أحمد عبدالله أبو زيد
يعتبر كتاب (الملحمة الحسينيّة) للمفكّر الشهيد الشيخ مرتضى مطهري من أكثر الكتب إثارةً للجدل، وربّما يعتبر من أكثر آثاره رواجاً وانتشاراً، حتّى طبع في محرّم 1431هـ الطبعة الرابعة والستّين، وكان قد طبع في بيروت عن الدار الإسلاميّة بتعريب السيّد محمّد صادق الحسيني.
ولا يخفى على أحد أنّ الشهيد مطهري وكتابه صارا حجّةً قويّة بيد الذين اتّجهوا نحو التشكيك بكثيرٍ ممّا يلقيه خطباء المنبر الحسيني من على منابرهم، وذلك بسبب المكانة الخاصّة التي يحتلّها الشهيد مطهّري وآثاره في الوسط الشيعي على وجه التحديد، الأمر الذي أوقع بعض من يكاد يدافع عن كلّ ما يُلقى على المنابر في نوعٍ من الحرج، ولكن ما لبث هذا الحرج أن تبدّد، وقد اتّخذ مبدّدوه أحد اتّجاهين:
الأوّل: أفرط في الهجوم على الشهيد مطهّري هجوماً منبريّاً بدل مناقشة ما طرحه نقاشاً علميّاً موضوعيّاً مبنيّاً على تتبّع الفكرة ونقض الدليل بالدليل.
الثاني: اتّجه إلى مناقشة بعض الإشكالات التي ساقها الشهيد مطهّري في كتابه المذكور بالطريقة العلميّة، التي تقابل الدعوى بالدليل، والدليل بالتتبّع والتدقيق. ولعلّ أبرز من اتّجه هذا الاتّجاه في السنوات الأخيرة سماحة السيّد جعفر مرتضى العاملي صاحب المصنّفات المعروفة، وذلك في الكتاب الذي أصدره تحت عنوان (كربلاء فوق الشبهات)، الذي اعتبره (دفاعاً عن الشهيد مرتضى مطهّري)، والذي خصّص مباحث منه ـ ونعمَ ما فعل ـ لردّ بعض ما ذكره الشهيد مطهّري، لاجئاً إلى الدليل والتتبّع في المصادر التاريخيّة، وهو ما عوّدنا عليه في مختلف الكتابات التي أتحف بها المكتبة الإسلاميّة.
إلاّ أنّ سماحته خصّص الفصل الثالث من فصول كتابه لحشد أدلّة وشواهد كثيرة، خلص من خلالها ـ أو كاد ـ إلى نفي نسبة كتاب (الملحمة الحسينيّة) إلى الشهيد مطهّري، ثمّ بنى الفصول الأخرى على تقدير صحّة نسبة الكتاب إليه.
وعندما اطّلعتُ على كتاب (كربلاء فوق الشبهات) بعيد صدوره وقرأت ملاحظات سماحته وإشكالاته منعني اعتمادي على سماحته من التحقّق من أدلّته واستشهاداته، دون أن أبني ـ في الوقت نفسه ـ على صحّة نتائجه؛ يحدوني إلى ذلك استبعادُ أن يكون الكتاب متبنّى من قبل المؤسّسة الرسميّة التي تعني بتراث الشهيد مطهّري، والتي تشرف عليها الدولة وأبناء الشهيد مطهّري، ومع ذلك لا يكون للشهيد! وكيف لم يلتفت إلى هذه الثغرة المحقّقون المعروفون المحليّون مع كونها مسألة تعنيهم وتهمّهم بشكل مباشر! إلى أن سألني بعض الإخوة مراراً وتكراراً عن صحّة ما خلص إليه سماحة السيّد العاملي، ولمّا وجدتُ فسحةً ضيّقةً من الوقت، رجعت إلى أدلّته، فقرأتها ودقّقتُ فيها، وتحرّيت عن مصادره وإرجاعاته، فخرجتُ بملاحظات، أسجّلها في هذه الأوراق:
افتتح سماحة السيد العاملي الطبعة الثانية من كتاب (كربلاء فوق الشبهات) بالتذكير بأنّ الإمام الخميني حينما وجّه الأنظار إلى مؤلّفات الشهيد مطهري فإنّما كان يعني بكلامه تلك المؤلفات التي ظهرت وطبعت ونشرت قبل استشهاده، باعتبارها المؤلّفات التي اطلع عليها، ولا يشمل ذلك ما لم يكن قد نشر من محاضراته، باعتبار أنّه لا يستطيع الحكم عليها، وأنّ حسن الظنّ لا يجدي في تأييد ما لم يتمّ الوقوف على مضامينه ولم تحصل المعرفة به.
ونحن إذ لا نشكّ في أنّ الإمام الخميني قد اطّلع على مجمل فكر الشهيد مطهّري، سواءٌ من خلال كتابات الأخير أم من خلال قربه منه باعتباره أستاذه، فإنّنا ـ قبل أن نصل إلى الحديث عمّا نشر للشهيد مطهّري بعد استشهاده ـ لا نتصوّر اطّلاع الإمام على كلّ كلمة نشرها الشيخ الشهيد في حياته، وإلاّ فهل يُمكن ـ إذا قمنا بتضييق الدائرة ـ أن نلتزم بأنّ كلّ كلمة نشرها الشهيد في حياته مشمولة بكلام الإمام؟! بعد وضوح أنّ اطّلاع الإمام على عناوين عطاءات الشهيد مطهّري دون مضامينها لا يُجدي في تبرير الإرجاع إليها.
نعم، كما إنّ تأييد كتابٍ ما لا يعني المصادقة على مضامينه كلّها كما ذكر السيّد العاملي، فإنّ الإرجاع إلى شخصٍ لا يعني بالضرورة الاطلاع على كلّ ما نشره في حياته؛ إذ يكفي الاطّلاع على فكره بشكل عام وفي الجملة.
وعلى هذا الأساس، نجد أنّ تعامل سماحته مع كلام الإمام الخميني يكاد يكون تعاملاً رياضيّاً مفرطاً، خاصّة عند القول بأنّ الإمام الخميني قد امتدح مؤلّفاته، وكتاب (الملحمة الحسينيّة) ليس مؤلّفاً، فلا يكون مشمولاً.
ولو أردنا التعامل بالروح الحَرْفيّة نفسها، فإنّ النصوص التي امتدح فيها الإمام الخميني آثار الشهيد مطهري متعدّدة وطرق تعبيرها متفاوتة؛ ففي بعضها أوصى الطلاب الجامعيين والمثقفين الملتزمين بأن لا يَدَعوا دسائس الاستكبار تنسيهم قراءة كتب الشهيد مطهري.
وإذا كان هذا النصُّ مفيداً باعتباره تحدّث عن (كتب) الشهيد مطهري، والقدر المتيقن من ذلك الكتب الصادرة في حياته، فماذا نفعل بالنص الذي يمتدح فيه الإمام فكر الشهيد مطهري فيتحدّث عن آثار قلمه وآثار لسانه، ومن الواضح أنّه لا فرق بين آثار لسانه إذا سمعناها قبل استشهاده وبين ما لو سمعناها بعده، فلا يصحّ القول بأنّ كلام الإمام الخميني لا يشمل محاضرات الشهيد مطهّري باعتبار أنّه لم يستمع إليها جميعها ولم يتحدّث عنها، وهل تتصوّرون أساساً أنّ الإمام قد اطلّع على كتب الشهيد مطهّري جميعاً وبجميع جزئيّاتها؟!
ذكر السيّد العاملي في مقام الاستدلال على عدم صحّة نشر أثرٍ للشهيد مطهّري بعد وفاته ودون موافقته أنّ كتباً أخرى للشهيد جمعت بعد وفاته ومن أوراقه، كالكتاب الذي تناول فيه (الاقتصاد الإسلامي)، وحينما ظهر أنّ الكتاب يشتمل على أمور غير مقبولة أمر الإمام الخميني بجمعه ومنع من نشره.
ولكنّ القصّة ـ كما ذكرتها لنا شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري ـ هي أنّ منشورات (حكمت) عمدت إلى مدوّنات للشهيد مطهري حول الاقتصاد الإسلامي فنشرتها في حياة الإمام الخميني مع تعليقات للناشر فاقت متن الشهيد، وقد أثار الكتاب حفيظة جمع من رجالات الحوزة الذين قابلوا الإمام الخميني واعترضوا أمامه على الكتاب، فطلب سحبه درءاً للفتنة. ولكنّ مؤسّسة (صدرا) المولجة مهمّة نشر آثار الشهيد مطهري قامت بطبعه في حياة الإمام الخميني بعنوان (نظرى به نظام اقتصادى اسلام) دون أن يثير ذلك حفيظة أحد؛ لأنّ (الأمور غير المقبولة) التي استدعت سحب الكتاب من الأسواق نجمت عن تعليقة الناشر لا عن كلام الشهيد.
والأقرب أن يكون هذا النقض من سماحته مجرّد نقض جدلي لمراكمة الإشكالات، وإلاّ فماذا يفعل بالجزء الأكبر من تراث علمائنا الذي نشر بعد وفاتهم ودون مراجعتهم؟! وعلى أي أساس نقوم بنشر المخطوطات التي لم ترَ النور في حياة مؤلّفيها؟ وكيف يبرّر سماحته نشر كتب والده التي لم يُطبع قسمٌ منها في حياته؟!
ويحضرنا هنا كلامٌ للسيّد البروجردي حول رجال الشيخ يقول فيه:
«لأنّ كتاب رجال الشيخ لا يكون مشتملاً على جميع الرواة؛ لأنّ الظاهر أنّه كان بصورة المسودّة، وكان غرض الشيخ الرجوع إليه ثانياً لنظمه وترتيبه وتوضيح حال بعض المذكورين فيه، كما يشهد لذلك الاقتصار في بعض الرواة على ذكر مجرّد اسمه واسم أبيه من دون تعرّض لبيان حاله من حيث الوثاقة وغيرها. وكذا ذكر بعض الرواة مكرّراً كما يتّفق فيه كثيراً على ما تتبّعنا؛ فهذا وأمثاله ممّا يوجب الظنّ الغالب بكون الكتاب لم يبلغ إلى حدّ النظم والترتيب والخروج بصورة الكتاب، وذلك كان مستنداً إلى كثرة اشتغال الشيخ بالتأليف والتصنيف في الفنون المختلفة الإسلاميّة من الفقه والأصول وجمع الأحاديث والتفسير والكلام، وغير ذلك من العلوم، بحيث لو قسّمت مدّة حياته على تأليفاته لا يقع في مقابل كتابه هذا إلّا ساعات معيّنة محدودة».
فلو صحّ الظنّ الغالب للسيّد البروجردي، فهل يعني ذلك إسقاط رجال الشيخ عن الاعتبار بناءً على مبنى سماحته؟!
نقل السيّد العاملي عن الشهيد مطهري أنّ محاضراته غير صالحة للطبع ما لم تمسّها يد التغيير، وهو صحيح، وقد ورد في مقدّمة الطبعة الفارسيّة من (العدل الإلهي).
ولكنّ هذا الإشكال لا يُثبت المدّعى بالدائرة التي التزم بها سماحته؛ إذ من الطبيعي أنّ المحاضِر عادةً ما يرفض نشر كلامه في المحاضرة بنفس صورته اللفظيّة ويرغب في صياغة فكرته صياغة أكثر رقيّاً، ولكنّ ذلك لا يمسّ عادةً أصل الفكرة، فهل هناك محاضِر يتبنّى في محاضرته فكرةً ما، ثمّ عندما يريد أن يصيغها صياغة مناسبة يتبنّى موقفاً مختلفاً عن الموقف الذي عرضه في محاضرته؟!
فلنفرض أنّ شيخنا الشهيد أعاد النظر في محاضرات (الملحمة الحسينيّة)، فقد يتخلّى عن بعض الأفكار الجزئيّة أو المناقشات (غير المطبوخة) أو الدعاوى غير المبرهن عليها، أو قد يضيف إليها مقدار الخُمس على حدّ ما حدث معه في كتاب (العدل الإلهي)، أو قد تشهد بعض الأفكار التي تطرح في المحاضرة تعديلاً أو تطويراً أو تغييراً قد يكون جذريّاً في بعض الأحيان، ولكن هل من المتوقّع أن يخلَّ ذلك بالهيكليّة العامّة لأطروحة هذه المحاضرات والروحة الكليّة الحاكمة عليها؟!
والشاهد على أنّ هذا النقاش من سماحة السيّد العاملي مجرّد كلام جدلي لمراكمة الإشكالات هو الارتكاز الذي نعيشه جميعاً في الحوزات العلميّة في ما يرتبط بما يُعرف بـ(التقريرات)؛ فالتقرير عبارة عن مدوّنة يكتبها التلميذ لدرس أستاذه، وغالباً ما يعتمد التلميذ على فهمه لمطلب الأستاذ دون أن يتقيّد بعباراته، بل ربّما يوجد جوٌّ من المفاخرة بين المقرّرين، بحيث كلّما قلّت استفادة المقرّر من ألفاظ أستاذه بعينها كان ذلك كاشفاً عن مدى عمقه العلمي، ومع ذلك فالارتكاز الحوزوي قائمٌ على نسبة الفكرة إلى المقرَّر له، وإن لم تُنسب إليه الألفاظ بعينها، حتّى لو صدر التقرير بعد رحيل المقرّر له! بل أكثر من ذلك، قد يحدث اختلاف بين عدّة تقريرات للدرس الواحد، ومع ذلك لا يُشكّك في نسبة الكتاب كلّه إلى الأستاذ، بل يُتعامل مع التهافت بطريقة مورديّة.
أضرب مثالاً على ذلك من أبحاث السيّد الخوئي رحمة الله تعالى عليه؛ فكتاب (محاضرات في أصول الفقه) للشيخ فيّاض و(دراسات في علم الأصول) للسيّد علي الهاشمي و(مصباح الأصول) للسيّد البهسودي و(مباني الاستنباط) للسيّد الكوكبي هي أربعة تقريرات للدورة الأصوليّة نفسها (مع عدم اشتراك الأوّل والأخير، باعتبار الأوّل في مباحث الألفاظ والأخير في الاستصحاب، بينما الثاني كامل والثالث اكتمل مؤخّراً)، ومع ذلك فبعضها يختلف في بعض الموارد مع البعض الآخر، وفي الوقت نفسه تحمل تقريظاً من السيّد الخوئي رحمة الله تعالى عليه، ولم يشكّك أحد في نسبة ما في هذه الكتب إلى السيّد الخوئي بشكل مطلق، غاية ما هنالك هو أنّنا عندما نقف على تعارض بين التقريرات نقوم بترجيح أحدها اعتماداً على أحد المرجّحات.
وإذا قيل بأنّ هذه الكتب صدرت في حياة السيّد الخوئي رحمه الله، فلا يُمكن النقض بها، فلدينا الكثير من التقريرات التي هي ـ من ناحية ـ تقرير، ومن ناحية أخرى صدرت بعد وفاة المقرَّر له، ولسنا بعيدين عن (مطارح الأنظار) للشيخ الأنصاري الذي صدر مؤخّراً بعد سنوات طوال على رحيل الشيخ الأنصاري ورحيل المقرِّر على حدٍّ سواء، . ولا زال كتاب (مباحث الأصول) للسيّد الحائري يصدر إلى يومنا هذا، وهو في أغلبه تقرير لدروس الشهيد الصدر الأصوليّة التي ألقاها في الدورة الأولى (ابتداءً من سنة 1378هـ)، ومع أنّ الشهيد الصدر غيّر في بعض آرائه في الدورة الأصوليّة الثانية، ومع أنّ هذا الكتاب يصدر بعد مرور 30 عاماً على رحيل المقرّر له، إلاّ أنّ أحداً لا يشكّك في نسبة الفكرة إلى صاحبها، حتّى التي نعلم أنّه عدل عنها في دورته الأصوليّة الثانية؛ لأنّنا عندما نذكر أنّ هذا الكتاب عبارة عن تقريرات الدورة الأصوليّة الأولى فإنّنا لا نتعهّد بأكثر من أنّ هذه الأفكار مطابقة لما طرحه الشهيد الصدر في دورته الأولى، ولسنا ندّعي أنّ هذه الفكرة هي آخر ما اعتقد به الشهيد الصدر إلى حين ارتفعت روحه إلى السماء، فما بالك في كتابٍ قد تمّ تنزيله من الأشرطة الصوتيّة كما هو الحال في كتاب (الملحمة الحسينية)؟!
ولكن يبدو أنّ سماحة السيّد لا يوافق على وجود ارتكاز من هذا القبيل، حيث ذكر أنّ علماءنا الأبرار عوّدونا على عدم نسبة الأفكار إلى أصحاب التقريرات بنحو القطع والحسم، ومثّل بـ(أجود التقريرات) للمحقّق النائيني، وبأنّهم يقولون (حُكي عن الشيخ النائيني) أو (نسب إليه).
وهذا صحيحٌ إلى حدٍّ ما؛ فنسبة الفكرة المطروحة في التقرير لا يُمكن نسبتها إلى المقرَّر له على حدّ نسبة الفكرة المودعة في كتاب مدوَّن، لكنْ مع ذلك نسجلّ الملاحظتين التاليتين:
الأولى: إنّ قياس ما نحن فيه على التقريرات قياسٌ مع الفارق؛ لأنّ السبب في عدم نسبتنا الفكرةَ إلى المحقّق النائيني ـ مثلاً ـ على نحو القطع والجزم هو عدم إحرازنا ـ بنحو القطع والجزم ـ أصلَ صدور هذا الكلام منه، وإن كنّا نثق بالمقرِّر؛ لاستبطان التقرير نحواً من تدخّل المقرّر، إلى جانب دخالة مدى فهمه للمطلب في عمليّة تدوين الفكرة، وليس السبب في ذلك هو عدم مراجعة صاحب الفكرة لفكرته بعد أن كنّا نحرز صدورها بنحو القطع.
وما نحن فيه من القبيل الثاني لا الأوّل؛ فإنّنا نقطع بصدور هذه الأفكار عن الشهيد مطهّري؛ لتوفّر المحاضرات الصوتيّة في أغلب الأفكار، غاية الأمر إنّنا نشكّ في أنّه هل كان سيحتفظ بها كما هي فيما لو راجعها أم لا! لا أنّنا نشكّ في أنّ هذه الفكرة صدرت عنه أم لا!
الثانية: إنّنا قد لا نسلّم بأصل ما ذكره سماحته بهذا الإطلاق؛ لأنّنا إذا دقّقنا النظر في طريقة تعامل علمائنا مع الأفكار الواردة في التقريرات فإنّنا لا نجدهم ينسبون الفكرة إلى صاحبها على نحو الحكاية أو الاحتمال بشكل مطلق على ما يُفهم من سماحته، لأنّهم ـ وبكلّ وضوح ـ يقولون مثلاً: (مسلك جعل العلميّة للمحقّق النائيني) و(مسلك حقّ الطاعة للشهيد الصدر) وآلاف الأمثلة الأخرى، مع أنّها كلّها واردة في تقريرات تلامذتهم.
نعم، نجدهم عندما يلمسون ضعف فكرةٍ ما ويستبعدون صدورها عمّن نسبت إليه، أو يجدون تضارباً بين مختلف التقريرات، فإنّهم يلجأون إلى استخدام تعبيرات تشكيكيّة بهدف الحفاظ على مقام المقرَّر له، فيشكّكون في النسبة أو في فهم المقرِّر للفكرة. أمّا أنّهم يعمدون ـ بشكل مطلق ـ إلى نسبة الأفكار الواردة في التقريرات إلى أصحابها على نحو الحكاية أو النقل، فهذا ما لم نتوفّر على شياعه في التقريرات بالنحو الذي يُصوّره سماحته، ولو صحّت هذه الدعوى لما بقي حجرٌ على حجر، والحال أنّ الأبنية قائمة وغير مهدّمة.
افترض السيّد العاملي في كتابه وجود شخصٍ غير الشهيد مطهري نسب إليه الكتاب، وأطلق عليه اسم (المؤلّف)، وذكر: أنّنا حتّى لو كنّا نطمئن إلى أنّ هذا (المؤلّف) قد أخذ مطالب الكتاب من الشهيد، إلاّ أنّنا لا نستطيع الجزم بأنّ المكتوب فيه يمثّل رأي الشهيد النهائي بكلّ دقائقه وتفاصيله.
ويُفترض أن يكون المقصود: الرأي النهائي إلى حين طباعة الكتاب لا الرأي النهائي للشخص حول هذه المسألة مطلقاً، وإلا فدلّوني على كتاب يبقى ممثّلاً لرأي صاحبه النهائي؛ فإن كلّ كتاب يمثّل الرأي النهائي لصاحبه حال صدوره، وليس مطلوباً أن يبقى كاشفاً عن رأي المؤلّف النهائي إلى آخر رمق من حياته، وإلاّ لتوجّب إنكار نسبة بعض الكتب إلى شيخ الطائفة الطوسي مثلاً، باعتبار أنّنا نعلم أنّه قد ألّف بعض مؤلّفاته في سن مبكرة، ثمّ ترقّى إلى آراء أخرى في الكتب التي ألّفها لاحقاً، ولكنّنا مع ذلك لا ننفي نسبة الكتاب إليه، بل نقول بأنّ رأيه قد ترقّى من (أ) إلى (ب).
ذكر سماحة السيّد العاملي أنّ لديه نسخة فارسيّة مكوّنة من جزءين بمقدّمتين، وهي عبارة عن الطبعة الجديدة من الملحمة الحسينيّة بعد أن كانت الطبعات القديمة قد طبعت في 3 أجزاء؛ حيث تمّ في الطبعات الجديدة دمج الجزءين الأوّل والثاني في مجلّد واحد، مع الاحتفاظ بالثالث في مجلّد مستقل.
افترض سماحته في بداية كلامه وجود (مؤلّف) [هكذا أسماه] قام بجمع مواد الكتاب، وقدّم 4 نقاط اعتبرها (شواهد من المقدّمة) على عدم نسبة الكتاب إلى الشهيد مطهري:
1 ـ أنّ مؤلّفنا (المفترض) استخرج محاضراتٍ من الأشرطة الصوتيّة.
2 ـ أنّ قسماً من الكتاب مأخوذ من محاضرات صوتيّة لم يطّلع عليها.
3 ـ إنّ بعض مطالب الكتاب هي أنصاف محاضرات ألقاها الشهيد استطراداً.
4 ـ أنّ المؤلّف أتمّ الجمل الناقصة وأصلح منها ما يحتاج إلى إصلاح.
وستتّضح حقيقة الأمر حول مجمل هذه النقاط في ما سنذكره لاحقاً، ولكنّنا نكتفي بالتعليق على الملاحظة الثانية ثمّ الرابعة:
أمّا الملاحظة الثانية فغريبة؛ لأنّ ملاك التشكيك إذا كان عدم اطلاع الناشر على المحاضرات الصوتيّة، فهذا يسري بطريق أولى إلى أسلوب التقرير المعمول به في الحوزات العلميّة؛ فبعض تقريرات السيّد الخوئي (رحمه الله) مثلاً كانت تنزّل من الكاسيت على ما يعرفه بعض المقرّبين، ولكنّنا اليوم نعتمد عليها، مع أنّنا لم نطّلع على الأشرطة الصوتيّة. بل إنّنا نعتمد على تقريرات الشيخ الأنصاري (رحمه الله) التي لم تكن تنزّل من الكاسيت بل تدوّن حين إلقاء الشيخ على أفضل تقدير، أو اعتماداً على ذاكرة التلميذ بعد انتهاء الدرس على تقدير آخر، والحال أنّنا لم نسمع الشيخ الأنصاري وهو يلقي الدرس.
وعلى هذا الأساس، فإنّ ملاك التشكيك هو الاطمئنان إلى دقّة الشخص الذي دوّن ما في الكاسيت أو عدم ذلك، لا الاطلاع على ما في الكاسيت، فلاحظ.
أمّا الملاحظة الرابعة فأغرب، حيث ادّعى السيّد العاملي أنّ (المؤلّف) أتمّ الجمل الناقصة وأصلح منها ما يحتاج إلى إصلاح، وهو ما يدعونا إلى تسجيل الملاحظتين التاليتين:
الأولى: طالما أنّ سماحة السيّد يملك ـ بحسب تصريحه ـ نسخةً من الطبعة الفارسيّة، فلماذا لم يُشر إلى أنّ (المؤلّف) الذي يدّعيه هو (شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري) بدل الإشارة إليه بعنوان (المؤلّف)؛ فإنّه أنفع للبحث العلمي الموضوعي.
الثانية: لم يذكر (المؤلّف) في مقدّمة الطبعة الفارسيّة أنّه قام بإتمام الجمل الناقصة وإصلاح إلى ما يحتاج إلى إصلاح كما ادّعاه السيّد العاملي، بل غاية ما ذكرته (شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري) التي عبّر عنها سماحته بـ(المؤلّف) أنّ بعض عبارات الفصل السابع لم تكن ناضجة، ولكنّ عدم وجود الأشرطة حال دون إمكانيّة الاحتكام إليها، وأكّدت بأنّه متى ما يتمّ العثور على الأشرطة فسيتمّ العمل المجدّد على تنظيم هذا الفصل.
نعم، أضافت (الشورى) بعض الكلمات اللازمة أحياناً، ولكنّها وضعتها بين عضادتين [] دقّةً منها وحرصاً على سلامة العمل.
قام سماحة السيّد العاملي بإضافة بعض الشواهد الأخرى من الكتاب نفسه:
1 ـ في حين يقول المؤلّف (المفترض) إنه لم يتصرف في كلام الشهيد إلا في موارد يسيرة تمم فيها عبارة ناقصة، او أصلح خطأ ما، فانه يصرّح في بعض الموارد في الكتاب بأنه قد لخّص خطبة بأكملها، فهو يقول: (خلاصة خطاب للمؤلف الشهيد بعنوان الحماسة الدينية) .
ونحن إذ نؤكّد على صحّة ما نقله سماحة السيّد من الطبعة العربيّة المترجمة، لكنّنا كنّا نأمل أن يقوم سماحته بمراجعة الطبعة الفارسيّة التي ذكر أنّها بحوزته، وهو ما يُفترض أن يقوم به في مقام استخلاص النتائج طالما أنّ في البين أصلاً فارسيّاً وآخر عربياً؛ إذ من بديهيّات العمل العلمي أن نحتمل تسرّب الخطأ من النص العربي المترجم.
ولعلّ سماحته اكتفى بقراءة مقدّمة الجزء الأوّل من الطبعة الفارسيّة المخصّصة لبيان خصائص الجزء الأوّل المخصّص للمحاضرات، ولم يقرأ مقدّمة الجزء الثاني التي خصّصت لبيان خصائص الجزء الثاني المخصّص للمدوّنات (الملاحظات) ؛ إذ لو كان قد قرأ المقدّمة الثانية لاحتمل نشوء الخلل من الترجمة.
وعلى أيّة حال، فبينما جاءت عبارة المتن العربي: (خلاصة خطاب للمؤلف الشهيد بعنوان الحماسة الحسينيّة)، جاءت العبارة الفارسية على النحو التالي: (خلاصهاى از سخنرانى شب 13 محرم 88 در حسينيه ارشاد [تحت عنوان «حماسه حسينى»]:)، أي: (خلاصة محاضرة ليلة 13 محرّم 88 في حسينيّة الإرشاد [تحت عنوان: الملحمة الحسينيّة])، فعبارة (خلاصة محاضرة ليلة 13 محرّم 88 في حسينيّة الإرشاد) هي من ملاحظات ومدوّنات الشهيد مطهّري، وعبارة (تحت عنوان: الملحمة الحسينيّة) هي من إضافة المؤسّسة الناشرة، وقد وضعتها بين عضادتين حرصاً منها على التمييز بين كلمات الشهيد مطهري والكلمات التي أضافتها هي، وهذا دليل الأمانة والدقّة.
إذاً، فالعبارة التي استدلّ بها السيّد العاملي هي من عبارات الشهيد مطهري على ما تمّ توضيحه في مقدّمة الجزء الثاني من الكتاب، ولم يرد فيها عبارة (للمؤلّف الشهيد)، وهي من وضع المترجم.
وعلى هذا الأساس، لا أساس للقول بأنّ (التلخيص يستبطن درجة عالية من التصرف المباشر، الذي يحتاج الى درجة أعلى من الاستعداد العقلي، من حيث اعتماده على مستوى من الإدراك للمطالب، وعلى القدرة على جمع شتات الأفكار، وتحقيق قدر من التلاحم والانسجام فيما بين متفرقاتها في نطاق الصياغة والأداء) ؛ لأنّ التلخيص هو من الشهيد مطهّري، حيث كان يسجّل هذه الأمور في ملاحظاته، وهو ما تمّ توضيحه من قبل (شورى الإشراف على تراثه الشهيد مطهري) في مقدّمة الجزء الثاني، حيث أوضحت أنّ ملاحظات الجزء الثاني تتكامل مع محاضرات الجزء الأوّل؛ لأنّ بعض الملاحظات تتعرّض لنفس فكرة المحاضرات.
قال سماحة السيّد العاملي (ص: 55): (ثم هو يقول ويصرّح في بعض الموارد بأنه ينقل عن أوراق كانت للشهيد، قال في بعض الهوامش: "سيتم نشر موضوع هذه الأوراق في سلسلة مذكرات الشهيد".
والحقيقة أنّنا لم نفهم ما هو وجه الاستدلال بهذه الفقرة لنفي نسبة الكتاب إلى الشهيد مطهري، وتوضيح الأمر هو أنّ للشهيد مطهّري عدداً كبيراً من الملاحظات والمدوّنات، وتشكّل مدوّناته حول الملحمة الحسينيّة جزءاً منها، وفي المدوّنة الحالية حول تحريفات عاشوراء تحدّث الشهيد مطهّري حول كلمة (التحريف)، وحيث إنّه كان قد تعرّض لبحث التحريف في مدوّناته الأخرى التي لا ترتبط بالملحمة الحسينيّة، قامت مؤسّسة الشهيد مطهّري بالإشارة في الهامش إلى أنّ مجموعة المدوّنات ستطبع لاحقاً، علماً بأنّها قد طبعتها فعلاً تحت عنوان (يادداشتها)، وعلماً بأنّها وضعت الهامش التي ذكرت فيه ذلك بين عضادتين، وذلك حرصاً منها على تمييز كلماتها عن كلمات الشهيد مطهري.
يكمل سماحة السيّد العاملي في حشد الشوهد على عدم صحّة نسبة الكتاب إلى الشهيد مطهّري بقوله: (ويقول أيضاً : عن القسم العاشر من الكتاب : إن هذا القسم عبارة عن "حواش نقدية حول كتاب الشهيد الخالد) .
وقد ورد هذا الكلام في الطبعة الفارسيّة، ولكنّنا لا ندري وجه دلالته على المراد؛ فقد صرّح الناشر في مقدّمة الكتاب أنّه قام بتجميع كل ما يرتبط بالملحمة الحسينيّة من تراث الشهيد مطهّري، وكان من ضمن هذا التراث ملاحظات كتبها الشهيد في هامش كتاب (الشهيد الخالد)، فلمّا أراد إدراجها في الكتاب وضع لها عنواناً، فما وجهُ الاستدلال بذلك؟
يُكمل سماحته قائلاً: (ويقول في بعض الهوامش : "هكذا ورد في النسخة الخطية للأستاذ الشهيد).
وقد وردت العبارة في الطبعة الفارسيّة في الهامش الذي وضعه الناشر، وقد وضع عبارة الهامش بين عضادتين [].
أمّا سبب وضع هذا الهامش من قبل الناشر فلأنّ مدوّنة الشهيد مطهّري مبتورة ومذيّلة بنقاط، فأشار الناشر إلى أنّ العبارة وردت في المخطوط بهذه الهيئة، فهل هذا مدعاة للطعن أم للاعتراف بالدقّة العالية التي اتّبعها الناشر؟!
ثمّ أَليس هذا هو الأسلوب المعمول به في تحقيق كتب التراث؟! فهل يحقّ لنا إذا طالعنا في كتابٍ محقَّق عبارةً لمحقّق الكتاب فيها: (كذا في الأصل)، أو: (كذا وردت العبارة) أن نتّجه إلى التشكيك في دقّة المحقّق أو نفي نسبة الكتاب إلى صاحبه؟!
نعم، نحن نوافق سماحته على إلقاء اللائمة على تصرّف المترجم، ولكن كان متوقّعاً أن يتمّ التحرّي عمّا ورد في الطبعة الفارسيّة قبل الاتجاه إلى اعتبار هذه الموارد معزّزات للتشكيك في نسبة الكتاب إلى الشهيد مطهّري؟!
ومن جملة ما يذكره سماحة السيّد العاملي قوله: (ويقول : " وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل: ملاحظات حول النهضة الحسينية، مزيداً من الأدلة بهذا الإتجاه. أرجو مراجعة الملاحظتين (10 – 11) بهذا الخصوص).
ولكنّ الترجمة غير موفّقة؛ فالترجمة الدقيقة للمتن الفارسي: (في مدوّنات (النهضة الحسينيّة) رقم 10 نقلنا عن مقتل الخوارزمي أنّ الإمام….)، والمتن الفارسي هو نصّ كلام الشهيد مطهّري في مدوّناته، وليس فيه عبارة (هذا الكتاب)، بل هي من المترجم، فلاحظ!
يُكمل سماحته بالقول: (ويقول: "ونحن بدورنا نشير إلى تلك الاستعدادات في أوراقنا، التي سيأتي ذكرها في فصل: ملاحظات حول النهضة الحسينية، تحت الرقم 38".(نفس المصدر ج 3ص286)، فأين كلّ هذه النصوص من تصريح مؤلف الكتاب في جزءيه الأولين بأنهما عبارة عن محاضرات استخرجت من أشرطة التسجيل، وتصريحه في بعض موارد الجزء الثالث: انه قد لخص بعض خطاباته رحمه الله.) (انتهى)
أمّا ما يرتبط بتلخيص خطابات الشهيد مطهّري، فقد تقدّم التعليق عليه، ولكنّ الترجمة الدقيقة لما ورد في الطبعة الفارسيّة: (وسنبيّن هذه المقدّمات في أوراق مدوّنات حول النهضة الحسينيّة، رقم 38)، وهذه العبارة هي للشهيد مطهّري، وهو أمرٌ واضحٌ لمن طالع مقدّمة الجزء الثاني من الطبعة الفارسيّة.
يخلص السيّد العاملي في ختام هذه الملاحظات ـ مسترجعاً ثلاث ملاحظات قمنا بتفنيدها ـ إلى القول: (فإنّ كل ذلك يشير إلى أنّ الأوراق هي لهذا الذي جمع الكتاب، وإلى أنه هو الذي يفصل الفصول، وهو الذي يضع الأرقام للفقرات. ولكن تصريحاته السالفة التي ذكرناها تشير الى أنه ملتزم بدقة النقل عن نسخة الشهيد الخطية!! فكيف نوفق بين الأمرين!؟ … وانظر أيضاً الى قوله: "نشير الى تلك الإستعدادات"؛ فإن سياق الكلام يدل على أن الذي يورد المطلب هو نفسه الذي يقوم بجمع مادة الكتاب ويؤلف بين متفرقاته. ويجعل له فصولاً، وأرقام فقرات. … وأوضح من ذلك قوله في رقم 5 الآنف الذكر: "وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل : ملاحظات حول النهضة الحسينية ، مزيداً من الأدلة". فهذا يدل على أن المؤلف هو الذي يأتي بالأدلة، وهو الذي يوردها في هذا الفصل، أو في ذاك. وهذا المؤلف نفسه ملتزم بدقة النقل عن النسخة الخطية!! وهو نفسه يلخص هذا الخطاب، أو ذاك!! فتبارك الله أحسن الخالقين!!) .
وقد تقدّمت مناقشاتنا حول هذه الموارد مورداً بعد آخر، ولكنّنا لا نملك ـ في مقام استخلاص النتائج ـ سوى تسجيل تعجّبنا، وهذا يزيد من تعزيز ما احتملناه سابقاً من أنّ سماحته قد قرأ مقدّمة الجزء الأوّل بطبعته الفارسيّة دون مقدّمة الجزء الثاني، والتي ذكر فيها الناشر ـ بنحو لا يبقى معه لبس ـ بأنّ ما ورد في الجزء الثاني عبارة عن مدوّنات الشهيد مطهّري، ولذلك هناك عبارة واضحة جدّاً على غلاف الجزء الأوّل من الطبعة الفارسيّة: (سخنرانيها = المحاضرات)، وعلى غلاف الجزء الثاني: (يادداشتها = المدوّنات = الملاحظات).
وعلى هذا الأساس لا يبقى مكانٌ لهذه الملاحظات؛ لأنّ الناشر ميّز بوضوح بين محاضرات الشهيد مطهّري وبين مدوّناته.
وعلى هذا الأساس كذلك، إذا كان سماحته قد حار في التوفيق بين التصرّف في الكتاب تارةً (وهو ما افترضه افتراضاً)، وبين الدقّة الملحوظة تارةً أخرى، الأمر الذي ألجأه إلى الاستشهاد بقوله قوله تعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين)، فلا شكّ بأنّ هذه الحيرة كانت سترتفع من خلال مطالعة مقدّمة الجزء الثاني.
أمّا مجموع الملاحظات التي أوردها السيّد العاملي، والتي ترجع في محصّلها إلى اضطراب الكتاب، ومراوحته بين التطويل والاختصار، وبين التفصيل والإجمال… فلا تنسحب على أصل نسبة الأفكار إلى صاحبها؛ لأنّ هذا مقتضى جمع الكتاب من المحاضرات والمدوّنات، ثمّ إنّ من ألقى نظرة عابرة على مختلف آثار الشهيد مطهّري يدرك جيّداً أنّها تحمل الطابع الموجود في (الملحمة الحسينيّة)، وليس هذا الكتاب ببدع عنها.
لا بأس بأن نتعرّض في نهاية هذا المقال إلى ما ذكره السيّد العاملي من أنّ اختصار بعض الأفكار تارةً وعدم إشباعها بالبحث تارةً أخرى يمنعاننا من نسبة الكتاب إلى الشهيد الذي ـ وبحسب تعبير سماحته ـ لا يرضى بنسبة الكتاب إليه.
وهذا الكلام صحيحٌ من جهة واحدة، وهي أنّنا نطمئنّ إلى أنّ الشهيد مطهّري لو كان حيّاً لما نشر الكتاب على الحال التي هي عليه؛ لأنّ في الكتاب ـ خاصّة في قسم المدوّنات ـ الكثير من المدوّنات التي هي عبارة عن رؤوس أقلام أراد بحثها والتوسّع فيها، فكان من الطبيعي أن يزداد حجم الكتاب على نحو ما حدث في كتاب (العدل الإلهي) الذي أضاف إليه الشيخ الشهيد مقدار الخُمس عندما أخرجه من صورة المحاضرة إلى صورة الكتاب المدوَّن…
هذا كلّه صحيح، لكن ما هو العمل اليوم ونحن نقف أمام هذا التراث المتناثر الذي وصلنا من الشهيد مطهّري، هل نضعه جانباً بكلّ بساطة؟ وهل كنّا لنفعل الشيء نفسه مع محاضرة وصلتنا مثلاً عن الشيخ المفيد أو الطوسي أو ..؟! أم أنّ تناول محاضرات الشهيد مطهّري لموضوع التحريف جعل لها خصوصيّة تدفعنا إلى إغماض النظر عنها؟! وكيف نبرّر نشرنا لتراث كبار علمائنا الذي لم يعدّه أصحابه للنشر؟!
أم أنّ الصحيح هو أن ننشرها مع التأكيد على حالها وخصائصها وأنّها لم تُلقَ بهدف النشر؟! خاصّةً إذا لم تكن ملاحظات ومدوّنات بدائيّة وممسوخة للغاية؛ فإنّ (الملحمة الحسينيّة) ليست عبارة عن كلمات مبعثرة عاجزة عن إيصال فكرة ما كما هو واضح لمن يقرؤها!
أعتقد أنّ الخيار الثاني هو الصحيح، وهو المتعارف والمتداول، بل هو الذي يحكم به ارتكاز سماحة السيّد، وإلاّ فكيف يبرّر سماحته الإحالة إلى مقالاتٍ للشهيد مطهّري نشرت في الصحف الإيرانيّة بعد رحيله؟!
كالمورد الذي نقله في مطلع فصل (الجهاد في الإسلام)، وهو الفصل الثالث من الجزء الخامس من (الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص)) في طبعته الحديثة نقلاً عمّا نشرته صحيفة: (جمهوري إسلامي) الفارسية بتاريخ10 جمادى الثانية سنة1400 رقم261، وهو بدوره عبارة عن مطلب ورد في الكتاب الذي نشر لاحقاً تحت عنوان (نظرى به نظام اقتصادى اسلام) ، وهو عبارة عن مدوّنات للشهيد مطهّري على غرار مدوّنات الملحمة الحسينيّة في جزئها الثاني، واللطيف أنّه نفسه الكتاب الذي أمر الإمام الخميني بسحبه من الأسواق في الحادثة التي تمسّك بها السيّد العاملي لنفي صحّة نسبة ما لم يراجعه الشهيد مطهّري إليه.
وإذا دلّ هذا على شيء، فهو يدلّ على أنّ الوجدان لا يأبى من نسبة شيء إلى صاحبه إذا صدر عنه ولو لم يراجعه، غاية الأمر أنّ الواجب يحتّم عليه الإشارة إلى حيثيّات صدور النص، كأنْ يذكر أنّ هذه الفكرة ذكرها في محاضرة لم يراجعها مثلاً، وهو ما حدث مع الطبعة الفارسيّة من الملحمة الحسينية.
نعم، نحن نتّفق مع سماحته في الإشكال على الترجمة العربيّة التي أغفلت ذكر خصائص الكتاب وتلفيقه بين المحاضرات والمدوّنات بالشرح المشروح في مقدّمة الطبعة الفارسيّة.
1 ـ نشرت مؤسّسة حفظ ونشر آثار الشهيد مطهّري كلّ ما أثر عن الشهيد مطهّري حول الملحمة الحسينيّة، وقد ذكرت في مقدّمة الجزء الأوّل المخصّص للمحاضرات والثاني المخصّص للمدوّنات خصائص كلّ جزء.
2 ـ احتملنا ـ بعد تتبّع الكثير من الإشكالات ثمّ تفنيدها ـ أنّ سماحة السيّد العاملي لم يطالع مقدّمة الجزء الثاني من الطبعة الفارسيّة، وإلاّ لارتفعت أكثر إشكالاته تلقائيّاً.
3 ـ لم يعمد سماحة السيّد العاملي إلى مقابلة الأخطاء التي وجدها في الطبعة العربيّة بالطبعة الفارسيّة التي صرّح بأنّها بين يديه، وهذا ما أدّى به إلى استنتاج أمور غير صحيحة.
4 ـ افترض سماحته وجود مؤلّف وراء جمع المحاضرات وتلخيصها وتصحيحها وإضافة ما يقوّمها، وعاب على المترجم إغفاله الخصائص الواردة في الطبعة الفارسيّة، في حين عبّر دائماً عن المؤلّف (المفترض) بـ(المؤلّف)، ولم نجده أشار إلى أنّ هذا المؤلّف ليس إلاّ (شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهّري) المولجة بهذه المهمّة من قبل الدولة الإيرانيّة وورثة الشهيد مطهّري، والتي لا يشكّ أحدٌ ـ من خلال تصفّح الكتاب ـ في أنّها اعتمدت الدقّة والتأنّي، وحرصت على تمييز كلّ ما تضيفه هي بين عضادتين، تمييزاً له عن كلمات الشهيد مطهّري.
5 ـ أمّا أصل إشكال سماحته بأنّ الكتاب لم ينشر في حياة الشهيد ولم يراجعه، وبالتالي فهو لا يعبّر عن رأيه النهائي، فقد ناقشنا فيه، وخلصنا إلى أنّ بناءه على هذا الإشكال لا يُبقي في التراث حجراً على حجر، علماً بأنّ أكثر آثار الشهيد مطهّري عبارة عن محاضرات نشرت بعد رحيله ودون مراجعته!
ثمّ لم نفهم كيف أحال هو إلى مقالاتٍ للشهيد مطهّري نشرت في الصحف الإيرانيّة بعد رحيل الأخير؟!
لكي تتّضح الصورة بشكل كامل للقارئ الكريم، سنورد ملخّصاً لما جاء في مقدّمة الجزء الأوّل ثمّ الثاني من الطبعة الفارسيّة؛ فقد أشارت مؤسسة حفظ ونشر آثار الشهيد مطهري في مقدمة الطبعة الثلاثين إلى أنّ الكتاب كان قد طبع في 3 أجزاء من حجم (الرقعة)، جزءان منها اشتملا على محاضرات الشهيد مطهري، بينما اشتمل الجزء الثالث على الملاحظات (المدوّنات)، ولما كانت الأجزاء الثلاثة غير متناسبة من ناحية الإخراج الفني، فقد عمدت المؤسسة إلى إعادة إخراجها في جزءين ضمن إخراج فنّي واحد ومتناسق.
وقد أشير في المقدمة إلى أنّ الكتاب قد خضع لتحسينات عديدة في طبعته الثلاثين، من قبيل تشكيل الكلمات في الموارد اللازمة (الحركات الإعرابيّة)، وإضافة العناوين والفهارس التفصيليّة، والمهم هو ما ورد في المقدّمة من أنّه أعيد العمل على فصل (التحريفات في واقعة كربلاء التاريخيّة)، حيث أعيد تنزيلها من شريط الكاسيت والمبالغة في التدقيق فيها.
ج1 المحاضرات:
الفصل الأوّل: تحت عنوان (الملحمة الحسينية)، وهو مجموعة محاضرات الشهيد مطهري التي ألقاها تحت هذا العنوان حوالي سنة 1347هـ.ش في حسينية الإرشاد، وعلى أساساها تمّت تسمية الكتاب.
الفصل الثاني: (التحريفات في واقعة كربلاء التاريخية)، وهو مجموعة المحاضرات التي ألقاها الشهيد في محرم 1389هـ.ق في حسينية الإرشاد
الفصل الثالث: (ماهيّة الثورة الحسينيّة)، وهو توضيح ذلك أنّ الشهيد مطهّري ألقى سنة 1356هـ.ش محاضرات في معهد التوحيد في طهران تحت عنوان (مسألة المعرفة)، وحيث تقارن ذلك مع عشرة محرّم الأولى، فقد خصّص ثلاث جلسات في ليلتي التاسع والعاشر، وبمقدار نصف الجلسة للحديث عن حادثة كربلاء، فتشكّل هذا الفصل من ثلاثة أنصاف جلسات.
الفصل الرابع: (تحليل واقعة عاشوراء)، وهو عبارة عن محاضرة ألقاها الشهيد مطهري سنة 1356هـ.ش ضمن جلسة من الجلسات الأسبوعيّة التي كانت تعقد في أحد المنازل، والتي كانت تعرف بـ(جلسة اليزديّين)، أي أهالي يزد.
الفصل الخامس: (شعارات عاشوراء)، وهو مؤلّف من محاضرة ألقاها الشهيد مطهري يوم العاشر من محرّم حدود سنة 1352ش في مسجد (نارمك) في طهران.
الفصل السادس: وهو مؤلّف من سبع محاضرات ألقاها الشهيد تحت عنوان (عنصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النهضة الحسينيّة) في محرّم سنة 1390هـ.ق في حسينيّة الإرشاد.
الفصل السابع: وهو مؤلّف من سبع محاضرات ألقاها الشهيد تحت عنوان (عنصر التبليغ في النهضة الحسينيّة) في محرّم من عام 1350هـ.ش في مسجد (جاويد) في طهران.
وأشارت المقدّمة إلى أنّ محاضرات الفصل السابع مفقودة وغير موجودة بين أيدينا، فكان الاعتماد على المتن المنزّل من الكاسيت في ذلك الوقت، وفي بعض الموارد المعدودة كان هناك شيءٌ من النقص، ولكن الكاسيتات مفقودة، ولا شكّ في أنّه سيعاد العمل على هذا الفصل متى تمّ العثور على المحاضرات الصوتيّة.
وأخيراً، فقد اعتبرت المقدّمة أنّ كتاب (الملحمة الحسينيّة) من أفضل آثار الشهيد مطهري الذي يشتمل على قوّة التحليل.
شورى الإشراف على آثار الأستاذ الشهيد مطهري
ج2 المدوّنات، مقدّمة الطبعة 25:
يحتوي هذا المجلّد على المطالب التي كان الشهيد قد دوّنها بهدف مراجعتها لاحقاً أو بهدف التهيّؤ للمحاضرة. وتتفاوت هذه المطالب من حيث الإجمال والتفصيل، فبعضها على شكل مقالة وبعضها الآخر لم يزد على عدّة أسطر، وفي بعض الحالات النادرة تمّ التعرّض للمطلب على نحو الإشارة.
يشتمل هذا المجلّد على ثمانية فصول، يتناول بعضها نفس موضوع المحاضرات، والقسمان يكمّلان بعضهما البعض.
يُشار إلى أنّ عنوان (الجذور التاريخيّة لحادثة كربلاء) من وضع شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهري.
شورى الإشراف على آثار الأستاذ الشهيد مطهري
تبيّن لنا في ثنايا بعض الملاحظات أنّ إشكالات سماحة السيّد العاملي ترتفع بمراجعة الطبعة الفارسيّة لكتاب (الملحمة الحسينيّة)، وقد سلّمنا في ثنايا البحث بعدم دقّة الترجمة العربيّة في بعض الموارد، علماً بأنّنا عندما بدأنا بكتابة البحث كان بين أيدينا الطبعة الفارسيّة ذات المجلّدين، وهي الطبعة الجديدة، بينما اعتمد مترجم الطبعة العربيّة على النسخة الفارسيّة القديمة ذات المجلّدات الثلاثة.
ومن الموارد المهمّة الواردة والمتداولة في كتاب (الملحمة الحسينيّة) ما ورد في الترجمة العربية من أنّ بيت الشعر القائل:
نذر عليّ لئن عادوا وإن رجعوا * لأزرعنّ طريق الطفّ ريحاناً
قد نظم على لسان مجنون ليلى، وأنّ أصل البيت كان (طريق التفت) ثمّ حرّفت (التفت) إلى (الطف) ونسب البيت إلى أم علي الأكبر.
وعلى هذا الأساس عقد سماحة السيّد العاملي الفصل السادس وقام بتخصيصه للحديث عن هذا البيت.
وكم تعجّبت عندما رجعت إلى الطبعة الفارسيّة ذات المجلّدين فلم أجد أثراً لحديث الشهيد مطهّري عن (التفت)، بل كلّ ما قاله أنّه عندما سمع هذا البيت من قارئ التعزية قام بالمراجعة ووجد أنّ المراد من الطفّ في هذا البيت هو المكان الذي كانت تسكن فيه ليلى معشوقة مجنون ليلى، وأنّ بيت الشعر هذا قاله فيها، فنسبه الخطيب إلى ليلى أم علي الأكبر.
فاحتملتُ أن يكون هناك فرقٌ بين الطبعة الفارسيّة ذات الأجزاء الثلاثة وبين الطبعة الجديدة، فراجعنا الطبعة القديمة، فوجدنا أنّ كلمة (التفت) موجودة، ولكن لم يرد فيها ما ورد في الترجمة العربية من أنّ كلمة (التفت) حرّفت إلى (الطف)، بل نفس ما ورد في الطبعة الفارسيّة الجديدة مع تغيير (الطف) إلى (التفت)، أي إنّ (التفت) مكان سكن ليلى معشوقة مجنون ليلى.
هنا لم يعد لنا سوى الرجوع إلى المحاضرات الصوتيّة للشهيد مطهّري، وتحديداً المحاضرة ذات الرمز (194) عند الدقيقة (43) والثانية (40)، حيث وجدنا أنّ الطبعة الفارسيّة الجديدة أكثر دقّة من الطبعة القديمة، وأنّ التصرّف فيها ـ على صعيد هذا المطلب الذي راجعناه على الأقلّ ـ لم يَزِد عن حذف كلمة تكراريّة تقتضيها الخطابة بخلاف النصّ المكتوب (وهو أمرٌ طبيعي جدّاً)، وهنا تأكّدنا من صحّة ما ورد في الطبعة الفارسيّة الجديدة، وأنّ عبارة تحريف (التفت) إلى (الطف) ليست موجودة على الإطلاق، ولهذا إذا رجعنا إلى الترجمة العربية الجديدة للكتاب والتي صدرت مؤخّراً بترجمة لجنة من المترجمين (معلومات شخصيّة) وبتحقيق ومراجعة الشيخ عبد الكريم الزهيري نجد أنْ لا حديث عن تحريف (التفت) إلى (الطف)، وإنّما تحريف (طف بني عامر) إلى (طفّ كربلاء)!
الأمر بسيط، فبعد أن أعدنا الاستماع إلى كلام الشهيد مطهري بصوته، التفتنا إلى أنّ منشأ الخطأ في الطبعة الفارسيّة القديمة هو أنّ (طف) تلفظ في اللغة الفارسيّة (تف)، حيث تخفّف الطاء إلى التاء، كما في (طهران) التي تخفّف إلى (تهران)، ولا يلفظ الإيرانيّون الطاء كما نلفظها نحن. لكن من أين جاءت التاء في آخر الكلمة؟!
الأمر كذلك يرجع إلى كيفيّة التلفّظ في اللغة الفارسيّة إلى جانب عدم نقاوة الشريط الصوتي مائة في المائة، حيث بنى الشخص الذي قام بتدوين الأشرطة على أنّ الشهيد تلفّظ بتاء مسكّنة، ويبدو أنّ هذه الطبعة لم تُعنَ بالتدقيق الكافي، فلم يلتفت أحد إلى هذا الإشكال.
قد يقال هنا: إنّ هذا مجرّد احتمال لا يحدث عادةً، ولكنّي سأذكر قصّة مشابهة حدثت معي شخصيّاً في ما يتعلّق بتراث الشهيد الصدر.
راجعوا كافّة طبعات كتاب (المدرسة القرآنيّة) للشهيد الصدر، التي لقيت التحقيق والتدقيق من قبل طلاّبه الموثوقين والمدقّقين، ماذا يقول في المحاضرة الأولى؟
إنّه يقول ـ بحسب أفضل طبعة صادرة عن أدقّ جهة تحقيقيّة تُعنى بتراث الشهيد الصدر ـ : إنّ التفسير التجزيئي يستهدف (فهممدلولالله)، فتساءلتُ: وهل لله تعالى مدلول لكي يستهدف التفسير التجزيئي فهمه؟!
رجعت إلى الطبعة المحقّق من قبل تلميذه الشيخ محمّد جعفر شمس الدين فوجدت الأمر نفسه، فرجعت إلى طبعة الشيخ جلال الدين علي الصغير المحقّقة، فوجدتُ الأمر نفسه أيضاً، مع إضافته كلمة (كلمة) قبل كلمة (الله)، فجاءت عبارته: (يستهدف فهم مدلول كلمة الله مثلاً)، فرجعت إلى الوراء أكثر إلى طبعات دار التعارف الأولى، ومنها طبعة طبعت في حياة الشهيد الصدر (حيث جاء التعبير فيها بـ(دام ظلّه)، وإن كان لم يراجعها؛ باعتباره في الحجز)، فكان الأمر نفسه، وهو ما وجدته في طبعات دار التعارف اللاحقة التي طبعت بالأوفسيت على ما يبدو.
فلم يكن أمامي سوى الرجوع إلى الأشرطة الصوتيّة، حيث يقول الشهيد الصدر: (يستهدف فهم مدلول اللفظ)، وهذا يبرّر تعبيره لاحقاً بـ(المدلول اللفظي)، وهو ما يناسب البحث، ولكن باعتبار أنّ الشهيد الصدر شدّد على اللامات وسكّن الظاء ولم يظهرها كثيراً، حَسِبَ كلُّ من طبع الكتاب أنّه قال (الله). فقمت بتنبيه الهيئة العلميّة في مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر إلى هذا الخطأ فقاموا بإصلاحه ابتداءً من طبعتهم الثالثة. وبعد فترة وقعت بين يديّ الطبعة الأولى لدار التوجيه الإسلامي ـ الكويت، والتي طبعت في حياة الشهيد الصدر تحت عنوان : (مقدّمات في التفسير الموضوعي للقرآن)، حيث جاء فيها التعبير الصحيح: (مدلول اللفظ).
وكلّ من ولج عالم تحقيق التراث يدرك جيّداً أنّ هذه الأخطاء تحدث، ولكنّ حدوثها لا يعني عدم صحّة نسبة الفكرة أو المتن إلى صاحبه؛ فكلّ شيء يقدّر بقدره.
هذا والحمد لله رب العالمين