د. دل آرا نعمتي پير علي(*)
الخلاصة
إنّ الدراسةَ المقارنة لقصّة طالوت في النصّين المقدَّسين: القرآن؛ والعهد القديم، وسيلةٌ تقدِّم معرفةً أكثر عمقاً ودقّةً عن هذين النصّين.
وأما السبب الذي يجعل هذين الكتابين قابلين للمقارنة فهو أنّ كلَيْهما يتمتّعان بالقداسة، وبموضوعاتٍ مشتركة، مع وجود اختلافاتٍ منهجيّة وتعليميّة بينهما.
إنّ مجال المقارنة بين الكتابين في قصّة طالوت يختصّ بستّ آيات من سورة البقرة في القرآن الكريم، وثلاثة وعشرين باباً من الكتاب الأوّل «صموئيل» من العهد القديم. وهذه الأبواب تشتمل على 654 فقرة. وقد تمّ في هذه الدراسة استقصاء التشابهات والامتيازات بين النصّين من ناحيتي البناء الأدبيّ والنظام الفكريّ المتضمَّن في القصّة. وقد وظّفت كذلك في المقارنة بين النصّين بعض المكوِّنات الأدبية، من قبيل: أسلوب البيان، جغرافيا القصّة، وأسلوب عرض الشخصيّات في القصّة، وتمّ أيضاً تحليل كيفيّة استعمال الطرائق البيانية التي تنسجم مع هدف تأكيد الرسائل المعرفيّة والتربوية، وذلك بشكلٍ مقارن بين النصّين. وقد أظهرت نتيجة الدراسة انسجاماً في البناء الأدبيّ للقرآن، وفي عرضه للشخصيات بنحوٍ دقيق ونموذجيّ، وفي رسائله المعرفية المتعالية. كما وجدت في مقارنتها للنظام الفكريّ والمباني الدينيّة المتضمَّنة في النصيّن مشتركاتٍ في المضامين الأساسية والفرعية للقصّة، وتوصّلت إلى وجود معرفةٍ إلهيّة أكثر عمقاً ودقّةً وصحةً للمعالم المعرفيّة في قصّة طالوت في القرآن. فمن هذا المنطلق يمكن القول: إنّ اللازم المنطقي لعلوّ البناء والمحتوى في قصّة طالوت في القرآن على تلك الموجودة في العهد القديم أنّ القرآن الكريم متضمِّنٌ للتعاليم الوحيانيّة غير المحرَّفة، كما أنّه لم يقتبس من الكتاب المقدَّس تلك الموضوعات المشتركة معه.
مقدّمةٌ
إنّ الدراسة المقارنة لقصّة ما في نصّين معيّنين لا يُستَهْدَف منها معرفة المشتركات والمفترقات، وإنّما يُتوسَّل بها لاستكشاف هذين النصّين؛ فإنّ ملاك وأساس قابلية المقارنة بين هذين النصّين المقدَّسين يحدِّده قبل كلّ شيءٍ نفس كونهما مقدَّسين، وبعد ذلك تأتي الملاكات الأخرى، من قبيل: «الاستفادة من الموضوعات المشتركة»، «الاختلافات البنائية»، و«الاختلافات المحتملة في التعاليم والمفاهيم»؛ لإجراء المقايسة والمقارنة بين النصّين.
يتمتّع القرآن الكريم والعهد القديم؛ بوصفهما نصّين مقدَّسين في الدينين الإسلاميّ واليهوديّ، بقابليّة المقارنة والمقايسة؛ إذ يشتملان على موضوعاتٍ مشتركة، وفي ذات الوقت يختلفان ـ في ضمن الاختلافات البنيويّة ـ في بعض التعاليم والمفاهيم.
إنّ هذه المقارنة أداةٌ للتعرُّف على كلٍّ من النصّين بشكلٍ أدقّ في جهات مختلفة، فتعيين موضوعٍ واحد، نظير: قصّةٍ خاصّة مطروحة في كلا النصّين، يمهِّد لإمكان عقد مقارنةٍ دقيقة ومعرفة جادّة لكلَيْهما، فهذا الشيء، وهو إمكان الوقوف على ماهية النصّ، يُعَدّ بنفسه مرحلةً أعلى من جمع أوجه التشابه والاختلاف الظاهريّة الموجودة في كلا النصّين.
إنّ الفائدة الأساسية من مقارنة قصّة طالوت (شاؤول) في القرآن والعهد القديم هي أنّ مقارنة التشابهات والاختلافات الموجودة في هذه القصة في النصّين يمكن أن تثمر في تحديد المستوى الكيفيّ لكلٍّ من النصّين في نقل القصة الواحدة، كما أنّها تجيب على مناقشاتٍ من قبيل: عدم وحيانية القرآن، أو اقتباس القرآن من الكتب السماوية السابقة.
وعلى هذا الأساس فإن فرضيات هذا التحقيق هي:
1ـ إن القرآن الكريم من جانب الاستمداد من البناء والمحتوى الخاصّ نصٌّ وحيانيّ ومَصُونٌ من التحريف.
2ـ إنه في بيان موضوعاته المشتركة مع الكتب السابقة، مثل: العهد القديم، لم يقتبس منها.
إنّ ما تمّ تتبُّعه في هذا التحقيق هو استقصاء موارد التشابه والتمايز الظاهريّ، وكذلك الخفيّ في بعض الأحيان، في كلا النصّين عند مقارنة القصّة، ثمّ عبر التحقيق في تلك الموارد الظاهرية إلى تحصيل معرفةٍ أكثر دقّةً لكلٍّ من النصّين المقدَّسين.
وأوّلُ الوقفات التحليلية ملاحظةُ البناء الأدبيّ للنصّين من حيث الاحتواء على بعض المكوِّنات الأدبيّة.
البناء الأدبيّ للقصّة (المكوِّنات) في النصّين
يطلق «البناء الأدبيّ» أو «أدبيّات التأليف» على مجموعة الطرائق التي تضيف إلى المتن قيمةً أدبيّة، فمكوِّناتٌ من قبيل: اختيار الكلمات والعبارات الهادفة؛ وتوظيف العناصر التصويرية، مثل: التشبيه والاستعارة؛ والرواية؛ والحوار؛ والتمثيل؛ والاستفادة من المحسِّنات الأدبيّة والصناعات البيانية والبديعية؛ والحذف والإيجاز؛ والتطويل والإطناب؛ والتكرار والتأكيد؛ وإدخال العنصر المسرحيّ، نماذجُ مهمّةٌ للبناء الأدبيّ في المتون.
وينبغي هنا أن ننبِّه إلى أننا في هذه الدراسة قد اعتمدنا على الترجمة القديمة للعهد القديم([1])، لذلك فقد راعَيْنا في المقارنة تلك المكوِّنات التي في ترجمة نصّ العهد القديم القابلة للمتابعة فقط، ولم ندرس المكوِّنات الأدبية الراجعة إلى النصّ الأصلي.
1ـ جغرافيا القصّة
أـ إنّ المراد من «جغرافيا القصّة» هو الزمان والمكان اللذان وقعَتْ فيهما أحداث القصّة.
ولقد ذُكرَتْ قصّةُ طالوت في القرآن الكريم بشكلٍ موجز، وذلك من الآية 246 حتّى الآية 251 من سورة البقرة. و«الإيجاز البليغ» من الأساليب البيانية المهمّة والمستعملة كثيراً في القرآن الكريم.
يمكن في هذه القصّة القصيرة أيضاً رؤية مشاهد متعدِّدة من الإيجاز.
في حين أنّ الكتاب المقدَّس، ولا سيَّما العهد القديم، يتَّخذ في طريقته البيانيّة التطويل والإطناب غالباً.
وعلى ذلك يمكن متابعة الاختلاف في البِنْية الأدبية في مجال جغرافيا قصّة طالوت في القرآن الكريم والعهد القديم.
لم يبيِّن القرآن الكريم في قصّة طالوت الزمان والمكان بنحوٍ دقيق؛ وذلك لاهتمامه أوّلاً في بيان القصّة بتوجيه وبعث الرسائل الأساسيّة منها، ولكنْ لأنّ الاطّلاع الإجماليّ على جغرافيا القصّة يساعد على تواصل ذهن المخاطَب معها، ويمنحه القدرة على تصوُّرها، فقد أشار القرآن الكريم بنحوٍ هادف، وبتعابير خاصّة، إلى العصر الذي تجري فيه القصة؛ حتّى يفهم المخاطَب الحدود التقريبية للزمان والمكان.
في الآية 246 من سورة البقرة؛ أي أوّل آيةٍ من القصّة، يعلم من قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ أنّ هذه القصّة متعلِّقة ببرهةٍ من الزمان بعد موسى×. وبهذا المقطع الزمانيّ، مع قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾، يصبح الوقت أكثر جلاءً؛ فيعلم أنّ الحدث قد وقع بعد أن دخل بنو إسرائيل إلى الأرض المقدَّسة بعد موسى×، وقد مضَتْ عليهم سنواتٌ من دخولهم.
وبقوله تعالى: ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ يُعْلَم أنّه في هذا المقطع الزمانيّ قد غُلب بنو إسرائيل من قِبَل أعدائهم، وفقدوا مساحاتٍ من الأرض المقدَّسة. وكذلك يوضِّح طلب الملك: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً﴾ انتهاءَ عصر «القضاة»، وبداية العصر المَلَكيّ في بني إسرائيل.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم إجمالاً أنّ الأرض المقدَّسة هي مكان القصّة، وزمانها تقريباً بعد موسى× بـ 450 سنة([2])، وأوّل ملوك بني إسرائيل هو المسمّى بـ «طالوت».
ب ـ في العهد القديم بيَّنت قصّة تعيين أوّل ملوك بني إسرائيل في كتاب «صموئيل الأوّل»، في الأبواب 8 ـ 31. وعلى ضوء ذلك يمكن أن يُقال: إنّ طرح هذه القصّة في العهد القديم يلفّه الإطناب، ويُحْدِث في المخاطَب انتظاراً لبيان وتحديد الجغرافيا الزمانيّة والمكانيّة للقصّة بالدقّة والتفصيل.
يبدأ كتاب «صموئيل الأوّل» بولادة صموئيل، آخر قضاة بني إسرائيل الممتدّين على 350 عاماً([3])، ومع بيانه المفصَّل لكيفية ولادته ونموّه وقضائه يطرح الكتاب طلب الملك من صموئيل في الباب 8؛ أي في 188 فقرة، كما يعيِّن الحدود التقريبية لزمان وقوع القصّة في أنّها هي نهاية عصر القضاة وبداية العصر المَلَكي.
سُمِّي هذا الكتاب باسم أوّل مَلِك من ملوك بني إسرائيل، وهو «شاؤول»، الذي نُصِّب ملكاً في أعقاب طلب قادة قومه وتعيينه نبيّاً([4]). فعلى هذا الأساس يمكن أن يفهم أنّ طالوت القرآن وشاؤول العهد القديم شخصٌ واحد، وقد تغيَّر اسم شاؤول في العربيّة إلى طالوت؛ لأسباب مختلفة، من بينها التطوُّرات اللفظية والتعريب.
وأما بالنسبة إلى جواب سؤالنا من القصّة في العهد القديم فيمكن القول: إنّ حجماً واسعاً من فقرات هذه القصّة ذو صبغةٍ تاريخية، ومع ذلك لم تبيِّن الزمان الدقيق لها، ولكنّها قد حدَّدَتْ مكان بداية الأحداث بشكلٍ دقيق، وهو في مدينة باسم «رامة»، التي هي محلّ إقامة صموئيل في الأرض المقدَّسة([5]).
2ـ الأبطال
إنّ الشخصية الأساسية للقصّة هو الشخص الذي يكون محور القصّة ومركزها، ويحاول مؤلِّفها أن يلفت أنظار القارئ إليه([6]).
في قصّة تنصيب أوّل ملوك بني إسرائيل كان هذا الملك ـ الذي يُسمّى في القرآن (طالوت)؛ وفي العهد القديم (شاؤول) ـ هو الشخصية الأساسية للقصّة، فقد ظهرت خصوصيات شخصيّته من خلال هذه المشاهد والوقائع:
أـ إنّ قصّة طالوت في القرآن الكريم مظهرٌ لرؤية هذا الكتاب عن العلاقة بين الشخص وعمله، فالذي على أساسه يكون معيار حُسْن أو قُبْح الأشخاص إنّما هو مدى أدائهم عند الابتلاءات والامتحانات الواقعة في مجرى الحياة.
لقد أُوضحَتْ الخصوصيات البارزة لطالوت في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ (البقرة: 247). فطبقاً لهذه الخصوصيات يمكن أن يكون طالوت مسؤولاً عن تحشيد الجيوش، والجهاد على ركيزة العلم والحكمة، كما يستطيع أن يستعين بقدرته الجسمية المناسِبة في أوقات الجدّ والحَزْم والقيام بأعباء مسؤولية القيادة والتوجيه العسكريّ. إنّ «القدرة الجسمانية» يمكن أن تكون كنايةً عن الشجاعة والتمكُّن من المواجهة في ساحة المعركة.
كما أن من خصوصياته الأخرى، والتي تضمّنتها الآية 249: الحَزْم، اليقين القلبيّ، التوكُّل، التوسُّل الصادق، والثبات.
ويتجلّى بوضوحٍ وجهٌ آخر في شخصيّة طالوت، في موضعٍ آخر من قصّته، هناك حيث خاطب القوم بأنّهم سيكونون في معرض ابتلاءٍ صعب، حيث ينفِّذ فيهم امتحاناً إلهيّاً: ﴿قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ (البقرة: 249).
ويوجد في خطابه هذا احتمالان: إما أنه كان مع صموئيل النبيّ مترافقين، ويسلِّم للأمر النبويّ لصموئيل في مجال اختيار أفراد الجيش؛ أو أنه كان بنفسه يتمتَّع بالإلهامات الربّانية([7])، حيث إنّه قد أخبر عن ابتلاءٍ يقع قريباً: ﴿إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾.
والخصوصية الأخرى له هو أنّه كان صاحب إيمانٍ راسخ، ولهذا فحينما واجه جيشه جنود جالوت، فغلب الخوفُ واليأسُ المؤمنين، سعى هو ـ من مقام كونه قائداً وآمراً للجُنْد ـ مع مجموعةٍ من المؤمنين الخاصّين الآخرين إلى بعث الروح فيهم، وإحياء الرجاء بالنصر الإلهيّ في القلوب: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللهِ﴾ (البقرة: 249). إنّ هذه العبارة تشير إلى يقين هذه الفئة البارزة، وعلى رأسهم طالوت؛ حيث يؤمنون بالجزاء الإلهيّ ونجاة المؤمنين، ويتيقَّنون بأنّ هذا الجهاد حقٌّ، وأنّه مختومٌ بالنصر، وإذا نالوا الشهادة فسوف يُشْمَلون بفيوضاتٍ ومثوباتٍ من الله في موقف الحساب والقيامة([8]).
إنّ الإيمان بالنصر الإلهيّ والصبر والاستقامة وجهٌ آخر من وجوه شخصية طالوت، حيث يتّضح ذلك في إرشاداته لجنوده، فيخاطبهم بقوله تعالى: ﴿كَمْ مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 249). وفي الحقيقة إنّ هذا القسم من الآية يطرح مطلبين مهمّين:
الأوّل: إنّ النصر ليس مشروطاً بكثرة الأفراد والتجهيزات، وإنّما النصر مشروطٌ بالإرادة الإلهيّة، وتحقُّق معونته.
الثاني: إنّ الصبر عاملٌ فاعل في جلب النصر الإلهيّ، ولهذا كان يدعو جُنْده إلى الصبر.
وفي هذه الدعوة يتجلّى وجهٌ آخر في شخصيّته، وهو: التوسُّل الصادق بالله، وطلب ثبات القَدَم في خطّ الله: ﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 250).
وتنتهي قصة طالوت بقوله تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ﴾، في سورة البقرة في الآية 251. ويليها مباشرةً الحديث عن داوود×، في تكملة الآية: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾. وهنا يوجد فرضان محتملان:
الأوّل: إنّ طالوت قد استُشهد في ساحة الجهاد.
الثاني: إنّه بعد الانتصار سلَّم نفسه للأمر الإلهيّ، إذ نقل المُلْكَ إلى داوود×، بعد فاصلةٍ زمنيّة أو بلا فاصلةٍ من تلك الحرب.
وفي كلا الفرضين طالوت مؤمنٌ من أهل اليقين، ومطيعٌ لأمر الله بشكلٍ كامل، ولا تساوره المطامع الشخصية.
ب ـ بُيِّنت هويّة شاؤول في العهد القديم بشكلٍ مفصّل؛ فهو ابن قيس سبط بنيامين، وشخصٌ حَسَن المنظر، ونجيبٌ([9]). وفي الجسم والظاهر هو حَسَن القوام([10])، وأطول من جميع أفراد بني إسرائيل([11]).
وحَسْب العهد القديم كان شاؤول منتَخَباً من قِبَل الله؛ لأنّه أَمَر صموئيل: «…فامسَحْه رئيساً لشعبي إسرائيل»([12]). وقد دهّن صموئيل شاؤول([13]).
وعلى أساس هذه الفقرات يُعْلَم أنّ شاؤول مختارٌ من قِبَل الله، ولكنّ هذا الاختيار له مفهومٌ خاصّ؛ فإنّ طلب المُلْك من قِبَل مشايخ بني إسرائيل قد أغضب الله؛ إذ يعتبر تنصيب المَلِك تَرْكاً من قبلهم لمَلَكيّة الله: «فقال الربُّ لصموئيل: اسمَعْ لصوت الشعب في كلّ ما يقولون لك؛ لأنّهم لم يرفضوك أنتَ، بل إيّايَ رفضوا، حتّى لا أملك عليهم»([14]). وبعد ذلك، وقبل تعيين الملك، أَتَمّ عليهم الحجّة، وأبلغهم ببعض الأعمال غير اللائقة للمَلِك المستقبليّ، ومنها: أنّه سيستغلّ القوم في منافعه الشخصية([15]).
بناءً على ذلك يمكن أن يُقال: إنّ هذا الانتخاب لم يكن ذا جانبٍ إيجابي بشكلٍ كامل، وإنّما قد تحقَّق لأجل الاستجابة لطلب القوم، وقد صرَّح صموئيل النبي بهذا الأمر: «…ولمّا رأيتم ناحاش ملك بني عمون، آتياً عليكم، قلتُم لي: لا بل يملك علينا ملك. والربُّ إلهكم ملككم»([16])، وقد اعتبر هذا الطلب من قِبَل القوم ذنباً: «وقال جميع الشعب لصموئيل: «صَلِّ عن عبيدك إلى الربّ إلهك؛ حتّى لا نموت؛ لأنّنا قد أضَفْنا إلى جميع خطايانا شرّاً، بطلبنا لأنفسنا مَلِكاً»([17]).
ومن جهةٍ أخرى وُصفَتْ شخصية شاؤول بأنّه متمتِّع بالنبوّة أيضاً: «فيحلّ عليك روح الربّ، فتتنبّأ معهم، وتتحوَّل إلى رجلٍ آخر… فحلّ عليه روح الله، فتنبّأ في وسطهم»([18]). وكذلك في عين هذا التمتُّع بالنبوّة فهو يتمرَّد على أوامر الله: «…فقال شاؤول: …ولم أتضرَّع إلى وجه الربّ… فقال صموئيل لشاؤول: قد انحمَقْتَ! لم تحفظ وصية الربّ إلهك التي أمرك بها…» ([19]). وتتابع القصّة فتقول: حينما ظهر من شاؤول تمرُّدٌ آخر، فلم ينفِّذْ بالدقّة أمر الله بإبادة كلّ أملاك العدوّ، نزل على صموئيل وحيٌ من الله، قال: «ندمْتُ على أنّي قد جعلتُ شاؤول ملكاً؛ لأنّه رجع من ورائي…؛ لأنّك رفضْتَ كلام الربّ، فرفضك الربّ من أن تكون مَلِكاً على إسرائيل»([20]).
لقد ظهر الوجه السلبيّ في شخصيّة شاؤول حينما اختار الله داوود× مَلِكاً على بني إسرائيل: «وابتعدَتْ روح الله عن شاؤول، والروح السيّئة من قِبَل الله جعلته مضطرباً»([21]). وعلى هذا الأساس حسد شاؤول داوود، ومقته في قلبه([22])، وأصبح قلقاً في محبّته، ولهذا فقد أخرجه من قصره، وأنزل مقامه([23])، وخطَّط لقتله، وتآمر لأجل ذلك([24])، حتّى أنّه قد أقحمه في الحرب على الفلسطينيّين؛ بقصد تنفيذ مؤامرته ضدّه([25])، وقد شُرحَتْ مؤامرته بقتل داوود× في العهد القديم بأشكال مختلفة، وبالتفصيل([26])، كما بُيِّن بشكلٍ صريح ابتعادُه عن الله وعداء الله له: «…قال شاؤول: …والربّ فارقني… قال صموئيل: والربُّ قد فارقك، وصار عدوّك»([27]).
ثم بيَّن كتاب «صموئيل الأوّل» عاقبة عمل شاؤول بهذا النحو: إنّه خسر في الحرب مع الفلسطينيّين، وانتحر([28]).
وعلى أساس توضيحات كتاب «صموئيل الأوّل» من العهد القديم فإنّ شاؤول لم يتمتَّع بحقيقة الإيمان والعلم والفضائل الأخلاقية، كالحزم والصبر وثبات القَدَم في طريق الحقّ وإرادة الله ـ وحلَّت الأنانية في مكانها ـ؛ وفي المقابل قد اتَّصف بالرذائل الأخلاقية، كالحَسَد والحِقْد والمَكْر والخِداع والظُّلْم وحُبّ الذات، بل كما وصفه قاموس الكتاب المقدَّس: إنّ الخبث قد استولى على نفسه، وخرج عن نوع البشر، وتخلّق بأخلاق البهائم([29]).
3ـ الإفادة من أساليب المؤالفة لتوكيد الرسائل
أـ إنّ «التكرار» واحد من الأساليب البيانيّة التي أفاد منها القرآن الكريم مكرّراً، فالتكرار يؤكِّد المطلب بأزيد من الحدّ المعتاد، كما يمكن به أن يعطي خصوصيةً لمفهومٍ دينيّ معيّن.
أحياناً يكون التكرار محفِّزاً لتوجُّه المخاطَب إلى موضوعٍ مهمّ في كلّ السورة أو في مجموعة من الآيات متعدّدة السياقات؛ فمثلاً: في سورة البقرة وفي مجموعة الآيات التي وقعت فيها قصّة طالوت (الآيات 243 ـ 258) تكرَّرت عبارة: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ثلاث مرّات؛ الأولى: في الآية 243، التي كان موضوعها الأساسيّ أنّ الموت بيد الله. فلأجل تأكيد هذا المطلب عرضَتْ الآية قصّة قومٍ ماتوا بالأمر الإلهيّ، ثمّ أُحيوا: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ…﴾ (البقرة: 243)؛ إذ تفيد عبارة: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ في بداية هذه الآية أنّ هذه القصة قد وقعَتْ حقّاً، كما تفيد حالة التعجُّب من وقوع هذه القصة([30]).
وقد استُعملَتْ عبارة: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أيضاً في بداية قصّة طالوت، وذلك في الآية 246: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى…﴾. فهذه العبارة توجِّه أنظار المخاطَب إلى الحقائق ذات العِبْرة من تاريخ القصص المثيرة لبني إسرائيل([31])، كما تبيِّن واقعيّة القصّة.
والموضع الثالث في الآية 258، فتقول: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ…﴾، حيث طرحت قصّة محاجّة إبراهيم× في قصر النمرود، وإثباته للتوحيد.
إنّ هذه الآيات الثلاثة في السياقات الثلاثة، التي تشتمل على عبارة: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾، مرتبطةٌ بالقاعدة الكلّية التي بُيِّنت في الآية 257: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ﴾؛ فإنّها بمنزلة المصاديق لهذه القاعدة الكلّية، وفي الحقيقة تكرار «أَلَمْ تَرَ» في مجموعة الآيات 243 ـ 258 من سورة البقرة إلفاتٌ إلى هذه القاعدة الكلّية، مع ذكر بعض النماذج الواقعيّة للهداية الإلهيّة.
وعلى هذا الأساس يمكن أن يُقال: إنّ قصّة طالوت منسوجةٌ من الداخل، ومتمتّعةٌ بالانسجام والترابط المفهومي، ولهذا في آخر الآية المتعلِّقة بقصّة طالوت تقول؛ لأجل التأكيد على واقعيّة القصص، وحقّانية رسائل تلك القصص الثلاث: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (البقرة: 252).
ومن جهةٍ أخرى تُعتَبَر هذه الآية بمنزلة المرجع لقصّة طالوت؛ فقد وقعَتْ مباشرةً بعد قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ…﴾ (البقرة: 251) ـ التي هي بيانٌ للغرض الأساس للقصّة ورسالتها الأولى ـ، وفي الحقيقة تؤكِّد الآيةُ هذه الرسالة، وتبيِّن أنّ أدوار شخصيات القصّة مرتهنةٌ بمشيئة الله من جهةٍ؛ ومن جهةٍ أخرى متأثِّرة بمشيئة وإرادة الإنسان. وفي هذا البيان تُعْرَض نماذج إيجابيّة وسلبيّة للشخصية الأساسيّة والشخصيات الفرعية للقصّة.
ب ـ بملاحظة البيان التفصيليّ لقصّة شاؤول في كتاب «صموئيل الأوّل» لا يُرَى في نسجها وأساليبها البيانية ما يُتوقَّع في رسائل الهداية من إعطاء تأثيرات متزايدة؛ ففي أوّل سبعة أبواب من هذا الكتاب تمّ تداول سيرة حياة صموئيل فيها، ومن الباب 8 إلى آخر باب للكتاب (31) اشتغل بالتفصيل في القصص المرتبطة بشاؤول بأسلوب التقرير التاريخيّ. وهذا البيان التفصيليّ قد اتَّسم غالباً بالنصّية في تقريره التاريخي للأحداث، ولا تشاهد الأساليب البيانية الخاصّة التي يفترض أن تتّسم بها رسالة الهداية، فتعيد تخليق تلك الرسالة أو الرسائل.
وبعبارةٍ أخرى: تفتقد هذه القصّة الطويلة لأساليب التأليف والانسجام، وأصبح التكرار أو التمركز على العبارة هو مركز ثقل القصّة، بحيث إنّ حوادث القصّة ـ بملاحظة ما تقدَّم ـ متضمِّنةٌ لرسائل الهداية، فيلزم أن تخلّق رسائل متعدّدة، وتسلِّط الأضواء أكثر على الرسالة الأساسية لها.
انعكاس النظام الفكريّ والأُسُس الدينيّة في القصّة
أـ في القرآن
إنّ هذه القصّة ذات مضامين متعدِّدة، بحيث يمكن أن تقسَّم هذه المضامين إلى: مضمون أساس؛ وبضعة مضامين فرعيّة، ولجميعها علاقةٌ قريبةٌ بالمضمون الأساس للقصة.
إنّ المضمون الأساس للقصّة قانونٌ إلهيّ مطلق زمانيّاً:
1ـ المضمون الأساس
وهو قانونُ إيجاد التوازن عن طريق دفع الشرّ وغَلَبة الخير.
ويمكن بسهولةٍ متابعة هذا المضمون في القرآن الكريم، وفي هذه القصّة:
إنّ كلّ نوعٍ من أنواع التدافع بين الخير والشرّ، الحقّ والباطل، الأفراد والجماعات والأمم، موجبٌ للحياة وإيجاد التوازن والتعادل في المجتمع([32]).
لقد أُوضح قانون «الدفع والغَلَبة» في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ (البقرة: 251)؛ فقد جاء في ابتداء هذه الآية قوله: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ﴾ (البقرة: 251)، فهزم جنودُ طالوت أعداءهم وغلبوهم، بالرغم من أنّ الأوضاع لم تكن مساعدةً وكانوا جنوداً قليلين في مقابل جنودٍ لا حَصْر لهم، ولكنّ الله قد دفع العدوّ، وحمى الأرض من فسادهم.
لقد تحقَّق الدفع والغَلَبة في هذه القصّة، وفي هذه الآية، بشكلٍ محدَّد في عدّة مراحل:
1ـ ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ﴾ (البقرة: 251). وقد طُرح في هذا المقطع القرآني مرحلة دفع الشرّ؛ فإنّ هزيمة جيشٍ عظيم من قِبَل مجموعةٍ صغيرة من المؤمنين، وقتل قائد ذلك الجيش على يد داوود×، بدايةٌ لإعطاء فضلٍ عظيمٍ لبني إسرائيل وغَلَبتهم؛ وقد بُيِّن ذلك في قوله تعالى: ﴿وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ (البقرة: 251).
وتدلّ هذه الآية على أنّ بني إسرائيل قد توصَّلوا إلى اتفاقٍ بينهم على كون داوود× مَلِكاً([33]). والمراد من «الحكمة» في هذه الآية هو النبوّة([34])؛ كما هو مصرَّحٌ بها في آيةٍ أخرى عن داوود× في قوله تعالى: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ…﴾ (ص: 20)([35]).
إذن يمكن أن يُقال: إنّ المضمون الأساس لقصّة طالوت هو بيان قانون «الدفع والغَلَبة»، وكلّ دفع مقرونٌ بالغَلَبة، وفي هذه السُّنّة الإلهية يتجلّى فضلُ الله تعالى.
وعلى هذا الأساس يقول تعالى في نهاية الآية، وبعد بيان هذا القانون: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة: 251). وتشير الآية إلى الفضل الإلهيّ، وهو دفع أهل الشرّ من قِبَل أهل الصلاح والخير([36])، والذي يتمثَّل في خصوص بني إسرائيل في دفع جنود جالوت بجهاد طالوت، وشجاعة داوود×، وتحقُّق الفضل الإلهي في صورة إعطاء النبوّة والحكومة في نفس الوقت لداوود×، وظهور حكومةٍ مقتدرةٍ دينيّة في وسط بني إسرائيل، الذي هو مصداقٌ لغلبة الحقّ، وحكومة إرادة الله في العالم.
2ـ المضامين الفرعية
يمكن الحديث عن بعض المضامين الفرعيّة لهذه القصّة في ما يلي:
المضمون الأوّل: الخصوصيّات اللازمة للمؤمنين
بناءً على قانون «الدفع والغَلَبة» يمكن استنباط الدَّوْر الحسّاس الذي يقوم به المؤمنون في مواقف الخصام الموجودة على طول التاريخ.
على أساس قصّة طالوت، وبلحاظ الوضع المبيَّن في هذه القصّة؛ حيث إنّه وضعٌ صعب من الحرب والجهاد، يمكن بيان بعض الخصوصيّات اللازمة للمؤمنين، والتي تؤثِّر في تحقيق قانون «الدفع والغَلَبة»، وإيجاد التعادل في المجتمع.
وبعضُ هذه الخصوصيّات عبارةٌ عن:
أـ الإرادة القويّة، وروحيّة الطاعة للقائد
يمكن أن نفهم خصوصيّة التمتُّع بالإرادة القويّة، وروحية الطاعة للقائد في المواقع الصعبة في الحرب والجهاد، من الآية 249 من سورة البقرة؛ حيث اختبر الله سبحانه جنود طالوت المُتْعَبين والعطاشى بماء النهر، فقد صاح طالوت بجيشه: إنّ مَنْ يشرب من النهر فهو ليس منه: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي…﴾.
وتدل عبارة: ﴿فَلَيْسَ مِنِّي﴾ على أنّ مخالفة أمر القائد موجبٌ لخروج المخطئ عن جمع الأصحاب([37]).
وعلى هذا الأساس لن يكون الأفراد الخاطئون لائقين بالحضور في ميدان الحَرْب([38])؛ لأنّه في وقت المِحَن ومواقع مصاعب الابتلاء يلزم التحلّي بالإرادة القويّة، والاستقامة، والمناصرة، والقدرة على طاعة القائد.
وهذا أحد العوامل المؤثِّرة في تحقُّق الغَلَبة.
ب ـ الصبر والاستقامة
يدلّ قوله تعالى: ﴿قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾ (البقرة: 249) على الأوضاع الصعبة لجماعة المؤمنين في الجبهة مع جنود جالوت. وفي الجواب عن شكوى هذه الجماعة تجري على لسان أهل اليقين قاعدةٌ كلّية وسُنّةٌ إلهيّة: ﴿كَمْ مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 249). وعلى أساس هذه القاعدة فإنّ النصر من الله، والشرط اللازم لتحقُّق الانتصار هو الصبر والصلابة في الحرب والمصائب والمصاعب؛ فإنّ معيّة الله مرافقةٌ للصبر والاستقامة: «اللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»، واللهُ يعين المؤمنين الصابرين([39]).
إذن يمكن القول: طبقاً لقانون «الدفع والغَلَبة» دفعُ الشرّ وغَلَبةُ الخير ليس منوطاً بكثرة ووفرة آلات وأدوات الحرب، وإنّما ذلك مرتبطٌ بروح الاستقامة والصبر في الجنود؛ لأنّ الصبر والاستقامة في الحالات الاستثنائيّة يوجب التأييد والحفظ والنصر الإلهيّ.
المضمون الثاني: التوازن بين التقدير والتدبير
إحدى المسائل التي تُطْرَح في هذه القصّة أنّ اللهَ سبحانه قد رسم أساساً نظامَ الوجود، ولكنّه قد جعل الإنسان مسؤولاً كذلك، مُطالَباً بالعمل المناسب.
وبعبارةٍ أخرى: لقد أُقيم توازنٌ مناسب بين القضاء الإلهيّ واختيار الإنسان. ويمكن أن يُذْكَر عن هذا التوازن والتعادل هذان التعبيران: «التقدير»؛ و«التدبير»([40]).
إنّ قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ (البقرة: 251) موضِّحٌ لهذا التوازن بشكلٍ جيّد؛ فإنّ دفع الشرّ وغَلَبة الخير ـ في المعنى المطلق والواسع له ـ يُنْسَب إلى الله تعالى، في حين أنّ هذا الدفع قد بُيِّن بوصفه مرتبطاً بنوع عمل المؤمنين؛ فقبل هذه الآية طُرحت في قوله تعالى: ﴿…قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ…﴾ (البقرة: 249) غربلة المؤمنين، واختيار أخلصهم للحضور في جبهة الحقّ والباطل، وهذا الأمر يؤشِّر إلى أنّ التمتُّعَ بالإرادة القوية في طاعة القائد ـ الذي يحكي بنوعٍ ما عن الإخلاص في العمل ـ أحدُ مصاديق التدبير، وبعبارةٍ أخرى: دفعُ الشرّ من جانب الله وتحقُّق التقدير الإلهيّ منوطٌ بتدبير المؤمنين في ساحة النزال.
ومضافاً إلى الطاعة التي هي حاكيةٌ عن الخصوصيات اللازمة، مثل: «الإخلاص» و«الإرادة القوية»، فهذه الآية: ﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ (البقرة: 250) قد بيَّنت التحمُّل والإغاثة في الأحوال العسيرة ومواجهة قوى الشرّ كتدبيرٍ آخر، وهذا بنفسه نتيجةُ اللجوء إلى الله تعالى.
وعلى هذا الأساس يمكن أن يُقال: إنّ التقدير الإلهيّ في دفع الشرّ مرهونٌ بتدبير الإنسان، من حيث استقامتُه، وتحمُّلُه الناتج عن الاتّكاء والالتجاء إلى الله تعالى؛ فقد جاءت هذه العبارة: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ﴾ (البقرة: 251) في أعقاب هذا الالتجاء وذلك الصبر والاستقامة والطاعة، وبيَّنَتْ أنّ المؤمنين قد دفع الله الشرّ عنهم بإذنه، وهَزَموا قوى الشرّ وغلبوهم بإذنه، وأصبحَتْ نتيجة هذا الدفع والغَلَبة إعداد الأرض لحكومة المؤمنين: ﴿وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ﴾ (البقرة: 251).
المضمون الثالث: سنّة الابتلاء والجزاء
على أساس تعاليم القرآن إنّ حياة الإنسان ساحةٌ للابتلاء؛ لارتقاء البشر ـ بمواقفهم في هذه الساحة، وفي إطار مسؤوليّاتهم ـ إلى مستوىً أعلى من الحياة: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (الملك: 2).
إنّ الارتقاء إلى المستوى الأعلى للحياة رهنٌ بحُسْن عمل الإنسان، وهذا مشروطٌ بالنجاح في الامتحانات الإلهيّة.
في قصّة طالوت امتحن جنده بعدم الشرب من ماء النهر، فالمجموعة التي اجتازَتْ هذا الامتحان ﴿وَمَنْ لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ (البقرة: 249) نالوا جزاءهم، وهو عبارة عن البقاء في حزب الله([41]).
لقد كانت مواجهة الجيش العظيم لجالوت ابتلاءً آخر لهم؛ ففي هذا الامتحان نالوا جزاءهم بالالتجاء إلى الله، وطلب الصبر وثبات القدم والنصر من جهةٍ: ﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 250)؛ والإقدام والعمل المؤثِّر في الحرب من جهةٍ أخرى: ﴿فَهَزَمُوهُمْ﴾ (البقرة: 251)، وهو هزيمة العدوّ وإقامة الحكومة الدينية المقتدرة على يدَيْ داوود×: ﴿وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ (البقرة: 251)، والتي بنفسها قد حقَّقت مرحلةً أخرى من حياة الإنسان.
وفي الحقيقة يمكن القول: إنّ أهم جزاءٍ لهم كان هو مشاركتهم في النظام الإلهيّ، وتحقيق التقدير الإلهيّ في دفع الفساد وإقامة الصلاح على الأرض.
وعلى أساس هذا يمكن أن يُقال: إنّ هذه القصّة تؤكِّد على جانبٍ خاصّ من الجزاء الإلهيّ، وهو أنّ أيّ امتحانٍ وابتلاء، في أيّ مستوىً كان، هو بذاته جزاء الانتصار في ابتلاء المستوى السابق، ولهذا فالمشاركة في المشروع الإلهيّ والمساعدة في تحقيقه هو أكبر جزاءٍ يُعْطَى للمؤمنين.
وعليه يمكن أن يُقال: إنّ السنن الإلهية في النظام الفكريّ للقرآن فاعلةٌ في العالم؛ تلك السنن المترابطة والمتداخلة ببعضها الآخر، والموازِنة لنظام العالم.
في هذا النظام الفكريّ يحدِّد الله تعالى نظام العالم ومسيره، ولكنّه قد جعل كذلك الإنسان مسؤولاً عن الإقدام على التصرُّفات المناسبة.
إنّ إحدى أهمّ السنن الإلهيّة هي دفع شرّ بعض البشر ببعضٍ آخر منهم يسيرون في سبيل الخير والصلاح، وعَمَلانيّة هذه السُّنّة مشروطةٌ بتحقُّق سُنّةٍ أخرى، يمكن أن يُطْلَق عليها: «معيّة الله لحزب الصابرين»، وبعبارةٍ أخرى، إنّ التخلُّق بالأخلاق الكريمة، كالصبر والاستقامة على الحقّ، يمهِّد لإيجاب المعيّة والنصر الإلهيّ، وهو بنفسه موجبٌ لتحقُّق سُنّة دفع الشرّ وغَلَبة الخير.
ومن هنا يمكن اعتبار سُنّة «التعادل بين التقدير الإلهيّ وتدبير الإنسان» حاصلةً عن جمع السُّنّتين السابقتين، وهي بنفسها تعقبها سُنّة «الجزاء»؛ وهي السُّنّة التي تتضمَّن أنّ الإنسان الذي يعمل الخير يستحقّ الجزاء، وجزاؤه ـ فضلاً عن التمتّع بالنعمات المحسوسة ـ أن يكون مشاركاً في النظام الإلهيّ وتحقيق التقدير الإلهيّ، وهي بنفسها ـ مضافاً إلى ارتقاء السعة الوجودية للإنسان ـ تنقله إلى مستوىً أعلى من الامتحانات الإلهيّة.
ووفقاً لذلك فإن مشهد حياة كلّ فردٍ مشهدُ فكرٍ، وإيمان، وامتحان، وإرادة، وعمل أحسن، وجزاء، وارتقاء إلى مستوىً أعلى في مستوى الحياة.
في هذا النظام الفكريّ الإنسان هو أكبر مصدرٍ للتأثير على سعادته وشقائه.
ب ـ في العهد القديم
يمكن كذلك في العهد القديم، وفي كتاب صموئيل الأوّل، تتبُّع سُنّة «دفع الشرّ وغَلَبة الخير». فبالتحديد في الباب الثاني من هذا الكتاب، الذي هو مقدّمةٌ للدخول في قصّة شاؤول، جاء في دعاء حنّة أمّ صموئيل النبيّ: «قسيّ الجبابرة انحطمت، والضعفاء تمنطقوا بالبأس. الشباعى آجروا أنفسهم بالخبز، والجياع كفّوا، حتّى أنّ العاقر ولدت سبعة، وكثيرة البنين ذبلت. الربُّ يميت ويحيي، يهبط إلى الهاوية ويصعد. الربُّ يفقر ويغني، يضع ويرفع، يقيم المسكين من التراب، يرفع الفقير من المزبلة؛ للجلوس مع الشرفاء، ويملّكهم كرسيّ المجد؛ لأنّ للربّ أعمدة الأرض، وقد وضع عليها المسكونة. أرجل أتقيائه يحرس، والأشرار في الظلام يصمتون؛ لأنّه ليس بالقوّة يغلب إنسان. مخاصمو الربّ ينكسرون. من السماء يرعد عليهم. الربّ يدين أقاصي الأرض، ويعطي عزّاً لمَلِكه، ويرفع قرن مسيحه»([42]).
تُبيِّن هذه الفقرات علّة ولادة صموئيل النبي ونبوّته؛ لأنّ أولاد عيلى النبيّ قد سلكوا طريق الفساد، ولم يحترموا الله وأحكامه([43]). ولذلك ولد صموئيل من أمّه نازا ليخلف عيلى النبيّ، ويقيم الأحكام والأوامر الإلهيّة.
جاء صموئيل ليدعو بني إسرائيل مرّةً أخرى إلى الله تعالى، ويعرّف قلوبهم على الإيمان([44])، ولهذا السبب استطاع بنو إسرائيل في عصر صموئيل النبيّ أن يغلبوا أعداءهم عبّاد الأصنام، وأن يرَوْا النصر الإلهيّ بأعينهم([45]).
وبعبارةٍ أخرى: تحقَّق دفع شرّ الأعداء وغَلَبة الحقّ بفضل المعيّة الإلهيّة ونصرته، وعلّة ذلك أيضاً عودة بني إسرائيل إلى الإيمان وتنفيذ التكاليف الشرعية.
تجلَّتْ هذه السُّنَن الإلهيّة في قصّة شاؤول في أوّل انتصاره على العدوّ، حين كان بنو إسرائيل يستمعون إلى أوامر مَلِكهم، ويهزمون عبّاد الأصنام. وقد اعتبر صموئيل ـ الذي كان يترافق مع شاؤول ـ ذلك معيّةً إلهيّة ونصرةً، قال: «إنْ اتَّقيتُمْ الربّ وعبدتموه، وسمعتُمْ صوته، ولم تعصُوا قول الربّ، وكنتُم أنتم والمَلِك أيضاً الذي يملك عليكم وراء الربّ إلهكم؛ وإنْ لم تسمعوا صوت الربّ، بل عصيتُم قول الربّ، تكُنْ يد الربّ عليكم، كما على آبائكم»([46]).
طُرح في هذه الفقرات أيضاً مبدأ الموازنة بين التدبير (نوع عمل الإنسان) والتقدير الإلهيّ؛ فبعض الخصوصيات اللازمة للمؤمنين، ومنها: التقوى والتسليم للأوامر الإلهية والاستقامة على طريق الحقّ، بُيِّنت بوصفها عوامل وموجباتٍ للمعيّة الإلهّية والنصر الإلهيّ؛ كما أنّ الانحراف عن أوامر الله يكون موجباً لعدم معيّة الله وتحقُّق المجازاة. وهذا مشهودٌ في قصّة شاؤول؛ ففي مواضع من هذه القصّة بيَّن عدم انقياد شاؤول وابنه يوناتان، وأعقب ذلك عدم معيّة الله لهما([47]).
بالطبع يمكن التأمُّل في أمر الله في هذه القصّة، وعدم طاعة شاؤول لهذا الأمر؛ فإنّ شاؤول يأمر عن الله بأنّه في الحرب مع الفلسطينيّين يجب أن يتمّ قتل المَلِك أجاج مع الرجل والمرأة والطفل الرضيع([48])، ولقد ارتكب هذا القتل الجماعيّ: «وكلّ الأملاك المحتقرة والمهزولة حرّموها»([49])، ولكنّه لم يقتل أجاج ملك الفلسطينيّين والخراف والبقر الحِسَان([50]).
فعلى أساس ذلك ذمّه صموئيل، واعتبر عمله عصياناً لله: «فلماذا لم تسمع لصوت الربّ، بل ثرْتَ على الغنيمة، وعملت الشرّ في عينَيْ الربّ؟»([51]). ولذلك فقد جُوزي من جانب الله، وخُلع من منصب المَلِك: «لأنّك رفضْتَ كلام الربّ رفضك من الملك»([52]).
ولم تنْتَهِ إلى هنا مجازاة شاؤول، فقد أوضح العهد القديم مجازاةً أخرى: «وذهب روح الربّ من عند شاؤول، وبغته روحٌ رديء من قِبَل الربّ»([53]). ولهذا يمكن القول بأنّه قد طُرِحَتْ سُنّة الابتلاء والجزاء في هذه القصّة أيضاً.
الآثار المعرفيّة للقصّة في النصّين
يمكن بإجمالٍ طرح بعض الآثار المعرفيّة للقصّة في كلا النصّين المقدَّسين: القرآن؛ والعهد القديم، في مجالاتٍ من قبيل: معرفة الله، النبوّة، والحاكم الدينيّ.
وهذه المقالة تشير فقط إلى الآثار المعرفيّة للقصّة في مجال معرفة الله:
أـ في قصّة طالوت استعمل القرآن عباراتٍ صريحةً بأنّ الله يعرفه جيّداً؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿…وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 246)، وهذه العبارة جاءَتْ بعد هذه العبارة في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾. ويشير استعمال حرف «الفاء» في ابتداء هذه العبارة إلى أنّ ذلك نتيجة كلام صموئيل؛ إذ سأل قومه: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَنْ لاَ تُقَاتِلُوا﴾ (البقرة: 246). فعلى هذا الأساس تدلّ جملة ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ على أنّ سؤال صموئيل لقومه كان ناشئاً عن وَحْي الله تعالى، ويُعْلَم بأنّ الله قد أخبره بعدم إطاعتهم للمَلِك في أمر الجهاد([54]).
إنّ قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 247)، الذي جاء في نهاية المناقشة، والذي انتهى بعدم طاعة القوم بقبول مُلْك طالوت، يدلّ على أنّ المُلْك فقط من الله تعالى.
الأمر الآخر: إنّ إعطاء المُلْك والإفاضة الإلهيّة لا يتأتّى بدون الحكمة ورعاية المصالح؛ فإنّ جملة: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ تعليلٌ مناسب لهذا المعنى، وعبارة: ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ توضيحٌ دقيق للمالكيّة المطلقة والعلم الإلهيّ؛ لأنّ كلمة «واسعٌ» استعارةٌ عن الغنى الذي يتضمَّن كلّ بذلٍ وإعطاء، وكلّ شيء يريده الله وبأيّ مقدارٍ أراد يبذله، وهذا لا يجعله غير قادر([55])؛ وكلمة «عليمٌ» أيضاً تدلّ على أنّه يفعل على أساس العلم الثابت وغير القابل للخطأ. إذن كلُّ شيء يريده الله تعالى يفعله، بدون أن يمنعه شيءٌ، ولا يفعل شيئاً إلاّ إذا كان ذلك الفعل ذا مصلحةٍ واقعية.
وتطرح الآية الكريمة: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (البقرة: 248) معنى الولاية الإلهيّة على المؤمنين؛ ففي الوقت اللازم، وحين يضع العبد قدمه على الطريق، يقوّيه الله، ويؤيِّده بالطمأنينة وهدوء النفس.
وتبيِّن عبارة: ﴿إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ…﴾ (البقرة: 249) حكمةَ الله تعالى؛ فإنّ هذا الامتحان يجلب بركاتٍ عظيمةً؛ فأوّلاً: إنّ طالوت قد حدَّد الأفراد المطيعين والقادرين وذوي الإرادة في جيشه؛ وثانياً: إنّ طالوت والأفراد الذين تحت أمره فهموا ولاية الله ونظارته المتتابعة آناً بآنٍ.
والأمر الآخر: إنّ الأفراد المنتصرين في امتحان النهر انتبهوا إلى أنّهم لو لم يأتمروا بأوامر طالوت في خضمّ الحرب فسوف يكونون مثل الجماعة غير الموفَّقة في امتحان النهر، خارجين عن جند الله، وإذا اتَّبعوا طالوت في مقاومتهم فسوف يحسبون من جند الله([56]).
تعرض الآية الكريمة: ﴿كَمْ مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 249) شَكْلَ تعامل الله تعالى مع الإنسان؛ حيث إنّ الاستقامة على على الحقّ والصبر على مصاعب الطريق موجبٌ لمعيّة الله تعالى، ويشمل المؤمنين بالنصر الإلهي.
وبعبارةٍ أخرى: إنّ عمل الله تعالى أكبر من جميع الموازين والأسباب، والإيمان ميزانٌ على أساسه يزعزع الله الحسابات الظاهريّة والعاديّة والمادّية([57]).
هذه المعية الإلهيّة حين تصل إلى مسرح الظهور فإنّها أوّلاً: تنهي المصاعب والشدائد؛ وثانياً: يحتسب المؤمنون الصبر وثبات القَدَم من الله أيضاً، ويطلبون ذلك من الله: ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً…﴾ (البقرة: 250)، واللهُ ذو الفضل والإحسان: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة: 251).
ينصر اللهُ الحكيمُ المؤمنين على الكافرين؛ لدفع الفساد، ونجاة جميع الناس؛ لكي تطهر الأرض من كلّ أشكال الفساد([58]). وبهذا الطريق يُعِدّ الأرضية لنموّ وسموّ جميع عباده.
ب ـ في قصّة شاؤول في العهد القديم لم يَرْضَ الله تعالى عن طلب تعيين الملك، وقد حُمِل هذا الطلب على كونه خروجاً للقوم عن ملكه: «…لأنّهم لم يرفضوك أنتَ، بل إيّايَ رفضوا؛ حتّى لا أملك عليهم»([59]). ومع العلم بالخصوصيات والسلوك السلبيّ للملك المستقبلي([60]) فقد استجاب لقومه، فنصَّب شاؤول ملكاً.
يمكن إدراك علم الله تعالى عنه من شكل اختيار وتوصيف شاؤول من قبله([61])، وإخباره عن عمله المستقبلي.
وعلى أساس الفقرات التي تدلّ على عصيان شاؤول لله([62]) لم تكن علّةُ خلع شاؤول عن الملك أنّه لم يقتل الرجل والمرأة والطفل الرضيع الفلسطينيّين، طبقاً لأمر الله([63])، وإنما كانت العلّة أنّه ترك مَلِك الأعداء حيّاً، وغنم الأشياء المرغوبة التي يُتقرَّب بها إلى حضرة يهوه (الله): «وعفا شاول والشعب عن أجاج وعن خيار الغنم والبقر والثنيان والخراف، وعن كلّ الجيّد، ولم يرضوا أن يحرِّموها. وكلّ الأملاك المحتقرة والمهزولة حرَّموها»([64])، وعليه نزل كلام الله على صموئيل، فقال: «ندمت على أنّي قد جعلتُ شاؤول ملكاً، لأنه رجع من ورائي، ولم يقم كلامي»([65]). فيبدو أنّ الله لم يَرْضَ عن طريقة أداء شاؤول.
وعلى أساس هذه الفقرات قد ندم الله تعالى على اختيار شاؤول! وهذا الندم قد بُيِّن حتّى في الترجمة التفسيرية للكتاب المقدَّس، ولا يمكن أن يُحْمَل ويُؤوَّل ذلك إلى معنىً آخر. وبالإضافة إلى ذلك ففي هذه القصّة أكَّد على قوم بني إسرائيل وإله بني إسرائيل، ووُصف أعداؤهم بأنّهم وضيعون وعديمو القيمة([66])، ولهذا السبب أمر إلهُ بني إسرائيل بالقتل الجماعيّ للنساء والأطفال الرضّع، هذا في حال أنّ القرآن الكريم قد بيَّن أنّ جهاد طالوت كان فضلاً من الله تعالى على جميع سكّان الأرض([67]).
تعرَّضت القصّة مرّةً أخرى لله تعالى، في الباب 16 من كتاب صموئيل الأوّل، وقد أرشد صموئيل للعثور على داوود×، ومسحه([68]). وتستمر قصّة شاؤول وداوود× من الباب 16 حتّى الباب 31، ويمكن أن يُقال: لم يكن الله تعالى حاضراً بشكلٍ مباشر في سير القصّة. ومقارنة هذه المطالب بالمطالب المشابهة في القرآن مبيِّنٌ لهذا الأمر؛ أنّ إله القرآن يريد غَلَبة الحقّ، ويريد تربية جميع البشر للسير في طريق الحقّ، وليس له اهتمامٌ والتفاتٌ خاصّ لقومٍ وشعبٍ خاصّ.
اللوازم المنطقيّة لأسلوبَيْ نقل القصّة
إنّ ادّعاء وحيانيّة أيّ نصٍّ يلزم منه توابع معينة، فـ «الاشتمال على رسائل الهداية في قوالب ما وراء تاريخيةmetahistory » هي إحدى أهمّ خصوصيات النصّ الوحيّاني الخالد.
وفي تقديرنا أنّه لأجل الحصول على رسالة «ما وراء تاريخية» يلزم أن تعرض تلك الرسالة في قوالب تكون من جهةٍ منبِّهةً بشكلٍ تامّ لذهن المخاطَب إلى الموضوع والرسالة الأساسية والرسائل الفرعية. وأفضل طريقةٍ لتحقيق هذا الأمر حذف الزوائد والحواشي، والابتعاد عن الإطناب والتطويلات غير المفيدة.
ومن جهة أخرى يتمّ استعمال الطرائق البيانيّة المناسبة، ومن بينها: استعمال الألفاظ والعبارات والجمل الهادفة، وتهذيب النَّظْم في شبكةٍ من الرسائل المترابطة، بإلقاء الرسائل المتكثِّرة، والطبقات المتعدّدة للمعاني من العبارات، وأن تكون قابلةً لعرض أكثر ما يمكن من الرسائل «ما وراء التاريخية» في برهاتٍ زمانيّة مختلفة. فهذه إحدى الاستراتيجيات اللغوية في النصّ الخالد.
وبلحاظ المقارنة في قصّة طالوت (شاؤول) بين النصّين: القرآن؛ والعهد القديم، يمكن أن يُقال: إنّ اللازم المنطقي للشخصيّة التي طرحها القرآن عن طالوت، بصفته مَلِكاً مُنْتَخَباً من الله، وما بيَّنه القرآن عن الله، من كونه إلهاً عليماً وحكيماً، أنّه بمقتضى الوفاء بفضله وإحسانه على جميع عباده يلزم أن يختار فرداً يتوفَّر على القدرة على الوفاء بأكبر دَوْرٍ في دفع الشرّ وتغليب الخَيْر، وبعبارةٍ أخرى: يُترقَّب من الإله الذي بيَّنه القرآن في هذه القصّة أنّ الفرد الذي اختاره شخصٌ ذو فضائل متعدِّدة من الإيمان والأخلاق، ومن أهمّ صفاته وخصوصياته كونه قائداً وحاكماً دينيّاً؛ أي يتمتَّع كذلك بالعلم والقدرة والشجاعة. هذا في حال أنّ اللازم المنطقيّ للشخصيّة التي يعرضها العهد القديم عن شاؤول أنّ ذلك الإله ليس بتلك الأوصاف؛ كما قد أوضح سابقاً في المقارنة التفصيليّة لهذه القصّة.
وعلى هذا الأساس يمكن أن يُقال: إنّ قصّة طالوت في القرآن؛ بملاحظة حجمها الصغير جدّاً؛ حيث إنّ مجموعها يصل إلى ستّ آيات (246 ـ 251 من سورة البقرة)، فالطبقات المعنائية فيها تحتوي على نماذج ورسائل «ما وراء تاريخية» للبشريّة، وهذا من صميم النظام الأدبيّ والمحتوائي المنظَّم، وهدفه واضحٌ.
وفي المقابل فإنّ النص المفصَّل جدّاً لقصّة شاؤول في العهد القديم على الرغم من سعته وضخامته ـ في 23 باباً (الأبواب 8 ـ 31)، والبالغة 654 فقرة (آية) ـ يفتقد إلى النظام الأدبيّ المؤثِّر في الانتقال بين الطبقات المعنائية، ويفتقد كذلك إلى النموذج الـ «ما وراء تاريخي» للحاكم الدينيّ للبشرية. وزيادةً على ذلك فالصورة المعروضة عن الله تعالى في هذه القصّة يمكن أن تشي بأنّ ذلك الإله ليس متّصفاً بصفة الحكمة.
وعليه يمكن أن يُطرح مطلبان ذوا علاقةٍ بالقرآن الكريم؛ بوصفهما لوازم منطقية لنقل القصّة في النصّين:
الأوّل: إنّ القرآن مشتملٌ على التعاليم الوحيانية، ولهذا فهو مشتملٌ على رسائل ذات شمولٍ زمانيّ ومكانيّ وأفراديّ.
الثاني: إنّ شبهة اقتباس القصص القرآنية من الكتاب المقدَّس شبهةٌ بلا أساسٍ؛ فإنّ هذه القصّة القرآنية× بلحاظ السبك، وأدبيات التحرير، والمحتوى والمضامين، والآثار المعرفيّة العميقة، في مستوىً أعلى من القصّة المعروضة في العهد القديم، كما تفتح أُفُقاً أعلى في وجه مخاطَبيه في التعاليم والمفاهيم الإلهيّة.
نتائج وخلاصات
في دراستنا المقارنة لقصّة طالوت (شاؤول) في القرآن والعهد القديم لم يكن الهَدَف فيها حساب التشابهات والاختلافات الظاهريّة الموجودة في هذين النصّين، وإنّما هذه المقارنة أداةٌ للتوصُّل إلى هدفها، وهو المعرفة بشكلٍ أكثر دقّةً لكلا النصّين.
في هذه الدراسة المقارنة تمَّتْ المقارنة في قصّةٍ واحدة بين نصّين مقدَّسين، ومن ناحيتين: «البناء الأدبيّ»؛ و«النظام الفكريّ».
أما بالنسبة إلى النظام الأدبيّ فقد تركَّز النظر فقط إلى بعض المكوِّنات الأدبيّة التي تمتلك قابليّة المقارنة بين النصّين، وبناءً على ذلك فالإحاطة بالشرائط والظروف الزمانيّة والمكانيّة لوقائع وأحداث قصّةٍ ما مؤثِّرٌ في إقامة الارتباط الفكري والقلبي مع المخاطَب، ومن جهةٍ أخرى يوجب الإطناب والتطويل في هذه المعلومات عدمَ اشتداد انتباه المخاطَب إلى الرسائل الأساسيّة والرسائل الضمنيّة وغير الواضحة في القصّة. فأفضل منهجٍ في نقل القصّة هو استعمال الإيجاز في بيان جغرافيا القصّة، مع البيان الصريح للرسائل الأساسية للقصّة، بنحوٍ يُؤخَذ في شبكةٍ معنائيّة، وتبعث الرسائل المتكثِّرة إلى ذهن المخاطَب.
وفي المقابل إنّ إيصال أفضل الرسائل التربوية والهادية يعبأ بثقلها الشخص النموذجيّ بنحوٍ خاصّ، والذي من خصوصياته الإيجابيّة التي يتمتَّع بها العقيدةُ والأخلاق العالية وصلابة مواقفه النموذجيّة في وسط الحوادث، وذلك كلُّه يُشاهَد في أسلوب نقل قصّة طالوت في القرآن؛ فهو شخصٌ إيجابيّ تماماً ونموذجيّ وقدوةٌ صالحة للبشر في كلّ زمانٍ؛ بما له من الخصوصيّات الاعتقادية والإيمانية والأخلاقية.
إنّ وضع النصّ قصير المحتوى على قصّة طالوت في إطار منسوجةٍ متناسقة ـ والذي بالاستعانة بطريقة التكرار توصل السياقات القَبْلية والبَعْدية لهذه القصّة ببعضها الآخر في داخل سورة البقرة ـ يوجب بعث رسائل متكثِّرة من هذه القصّة وغيرها من السياقات المرتبطة بها.
هذا، في حال أنّ هذه الرؤية المناسبة للتأكيد بأكثر ما يمكن، ولإيصال رسائل القصّة بأقصى ما يمكن إلى المخاطَب، لا تُشاهَد في العهد القديم، وينحصر أسلوب نقل القصّة في هذا الكتاب بالتقرير التاريخيّ التفصيليّ، والمتكوِّن من الجزئيات والحواشي، التي لا تخدم بعث الرسائل المعرفيّة للقصّة.
وأما في الضفّة الأخرى فصراحةُ القرآن في بيان الرسائل المعرفيّة، وتعليم السُّنَن الإلهيّة في الوجود، وربط هذه الرسائل بالمشاهد المنتقاة من القصّة في أقصر بيانٍ ممكن، يؤدّي ذلك إلى بعث أكثر الرسائل المعرفيّة عن الله تعالى، والإنسان، والسُّنَن الإلهيّة في الوجود، ويوضِّح للإنسان منهج تعامله مع الله والوجود، ومع أكثر العوامل المؤثِّرة في تحديد مصيره ومصير العالم البشريّ.
هذا، في حال أنّه في العهد القديم يمكن؛ بتعقُّب بعض هذه الرسائل بدقّةٍ، وتفحُّص فقراتها المتعدّدة وذات الحجم الكبير من التقرير التاريخي المفصَّل للأحداث، أن يُعْلَم أنّه بصراحةٍ لا فائدة من بيان هذه الرسائل، إلى جانب التطويل والتفصيل في الجزئيات غير الضروريّة؛ فإنّها لا توصل الآثار المعرفيّة الكاملة والتامّة عن الله والإنسان.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نقول، بقوّةٍ وثبات: إنّ اللازم المنطقيّ لكيفيّة رواية هذه القصّة في هذين النصّين، مع هذا الاختلاف والتمايز في البناء والمحتوى، أنّ القرآن الكريم متضمِّنٌ للتعاليم الوحيانية، ومصانٌ من التحريف. واحتمالُ اقتباس القرآن ـ وهو النصّ الوحيانيّ ـ من الكتب السابقة، نظير: العهد القديم، منتفٍ تماماً.
الهوامش
(*) أستاذةٌ مساعدةٌ في قسم علوم القرآن والحديث في جامعة آزاد الإسلاميّة، كرج ـ إيران.
([1]) هذا عند كاتب المقالة. وأما المترجم فقد اعتمد في نقل العبارات على ترجمة دار الكتاب المقدَّس في الشرق الأوسط. المترجم.
([2]) محمود الطالقاني، برتوي أز قرآن 2: 177، شركت سهامي انتشار، طهران، 1362هـ.ش.
([3]) عبد الرحيم سليماني أردستاني، كتاب مقدَّس: 94، آيات عشق، قم، 1382هـ.ش.
([4]) سفر صموئيل الأوّل، 9: 15 ـ 17.
([6]) جمال مير صادقي وميمنت مير صادقي، واژه نامه هنر داستان نويسي: 176، كتاب مهناز، طهران، 1377هـ.ش.
([7]) الملاّ فتح الله الكاشاني، منهج الصادقين في إلزام المخالفين 2: 66، مؤسسة البعثة، طهران، 1366هـ.ش.
([8]) السيد عبد الحسين الطيّب، أطيب البيان في تفسير القرآن 2: 511، إسلام، طهران، 1378هـ.ش.
([9]) مستر هاكس، قاموس الكتاب المقدَّس: 511، أساطير، طهران، 1377هـ.ش.
([10]) سفر صموئيل الأوّل 9: 2.
([11]) سفر صموئيل الأوّل 10: 23.
([12]) سفر صموئيل الأوّل 9: 16.
([13]) سفر صموئيل الأوّل 10: 1.
([14]) سفر صموئيل الأوّل 8: 7.
([15]) سفر صموئيل الأوّل 8: 10 ـ 18.
([16]) سفر صموئيل الأوّل 12: 12.
([17]) سفر صموئيل الأوّل 12: 19.
([18]) سفر صموئيل الأوّل 10: 6 ـ 10.
([19]) سفر صموئيل الأوّل 11: 13 ـ 14.
([20]) سفر صموئيل الأوّل 15: 11 ـ 26.
([21]) سفر صموئيل الأوّل 14: 16. ولم نعثر على المطابق لهذه الآيات في الترجمة العربية للكتاب المقدَّس، ولذا فقد ترجمنا النصّ الفارسي المنقول في المقالة. (المترجم).
([22]) سفر صموئيل الأوّل 18: 9.
([23]) سفر صموئيل الأوّل 18: 12.
([24]) سفر صموئيل الأوّل 18: 12 ـ 30.
([26]) سفر صموئيل الأوّل، الأبواب 20 ـ 23.
([27]) سفر صموئيل الأوّل 28: 15 ـ 18.
([28]) سفر صموئيل الأوّل 31: 1 ـ 4.
([29]) مستر هاكس، قاموس الكتاب المقدَّس: 512.
([30]) محمود الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل 1: 290، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407هـ.
([31]) محمود الطالقاني، پرتوي أز قرآن 2: 177.
([32]) عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني للقرآن 1: 311، دار الفكر العربي، بيروت.
([33]) عبد الله بن عمر البيضاوي، أنوار التنـزيل وأسرار التأويل 3: 264، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1418هـ.
([34]) الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 96، فراهاني، طهران، 1360هـ.ش.
([35]) حسين بن عليّ أبو الفتوح الرازي، روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن 16: 263، مجمع البحوث الإسلامية في العتبة الرضوية المقدسة، مشهد، 1408هـ؛ محمود الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم 8: 126، 1415هـ.
([36]) أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي 15: 82، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
([37]) عليّ بن محمد الماوردي، النكت والعيون 1: 317، دار الكتب العلمية، بيروت.
([38]) محمد بن عمر النووي الجاوي، مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد 1: 90، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ.
([39]) سعيد الحوي، الأساس في التفسير 1: 578، دار السلام، القاهرة، 1424هـ.
([40]) مستنصر مير، أدبيات قرآن: 184، ترجمة: محمد حسن محمدي مظفر، جامعة الأديان والمذاهب، 1387هـ.ش.
([41]) منهج الصادقين في إلزام المخالفين 1: 123؛ عبد الله شبّر، تفسير القرآن الكريم 1: 77، دار البلاغة للطباعة والنشر، بيروت، 1412هـ.
([42]) سفر صموئيل الأوّل 2: 4 ـ 10.
([43]) سفر صموئيل الأوّل 2: 12.
([44]) سفر صموئيل الأوّل 7: 2 ـ 4.
([45]) سفر صموئيل الأوّل 7: 9 ـ 13.
([46]) سفر صموئيل الأوّل 12: 14 ـ 15.
([47]) سفر صموئيل الأوّل، الأبواب 14 و15.
([48]) سفر صموئيل الأوّل 15: 3.
([49]) سفر صموئيل الأوّل 15: 3.
([50]) سفر صموئيل الأوّل 15: 20 ـ 21.
([51]) سفر صموئيل الأوّل 15: 19.
([52]) سفر صموئيل الأوّل 15: 23.
([53]) سفر صموئيل الأوّل 16: 14.
([54]) السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 432، ترجمة: سيد محمد موسوي همداني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم،1360هـ.ش.
([57]) محمد الصادقي الطهراني، الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن 4: 175، فرهنگي إسلامي، قم، 1365هـ.ش.
([58]) أنوار التنـزيل وأسرار التأويل 1: 152.
([59]) سفر صموئيل الأوّل 8: 7.
([60]) سفر صموئيل الأوّل 8: 9 ـ 21.
([61]) سفر صموئيل الأوّل 9: 15 ـ 17؛ 10: 20 ـ 23.
([62]) سفر صموئيل الأوّل 8: 13 ـ 14؛ 15: 1 ـ 27.
([63]) سفر صموئيل الأوّل 15: 3.
([64]) سفر صموئيل الأوّل 15: 9.
([65]) سفر صموئيل الأوّل 15: 11.