولم يختلف= =الجمهور الأعظم من علماء الإسلام سلفا وخلفا في كون المعنى الجسمي المادي أو الأبعادي الذي يفيده الظاهر الحرفي المباشر لمثل هذه الألفاظ غير مراد وغير مقصود من الكلام قطعا.

 (153) – وردت في الأحاديث النبويّة الشريفة نماذج من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أمثلة بيّنة وواضحة لتوسّعات في استعمال الألفاظ وإطلاق الجمل في معان مجازيّة في غير معانيها الحقيقيّة. كقوله صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال: "هذه مكّة قد رمتكم بأفلاذ كبدها"، وفي رواية: "قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها"، (روى الحديث ابن هشام في سيرته من رواية ابن اسحق معلقا/ سيرة ابن هشام، بشرح الخشني، ج 2، ص 308/ ورواه البيهقي في دلائل النبوّة ج 3، ص 43، من طريق ابن اسحق، ورواه الطبري في تاريخه، ج 2، ص 437، من طريق ابن اسحق، وقد صرّح عنده بالسماع وسنده متصل إلى عروة، فيكون حديثه مرسلا، ويكون سند الحديث ضعيفا، على اصطلاح المحدّثين.

أو كقوله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره لغلام أسود يقال له أنجشة كان يسوق مطايا النساء ويحدو حداء جميلا جعل الإبل تسرع: "يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير ! " وفي وراية: "ويحك، رفقا بالقوارير". (البخاري، كتاب الأدب، باب 90، 111، 116، ومسلم: كتاب الفضائل ح 70 – 72).

أو كقوله صلى الله عليه وسلم : "حفّت الجنّة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات" (مسلم: كتاب الجنّة، ح 1، عن أنس بن مالك وأبي هريرة (رضي الله عنهما)، والترمذي في سننه، كتاب صفة الجنّة، باب 21، وهو أيضا في سنن أبي داود، وسنن النسائي، ومسند الدارمي ومسند أحمد..

أو كقوله صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عزّ وجلّ: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني. إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ هم خير منهم. وإن تقرّب منّي شبرا تقرّبت إليه ذراعا. وإن تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت منه باعا. وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة" (صحيح مسلم: كتاب الذكر، ح 32، واللفظ له، وصحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب 15 و50)./ (انظر:سعد رستم، الذات الإلهيّة والمجازات القرآنيّة والنبويّة،الأوائل للنشر، سوريّة، ط 1، 2002، الصفحات:14 – 74 –  75 – 99).

(154) – لقّب المعتزلة بالقدريّة، وقد "جعلوا لفظ القدريّة مشتركا، وقالوا لفظ القدريّة يطلق على من يقول بالقدر خيره وشرّهمن الله تعالى، احترازا من وصمه اللقب، إذ الذمّ به متفقا عليه لقول النبيّ عليه السلام: "القدريّة مجوس هذه الأمّة" وكانت الصفاتيّة تعارضهم بالاتفاق، على أنّ الجبريّة والقدريّة متقابلتان تقابل التضادّ.." (أبو الفتح بن عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط 1، 1998، ج 1، ص 57).

(155) – انظر: الحيوان، للجاحظ، ج 2/ فضل الإعتزال وطبقات المعتزلة، للقاضي عبد الجبّار/الملل والنحل، للشهرستاني/ مقالات الإسلاميّن، للأشعري/ الخطط، للمقريزي/ من أفلاطون إلى ابن سينا، لجميل صليبا/ أبو هذيل العلاف، لعلي مصطفى الالعرّابي/ الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع هـ، لآدم ميتز…

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً