أحدث المقالات

_ أرحب بسماحتكم وآمل أن يكون صدركم رحباً إذا أكثرت من الأسئلة وبعض الإثارات، داعياً لكم بالتسديد،وهذه مجموعة من الأسئلة تتعلق بما يجري في الساحة العربية والإسلامية تحتاج إلى بحث ونظر ودراسة من ذوي الفكر النافذ، ولا أشك لحظة أن ذلك يحتل موقع الصدارة في اهتمامكم.

هناك سؤال يحتاج إلى جواب وعلاج في نفس الوقت، وهو فيما يتعلق بمفهوم الأمن والسلم، هذا المفهوم الذي هو من متطلبات كل عصر وخاصة عصرنا الراهن بلا شك. إن الله تبارك وتعالى أراد لهذا المجتمع أن يقوم على الأمن والاستقرار، فوضع الأسس والبرامج، وأول هذه الأسس طاعة الله وطاعة رسوله والسير على سنة النبي صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته عليهم السلام والرجوع إلى كتاب الله والالتزام بما فيه من أحكام وتعاليم عند التنازع والاختلاف. فإذاً الكتاب والسنة أصلان عاصمان من الزلل والزيغ والاختلاف والضلال سواء للحاكم أم المحكوم؛ فلا طاعة للحاكم في عنق الرعية إذا كان من أهل الضلال.

إلا أن هناك فهماً خاطئاً أو قل ـ إن شئت ـ : تحريفاً أو وضعاً على ما ورد في القرآن والسنة النبوية المطهرة، فمثلاً يستدل بعض على السكوت والخنوع أمام السلطان الغاشم ما دام مصلياً ومعالجة أمر طغيانه بالصبر دون الثورة ومطالبة التغيير، بالحديث المروي في صحيح مسلم: «… وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم،قالوا: قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولي عليه والٍٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة»([1]).

والفهم الخاطئ يكمن في اعتبار وجوب طاعة الحاكم ـ على كل أشكاله ـ يمنع من القلاقل والمشاكل وزعزعة الاستقرار. وأعتقد أن ذلك شكّل عاملاً مهماً في ما وصلنا إليه من تمادي الحكّام في الظلم والجور والقمع في كل ألوانه. ودعا بعضاً إلى محاولة التغيير فأخطأ في محاولته؛ فساد الهرجُ والمرجُ. فلا بد من تصحيح لهذا الفهم.

لكن يا ترى كيف نستطيع أن نصحح والكل متمسك بما لديه وأصبح حال المسلمين أشبه بقول الشاعر:

نحن بما عندنا وأنت بما   عندك راض والرأي مختلف

وإذا لا بد من حوار وتلاق وتصحيح فكيف يمكن أن يكون هذا التصحيح وفي هذا الوقت خاصة؟ وهذا الحوار لا بد من مرتكزات يرتكز عليها؛ فما أهم هذه المرتكزات؟

مبدأ التعارف في الإسلام، تأصيل للسلم الاجتماعي

_ الحقيقة ينقسم هذا السؤال إلى قسمين: قسم يتعلق بمبدأ السلام في الاجتماع الإسلامي وفي الاجتماع الإنساني في التصور الإسلامي، وقسم آخر يدور حول علاقة السلطة بالمجتمع. وطبيعي أن هذين المحورين يتقاطعان ويتباينان أحياناً؛ فلا بد من الإجابة عليهما بالترتيب، وأن ننظر ـ أولاً ـ إلى مبدأ السلام في التصور الإسلامي، وهنا علينا أن نلاحظ منذ البداية أن هذه الدعوة الدينية الكبرى سميت دعوة الإسلام. ولا بد لأبسط المفكرين والمتأملين أن يتساءلوا ما سر أن نسمي هذا الدين بـ (الإسلام)؟ وما علاقة هذا الدين بالسلام؟

الإسلام مشتق من السلام، وأهداف الدين الإسلامي العميقة والإستراتجية البعيدة هي إقامة السلام الاجتماعي، أي أن السلام ليس هدفاً عابراً أو مؤقتاً في الحياة الإسلامية بل هو في صلب الدين وجوهره، والله سبحانه مطلع على طبائع البشر وعلى تصرفاتهم وعلى أنماط سلوكهم. وقد توجه في القرآن الكريم إلى هذه الناحية بالذات في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات: 13) أو قوله: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (هود: 118).

إن الله سبحانه وتعالى أشار إلى هذه الغريزة وهذه الطبيعة، أعني طبيعة الصراع بين البشر، وكان التوجيه الإسلامي باستمرار لا إلى إلغاء هذه الطبيعة من الأساس، بل بالعكس، فإنه تعالى أكد عليها: الَّذينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْکَرُ فيهَا اسْمُ اللَّهِ کَثيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ ( الحج: 40)؛ إذاً طبيعة التدافع موجودة. وفي المذاهب المعاصرة هناك تركيز على أن طبيعة التدافع في الكائن الإنساني موجودة؛ وبالتالي فإن للإسلام رؤيته في إدارة هذه الطبيعة البشرية؛ رؤيته الواضحة بأن جعل هذا التدافع مجالاً من مجالات الحوار، وليس من مجالات الصراع، فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (الحجرات: 13) صريح، وربما كان مصطلح التعارف هو المصطلح الفريد من نوعه، وهو مصطلح إسلامي، والتعارف هو الحوار، علماً من الله سبحانه وتعالى أن كل حوار صادق ومخلص لا بد أن ينتهي إلى نتيجة يتسالم فيها الناس ولا يتصارعون؛ لأن الصراع هو نفي الآخر، بينما الحوار هو تأكيد الآخر، وعندما تحاول أن تنفي الآخر فأنت هنا لا تتجه نحو سلام المجتمعات وإنما تتجه إلى تفتيتها وتكريس عنصر الصدام والإلغاء المتبادل فيها.

في الإسلام هناك اتجاه إلى أن يكون أي حوار ـ أي التعارف ـ هو الوسيلة التي يدار فيها هذا الاختلاف البشري: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ؛ إذاً الاختلاف هو هدف داخل جوهر خلق الكائن الإنساني: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ (الروم: 22) فهل خلق الله هذا الاختلاف من أجل الصراع؟! كلا؛ بل خلقه من أجل التكامل، ونظرية الإسلام في الوسيلة التي تحقق هذا التكامل هي التعارف، أي هي الحوار.

أزمة الوضع في أحاديث العلاقة بالسلطة

وأما في الشق الثاني من السؤال، وهو يتصل بشكل وبآخر بالسؤال الأول، أعني علاقة الحاكم بالمحكوم، علاقة السلطة بالمجتمع، فأرجح أن كثيراً من الروايات والأحاديث التي تكلمت عن عدم عزل الحاكم حتى وإن ظلم ما دام يقيم الصلاة أو يقيم بعض الشعائر الإسلامية هي من الموضوعات في التاريخ، وإلا هل يمكن أن يقوم الحسين عليه السلام بثورته على قصر الحمراء في دمشق، وقصر الحمراء محاط بالمساجد التي ترفع الأذان وتدعوا إلى الصلاة؛ بحيث تؤمن هذه الشعيرة الإسلامية التي ينهى الرسول‘ بموجب الحديث المزعوم عن مواجهتها… أن يقوم ليواجهها بهذه الطريقة؟! حاشا للإسلام أن يقول ذلك وحاشا للرسول صلى الله عليه واله وسلم أن يتفوه بكلمة مثل هذه.

إن الظلم أو إدارة السلطة بصورة لا تتوافق مع الهدف الاستراتيجي للإسلام لإقامة العدل هو مبرر كافٍ، للانتفاضة على الحاكم لتغيير هذه السلطة. وهنا أود أن أشير إلى أن فكرة ومشروع السلطة في الإسلام، وبكل أسف وخاصة بعد فترة الخلافة الراشدة التي يوجد فيها ثغرات كثيرة مع الأسف، أصبحت تأخذ شكلاً يتناقض مع مفهوم الإسلام للسلطة. صحيح أن القرآن الكريم لم يقدم لنا رؤية تفصيلية لما يجب أن تكون عليه السلطة وإنما قدم لنا مفهوم العدل، إلا أن السلطات التي قامت بعد الخلافة الراشدة ـ على الأقل ـ كانت سلطات مؤسّسة على مفهوم مختلف جداً عن الإطار الذي دعا الإسلام إلى إقامة السلطة في ضوئه، واستمد هذا المفهوم من العصور التي سبقت الإسلام وعاصرت الإسلام عند الشعوب الأخرى؛ فأنشأت الإمبراطوريات مفهوم الإمبراطورية، لهذا تلاحظ معاوية أقام إمبراطورية متأثراً بالإمبراطوريات المعروفة في عهده.

^ نعم وقد جند معاوية لهذه الإمبراطورية المرجئة والحشوية وعدداً من الفرق الضالة، كما أتاح لعدد من المنحرفين والمنافقين ككعب الأحبار وعبد الله بن سلام باختلاق أحاديث عن لسان النبي صلى الله عليه واله وسلم تدعوا إلى ما يتوافق مع منهج معاوية وتعطيه الشرعية في أن يستبد باسم الله.

تخريب السلطات المسلمة الأمر بالمعروف بتحويله من فريضة إلى وظيفة حكومية!!

_ نعم، فإنه قد جند ـ وبكل قوة ـ البعد الثقافي. ويوجد في الإسلام مبدأ وفريضة أساسية تم تخريبها، وهي ذات دور فاعل في إقامة السلطة العادلة، وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالذي فعله معاوية أن حوّل هذه الفريضة التي هي شكل من أشكال السلطة التي يقوم بها المجتمع؛ كما يقال اليوم: الصحافة هي السلطة الرابعة، وفي الإسلام: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السلطة التي يمارسها الناس، فلما جاءت السلطة ذات النزعة الإمبراطورية حولت هذا المرفق من سلطة حرة إلى وظائف في الدولة، أي أصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة تحدّدها الدولة وسيف من سيوفها،من هنا نشأ شكل للسلطة يختلف عن الهدف الذي يسعى إليه الإسلام، ويختلف عن الهدف الذي أشار إليه القرآن الكريم: وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ (الشورى: 38)؛ وبالتالي نشأت السلطة الظالمة، ونشأت الأحلام الإمبراطورية، ونشأت نزعة الاستبداد والتملك بما لا يتناسب مع كل المفاهيم، التي أراد الإسلام أن تقوم السلطة على أساسها.

ومع الأسف ـ كما أشرت في سؤالك ـ إنه عبر التاريخ نشأت سلطات متعددة قد تتفاوت عملية الظلم والعدل فيها، ولكن بصورة عامة أسّست هذه السلطات على غير مفهوم الشورى، وكان من نتائج ذلك أن ظلت العلاقة بين المجتمع والسلطة علاقة عدم ثقة، وفي أحسن الحالات علاقة نفي وخوف متبادل، وعندما يكون الاجتماع الإنساني بين السلطة والمجتمع ملغوماً بهذا القدر من عدم الثقة فإن ذلك يؤثر تأثيراً سلبياً وكبيراً على إنتاج هذا المجتمع وقدرته أن ينجز الحضارة التي هو مكلف بإنجازها؛ فمن هنا لا بد من نقد تاريخي لها ومن فهم تاريخي لها بين السلطة والمجتمع في الإسلام، وأن هذه السلطة أسّست بصورة منحرفة عن المفهوم الإسلامي لها.

تحويل مفهوم السلطة من البشرية إلى الإلهية

_ إذن لا بد من الأمانة في النقل أو من فهم لأحاديث النبي صلى الله عليه واله وسلم وبالتالي تتم غربلة الأحاديث وفرزها وفهمها في ضوء القرآن.

^ نعم أكيد, استطاعت السلطة التي تم تأسيسها بشرياً، ودائماً أريد أن استثني فترة الخلافة الراشدة. لا لأننا متفقون تماماً على تقييمها ولكن على الأقل تبقى مرحلة مميزة لا تشبه المراحل التي تلتها. ولأول مرة حصل في الإسلام أن الحاكم يلقب نفسه بأنه خليفة الله على الأرض، أي إن السلطة هي شأن إلهي يختص به هذا الحاكم، بمعنى أن الأوامر والنواهي التي تخرج من هذا الحاكم هي أوامر ونواه من الله سبحانه وتعالى؛ من هنا أعطيت السلطة طابع القداسة، وأصبح السلطان ناطقاً باسم الحق الإلهي على الأرض، وهذا يشبه إلى حد بعيد الفترة التي سادت فيها الكنيسة على مستوى أوروبا والتي اعتبرت نفسها أنها تملك النطق باسم الحق الإلهي على الأرض وهذا ما أصاب الإسلام.

أقول: إن الرسول صلى الله عليه واله وسلم تحدث عن الحاكم وتحدث عن البشر، فقال: «أطيعوه ما أقام العدل فيكم»([2]) ولكن لم نلتفت إلى أن الرسول صلى الله عليه واله ووسلم أيضاً يريد أن يكون للحاكم مواصفات؛ وهل من المعقول أن لا يكون للحاكم مواصفات وشروط؟!

من أين تستمد هذه المواصفات والشروط؟ تستمد بلا شك من الأدبيات الإسلامية، وبالدرجة الأولى من قوله تعالى:وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ و شَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ (آل عمران: 159) أي إن السلطان لا يمكن أن يصبح سلطاناً إلا بشرعية بشرية أي باختيار بشري، وعندما يكون السلطان منتخباً من الناس، نعم حينئذ لا يجوز عصيانه. لماذا؟ لأنه ما دام قد تم اختياره من البشر فمعنى ذلك أن عقداً اجتماعياً قد حصل بين الأمة وبين السلطة، والسلطة ليست فرداً في الأساس، وإنما هي مجموعة من الناس تقود المجتمع؛ فإذا كان هناك عقد قائم ـ ككل العقود الأخرى ـ لا يجوز فك هذا العقد إلا بأسباب، وهي الخروج على هذا العقد؛ فالنبي صلى الله عليه واله وسلم لا يدعو بالمطلق إلى طاعة الحاكم، إنما يدعو إلى طاعة الحاكم بما يتناسب مع هذه الشروط وهي شروط العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، أي بمعنى لا يثور المحكومون على الحاكم إذا لم يخل بشرط من شروط هذا العقد الاجتماعي.

الديمقراطية والإمامة الشيعية

_ هناك أمر لا ينبغي أن يغيب عنا، وهو ما يخص رأي المدرسة الإمامية فيما يتعلّق بالإمام المعصوم، إن الآيات الكريمة التي دعت إلى التشاور وحثت عليه ما كانت تعني تأسيساً لحالة اختيار الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالشورى، وإنما نفهم من مجموعة القرائن المقالية والعملية أن مشاورة النبي صلى الله عليه واله وسلم جاءت رحمة لهم، كما أنها جاءت وفقاً للظروف التي كانت محيطة بالنبي صلى الله عليه واله وسلم، ولا ننسى أنهم كانوا قريبي عهد بالجاهلية؛ فمشاورة النبي لهم إنما هي لجذبهم وخلق روح التفاعل معه.

^ ما دمت قد داخلتني وأثرت هذه النقطة، فإنني أحب أن أتكلم فيها وأقول: لماذا نريد الديمقراطية؟ والجواب على ذلك: إننا نريدها لأنها أصوب الوسائل في تكوين العلاقة السوية بين الحاكم والمحكوم. في فترة وهي فترة النبوة عند المسلمين جميعاً، وفي فترة وهي فترة الإمامة، نحن لا نعطل الديمقراطية، لكننا لا نحتاج إليها؛ لأن الديمقراطية هي وسيلة من وسائل الوصول إلى القرار الصحيح؛ فإذا كان القرار الصحيح منزلاً من السماء فما هي حاجتنا إليها؟! ولكنها فترة محدودة، محدودة حتى عند المسلمين الشيعة الذين يؤمنون بإمامة اثني عشر إماماً. وفي التنفيذ التاريخي لموضوع السلطة عزل هؤلاء الأئمة المعصومون، واستؤثر بالأمر.

ولا أستطيع أن أبرر أخطاءهم وانحرافاتهم على أنهم معصومون،لأنهم حكام بشر غير معصومين. فإذاً لا بد من أن يقوم بينهم وبين المجتمع عقد اجتماعي. وهو أن يكلف المجتمع من أبنائه لإدارة السلطة. أما لو جاء الأمر وفق ما أراده النبي صلى الله عليه واله وسلم ووفق إرادة الإسلام الحقيقي بأن كان هؤلاء الحكام هم الأئمة عليهم السلام لما كنا بحاجة إلى الشورى. فإذا تسلمنا الحقيقة من السماء فهل نحن بحاجة إلى أن أقترح عليها؟! نعم المعصوم قد يشرك بعض أفراد المجتمع ببعض الأمور ولكن دون أن يكون محتاجاً إليهم، فالأمر قد جاء من السماء والمعصوم مؤيد من الله تعالى، وهذه مرحلة في حياة المسلمين أريد لها أن تدرّب المسلمين. ولو كان هذا حاصلاً فعلاً في التاريخ، أي أن الأئمة الاثني عشر عليهم السلام لو كانوا قد حكموا الأمة، لكان سيأخذ التاريخ مجرى مختلفاً عن هذه الدراما، حيث مدة 250 سنة كافية لأن تضع أصولاً وركائز للحكم وتربي أجيالاً على هذا النحو.

كمن يكون طفلاً فتكون عليه وصاية، فيبلغ سن الرشد وهو تحت هذه الوصاية الحكيمة؛ فسينطلق انطلاقته العظيمة عند ذلك. ولكن،لأن الإسلام حُرم هذا الحق؛ لذلك بدأت مشكلات السلطة منذ أن تولى معاوية الحكم،وبدأت النزعة الإمبراطورية في ذهن الحاكم الإسلامي.

العلاقة مع غير المسلمين بين القطيعة والتعايش، الدفاع والهجوم

_ هناك سؤال يدور في أذهان الكثير من الشباب، من دون شك إن فقهاء المسلمين أشبعوه بحثاً ودراسة، وهو فيما يتعلق بحركة التعايش المشترك بين المسلمين والكافرين؛ فهل البراءة من الكفر والكافرين، في نطاق الرفض السلبي لفكر الكافر، يقود إلى المقاطعة الإنسانية على صعيد العلاقات الخاصة والعامة، ولاسيما في المجتمعات المختلطة التي يعيش فيها المسلمون والكافرون، أو أن هناك انفتاحاً اجتماعياً واقعياً في حركة المصالح المتبادلة، وفي نطاق التعايش المشترك؟

^ قلت ذات مرة في مجال حواري على مستوى هذا الموضوع: إن عظمة الإسلام ليست في أن أحكامه إذا طبقت تنتج دولة عادلة، وإنما هناك عظمة غير مرئية في الإسلام، وهي أنه لو كان هناك مجتمع مختلط، يستطيع الإسلام أن يقترح صيغة للتعايش مع هذا المجتمع، فالإسلام يحترم دين الآخر والرأي الآخر، بما يعني أن إمكانية التعايش بين المسلم وغير المسلم، لا تتوقف على وحدة العقيدة، وهناك دائرة يمكن أن تكون وحدة العقيدة فيها هي الرمز الأساسي لهذا الاجتماع البشري، وهناك دائرة يمكن أن يكون التعدد هو الرمز للتعايش البشري، والإسلام لا يمنع التعايش بين المسلم وغير المسلم، بل أكثر من ذلك حتى لو كانت الغلبة للإسلام، فإن الإسلام يعطي لغير المسلم حقوقه الكاملة في أن يمارس عقيدته وأن يمارس شعائره على النحو الذي يملي علينا فكرة التعايش مع الآخر.

إن عظمة الإسلام تكمن في قدرته على التعايش مع الآخر. أما ما حصل في التنفيذ التاريخي لهذه المسألة فهو بالحقيقة شكل من أشكال العنصرية والصراع الذي لا يبرره اختلاف العقيدة، والآية القرآنية واضحة في هذا المجال: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة: 8)، ومعنى ذلك دعوة واضحة للتعايش في حالة السلام. أما الإسلام فإنه يطلب الحد الأدنى من السلبية، وهي في حالة تعرضه للغزو أو للإخراج من الدار أو منع الممارسات الدينية، هذه هي الحالة التي يطلب الإسلام الدفاع فيها عن النفس، أما أن يبدأ الإسلام بمحاصرة المختلفين دينياً أو المختلفين عقائدياً فهذا لا يعرفه الإسلام بالمطلق. وكل ما حصل في التاريخ فهو انحراف واضح في هذا المجال. وأنا هنا أدعو في واقعنا الراهن والمعاصر إلى أن نفتش عن مأثرة للإسلام في كونه قادراً على التعايش مع الآخر. نعم،نحن فتشنا عن مأثرة الإسلام في ما إذا كانت الدولة عقائدية أو دينية أو كان المجتمع إسلامياً صافياً، ولكن الأعظم من هذا أن نفتش عن قدرة الإسلام على التعايش مع الآخر.

هل ينهي الحوار الفقهي الكلامي أزمة الصراع بين الأديان والمذاهب؟

_ إن اختلاف المدارس الفكرية والمذاهب المسيحية والإسلامية وكل منها في المركز البشري ليس بالأمر الذي يمكن التغطية عليه. وهناك مباحثات ونزاعات بين الفرق المسيحية، ونشاهد هذا الاختلاف والنزاع في العالم الإسلامي بين الفرق الإسلامية المختلفة،حتى يقول شيخ الطائفة الشيخ الطوسي نور الله ضريحه: إن الشهادة على هذا الاختلاف هي في كيفية التفكير، ويقول السيد الطباطبائي رحمه الله: إن أسباب الاختلاف المذهبي لدى الشيعة والسنة هي في إطار اختلاف الرأي والأسلوب الفقهي واستنباط الأحكام… وينبغي أن نرى أن هذه الحفرة هل يمكن ردمها؟ وهل أن هذا الفراغ الديني يمكن ملؤه؟ ألا يمكن في نظركم إزالة الاختلاف بالمنطق والقوانين العقلية؟ ثم ما هو أسلوب النبي في هذا الصدد؟

^ لست ميالاً إلى الأفكار المثالية التي تذهب إلى أن الاختلاف بين المذاهب يمكن إزالته عبر طريق المنطق والبحث المستمر بين الفقهاء وبين المتكلمين، بل أذهب إلى أن السعي إلى تكوين وحدة المسلمين عن طريق الحوار الفقهي هو أمر ليس ذا جدوى كبيرة (أعني أن له جدوى ولكنها ليست كبيرة)؛ لأن الخلاف هو جزء من طبائع البشر أساساً، ومن طبائع العلم ومن طبائع النظر إلى الأمور، فالحقيقة الكلية الكاملة الصائبة لا يمكن الوصول إليها بين البشر ما دامت تتنوع وجهات نظرهم وتتنوع الزوايا التي ينظرون إلى الأمور منها، ولا أعتقد أيضاً أن هذا الاختلاف هو سبب للصراع، إنما سبب الصراع يرجع إلى اعتبارات سياسية وليس إلى اعتبارات دينية. وكنت في كثير من المؤتمرات التي انعقدت تحت شعار وحدة المسلمين أتقدم بطرح ما زلت أتمسك به حتى الآن، وهو أن الوحدة بين المسلمين لا تأتي عن طريق الاتفاق على الأحكام الفقهية فيما بينهم، لأن هذا لا يحصل.

إن الوحدة بين المسلمين تتأتى عن طريق الاتفاق على وحدة المعاناة بينهم؛ فعندما يشعر المسلمون أن أشكال المعاناة التي يعانونها هي من سنخ واحد، سواء كانوا مسلمين عرباً أم إيرانيين أم هنوداً أم بنغاليين، إذا فهموا أن شكل المعاناة واحد، فقد بدأت تقترب بينهم المعطيات وتقام بينهم جسور الوحدة. في ظل هذا التقارب السياسي سوف يصبح هذا الحوار الفقهي أكثر جدوى. أما في ظل الاختلاف السياسي وفي ظل التفرق والتمزق السياسي فإن الحوار الفقهي لن ينتج، وهو قد وجد عبر التاريخ ويمكن أن يكون بعضه يمارس الآن؛ لهذا لن يجدي ما دامت القاعدة الأساسية لم تقم. والرسول وحّد العرب ووحّد القبائل لأنه كان يدرك ـ وهو سيد المدركين ـ أنه لا يمكن فهم الدين وتطبيقه دون هذه الوحدة السياسية بين المسلمين.

ومن هنا أعتقد أن الخلاف الفقهي هو مظهر من مظاهر الإبداع ومن مظاهر العطاء ومن مظاهر حركة العقل الإسلامي، ولكن لا نريد أن نحوّل هذه المذاهب التي أنتجها التنوع وأنتجتها العبقرية الفقهية إلى أصنام نتعبد لها. هذه المذاهب هي وجهات نظر وهي خيارات. عندما نستطيع أن نقترب سياسياً يسعنا أكثر أن نفهم ما هي هذه المذاهب. وإذا وسعنا ذلك ـ أي إذا فهمنا ما هي هذه المذاهب ـ سوف يصبح الحوار العلمي والحوار الفقهي والحوار المنطقي أكثر جدوى. أما في حالتنا الراهنة التي يظن كل مذهب أنه يقبض على عنق الحقيقة بكاملها، فإن الحوار ليس سوى إضاعة للوقت، بل أكثر من ذلك هو تأكيد لعنصر التباعد والتنافر بين المسلمين. وإذا لاحظتم في الفترة الأخيرة باتت أشكال الحوار تشبه أشكال مراهنة اللاعبين في ملعب، أي يتحاورون ليظهروا قوة الحجة، لا ليصل أحدهم إلى الحقيقة.

مهاترات الجدل المذهبي على الفضائيات العربية والإسلامية

_ نعم، في مسألة الحوار والخلاف العقائدي في بعض فصوله بين الشيعة والسنة، لعبت بعض المؤسسات دوراً فاعلاً عبر عدد من الفضائيات المرئية في تأجيج الخلاف وتأصيله وخلق روح التنافر عبر إثارة نقاط خلافية حساسة؛ ومن دون شك، إن هذه القنوات تحركها أيدي مخابراتية لها اتصال بالموساد الإسرائيلي والأمريكي، لأن هذا أسلوب الدول الاستكبارية التي تريد دائماً تمزيق الشعوب بخلق روح التنازع والخلاف والانقسام بينهم. وقد كرست هذه القنوات بشكل كبير وتزامنت مع دخول القوات الأمريكية إلى العراق، وقد أتت هذه المحاولات للأسف الشديد أُكلها؛ فقد زاد الصراع بين المسلمين.

^ نعم،كنت أتضايق جداً عندما أشاهد هذه الفضائيات، وهذه المناظرات، ولا أسميها مناظرات، بل هي مهاترات يقصد منها تعميق مقاصد الخلاف. وهي ذات أهداف سياسية لا شك في ذلك.

_ كنا ننتظر منكم ومن مجموعة من علمائنا ومفكرينا أن يستنكروا هذه المهاترات، وفي نفس الوقت تدعون إلى حوار ليس من هذا النوع بل إلى حوار هادف محتوٍ على أسس التلاق والوحدة بين المسلمين، أي حوار هادف ومجد.

^ كنت أتمنى لو تتوجه إليّ الدعوة لأتكلم في هذا المجال، ولكنهم لا يدعونني ويدعون أمثالي لأنهم يعرفون جيداً أنني سوف أتحدث بغير ما يريدون وما يهدفون.

حاجات تحديث الخطاب الديني

_ تثار الآن قضايا عديدة ومهمة حول مسألة تجديد الخطاب الديني أو تحديثه من باب تشكيل مفاهيم الحداثة في الوضع الراهن لخدمة الصالح العام، دون أيّ أبحاث حقيقية تقترب من الدين نفسه تفكيكاً وفهماً وتحليلاً وتركيباً. فهل يجد سماحتكم أن تحديث الخطاب الديني اليوم بحاجة إلى إعادة قراءة كل ما كتب من تاريخ أكثر ثناياه يشوبها التقديس الذي ليس له معنى في هذا المجال، وكثيرةٌ هي المسائل التاريخية الواردة في هذا الباب ومنها ما سمي تاريخياً بـ(حروب الردة )؟ أم أن هناك ركائز لا بد من الاستناد إليها لتحقيق ذلك؟

^ عندما يجري الكلام عن تحديث الخطاب الديني، علينا أن نهتم بالموضوع اهتماماً يوازي أهمية الخطاب الديني، لنستعيد في تصورنا وفي رؤيتنا طبيعة الإسلام نفسه. هل يجوز أن نقول: (إسلام حديث ) و(إسلام قديم )؟ وهل يجوز أن نقول: إسلام متطور وإسلام متخلف؟ هنا نتوقف لنقول: إن الإسلام واحد والإسلام دعوة ذات جوهر واحد. ولكن ذلك لم يمنع المسلمين الذين تعاطوا مع النص الإسلامي أن يكونوا فريقين: فريق يقرأ هذا النص بصورة ما أو يكتفي من قراءة هذا النص بالقراءات السلفية التي قدمها السلف الصالح وغير الصالح،وفريق آخر لديه قراءة للإسلام تأخذ بنظر الاعتبار أن الإسلام دين خالد وأنه ينفتح باستمرار على إمكانيات كبيرة للفهم.

وهنا لا بد أن نقف مع وجهة النظر الثانية، أي أن الإسلام لم يجر تفسيره مرة واحدة وللأبد وكان على الأجيال المسلمة الأخرى أن تأخذ بهذا التفسير مرة واحدة وإلى الأبد، وإلا لم يعد ديناً خالداً, ولم يعد القرآن ديناً خالداً، إذا تم استيعاب القرآن في مرحلة واحدة استيعاباً كاملاً أصبح القرآن موجهاً إلى تلك المرحلة وانتهى تأثيره ويجب أن نبحث عن مصادر أخرى. أما والقرآن موجّه إلى الإنسان، وهو مظهر من مظاهر الكون؛ لأنه يوجد لدينا (الكون، القرآن، الإنسان) ثلاثة عناصر هي في حوار دائم وعلاقة جدلية دائمة. فنذهب إلى الكون لنحصل منه على معلومات، ونعود إلى القرآن ونقرأه في ضوء هذه المعلومات، ومن ثم نقرأ القرآن ونأخذ منه المعلومات ونفسر هذا الكون.

ومن هنا سنريهِم آياتِنا في الآفاق وفي أنْفُسِهم بمعنى أن التأمل دائم بين هذه المحاور الثلاثة. إذن القرآن لا تتوقف قراءته عند زمان واحد. وبالتالي عندما نقول بالتحديث ماذا نعني؟ نعني أن نقدم قراءتنا الخاصة أيضاً، أي قراءة عصرنا للقرآن الكريم، وهذا أمر جداً ضروري، ولا يعني أن نلغي قراءات العصور السابقة بل العكس هو الصحيح، إن التراث وقراءة القرآن تراث، وليس القرآن تراثاً، بل قراءته هي تراث، وتفسيره هو تراث؛ فيجب أن نقرءها ولكن لا يجب أن نتوقف عندها، ومن هنا لابد من تحديث الخطاب الديني، من حيث احتكاك القراءة القرآنية بالعصر، أي يجب أن تكون القراءة متحركة، مطردة، متغيرة. وهذا عنصر تمليه الطبيعة الخالدة للقرآن الكريم. وتحديث الإسلام يعني تحديث الرؤية الإنسانية للإسلام، وليس تحديثاً للإسلام نفسه، وهذا ما حصل في التاريخ، فنحن نجد أن هناك مراحل في تاريخ المسلمين نشأت فيها اتجاهات فكرية واتجاهات عقائدية واتجاهات كانت تختلف عما سبقها، فلماذا لا يكون لنا نحن ـ ونحن في عصر العولمة وفي عصر الانترنت ـ متغيرات كبرى أو محاولات للقراءة الحية للقرآن؟

وأود أن أذكر بما قاله السيد الشهيد الصدر رحمه الله ذات يوم في النجف الأشرف في تسمية هذا النوع من القراءة بـ(القراءة الموضوعية)،أي التي نذهب فيها إلى القرآن، ونحن نحمل حصيلة من المعلومات والمعطيات الجليلة، فنعرضها على القرآن، ثم نرجع إلى هذه المعلومات في ضوء ما عرفنا من القرآن الكريم. وبهذا المعنى لا بد من هذا التحديث لكي تكون الدعوة الإسلامية دعوة مستمرة، وليست دعوة قاصرة على ما أنجزه السلف.

الإسلام والتعددية الدينية

_ دعني سيدي انتقل إلى ظاهرة أخرى وهي أيضاً من متطلبات العصر، وهي ظاهرة التنوع الديني لكونها اليوم ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل،فهذه الظاهرة من أكبر الإثارات أو التساؤلات المطروحة أمام الفكر الديني اليوم. كما أن وجود المجتمعات التي تتعايش في أوساطها قيم وتعاليم دينية مختلفة ومتباينة وما تمليه هذه المعايشة من ضرورة توسيع العلاقات الاجتماعية وما أحدثته وتُحدثُهُ ثورةُ الاتصالات على أعتاب الألفية الثالثة. كل ذلك أو بعضُه ربما يكون سبباً لأن نمنحَ هذه المفردة الحيوية أهميتَها المطلوبة. والسؤال الذي ينبثق من هذا الاستهلال.. هو: كيف السبيل لفهم أفضل وتقدير أرجح لظاهرة التنوع الديني هذه..؟ هل واحدةٌ فقط من العقائد الدينية مثلاً هي الأصل والأجدر من غيرها بالتصديق والاعتقاد وأنها الدين التام الكامل، فيما العقائد والديانات الأخرى كلها باطلة، أو منسوخة..؟ وأنها متبنيات بشرية غير حقيقية (أي لا علاقة لها بالوحي، أو السماء)؟ بكلمة أخرى: هل يمكن أن نرى نور الحقيقة في جميع الأديان العالمية واعتبارها وبلا استثناء تجلياً متبايناً لمرايا مختلفة ينعكس فيها هذا النور الساطع، وتترشح عنه فكرة الخلاص الكبرى…؟ وإذا كان وارثو دين واحد محدد بعينه هم وحدهم الذين يشملهم الخلاص فأين سيكون موضوع الرحمة والعطف الإلهي؟ وكيف يمكن تفهم الهداية الربانية لبني البشر؟

ومن ناحية أخرى، إذا كانت فكرة الخلاص محتملة أو واردة لجميع وارثي الأديان على اختلاف مللهم ونحلهم ومعتقداتهم وبلا استثناء وعلى حد سواء، فكيف يمكن تبني فكرة الخلاص مع هؤلاء البشر المختلفين في الرؤى ووجهات النظر والاعتقادات والقناعات؟ هذه الأسئلة المهمة والشائكة والمربكة هي الحصاد الطبيعي أو الإرث الطبيعي لإشكالية التنوع الديني المطروحة في عالم اليوم. فكيف يمكن لك ـ بكونك مفكراً إسلامياً كبيراً ـ أن تتعاطى مع هذه الأسئلة؟

^ أولاً أود أن أهنأك على صياغة هذه الأسئلة ودقة التعبير، وهو سؤال مهم جداً وله مداخل كثيرة، وأود أن أدخل إليه من مدخل خاص، هو الرواية المشهورة عن النبي‘: >تفترق أمتي ثلاثاً وسبعين، فرقة ناجية والباقي في النار<([3]) هاهنا الاختلاف أضيق من الإطار الذي طرحه السؤال؛ فالسؤال طرح الاختلاف بين الأديان والملل والمذاهب والأديان الوضعية والأديان السماوية وغيرها. بينما هذا الحديث يتكلم عن أحداث للأمة الإسلامية. والحقيقة، كثير من الأحاديث مشكلتها تتأتى من الفهم السطحي لها. إذا تأمل الإنسان بينه وبين نفسه يتساءل: هل من المعقول أن واحداً من ثلاث وسبعين من المسلمين هو الناجي والباقي في النار؟! هل كان الرسول يعني ذلك بمعناه الظاهري؟ أم أن علينا ـ وخاصة في الأحاديث النبوية ـ أن نتعمق وأن نكون مسؤولين اتجاه تفسيرها واتجاه الموقف منها، إنه لا يريد القول بالمطلق: (اثنين وسبعين فرقة في النار وفرقة واحدة هي الناجية) بل يريد القول: إن الإسلام سيفترق على مذاهب لمعرفته‘ بأن العقول البشرية وأن مجالات الاجتهاد وآفاق الاجتهاد والمؤثرات الاجتماعية والتاريخية و… سوف تنطلق وتوزع الإسلام على فرق متعددة،يدرك ذلك وأن ذلك من طبيعة البشر.

إذن ما هي الفرقة الناجية؟ الفرقة الناجية هنا لأنها تتحرى الحقيقة وتبذل وسعها في معرفة الحقيقة، فإذن هي فرقة لأنها ناجية وليست ناجية لأنها فرقة، بمعنى أن بين هذه السبعين فرقة هناك مجموعات تكدح وتعمل على معرفة الحقيقة الدينية وتلتزم بها، فسميت هذه فرقة، أي أن هذه فرقة من ثلاث وسبعين فرقة وسميت فرقة، لأنها ناجية. فإذا اتسعت الدائرة وتأملنا في بقية الأديان والمذاهب والمعتقدات في عالمنا المعاصر سنذهب إلى دائرة أوسع، وهي دائرة الأديان السماوية أو ما يسمى بأهل الكتاب، فلو نظرنا إلى موقف الإسلام من أهل الكتاب لوجدنا أنه يمكن أن نرى أن هذه الفرق أيضاً تدخل في نطاق الفرق الناجية وغير الناجية، وذلك يتوقف على ممارساتها لإيمانها الصحيح، لأن الإسلام كما نعلم ليس سوى تطور أو تتابع للأديان الإبراهيمية التي تسمى بالأديان السماوية، ويسمى أتباعها بأهل الكتاب. وبالتالي نجد أن القرآن الكريم حث على احترام أهل الكتاب وعلى الحوار فيما بيننا وبينهم. ونحن نعتقد بأن العدالة الإلهية لا يمكن أن تعاقب مسيحياً عاش في مكان لم يصل إليه الإسلام، ولم تصل إليه التفاصيل، والتزم التزاماً كاملاً بالقيم الدينية والروحية لدين المسيحية… لا يمكن أن يعاقب هذا الإنسان على ذلك. فإذا تجاوزنا حتى المذاهب السماوية وذهبنا إلى الأديان الوضعية، ولا أدري ما إذا كان هناك أديان وضعية،لأننا نشك ولا يوجد لدينا أدلة مثلاً أن البوذية دين صنعه فرد أم وحيٌ ما أتى به، ولكن لنفترض أنه انبثق من فرد متنور اطلع على الحقيقة الكونية بصورة عامة وأنشأ مجموعة من المبادئ، أعني مبادئ الخير والعطاء مما هو متصل بمقاصد الشرائع الدينية، يعني لو وصل الإنسان ـ وفق الأطروحة التي قدمها ابن طفيل في كتابه الفلسفي المشهور ـ إلى الحقيقة بمجهوده العقلي ووصل إلى التمييز بين الخير والشر والحب والكراهية والعدل والظلم، فهو أيضاً مكافأ على ذلك. وبالتالي فإن الرحمة والرعاية الإلهية لا تحاسب البشر كما يحاسب البشر بعضهم بعضاً.

الإسلام دعوة إلى التعايش مع كل هذه الفرق، لا يضع حداً فاصلاً يمنع فيه التعايش بين المسلم وغير المسلم، سواء كان غير المسلم، كتابياً أم غير كتابي، فالإسلام وضع أنظمة تسمح بهذا اللون من التعايش وتقر بهذا النوع من البشر الذين لم يتعرفوا على الإسلام، فكيف أعرّفهم على الإسلام دون أن أصوغ منهجاً للتعايش معهم؟! وبالتالي فإن القول بأن الله سبحانه وتعالى جعل الجنة لكمية محدودة من البشر بغض النظر عن الأعمال الصالحة التي يقوم بها البشر على تنوّع أديانهم… قول لا ينسجم مع شمول الرحمة الإلهية للإنسان بما هو إنسان.

حرية التعبير وأزمة العنف في المجتمعات الإسلامية المعاصرة

_ ونحن نعيش في عصرنا الراهن: العنف والتطرف والإرهاب، هذه المفردات الفاسدة التي أخذت شرائح بعض المجتمعات إلى الانحدار والتي أوسعت الأمة شراً،لا بد من وقفة لدراسة أسباب ذلك كله، وعند دراستنا لأهم العوامل والأسباب لما يحدث اليوم من قتل وإرجاف، نجد أن المجتمع الإسلامي شهد تطورات سياسية وفكرية كبيرة، فبعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم بقي الحكم أقرب للنظام الجمهوري حيث تم اختيار أربعة خلفاء بأساليب متنوعة، واستمر العهد الراشدي تسعة وعشرين عاماً. ثم تحول نظام الحكم الإسلامي إلى نظام ملكي وراثي بدءاً من الدولة الأموية ثم الدولة العباسية ثم الدولة الفاطمية إلى الدولة العثمانية.

وخلال هذه العهود الطويلة لم يتجسّد البناء النظري لحرية التعبير، التي كفلها القرآن الكريم، على أرض الواقع إلا نادراً في ظل تلك الأنظمة الدكتاتورية. صحيح أن هناك بعض الحوادث المنفردة التي ارتفع فيها صوت معارض بوجه الخليفة أو ولاته وحكومته، ولكن لم يقبل فيها ذلك الصوت إلا نادراً. ويعود ذلك إلى طبيعة الخليفة وخلفيته الفكرية والسياسية والدينية وإلى طبيعة الصوت المعارض والظروف السياسية آنذاك. ولكن بشكل عام لم توجد حرية التعبير في المجتمع الإسلامي إلا في حدود ضيقة أو في أمور لا علاقة لها بالسياسة والسلطة. وللأسف بقيت المبادئ الإسلامية العظيمة التي تؤكد حرية التعبير مجرد أفكار ونظريات.

إن هذه المبادئ الإسلامية لم تجد طريقها للتجسيد على أرض الواقع، ولذلك أدت النزاعات السياسية إلى صراعات مسلحة وأعمال عسكرية بين المعارضة والسلطة، ولم يكن هناك خليفة أو سلطان قادر على الاستماع إلى نقد معارضيه ومواقفهم الرافضة لحكمه، ولذا صار الموت هو الأسلوب الوحيد لانتقال السلطة من خليفة إلى آخر، سواء بالموت الطبيعي وصعود ولي العهد أم الانقلاب العسكري واغتيال الخليفة أم مؤامرة داخل البلاط تنجح في قتله أو عزله. وفي ظل ذلك القمع السياسي المنظم لم يكن بالإمكان أن يعبّر الناس عن آرائهم بحرية، فاضطروا إلى العنف والقوة؛ فكيف يمكن إيجاد سبيل للتعبير مختلف عن هذا التعبير المشوب بالعنف والقسوة؟

^ الحقيقة أن السؤال يقدم إجابته بنفسه، وقد أجبتم بلباقة ومعرفة بالأسباب الحقيقية لظاهرة العنف، لأنكم سلطتم الأضواء على تاريخية السلطة في الإسلام؛ ففسرتم الجذور التاريخية لظاهرة العنف المعاصرة. وأن ظاهرة العنف المعاصرة ليست إلا وليدة سوء فهم أو سوء استخدام للسلطة في الإسلام بحيث بدا أن كل تغيير لا بد أن يتم بصورة من صور العنف، كما هو في التاريخ كثورة الزنج وما شابهها. إن تلك الثورات رسخت في الوجدان الإسلامي أن عملية التغيير مرتبطة بالعنف. وهذه مسألة خطيرة جداً؛ لأنه بالرجوع إلى أدبيات الإسلام نجد أن عملية التغيير عملية تاريخية وإنسانية، وعملية تدريجية، وأنها إصلاحية ميالة إلى العنف.

العنف مظهر من مظاهر الاستبداد، فكل عنف يقابله عنف مضاد. من هنا أنا أفسّر ظاهرة الأصوليات أو التيارات السلفية اليوم التي تأخذ شكل العنف في مواجهة حكومات العالم، بوصفها استمراراً لهذا النمط التاريخي الذي تعرفنا عليه، والذي قُيضَ للسلطة فيه أن تؤخذ غلاباً وغصباً. وهنا لابد لي أن أذكر رؤية أحد علماء الاجتماع الإسلاميين، وهو ابن خلدون الذي قسم السلطة إلى ثلاث أقسام: سلطة طبيعية وهي سلطة القهر والغلبة، فمن يقهر ويغلب يغدو هو السلطة وشرعية السلطة تقوم على القهر والغلبة، وهذه السلطة الطبيعية هي السلطة البدائية، أي سلطة الغاب. أما في الاجتماع البشري فلا يمكن قبول هذا النوع من السلطة.

أما الشكل الثاني من السلطة فهو سلطة العقل، وإذا توسعنا في وصفه لهذه السلطة وجدنا أنها تشبه إلى حد كبير السلطة الموجودة في العالم المتقدم اليوم، أي هي السلطة التي تقوم على عقد بين الناس وبين حكامهم. ثم يتكلم عن مفهوم آخر متقدم وهو ظاهرة السلطة الدينية، وهنا ينفرد ابن خلدون في الكلام عن ظاهرة السلطة الدينية، ويقول بأنها تأتي بعد تربية طويلة للإنسان على قضايا الحق والعدل والحرية، فيصبح تقريباً بغير حاجة إلى السلطة.

نحن في العالم الإسلامي ـ بكل أسف ـ ما زلنا في الطور الأول من السلطة، سلطة القهر والغلبة حتى في الأنظمة السياسية التي نشأت بعد انهيار الدولة العثمانية، أي انهيار الكيان السياسي للمسلمين، فإن الدول التي نشأت تدعي العلمانية نشأت على أساس القهر والغلبة، حيث يقوم ضابط في الجيش بانقلاب عسكري ويقف على رأس السلطة، ويفرض نفسه بقوة القهر والغلبة. وهكذا تجري الانتخابات، الانتخابات الشكلية.

إذن الإصلاح أين يبدأ؟ يبدأ هنا في تعبئة المسلمين بأن للسلطة شرعية، وأن هذه الشرعية تأتي من انتخابها، أي من رضا الناس بها واختيارهم لها، فعندما تقوم سلطات في العالم الإسلامي بهذا المعنى لا يعود هنالك مبرر للمواجهات العنيفة؛ لأن السلطات قامت في العالم الإسلامي على أساس القهر والغلبة، إذاً فردود الفعل التي ستكون بين التيارات السياسية ستكون أيضاً ردوداً عنيفة.

فيما لو اعتدنا الشورى أو الديمقراطية لكانت عملية الإصلاح تجري وفق هذا الدستور، ووفق هذه القوانين المعتمدة داخل المجتمع وداخل السلطة. أما ما دامت السلطة تستمد شرعيتها من القهر والغلبة؛ فمن الصعب أن نلجم هذه القوى والتيارات العنيفة التي تقتل بهذه الصورة التي لا تشبه بوجه من الوجوه قيم الإسلام واحترام الإسلام للكائن الإسلامي. إنها مجرد مظهر من مظاهر الانخراط العنيف عن سوء اختيار السلطة، واستبداد السلطة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن التيارات التي تقوم ضد الغرب ـ ضد أمريكا وضد إسرائيل ـ تيارات العنف هذه أيضاً هي صورة من صور غياب العدل العالمي، بحيث تبدو أنها الوسيلة الوحيدة لمواجهة القهر الذي تمارسه القوى العظمى. من هنا رأينا أن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تحقق نتائجها من خلال الأطر العسكرية والإمكانات العسكرية الأمنية الكبيرة؛ لأنها بالتالي ليست جيشاً محدداً، وليست المشكلة مشكلة عسكرية إنما هي مشكلة اقتصادية ومشكلة اجتماعية،ومشكلة أمن، ومشكلة حقوق طبيعية، وعندما لا يتم وزن هذه الأمور بميزان الحق بحيث تنال هذه الشعوب التي تظهر فيها تيارات العنف حقوقها، فإن تيارات العنف ستستمر في القيام بهذه الحركات العنيفة التي لا تتلاءم مع الإسلام بلا شك ولكنها تتلاءم مع الفعل ورد الفعل، مع الطبيعة البشرية الميالة للعنف.

أزمة الديمقراطية والاستبداد والغزو

_ الديمقراطية اليوم شعار المجتمعات التي تحمل ادعاء الحضارة وحكم الشعب للشعب، ومن الطبيعي أن هكذا حالة تقترن بالمفاسد والمظالم؛ لأن الناس وفق هذه الرؤية يرسمون نهجاً لأنفسهم، وليس الله، والناس يَخدعون ويُخدعون، يظلمون ويُظلمون. لقد ارتكبوا أعمالاً شريرة كثيرة وتحريفات ومنافسات مخيفة باسم الديمقراطية، وبالنتيجة أثاروا أجواء تعتبر من المخاوف الشديدة التي يعاني منها البشر اليوم.

هناك تدخل في كل بلد اليوم باسم ممارسة وتوسعة الديمقراطية، ممارسة القوة للسيطرة على مصير الإنسان. هناك تدمير باسم إعطاء الحرية، وأعطوا بعض الأمور طابعاً مثالياً فيما هي أسوء من كل ما يتنافى والمثالية. إن الذهنية الاستكبارية تخالف المباحثة والمرونة والمداراة. والمهم بالنسبة لها إخضاع الناس وإثارة الخوف والاغتيال وإسقاط الأنظمة الشعبية والإنسانية وقمع الحالة الحماسية والرأي العام وتغليب الاستبداد والقوة، وهو أمر يشاهد بوضوح اليوم في المجتمعات الكبيرة التي تزعم الحضارة.

كيف تنظرون إلى هذا الوضع؟ وكيف لمجتمعنا اليوم أن يدرك هذا كله؟ وما هي مسؤوليته اتجاه ما يخطط له من قبل هذه القوى الاستكبارية؟

^ بكل أسف، يمكنني القول بأن الأزمة الناشئة عن العلاقة بالدول الكبرى هي أزمة الكيل بمكيالين والوزن بميزانين والمعيار بمعيارين. ليست المشكلة في الديمقراطية وفي سوء استخدامها، إنما المشكلة في أن الديمقراطية التي يمكن أن لا نقدّم ملاحظات كبيرة عليها داخل المجتمع الأمريكي نفسه، نعجب كيف لمجتمع أو لدولة تؤمن بالديمقراطية أن لا تكون هذه الديمقراطية معياراً أخلاقياً في علاقتها مع دول أو شعوب أخرى؟! حيث يجري تطبيق الديمقراطية بدرجة عالية ضمن المجتمع الأمريكي وضمن المجتمعات الأوروبية، ولكننا لا نرى أن هذه الديمقراطية تسود العلاقات الدولية نفسها، يعني هذه الدول التي يحاكم فيها رئيس على خطأ ما ويصبح ضعيفاً أمام القضاء والقانون كما حصل لمجموعة من الرؤساء الأمريكيين.. هي نفسها تطلق يده في الدول والمجتمعات الأخرى على نحو لا يلقى فيه أي حساب.

إذن، هناك نقص في شمولية الديمقراطية، لأن الديمقراطية، مهما يكن لنا عليها من ملاحظات (أستعير هنا تعبير أحد الدستوريين الذي يقول: إن الديمقراطية ليست أفضل الأنظمة ولكنها أقل الأنظمة سوءاً. وهو كلام صحيح)، لكننا نحن المسلمين بحاجة إلى الديمقراطية، أعني بمفهوم الشورى، يجب أن نطور مفهوم الشورى الذي هو مفهوم قرآني ليغدو شبيهاً بالديمقراطية الصحيحة التي ضاف إليها عند المسلمين البعد الروحي والبعد الديني والعقائدي، وبهذا تسلم الديمقراطية من هذه الازدواجية التي أشرنا إليها، أي ثنائية المعايير عند المسلمين عندما توجد الديمقراطية عند المسلمين الذين يلتزمون بأحكام دينهم لن تكون مزدوجة المعايير، يعني ديمقراطية للمسلمين واستبداد ضدّ الدول الأخرى. والمسلمون بحاجة إلى الديمقراطية، وأنا أعتقد أن المسلمين إذا كانوا ملتزمين بأحكام الديمقراطية فلن يختاروا سلطة تتنافى مع دينهم ومع مقوّمات دينهم. ولنفترض أن هناك مجتمعاً إسلامياً اختار السلطة على أساس غير ديني، ومجتمعاً إسلامياً آخر قامت فيه السلطة على أساس إسلامي ولكن بدون اختيار الناس، كأن يقوم مجموعة من الضباط بانقلاب عسكري، يقولون: إننا نريد أن نطبق الإسلام، لكن في مجتمع آخر قامت السلطة بالانتخاب ولكن ليس على أساس إسلامي، ففي العمق انطلاقاً من رؤيتي الإسلامية أرى أن الشرعية هي للنظام المنتخب حتى ولو لم يكن إسلامياً، في مواجهة النظام القهري حتى لو كان إسلامياً؛ لأنه لا ضمانة لهذا النظام الذي يرفع شعار الإسلام لا يؤمن بحرية المسلمين … لا ضمانة لاستمراره إسلامياً. بينما في المجتمع الذي اختار السلطة غير الإسلامية توجد فرص كثيرة لأن يختار في المرة القادمة، سلطةً تطبق الإسلام وتطبق معاييره.

الإسلام الليبرالي: المقولة والمفهوم والموقف

_ من المفردات المطروحة في عصرنا الراهن (الإسلام الليبرالي)، ولتقييم طبيعة الإسلام الليبرالي و آفاقه السياسية، يتحتم علينا القيام بتفحص دقيق لصفة “الليبرالية” تلك التي نربطها بالإسلام، كونها مفردة غامضة تنطوي على الكثير من المعاني التي تتدرج تدرّج الطيف و لا تقف عند مفهوم واحد محدد. و السؤال الأهم الذي ينبغي الإجابة عليه قبل البدء بتأمل موضوعة الإسلام الليبرالي هو “ما الإسلام”؟ فهذا السؤال لا يمكن التقليل من أهميته بأي حال من الأحوال.

^ لست ميالاً لاستعمال مصطلح الإسلام الليبرالي، ولكنني ميّال إلى اكتشاف القيم الجوهرية والإيجابية في النزعة الليبرالية التي نشأت في سياق التطور الغربي للمجتمعات السياسية في الغرب. ومن دون شك أن الليبرالية والحرية وقيام المجتمع على النظام الحر وحرية الفرد بالذات، أنا أنظر إليها بإعجاب حينما أرى هذه المجتمعات قد استطاعت أن تتخطى أطواراً كثيرة في تقدمها، ولكن أظن أن الاجتماع الإسلامي لا يمكنه أن يكون ليبرالياً بالمعنى الغربي للكلمة، ذلك أن لدينا نحن المسلمين رؤية للإنسان وللكون وللتاريخ، ففي الليبرالية توجد حرية الفرد المطلقة وعدم التدخل في شؤونه الخاصة بصورة مطلقة أيضاً. فنشهد الآن مثلاً في الغرب أن عدم وجود نظام أو نسق للقيم الأخلاقية جاء بسبب هذه الليبرالية، ونجد أن هناك مفاسد كثيرة يشهدها المجتمع الغربي. أنا أعتقد أن المجتمع الإسلامي محصّن ضد هذا النوع من الليبرالية، فبقدر ما يحتاج المجتمع الإسلامي إلى جرعة الحرية الكبيرة جداً، بقدر ما هو محتاج إلى هذه القيم الدينية والأخلاقية. فيمكن إذن أن نأخذ من الليبرالية حسناتها ولكن لسنا مجبرين أن نأخذ سيئاتها. ونحن ننتمي إلى نسق قيم جاء به الإسلام. ففي المنطق الليبرالي يحق للإنسان أن يشرب الخمرة وأن يزني و… ولكن أين هي نتائج ذلك في المجتمع الغربي؟! أين تفكك الأسرة في المجتمع الغربي؟! أين المفاسد والظلم الذي يقع على المجتمع الغربي؟ من هنا فـالليبرالية ـ بـمعناها السياسي وبمعنى حرية الفرد أن يقول وأن يقرر وأن يكون فاعلاً في المجتمع ـ مدعوون إليها نحن المسلمين، وإلى الأخذ بها، لأنها من المسائل الضرورية والحيوية في الاجتماع الإسلامي، دون البعد الأخلاقي فـلسنا بحاجة إليه لأن عندنا نسقاً قيمياً يؤمن به المسلمون ويشكل عاصماً لهم دون الوقوع في السلبيات التي وقع فيها الغربيون أنفسهم.

ما هي الحضارة؟ وما هو تعريفها ومكوّناتها؟

^ حديث الحضارة الإسلامية حديث أكثر الكتّاب والباحثين في هذا العصر، سواء منهم المسلمون أو غيرهم، فأكثر المؤلفات التي تظهر، ومعظم المجلات الفكرية التي تنشر، تحفل بأحاديث مسهبة ومكررة عن الحضارة الإسلامية ومدى أهميتها في عصر ازدهارها الغابر، غير أن جلّ بحوث هؤلاء الكاتبين، إنما يتناول من الحضارة الإسلامية بياناً وصفياً لمنجزاتها وإعجاباً بمظاهرها وآثارها، حتى عجت مكتباتنا بعشرات بل بمئات المؤلفات الضخمة، وهكذا المقالات المتنوعة عنها، حيث يتغنون بها بألفاظ الإعجاب والإكبار. وفي يقيني أن هذه الطريقة في الحديث عن الحضارة الإسلامية من شأنها أن تثير في أذهان القراء مشكلات، بل معضلات، تصرفهم عن التنبه إلى دواعي الإكبار لتلك المظاهر الحضارية مهما بلغت أهميتها وارتفعت قيمتها؛ فإن القارئ سيجد نفسه منجذباً عن التأمل في روعة تلك الحقائق الباسقة تدبر بعد إقبال وتتحجر بعد طول نمو وازدهار!

ولكي نتناول هذا الموضوع ـ أعني الحضارة الإسلامية وسرّ ازدهارها وعوامل تحجرها ـ دعنا سيدي أولاً أن نتعرف على معنى الحضارة وتعريفها،ما هو تعريف الحضارة؟ فكثير من المفكرين وعلماء الاجتماع عرفوا الحضارة أنها ثمرة التفاعل بين الإنسان والكون والحياة. إلا أن بعضهم كأبي الأعلى المودودي عرف الحضارة في كتابه ( الحضارة الإسلامية أسسها ومبادئها) أنها مجموعة المبادئ والعقائد والأفكار والأصول التربوية التي تثمر لوناً من ألون الحياة الاجتماعية بمقوماتها المختلفة. كما يُشْكِل الكثير من المفكرين على هذا التعريف معتبرين الحضارة على هذا الأساس صفة للناس والجماعات وليست صبغة على الأرض! وهكذا نلاحظ مالك بن نبي يعبر عن الحياة بالزمن وعن الكون بالتراب وذلك في كتابه (شروط النهضة)؛ فكيف تعرفون الحضارة؟

^ قد يختلف المفكرون وعلماء الحضارة في تعريف أو مفهوم الحضارة، ولكنهم يلتقون بلا شك على مجموعة المفاهيم والصفات، ويعرفون بما يتناول المعطيات والثمرات التي تنجم عن ممارسة شعب أو أمة من الأمم للحياة. وما ينتج عن هذه الحياة من قيم ومفاهيم ومنجزات على الصعيد الفكري والأدبي والفن والفلسفة، وسائر منجزات الفكر،ويضاف إليها أيضاً العادات والتقاليد الاجتماعية التي تتكرّس في هذه الأمة.

ومن ثم، فعندما نريد أن نعرف الحضارة، نميل إلى أنها مجموعة المنجزات الفكرية والإنسانية في مجالات الحياة والأدب والفن والاجتماع والعلوم، فهذه هي الحضارة التي تختلف بين عصر وعصر وأمة وأمة، والتي يمكن أن نطلق اسمها وعنوانها أو اسمها على الحضارة الإسلامية،كما يمكن أن نطلق هذه الكلمة اليوم على حضارة شائعة ولها طابع الانتشار وهي الحضارة الأوروبية وما يلابسها من معطيات في مجال الفنون والآداب والعادات والتقاليد، وهذا هو برأينا معنى الحضارة وما تتضمّنه هذه الكلمة من مصاديق.

أسباب تراجع الحضارة الإسلامية

_ يوعز بعضٌ تحجّر الحضارة الإسلامية بعد ذاك الازدهار العجيب إلى التقوقع على الذات، وعدم الانفتاح على العالم الآخر، مثل الكاتبة والمستشرقة الألمانية (زيغرد هونكة) في كتابها (شمس العالم تسطع على الغرب) ما تقولون في ذلك؟

^ يمكن أن يقال الكثير حول تراجع الحضارة الإسلامية وتقوقعها عن الإبداع. وقد كتب وقيل الكثير في هذه المسألة، وخصوصاً في عصر النهضة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ وهذا سؤال طالما طرح وقد قيل الكثير في شأنه. إلا أننا نميل إلى أن العوامل التي تجعل من حضارة ما تتراجع أو تتجمد هي كثيرة ومتنوعة وليست عاملاً واحداً.

فالقول بالجمود هو قول صحيح، ولكن لا يفسّر لوحده هذا التراجع الذي أصاب الحضارة الإسلامية. ويمكنني هنا أن أشير إلى عامل من هذه العوامل الفاعلة على مستوى الحضارة الإسلامية وتراجعها، يمكن للباحث وللمتأمل ولمن يراجع تاريخ الحضارة الإسلامية وتاريخ ما بعد هذا التراجع،أن يلحظه، وهو أننا ـ كمسلمين وكاجتماع إسلامي ـ لأن الحضارة بالنهاية هي سمة الاجتماع الإسلامي وليست سمة الأفراد، حيث انتشرت العلوم وازدهرت ترجمة الآثار والكتب والعلوم غير العربية والإسلامية كالفلسفة اليونانية، فمثلاً نلاحظ أن علماً من هذه العلوم لم يجر الاهتمام به كما ينبغي،أو لم يجر هذا الاهتمام على الإطلاق. ولم يوضع هذا العلم في أيدي العلماء والمفكرين والباحثين الذين استطاعوا أن يصلوا ببعض العلوم الإنسانية والفلسفية إلى حدود عالية وكبيرة، أعني العلوم السياسية. والسبب في ذلك ـ كما أعتقد ـ أن العلوم السياسية كانت السلطة في الإسلام تفضل أن تجعلها موضوعاً من موضوعات الدواوين، ولا تترك أمرها للمفكرين والباحثين؛ فكانت الدواوين هي التي تهتم في رسم حدود ومعنى الفقه السياسي، الأمر الذي أدى هنا وهناك إلى مشاكل.

إن الاجتماع الإسلامي بالرغم من اقتحامه لكل مواقع المعرفة الإنسانية وللعلوم الإنسانية، إلا أنه حرم من أحد هذه العلوم الإسلامية حتى في العصر العباسي، فالعبقرية الإسلامية التي شهدها العهد العباسي لم تلامس هذا الجانب الذي أعتقد لو أنها لامسته، أي لو جعلت من العلوم السياسية موضوعاً من الموضوعات والعلوم الأخرى، لأدى ذلك إلى أن يكتشف المسلمون نظماً جديدة في الشؤون السياسية، وهي نظم من شأنها أن تطور الاجتماع وأن تجعل من ثمرات العلوم التي اشتغل فيها المسلمون مادة لتطوير الاجتماع الإسلامي، ولإرساء قواعد أكثر متانة وقوة للحضارة الإسلامية وامتدادها عبر الزمان.

وإذا أردنا أن نلخص هذا الأمر فإننا نعيده إلى الاستبداد. فالمجتمع الإسلامي بالرغم من إنجازه لحضارة متميزة وكبيرة إلا أنه كان مجتمعاً يعاني من استبداد السلطة. هذا الاستبداد ضيّع على المسلمين الكثير من الفرص، وحاصر إمكانات الإبداع في مجال العلوم والآداب السياسية التي هي الأساس في أي نهضة حضارية حقيقية، وهي الأساس في النهضة الحضارية الغربية والأوروبية. وبدون هذه العلوم السياسية وما يتصل منها بالرؤية الاجتماعية والفلسفية للاجتماع وللكون والحياة لا تقوم نهضة. هذه هي التي كانت أساساً لنشوء الحضارة الغربية، بينما الاستبداد هو الذي جمّد الاجتماع الإسلامي وجعله يتراجع بدل من أن يبدع وينتج. وما نزال بالرغم من غياب السلطة الإسلامية وانحسارها منذ أوائل القرن العشرين، أي منذ انهيار الدولة الإسلامية الكبرى التي نسميها الإمبراطورية العثمانية… ما نزال ضحية هذا الاستبداد وضحية الأنظمة السياسية التي هي أشبه بنظام القبيلة.

فكيف يمكن أن يتجانس ما يسمى بنظام القبيلة مع منطق الحضارة؟!

ما تزال شعوب هذه الأمة تتعامل أو يجري التعامل معها بوصفها قبائل، وليس بوصفها مجتمعات مدنية منتجة لحضارة في الماضي وتطمح لتجديد هذه الحضارة على الأقل في الحاضر والمستقبل؛ فلا يمكن تجديد الحضارة في ظل الاستبداد أبداً؛ لسببٍ رئيس، وهو أن النسق الأساسي للحضارة يتجلى في قدرة الأمة على الإبداع والتجديد. وهذا الأمر يحتاج إلى قدر كبير من الحرية، الأمر الذي لا نجده ولا تتوفر منه في مجتمعاتنا الإسلامية المقادير المطلوبة لكي يستطيع العقل الإسلامي أن يضطلع بمهمة تجديد الحضارة الإسلامية وإبداع شروط مناسبة لانطلاق هذه الحضارة.

آلية التوفيق بين سنن الاستخلاف القرآنية وواقع الحضارة الإسلامية

_ ألا تجد أن قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ كأنما جاء لجواب سؤال طالما جال في صدور كثير من المسلمين هو: أفليست الأمة العربية والإسلامية، بكل فئاتها وعلى اختلاف ما تضم من نزعات واتجاهات، مسوقة بشكل أو بآخر بيد هذه الحضارة، منقادة لسلطانها؟ فكيف أمكن الله أمماً شأنها عبادة اللذة العاجلة، والخضوع لسلطان المادة وحدها، من التحكم بناصية العالم الإسلامي الذي شأنه ـ مهما اعترفنا بانحرافاته وأخطائه ـ الإيمان بألوهية الله وحده والدينونة لسلطانه وحده؟ وكيف يتطابق ذلك مع قوله تعالى: و نرید ان نمٌن علی الذین استضعفوا فی الارض و نجعلهم ائمه و نجعلهم الوارثین(القصص: 5)؟!

فترى الآية أعلاه أجابت أن الله عز وجل لم يلتزم في أي آية في كتابه ولا على لسان أحد من أنبيائه أن يمنّ على الذين استضعفوا في الأرض لمجرد كونهم مستضعفين، وإلا لكان علينا أن نرى جميع المستضعفين من الناس والأمم على اختلاف أديانهم واتجاهاتهم قد تحوّلوا إلى قادة وأئمة يرثون السيادة والحكم.

^ في الواقع إن الوعد الإلهي بالاستخلاف في الأرض وعد حقيقي لا شك في ذلك. وواقع المسلمين اليوم الذي وصفناه بالتراجع (تراجع الحضارة الإسلامية) جعل المسلمين ينبهرون ويعجبون بحضارة تعيش في عصرهم وهي الحضارة الغربية، وأن يأخذوا منها مناهجهم وأسلوب حياتهم، وبالتالي أقاموا علاقة مع هذه الحضارة ليس من موقع الند وموقع الذي يمتلك عناصر القوة التي تتيح لحضارة ما أن تقيم علاقة ودية وحوار مع الحضارات الأخرى، بل من موقع الضعف، ومن ثم يمكن أن نسمّي المظاهر المدنية التي يمتلئ بها مجتمعنا والمستمدة من مدنية الغرب بمفهوم الاستهلاك، أي نحن نستهلك ولا نصنع الحضارة، ونستهلك المنتجات والصناعات ومواد حضارية على المستوى المادي، ونستهلك الكثير من معطيات الحضارة الغربية على المستوى الفكري.

لا أريد أن أقول: إن مشروع إنتاج حضارة إسلامية يجب أن يتم بانفصال وبابتعاد عن حضارات أخرى؛ لأن الحضارات بالرغم من اختلاف سماتها إلا أنها حضارات إنسانية، أو يوجد جانب إنساني مشترك في هذه الحضارة، ونحن حتى الآن في طابع أساسي لحياتنا واجتماعنا الإسلامي.

أما الوعد الإلهي بالاستخلاف والتمكين،فهو وعد بلا شك مشروط، كما توحي لنا الآية وكما توحي لنا السنن الإلهية في التاريخ كله.

إن ما نسميه المنّ على المستضعفين في الأرض يتوقف على توفر العوامل الموضوعية والعوامل النفسية والإرادة لذلك الأمر الذي يتوفر بالصورة التي تستوجب هذا النوع من الأمر الإلهي الذي هو أساس في تذكيرنا كمسلمين وفي رؤيتنا لـصلة الناس بالله سبحانه وتعالى. والعكس هو الصحيح، هناك من الآيات القرآنية ما تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى يستخلف قوماً بقوم عندما لا يقومون بدورهم المفترض، وأتذكر هنا الآية: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا نلاحظ أن الخطاب موجه إلى المستضعفين في الأرض، بما يعني أن الاستضعاف في حد ذاته ليس سبباً للإمداد الإلهي وللتحول المنشود في هذا الواقع،وإنما الاستضعاف عندما يكون حافزاً للإرادة والجهاد.

في سبيل ذلك بالذات، يكون الاستضعاف مصدراً للوعد الإلهي في التمكين من الأرض، أما عندما تقبل بواقع الاستضعاف وعندما لا تجاهد في سبيل تغيير واقعها، فإنني لا أعتقد إذ ذاك أن الشروط ـ أعني شروط النهضة في التمكين والتمكن في الأرض ـ قد توفرت. والمسلمون اليوم لا يوفرون هذه الشروط التي تحقق الوعد الإلهي. وإذا كان الغرب بصورة عامة منصرفاً عن التوجه إلى الله فإن هذا لا يكفي أن يحبط الله تعالى جهود الغرب في إقامة حضارة ما دامت تتوفر الأسباب الموجبة لهذه الحضارة،فقد توفر العنصر الذي ذكرناه آنفاً في السؤال الماضي، وهو عنصر امتلاك الحرية، فالمجتمع السياسي الغربي استطاع أن يمتلك الحرية ويصنع منها مؤسسات أيضاً، وأن يحققها وينجزها في واقع هذا الاجتماع الغربي الذي أتاحت له هذه الحرية المجال في الإبداع، وهنا أذكر بأن هناك إشارة في القرآن الكريم للإنسان وخاصة في هذا العصر القائم بالذات عندما يقول سبحانه وتعالى : إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وفي تقديري إن الأمانة مهما اختلفنا على تفسيرها فإنها لا شك تتصل إلى حد بعيد بأمانة الاختيار.

خلق الإنسان مختاراً؛ وهذا ما يتميز به الكائن الإنساني عن بقية الكائنات الحية التي خلقها الله سبحانه وتعالى، ولذلك حمّله الأمانة، ومن هنا أعتقد أن الأمانة تتصل بالحرية؛ لأن الحرية أمانة صعبة تتضمن المسؤولية وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً والأمانة هنا مادتها الحرية وغايتها هي الله سبحانه وتعالى. ونلاحظ في العلاقة أو في ما أسميه التمييز بين الحضارة الإسلامية والغربية، أن عنصر الأمانة أو مادة الأمانة استطاع الغرب أن يحصل عليها ويحققها وهي الحرية. ولكنه ضيع غاية الأمانة التي هي الله سبحانه وتعالى. أما المسلمون فاحتفظوا بصفة الأمانة التي هي الله سبحانه وتعالى, ولكنهم ضيعوا مادة الأمانة، وأعني (الحرية)، وبذلك كان الإنسان ظلوماً جهولاً. وليس المسلم، وإنما الغرب، والمسلمون كانوا يستحقون هذا الوصف (ظلوماً جهولاً).

ومن هنا أعتقد أن هذه النقطة بالذات تصلح لأن تكون نقطة ارتكاز لحوار حضاري بين المسلمين والغرب، لحوار حضاري يؤدي إلى أن يحصل الغرب على غاية الأمانة وهي الله عز وجل،وأن يحصل المسلمون على مادة الأمانة التي هي الحرية. وبما أن الغرب حقق مادة الأمانة أنجز حضارة بشرية مادية، ولكن ليس حضارة متكاملة ذات علاقة بهذه الغاية، فهي حضارة بدون غايات سامية، وإنما هي حضارة تعتمد كما تفضلت على اللذة؛ ونتذكر هنا الفلسفة الوجودية التي هي أحد خلاصات الحضارة الغربية التي تعتقد أن الإنسان يجب أن يحقق ذاته في هذا الوجود الذي حذف فيه قذفاً بدون هدف، يحقق ذاته عبر كل ما يشعره بوجوده، وباللذة، وبكل ما يتاح له بهذه الفرصة التي يعيشها.

فكم هي الحضارة الغربية بحاجة إلى عنصر الغاية؟! وهذا ما نادى به مفكرون غربيون كثيرون، أذكر منهم (روجيه غارودي) الذي رأى أن الحضارة الإسلامية تمتلك الغاية، ولكن الحضارة الأوربية تفتقدها. وبالتالي العمل على التجدد الحضاري على مستوى المسلمين لا بد أن يأخذ بنظر الاعتبار الأخذ بتجارب الحضارات الأخرى، فضلاً عن العناصر الواضحة في الوحي القرآني التي تمكّن ـ في حال اعتمادها ـ من التطلع نحو إنجاز حضارة حديثة. ولا أعتقد أن الحضارة تكرر ذاتها، أي أن المسلمين ليسوا مطالبين بأن يستعيدوا حضارة ما سلف في تاريخهم. وإن كانوا بحاجة إلى الاستناد إليها لإنتاج حضارة تتصل بعصرهم الراهن بالذات، وتمكنهم لأن يكونوا فاعلين ومؤثرين في حركة الأحداث في عالمنا المعاصر. وهذا أمر ممكن حين تتوفر العناصر الموضوعية، على رأسها الحرية ـ بمعناها الفردي والاجتماعي ـ للعقل الإسلامي.

شروط النهضة وإشكالية العلاقة بالغرب

_ ونحن نخوض ونتحدث عن الحضارة الإسلامية وإمكانية استعادتها والوقوف على أهم العناصر أو المرتكزات التي ينبغي أن تتوفر لقيامها، وهكذا عندما نتحدث عن إمكانية التعاطي مع الحضارة الغربية، يجول سؤال في خاطري وخاطر الكثيرين عن أسلوب التعاطي في هذا العصر، فعندما قامت الثقافة الغربية المعاصرة شرعت منذ قرن بعملية غزو للمجتمع الإسلامي الذي أصيب بالضعف السياسي والاجتماعي، وفي ظل هذه الأجواء تكوّنت أو برزت في العالم الإسلامي مواقف تجاه النظرية الغربية، ومن هذه المواقف الموقف الرافض مطلقاً للتعاطي مع الحضارة الغربية وفكرها واعتبار ذلك إثماً كبيراً، مما سبب أضراراً فادحة بالساحة الثقافية الإسلامية، فنشأت من وراء هذا الجمود ردة فعل عند مجموعة من الأقلام والعقول الفكرية تبنت كامل معطيات الثقافة الغربية وافتتنت بها كـ (طه حسين) في مصر، وساطع الحصري في الشام. وموقف آخر وهو موقف الشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني ومحمد إقبال الذين لا يرون في الثقافة الغربية بكاملها شراً وخطراً على ثقافتنا الإسلامية.

وتفسرت أدوار هؤلاء الثلاثة إلى ثلاث أدوار متنوعة حسب الظروف بل أشبه ما يكون بالتقسيم التكتيكي منهم، وما زالت جهود الغرب تتزايد اتجاه سلب الإنسان المسلم هويته الحقيقية، ففي عصرنا الحاضر ترى من أي موقع يجب أن يتحرك الداعية لمجابهة الغزو الثقافي؟ وعلى أي طرف يقف في المعركة الثقافية مع هذا الاستعمار؟ أنت كمفكر إسلامي هل ترى أن المرحلة تقتضي إعادة العناصر التي حددها موقف الأفغاني أو محمد عبده؟

^ في الحق أن هذا السؤال وجيه جداً، وهو يحكي جملة المواقف والرؤى التي اتخذها رموز عصر النهضة الأخيرة التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين اتجاه الحضارة الغربية، وكان هذا شأناً مطروحاً باستمرار عندما شعر العرب والمسلمون بالفراغ إبان انهيار الكيان الإسلامي الكبير، حيث نشأت هذه الاتجاهات الثلاثة تدعوا تماماً ـ كما عبر عنها السؤال ـ إلى اتجاه الالتحام والانسياق الكامل في مناهج الحضارة الغربية، والاتجاه المعادي كلياً للحضارة الغربية والانغلاق تماماً من أجل الحفاظ على الهوية، والاتجاه الثالث الذي نسميه بالاتجاه الانتمائي والذي مثله بصورة دقيقة عبد الرحمن الكواكبي والشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني وعدد كبير من المفكرين الذين كانوا يدركون أن إنتاج حضارة إنسانية وإنتاج مجتمع إسلامي جديد لا بد أن يستند إلى هذا الاتجاه الانتقائي.

من وجهة نظرنا، هذه مسألة مطروحة منذ أكثر من مائة عام على أفكار عصر النهضة، فما زالت أفكار عصر النهضة تطرح ذاتها، وما زال كل بحث لتجديد الحضارة الإسلامية لا بد له أن يقف عند هذه النقطة وأعني بها نقطة العلاقة مع الغرب. ونحن من وجهة نظرنا نرى الاتجاه الذي سميناه بالانتقائي هو الاتجاه الموضوعي المدرك للعناصر التي يجب توفيرها للتقدم، وهو الاتجاه الذي يفرض نفسه في هذه الرحلة الراهنة. نحن كمسلمين ينبغي أن نحافظ على هويتنا الإسلامية، ولكن في الوقت نفسه يجب أن نتذكر أن الهوية نفسها ليست مخلوقا ثابتاً مستقراً غير قابل للتطور والتغيير، فالهوية أيضاً متغيرة، ولكن يوجد في داخل هذه الهوية عناصر من الثبات لا يجوز أن نتخلى عنها، ولا يكون التمسك بها مضراً في السعي نحو إنتاج حضارة جديدة.

الحفاظ على الهوية لا يمنع من التفاعل مع الحضارة الغربية. ونتذكر ذلك إبان النهضة الأولى في العصر العباسي التي كانت حريصة على التواصل مع التراث اليوناني ومع التراث الهندي والروماني والتراثات العالمية الأخرى، بصورة تكاد تشعر أن هذا التفاعل هو شرط من شروط إنجاز حضارة، لا يمكن أن يتم إنجاز حضارة بمعزل عن استحضار أسباب تفتح وقيام الحضارة الغربية الراهنة للأخذ بالموجبات الموضوعية وليس للأخذ بالموجبات الفلسفية والأخلاقية، أو يعني ما أسميه بتحول هذه الحضارة الغربية الراهنة أمامنا إلى مادة استهلاك فحسب، وهذا هو معنى حوار الحضارات، وهذا الحوار مقدمة ضرورية لإنتاج حضارة إسلامية، خصوصاً على صعيد العلوم التطبيقية التي لا هوية لها. فيجب أن ننتبه أن المعرفة الموجودة هنا هي ذات هوية وذات معطيات معرفية علمية لا هوية لها، خصوصاً في مجالات العلوم التطبيقية.

ثم إنني أقول: إن العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع والنفس والفلسفة، توجد فيها عناصر إنسانية لا يمكن أن نتجاهلها أيضاً، ويوجد فيها عناصر تخصّ هوية الشعوب التي تنتجها، ونحن مسؤولون عن تمثل هذه العلوم، حيث يمكّننا تمثلها من إنجاز علومنا الإنسانية وخاصة في ما يتعلق بنظرتنا للكون والحياة والإنسان. ويوجد العنصر المتعلق بالاجتماع نفسه وهو عنصر الحرية وعنصر إعادة الاعتبار للفرد، وهذه يركز عليها تركيزاً دقيقاً وكبيراً أيضاً، حيث في اجتماعنا الإسلامي ـ كما قلت ـ يوجد ما أسميه بطابع القبيلة التي لا تعطي للفرد المكانة التي يستحقها، فالمكانة هي للجماعة دائماً، أما الفرد فهو مسحوق أمام الجماعة. إذاً لا بد من الاستفادة من الحضارة الغربية في ما أنجزته على مستوى الحريات الفردية أيضاً. ولا يجوز هنا أن نغفل عن أن الحريات الفردية لا تعني الانفلات من القيود ولكن تعني أن الفرد جزء فاعل في إنتاج الاجتماع كله، وفي إنتاج المنجزات العلمية والفنية والأدبية. فهذا الفرد بحاجة إلى الحرية وهو بحاجة أيضاً إلى الاعتراف به من داخل المجتمع، فإلى أي مدى المسلمون بحاجة إلى ذلك؟ أعتقد أن الحاجة كبيرة وملحة لأن يكون للفرد مكانته وحريته واستقلاله دون أن يؤدي ذلك إلى أفراد منفصلين ومنعزلين، لأن هذه الحرية تعود بدورها فتنتج حلقات تواصل داخل المجتمع الإسلامي، لكنها حلقات تواصل فاعلة وحيوية ومؤثرة على إنتاج الاجتماع الإسلامي المنشود.

التنمية أساس تحولات القوة في العالم الإسلامي

_ اسمح لي أن أنتقل إلى موضوع آخر، وإن كان هذا الموضوع لا ينفك بل يرتبط بما تحدثتم به، وهو موضوع حركة الفكر الإسلامي وإلى أيّ مدى يمكن له أن يكون فاعلاً في التغيير الإسلامي ودعني أبدأ من الآية الكريمة: وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ (الأنفال: 60) فالملاحظ من الآية الكريمة أنها لم تحصر القوة في القوة العسكرية كما يفهم ذلك الكثير، وإنما جاءت تفيد الإطلاق والشمول؛ فالقوة التي دعا إليها القرآن الكريم تتنوع إلى القوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأيضاً الفكرية، فهل لسماحتكم أن يبين ما ميزة قوة الفكر؟ وكيف له أن يكون قوة أو بتعبير آخر: أنى لها أن تنعكس على حيوية وفاعلية مناهج التغيير الإسلامي؟

^ لا شك أن الآية القرآنية هنا تعالج مسألة أو حدثاً تاريخياً، يدعو الله المسلمين فيه إلى إعداد القوة في المواجهة الظالمة التي كان المسلمون يتلقونها من المشركين، ولكن كما نعلم فإن خصوصية المورد لا تخصّص الوارد، وهذه الآية يصح أن توجه للمسلمين في كل عصر من العصور مع متغيرات في مفهوم القوة التي أشرتم إليها، لأن القوة في مرحلة ما تتركز في المجال العسكري، وفي مرحلة ما تتركز في المجال الاجتماعي والسياسي والعلمي والاقتصادي والثقافي وإلى ما هنالك، فإذن هذه الآية مستمرة في مخاطبتها المسلمين.

علينا كمسلمين أن ندرك ما هي عناصر القوة التي يحتاجها اجتماعنا الإسلامي الراهن، وعلينا أن ندرك أن عالمنا المعاصر يوجد لديه معايير لهذه القوة لا أريد أن أقول: إنها تبتعد كثيراً عن المفهوم المادي لهذه القوة والمفهوم العسكري لها، فبكل أسف إحدى الثغرات الكبيرة في الحضارة الغربية المعاصرة أنها ما زالت تعتمد القوة العسكرية كوسيلة من وسائل السيطرة على المجتمعات الأخرى، ولكن لا أعتقد أن هذه الوسيلة وحدها هي الوسيلة المطلوبة لتعزيز قوة الأمة ما لم تكن مرتبطة بمنجزات متكاملة على صعيد العلوم وعلى صعيد التنمية أيضاً,

الأمر الذي أرجّح أنه يشكل أولوية السعي إلى امتلاك القوة في عالمنا الإسلامي هو تنشيط العلوم من جهة والانجازات على مستوى التنمية الاقتصادية والبشرية أيضاً، وهذه التنمية حاجة ملحة للاجتماع الإسلامي في عصرنا الراهن. وأتذكر وأنا أستعرض هذا المفهوم ـ وهو مفهوم الأمة ـ أننا أمة بالرغم من أن الله سبحانه وتعالى أفاض عليها ثروة غير عادية وثروة استثنائية، هي ثروة النفط الذي يحتاجه العالم، لم تستطع أن تحقق من خلال هذه الثروة درجة من التنمية تجعل منها أمة مستقلة، فهي باستمرار أمة بحاجة إلى الآخر، وهذه الظاهرة المؤسفة هي بالواقع نتاج خلل سياسي أيضاً لم يمكن لهذه الأمة أن تحقق نوعاً من الوحدة إن لم أقل الوحدة الشاملة، ولم تستطع أن تحقق نوعاً من التكامل الاقتصادي الذي يمكنها من تحقيق ثورة إنتاجية وثورة تنمية، بالرغم من توفر العناصر الأساسية لديها على هذا الصعيد، كتوفر الأرض والثروة وتوفر الإنسان، باعتبار أن للتنمية عناصر ثلاثة هي: (الأرض والثروة والإنسان)، وهي أمور تتوفر في العالم العربي وفي العالم الإسلامي. لم يقم هذا التكامل الذي يمكّن الأمة أن تكون مكتفيةً بذاتها وليست بحاجة إلى الدول الأخرى في مجال حاجاتها الضرورية، ولا يمكن أن تكون هناك أمة قوية تحتاج في كل ضرورة من ضرورات حياتها إلى الآخرين.

إذن، عنصر القوة الأساسية في نظرنا هو قيام التنمية على مستوى العالم الإسلامي، وهذا يتطلب وجهة سياسية تقود هذه التنمية وتجعل منها أمراً حقيقياً ومحتوماً، فبذلك يتوفر عنصر أساسي من عناصر القوة. وهذا العنصر إذا توفر فإنه يسرّع اتجاه الأمة نحو الكفاية من جهة، ويسرع خطوة الأمة نحو امتلاك مصادر القوة الأخرى سواء منها العسكرية السياسية الاجتماعية وغير ذلك من عناصر القوة التي تحتاج إليها، والتي استطاع الغرب أن يحققها. ولنلاحظ مثلاً أن الغرب رغم أن كل دولة من دوله هي دولة متمكنة وقادرة أن تعيش بمفردها، مع ذلك نشأ الاتحاد الأوروبي، وهو نوع من التكامل الجديد الذي يضيف إلى الأمم الأوروبية عناصر قوة جديدة؛ فكم بالأحرى أن تكون هذه الوحدة موجودة على مستوى العالم العربي على الأقل، كجزء من العالم الإسلامي. وهي لو توفرت على مستوى العالم العربي والإسلامي فيما بعد فإنها برأيي ستجعل المسلمين القوة الكبرى في العالم.

البديل الإسلامي أم مشروع المواجهة الحضارية؟!

^ يرى بعض الكتّاب والمفكرين الإسلاميين أن ضروريات التجديد الثقافي تكمن في صياغة البديل، معتبراً أن الفكر الإسلامي لم يعد بحاجة إلى أن يوازن بين الإسلام وغيره، وأن الإسلام دين يتماشى مع كل زمان ومكان، بل نحن بحاجة ماسة في الانتقال إلى مرحلة التحدي التي نحن نعيشها. ويعتبر أن على كل مفكر أن يكون على استعداد كافٍ لإقناع الأمة بأننا البديل الحضاري المناسب، وأننا الأقدر على تقديم الفكر السليم والثقافة الصحيحة والحضارة القويمة والعمران الأكيد.

فالسؤال الذي يجب أن يوجه لكم معاشر المفكرين، هل ترون أننا مؤهلون لأن نجتاز بالأمة حاجز التخلف؟ أي بعبارة أخرى: هل نمتلك الوسائل لتقديم البديل الإسلامي أمام كل ما قدمه الغرب؟ وهل هناك من عناصر لنجاح هذا المشروع؟

^ علينا أن نفكر في أولويات تسبق تطلعاتنا إلى منافسة الغرب أو الانتصار عليه، وليس هدف الحضارة الإسلامية أو هدف النمو والتقدم الإسلامي ـ من وجهة نظري ـ أن يحقق انتصاراً على الغرب، إنني أعتقد كمسلم وأتبنى رؤية وفلسفة وتوجه الإسلام نحو هذا العالم، وأعتقد أنني كمسلم ينبغي أن أحقق نموذجاً حضارياً غير صدامي، بل إنسانياً يستطيع أن يجد فيه الغرب حاجاته وليس التحديات فقط. وبهذا المعنى أظن أن المسلمين بحاجة إلى ثورة أو نقلة حيوية على مستوى الاجتماع الإسلامي قبل أيّ تفكير في التصدي للحضارات الأخرى أو للطموح نحو إحلال حضارتنا الإسلامية مكان حضارات أخرى؛ لذلك لا بد من إصلاح حقيقي في الفكر الإسلامي نفسه، ويبدأ هذا الإصلاح من وجهة نظري في مواجهة ظاهرة مؤسفة قائمة في الاجتماع الإسلامي، وهي حاجة المجتمع إلى العلم والمعرفة، وربما ووجهنا بأرقام من إحصاءات تدل على أن نسبة الأمية داخل المسلمين تتجاوز الخمسين بالمائة، وهذا بحد ذاته أمر محبط يشعرنا باليأس والإحباط. كم نحن بحاجة إلى أن نتجاوز مرحلة الأمية أولاً؟! أي بمعنى أن يكون المجتمع الإسلامي مجتمعاً متعلماً، لأن أيّ خطاب يتجه فيه المفكر المسلم إلى العالم الإسلامي لا يصل إلا إلى نخب قليلة في هذا العالم؛ فكيف يمكن أن يكون الفكر الإسلامي الجديد الموجه والذي يحضر إلى نقلة حضارية أن يكون فاعلاً في مجتمع نصفه أميون؟! والنصف الآخر من المتعلمين فيه هم شبه متعلمين أيضاً، ونصف المتعلمين فيه لا يمتلكون إرادة النهضة؟! وبالتالي لا بد من ورشة عمل كبيرة على مستوى العالم الإسلامي تشكّل نقلة في نمو هذا الاجتماع، بحيث يغدو للمثقف والمفكر المسلم قاعدة واسعة عندما تطرح الأفكار الإستراتيجية والأفكار الكبيرة، بحيث يتلقاها هذا المجتمع ويبدأ بتحويلها إلى مؤسسات وعناصر إنتاج وتغيير وتفاعل، هذا ما ينبغي أن نفكر فيه أولاً. فالمهم هو الانبعاث الحضاري وشروطه التي تتعلق في تهيئة المجتمع إلى أن يكون مجتمعاً قابلاً للقيام بهذه النقلة.

الفكر الإسلامي وحده يمكن أن يكون مؤثراً وفاعلاً ولكن بدرجات قليلة جداً. فإذا لاحظنا مثلاً كتاباً يصدر عن مفكر إسلامي يعالج فيه مثل هذه الشؤون التي تكلمنا عنها، فإن كان هذا الكتاب ناجحاً جداً فإن قراءه لا يتجاوزون ثلاثة آلاف فرد في مجتمع ـ على الأقل عربي ـ عدد سكانه يتجاوز مائتين أو ثلاثمائة مليون نسمة، هذه مسألة لا يجوز أن نغض الطرف عنها، ولا يجوز إطلاق وصف النقلة الحضارية حينما تتم وسط قلّة قليلة من أبناء هذا العالم العربي، فهم يتداولون أفكارهم ويتناقشون ويختلفون فيها، ويتفقون حولها. إن المطلوب نقلة في طبيعة الاجتماع لتوفر العناصر الضرورية والكفاية والعدل والعلم للأمة على النحو الذي يمكّن النقلة الحضارية أن تقود نقلة الأمة، وليس نقلة نخبة صغيرة.

الفكر العربي الإسلامي وقضايا العولمة

_ حيال موضوع العولمة، وخلال تتبعنا لاتجاهات الفكر العربي، وخاصة السياسي، أمام موضوع العولمة وإشكالاته وتحدياته وموجباته، نجد الفكر العربي ناشطاً في قراءة العولمة والاحتكاك بها، وبتفسيرها وتحليلها والتنبؤ بنتائجها وتداعياتها، لكن ألا تجد أن الفكر العربي في أزمة وفي عجز عن القيام بدوره الجوهري في صوغ تيارات للرأي العام في المجتمع العربي وإنتاجها؟

^ أوافق تماماً على القول: إن الفكر العربي عاجز عن التعامل مع واقع العولمة، وأدين كثيراً من اتجاهات الفكر العربي التي تحاول أن تهجوا العولمة وكأن العولمة فكرة، نأخذ بها أو لا نأخذ بها، نمتدحها أو نهجوها، فالعولمة ليست فكرة بقدر ما هي واقع زاحف لا يمكن تفاديه مطلقاً إلا في التعامل معه. نعم لا شك أن الفكر العربي يواجه الكثير من الإحباط والشعور بالعجز عندما يرى تدفق العولمة وتدفق الإعلام والمعلومات، ويجد هذا التأثير الفاعل للدول القوية في ساحة العولمة، فيأتي الفكر العربي أحياناً ليطلق مقولاته ضد العولمة وهذا لا يكفي؛ فالعولمة واقع قائم ولا يمكن تفادي سلبياتها وتأثيراتها المخيفة على عالمنا العربي والإسلامي إلا من خلال الدخول فيها، ومن خلال التأثير فيها، وهذا ينقصه الكثير من الإمكانات التي لا تتوفر لنا، ولنبدأ بالإمكانية الأساسية، وهي الإمكانية السياسية، حيث لا يوجد في عالمنا العربي قرار سياسي واحد، ولا توجد رؤية سياسية واحدة؛ فكيف يمكن إذاً أن ندخل في العولمة من جانبها السياسي؟!

العولمة أيضاً ذات مظهر علمي وتقني، ونحن فيما هو متوفر لدينا نشعر بإحباط وعجز عن قدرتنا عن التأثير في هذه العولمة، لذلك نعود إلى موضوع التنمية والنمو الداخلي دون أن نهمل بطبيعة الحال القدرات المتاحة لنا لأن نكون مؤثرين في هذه العولمة، وهي قدرات متيسّرة بالحدود الثقافية مثلاً. يمكن للمثقف العربي والإسلامي أن يكون مساهماً في إنتاج المعطيات الفكرية والثقافية للتعاطي مع هذه العولمة. ويمكن للمفكرين الإسلاميين أن ينتجوا فكراً قد يرشد ويقود إلى صورة أفضل، أو إلى الصورة الأقل سوءاً في التعامل مع العولمة، ولا أعتقد أن مفكراً إسلامياً بوسعه أن يطلب من المسلمين أن يوقفوا التعامل مع العولمة وهي زاحفة شاءوا أم أبوا، لكن يمكنه في الوقت نفسه أن يشير إلى المخاطر والاتجاهات التي يمكن التعاطي معها من خلالها. بهذا يمكننا أن نكون قد قللنا من حجم الأضرار التي تنعكس على الشعوب الضعيفة جراء انتشار العولمة. فلا بد لنا أن نقرّ بأن العولمة ساحة عالمية كبرى، المؤثر الحقيقي فيها هم الأقوياء وهم المتحدون والمنتجون أيضاً، ولذلك يضخون ثقافاتهم بصورة أيسر مما يتاح لنا نحن أمام ثقافتنا، ولكن هذا معناه أن لدينا انترنت نستطيع من خلاله أن نبث ثقافتنا وقراءتنا للأحداث ويكون ذلك مؤثراً ومفيداً في ظل مشروع نهضوي كامل على مستوى العالم العربي وربما على مستوى العالم الإسلامي فيما بعد. فلا يجب أن يتوقف هذا المشروع، ولا ينبغي أن يقال: أن العولمة لم تعد تتيح لنا انجاز مشروعات على مستوى العالم العربي والإسلامي، بل لا بد من متابعة السعي نحو إنجاز هذه المشروعات التي تتعلق بمشروع التكامل والنهضة الاجتماعية والاقتصادية، وفي تجسيد وتقوية الرؤية الحضارية لشؤون عالمنا المعاصر.

راشد الغنوشي ومقولة مثالية الفكر الإسلامي

_ في موضوع عجز الفكر العربي تحدث الأستاذ راشد الغنوشي في عام 1982م في مقالة نشرها تحت عنوان (الفكر الإسلامي بين المثالية والواقعية)، حيث راح يعتقد أن العقلية المثالية التي ينظر الإسلاميون من خلالها إلى واقعهم هي أحد الأسباب الرئيسية المسؤولة عن عجزهم في استيعاب ذلك الواقع وطاقاته المتحركة، وتوليد فكر إسلامي يقدم للمسلم وعياً صحيحاً بذلك الواقع، وقدرة على تسخير طاقاته لصالح مشروعه الإسلامي الحضاري. ما مدى تفاعلكم مع ما ذهب إليه الغنوشي؟

^ إلى حد ما، كلام الغنوشي حول الفكر المثالي كلام جوهري وأساسي. نحن نعم منشدون إلى المثالية في التفكير، ومن مظاهر المثالية ما تمت الإشارة إليه في هذه المقابلة، من أننا أمة ذات حضارة تاريخ ومعطيات، وبالتالي فإننا أمة تستحق أن تستعيد هذه المعطيات وهذه الحضارة وهذا التاريخ دون أن يكون هذا الكلام قد مر في شبكة الواقع، وفي قنوات الواقع الذي يعالج مشكلات حقيقية كمشكلات التخلف والتراجع على مستوى العالم الإنساني. لا يوجد في النظرية الإسلامية مشروع شبه متكامل، بل يوجد لدينا وعود أن الإسلام هو الحل، ولكن لا يوجد لدينا برنامج يواجه الوقائع والمعطيات ومظاهر التخلف ويضع حلولاً لها على مستوى العالم الإسلامي. وبهذا المعنى نحن مدعوون درجة أعلى من الواقعية، ومن التخفيف من وطأة هذا الخطاب الإسلامي ومثاليته وطموحاته التي لا تمر عبر شبكة الواقع الذي يحيط بنا والذي نغرق فيه.

الثورة الإسلامية في إيران وتحديات النهضة أمام الفكر الشيعي المظلوم

_ دعني انتقل في الكلام في هذه المحطة الأخيرة، إلى النهوض في الفكر الإسلامي الشيعي وامتداده في العالم الإسلامي. يقول راشد الغنوشي: كان لانتصار الثورة الإسلامية في إيران أن أطلق موجة عاتية من الفكر الشيعي اجتاحت عدداً كبيراً من مثقفي العالم ومثقفي السنّة. وفي غمرة الحماس لانتصارات الثورة كانت تجد أفكار هؤلاء الرواد ـ الصدر ومطهري وشريعتي ـ بل حتى التراث الشيعي، صدى متعاظماً. فكيف تقرأ ذلك وخاصة أنتم ممن عاصرتم هذه المرحلة من عهد السيد الشهيد باقر الصدر& إلى انتصار الثورة الإسلامية في إيران، إلى هذا الانفتاح الذي نشهده اليوم؟ خاصة أن هؤلاء الكتاب المعاصرين ينظرون ويعتبرون أن انتصارات هذه الثورة قامت مقام كاسحات الثلوج أمام الفكر الشيعي، تفتح في وجهه الطريق فيتقدم دون مقاومة تذكر. فبأي عين تنظرون إلى نهوض الفكر الشيعي؟ وهل ترون ما رآه الغنوشي وأمثاله من الكتّاب؟ علماً أن ما قاله الغنوشي هو رأي الكثيرين من الشباب المثقف من الجيل الجديد. ولكن عند مراجعتنا لحركة النهضة والإصلاح على يد السيد جمال الدين الأفغاني وبقية المفكرين في عصره أو بعده بقليل، نرى أن هؤلاء أحدثوا هزة في الوسط العربي والإسلامي، بل حتى الغربي، حتى لقد اعتبر أحد المستشرقين الفرنسيين (آرنست رينان) أن الأفغاني كابن سينا أو ابن رشد في حركة فكره وتأثيره؟

^ هذه مناسبة للتذكر والتذكير بأن الرؤية الشيعية والفكر الشيعي كان مظلوماً في التاريخ الإسلامي،وخصوصاً في الحقبة الأخيرة من التاريخ الإسلامي، وأعني بها حقبة الدولة العثمانية. كان الفكر الشيعي ينمو خارج دائرة التفاعل الذي تتيحه الحرية للمذاهب الأخرى عبر هذه المراحل الأخيرة من مراحل الكيان الإسلامي. والثورة الإسلامية جاءت لتشكل نوعاً من الانفجار التاريخي لفكر ظل مضطهداً ومحاصراً داخل المذاهب وحتى داخل الإسلام نفسه. وهذا معلم أساس من معالم قيام الثورة الإسلامية.

ولكن لم تقم الثورة في إيران بوصفها ثورة شعبية فحسب، والتراث الذي اتكأت عليه الثورة في إيران هو تراث إسلامي عريق. هي ثمرة الصحوة الإسلامية التي لم تكن شيعية فقط، بل كانت سنية أيضاً وكانت في إطار الاجتماع الإسلامي كله. فإذا بهذه الثورة التي كان يمكن أن تقوم في مصر أو في دولة إسلامية أخرى، تقوم في إيران, ويجعل قيامها المسلمين عموماً والمفكرين خصوصاً ينظرون بعين الدهشة والإعجاب إليها؛ ذلك أنهم لم يكونوا على تواصل حقيقي مع الفكر الشيعي وتفاعلات هذا الفكر ودوره في إنجاز أهداف الصحوة الإسلامية.

قامت الثورة في إيران؛ فكان لها تأثير، وهي التي دفعت عدداً من المفكرين إلى مراجعة الفكر والفقه والتاريخ الشيعي؛ كي يتفهموا ما هي العناصر التي مكّنت من أن تقوم. إنني أظن بأن هذه الفرصة الإيجابية التي أتاحتها الثورة الإسلامية أمام الفكر الشيعي يجب الاستفادة منها أولاً لإنصاف المذهب الجعفري الشيعي من جهة، ولإزالة الأفكار العالقة لدى كثير من المذاهب الإسلامية حول طبيعة الفكر الشيعي الذي كان يمارس الاعتراض داخل الاجتماع الإنساني؛ الاعتراض الناطق أحياناً، والصامت أحياناً أخرى، يقع على عاتقه في هذه الفترة أكثر من أي فكر أو اتجاه آخر أن يضطلع بقيادة النهضة الإسلامية، ليس لأن للشيعة دولة وهي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهذه دولة وهذا إنجاز ما سياسي له أهميته الكبرى ويتطلب أن يكون هناك تصميم عقائدي وتصميم فكري على إنجاز هذا النموذج بوصفه نموذجاً إسلامياً، وبوصفه أيضاً نموذجاً يتخذ الفكر الشيعي نموذجاً له لتقديم النموذج أمام المسلمين جميعهم.

ولكن أيضاً علينا نحن الذين نعتنق المذهب الشيعي أن نشعر أننا أكثر من أي فترة أخرى قادرون على المساهمة على إقامة النهضة الإسلامية بصورة كاملة. قادرون على أن يكون لنا دور فاعل في قيام النهضة الإسلامية. ومن الملاحظ أنه بعد قيام الثورة الإسلامية ونجاحها هناك تداعيات إيجابية كالتي أشرتم إليها عند راشد الغنوشي وغيره من المفكرين الإسلاميين، ولكن أيضاً هناك تداعيات سلبية حصلت اتجاه هذه الثورة، وذلك منها الفرق والتيارات المتشددة التي اعتبرت إن مثل هذه الثورة هي ثورة لصالح المذهب الشيعي. ولم يدركوا أن هذه الثورة هي لصالح النهضة الإسلامية ككل. وبالتالي كان من أثر هذه التداعيات أن نشأت موجة عنف داخل بعض المذاهب الإسلامية ما يطلق عليها الأصولية الإسلامية وما يطلق عليها التيارات السلفية الإسلامية التي كان احد أمثلتها أفغانستان، وما بات يجري على مستوى العالم الإسلامي من مظاهر عنف باسم الدين وباسم الإسلام. وكان هؤلاء يظنون أن محاكاة الثورة الإسلامية لا يكون إلا بهذه الدرجة من العنف، وهذه بنظري نكسة كبيرة للمشروع الإسلامي الكبير.

نحن في المذهب الشيعي مطالبون بأن ننجح نموذجنا الإسلامي الحقيقي الذي لا يتخذ العنف وسيلة بحد ذاتها أو هدفاً مطلوباً بحد ذاته. وعلينا أن نساهم في إصلاح مشروع النهضة, وأن نواجه ظاهرة العنف باسم الإسلام، أي باسم الدين، والتي تضر ضرراً بالغاً بمشروع النهوض الإسلامي الذي نفكر فيه. فنحن نلاحظ أن هناك تراجعات، فالعالم الإسلامي منذ عقدين من الزمن كان في مرحلة أكثر تفاؤلاً، وأكثر نضجاً مما هو عليه في مواجهة تيارات عنف نشأت في العالم الإسلامي، والتي لا يمكن أن تحقق هذا المنقلب المرجو في حضارة المسلمين وفي تقدمهم وفي إقامة كيان مستقل لهم. ولكنني أعتقد أن في العالم الإسلامي اليوم من أصبحوا، رغم انتمائهم إلى مذاهب أخرى غير المذهب الشيعي، أقدر على التفاعل مع الرؤية الشيعية ومع التصور الشيعي ليس للتاريخ فحسب بل للمستقبل أيضاً. ونحن قد نختلف على التاريخ، وهذه مسألة قائمة منذ نشوء التيارات السياسية في عصر الخلافة الأولى ونشوء المذاهب الإسلامية في عصور متقدمة عليها أو تالية لها. وهذا بحد ذاته لا يجوز أن يكون سبباً من أسباب الصراع داخل الكيان الإسلامي، والشيعة مؤهلون أن يلعبوا دوراً أساسياً في نشر الفكر التوحيدي، وفي نشر العناصر الضرورية لقيام نهضة إسلامية تهدف ليس إلى تقوية كيان الشيعة بقدر ما تهدف إلى وضع مداميك قوية لهدف التجدد الحضاري للمسلمين بأجمعهم.

_ المفكر الإسلامي والشاعر اللامع والمستشار القضائي الكبير العلامة السيد محمد حسن الأمين! لا يسعني في هذا المقام إلا أن أقدم لسماحتكم جزيل الشكر على ما أوليتموني به من الاهتمام والتفاعل، وأرجو أن لا أكون قد أخذت من وقتكم الثمين، وأرجو أن تتبع هذه المقابلة وهذه المطارحات الفكرية مقابلات أخرى في المستقبل، فإن الأمة الإسلامية في حاجة ماسة لإثارة هذه المسائل مع سماحتكم، والاستفادة من رأيكم، خاصة ونحن نعيش في خضم التحديات بكل أنواعها. أكرر شكري لكم.

^ وأنا أشكرك على إثارتك لأهم المسائل الفكرية، والحقيقة لا أراني مبالغاً حينما أقول: إن ما قدمتموه هو أرقى ما واجهني من الأسئلة.

الهوامش

(*) مفكّر إسلامي بارز، له مساهمات عديدة قيّمة في مجال الاجتماع والسياسة والمرأة والأدب، من لبنان.

([1]) صحيح مسلم 6: 24.

([2]) المصدر نفسه: 333.

([3]) انظر على سبيل المثال: ابن طاووس، الطرائف في معرفة مذهب الطوائف:527.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً