السيد محمد الموسوي العقيقي(*)
المقدّمة
المرأة، هذا الكائن المخلوق الذي هو سبب في وجود كيانات أخرى، قد تعرّضت دوماً لجفاء المفكرين والحكام، حتّى نفى المفكرون كثيراً من حقوقها الخاصة أو الاجتماعية، أو حرمها الحكام من تلك الحقوق، وتوارثت الأجيال ذلك، وإنْ كان التمسك بهذا الإرث مختلفاً شدة وضعفاً من وقتٍ لآخر.
وكان من أولئك صدر المتألِّهين، الذي جفا بحقّ المرأة في منظوره الفلسفي. فهو يتحدث عن المرأة من منظورٍ وإنْ لم يكن جديداً، لكنْ يبعث على العجب؛ لكونه صدر من فيلسوف ومفكر كشخصه. ولا أريد في هذا المقال نفي شخصية ملا صدرا الجليلة أو الحطّ من قدره، فبَوْنٌ بين ذلك وما يريده المؤلِّف. لكنّ الهدف من تقديم هذا البحث أن يرى المجتمع ملا صدرا من مختلف الجوانب، وقبل أن يكشف المستشرقون منظوره إلى المجتمع نقوم نحن بتبيينه، ومناقشته ونقده؛ كي لا نُتَّهم فيما بعد بالتستُّر.
والهدف الآخر الذي يسعى هذا المقال وراءه هو مناقشة رؤى مختلف المفكرين ونقدها، وتقديم تقرير عنها في ما يخصّ «هوية المرأة». وستقرأون هذه التقارير لاحقاً في كتاب «التنقيب في هوية المرأة». ولكن لما تمتاز به شخصية ملا صدرا من أهمية، والحساسية المثارة حوله، عزمتُ على مناقشة منظوره في عملٍ منفرد؛ ليتيح ذلك الكشف عن الأدلة والتبريرات بدقّة.
ودون شكٍّ لم يدَّعِ ملا صدرا لنفسه العصمة الفكرية، ولا ينبغي لنا أن نتصوَّر له ذلك. وإنْ كان هناك نقد للأفكار فآراء ملا صدرا أيضاً يجب أن تنقد، كما تُنقد أفكار الآخرين. وأتصوَّر أن ذلك سيكون مدعاة سروره [لو كان حاضراً]، ولحثّ على ذلك، بناءً على ما نعرفه من شخصيته.
السيرورة التاريخية
مما لا شَكَّ فيه أن منظور ملا صدرا تشكَّل في ضوء الظروف البيئية والتاريخية التي عاشها، والتي بدورها تكون متأثِّرة بالرؤى السائدة في زمنٍ سابق لها. وقد وضعت هذه الرؤى بصمتها واضحة حتّى على بنى الآراء الفقهية للمجتهدين. وستأتي تقريرات عن هذه الرؤى لاحقاً.
لم يكن هناك حديث عن الرجال طيلة التاريخ، فقد كانوا حاضرين في معترك الحياة، وتصدّوا لكلّ شيءٍ بقوّة وعزم. وكانت النساء دونهم، وتحت إمرتهم. ولذلك تردّد هذا السؤال باستمرار على مرّ التاريخ: «ما هي حقوق المرأة؟»، أو «ما هو دور المرأة في النظام الاجتماعي؟»، وأساساً «بِمَ تمتاز المرأة؟».
ولم يأتِ هذا المقال للإجابة عن هذه الاستفهامات، لكنّه يسعى للكشف عن مواقع الوَهْن الذي مُني بها هذا الموضوع في دائرة الدين، وكيف حصل هذا الإجحاف بحقّ النساء وأنوثتهنّ؟
فمنذ زمن بعيد، وقبل ظهور الإسلام وانتشاره، كانت المرأة وضيعة ومحتقرة في منظور أتباع الملكية وعرفهم، حيث كانت تُعَدّ في الحضارات والإمبراطوريات الكبرى أداةً، ولم يُنْظَر إليها كإنسانٍ إلى جانب الرجل.
وما يمكن استشفافه ممّا ورد في التقارير والنصوص التاريخية أنه، إلى جانب حصول الظلم والإجحاف بشكلٍ واسع في حقّ النساء، والتستُّر عليه والإغماض عنه، لم تكن النساء أنفسهنّ ساخطاتٍ على ذلك، وإنْ كنَّ كذلك لم يكُنْ لهنَّ حولٌ ولا قوة للاحتجاج والمناوءة([2])، وإنْ أتيح لهنَّ ذلك تمّ قمعهنَّ باسم «البِدَع»، وتعرَّضْنَ للتجاهل من قبل عوام النساء اللائي لم يرغبن في الاصطدام. فمثلاً: في باكستان أو أفغانسان تحرم النساء اليوم من التعلّم والتعليم في المدارس، حتّى في الأماكن المخصَّصة للإناث، ويحصل ذلك في ظلّ عدم اهتمام النساء أنفسهنّ بالأمر، أو عدم مقدرتهنّ على التأثير فيه، لذلك تسعى النساء في هذه المجتمعات للقناعة بالقدر [الضئيل] الذي منحن من الحقوق، ويكنّ شاكرات لذلك، ويسعدن بهذه النعمة التي أوتينها في ظلّ سيادة الرجال.
وقد يكون ذلك السبب وراء الزفرات التي أطلقتها «تاج السلطنة» (مواليد 1301)، ابنة الملك القاجاري ناصر الدين شاه، حيث قالت: «أسفاه على النساء الإيرانيات، فقد أخرجن من صنف الإنسان، ووضعن مع الوحوش والبهائم، يقضين حياتهنّ يائسات في سجنهنّ، صباح مساء، وتمرّ أيامهنّ تحت وطأة الضغوط المؤلمة والمصائب المريرة»([3]). وتواصل ذلك بإنذار النساء، وتهيب بهنّ تحرير أنفسهنّ من هذه العزلة، «باسترجاع حقوقهنّ، كالأوروبيات، وتربية أبنائهنّ، ومساعدة الرجال، كما النساء في أوروبا، والطهارة والعفّة، وحبّ الوطن، وتقديم العون لبني نوعهنّ، وهزم الكسل والهجوع في المنازل برفع النقاب»([4]).
ولسوء الحظّ انتقل قصر الرؤى وشحّها في ما يخصّ المرأة إلى الدين، مع دخوله إلى حياة الناس، وانتقاله من جيل إلى جيل بالتربية، حتى نبذ علماء الدين الأحاديث الأصيلة عن المرأة دون وعيٍ، لنشأتهم في بيئةٍ سقيمة فكرياً. وقد لا يكون لكثيرين ذنبٌ في ذلك، فالأساس المعوج يجعل البناء مائلاً. فمَنْ ترعرع في بيئةٍ لم تكن أمه سوى جارية محبوسة بين جدران المنزل، ولا معرفة لها بما يدور في العالم، وأخته تزوّجت في طفولتها وريعان صباها، وبدل أن تلعب وتلهو أصبحت فراش رجلٍ باسم (الزوج)، ولم تكن النساء الأخريات حوله أوفر حظّاً من أمه وأخته، ولم يكنّ ساخطات على ذلك، وإنْ كنّ كذلك لم يبدين سخطهنّ ورفضهنّ، فبديهيٌّ أن لا يصبح رجلٌ كهذا ما يتوقعه مؤسّسو معاهدة حقوق البشر والأجيال الحاضرة. فحين تكون الأسس الذهنية والفكرية لدى الطفل معوجّة وسقيمة لا يمكن توقُّع ارتفاع بنائه الفكري مستقيماً، وفي هذه الحالة إما أن يترك حتّى يبلغ نهايته، وإما أن يهدم ويبنى من جديدٍ، لكنْ لم يتعنَّ كثيرون لإعادة بناء منظومة الأفكار، ولم يتمتَّعوا بالصبر والحماس والإرادة لفعله.
وما يبعث على الأسى اليوم هو أن موضوع الأنوثة تدنّى من موضعه في بحوث الوحي، ليكون مادّة على منصّة العوام، ويتحدّث عن قضايا المرأة مَنْ يجدون النظرة الخاطفة إليها حراماً، وتوجب دخول النار([5])، والحديث معها منافٍ للتقوى، وبذلك يحتجزون المرأة في عزلة؛ ظلماً وجهلاً، ويردون الميدان ويتحدّثون عنها، ويقاضونها في محكمةٍ علنية دون حضورها، وإنْ خالفهم أحدٌ في رأيهم نسبوه إلى «الكفر ومعارضة الدين والفمنزم».
وقد نجد جذور هذه النظرة الشحيحة إلى المرأة، وممارسة الإجحاف بحقّها علناً في القضايا الدينية، في السيرة الخاطئة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب. فقد طالب بحجب النساء تماماً، وخاصّة نساء النبيّ، وأصرّ على ذلك إصراراً، حتّى نزلت آية الحجاب بتفسيرها السائد، كما يزعم البعض. والحقّ أن عمراً لم يكن الصحابي الوحيد الذي كانت لديه هواجس سلبية حول قضايا النساء، لكنْ كان لرأيه ووجهة نظره التأثير الأكبر، وخاصّة أنه لم يتوانَ في السنين العشرة من خلافته على البلاد الإسلامية عن أيّ جهدٍ في سبيل حجب النساء. فمثلاً: يُروى أن النساء في زمن الرسول| كنّ يتوضّأن مع الرجال [في المسجد]، وحتّى في حضور النبي|([6])، وحتّى النبي| نفسه كان يتوضّأ مع النساء اللائي يتوضّأن([7]). لكنْ أمر عمر في زمن خلافته بعزل محلّ وضوء النساء عن الرجال. كما نُقل أنه دخل إلى فناء فيه حوض، كان النساء والرجال يتطهّرون (يتوضّؤون) فيه، فضربهم عمر بالسوط، وقال لصاحب الحمّام: اصنع حوضاً خاصّاً للنساء، وآخر خاصّاً للرجال([8]). وعزل حمّام نساء المسلمين عن حمّام نساء النصارى، وقد قيل: إن عمر بن الخطّاب كتب إلى أبي عبيدة الجرّاح؛ حيث كان والياً، وقال: سمعت أن نساء أهل الكتاب يرِدْنَ نفس حمام نساء المسلمين، فلا تسمح لهنّ بدخول حمّام نساء المسلمين، ورؤية أجسادهنّ، فبعث الأخير أحداً لتنفيذ أمر عمر بن الخطّاب([9]). كما منع النساء من الحضور في المساجد والمناسبات الحاشدة([10]). وطلب من النبيّ| مراراً أن يُجلس نساءه خلف الستارة([11]). ولمنع النساء من الظهور، ومنع حضورهنّ في المجتمع، كان يوصي الرجال بأن يتركوهنّ عاريات دون ملابس، حتّى لا يتاح لهنّ الخروج([12]). ولم تسلم النساء من زجر عمر بن الخطّاب، ولم يأمنّ غلظته، حتّى حين الحضور بين يدي الرسول|([13]).
ومع أن الاختلاف في النفسية والمزاج والمعتقدات أمرٌ طبيعي، لكنّه يستدعي الانتباه والاهتمام، حيث نجد أن عمر بن الخطاب يصبح خليفةً للمسلمين بعد ثلاث سنوات من وفاة الرسول| بمعتقداته الخاطئة هذه([14]). وفي الحقيقة كانت آراؤه ومعتقداته هي التي تردَّد على المنابر، وكان ذلك متوقَّعاً، فما كان يأتي به من شواهد لتفسير القرآن كانت آراءه هو. وكما ذكرنا كانت لديه فتاوى كهذه حتّى في زمن الرسول|. ومع وصول عمر بن الخطاب إلى سدّة الحكم، وانتشار فتاواه، تمّ عزل النساء، وانتهكت حقوقهنّ. وهكذا تجذَّرت الآراء الخاطئة الداعمة لسلطة الرجال بين المتديِّنين، واتّسع ميدانها بمرور الوقت، وانتقلت من جيلٍ إلى جيل، وشملت قضايا عديدة أخرى.
هذه الرؤى الشحيحة تؤدّي أحياناً إلى النسيان، فيبدو أن [البعض] ينسى خطب فاطمة الزهراء الرائعة بين كل أولئك الرجال، وينسَوْن الحضور الحيوي لنساء النبيّ، وخاصّة عائشة، في مختلف ميادين المجتمع [في حضور النبيّ وبرضاه]، وينتهي بهم هذا النسيان إلى أن يعتبروا صوت المرأة عورة([15])، حتّى ادّعى بعض الفقهاء أن استخراج الماء من البئر إنْ تمّ على يد امرأةٍ لا يجزي في التطهير([16]). ويستدلّ العلاّمة الحلّي على حرمة النظر إلى وجه المرأة الأجنبية ويديها كما يلي: «النظر إلى المرأة ينشئ الفتنة»([17]). ولمّا وجد البعض المرأة بأكملها «عورة» اعتقدوا بأن النظر إليها حرام([18]).
كما ذكرت المرأة في كثير من الكتب الفقهية في عداد الأطفال والمجانين والعاجزين، وشاركتهم في أحكامهم. يقول الشيخ الطوسي: «ليس على النساء، والأطفال، والحُمق، والمجانين، جزية»([19]). وقد جعل الشيخ محمد حسن النجفي النساء في مصافّ العجزة والمجانين والأطفال([20]). كما أن التمييز بين الرجال والنساء في الستر من نتائج سوء الفهم: «الستر واجب على النساء، كما أن النظر حرام على الرجال، لكنّ الستر ليس واجباً على الرجال، مع أن النظر حرام على النساء»([21]).
وإنْ أهملت حقوق النساء المالية؛ بسبب شحّ الرؤية الفقهية، ووضعت المرأة في مصافّ المجانين، وحطمت شخصيتها، وأخمدت جذوة أنوثتها، عدّت في النظرة الشحيحة خارج إطار الدين أيضاً كأداةٍ وآلة، وتمّ التعامل معها كبضاعةٍ، كما حرمت من حقوقها الخاصة والمالية.
فقبل ظهور الإسلام، ولدى عرب الجاهلية الذين لم يتمسّكوا بدينٍ ومذهب، وإنْ فعلوا فلم يتعَدَّ اعتقادهم الظاهر، ولم يلتزموا بالأحكام، إذا قتل رجلٌ من قبيلة رجلاً آخر قدّموا إلى القصاص امرأةً؛ لأنها كانت أدنى مرتبةً لديهم، فكانوا يقتلون امرأةً بريئة بَدَل القاتل([22]). وإنْ تزوّجت امرأةٌ كان وليّها [أبوها أو جدُّها لأبيها] هو الذي يأخذ مهرها([23]). وكان زواج «الشغار» رائجاً، حيث كان الرجلان (اللذان بينهما تجارةٌ أو رفقة) ينكح كلٌّ منهما زوجتَه للآخر [رضيتا بذلك أو لا]، وبعبارةٍ أخرى: كانا يتبادلان زوجتَيْهما([24])، بشكلٍ مؤقَّت أو دائم، وكان ذلك أمارة الودّ بينهما([25]). وقد دخل رجلٌ باسم عيينة بن حصين دون إذنٍ على النبيّ بعد الإسلام، وكانت عائشة عنده، فطلب من الرسول تبادل الزوجات، كما كان متعارفاً في الجاهلية، فرفض النبي، وحرَّم ذلك في شريعته([26]). وقد كان أكبر الأبناء يرث زوجات أبيه ـ دون أمّه ـ بعده([27]). وكان للرجل خطف امرأةٍ من قبيلةٍ أخرى، فتصبح ملك يمينه، ويتزوّجها، ولم يكن لها حقّ الرفض([28]). والتزمن النساء الصمت إزاء كلّ هذا الهدر والاستباحة لحقوقهنّ، حتّى أنّ نساء العرب في الجاهلية كنّ يعتقدن بأن للرجال معاقبتهنّ والتنكيل بهنّ، فإنْ خالفت امرأة زوجها تتصوَّر أن له ضربها بالسوط([29]). ولم يعترف الرجال أساساً بحقوقٍ للمرأة، فمثلاً: كانوا يقولون: استشيروهنّ، ولا تأخذوا بمشورتهنّ؛ لنقص عقولهنّ([30]). وكانوا ينعتون النساء بألفاظ كالقيد، والنعجة، والنعل، وغيرها([31]). كما لم ترث النساء من أزواجهنّ، ولا من آبائهنّ([32]).
كذلك في إمبراطورية فارس (إيران) كانت تنتهك حقوق النساء بشدّة. وقد ورد بأن كوروش بعد أن انتصر على القبائل الميدية قتل إسبيتاماس، واستباح زوجته آميتيس، واغتصبها، وقد كانت خالته([33]). وفي أيامه كانت تؤخذ الفتيات رهائن مقابل ديون آبائهنّ، ويتمّ إجارتهنّ للمتعة الجنسية([34]). وإنْ قبض على رجلٍ وامرأة؛ بسبب الزنا، واجهت المرأة وحدها عقوبة الرجم، دون الرجل([35]). وبعد أن قبل كورش الفتاة الجميلة، التي قدّمتها إليه القبائل الميدية مع خيمة وفراش، شرع في تقسيم النساء الأسيرات وغنائم الحرب التي حصل عليها من نهب القبائل الميدية والمناطق الغربية لإيران، فوهب أحد مقرَّبيه امرأةً مما تملّك، ماهرة في العزف، ليجعل له مقرّه الحربي أكثر أنساً وبهجة من بيته. وقد تملَّك كورش زوجة رجلٍ باسم آبراداتاس، وكان قد أُرسل سفيراً إلى الغرب، فتملّك كورش زوجته. ويقول لها الحارس المكلَّف من قِبَل كورش بمراقبتها ومراقبة باقي النساء الأسيرات: «لا تحزني أبداً، سنأخذك إلى حاكمنا جميعاً، واسمه كورش». حين سمعت المرأة الاسم شرعت بالبكاء والأنين والنواح واللطم، وما أجدى ذلك سوى أن ذهب الحارس إلى كورش ليخبره: «كُشف عن جيد زوجة آبراداتاس وعضدها حين النواح واللطم وكان كالمرمر، ولمع كالجواهر. وكُنْ على يقينٍ بأنك لن تجد في آسيا كلّها جسداً بهذه الرشاقة والنعومة»([36]).
وقد نُصِّب خشايار الثاني ملكاً بعد أبيه أردشير فقط لأن أبناءه السبعة عشر الآخرون كانوا أولاد زنا؛ نتيجة نكاح أردشير الفاحشات والجاريات والأسيرات اللاتي قدمن إلى القصر من مناطق مختلفة. كما قام الملك خشايار الثاني بتقطيع فتاة باسم (ركسانا) حيّةً بعد اغتصابها([37]). وكان طامعاً في بنت أخيه ماسيست، فاغتصبها في غياب أخيه، بعد أن ذهب الأخير إلى ساحة القتال، ثم قام بقطع لسانها وأنفها وأذنَيْها ونهدَيْها، ورماها إلى الكلاب([38]).
وفي بعض الحالات كان يتوقّف غفران ذنب يقترفه رجلٌ زرادشتي في العهد الساساني على أن ينكح الموبذ ابنة ذلك الرجل أو أخته البريئة([39]). وفي تلك الأيام كان يتمّ إجبار النساء وإكراههنّ على الزواج من المحارم، حتّى الأخ. وكانوا يعدّون ذلك موجباً للثواب. وكان الأمر متعارفاً بين «الزرادشتيين» آنذاك، وكانوا يسمّونه «خويدوده»([40]).
فلم تتمتّع النساء في إيران قديماً بشخصية حقوقية، وجميع حقوقهنّ كانت منتهكة. وبعبارةٍ أخرى: لم تتمتّع المرأة كإنسانٍ بشخصيةٍ حقوقية، بل كانت سلعةً كباقي سلع الرجل، وكانت تُعَدّ «شيئاً» ينبغي أن «يتبع» أحداً دوماً ويكون له «مالك»([41]). ويعتقد «روت ستيل» أنه في أيام الساسانيين كان للملك تملّك أيّ امرأةٍ، وضمّها إلى حريمه، أو إرسالها إلى حريم الموبذين، أو أن يهبها لمَنْ شاء([42]). ومع أن نصيب النساء من الإرث كان نصف نصيب الرجال أيام كورش، لكنْ كان يتمّ حرمانهنّ تماماً في بعض الظروف([43]). وقد وردت مراراً في الشاهنامة، للفردوسي، قصص اختطاف النساء على أيدي الأشراف([44]). وقد جاء في النصوص الزرادشتية باللغة البهلوية أن أهورامزدا اختار عفريتاً عاهراً لولادة الإنسان (الرجل)، وكان اسم هذا العفريت «المرأة»([45]).
وكانت الزرادشتية تتيح الزواج المنقطع أو المتعة، إضافةً إلى تأجير المرأة. فنساء المتعة كنّ كالأجيرات، وكان عليهنّ العمل في بيت الرجل كآمرٍ، ويقدِّمن له المتع الجنسية. ويحدّد عدد تلك النساء لكلّ رجلٍ موقعه الاجتماعي وعمله وما يملكه من ثروة. ولم تتلقَّ تلك النساء أيّ أجرٍ مقابل عملهنّ اليومي، ولم يكن لهنّ نصيب في الميراث، لكنْ يمنحن مبلغاً من المال كمهرٍ (صداق)، ويؤمّن لهنّ الطعام واللباس. كما لم يكنّ لأبنائهن نصيبٌ في ميراث الرجل الذي يتمتّع بهنّ، ولم يحملوا اسمه ونسبه([46]).
وفي فقه الزرادشتية إنْ لم يرغب الأب في الزواج بابنته لم يكن للبنت إلاّ الزواج بمَنْ يختار أبوها. وإنْ اختلف الأب وابنته في اختيار الزوج يؤخذ برأي الأب، وليس للبنت المعارَضة([47]).
ومن الأمور التي أتاحها الفقه الزرادشتي للرجال، بناءً على النصّ البهلوي «مادگان هزار دادستان (كتاب ألف رأي قضائي)»، هو أن لهم تأجير المرأة، فيمكن للرجل أن يهب زوجته لرجلٍ آخر مرّات عديدة، ولمدة معينة، مقابل مبلغٍ من المال أو دونه. ولم يشترط في ذلك رضا المرأة، ويتمّ الأمر لمجرّد رضا الزوج والرجل الآخر، وتوافقهما.
السيرورة الدينية
لا أنوي في هذا المقال تحليل الأحداث، لكنْ أريد سرد بعض الجفاء الذي مورس في الفقه في حقّ المرأة، وربما في حقّ غيرها. لذلك حرصت على الإتيان بمصدر في نهاية كلّ موضوع ممّا ألّفه الأساتذة الكرام، وأُحيل عليه.
وأذكر هنا بعض النماذج:
1ـ يعتقد بعض الفقهاء والمفسِّرين بأن المرأة «ناقصة عقل، وناقصة إدراك، وناقصة إيمان»([48])، مستندين في ذلك إلى حديثٍ عن الإمام عليّ×([49])، أو عدّوا مسؤوليتها مقتصرةً على خدمة البيت والإنجاب؛ لأن إدراكها محدود، ولا تستوعب أبعد من تلك الأمور، ولا تفهم شيئاً غير خدمة البيت([50]). ووجدها البعض أفضل أداة للتجسُّس والتدمير والتجارة المحرّمة والخداع والمكيدة وحبائل الشيطان، بناء على شواهد من الروايات، وينبغي التعامل مع كيانها اللطيف والضعيف بالرحمة([51]). واعتبر آخرون المرأة كلها شرّ وسوء، وناقصة عقل، وعدّوا ذلك قانون الخلق، ومقتضى بقاء نسل البشر؛ فتحمُّلها لألم الولادة دليلٌ على نقصان عقلها([52]).
وقد سعى الشيخ عبدالله جوادي الآملي إلى تبرير هذه الأحاديث([53])، فاعتبر عائشة مصداقاً لها. لكنّ الأمر لا يتعلّق بحديث وروايتين، بل هناك عشرات من الأحاديث كهذه منسوبة إلى الإمام عليّ×. فإذا افترضنا صحّة نسبتها ينطبق اثنان منها على عائشة، فما العمل مع الباقي؟ كما أن بعض الفقهاء، كالشيخ الطوسي([54]) وصاحب الجواهر([55]) والشهيد الثاني([56]) والمقدّس الأردبيلي([57]) وابن البرّاج([58]) والعلاّمة الحلّي([59]) وأبي القاسم الخوئي([60])، يجعلون النساء في مصافّ الأطفال والسفهاء والمجانين.
2ـ لم تتمّ مراعاة العلاقة بين الحكم والموضوع في الفقه التقليدي. فقد قلنا في النقطة الأولى بأن الفقهاء والمؤلّفين في مجال الدين يعدّون المرأة «ناقصة عقل، وهزيلة جسم، وناقصة إيمان». وبالرغم من اعتقادهم هذا في أمر الواجبات العبادية للمرأة يدلون بآراء تخالف الواقع. فمثلاً: أول شرط في إقامة الصلاة هو إدراكها العقلي، وأوّل مقتضيات الصيام قوّة الجسم. فالشيخ الطوسي على الرغم من قوله: «وأما النساء والصبيان والبله والمجانين»، وجعله النساء والمجانين والبله في زمرةٍ واحدة في الأحكام، يجد الفتاة ملزمةً بالصلاة حين إتمامها التاسعة، حين الحديث عن واجب الصلاة، في حين أن أوّل شرطٍ في الصلاة الإدراك العقلي لقيامها. ويقول الشيخ في موضوع «الحَجْر» حول سنّ بلوغ الفتاة: «سنّ البلوغ لدى الصِّبْية هو إتمام خمسة عشر عاماً، وسنّ البلوغ لدى الفتيات هو تسع سنوات تامّات»([61]). ويستدلّ لذلك برأي المذاهب والأخبار والروايات. وفي حين يقول العلاّمة الحلّي في مقام الحديث عن الأحكام: «في أحكام العبيد والصبيان والمجانين والنساء» يقول في كتاب تذكرة الفقهاء، عند الحديث عن بلوغ الفتاة والصبي: في رأينا نحن الفقهاء الإمامية أن السنّ هو معيار البلوغ، والدلالة عليه، ويتَّفق معنا على ذلك عامّة فقهاء العامّة، كالشافعي والأوزاعي وأبي حنيفة وأتباعه وأحمد بن حنبل. ثم يتطرَّق العلامة إلى موضوع اختلاف سن البلوغ لدى الفتاة والصبيّ، ويقول: بناء على رأي فقهائنا يتحقّق البلوغ لدى الصبي بإتمامه الخامسة عشرة، ولدى الفتاة بإتمامها التاسعة([62]). ويقول الشهيد الثاني عن بلوغ الفتاة في التاسعة: هذا هو المشهور بين فقهائنا([63]). ويحدّد المقدّس الأردبيلي أيضاً التاسعة لبلوغ الفتاة([64]). أيضاً مؤلِّف الجواهر، الذي يتَّبع اليوم المجتهدون ومراجع التقليد طرائقه الفقهية، يذكر التاسعة سنّاً لبلوغ الفتاة([65])، في حين يجعل النساء في زمرة العاجزين والصبيان والمجانين([66]).
فيتبادر هنا سؤالان:
1ـ كيف يجعل هؤلاء الفقهاء أوّلاً النساء في زمرة المجانين والسفهاء والعاجزين، ثم يكلِّفونهنّ بالعبادة (كالصلاة)، والعمل (كالصيام)، اللذين يستوجبان الإدراك العقلي التامّ والقدرة الجسدية في سنّ التاسعة، ولا يجدون الصبيان مكلَّفين بذلك إلاّ في الخامسة عشر؟! إنْ كان سنّ البلوغ لدى الفتيات تسع سنوات فهل يعني ذلك أنهنّ يتفوقْنَ في الإدراك والعقل على الصبيان حتّى يتمّ تكليفهنّ بعبادة تستلزم الإدراك العقلي ستّ سنوات قبل الصبيان؟!
2ـ كيف يلزم الفقهاء الفتيات ستّ سنوات قبل الصبيان بالواجبات الدينية، في حين أنهنّ في هذا السنّ مفعمات بحيويّة الطفولة، ويعجزهنّ ذلك عن الالتزام بالحجاب والصيام. فالحجاب يعني سترهنّ عن الجميع، وهو ظلمٌ فاضح للفتاة في هذا السنّ، حيث هو وقت لهوها ولعبها وعنفوانها، وليس لمعظم الفتيات في هذا السنّ المقدرة على الصوم.
3ـ من الموضوعات المهمّة في هذا المجال موضوع الزواج. فقد أدلى الفقهاء في آرائهم بأكثر الفتاوى ظلماً في موضوع زواج الفتيات. ونعلم أن الزواج أمرٌ خاصّ([67])، ويستوجب النموّ الاجتماعي والعقلي والجنسي، لكنْ يتغاضى الفقهاء عن هذه الشروط الثلاثة للفتيات، ولا يمنحونهنّ الاستقلال في اختيار الزوج وعقد النكاح، وينوطون صحّة عقدهنّ من الناحية الشرعية بإذن آبائهنّ أو أجدادهنّ لآبائهنّ، حتّى وإنْ كنّ عاقلاتٍ راشدات. يقول السيد أبو القاسم الخوئي: «ومن هنا يكون حكم المتعة حكم الزواج الدائم في اعتبار رضا الأب»([68]). ويدّعي الشيخ الأنصاري إجماع كافّة فقهاء الإمامية على هذا الأمر: «وظهر أيضاً ممّا ذكرنا ـ من استقرار مذهب الفقهاء الإمامية على عدم القول بالفصل بين المتعة والدوام ـ»([69]). ويقول السيد روح الله الخميني في ذلك: «بناء على رأي الإسلام ومذهب الشيعة البنت البالغة والراشدة، التي تدرك صلاحها، إنْ أرادت الزواج وكانت باكراً فعليها الحصول على إذن أبيها أو جدّها لأبيها»([70]). وكما قد صُرِّح، إنْ تم تزويج فتاةٍ بصبيّ بإذن أبيها أو جدّها لأبيها يمكن للصبيّ بعد البلوغ فسخ العقد إنْ لم يرتَضِ الزواج بتلك الفتاة، لكنْ ليس للفتاة فسخ العقد حتّى إنْ لم ترتضِه. ويقول الفقهاء في تبرير ذلك: «خلافاً للمحكي عن الشيخ في النهاية، وابنَيْ البرّاج وحمزة، وابن إدريس، من أن له الخيار بعد البلوغ، لتطرُّق الضرر إليه باعتبار إثبات المهر في ذمته، والنفقة، من غير ضرورةٍ تقتضي ذلك حال الصبا، بخلاف الصبية التي يثبت لها ذلك، لا عليها»([71])، أي قد خالف الشيخ الطوسي في كتابه النهاية وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس هذا الرأي، واعتقدوا بأن للصبي حين بلوغه الخيار؛ لأنّ المهر والنفقة تقع عليه، ولا ضرورة لتحمُّّله ذلك في صباه. لكنْ ليس للفتاة ذلك؛ لأن الإلزام بالنكاح يحقِّق منفعتها، ولا ضرر في ذلك يطالها.
ويجب الالتفات هنا إلى عدّة نقاط:
1ـ للصبي فسخ العقد، لكنْ لا تمتلك الفتاة الحقّ في ذلك.
2ـ الإنفاق على المرأة مضرّة وخسارة، وليس واجباً شرعياً.
3ـ ضرورة الالتزام بالنكاح في صالح المرأة، لكنّه خسارة للرجل.
ولم يُعِرْ الفقهاء هنا أيّ اهتمام بنفسية المرأة، ففي رأيهم الفتاة:
1) ليس لها أن تقرّر بمَنْ تتزوّج.
2) شرط صحّة عقد النكاح من الناحية الشرعية يتوقّف على إذن أبيها أو جدّها لأبيها، حتّى وإنْ كانت بالغةً وراشدة، فليس لها أن تستقلّ برأيها في هذا الموضوع([72]).
3) النفقة ضررٌ يتحمّله الصبيّ.
4) لا يمكن للبنات إدراك صلاحهنّ.
5) ليس للفتيات الصغيرات رأيٌ في النفقة، فالمهر هو ما يعيِّنه الأب والجدّ([73]).
4ـ لا يجد بعض فقهاء الدين لمشاعر النساء مكاناً في قضايا الجنس، كما في عقد النكاح، فهم يعتقدون بتوقُّف وجوب نفقة المرأة على الرجل على استعدادها الدائم للتمكين الجنسي له في كلّ آنٍ، وإلاّ فلا تجب النفقة على الرجل. وينقل مؤلِّف الجواهر عن الشهيد الثاني، في كتاب مسالك الإفهام، قوله: «إن التمكين لا يكفي حصوله بالفعل، بل لا بُدَّ من لفظ يدلّ عليه من قِبَل المرأة بأن تقول: سلَّمْتُ نفسي إليك حيث شئتَ، أو أيّ زمانٍ شئتَ، ونحو ذلك. فلو استمرَّتْ ساكنةً أو مكَّنَتْه بالفعل لم يكْفِ في وجوب النفقة»([74])، أي إن التمكين لا يتحقَّق بالاستعداد فقط، بل على المرأة بيان ذلك بقولٍ يدلّ عليه، وإلاّ لا يكفي الاستعداد ليثبت حقَّها في النفقة.
من وجهة نظر هؤلاء الفقهاء يجب أن تكون المرأة دائماً على استعدادٍ تامّ للتمكين الجنسي لزوجها، وإلاّ لم تجِبْ نفقتها على الرجل. وحتّى إنْ كان هذا الاستعداد نسبياً لم يتحقَّق التمكين، ولم تجِبْ النفقة على الرجل. وقد تمّ التصريح بأن التمكين الجنسي من قبل المرأة إنْ لم يكن مطلقاً تُعَدّ المرأة ناشزةً، وفي حال النشوز للرجل ضربُها([75]).
وفي حين يجد الفقهاء في كتاب النكاح المرأة ملزمةً دوماً بتلبية رغبات زوجها الجنسية، في كلّ زمانٍ ومكان، في المقابل لا يرَوْن في تلبية حاجاتها ورغبتها واجباً على الرجل، سوى أن يكون عندها ليلةً من كلّ أربعة ليالٍ، وليس عليه ممارسة العمل الجنسي؛ تلبية لرغبتها، إلاّ مرّةً كلّ أربعة أشهر([76]). يقول السيد الخميني عن ذلك: لا يجوز للرجل الامتناع عن ممارسة الجنس لأكثر من أربعة أشهر، حتّى في الزواج المنقطع بناءً على الرأي الأقوى، إلاّ إنْ أذنت المرأة بذلك، وبالطبع هذا الحكم يصدق حين لم يكن للمرأة أو الرجل حجّة لذلك، لكنْ في حال وجود علّة ما يجوز للرجل الامتناع مطلقاً([77]).
كما يقول مؤلِّف الجواهر بأنه في حال فقد الزوج ليس للزوجة فسخ عقد النكاح، حتّى وإنْ كانت في حاجةٍ غريزية أو نفسية للزوج (فلا خيار لها وإنْ أرادت ما تريد النساء وطالت المدّة عليها)، وطال غيابه. ويجد النجفي أن السبب وراء هذا الحكم هو الابتلاء والامتحان الإلهي، وعلى المرأة الصبر، فهذا حكمٌ أجمع عليه الفقهاء([78]).
وتجد هذه الآراء ذروتها حيث نجد أن بعض الفقهاء يجيز للرجل الاستمتاع الجنسي بالطفلة الرضيعة؛ إذ يقول: لا يجوز للرجل وطء زوجته التي يقلّ عمرها عن تسع سنوات في الزواج الدائم أو المنقطع، لكنْْ يجوز له الاستمتاع بها، كاللمس بشهوة واحتضانها (بشهوةٍ) وتفخيذها (اللعب بأفخاذها بدافع الشهوة)، وإنْ كانت [الزوجة] رضيعةً([79]). فما مدى بشاعة الفقه التقليدي حتّى يجيز عملاً منافياً للأخلاق والإنسانية، كالاستمتاع الشهواني بطفلةٍ رضيعة أو طفلة لم تتجاوز التاسعة؟! وربما يمكن استبيان خلفية هذه الفتوى في كلام الشيخ الطوسي، حيث يعتقد بأن المرأة ملكٌ للرجل، فيقول: «إذا تزوّج الرجل امرأةً بمهر معلوم ملكت المهر عليه بالعقد، وملك هو البضع في الوقت الذي ملكت عليه المهر»([80])، أي إنْ نكح رجلٌ امرأةً بمهر معين تملك المرأة المهر، ويملك الرجل المرأة.
5ـ أجازت شريعة الزرادشتية، إضافة إلى تأجير المرأة، الزواج المنقطع أو زواج المتعة، فكانت النساء اللائي يتزوجهنّ الرجل زواج متعةٍ عاملاتٍ يخدمن في بيته أو معمله بصفته ربّ العمل، وعليهنّ تقديم المتع الجنسية له في نفس الوقت. وكان عدد هذه النساء لكلّ رجل يتبع ميزان ثروته وموقعه الاجتماعي وعمله. ولم تجْنِ تلك النساء من عملهنّ اليومي أجراً، ولم يكن لهنّ حقّ في الميراث، بل كنّ يحصلن على مبلغٍ من المال كمهرٍ (صداق)، ويؤمّن لهنّ الطعام واللباس. كما لم يرِثْْ أبناؤهنّ ذلك الرجل، ولم يحملوا اسمه أو نسبه([81]).
وفي الفقه الزرادشتي إنْ لم يرغب الأب في الزواج بابنته فليس لها الزواج إلاّ بالرجل الذي يختاره أبوها، وإنْ اختلف الأب والبنت على اختيار الزوج يتمّ العمل برأي الأب، وليس للبنت حقّ المعارَضة أو الممانعة([82]).
فنجد في الزواج المنقطع إهانةً للمرأة، حيث يتمّ الاستمتاع الجنسي بها مقابل المال. ولموضوع الزواج المنقطع جذورٌ تاريخية ـ إيرانية، فبعد دخول الإسلام إلى إيران أخذ العرب الذين كانوا يبتغون مزيداً من النكاح [كالجاهلية] من الإيرانيين هذا التقليد التاريخي ـ الإيراني، وفي المقابل تمسّك الإيرانيون بحكم الإسلام بحرمة المتعة([83]). وبعبارةٍ أخرى: تمّ استبدال الأحكام؛ فأخذ العرب من الإيرانيين جواز المتعة، وأخذ الإيرانيون من العرب حرمة المتعة، ولذلك نجد الإيرانيين يصدّون عن المتعة بعد ذلك تدريجاً.
6ـ ومن الأمثلة الأخرى على شحّ الرؤى قبل الإسلام العُرْف السائد لدى العرب والإيرانيين آنذاك في «إعارة النساء»، والذي انتقل إلى الفقه الشيعي فيما بعد. وقد قرّر النص البهلوي «مادگان هزار دادستان (كتاب ألف رأي قضائي)» هذا الحقّ للرجال، وأعطاه صفةً رسمية، فجعل الرجال مخوَّلين في تأجير المرأة، وأباح ذلك لهم. وبناءً عليه يمكن للرجل أن يعير زوجته لآخر مقابل المال، أو من دون مقابل، لفترةٍ محدّدة، ولمرّات عدّة. ولا يشترط في ذلك موافقة المرأة ورضاها، وتكفي موافقة الزوج والرجل الآخر على ذلك. وقد كان هذا العُرْف معمولاً به بين العرب أيضاً، حتّى قام بعض الرجال بمبادلة زوجاتهم، وبعبارة أخرى: إعارتهنّ للآخر، وعدّوا ذلك دليلاً على قوّة صداقتهم([84]). وقد رُوي أن شخصاً باسم عيينة بن حصين دخل على النبيّ محمد| دون إذنٍ، وكانت عائشة جالسةً عنده، فعرض على النبيّ| أن يتبادلا النساء، بناء على العرف الجاهلي، فرفض النبيّ، ومنع ذلك في شريعة الإسلام([85]).
وبالرغم من ذلك، أدخل هذا العرف الجاهلي والمخالف للدين تدريجياً إلى الفقه الشيعي، بمسعى من المنحازين لسيادة الرجل. فقد أدخلوه إلى الدين كعُرْفٍ اتّبعه النبيّ| وأهل البيت^. ولم تتّضح الأسباب وراء نقل العلماء المدّعين لهذه الأحاديث المزيَّفة في كتبهم، وكيف خدعوا على هذا النحو؟! وقد مني العلماء بالجهل حول هذا العُرْف السخيف، حتّى خصّصوا باباً بعنوان «قرض الفرج»، يبحثه بالتفصيل في كتاب وسائل الشيعة، واتّبعوا فيه طريقة رجال الدين الزرادشتية والموبذان وعلماء الساسانية المنحرفين.
النساء وملاّ صدرا
إن الروايات التي وردت في هامش موضوع السيرورة الدينية من المقال جعلت صدر المتألهين الشيرازي، وهو من كبار فلاسفة الإسلام، يشكّ بأن يكون للمرأة روحٌ إنسانية وإلهية، ولذلك جعل المرأة في صنف الحيوانات. وحين أراد تبيين ما تمتاز به كل مجموعة من الحيوانات، كأنْ نستخدم بعضها للأكل، وبعضها للركوب والزينة وحمل الأمتعة، قال: «وبعضها ـ أي بعض الحيوانات ـ للنكاح»([86]).
وما يثير الدهشة أكثر من كلام هذا الفيلسوف ومنهجه في التفكير هو حديث شارح الأسفار ملاّ هادي السبزواري، الذي يقول: «ما أورده [ملاّ صدرا] بأن النساء صنف من الحيوانات هو إشارةٌ لطيفة إلى أن النساء كدْنَ أن يقترنَّ بالبهائم لوَهْن عقولهنّ في فهم الجزئيات، وميلهنّ إلى زخارف الدنيا. فخُلُق غالبية النساء وطباعهن كالحيوانات، لكنّ الله ألبسهنّ هيئة الإنسان؛ لكي لا ينفر الرجال من حبّهنّ ونكاحهنّ»([87]).
والإمام الغزالي؛ بوازعٍ من آرائه، التي تماثل آراء ملا صدرا، يَعُدّ «الحيض، والولادة، وعدم تملّك النساء أجسادهنّ، وقلّة الإرث، والحجاب، و…» عقوبةً من الله للنساء([88]). ويتابع قائلاً: «اعلم بأن كافّة النساء تصنف من حيث خصالهنّ في عشرة أنواع، ويماثل كلّ نوع في خصاله صفات أحد الحيوانات. فهي تشبه في أنواعها: 1ـ الخنزير، 2ـ السعدان، 3ـ الكلب، 4ـ الحية، 5ـ البغل، 6ـ العقرب، 7ـ الفأرة، 8ـ الحمام، 9ـ الثعلب، 10ـ الغنم. والمرأة التي تماثل الغنم مباركةٌ، كالغنم، حيث يمكن الانتفاع بكلّ ما فيها»([89]).
كما يشبّه الشيخ الطوسي المرأة مقابل الرجل بالمؤجّر([90]). ويستشفّ مؤلف الجواهر، فقيه الشيعة الجليل، من الآية التي تذكر أن الرجال قوّامين على النساء أن على الرجال الاعتناء بالنساء كما يعتنون بالبهائم، وإطعامها؛ ليستغلّوها في الركوب وحمل الأمتعة([91]).
ألا يشكِّل تشبيه النساء بالحيوان في حديث الفلاسفة والفقهاء عنفاً اجتماعياً ووجدانياً ضدّ النساء وحقوقهنّ؟ فاعتبار النساء في عداد الحيوانات يدعم سلطة الرجل، ويحكم من تسلُّطه، ويذلّ النساء ويضع من شأنهنّ، كما نرى اليوم الإجحاف في حقوق النساء، وظلمهنّ والتعسُّف تجاه أنوثتهنّ.
وبالطبع سعى البعض لتبرير كلام ملاّ صدرا هذا، فقد قال الشيخ محمد حسن وكيلي، من أساتذة الفلسفة في مشهد، موضِّحاً رأي ملاّ صدرا: «إن الحيوان في اللغة العامية تعني الكائنات الحيّة غير الإنسان، لكنْ في العلوم العقلية هو مصطلحٌ يعني أيّ كائنٍ حيّ متحرّك… وقد استخدم ملاّ صدرا في الأسفار هذا المصطلح بهذا المعنى، وسمّى الإنسان الحيوان الناطق. فكثيراً ما نواجه في الأسفار عبارات مثل: «الإنسان وباقي الحيوانات». ولذلك يعود تحريف معنى أقوال صدر المتألِّهين إلى أن خصومه لا يعرفون هذا المصطلح البسيط. فإحدى الشبهات الغريبة التي طرحت على آرائه في الآونة الأخيرة هي أنه لا يعتبر النساء من جنس الإنسان، ويعدّها حيواناً. وقد سعى مناوئوه بذلك للحطّ من قدره ومكانته العلمية، وادّعاء أن آراءه غير جديرة بالثقة. ويعتقد خصوم صدر المتألِّهين أن عبارته هذه تعني أنه لا يعدّ النساء من نوع الإنسان، بل يجدهنّ حيوانات خلقْنَ من أجل الإنسان (أي الرجال). لكنْ هل تفيد العبارة ذلك حقيقةً؟! فمَنْ لديه أدنى معرفة بالعلوم الإسلامية، وقد قرأ على سبيل المثال كتاب جامع المقدّمات، يعرف أنّه في المنطق والحكمة الحيوان اصطلاحٌ يعني «الجسم النامي الحسّاس الذي يتحرّك بإرادته». وبناء على ذلك يصدق اصطلاح الحيوان على جميع أفراد الإنسان من نساءٍ ورجال. ويعرف كافّة طلبة المرحلة الأولى في الحوزة العلمية أن تعريف الإنسان في علم المنطق هو «الحيوان الناطق»… وقد استخدم ملاّ صدرا أيضاً هذا المصطلح في كتاب الأسفار، وسمّى الإنسان بالحيوان الناطق، وأطلق على باقي الحيوانات «الحيوان الأعجم» أو «الحيوان الصامت». وكثيراً ما نجد في الأسفار عبارات مثل: «الإنسان وباقي الحيوانات» أو «الإنسان وغيره من الحيوانات». ولذلك نشأ تحريف معنى أقوال صدر المتألهين من عدم معرفة خصومه بهذا المصطلح البسيط، وعدم علمهم بأن اعتبار النساء في الفلسفة نوعاً من الحيوانات يعني أن النساء، كالرجال، كائناتٌ حيّة ومتحرّكة».
لكنْ لا تبدو أقوال السيد وكيلي في هذا الخصوص صحيحة؛ لما يلي:
1ـ صحيحٌ أن الحيوان لدى العامة يعني الكائن الحيّ غير الإنسان، لكنْ ينبغي إثبات أن ملاّ صدرا كان يقصد غير ما تعارف عليه عامّة الناس. جوهر أقوالكم في كافّة سطوره كان إثبات أن «الإنسان حيوانٌ ناطق»، وتريدون طلي أقوال ملاّ صدرا بهذه العبارة العامّة. لكنْ لا ينجح ذلك؛ فأقوال ملاّ صدرا أوضح ممّا تتصوَّرون. وعبارة: «الإنسان حيوان ناطق» خاطئةٌ أيضاً؛ فإنْ أخذنا «الناطق» بمعنى «مَنْ يستطيع الكلام» فلكل حيوان لغته في التواصل مع بني نوعه. كما أن بعض الحيوانات يمكنها النطق مثل الإنسان، كبعض الببغاوات؛ وإنْ أخذنا «الناطق» بمعنى «العاقل» سوف نصل إلى طريق مسدود أيضاً؛ لأن باقي الكائنات ليست غير عاقلة حتّى نتّخذ من النطق دلالة على العقل، ونعتقد بعدم تمتُّع مَنْ لا ينطق بالعقل؛ إذ إن باقي الكائنات تتمتَّع بالعقل أيضاً، لكنّ عقل الإنسان نشأ من تطوُّر عقول الكائنات الأخرى، فعقول باقي الكائنات تنمو في إطارٍ محدود، وفهمها دون مستوى فهم الإنسان. فالأساس هو «أن الحيوان حيوانٌ»، و«أن الإنسان إنسانٌ».
2ـ يصرِّح ملاّ صدرا في بيانه لألطاف الله في خلق الأرض وما فيها من منافع للإنسان بأنه خلق أنواعاً من الحيوانات (ومنها تولد الحيوانات المختلفة)، فبعضها للأكل (﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾)، وبعضها للزينة وقطع المسافات والسفر (﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾)، وبعضها لحمل الأمتعة، وبعضها للزخرفة والتباهي والتجمُّل، وبعضها للنكاح والتناسل (﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾).
3ـ لم تتطرّقوا في مناقشتكم لقول ملاّ صدرا إلاّ لموضع الجدل، فقلتم: إن المراد من «وبعضها للنكاح» ما تدلّ عليه العبارة: «الإنسان حيوانٌ ناطق».
لكنْ أوّلاً: هذه العبارة خاطئة من حيث العقل والعلم.
ثانياً: يفهم من كامل قول ملا صدرا، وقد مرّ ذكره في هذا المقال، نقيض ما تذهبون إليه في تبريركم؛ لأن ملا صدرا يقول في الجملة الأولى: «ومنها تولد الحيوانات المختلفة». ثم يبدأ بذكر هذه «الحيوانات»، بأن «بعضها للأكل…، وبعضها للركوب…، وبعضها للحمل…، وبعضها للتجمّل…، وبعضها للنكاح». وينبغي أن تنضوي كل هذه «الحيوانات» إلى تعريف جامع ومعلوم ومنسجم، لتتلاءم مع مصاديقها التي ذكرها ملاّ صدرا، كما مرّ. فإنْ اتخذتم «الحيوانات» بمعنى الحيوان الناطق فمحالٌ أن تدرجوا ما يؤكل ويركب وما للزينة في عدادها.
فأوّل ما يؤخذ عليكم في ما أدليتم به هو أنكم لم تحدِّدوا لمخاطبيكم تعريفاً لـ «الحيوانات» في الإطار العامّ لقول ملا صدرا، الذي يبين فيه المصاديق. فما تعريفكم لكلمة «الحيوانات»، التي يذكر ملاّ صدرا فيما بعد مصاديقها؟ فإنْ قلتم المراد بهذه الكلمة هو البهائم، وهذا هو الجواب، فبأيّ قرينةٍ قاطعة تميِّزون «وبعضها للنكاح» عن «بعضها للأكل…، وبعضها للركوب…، وبعضها للحمل…، وبعضها للتجمُّل»، وتجدون الأولى هو أن ما تذهب إليه العبارة هو: «الإنسان حيوان ناطق»، في حال يراد بالباقي البهائم؟ فقد بين ملاّ صدرا مصاديق «الحيوانات» في عرض قوله العام بأن الحيوانات خلقت لانتفاع الإنسان (ومنها تولد الحيوانات المختلفة). كما جاء بعبارة: «بعضها للنكاح» في عرض «بعضها للأكل…، وبعضها للركوب…، وبعضها للحمل…، وبعضها للتجمُّل»، وتتشارك جميعها نفس المفهوم مع «الحيوانات»؛ إذ إن «الألف واللام» التي وردت في «الحيوانات» هي «ألف ولام الجنس»، ويستوجب ذلك أن تكون المصاديق المذكورة من نوع المفهوم الذي تذكر له المصاديق. فلا يمكن القول بأن ملا صدرا جاء بكلمة الحيوانات بـ «ألف ولام الجنس» التي تستوجب انضواء كافّة مصاديقها لذلك الجنس، ثم يبين المصاديق لكلمة «الحيوانات» العامة الجليّ تعريفها (أي البهائم)، ثم يريد في إطار مفهوم عامّ لـ «الحيوانات» أن تكون النساء ممّا تذهب إليه عبارة: «الإنسان حيوانٌ ناطق».
كما أن ملا صدرا يشرع بعدّ مصاديق مفهوم «الحيوانات» العام بعد تبيينه [في تسلسل عرضي]، ويبين كل مصداق بتعبير: «وبعضها…»، كقوله: «وبعضها للركوب»، وحين ذكر النساء يقول أيضاً: «وبعضها للنكاح»، فيعود ضمير «ها» في «بعضها» إلى التعبير العامّ «الحيوانات»، أي إن المراد من هذه الجملة هو «بعض الحيوانات للنكاح»؛ إذ إن الضمير «ها» يعود لـ «الحيوانات». و«الحيوانات» تعبيرٌ عام اقترن بـ «ألف ولام الجنس». وملا صدرا نفسه يذكر ما «للركوب وللحمل و…» مصاديق أخرى لـ «الحيوانات» في تسلسلٍ عرضي مع ما هو «للنكاح». إذن لا يمكن افتراض أن «الحيوانات» تدلّ على «الإنسان حيوانٌ ناطق»، فاقترانها بألف ولام الجنس تستوجب الانسجام بين المصاديق مع المعنى الأصلي للتعبير العام، لكنْ ليس هناك من تناسب بين «وبعضها للأكل، وبعضها للركوب، و…» مع المعنى المدّعى «الإنسان حيوانٌ ناطق». وبالتالي المعنى المراد من «الحيوانات» هنا هو البهائم، والكائنات الأخرى غير الإنسان. والتسلسل العرضي للمصاديق، واقتران كلمة «الحيوانات» بألف ولام الجنس، وضمير «ها» في «بعضها» لكلّ مصداقٍ، الذي يعود لـ «الحيوانات»، كلّ ذلك يثبت أن ملاّ صدرا يريد بما قاله أن النساء اللائي خلقن لينكحهنّ الرجال من البهائم، ولا ينتمين إلى نوع الإنسان.
وبما أنكم طرحتم هذه النظرية وادَّعيتم أن المفهوم الذي يتبنّاه ملا صدرا هو ما تذهب إليه عبارة «الإنسان حيوانٌ ناطق»، مع أن قول ملاّ صدرا جليٌّ، وواضحٌ أن المعنى الذي يريده هو ما بينّاه في مناقشتنا، كما مرّ، لكنّ تفسيركم لعبارة ملاّ صدرا هذه يدعو إلى الاعتقاد بأن ملاّ صدرا أخطأ فيها؛ إذ أورد النساء إلى جانب البهائم كمصداق لتعبير «الحيوانات» العامّ؛ أو أنه لم يعلم بما قال وسطَّر.
فإنْ قلتم بأنه يريد بـ «الحيوانات» ما تفيده عبارة: «الإنسان حيوانٌ ناطق» فكيف يكون مصداقه الحصان والبغل والحمار؟
وإنْ كان المعنى الذي يريده ملاّ صدرا هو ما تدّعونه لِمَ يأتي بالنساء كمصداقٍ لتعبير «الحيوانات» العامّ في تسلسل عرضي يسرد فيه المصاديق إلى جانب البهائم والحصان والبغل والحمار؟
مع الأسف أنكم تتمسّكون بأيّ شيءٍ لطلي رأي ملا صدرا، وتتجاهلون ابتداء القول ووسطه ونهايته، وتقتطعون الجزء الذي تريدون، ثم تأتون بالتعريف العام الذي أدلى به ملاّ صدرا للإنسان لتبرير ذلك الجزء المبتور. فتتجاهلون الشبهات التي يثيرها النصّ، ثم تأتون بآراء وأقوال خاطئة أخرى للملاّ صدرا لتبرير قوله.
ولدعم تبريركم تأتون بالآية القرآنية: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾ كقرينةٍ تؤيّد عبارة ملا صدرا: «وبعضها للنكاح، ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾». لكنْ يجب تبيين أن هذه الآية لا تربطها أيّ صلة بقول ملا صدرا، فهو يعتقد أن النساء حيواناتٌ للنكاح [لينكحهنّ الرجال]، وبالطبع الرجال هم مصداق الإنسان، ولذلك يقول: «وبعضها للنكاح». في حين أن الآية الكريمة، التي هي كلام الله تعالى، تَعُدّ «المرأة قريناً من نفس نوع الرجل»، ولذلك تقول: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾، فهناك بَوْن ما بين السماء والأرض بين ما تريده الآية وما يقوله ملاّ صدرا؛ إذ يعدّ ملاّ صدرا المرأة حيواناً ينكحها الرجل [والرجل هو الإنسان في رأيه]، لكنّ الآية تعدّ المرأة قريناً (وهذا الاقتران في كافّة شؤون الحياة) من نفس نوع الرجل، فتبين مشاركتهما النوع، وتعتبر أن المرأة للزوجية والاقتران، وليست للنكاح.
وقد قلتُم، استكمالاً لتبريركم: «كما هو جليّ لم تتطرّق عبارة ملاّ صدرا إلى النساء بتاتاً، وتدلّ في إطلاقها على خلق الرجال للنساء، وخلق النساء للرجال أيضاً، فخلق أيّ منهما (وكلاهما من الحيوانات حَسْب المصطلح الفلسفي) نعمة للآخر».
وما قلتموه خاطئٌ مطلقاً، وفهم مغلوط لقول ملاّ صدرا. فأوّلاً: يذكر ملاّ صدرا أن «الحيوانات» لانتفاع الإنسان، مثلاً: «وبعضها للركوب»، أو «وبعضها للحمل».
ثانياً: يبيّن ملاّ صدرا المنافع بشكلٍ عامّ ومختصر بعد ذكره لكلّ مصداق من مصاديق «الحيوانات». لذلك نجده يستخدم الآية التي تخاطب الرجال ومصداقها النساء حين يريد تبيين مصداق «وبعضها للنكاح»، فيأتي بها مباشرةً بعد قوله: «وبعضها للنكاح»، وهو كما الشيخ الصدوق والطبرسي يعتبر أن المرأة للنكاح (لينكحها الرجل) فقط، ويستشهد بالآية لإثبات رأيه، وقد اتّبع في تبيين مفهوم الآية هواه. إذن لا يمكنكم القول بأن ملاّ صدرا يريد بقوله كلاًّ من المرأة والرجل، فهو لم يكن جاهلاً بالقرآن، وكان بإمكانه الإتيان بآيات تتحدّث عن الزوجية بصورة عامة لدعم رأيه، لا أن يأتي بآيةٍ تخاطب الرجال ومصداقها النساء ليسند إليها قوله: «وبعضها للنكاح»، ويحرِّف مفهومها، ويحمِّلها رأيه.
ما مرّ كان نقداً لبيان الشيخ وكيلي. فإنْ تأمّل قليلاً، وتدبَّر في قول ملاّ صدرا، سيجد أننا على صوابٍ في ما ناقشناه.
لكنْ لتسهيل الأمر عليكم وعلى القرّاء أطرح عدداً من الأسئلة:
1ـ ما المعنى الذي يريده ملاّ صدرا بـ «الحيوانات» في قوله: «ومنها تولد الحيوانات المختلفة»؟ مع الأخذ بنظر الاعتبار أن «الحيوانات» في عبارة ملاّ صدرا مفهوم عام، يذكر مصاديقه لاحقاً.
2ـ اقتران «الحيوانات» بألف ولام الجنس تفيد أن مصاديق «الحيوانات» كلها في نفس الطبقة والمرتبة، ومن نفس النوع [وبالطبع النوع العام]. فكيف تميِّزون مصداق «وبعضها للنكاح» عن باقي مصاديق «الحيوانات» في قول ملاّ صدرا، كمصداق «وبعضها للركوب»، مع أن «الحيوانات» وردت مقترنة بألف ولام الجنس؟
3ـ يشرع ملاّ صدرا بعدّ مصاديق مفهوم «الحيوانات» العامّ مباشرةً بعد ذكره خلقها، فيقول: «بعضها للأكل…، وبعضها للركوب…، وبعضها للحمل…، وبعضها للتجمُّل…، وبعضها للنكاح». فمع ملاحظة مفهوم «الحيوانات» العام والمصاديق التي وردت أوّلاً السؤال هنا هو: لم أتى ملاّ صدرا بالنساء في تسلسل عرضي من حيث المفهوم مع حيوانات كالحصان والبغل والحمار؟ (وبالطبع قد تقولون بأنه لم يذكر في قوله الحصان و…. لكنْ لا أتصوّر أن المراد من «بعضها للركوب» يكون شيئاً غير الحصان والبغل والحمار).
4ـ حين يشرع ملاّ صدرا بعدّ المصاديق بعد ذكره مفهوم «الحيوانات» العام يرجع المصاديق إلى «الحيوانات» بضمير «ها» في «بعضها»، كقوله: «وبعضها للنكاح». فمع ملاحظة أن لـ «الحيوانات» في قول ملا صدرا مصاديق، كـ «بعضها للأكل، وبعضها للركوب، وبعضها للحمل، و…»، ومع وجود الضمير العائد إلى المفهوم العام، وهو جليّ في ذكر المصاديق، ويعيد ملا صدرا استخدامه في ذكر النساء، كيف يمكنكم تحريف المعنى البيِّن لقول ملاّ صدرا؟
الهوامش
(*) باحثٌ في الفكر الإسلاميّ. من إيران.
([1]) سيادة الرجل وحكم القوّة في كلّ أوان جعلا سيلاً من النظريات يراود «معرفة المرأة» كظاهرة مبهمة ومحفوفة بالهواجس والقلق. ومن الطبيعي أن تواجه كلّ ظاهرة في حياة الإنسان في سير تكوُّنها الضرر والانحراف [من قبل المستبدّين]، بحيث تباين أصلها ومنبتها. لذلك معرفة الأضرار والانحرافات التي قد تلحق بأيّ ظاهرة تساعد من ناحية على تفادي تلك الآفات، كما يمكنها العمل على مكافحتها، ويؤدّي هذا التفادي والمكافحة على تبيين الحقيقة بشفافية.
([2]) قرأتُ قبل فترةٍ مقالاً في هذا الموضوع تحت عنوان: «المرأة في كنف ذلك الآخر»، من تأليف السيدة سحر سلمانيان، ووجدته مثيراً للإعجاب، ويستحقّ الاهتمام. لذلك أعيد نشره هنا:
قبل أيّ حديثٍ عليّ التأكيد على أنّه ليست لديّ أيّ هواجس مما يؤرق الحركة النسوية، ولستُ بصدد شرح محنة النساء طوال التاريخ، ولا يقلقني أمر استرجاع حقوق النساء من الرجال. بل على العكس، أريد الخوض في دور النساء في تشكُّل هوية المرأة في العائلة وفي المجتمع. فقد تحمّلت النساء كثيراً من التبعيض طيلة التاريخ. وقد يكون من الإجحاف القول بأن الإدانة واللوم يتوجّه إلى النساء أنفسهنّ أكثر من الأسباب الأخرى، لكنْ في الحقيقة كان لهنّ دور مؤثّر في حرمانهنّ خلال التاريخ.
وأتصوّر أن الموضوع هو أن النساء لا يتمتعن بمعرفة صحيحة عن أنفسهنّ، ونتيجة لذلك لم يعكسن صورة صحيحة عن أنفسهنّ للآخرين. الشعور بالرضا الذاتي، الذي هو أمارة السعادة والطمأنينة، يُعَدّ من الأسباب المهمّة لنموّ الإنسان وتميّزه، ولا يتبع ذلك دائماً إنتاجه العملي، ومقدار ما يجنيه من النجاح، ممّا يتراءى للآخرين، ويتيح لهم الحكم عليه. بل أكثر ما يكون تحت تأثير علاقة الإنسان بنفسه، أي بتقليص المسافة بين ما يبدو عليه وهويته الحقيقية!
فكلما نجح الإنسان في ردم الهوة بين تصوّره عن نفسه وما هو عليه حقيقةً حقّق الرضا الذاتي. فقد وجد «فريدريك بيرلز» بأن لكل شخص هدفاً ذاتيّاً وحيداً، وهو تحقيق ذاته كما هو حقيقةً، ويسعى في الطريقة العلاجية التي ابتكرها (العلاج الغشتالتي) أن يصبح الفرد ما هو عليه بحرّية، وينضج بمنأى عن القِيَم التي تُملى عليه، أي يتخطى حماية البيئة ليحظى بحماية النفس.
فتهدف هذه النظرية إلى تحقق الاتزان، لا التكامل، أي الوصول إلى ما نحن عليه بالقوة، لا ما نريد أن نكونه؛ فهناك حدٌّ دقيق بين الإرادة الحقيقة للأفراد وما يتحوّل تحت إملاء المتطلّبات الثقافية والدينية والاجتماعية، أو بتعبيرٍ آخر: «الإلزامات»، إلى هدفه المنشود. وأريد الاستفادة من هذه النقطة لتقييم الرضا الذاتي لدى النساء. فما مدى معرفة المرأة كإنسانٍ بخصوصياتها الفيزيولوجية والنفسية؟ وما مدى معرفتها بقدراتها ومواهبها، والعناصر الفردية التي تكوِّن السعادة لديها، بناء على ما تمدها به هذه المعرفة؟ وإلى أيّ مدى تتقبَّل محدودية قدراتها ولا تعدّها ضعفاً؟
ومن المؤسِف أن المعضلة الكبرى تنشأ من أن ما تعدّه المرأة عناصر سعادتها، والأسوأ من ذلك نموذج السعادة لديها، لا يبتني على اختيارها الحُرّ، بل تتلقّاه بالوراثة. فذلك مصدر المعضلة، أتى هذا الإرث من الثقافة أم من الدين؛ إذ تصاغ هوية المرأة على أساس المعتقدات والإلزامات التي يتمّ تلقينها إياها، وتتشكّل إرادتها تبعاً لظروف الآخر وقيمه، إلاّ أن يحطَّم هذا النموذج بأيدي النساء أنفسهنّ، ويدفع نموذج جديد هذا المثال الخارجي في اتجاه المعتقدات الذاتية المنبعثة من أنفسهنّ.
وسأستخدم مفهوم «التضحية» لشرح هذه المعضلة. التضحية هي تقديم إرداة الآخر على إرادة الذات. وتواجه المرأة هذا المفهوم، أمّاً كانت أو زوجة، حيث تزعم المرأة أنها قدّمت كثيراً من التضحيات على مرّ التاريخ. لكنْ إنْ نظرنا بواقعيةٍ فهل كان من الضروري دائماً أن تضحّي بإرادتها؟ فالمرأة مستعدة لتفضيل كونها زوجة وأمّاً مضحية على كونها إنساناً سعيداً من أجل الزواج، فهي تضحّي بما تريده وتتمنّاه من أجل بعث الطمأنينة لدى زوجها، لتخدمه، وتقضي حياتها في كنفه. ولنرجع بالزمن إلى الوراء، لنرى صبايا يقضين صباهنّ في انتظار أن يصبحن نساءً ـ متزوّجات ـ. وبالضبط من هذه المرحلة لا تتمّ معرفة الذات؛ إذ إن ذهنية الصبية تابعة للآخر، والزواج بداية نموذج السعادة لديها، ولا تتعلم الصبية من الزواج سوى أن تُطلب فتخضع.
يبدو أن من غير المقرّر أن تستمتع هي بعلاقاتها، وتستفيد منها. ويبدأ ذلك بالأمور المتعلقة بالجنس، ليجد ذروته في القضايا الفكرية؛ إذ تعتاد المرأة أن تكيِّف ذاتها وفق الذات الذي يتوقّعها منها الآخر. ومع الأسف يشتدّ لديها هذا الوَهْم إلى حدٍّ تتصوّر فيه أن هذه الذات هي ما كانت تودّ تحقيقها. ومع طريقة التفكير هذه لا جدوى ولا ضرورة لتشكّل هويّتها المستقلّة، وخاصّة بعد الزواج.
أريد القول بأن هذا الامتثال، هذا الوجود من أجل الآخرين، هذه النظرة إلى المرأة كأداةٍ، لم يكن فكرة الرجال أو مخطّطهم، وإنْ أسس له رجلٌ أوّلاً، لكنّ المرأة خضعت فيما بعد لهذا الوضع. فالمرأة بقبولها هذا النموذج تحدّد توقّعات المجتمع؛ إذ أظهرت صورة محدّدة ثابتة عن نفسها للآخرين. فكم من النساء يتنازلن عن إرادتهنّ وأمانيهنّ بعد الزواج من أجل تحقيق أزواجهنّ النجاح والتطوُّر، ليكنّ بزعمهنّ رفيقاً للآخر، ويقمن بتضحيةٍ جليلة من أجله؟ لكنّ نظرةً في الكهولة إلى أنفسهنّ تريهنّ أنهنّ لا يملكن هويّةً مستقلّة، فقد خسرنها في سبيل ذلك الآخر، فيسلّين أنفسهنّ في هذه الخسارة الجسيمة بأنهنّ قمن بالتضحية والإيثار. فالمرأة مثال التضحية والإيثار، وكلام من هذا النمط!
هذه الأسماء والتعابير اللطيفة تأتي فقط لتسدّ الفراغ الذي خلّفه فقدان الرضا الذاتي. فخيبة الآمال، والحرمان ممّا تريده المرأة وتصبو إليه، يحرمها من أصالة الذات وسموّها، فقد فقدت نفسها داخل ما تتصوّر أن عليها أن تكونه. وبدل أن تهمَّ بإنقاذ ذاتها تجعل نفسها وفيّةً للمعتقدات التي ورثتها.
إن التضحية وتقديم الآخر على النفس قيمةٌ في محلِّها، لكنْ يجب أن تكون في محلِّها. التضحية تجد معناها السامي حين تتّجه بالإنسان نحو الكمال، فكيف لمَنْ لم يصل إلى الاتزان أن يسمو إلى الكمال؟! ولذلك المرأة التي لم تجد هويتها المستقلّة كيف لها أن تعيش من أجل الآخر؟! فهل من الممكن العطاء من لا شيء؟! إن تحقيق أيّ أمر يستوجب توفير متطلّباته.
وإنْ مثّلنا السبيل الذي يسلكه الإنسان في الحياة على رسمٍ بياني نجد أن بإمكانه السير في اتجاهين: أفقي؛ وعمودي.
الاتجاه الافقي هو السبيل الذي يحقّق للإنسان إنسانيته، ويوفّر لديه كافّة الصفات الإنسانية، أي تظهر فيه جميع مواهبه بشكلٍ منسجم، وفي الحدّ الأدنى من المقبول.
بعد الوصول إلى هذه النقطة يمكن للإنسان السير في الاتجاه العمودي، أو نحو الكمال، أي أن تظهر جميع مواهبه منسجمةً في ذروتها. فسبيل الكمال يمرّ بنقطة الاتزان وتحقّق الذات كاملة. وهذا الترتيب غايةٌ في الأهمّية. إن السير في سبيل الاتزان يستلزم تحقّق الاختيار والإرادة الحرّة، فهو سبيل النموّ المعتدل، حيث يتعرّف الإنسان على كافّة مواهبه، بناء على ما تقتضيه، ويجليها في الحدّ الأدنى من المطلوب، ليتمكّن من الارتقاء في سبيل الكمال. فعلى الإنسان العاقل أن يستغلّ الأمور ويستمتع بها ما أمكنه، دون أن يفرّط ويصل إلى مرحلة الصدود. والاعتدال في كلّ فضيلةٍ يضمن الاستمتاع بها، فكما يقول فوكو: الاعتدال يحفظ الذات. ولذلك ترد ضرورة الاعتدال في تحقيق أهمّ ميول الإنسان وأقواها؛ في حياته ككائن (الأكل والشرب)، وكإنسان (الحب)، والحرّية في الاستمتاع هي الضمان لجودته وسلامته.
ومما لا شَكَّ فيه أن التضحية فضيلةٌ، بشرط أن يرافق الاستمتاع تحقّقها، لا أن تكون واجباً، وتتمّ بالإكراه، فتزرع في القلب بذور الكره والنفور. والتضحية فضيلةٌ حين تتحقّق بحرّية واتّزان وبوازع ذاتي. وعودةٌ على جملة بيرلز: كُنْ ما أنتَ عليه.
وبالطبع يحدث خلطٌ بين ما نريد وما يُراد منا، فقد صدّقت المرأة بأن عليها دوماً التضحية بنفسها، وأن تعتبر نفسها ضعيفةً، وتخضع. لم تُبْقِ لها الأقنعة المستعارة أيّ ملامح. على المرأة أن تصبح ما هي عليه، ليس بصفةٍ مبالغ فيها، بل على أساس معرفة حقيقة، فلا تخضع لنموذج المرأة المعدّ سلفاً، بل تصنع نموذجاً متناسقاً ومتّزناً، لتصبح ما هي عليه إلى جانب الآخر، وتسير في سبيلها الوحيد معه.
هنا ينبغي أن نعرف مدى الفسحة التي تمنحها المرأة نفسها لتكوِّن جوّها الخاصّ وحياتها المستقلّة، ومدى مراجعتها لنفسها. فكم من الوقت تمنحه نفسها لتعرف مدى تحقّق قدراتها ومواهبها؟ مَنْ يسمح لنفسه تلقينها المعتقد المعوج والسقيم بأنها قديسة، وينبغي أن تمنح نفسها للآخر؟ ويحرمها من الرضا الذاتي وأن تحقّق ما كان بإمكانها أن تكونه؟ لا أحد.
لكنْ مع الأسف، النساء يحرمن أنفسهنّ من ظهور حقيقتهنّ وتحقيق ذاتهنّ بنقل هذا المعتقد من جيلٍ إلى جيل. فلم يحاسب الرجال النساء على الالتزام بهذا المعتقد بقدر ما تحاسب النساء بنات جنسهنّ. فالظلم الذي تمارسه النساء بحقّ بعضهنّ باسم المعتقدات والأعراف أشدّ قسوةً.
والآخر ليس رجلاً فحَسْب، بل هو صورةٌ مزورة للمرأة، هو هوية لم تتّحد مع الذات. فالوجود في كنف الآخر مروّع، والوحدة قدر محتوم يجعل الإنسان في هَلَع يدفعه إلى إعادة بناء قِيَمه من جديد على أساس معرفته الخاصة. ولبلوغ النضج ينبغي التحرُّر من نير التعلُّق بالآخر والاتّكال عليه، ليتسنّى التحلّي بالفضائل بحرّية ودون قيد. فحتّى أفلاطون قد سبقنا منذ زمنٍ بعيد في الالتفات إلى ذلك، في سبيل تحقيق المساواة بين النساء والرجال، حيث قال عن النساء: إنْ استوجب عملهنّ ذلك يمكنهنّ التخلّي عن مسؤولية تربية أبنائهنّ والاعتناء بهم. فالكون مسخَّر للإنسان ليعيش حياةً أفضل، ويعاني أقلّ. فمتى تمكّنت المعتقدات المفروضة من تحسين حياة الإنسان؟!
وعلى المرأة أن تتعلَّم الرفض أحياناً، وتعبِّد الطريق الذي لم يطأه التاريخ بعزمٍ وإرادة، وتستغلّ كافّة الصفات الحميدة والفضائل لتحقِّق ذاتها وتوحِّد صورتها وذاتها. فقطعاً مَنْ يؤمن بوحدة ذاته وصورته يعرف قدر الآخر، ويتقبّله الآخر كما هو عليه. وسبيل الكمال يبدأ من حيث يتحقّق الاتزان. يمكن للمرأة أن تكون مثال التضحية والإيثار، لكنْ بشرط أن تختار ذلك ذاتها المتّحدة مع هويّتها، لا أن تفعل ذلك بداعي الواجب، والحاجة، والطلب.
وربما حان الوقت بأن نخوض في «الكَيْف»، بَدَل البحث عن العلل، ونتخطّى الماضي، لنعيد بناء الحاضر، فهو في متناولنا. ولننظر بعين العَدْل والإنصاف، الأنوثة والرجولة تجد معناها في ظلّ الإنسانية. وتحقُّق الإنسانية هو التحدّي الأكبر الذي على عاتقنا، التحدّي في السعي المستمرّ للمضي قدماً في سبيلنا الوحيد. (قد نشر هذا المقال في موقع «نيلوفر»، بتاريخ 22 تير عام 1393).
([5]) توضيح المسائل للمجتهدين، أحكام الزواج، باب النظر.
([6]) عن ابن عمر قال: «كان الرجال والنساء يتوضّؤون في زمان رسول الله جميعاً». (صحيح ابن حِبّان 4: 76؛ سنن النسائي 1: 99).
([7]) وعن نافع، عن ابن عمر، أنه «أبصر النبيّ وأصحابه يتطهّرون، الرجال والنساء من إناءٍ واحد، كلّهم يتطهّر منه». (الطبقات الكبرى 8: 296؛ صحيح ابن حِبّان 4: 75).
([9]) تفسير القرطبي 12: 233؛ تفسير أبي الفتوح الرازي 14: 126.
([10]) تخريج الأحاديث والآثار 3: 127.
([14]) وبالطبع لا أريد الإساءة إلى عمر بن الخطاب بتاتاً، وإنّ محاججته أو نقده من باب النقد الداخل ديني، ونقد مسلمٍ لمسلم، وهو ما يحظى بتأييد العقل والشرع. وأتمنى أن لا يُعَدّ إهانةً، فذلك ما لا يسعى إليه الكاتب، ولا عقد عليه النية، بل الهدف هو معرفة جذور قصور النظر بين المتدينين. فأرجو ممَّنْ يجدون كلامي عن عمر بن الخطاب خاطئاً التنبيه وتقديم النصيحة العلمية.
وأرجو الالتفات إلى أن المحاججة والنقد لم يستهدفا عمر بن الخطاب فحَسْب، بل يتعرّض علماء الشيعة والسنّة أيضاً لذلك؛ فقد قلنا بأن من الطبيعي أن تتعرض كلّ ظاهرة لعاهات، والاجتهاد كظاهرةٍ معرفية في نطاق معرفة الدين لا تستثنى من ذلك. لذلك لا ينبغي التعصُّب لأقوال المجتهدين، وعدّهم منـزَّهين عن الخطأ في آرائهم. فمثلاً: اعتبار المجتهدين بعد الشيخ الطوسي مقلِّدين يتمّ في مسعى لاستكشاف العاهات ومواضع الوَهْن والزَّلَل. فقد تدنى مستوى الفكر لدى الفقهاء في زمن الشيخ الطوسي، حتّى أصبحوا كالمقلِّدين أمام عظمته. ولذلك يسعى ابن إدريس، وهو من الفقهاء المعاصرين للشيخ الطوسي، لتحذير المجتهدين من استنباطات دون بحثٍ وتثبُّت. ويقول في مسألة: «قد تمّ تقليد الشيخ الطوسي في هذه المسألة على الرغم من التمسُّك بالرأي المناقض له [هنا]، وعُدّ كلامه حجّة [من قبل العلماء المعاصرين]». (كتاب السرائر 1: 66)
([15]) الحدائق الناضرة 5: 141؛ ابن قدامة، المغني 1: 637؛ ابن حجر، الدراية 1: 123؛ المعجم الكبير 10: 108؛ صحيح ابن خزيمة 3: 93.
([21]) العروة الوثقى (مع تعاليق السيد الخميني): 970، مسألة 51.
([23]) تاريخ العرب قبل الإسلام 5: 531.
([24]) جواد علي، المفصل 5: 533.
([26]) تفسير أبي الفتوح الرازي 16: 11.
([30]) تاريخ العرب قبل الإسلام 4: 18.
([34]) دانشنامه آشورولوژي وزبان شناسي 3: 1897.
([35]) ويل دورانت، تاريخ الحضارة، المجلد الأول، الشرق.
([36]) كورش نامه گزنفون: 123 ـ 128.
([37]) خلاصه تاريخ كتزياس: 90، 103.
([38]) هزاره گمشده 3: 41؛ تواريخ هرودوت، كتاب نهم، بندهاي 109 ـ 112.
([39]) دانشنامه إيران باستان 4: 2447.
([40]) روايت آذر فرنبغ فرخزادان: 16.
([41]) زن در حقوق ساساني (سال 1337): 40.
([42]) تاريخ اقتصاد دولت ساساني: 201، ترجمه: هوشنگ صادقي.
([43]) دانشنامه آشورولوژي وزبان شناسي 3: 1897.
([44]) فرهنگ نام هاي شاهنامه 1: 70.
([45]) فرنبغ دادگي، بند 8 ـ 9، درباره زنان.
([46]) دانشنامه إيران باستان 1: 285؛ كتب مقدس مشرق زمين 5: 244.
([47]) متن پهلوى آذر فرنبغ فرخزادان: 1 ـ 12.
([48]) ابن ميثم، شرح نهج البلاغة 2: 224.
([49]) هناك حديثٌ منسوب إلى الإمام علي×، ولمعرفة جزئيات الأحداث التي رافقته يمكنكم مراجعة كتاب «حديث پژوهي، المجلد 1»، من تأليف: الشيخ مهدي مهريزي. وأشير هنا إلى عدّة أمثلة: ورد في الحديث المنسوب إلى الإمام: «إيمان النساء ناقص» (قوت القلوب 1: 282)، و«يعتري عقولهنّ وإدراكهنّ النقص» (نهج البلاغة، الرسالة 14)، و«المرأة عقرب حلو اللدغة» (تصنيف غرر الحكم: 408، ح9360)، و«الوفاء محالٌ من النساء» (إرشاد القلوب 22: 28)، و«المرأة شرٌّ كلّها، وشرُّ ما فيها أن لا بُدَّ منها» (نهج البلاغة، الحكمة 238)، و«تهوى النساء الرجال» (أصول الكافي 5: 82)، و«يا معشر الرجال، احبسوا النساء» (وسائل الشيعة 20: 179)، و«المرأة ريحانة، وليست قهرمانة، فلا تحمِّلوها فوق طاقتها» (تصنيف غرر الحكم: 408، ح9380)، و«ليس للشيطان مقود أكبر من الغضب والمرأة» (مستدرك الوسائل 12: 13). كما وردت أحاديث عن الإمام عليّ× يذمّ فيها مطاوعة النساء (دعائم الإسلام 2: 352)، ويجد ذلك سبباً للهلاك (تصنيف غرر الحكم: 408، ح9371)، والندامة (أصول الكافي 5: 517)، ويعدّ الرجال الذين يمتثلون للنساء ملعونين (مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 468)، وأن «المرأة أحد الفتن الكبرى الثلاثة» (تصنيف غرر الحكم: 408، ح2361)، وأن «المرأة كالنعال يستخدمه الرجل متى شاء» (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 20: 291)، و«لحمق النساء وسفههنّ لا يشهدْنَ على وصيّة» (مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 226)
لكنْ نجد في الأحاديث المنسوبة إلى الإمام علي× كلاماً متناقضاً. فمثلاً: بارز خليد بن كاس ملك إيران فغلبه وأخذ ابنة الملك إلى الإمام×، فعرضت الفتاة على الإمام أن يتزوّجها، لكنّه رفض، فجاء رجلٌ إيراني إلى الإمام، وطلب أن يتزوّجها، لكنّ الإمام× قال له: «للمرأة الخيار في ما تفعل في حياتها»، ثم قال لها: «إذهبي أنّى شئتِ وتزوّجي بمَنْ أردتِ» (الأخبار الطوال: 144).
وقد ورد في النصوص التاريخية أن امرأةً شكت زوجها للإمام×، حيث كان يضربها ويهينها ويسيء الخلق معها، فذهب الإمام إلى بيتها، وواجه زوجها حتّى يكفّ عن ظلمها (مناقب آل أبي طالب 2: 106). كما أن الإمام علي× كان يستخدم بعض النساء في قضايا الحكم؛ لنقل الرسائل (تاريخ الطبري 4: 451).
ويقول الإمام الباقر×: «نقلوا عنّا ما لم نقل ولم نفعل؛ ليظهروا بأننا نعادي الناس. وأكثر ما حدث ذلك في زمن معاوية وبعد وفاة الحسن بن عليّ×» (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 11: 43). وورد في التاريخ أن عدداً من النساء عظَّمْنَ في عليٍّ× عدله وانتهاجه المساواة (العقد الفريد 1: 329).
وجاء في التاريخ أن معاوية كتب إلى عبدالرحمن بن شبل بأن ينقل أحاديث النبي|، فيقول عبدالرحمن بن شبل عن النبيّ|: «إن الفاسقين (النساء) أصحاب جهنم» (مسند أحمد 3: 444).
([50]) الشيخ محمد عبده، نهج البلاغة: 129.
([51]) محمد جواد مغنية، موسوعة الإمام عليّ×: 254.
([52]) سيد جواد مصطفوي، پرتوي أز نهج البلاغة: 125.
([53]) زن در آيينه جلال وجمال: 370.
([58]) المهذَّب البارع 2: 312.
([60]) التنقيح (كتاب الطهارة) 8: 64.
([61]) مسائل هامة من كتاب الخلاف: 180، جامعة طهران.
([63]) مسالك الأفهام 4: 144: «هذا هو المشهور، وعليه العمل…».
([64]) مجمع الفائدة 9: 187: «والمشهور بين علمائنا أنه يبلغ الذكر بإكمال خمس عشرة سنة، والمؤنث بإكمال التسع…».
([65]) جواهر الكلام 26: 16: «أما الانثى فبلوغها كمال تسع على المشهور بين الأصحاب، بل هو الذي استقر عليه المذهب…».
([67]) عن الإمام الباقر×: المرأة القائمة بأمرها (العاقلة)… يجوز زواجها دون إذن وليّها» (وسائل الشيعة 20: 267). وعن الإمام الصادق×: «الباكرة وغير الباكرة سواسية في وجوب موافقتهما على الزواج، ولا يمكن نكاح امرأةٍ دون رضاها». وقد بارز خليد بن كاس ملك إيران، فغلبه، وأتى خليد ببنت الملك إلى الإمام×، فعرضت المرأة على الإمام× أن يتزوّجها، فرفض، وطلب إيراني من الإمام تزويجه بها، لكنْ ردّ عليه الإمام× قائلاً: للمرأة الخيار في حياتها، ثم قال للمرأة: اذهبي أنّى شئتِ، وتزوّجي بمَنْ أردتِ (الأخبار الطوال: 144).
([68]) موسوعة الإمام الخوئي 33: 214.
([69]) الشيخ الأنصاري، كتاب النكاح: 125.
([70]) توضيح المسائل (المحشّي السيد الخميني) 2: 459.
([71]) جواهر الكلام 29: 174. لكن للسيد الخميني رأياً آخر في ذلك، إذ يقول: «إنْ تم عقد الفتاة أو الصبي الصغيرين من قبل أبيهما أو جدّهما لأبيهما… لا خيار لهما بعد بلوغهما، أي لا يمكنهما فسخ العقد الذي أبرمه أبوهما أو جدّهما، بل هما ملزمان به» (تحرير الوسيلة 4: 34، المسألة 5).
([72]) يصرِّح الشيخ جعفر السبحاني من مراجع التقليد المعاصرين، في كتابه «الاستفتاءات، المجلد الأول، باب النكاح»، بأن عقد الباكر التي تبلغ الأربعين أيضاً يستلزم إذن أبيها، ومن دونه لا يصحّ العقد من الناحية الشرعية.
([73]) تحرير الوسيلة 4: 34، المسألة 6.
([75]) جواهر الكلام 31: 303: «فلو بذلت نفسها في زمانٍ دون زمان أو في مكانٍ دون مكان آخر يسوغ فيه الاستمتاع لم يحصل له التمكين، ولم تجب عليه النفقة قطعاً؛ لتحقق نشوزها حينئذٍ بذلك».
([77]) تحرير الوسيلة 4: 15، المسألة 13.
([79]) تحرير الوسيلة 4: 15، المسألة 12.
([81]) دانشانامه إيران باستان 1: 285؛ كتب مقدس مشرق زمين 5: 244.
([82]) النص البهلوي لـ «آذرفرنبغ فرخزادان»: 1 ـ 12.
([83]) الآية: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾.
الترجمة الأوّلية: أوّلاً: ترجمة محمد صادق الطهراني: و(حُرِّمت عليكم) النساء المتزوّجات، إلاّ مَنْ ملكتموهنّ (وأزواجهنّ باقون على كفرهم)، (هذه) فريضةٌ من الله، وتحلّ لكم باقي النساء، بأن تبتغوهنّ بأموالكم، وأنتم متمسّكين بالعفّة، وتتّقون الزنا. فإنْ استمتعتم بالنساء (بشكلٍ مؤقّت) فآتوهنّ أجرهنّ، وذلك فريضةٌ عليكم، ولا إثم عليكم أن تتراضوا (على تغيير المهر أو مدّة العقد) بعد الاتّفاق على مبلغ المهر. فالله هو العليم الحكيم دائماً.
ثانياً: ترجمة ناصر مكارم الشيرازي: و(حرِّمت عليكم) النساء المتزوّجات، إلاّ اللاتي (أسرتموهن في الحرب مع الكفّار)، وملكتموهنّ (فأسرهن يعني طلاقهنّ)، وهذه أحكامٌ أوجبها الله عليكم. أما باقي النساء فأُحلَّت لكم على أن تبتغوهنّ بأموالكم، وأنتم ملتزمون بالعفّة والطهارة، وصادّين عن الزنا. وعليكم دفع المهر للنساء اللاتي تتمتّعون بهنّ [تتزوّجون بهن زواجاً منقطعاً]. وليس عليكم من إثمٍ في ما تتراضون عليه بعد تعيين المهر (فيمكن بعد ذلك زيادته والانقاص منه بالتراضي)، والله عليم حكيم.
ثالثاً: ترجمة حسين أنصاريان: و[حرِّم عليكم نكاح] النساء المتزوّجات، إلاّ اللائي ملكتموهن [بأسرهنّ في الحرب مع أزواجهنّ الكافرين]، و[هذه الأحكام] فرضٌ من الله عليكم. وباقي النساء [غير اللاتي ذكرن في مَنْ حرّم الزواج بهنّ] يحلنّ لكم، بأن تبتغوهنّ بأموالكم [تدفعون مقابل الزواج بهن]، طالبين [تبتغون من الزواج] العفّة، وصادّين عن الزنا. وعليكم دفع المهر لمَنْ استمتعتم بهنّ من النساء، ولا إثم عليكم في ما تراضيتم عليه [من تغيير فترة العقد أو مبلغ المهر] بعد تعيين المهر، والله هو العليم الحكيم.
رابعاً: ترجمة پورجوادي: و[حرّم عليكم نكاح] النساء المتزوّجات، إلاّ اللائي ملكتموهنّ [بعد أسرهنّ في الحرب مع أزواجهن الكافرين]، [هذه الأحكام] فرضٌ من الله عليكم. وأحلّتْ لكم باقي النساء [غير اللاتي ذكرن في مَنْ حرّم نكاحهنّ]، بأن تبتغوهنّ [للنكاح] بأموالكم [تدفعون لهنّ المال]، وطالبين [بالزواج] العفّة، وصادّين عن الزنا. وعليكم دفع المهر لمَنْ استمتعتم بهنّ من النساء فريضة، ولا إثم عليكم في ما تراضيتم عليه [في تغيير فترة العقد أو مبلغ المهر] بعد تعيين المهر، والله هو العليم الحكيم.
يعتقد مفسِّرو الشيعة، ومنهم: النجفي (أنوار درخشان 4: 15)، مؤلِّف أنوار العرفان (أنوار العرفان في تفسير القرآن 8: 176)، والبحراني (البرهان في تفسير القرآن 2: 56)، ومؤلِّف بيان السعادة (4: 38)، والطباطبائي (ترجمه الميزان 4: 460)، والطوسي (جوامع الجامع 1: 583)، الطبرسي (مجمع البيان في تفسير القرآن 5: 97)، والمصطفوي (تفسير روشن 5: 323)، وفضل الله (تفسير من وحي القرآن 7: 182)، وملاّ فتح الله الكاشاني (منهج الصادقين 2: 476)، وكافّة فقهاء الشيعة، أن هذه الآية تتحدث عن المتعة (الزواج المنقطع). وعلماء أهل السنّة أيضاً يعتقدون بأنها تخصّ المتعة، لكنْ يعدّونها منسوخةً بآيات آخرى. فقد كتب سورآبادي في تفسيرها: يقال بأنها تخصّ المتعة، التي كانت حلالاً أول عهد الإسلام بأربعة شروط: أولاً: أن لا تكون المرأة على ذمّة رجل أو في أيام العدّة. ثانياً: أن يكون الأجر محدّداً. ثالثاً: أن تكون المدّة محدّدة. رابعاً: أن تقوم المرأة بالاستبراء بعد انتهاء المدّة. فإن الالتزام بهذه الشروط يحدّد نسب الولد الذي قد يولد. وقد نسخت هذه الآية بآياتٍ ثلاث: آية الطلاق، وآية الميراث، وآية العدّة (تفسير سورآبادي 1: 406).
كما يقول العاملي، نقلاً عن الآلوسي: لا نختلف على أن المتعة كانت حلالاً فحرِّمت فيما بعد، فقد كانت حلالاً حتّى يوم خيبر، وقد حرّمت فيه. كما أحلّت لثلاثة أيام في فتح مكّة يوم حرب أوطاس، ثم حرّمت بعد ذلك للأبد. وقد رُوي عن ابن عباس بأنه كان يعدّ المتعة حلالاً، حتّى قال له عليّ×: تجاوزت حدودك، فقد حرّم النبي المتعة وأنت تخالفه في ذلك، فعدل عن رأيه. وقد نقل عن عروة بن زبير بأن عبد الله بن الزبير قال في خطبته أيّام حكمه: قد عمَتْ قلوب البعض كأبصارهم حتّى أجازوا المتعة، وكان يقصد بذلك عبد الله بن عباس، الذي فقد بصره أواخر حياته. ويقول النووي: إن ابن عباس كان حاضراً في تلك الخطبة، فصاح بابن الزبير: إنك سفيه وظالم حتّى تحرِّم ما كان جائزاً أيام الرسول. فقال له عبد الله بن الزبير: إنْ فعلتَها رجمتُك. ويقول ابن الجبير: قلت لعبد الله بن العباس بأن الناس ينقلون رأيك في جواز المتعة إلى البلاد الأخرى، ويذكرونه في أشعارهم (تفسير العاملي 2: 380). ويقول الطبري: إن هناك خلافاً في معنى هذه الجملة، فقد قال البعض: مَنْ اتّخذتموهنّ زوجات بعقدٍ دائم، واستمتعم بهنّ، فآتوهنّ مهورهن. ويقول آخرون: مَنْ أبرمتم العقد معهنّ للاستمتاع بهنّ لأَجَلٍ محدود فآتوهنّ مهورهنّ (تفسير العاملي 2: 380). فأيهما الرأي الصحيح؟ وما أكّدنا عليه في هذا الكتاب أن القرآن يجب أن يفهم بالقرآن، والروايات ينبغي أن تعرض على القرآن، بعد فهم الحكم الذي تدلي به الآية، لتوثق مدى حجّية الروايات.
تقول الآية الرابعة من سورة النساء: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾، أي أعطوا النساء مهورهنّ كهدية نكاح عن طيب نفسٍ ودون منّة، فإنْ وهبنكم شيئاً منه باختيارهنّ فكلوه طيباً هنيئاً.
وإنْ أخذنا بعين الاعتبار المقدّمات التي تستنج من بعض الروايات الضعيفة والظنّية وأخبار الآحاد تكون الآية 24من سورة النساء، التي مرّ ذكرها، متمّمة للآية 237 من سورة البقرة، حيث تقول: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ﴾، أي إنْ طلقتم النساء قبل أن تقاربونهنّ، وقد عيَّنتم مهراً لهنّ، فأعطوهنّ نصف المهر المعين، إلاّ أن يهبنكم إياه.
تقول الآية بأنكم إنْ طلقتم المرأة قبل أن تقربوها (من الدبر أو من القبل) فبناء على العقد (العهد) الذي أبرمتموه عليكم إعطاؤها نصف المهر المفروض وجوباً «فريضة…، وقد فرضتم»، وهذا حكمٌ شرعي على الرجل الإذعان له، فهو حقّ المرأة الشرعي، إلاّ أن تتنازل هي عنه. والآية 24 من سورة النساء متتمّمة لها، وتريد القول بأنكم إنْ قاربتم النساء «فما استمتعتم» فعليكم إعطاؤهنّ مهورهنّ كاملة «أجورهنّ فريضة». فما يدلّ عليه جمع الآيتين أن «الاستمتاع» هو الاستمتاع الجنسي مع تحقّق الدخول، ولا يُراد مطلق الاستمتاع. فلا يمكن الأخذ بروايات ضعيفة وأخبار آحاد في تعميم معنى «استمتعتم»، وحملها على الاستمتاع الجنسي بشكلٍ عام، والمضيّ بمراد الآية لما تدفع إليه هذه الروايات. و«أجورهنّ» في الآية هي المهر أي «المهر كاملاً»، كما تمّ تفسير أجورهنّ في ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالمهر كاملاً. إذن المراد من «أجورهنّ» في الآية 24 من سورة النساء «المهر كاملاً»، ويتفق ذلك مع ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾.
وبعبارةٍ أخرى: إنْ جمعنا الآيات إلى بعضها، وعملنا بطريقة قياس القرآن بعضه على بعض، يكون لدينا: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً… وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ… فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾، أي أعطوا النساء مهورهنّ كهدية نكاح عن طيب نفس ودون منّة، فإنْ وهبنكم شيئاً منه بإرادتهنّ فكلوه هنيئاً… وإنْ طلَّقتموهن قبل أن تقاربونهنّ، وقد حدّدتم لهنّ مهراً، فعليكم إعطاؤهنّ نصف ما تمّ تحديده، إلاّ أن يتنازلن عنه بأنفسهنّ… والنساء اللائي تزوجتموهنّ وقاربتموهنّ فأعطوهنّ مهورهنّ كاملة، وذلك فرضٌ واجب عليكم، ولا إثم عليكم إنْ توافقتم فيما بينكم على أمرٍ بعد تحديد المهر (كإعطائه أو عدم إعطائه).
وتقول الآية 229 من سورة البقرة صراحةً: ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً… تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾، أي لا يحلّ لكم أن تستردّوا منهنّ شيئاً ممّا أعطيتموهنّ (حيث طلقتموهنّ)… والذين يتعدّون حدود الله هم الظالمون.
فكما يؤكد القرآن ويوصي بتجنُّب الظلم في إيتاء النساء مهورهنّ، ويصرّح بأن الظلم في ذلك تعدٍّ على حدود الله، ومَنْ يفعل ذلك يكون من الظالمين: ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾، وإذا اتبعنا طريقة تفسير القرآن ببعضه تكون الآية 24 من سورة النساء تتمّة للآيتين: 4 من سورة النساء؛ و237 من سورة البقرة. فليس للروايات تعميم الحكم الصريح الذي تدلي به الآيات على ما تدفع إليه الأحاديث (الضعيفة والمجعولة وأخبار الآحاد)، وتقول الآيات المتقدِّمة بأنكم إنْ لم تباشروا النساء «قبل أن تمسُّوهنّ» فعليكم إعطاؤهنّ نصف المهر «فنصف ما فرضتم»، وإنْ باشرتموهنّ «فما استمتعتم» فعليكم إعطاؤهنّ المهر كاملاً «فآتوهنّ أجورهنّ فريضة… وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف». إذن ليس للآية 24 من سورة النساء أيّ علاقة بزواج المتعة أو الزواج المنقطع، والترجمات الأربعة استندت إلى الروايات الضعيفة والمجعولة وأخبار الآحاد، فلا تتمتّع هذه الترجمة بالحجّية، ولا تؤخذ بعين الاعتبار. فالآية 24 من سورة النساء تتمّة للآيتين: 4 من سورة النساء؛ و237 من سورة البقرة.
نقد الحلول وتبيين الطريقة الصحيحة: ما يُقال بأن منع الزواج المنقطع يسبِّب «الزنا» ادّعاء دون أساس، وتعليلٌ واهٍ لتقصير أعضاء المجتمع تجاه حقوقهم الخاصة. إن هذه النظرية لا تصحّ، لا من منطلق المنطق، ولا من منطلق العقل والشرع. أما من حيث المنطق فلِمَ يجد السادة المتعة المخرج الوحيد من هذه الأزمات؟! ولِمَ لا يبحثون في الطرق المشروعة والواضحة التي يؤيِّدها العقل والشرع؟!
أما من حيث العقل فالغريزة الجنسية لا يتمّ إرضاؤها بالمتعة، فهناك طريق بيِّن ومشروع يمكن استنباطه من القرآن، لكنه لا يتفق مع أهواء السادة، ولذلك مُني بالإهمال، وذهبوا وراء الزواج المنقطع؛ في مسعى لتحقيق التنويع والإنفاق الأقلّ.
أما من حيث الشرع فكما حقّقنا ليس هناك من دليلٍ شرعي يؤيِّد صواب حكم كهذا في الإسلام.
فما هو حلّ السادة؟ يرَوْن بأن الشبان والشابات الذين يعيشون أزمة الغريزة الجنسية، ولا يجدون سعة مالية لشراء البيت والأثاث ومصاريف الزواج (حَسْب العرف السائد)، يمكنهم بعقدٍ منقطع ونفقات أقلّ إشباع غرائزهم الجنسية، والابتعاد عن الإثم.
وما هو حلّ القرآن؟ يقول القرآن الكريم: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النساء: 25)، أي مَنْ كان منكم لا يتمتَّع بسعة في المال (أو وضعٍ اجتماعي مؤاتٍ)؛ ليتّخذ من الحرائر المؤمنات العفيفات زوجةً له، فليتزوَّجْ بإحدى الفتيات المؤمنات المملوكات. والله أعلم بإيمانكم، فأنتم (أحرار أو مملوكون) تنتمون إلى بعضكم، فتزوّجوهنّ بإذن أهلهنّ ومَنْ يمكلهنّ، وآتوهنّ مهورهنّ بشكلٍ مقبول، وهنّ عفيفات ولسْنَ بزانياتٍ أو آثمات. فإنْ تمّتْ حصانتهنّ (تزوجتموهنّ)، وقمْنَ بفاحشةٍ، آنذاك لهنّ نصف العقوبة المقرَّرة للحرائر. هذا (الرأي في الزواج بالإماء) لمَنْ كان يخاف إرهاق العزوبية، والصبر أفضل لكم، والله غفورٌ رحيم.
هل تلاحظون؟ لا يقول القرآن: اجروا وراء المتعة (حَسْب الأحاديث التي يستند إليها السادة)، وليكن لكم ألف امرأة تتمتَّعون بهنّ لإشباع شهواتكم، بل يقول: 1ـ تزوَّجوا بالحرائر العفيفات إنْ استطعتم. 2ـ إنْ لم تستطيعوا (من حيث السعة المالية أو الحال الاجتماعية) فتزوَّجوا بنساء يكافئنكم (الإماء أو مصاديق أخرى)، فالإماء مصداقٌ بيِّن لمَنْ يكافئْنَ الرجال عسيري الحال، ولا يبتغين الكثير.
فيريد القرآن تخفيض مستوى المعايير والآمال، ويقدِّم حلاًّ بناءً على ذلك. فإنْ كنتم ذوي سعة ومكنة تزوَّجوا مَنْ طمحتم، وإنْ كنتم ذوي عسرٍ فتزوَّجوا بمَنْ يكافئنكم (يقنعْنَ باليسير). وهذه ثقافةٌ يريد القرآن أن نتعلَّمها. لكنْ للأسف طواها النسيان في مجتمعنا اليوم، وارتفعت المهور، كما المعايير والمطالبات، ويمنع الأهل أولادهم من الزواج بيسرٍ وبساطة. لذلك لا يذهبون لحلّ هذه الأزمة إلى الزواج بالكفؤ؛ لينال الشباب حقَّهم في تلبية حاجاتهم، ويمنعون وقوع الظلم على أنفسهم ومستقبلهم، بل يقولون: إنْ كنتَ مظلوماً وسلبت حقّك وصدّتك الأعراف فتمتَّع!!
إذن أفضل الحلول وأكثرها عقلانية هو أن ينشئ الشباب مؤسّسات تسعى لإبادة الأعراف الخاطئة التي تسود المجتمع، وتبطل المتطلّبات الزائفة والخرافات؛ لينالوا حقَّهم، فلا يسرعون إلى المتعة ما إنْ يواجهوا الصعوبات، مخالفين في ذلك الشريعة الإسلامية، ويتركون حقَّهم يضيع، والأعراف الزائفة قائمة.
فليست الأعراف وراء أزمة الشباب، بل تقاعسهم أنفسهم ولا مبالاتهم بشأن زواجهم. فيتصوّرون أن الحياة تتطلّب بيتاً خاصاً وسيارة وعملاً بمرتّب كبير. في حين أن الإسلام يقول: إنْ لم تكونوا ميسوري الحال تزوَّجوا بمَنْ يكافئنكم». وقد ضاعف الرأي باتّباع المتعة من شقاء الشباب، فما إن توعز لهم الشهوة يبحثون عن امرأةٍ للمتعة (ولا يسعَوْن إلى الزواج الدائم، كما أمر القرآن).
وخلاصة القول: إن المتعة لا تجوز شرعاً (فهي حرام وباطل مطلقاً). فعلى الشباب السعي وراء الزواج (من حيث المال أو الأعراف)، ورفض الأعراف الزائفة وسحقها. فإنْ كانوا ذوي مال ومكنة تزوّجوا بمَنْ يطمحون، وإلاّ فليتزوّجوا بمَنْ يكافئنهم ويشاركنهم دينهم، وليخفضوا مستوى مطالباتهم (نساء ورجالاً). فالمتعة تبريرٌ سخيف وغير شرعي لهذا التقصير والقصور في الرؤى.
الترجمة الأخيرة: و(حُرِّمت عليكم) النساء المتزوِّجات، إلاّ مَنْ ملكتم منهنّ (وأزواجهنّ باقون على الكفر)، (هذه) فريضةٌ من الله قد كتبها عليكم، وقد أحلّ لكم باقي النساء بأن تطلبونهنّ بأموالكم، وأنتم محصنين، ولا تقربون الزنا. فالنساء اللاتي (نكحتموهنّ) وقاربتموهنّ فآتوهنّ مهورهنّ (كاملة)، فريضة (واجبة)، وليس عليكم من إثمٍ في ما تتوافقون عليه بينكم (في إعطاء المهر أو عدم إعطائه) بعد أن عيّنتم المهر، والله هو العليم الحكيم.
([85]) تفسير أبي الفتوح الرازي 16: 11.
([86]) الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 2: 136 ـ 137.
([91]) جواهر الكلام 31: 306: «بل ربما يشمّ من قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ ما شبيه معاوضة الاستمتاع بالإنفاق، على نحو ما ورد من الإنفاق على الدابة عوض ما يستوفيه من منافع ظهرها…».