أحدث المقالات

دراسة استدلالية تحليلية من زاوية فقهية

د. الشيخ عبد الله أميدي فرد(*)

ترجمة: أسعد الكعبي

(a)      تمهيد

من الأبحاث المتداولة في الأنظمة الحقوقية قضية الحقوق المعنوية والفكرية. ونادراً ما نجد بلداً لا يُذعن لهذه الحقوق. فالحق المعنوي مُبتنٍ على أساس العمل والنشاط الفكري. وفي العصر الحديث نجد مثقّفين لا يقومون بنشاطٍ جسديّ، و‌إنّما ينحصر عملهم بمزاولة النشاط الفكري، كالتصميم والابتكار والإبداع الذهني.

وفق الحسابات المالية نلاحظ أحياناً أنّ القيمة المالية لساعة عملٍ ذهنيٍّ لعالم أو مُفكِّر، او استشارته في قضيةٍ ما، تعادل القمية المالية لعمل يومٍ أو أكثر من قبل عامل ماهر في مجال النشاط الجسدي.

هكذا نشاطات أطلقوا عليها اسم الحقوق المعنوية أو الفكرية، والتي تشمل: حق التأليف، حق النسخ، حقّ الطبع، حق العمل الفكري (الذهني)، حق براءة الاختراع، حق الاكتشاف، حق الإبداع، حق تسجيل علامة أو عنوان (تجاري، صناعي، إلكتروني، وما شابه ذلك).

(b)     حراجة الموضوع وأهميّته

إنّ مبدع النتاج الفكري، بغضّ النظر عن كونه شخصية حقيقة أو اعتبارية، يقوم بإبداع نتاجه عن طريق تخصيص وقته ومهارته ورؤوس أمواله. وإذا لم ينَلْ نصيباً من العائد الاقتصادي لذلك النتاج، وفي نفس الوقت إذا لم يُقدِم المُقنّن على سنّ قوانين تمكِّنه من التمتّع بتلك العائدات ـ على النحو الذي لا يمكن لأيّ شخصٍ آخر أن يقوم بإنتاج وتوزيع النتاجات المذكورة بقيمة أقل ـ، فبالتأكيد سوف يتعرّض هذا الإنتاج الإبداعي لخللٍ ملحوظ، ويترتّب عليه بالتالي انحسار وشحّ النتاجات الثقافية والعلمية.

إنّ الأمر الذي وضعته التقنية الحديثة في خدمة ترويج الثقافة والنتاجات الأدبية والفنية، والذي أصبح في حدّ ذاته سبباً لتطوّر وترويج التقنية ذاتها، هو الحافز الاقتصادي لدور النشر من خلال نشر النتاجات الأدبية.

لذلك فإنّ العامل المالي والاقتصادي سيكون سبباً لنمو وازدهار الثقافة، وسبيلاً لنضوج ورقيّ المجتمع.

من الطبيعي أنّ الاستثمار في هذا المجال يكون في بداياته عرضةً للمخاطرة والمجازفة؛ لأنّه بحاجة إلى تسويقٍ كافٍ، وعلى مستوىً واسعٍ. وحتّى الآن فإنّ استجابة السوق لهكذا نتاجات لم تُختبر بشكل عمليّ. وغالباً ما تتعرّض العملية الإنتاجية لعوائق تؤدّي إلى توقّفها، بينما إذا تمّ إنتاج وعرض محصولٍ ما فإننا نجد أنّه بالإمكان توفّر سوقٍ استهلاكيّ له، وعلى مستوىً واسع، ويكون مشجّعاً للطلب بشكلٍ كبير.

وفي الواقع فإنّ كل شخصٍ ـ عدا المستثمر المبتكر والمخاطر في المرحلة الأولى ـ سيكون راغباً في أن يستغلّ الفرصة المتاحة له. وعن طريق إنتاج ونسخ النتاجات الحاصلة سوف يمكنه الحصول على نصيب من الفوائد الاقتصادية للمحصول الجديد.

هذا الأمر سيكون سبباً لعدم الإقدام على الاستثمارات الأوّلية المحفوفة بالخطر. وحينها سيواجه إنتاج وتوزيع النتاجات الأدبية والفنية والعلمية خللاً وأزمةً حادّةً. ولهذا السبب لا بدّ للمجتمع أن يخصّص حقّاً ثابتاً لمبدعي النتاجات المذكورة، وأن يجيز ملاحقة مغتصبيها.

في البلدان التي لا يتوفّر فيها هكذا حقّ وحماية، أو لا يمكن تنفيذه بشكلٍ فعّالٍ، نجد أنّ سرقة الأملاك المعنوية بأشكالها المختلفة ـ كنسخ الكتب، وبرامج الحاسوب، بدون إذن أصحابها، أو تسجيل ونسخ الألحان المنطوية تحت حق الملكية المعنوية ـ أمرٌ معهودٌ وسائدٌ.

إنّ عملية التزوير، التي كانت يوماً ما مختصّة بالنتاجات المرغوبة والمشهورة، أضحت اليوم أوسع نطاقاً، لتشمل شتّى أنواع النتاجات، كالمستحضرات الطبية، والمحاصيل الزراعية، وقطع غيار الطائرات. واستمرار هذه الفعّالية على هذا المنوال سيؤدّي إلى اضمحلال روح الإبداع والاجتهاد. وكذلك سيكون سبباً للالتباس في معرفة المبدعين بحقٍّ، والسارقين المحترفين.

(c)      تشريح المصطلحات

1ـ المعنى اللغوي لكلمة حقّ: وردت معانٍ عديدةٌ لهذه الكلمة في اللغة، ومن جملتها: ثبوت الأمر وصدقه، الوفاء بالعهد، الوفاء بالوعد، التصديق، التيقّن، الصواب، العدل، الوجوب، غلبة الشيء، وغير ذلك.

ولكن المعنى المراد في هذه المقالة هو: الربح المعيّن، السهم، الشيء الذي يتضمّن الفائدة والمصلحة الخاصّة للفرد.

وأما الاصطلاح الفقهي (المعنى الاصطلاحي للكلمة) فهو أن الحقّ نوعٌ من التسلّط على شيء تابع للعين، كحقّ التحجير، وحق الرهانة، وما إلى ذلك.

2ـ الحقّ المعنوي: طبقاً لتعريف الأستاذ لنكرودي فإنّ الحقّ المعنوي عبارة عن استحقاقٍ غير مادّي، وقانون خارج عن نطاق ملكية العين ومنافعها وملكية ما في الذمّة، مثل: حقّ صاحب شهادة البكالوريوس، براءة الاختراع، حقّ المؤلِّف، حقّ العمل والنشاط الفكري، حقّ الإنسان في لقبه العائلي، أو عنوانه التجاري.

العرف السائد في زماننا هذا بالنسبة للمؤلَّفات هو أنّ الحقّ يستدعي وجوب ذكر المصادر المقتبَس منها. فعدم ذكر تلك المصادر يعتبر خرقاً لهذا العرف، وانتهاكاً لحقوق المؤلِّفين، حيث إنّ المؤلِّفين اعتادوا على ذكر المصادر في كتاباتهم([1]).

وحسب رأي الأستاذ كاتوزيان فإنّ الحقّ المعنوي يشمل الحقوق التي بموجبها يكون مقدوراً لصاحبها استثمار منافعها، واستثمار حاصل عمله الفكري بشكلٍ مقصورٍ عليه([2]).

3ـ حقّ العمل الفكري (الذهني): وهو عبارة عن حقّ الانتفاع من الإبداع والإنجاز الفكري، وبشكل مقصور على صاحبه، في الآداب والعلوم والفنون، سواءٌ أكان بشكل شفاهي أم مدوّن، أم بشكل غرافيكي (صورة أو تصميم أو مُخطّط) أم بشكل مجسّم، وغير ذلك. وأيضاً كل شيء يتمّ إعداده بطريقة علمية، بشرط أن يكون علامة على الماهيّة الفكرية للمنتج([3]).

طبقاً لهذه التعريفات فإنّ كل ما يكون ناتجاً عن الفكر والتصميم، وباعتبار ماهيّة الشخص أو الشركة العائدة له، يكون واحداً من مصاديق الحقّ المعنوي وحقّ العمل الفكري.

(d)     أقسام الملكية المعنوية

يمكن تقسيم الملكية المعنوية إلى قسمين مختلفين:

1ـ الملكية الأدبية والفنية: هذا النوع من الملكية المعنوية يشمل ملكية النتاجات الأدبية، والنتاجات المسموعة والمرئية، مثل: نتاجات التصوير الفوتوغرافي، والسينمائي، وأمثالها. لذلك فإنّ حقّ التأليف يعتبر مصداقاً للملكية المعنوية، ويتعلّق بمبتكري النتاجات الأدبية والفنية.

وبغضّ النظر عن أية شروط أو عقد متّفق عليه فإنّ هذا الحقّ يوجب استحقاقاتٍ لمبدع ذلك النتاج، ويتوجّب على جميع أعضاء المجتمع مراعاته.

2ـ الملكية الصناعية: هي نوع من الملكية المعنوية، والتي تشمل: براءات الاختراع، الأسماء والعلامات التجارية، أنواع الخدمات، التصاميم والنماذج الصناعية، العنوان التجاري الخاص بالبضاعة، وكذلك تشمل المنع عن المنافسة غير القانونية.

ونظراً لأهمية عنوان «الاسم» أو«العلامة» التجارية، والذي أصبح ذا أهمية كبيرة في القوانين الدولية، ومصداقاً بارزاً ومتداولاً في الحقوق المعنوية، فمن المناسب أن نذكر تعريفاً خاصّاً به. فالاسم أو العنوان التجاري هو اصطلاح يستخدم في الموارد التالية:

أـ الشعار التجاري للبضاعة. وهو الذي يحدّد اسم وعنوان البضاعة، ويميّزها عن سائر البضائع المماثلة لها. فهذه الميزة والشهرة التجارية للبضاعة وإنْ كانت تدلّ على جودة وخصائص البضاعة، إلاّ أنّ المستهلكين عندما يسمعون بهذا الاسم أو العنوان يأخذون بنظر الاعتبار تلك البضاعة وخصائصها ومدى جودتها. وهذا الأمر هو الدافع من وراء إقدام المستهلكين على شراء تلك البضاعة([4]).

وفي عصرنا هذا يطلق على هذا العنوان اسم «العلامة التجارية»([5]).

ب ـ الاسم التجاري للمحل التجاري أو الشركة أو المعمل، بحيث إنّه نال شهرته بهذا الاسم بمرور الوقت، بالشكل الذي تكون الشهرة وذياع الصيت بهذا الاسم والعنوان التجاري، وليس تحت اسم أو عنوان آخر. فهذا الاسم التجاري أحياناً يكون مقتبساً من اسم أو لقب أو سمعة التاجر، فهو اسم وضعي (منتخب). هذا الاسم أو العنوان يطلق عليه اليوم اصطلاح «السمعة التجارية»، أو «الشهرة التجارية».

ج ـ اسم وعنوان محل التجارة يستخدم حصرياً لمعرفة محل استقرار ومبنى الشركة أو المعمل، أو لمعرفة محل الاكتساب والعمل، وليس ناشئاً من سعي وجهد راعيه لعرض بضاعةٍ مرغوبة، وبجودة عالية، أو لتقديم امتيازات أكثر وأفضل. فحاله حال الأغلبية العظمى من أسماء المحالّ التجارية ومحالّ الاكتساب (اللافتات)، حيث إنّ الغرض منها معرفة محل وجود المتجر. وهذه العناوين يعبّر عنها بـ «محل الكسب والتجارة»، أو «المتجر».

نبدأ البحث في الموضوع بذكر أربعة أسئلة يجب أن يجاب عنها بشكل استدلالي:

1ـ هل أنّ الاسم، العلامة، الاختراع، التأليف، الترجمة، التصميم، وغيرها من الموارد الأخرى المماثلة، توجب الحقّ الشرعي؟

2ـ هل تندرج هذه الحقوق ضمن نطاق ملكية الإنسان، لتكون مشمولة بأحكام الملكية؟

3ـ هل تكون هكذا حقوق شرعية ـ في حال ثبوتها ـ سبباً للانتفاع من القيمة أو الفائدة المالية؟

4ـ هل يعتبر انتقال وشراء وبيع هكذا حقوق جائزاً؟

وللإجابة عن السؤال الأوّل لا بدّ لنا من التعرّض للمعنى الاصطلاحي للحقّ وماهيّته حسب رأي الفقهاء.

(e)      الحق بمعناه الاصطلاحي

(f)       أ ـ في القرآن

وردت كلمة الحقّ ومشتقّاتها في القرآن الكريم أكثر من مئتين وثمانين مرّة، وبمعانٍ مختلفة. وتارةً وردت هذه الكلمة بهيئة فعل؛ وتارةً أخرى بهيئة اسم([6]).

إن بعض تلك المعاني التي دلّت عليها هذه الكلمة عبارة عن: ثبوت، استحقاق، ارتكاب، إثبات، استقرار، اسم وصفة لله عزّ وجلّ، زكاة، الأمر الواجب، الدين، القرآن، طلب، صواب وصدق، الحقّ المحض، وغير ذلك.

(g)      ب ـ في علم الحقوق

تقسم الحقوق بشكل عام إلى قسمين: 1ـ الحقوق السياسية؛ 2ـ الحقوق المدنية.

والحقوق السياسية هي عبارة عن الحقوق التي تبيّن العلاقة بين الناس والحكومات وسائر المؤسّسات المختلفة، مثل: حق الانتخابات، وحق النيابة (في المجالس والمؤسسات المختلفة).

أمّا الحقوق المدنية، والتي غايتها تأمين المصلحة الشخصية للمواطنين، فإنها تقسم إلى قسمين: 1ـ حقوق مدنية خاصّة؛ 2ـ حقوق مدنية عامّة.

والحقوق المدنية الخاصّة تقسم بدورها أيضاً إلى قسمين:

أولاً: حقوق الأسرة: حيث تشمل الأحوال الشخصية، مثل: حقّ الحضانة، والطلاق، وما شاكلها من حقوق.

ثانياً: الحقوق المادّية (المالية): وهذه الحقوق ذات قيمة مادية ومالية. ولها ثلاثة أقسام: 1ـ عينيّة؛ 2ـ شخصيّة؛ 3ـ معنويّة.

فالحقوق العينيّة يحقّ للإنسان بموجبها أن يتسلّط على شيء معيّن، وينتفع منه، ويستثمره بدون واسطة، مثل: حق الملكية.

والحقوق الشخصية عبارة عن آصرة حقوقية موجودة بين شخصين أو أكثر، مثل: العلاقة بين الدائن والمـدين.

والحقوق المعنوية هي الحقوق التي تجيز لصاحبها أن ينتفع من المنافع والنتاج الحاصل من جرّاء عمله وفكره، وبشكلٍ مقصورٍ عليه([7]).

أمّا الحقوق الفكرية (الذهنية) فهي تشمل مثل حق المؤلِّف، حيث يصطلح عليها بملكية الحقوق الأدبية والفنية. وكذلك تشمل الحقوق المتعلّقة بأطروحات ورسائل الماجستير، والتي تُعرف بملكية حقوق الأطروحات أو الرسائل. وأيضاً تشمل حقوق المخترع (براءة الاختراع)، والتي يطلق عليها اصطلاح حق الملكية الصناعية. وتشمل الإثباتات والوثائق والمستندات المتعلّقة بذلك.

فالعنوان الشامل لكافّة أنواع هذه الحقوق هو نفسه مفهوم الحقّ الذهني([8]).

(h)     ج ـ من وجهة نظر الفقهاء

استخدمت كلمة الحق بشكل واسع في روايات أهل البيت^، وكلمات الفقهاء. ولكن في هذه المقالة سوف نبحث في المعنى الحقوقي لكلمة الحق.

الحقُّ باعتقاد فقهاء الإمامية ذو معانٍ متعدّدة. ونشير هنا إلى بعض منها:

1ـ باعتقاد الشيخ الأنصاري فإنّ الحقوق على ثلاثة أقسام:

أولاً: الحقوق التي لا يمكن معاوضتها أو نقلها، كحق الحضانة، وحق ولاية الأب والجدّ للأب.

ثانياً: الحقوق التي يمكن معاوضتها، أي إنّه يمكن استبدال ذلك الحق بشيء آخر، من خلال دفع مبلغ من المال. وهذا النوع من الحقوق لا يمكن نقله، ولكن يمكن إسقاطه، كحق الشفعة، وحق الخيار.

ثالثاً: الحقوق التي يمكن نقلها إلى الآخرين بشكل إرادي، وكذلك يمكن إسقاطها، كحق التحجير، وحق السبق في المباحات([9]).

2ـ باعتقاد الآخوند الخراساني فإنّ الحق اعتبارٌ خاصّ بين ذي الحق ومتعلّقه، وإضافة معيّنة، ويكون بإزاء الملكية، لا الملك، ويُنتزع من حكم وضعي أو تكليفي أو من منشأ آخر، مثل: حق المارّة، الذي ينشأ من إباحة تناول ثمار المزرعة التي يمرّ من قربها([10]).

3ـ باعتقاد صاحب الجواهر فإنّ الحقوق تكون معوّضةً مطلقاً([11]).

4ـ باعتقاد الشيخ كاشف الغطاء فإنّ الحقوق لا تكون معوّضةً مطلقاً([12]).

5ـ باعتقاد السيد اليزدي الطباطبائي فإن الحقّ عبارة عن نوعٍ من القدرة والسلطنة على شيء متعلّق بعينٍ خارجيةٍ، مثل: حق التحجير، وحق الرهانة، وحق الغرماء (أصحاب الدَّين) في تركة الميّت؛ أو أنّه غير متعلّق بعينٍ خارجيةٍ، مثل: حق الخيار المتعلّق بالعقد؛ أو سلطنة شخصٍ على آخر، مثل: حق القصاص، وحق الحضانة. فيترتّب عليه كون الحق رتبةً ضعيفة من الملك، بل هو نوع من الملك، بحيث يبيح لصاحب الحق أن يتسلّط على المالك وما في يده([13]).

6ـ أمّا السيد الإصفهاني فقد خالف جميع النظريّات الآنفة؛ إذ إنّه يعتقد أنّ الحق في كل مورد ومصداق خاصّ به يكون له اعتبار مختلف ومفهوم معيّن، أي في كل مورد اعتبار خاصّ، يكون له أثر مخصوص.

فهو يعتقد أنّ المعتبر في حق الولاية عبارة عن الولاية ذاتها، والمعتبر في حق الزوجية عبارة عن نفس الزوجية، حيث إنهما متباينان عن بعضهما بشكل تامّ، ولا يوجد بينهما أيّ قدر مشترك، أو مفهوم متّحد([14]).

7ـ باعتقاد السيد بحر العلوم فإن الحق يستخدم أحياناً كمفهومٍ مقابل الملك، وأحياناً كمفهومٍ مرادفٍ له. وفي كلا المعنيين هو عبارة عن قدرةٍ اعتباريةٍ متّفق عليها، وبموجبها يمكن لشخص أن يتسلّط على مالٍ أو شخصٍ أو على كليهما، كالعين المستأجرة، حيث إنّ المستأجر له سلطة على الأموال الخاصّة بالمؤجِّر. فالحقّ عبارة عن سلطنة مجعولة للإنسان من حيث هو على غيره، ولو بالاعتبار([15]).

8ـ باعتقاد السيد الحكيم فإن الحق نوع من الملكية، وهي نوع خاصٌّ من الإضافة والعلاقة والاعتبار بين المالك والمملوك([16]).

9ـ باعتقاد السيد الخوئي فإن الملك عبارة عن القدرة والسلطة العامّة، ولكنّ الحقّ سلطة خاصّة.

10ـ أمّا برأي بعض الفقهاء فإنّ الحق رتبة ضعيفة من الملك. فقد عبّر بعضهم عنه بأنّه ملك غير ناضج (غير تامّ). ففي اعتقاد السيد محمد تقي بحر العلوم الحقُّ عبارةٌ عن العلاقة الحاصلة بين شخصٍ وآخر، وتكون هذه العلاقة ملكاً عندما تكتمل وتشمل كل نوع من أنواع الصلاحية والأهليّة للتصرّف، وعندما تكون غير مكتملة وتجيز نوعاً واحداً من إمكانية التصرّف ستكون حقّاً([17]).

11ـ وجعل صاحب الميزان الحق بمعنى الاختصاص. فقد ذكر أن الاختصاص الموجود بشكلٍ إجمالي، سواءٌ أكان قبل تأسيس المجتمع أم بعد تأسيسه، ظهر بأشكال عديدة ومتنوّعة، وكان الحقّ واحداً منها([18]).

ونستنتج من الآراء المذكورة أنّ الحق عبارة عن نوع من القدرة الاعتبارية المتّفق عليها، والسلطنة على الأشخاص والأعيان، ناشئة من الأحكام الوضعية والشرعية. ويمكن أن تكون هذه القدرة معوّضةً في المعاملات التجارية. على الرغم من أنّنا لا نستطيع أن نتعرّف إلى كُنه ماهيّته بتعريفٍ واحدٍ، إلاّ أنّ أغلب الفقهاء اعتبروه رتبةً متزلزلةً وضعيفةً من الملكية، أو الملك، أو ما رادفهما.

(i)        دـ ماهية الحق

طبقاً لما ذُكر يمكننا تعريف ماهيّة الحق بما يلي: الحقُّ أمرٌ اعتباريٌّ يمكن من خلاله لفردٍ أو مجموعةٍ معيّنة نيل قدرة قانونية تجيز لهم نوعاً من التصرّف الخارجي أو الاعتباري في شيء معيّن أو شخص آخر. ويترتّب عليه أيضاً تحقّق إضافة بين «مَنْ له الحق‌» و«مَنْ عليه الحق»، حيث بموجبها يتعيّن على «مَنْ عليه الحق» أن يراعي حقّ «مَنْ له الحق»، وأن يمتنع عن انتهاكه.

والإجابة عن ما ذُكر من أسئلة كالتالي:

أما الجواب عن السؤال الأول فإنه إذا أخذنا بنظر الاعتبار آراء الفقهاء في ما يخصّ الحقّ، والذي اعتبروه نوعاً من التسلّط على الشيء أو الشخص، ومن جهة ثانية اعتبروا أنّ منشأ هذا التسلّط يمكن أن يكون المشرِّع أو العرف، فعندئذٍ يمكن القول: نعم، إنّ عرف العقلاء وسيرة العلماء قائمة على الاعتراف رسميّاً بالاسم، أو العلامة، أو الاختراع، وكافّة الحقوق المعنوية الأخرى.

فقد اعتبر العرف كون هذه الحقوق مزيّة خاصّة لصاحبها، ودعَمَها إلى حدّ أنّه قام بتخصيص وسنّ قوانين لها. وهذه الحقوق، مع كونها مستحدثة، صارت معتبرة في نظر الشرع؛ لأنها مصاديق، وتعيين كون الشيء مصداقاً تابع لرأي العرف أولاً. كذلك فإنّ بيان حكمها راجع إلى الله جلّ وعلا. وبعبارة أخرى: ليس من اللازم أن يكون تعيين مصاديق الحقوق محدوداً بدائرة الشرع. ولذلك عندما يعتبر العرف أنّ نتاج الكاتب وعائداته المادّية حقٌّ له فإنّ المشرّع أيضاً يعتبر أنّ ذلك حقٌّ له، ويعترف بهذا الحقّ رسمياً.

ومن أجل التوضيح أكثر نقول: يقوم مؤلِّف الكتاب مثلاً بتأليف كتابه بعد جهدٍ يدوم أشهراً، أو ربما سنوات. ولو كان في هذه المدّة قد قام بعملٍ جسديٍّ آخر فإنّه كان ـ دون شكٍّ ـ سيكتسب دخلاً معادلاً لمَنْ هو في مستواه، بينما صار هذا التأليف بديلاً عن ذلك الدخل، وهو ثروته الفعلية.

وقد استطاع التاجر والمصنّع بعد سنواتٍ من الجدّ والجهد أن يحصل على سمعةٍ واعتمادٍ في مجال عمله، حتى صارت بضاعته اليوم معروفة بعنوان أو علامة خاصّة. فهذا العنوان والاسم هو أصل اعتباره التجاري والصناعي، وإذا كان بإمكان أيّ شخصٍ أن يستغلّه لصالحه (بدون إذن صاحب العنوان) فسوف يتعرّض صاحب ذلك العنوان لضررٍ فادحٍ.

لقد جعل عرف العقلاء هكذا حقوق جزءاً من الحقوق الخاصّة للأشخاص، ولا يمكن للآخرين استغلالها دون إذنهم؛ لأنّ هذا العنوان التجاري وعلامة البضاعة لا تعتبر مجرّد اسم أو عنوان، بل إنها شيء يحكي الجهد والمشقّة الكبيرة لصاحبها.

فكما أنّ الحق يتعلّق بالأعيان المادّية (البضاعة وما شاكلها)، وعلى وجه التملّك أو الاختصاص، فإنّه في نفس الوقت يتعلّق بالجهود والمساعي الفكرية والمعنوية، وتحمّل مشقّة وعناء الإبداع والاختراع في المسائل الفكرية والصناعية. لذلك عندما يعترف العرف العقلي باختصاص هكذا حقّ بصاحب البضاعة أو الشركة أو المؤلف أو المخترع فهذا الاعتراف نفسه يكون سبباً لثبوت الحق الشرعي لصاحب ذلك العنوان؛ لأن عرف العقلاء هو المرجع الأصلي لإثبات الحقوق.

كذلك فإنّ سيرة الشارع المقدّس في باب المعاملات وسائر الأمور غير التعبّدية ـ باستثناء موارد محدودة، ولحفظ المصلحة العامّة، كبيع الغرر، أو الربا ـ كانت قائمة على تجويز ما كان متداولاً في المجتمع.

يعتبر الشيخ الأنصاري أنّ الضابطة والمعيار في تحديد المنفعة هو العرف، حيث قال: «والفرق بينهما (بين ذي المنفعة المحللة المقصودة وذي المنفعة غير المقصودة) حكم العرف بأنّه لا منفعة فيه»([19]).

وهو في باب المعاملات أيضاً، وفي مبحث تملّك المنفعة المحلَّلة المقصودة أو عدم تملّكها، والتي توجب حرمة وبطلان البيع، يعتبر أن العرف هو أساس تعيين ذلك. كما ذكر في كتاب (البيع)، عند تعريفه لفظ البيع، أنّ لفظ البيع ليس حقيقة شرعية، ولا متشرّعية، لكنه يبقى على معناه العرفي. بناءً على هذا عندما يعتبر العرف العقلائي أنّ الحقوق المعنوية جزءٌ من الحقوق الاختصاصية، وأنها ذات منافع، فإنّ الشارع المقدّس سوف يؤيّد ذلك بالتأكيد، ويحكم بعدم شرعية جواز التصرّف دون إذن صاحبها.

وأما الجواب عن السؤال الثاني، فبما أنّ مفهوم الملك يعتبر مفهوماً عامّاً، ويطلق على الأشياء التي ليس لها قيمة مالية، فإنّ السؤال الثاني يطرح نفسه، وهو: هل تقع الحقوق المعنوية ضمن نطاق ملكية الإنسان، لتكون مشمولة بأحكام الملكية؟

ومن أجل توضيح هذا الموضوع فإنّ الحديث عن مصطلح «الملك» ـ علاوة على مصطلح «الحق» الذي تحدّثنا عنه بتفصيل ـ يعتبر ضرورياً أيضاً.

(j)        مفهوم الملك

تمّ بيان مفهوم مصطلح الملك في كتابات الفقهاء بأشكال مختلفة، نشير إلى بعض منها هنا:

1ـ في رأي الشهيد الأول فإنّ الملك حكمٌ شرعيٌّ يتعلّق بعين المنفعة، ويترتّب عليه أنّه يمكن للمالك الاستفادة منه ومعاوضته. فهو يعتقد أنّ الملكية مصدر ملك، وقد شاع استعمالها في معانٍ متعدّدة، واستعملت في فقه القانون، مراداً بها الدلالة على معنىً خاصٍّ يفيد الصلة بين الإنسان والمال، ويطلق عليه حق الملكية([20]).

 2ـ لم يعتبر الشيخ الأنصاري الملكية من الأحكام الشرعية، بل اعتبرها أمراً عرفياً، ويدور في حيطة رأي العرف. ويعتقد أنّ بعض الأمور، مثل: الملكية، والزوجية، والحرية، لا تعتبر بذاتها من الأحكام الشرعية. فالحكم بثبوت هذه الموارد هو حكم شرعي، ولكنّه في الواقع من الأمور الاعتبارية المنتزعة من الأحكام الشرعية([21]).

3ـ باعتقاد الإمام الخميني فإنّ الملكية اعتبار عقلائي. وأحد أحكامها هو القدرة الاعتبارية للشخص في تغيير وتحويل ما يملكه، حيث يقول: إنّه لكلّ ذي حق وملك سلطنة عليهما (على الحق والملك). وهي (الملكية) من الأحكام العقلائية لهما (للحق والملك)، فإنْ لم يكن الحق ملكاً ولا مملوكاً ـ وإن أطلقا عليه بنحو من المسامحة ـ لا يكون نقله بيعاً، سواءٌ كان من طرف أو طرفين([22]).

4ـ باعتقاد الشيخ بدران أبو العينين بدران ـ وهو أحد علماء أهل السنة المعاصرين ـ فإن الملكية عبارة عن الاختصاص بشيء ما، على النحو الذي تمنع الآخرين من التصرّف بها، وتجيزه لصاحبها، إلاّ إذا منعه من التصرّف بها مانع شرعي([23]).

5ـ برأي بعض الفقهاء، كالسيد اليزدي والسيد الحكيم، فإن الملكية عبارة عن اعتبار سلطة الشخص (الحقيقي أو الاعتباري) على شيء معيّن، على النحو الذي يمكّنه هو من التصرّف به، ويمنع الآخرين من ذلك. فالمالكية معنىً اعتباري مختصّ بالسلطة والقدرة على التصرّف وقدرة التمليك، والمالك له حق التصرّف بما في يده([24]).

نستنتج ممّا ورد في الآراء الآنفة الذكر بما يخصّ مفهوم الملك أنّه يمكننا تعريف الملكية بما يلي: هي عبارة عن مفهوم اعتباري لوحظ فيه الاختصاص، التسلّط، إمكانية التصرّف، وقدرة المالك على الشيء الذي في حيازته.

لذلك فإنّ مفهومي الحق والملك يختلفان عن بعضهما.

عندما ذكرنا في تعريف «الملك» بأنّه مفهوم اعتباري يشمل الاختصاص، القدرة، التسلّط، وإمكانية التصرّف؛ وفي تعريف «الحق» ذكرنا أنه عبارة عن القدرة، الاختيار، الميزة، الاختصاص، الإضافة، والملك، يتّضح لنا أنّ هذين المفهومين ليسا مانعتَيْ جمع، أي إنّه في بعض الموارد يمكن أن يكون الشيء حقّاً في الملكية، وفي نفس الوقت يكون بعنوان اختصاص استثمار صاحب الحق.

لهذا السبب فإنّ الملكية تصدق على الحقوق المعنوية (كالعنوان التجاري، براءة الاختراع، والتأليف). ولذلك يمكن القول: إنّ أصحاب الحقوق المعنوية مالكون لها، وتنطبق عليهم جميع أحكام الملكية.

وأما الجواب عن السؤال الثالث، فبعد إثبات أنّ الحقوق المعنوية من جملة الحقوق الاختصاصية والمقصورة على أصحابها، ولا يمكن للآخرين التصرّف بها دون إذن أصحابها، نطرح السؤال الثالث، وهو: هل تكون هكذا حقوق معنوية سبباً للانتفاع من القيمة أو الفائدة المالية؟

في زماننا هذا يحصل الكثير من العلماء، والمصمّمين، والفنّانين، ومستشاري الحملات الدعائية، على مبالغ طائلة نتيجة لعملهم الفكري، وتقديم آرائهم وتصاميمهم. مثلاً: عنوان وعلامة معمل أو شركة يصبح ذا قيمة كبيرة إلى الحدّ الذي تقوم بعض البلدان بشراء امتياز إنتاج ذلك المعمل (بنفس الاسم أو العلامة) بمبلغ ضخم؛ وذلك بسبب قِدَم المنتجات وجودتها ورواجها واعتبارها العالمي، على الرغم من وجود نماذج مشابهة لهذه البضاعة في الأسواق، لكن اعتبار واعتماد المستهلكين للبضاعة التي تعرض في السوق بذلك الاسم أو العلامة هو السبب في ارتفاع قيمتها مقابل البضائع المماثلة لها.

لذلك فإنّنا نلاحظ أنّه حتى اسم وعلامة وعنوان الشركة أيضاً يكون ذا قيمةٍ ماليّةٍ، ويمكن بيعه وشراؤه في السوق. فهذه الحقوق، التي هي في رأي العرف والعقلاء ذات قيمة ماليّة، ستكون جزءاً من العناوين الماليّة المشمولة في مصاديق قاعدة «الناس مسلّطون على أموالهم»، وفي مصاديق الآية الشريفة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ (النساء: 29).

وأما الجواب عن السؤال الرابع والأخير فالحديث فيه يكون في الحديث عن الجواز الشرعي في المعاملات للحقوق المعنوية، فهل أنّ انتقال وبيع وشراء الحقوق المعنوية جائزٌ شرعاً؟

للإجابة عن هذا السؤال نجد من الضروري أن نتطرّق إلى بعض ما ذكرناه:

1ـ يعتبر الاسم التجاري للبضاعة، أو عنوان المكتب التجاري والشركة، أو تأليف المؤلِّف، واختراع المخترع، وتصميم المصمِّم، وما شاكل ذلك، من الموارد التي تقع تحت عنوان الحقوق المعنوية والفكرية، سبباً لثبوت حقٍّ مختصٍّ بصاحبها.

2ـ تكون هكذا حقوق من جملة ما يملكه ذو الحقّ، وتترتّب عليها جميع آثار الملكية.

3ـ للحقّ المذكور قيمة مالية. ويكون في عرف العقلاء سبباً للانتفاع المالي لصاحبه.

وبعد أن أثبتنا الموارد الثلاثة أعلاه نقول: إنّ الملك الخاصّ، حقيقياً كان أم اعتبارياً، وسواءٌ كان عيناً أم منفعةً أم حقّاً، تكون له صبغة ماليّة، وفائدة قيمية، ويمكن شراؤه وبيعه وانتقاله.

إن الحقوق المعنوية، مثل: حق المؤلِّف، والمصمّم، والمخترع، أو العنوان والعلامة التجارية، يمكن شراؤها وبيعها وانتقالها على نحو الملكية؛ وذلك لأنّها ذات صبغة وفائدة ماليّة.

وبعد أن اتّضح لنا جواب الأسئلة الأربعة سوف نسعى للحصول على الحكم الفقهي للحقوق المعنوية عن طريق الاطّلاع على الأدلّة الفقهية.

(k)      نظرية الملكية الفكرية، الأدلّة الفقهية

(l)        أ ـ الدليل القرآني

كما ذكرنا في المباحث السابقة فإنّ الحقوق المعنوية تعتبر جزءاً من أموال وأملاك صاحبها. ومن هذا المنطلق، وعلى أساس الآيات القرآنية ـ التي سنتطرّق لتحليلها ـ، يمكن التصرّف بها على نحو الملكية، ويمكن التعامل بها.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ (النساء: 29).

يقول عزّ شأنه في هذه الآية الشريفة: لا تتبادلوا ولا تأكلوا أموالكم في موارد وتصرّفات باطلة، كالقمار، والسرقة، والخيانة، والغصب، وغيرها من الموارد المحرّمة، إلاّ أن يكون التبادل عن طريق التجارة، وبدافع الرغبة والرضا، كالبيع، والصلح، والهبة؛ لأنّه في هذه الموارد تكون المبادلة محلّلة. وهكذا مبادلات عن طريق الشراء والبيع والصلح والهبة وأمثالها تعتبر أمراً عرفياً ومتداولاً، ويجيزه العقلاء. لذلك فإنّ حلّية الأكل (للأموال) ومبادلتها وتحويلها ـ والذي أقرّه الشارع المقدّس ـ أمرٌ جائزٌ.

قال السيد الخميني: في زماننا هذا يعتبر بيع الحقوق العقلائية، كالسرقفلية (المبلغ المدفوع لإخلاء المحل التجاري)، أو حق المياه، وحق أصول الأشجار، أمراً رائجاً عرفاً. ولا أظنّ أنّ أحداً جعل المعاملة على هكذا حقوق عقلائية شيئاً آخر غير البيع. ولا توجد شبهة في صدق مفهوم البيع على هكذا معاملات([25]).

وقد قال في مكان آخر: عند العقلاء والعرف أنّ البيع يتحقّق في موارد أخرى غير الأعيان، كبيع الفلاحين لآثار الأعمال التي قاموا بها في أراضيهم الزراعية عندما يريدون تركها أو الهجرة من القرية، مثل: كري الأنهار والجداول، وحفرها، وتصفيف الأرض. ولا أظنّ أنّ أحداً يتردّد في صدق البيع على هكذا موارد. فقد قال: والإنصاف أنّ نقل الحقوق بالعوض، بل بالحقوق، والأملاك بها، أو بالعكس، بيعٌ عرفاً، فبيع حق التحجير بالثمن بيعٌ لدى العقلاء([26]). لذلك فإنّ الحقوق المعنوية والنتاجات الفكرية لها قيمة ماليّة، والتعامل بها جائز، والتصرّف بها دون انتقال شرعي وعرفي يعتبر من مصاديق أكل المال بالباطل.

﴿وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (البقرة: 275).

هذه الآية الشريفة تدلّ على صحة البيع غير الربوي. وكذلك تدلّ على حلّية أكل المال الناتج عن البيع؛ وذلك لتحقّق الملكية فيه؛ بسبب ذلك البيع. وكذلك تدلّ على عدم حلّية الزيادة الحاصلة للمال نتيجة الربا؛ لأنّ الربا في نظر العرف والعقلاء لا يعتبر بيعاً.

في باب الحقوق المعنوية، وكما ذكرنا في الاستدلال السابق، فإنّ هكذا حقوق في عرف التجارة والعقلاء لها قابلية البيع والشراء، ومن مصاديق البيع البارزة. ولهذا تعتبر مصداقاً للآية الشريفة.

يعتقد الشيخ الأنصاري أنّه لا يمكن جعل الحقوق عوضاً في المعاملة؛ لأنّه يشترط في العوض أن يكون مالاً، والحقوق عرفاً لا يطلق عليها عنوان المال([27]).

لكن كلام الشيخ هذا محلّ تأمّل؛ لأنّ الكثير من الفقهاء الذين ذكرنا آراءهم سابقاً، كصاحب الجواهر، يعتقدون أنّ الحقوق لها قابلية الانتقال والإسقاط، ولها صبغة مالية، ويمكن أن تكون عوضاً. إضافةً إلى ذلك فإنّ العرف يطلق على هكذا حقوق عنوان المال والملك. فيترتّب عليه أنّ كلام الشيخ بعيدٌ عن الواقع.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالعُقُودِ (المائدة: 1).

لا شكّ في ظهور الآية الشريفة في لزوم الوفاء بكلّ عقد (العقد، الصلح، الشرط)، حيث تصدق هذه الموارد على مُسمّى العقد عرفاً. وحينما تطرأ هذه العموميّات على العقلاء فلا شكّ في كون المشرّع في مقام إمضاء جميع العقود والشروط وماهيّة الصلح المجرّد عن الشرط؛ لأنّ المشرّع لو كان قد أخذ قيداً في نظر الاعتبار لذكره؛ لأنّه في مقام البيان والتوضيح، كما تمّ ذلك في الآية السابقة، حيث نهى عن الربا بلفظٍ صريحٍ.

وبناءً على ما ذكرنا فإنّنا في باب المعاملة بالحقوق المعنوية أو المصالحة عليها وهبتها نقول: إنّها من مصاديق ﴿أَوْفُواْ بِالعُقُودِ البارزة، والشارع المقدّس يوجب الوفاء بها.

(m)   ب ـ السنّة الشريفة

يمكننا الاعتماد على الروايات الوفيرة في مبحث المعاملات وانتقال الحقوق المعنوية. ولكنّنا نذكر هنا أشهر تلك الروايات، والتي صارت بمنزلة قواعد أساسية:

1ـ حديث السلطنة: قال النبي الأكرم’: «إنّ الناسَ مُسلَّطون على أموالهم»([28]).

إنّ ظاهره إثبات السلطنة لهم بأنواعها على النحو المتداول بين العرف. فإذا تداولوا المعاطاة يشملها الحكم، ولازمه كون أسبابها العرفية أسباباً شرعية. وظاهر الروايات يدلّ على أنّ الناس لهم سلطنة (سلطة) على أموالهم. وهذه السلطنة تشمل جميع أنواع التصرّف الشائع. ففي عرف المجتمع يتوقّف نفوذ المعاملات على أمرين:

الأمر الأول: تسلّط المالك على ماله (المجنون والطفل غير المميّز لا سلطة لهم عند العقلاء).

الأمر الثاني: أن تتمّ المعاملة طبقاً للقواعد العقلائية والشرعية.

وبالنسبة إلى الحقوق المعنوية والفكرية، وبعد إثبات ماليّتها، وسلطة صاحب الحق عليها، فإن إمكانية أيّ تصرّف، ومن جملته: البيع، والشراء، أو الصلح، والهبة، تبقى محفوظة للآخرين.

قال السيد الخميني: هذا الحديث المرسل ليس في صدد تأسيس حكم (تسلّط الناس على أموالهم)، لكنه في صدد إمضاء حكم العقلاء؛ لأنّ جميع العقلاء في العالم يحكمون بأنّ الناس مسلَّطون على أموالهم. لذلك فإنّ دليل الفقهاء في هذه القاعدة ليس هذا الحديث، بل هو حكم العقلاء. وهذا الحديث مؤيّد لذلك الحكم([29]).

2ـ روي حديثان للرسول الأكرم’ بعبارات متشابهة: «لا بيع إلاّ في ما تملك»؛ و«لا بيع إلاّ في ما تملكه»([30]).

كما هو الحال في سيرة العقلاء فإنّ الشارع المقدّس أجاز للإنسان التصرّف في ملكه، بما فيه البيع. والروايتان تدلاّن على هذا الأصل الثابت، وهو أنّ الإنسان يجب عليه أن يتعامل في ما يملكه. وقد ثبت لدينا في المباحث الماضية أنّ الحقوق المعنوية والفكرية جزءٌ من ممتلكات الإنسان، لذلك يجوز بيعها؛ لأنّ بيع الملك جائز.

3ـ وقد رويت عدة روايات بعبارات ومضامين مترادفة، مثل: موثّقة سُماعة المرويّة عن الإمام الصادق×: «لا يحِلّ دمُ امرئٍ مسلمٍ ولا مالُه إلاّ بطيبة نفسه»([31]).

وورد أيضاً في توقيع (رسالة) الإمام المهدي#: «لا يحِلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»([32]).

وكذلك نقل عن رسول الله’: «لا يحِلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاّ بطيبة نفسه»([33]).

وقد أُنيط في هذه الروايات كلّ تصرّف في مال الغير بإذنه ورضاه. لذلك فإنّ التصرّف دون الإذن والرضا أمرٌ محرّمٌ. وبعد إثبات كون الحقوق المعنوية والفكرية ذات قيمة ماليّة، وقابلة للتملك، يثبت لدينا أنّ أيّ تصرّف في تلك الحقوق يجب أن يكون على نحو الملكية، أو بإذن ورضا المالك، وإلاّ فهو غير جائز.

(n)     ج ـ الدليل العقلي

كما أنّ العقل يحكم بأنّ الانسان مالك لنتاج عمله اليدوي، وله حق التصرّف فيه كيف يشاء، كذلك فإنّه يحكم بأنّ الإنسان مالك لعمله ونتاجه الفكري، والذي يطلق عليه اسم الحقوق المعنوية. وفي بعض الأحيان يكون النتاج الفكري أهمّ وأثمن من العمل الجسدي، حتى في جانبه المادّي. ولهذا السبب نجد أنّ البعض في كافة أنحاء العالم يدفع مبالغ طائلة للاستفادة من قدرات المصمّمين والمبرمجين في شتّى المجالات. وكذلك فإنّ العقل يحكم بأنّ تصرّف الآخرين في النتاجات الفكرية لشخصٍ ما هو أمرٌ محرّمٌ؛ لأنّه نوعٌ من التصرّف في أملاكه وأمواله دون إذنه ورضاه. فالمتصرّف بدون إذن المالك يعتبر غاصباً، وتترتّب عليه تبعات ونتائج عمله.

(o)     جولة مع آراء عدد من الفقهاء المعاصرين

ومن بين الفقهاء المعاصرين نجد جماعةً تؤيّد ثبوت ملكية الحقوق المعنوية؛ ومجموعةً ثانيةً تخالف ذلك.

ذكر صاحب كتاب «جامع المسائل» في جواب بعض الأسئلة ما يلي:

س: كتابٌ مؤلِّفه رجل من البلدان الأجنبية، ولكنّه يُدرَّس في بعض مؤسّساتنا العلمية، والمؤلِّف قد جعل حق النشر والطباعة محفوظاً له، فهل يمكن طباعة هذا الكتاب دون إذنه؛ بسبب الحاجة إليه؟

ج: يعتبر حقّ الطبع من الحقوق الثابتة عقلائياً، ومحفوظاً للمؤلِّف أو الناشر. لذلك فإنّ طباعة ونشر الكتب دون إذنهما غير جائز([34]).

س: هنالك بعض قرّاء القرآن يجوّدون ويرتّلون سوراً أو آياتٍ منه بصوتٍ جميلٍ، ويسجّلونه في شريط مسموع أو مرئي. فهل يمكن للقارئ أن يبيع ويشتري امتياز هذا التسجيل أو لا يمكن له ذلك؟ وهل يلزم على الآخرين أن يستأذنوه إذا أرادوا تسجيل قراءته؟

ج: يمكنه ذلك؛ لأنّ هذا العمل يعتبر من الحقوق العقلائية التي لم يردع المشرّع عنها([35]).

أمّا صاحب كتاب «مجمع المسائل» فقد قال في جواب الأسئلة التالية:

س: هل أنّ أخذ المال تحت عنوان حقّ الجهد أو حقّ التأليف، من قِبَل المؤلِّفين أو المترجمين وأصحاب النتاجات الفنية، جائز؛ حيث إنّهم يتحمّلون المشقّة والجهد، ويبذلون الأموال، ويسخّرون وقتهم في سبيل إعداد نتاجاتهم؟

ج: أخذ مبلغ من المال تحت عنوان حق الجهد أو حق التأليف مقابل إعطاء كتاب أو نسخة أصلية أو نتاج فنّي لا مانع منه؛ لأنّ عمل المسلم محترمٌ. والتصرّف في ماله دون إذنه محرّم؛ لانّه لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفسه.

س: يقوم بعض الأشخاص أو المؤسّسات ببذل أموالٍ طائلةٍ من أجل إنتاج وإعداد (برامج كمبيوترية) مفيدة للمجتمع. وفي الوقت الراهن صارت هذه البرامج تحظى بدورٍ كبيرٍ في نشر وترويج الثقافة الدينية وتعاليم أهل البيت^ في كافة أرجاء العالم، لكن بعض النفعيين يقومون بنسخ هذه البرامج وبيعها في الأسواق ـ بالاعتماد على الوسائل الحديثة للاستنساخ، وبأقلّ جهدٍ ومبلغٍ ممكن ـ بدون نيل رضا منتجيها ومالكيها المعنويين. وغالباً ما يؤدّي هذا الأمر إلى عزوف المنتجين الأصليّين عن أداء عملهم.

بالأخذ بنظر الاعتبار ما ذكرنا فما هو رأيكم في المسائل التالية:

1ـ هل يمكن لهؤلاء الأشخاص، ومن أجل نيل منافع وأرباح، أن ينسخوا ويوزّعوا هذه النتاجات، على الرغم من منع ذلك وشرط عدمه من قِبَل منتجيه الأصليّين؟

2ـ هل يجوز لهؤلاء الأشخاص نشر هذه النتاجات وعرضها بأسمائهم عند إجراء تغييرات طفيفة في بعض أو جميع مواردها، أو في ظاهر هذه البرامج، من غير أن يبدعوا فيها بأنفسهم؟

3ـ في حال كون هذه الأعمال، وحسب مقرّرات وقوانين حكومة الجمهورية الإسلامية، وفي زمان بسط يد الحاكم الإسلامي، صارت ممنوعةً، أو تمّت مصادرتها في ظروفٍ معيّنة، فهل أنّ الالتزام بهذه القوانين والعمل بها أمرٌ لازمٌ؟

ج 1 و2: استنساخ نتاجات الآخرين الذي لا يجيزه صاحبها أمرٌ محرّمٌ وغير جائز، «ولا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه». وكيف يكون التصرّف في شيء ذي مالية، ويعتبره العرف من ممتلكات الغير وأموالهم، أمراً مباحاً؟!

ولا يوجد هنالك فرق بين العين الخارجية والمنفعة أو النتاج (الفكري)؛ فإنّ كل هذه الأشياء برأي العرف والعقلاء مالٌ يملكه صاحبها، وهو أمرٌ ثمين يُنسب إليهم. لذلك فإنّ جواز التصرّف مُناط بطيب نفس ورضا أصحابها.

ج 3: طبقاً لما ذكرنا فإنّ الاتّباع لازمٌ، والتخلّف عن ذلك حرام؛ لكون السبب هو التصرّف في مال الغير بدون رضاهم. يُضاف إليه أنّ اتّباع القوانين والمقرّرات الحكومية لازم؛ باعتبار وجوب رعاية الحدود والمقرّرات الاجتماعية([36]).

وقد قال أيضاً في بيان جواب سؤالٍ حول الاختراع: كل شخصٍ له الحق والسلطة على اختراعه ونتاجه الفكري والعلمي والتجريبي. والتصرّف فيها من قِبَل الآخرين يعتبر تصرّفاً في حق الغير. وإذا كان بدون إذنٍ ورضا فهو محرّم وغير جائز؛ لأنّه «لا يحلّ مال امرئ إلا بطيب نفس منه»([37]).

أمّا مصطفى إسكندري فقد اعتبر بعض الحقوق، كحق التأليف، وحق الامتياز والطبع، من الحقوق المشروعة لأصحابها. ففي رأيه أنّه في هكذا موارد لم يصلنا ردع من الشارع المقدّس. لذلك يمكن إثبات مشروعيته بالاعتماد على عرف العقلاء، وعمومات ﴿أَوْفُواْ بِالعُقُودِ، و«المؤمنون عند شروطهم». فهو يعتقد أنّ عرف المؤلِّفين ومبدعي النتاجات الفنية المسموعة والمرئية عند بيعها هو نقل جزء من منافعها للمشتري فقط، ويكون على أساس شرط عدم نسخها وترويجها.

فقد ذكر أنّ ثبوت الحقوق المعنوية مطّرد في حق التأليف والامتياز والطبع وغيرها من الحقوق المستجدّة. ويثبت باعتبار العرف وجعله لها. فهي موجودة في عالم اعتبار العرف العقلائي، وإن لم تكن موجودة في اعتبارات الشرع أصالةً وابتداءً. وبالتالي تتولّد لها مالية لديهم، فيتّصف ذلك الحق بأنّه مال من الأموال، ويقع التعاوض عليه؛ لأنّ موضع المعاوضات هو المال. وعلى ذلك يصحّ بيعها. فكل حقٍّ جديد يقع صغرى للمعاوضات الشرعية. ويضاف إلى ذلك توسعة حجيّة الارتكازات العقلائية واعتباراتهم لما هو متجدّد منها غير معاصر للشارع. وعلى ذلك يكون اعتبار وتقنين الحقوق المستجدّة مُمضىً من قِبَل الشارع.

أمّا بيان تلك التوسعة فهو أنّ التقنين العقلائي غير مردوع عنه ومُمضىً، سواءٌ عاصر الشارع أم لا، إلا ما ثبت عن الشارع أنّه ردعه، وذلك نظير ما قد قيل في ﴿أَوْفُواْ بِالعُقُودِ، و«المؤمنون عند شروطهم»… وتقريبه في حق الامتياز وحق الطبع أن يشترط البائع على المشتري أن لا يطبع هذه النسخة؛ إذ الطبع والاقتباس منها من منافعه، ويكون هذا الشرط بمنزلة قوله: «بعتك هذه النسخة مسلوبة المنفعه الخاصّة»، أي استثناء حصة خاصّة من منافعها. ولا ريب أنّ الاقتباس والطباعة على النسخة من المنافع الهامّة لكلّ نسخة، فيتأتّى الوجه([38]).

ومن بين العلماء الذين تطرّقوا إلى قضية الحقوق المعنوية السيد محمد الشيرازي، أحد الفقهاء المعاصرين، حيث يعتقد أنّ حق التأليف في مفهومه المادّي والاقتصادي يعتبر من المسائل المستحدثة والجديدة؛ لأنّه نشأ بعد ظهور الطباعة والنشر. فحق التأليف هو حق عرفي يقع في مقابل الحق العيني. حق الترجمة وحق الاقتباس وحق الترجمة وحق النشر كلّها حقوق تعود لمبدعيها. وكذلك هو حال سائر النتاجات، كالرسم والتصوير والتمثيل وألعاب الحاسوب (الألعاب الكمبيوترية).

وكذلك لا يجوز للآخرين استغلال الاسم والعنوان الخاص لشخصٍ جَعَلَه اسماً أو عنواناً خاصّاً لكتابه أو مؤسّسته أو صحيفته، بحيث إنّه صار عرفاً حقّاً له. فهذا العمل محرَّم من جهتين: أولاً: من جهة أنّه يعتبر تعدّياً على حقوق صاحب ذلك الكتاب أو المؤسّسة أو الصحيفة وأمثالها؛ وثانياً: من جهة أنّه يعتبر تمويهاً وخداعاً للناس عند شرائهم أو مراجعتهم الكتاب أو الصحيفة أو المؤسّسة المذكورة وما إلى ذلك. ففي كل شكل من هذه الاحتمالات يكون العرف هو المعيار في التحليل والقضاء. وعليه إذا كان هناك عمل يعتبره العرف تعدّياً وانتهاكاً لحقوق المؤلِّف أو الشاعر فهو عمل محرّم. وكذلك فإنّ أيّ تقليد ونسخ للنتاجات العلمية والفنية، المسموعة والمصوّرة: المعمارية، الخط، الأفلام، السينما، برامج المذياع، التلفاز، محطات الأقمار الصناعية، وما شاكلها، إذا لم يكن بإذن ورضا أصحابها، فهو تعدٍّ على حقوقهم ومحرّم.

ولو جعل المبدع اسماً خاصّاً لكتابه أو مؤسّسته أو جريدته أو ما أشبه ذلك، وصار عرفاً حقّه، لم يحقّ لغيره التسمية به في ما يكون معرضاً لضرب صاحب الاسم؛ بسبب الاشتباه. مثلاً: أخرج مجلّةً علميةً صارت معروفة، ويتهافت الناس عليها، وسماها (العلوم الكونية)، فإذا أخرج شخصٌ آخر مجلّةً بهذا الاسم صار ذلك سبباً لاشتباه وإضلال الناس بشرائهم تلك المجلّة بدل هذه، ويتضرّر صاحب المجلّة الأولى ببقاء نسخها عنده، فإنّه يُعَدّ حينئذٍ حقّاً عرفاً، فلا يصحّ لغيره التسمية بهذا الاسم، بخلاف ما إذا لم يكن الأمر كذلك، حيث يحق للغير؛ لإطلاق سلطنة الناس…

والمعيار أن يرى العرف أنّه تعدٍّ على حق المؤلف أو الشاعر، فلا يجوز، أو ليس تعدّياً، فيجوز. فالقراءة بطور خطيب خاصٍّ إذا رأى العرف أنّه تقليد احتاج إلى إجازته. وكذلك إذا قرأ مجالسه التي ألقاها في الأشرطة أو سجّلها من تحت المنبر. وهكذا الحال فيما إذا جعل أشرطته في الراديو أو التلفزيون أو الفيديو. وكذلك فيما إذا كان يأخذ من الراديو ويسجّلها في الأشرطة بدون رضا الخطيب([39]).

أمّا السيد الروحاني، الذي يعتبر أول الفقهاء الذين بحثوا المسألة المذكورة بالطريقة الاستدلالية السائدة في الحوزات العلمية، فقال: التآليف وتصانيف الكتب تعتبر حاصل جهد مؤلِّفيها، وتُعدّ من ممتلكاتهم. واستناداً لحكم حديث «الناس مسلّطون على أموالهم» يجوز لهم منع الآخرين من التصرّف بها في غير الموارد المسموح بها([40]).

وفي هذا الشأن، ونظراً لأهمية بعض استفتاءات مراجع التقليد، نقول: سُئل بعضهم: كما هو معروف فإنّ النشاطات الثقافية لها أشكال مختلفة. وأحد أبرز أشكالها هو عرض النتاجات الثقافية في إطار أقراص مدمجة. يتطلّب إنتاج هذه الأقراص بذل مبالغ كبيرة من قِبَل منتجيها. ولكن بعد فترة قصيرة من إنتاجها يقوم البعض بنسخها بدون رضا منتجيها، ممّا يؤدّي إلى تضرّره نظراً لما ذُكِر. لذلك نرجو التفضّل بالإجابة على الأسئلة التالية:

1ـ هل أنّ إنتاج القرص المدمج في حدّ ذاته يوجِد الحقّ لصاحبه؟

2ـ هل أنّ نسخ هذه الأقراص جائز شرعاً؟

3ـ بما أنّ القانون يمنع نسخ الأقراص المدمجة بدون رضا منتجيها، ووضع عقوبةً في هذا الشأن، فما هو حكم النسخ دون رضا المنتج شرعاً؟

4ـ ما هو حكم استخدام الأقراص المدمجة التي تمّ نسخها من قِبَل الآخرين دون رضا منتجيها؟

فأجاب الشيخ حسين منتظري: 1ـ حسب رأيي فإنّ الإنتاج والاختراع والتأليف يثبت الحق للمنتج والمخترع والمؤلِّف، إلا إذا قام هو بالتنازل عن ذلك الحق.

2ـ هكذا شيء يثبت الحق عرفاً، ولم يتمّ النهي عنه شرعاً.

3ـ لا يجوز ذلك، وهو بخسٌ لحقّ الآخرين.

4ـ لا يجوز ذلك. فالحقوق المذكورة (حق التأليف والترجمة وحق الامتياز للناشر في طباعة الكتاب) هي من الحقوق العقلائية، والأقوى وجوب مراعاتها.

وأجاب الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: لا يجوز نسخ وترويج الأقراص المدمجة بدون إذن ورضا منتجيها الأصليّين. وإذا كان هذا الأمر يؤدّي إلى تضرّر المنتجين الأصليّين في استثماراتهم فإنّ المتعدّي على حقوقهم يلزمه الضمان. ولكن من المناسب أن يقوم المنتجون لهذه الأقراص المدمجة بعرضها بأسعارٍ مناسبة حتى لا يُفسَح المجال لهكذا أفعال خارجة عن القانون. باعتقادنا فإن حق الطبع والتأليف وأمثاله هو حق شرعي وقانوني، وحسب مقرّرات الشريعة الإسلامية فإنّه يجب أن يكون محترماً. وبكلام آخر: إنّ أهمية الملكية المعنوية لا تقلّ شأناً عن أهمية الملكية العينية، ويجب على الحكومة الإسلامية أن تتولّى الحفاظ عليها.

ودليلنا في هذه المسألة هو أنّنا دائماً نأخذ المواضيع (المصاديق) من العرف، ونستخرج الأحكام من الشرع. مثلاً: عندما نقول: إنّ القمار حرام فإنّ حكم الحرمة استُخرِج من القرآن والأحاديث الإسلامية، ولكن ما هو مصداق أو موضوع القمار؟ والجواب هو أنّ ذلك عائد إلى العُرف. وفي مسألة الملكية الفكرية تطرح القضية ذاتها؛ لأنّ الإسلام يقول: إنّ الظلم والاستبداد والتعدّي على حقوق الآخرين حرامٌ. وهذا الحكم قد استخرج من أحكام الشريعة الإسلامية. ولكن موضوع ومصداق الظلم والاستبداد والتعدّي على الحق يتمّ إثباته عن طريق العرف. وفي زماننا هذا اتّفق جميع عقلاء الدنيا على كون هذه المسألة حقّاً لا يمكن للآخرين التصرّف فيه بدون رضا صاحبه. فهذا الحكم أيضاً استُنبِط من الشريعة الإسلامية، ولكن موضوعه ـ والذي هو أنواع الملكية ـ قد أُخِذ من العرف.

وأجاب السيد الموسوي الأردبيلي عن تلك الأسئلة بما يلي: تأليف الكرّاسة والكتاب وبرامج الحاسوب وما ماثلها من إبداعات لها قيمة عقلائية. وحسب رأيي فإنّ أصحابها ذوو حق شرعي. ولا يجوز لأحدٍ أن يستخدمها أو ينسخها دون إذنهم وموافقتهم. والمتخلّف يستحقّ التعزير، ويضمن القيمة العقلائية للحق الذي تجاوز عليه، حيث تُحدَّد القيمة طبقاً لرأي المتخصّصين، وحسب مورد التخلّف.

وقال الشيخ محمد فاضل اللنكراني في جوابه: 1ـ نعم، هذه حقوق عقلائية محترمة، ويجب مراعاتها.

2ـ نعم، ولا يجوز خلافه.

3ـ لا يجوز التصرّف فيه خلافاً لرغبة المنتج.

4ـ الاستفادة من ذلك بالنسبة للآخرين غير محرّم، ولكن نسخه غير جائز.

وأجاب الشيخ يوسف صانعي بما يلي: التصرّف والتدخّل في الأمور المتعلّقة بالآخرين يدخل في حكم عدم جواز التصرّف في مال الغير. ولا فرق في كون النقل لها يكون عن طريق الإنتاج الفكري والنظري أو الاختراع الخارجي والمادّي أو نشر وطبع الكتاب وما شابه ذلك. فكلها بدون استثناء تعتبر مصاديق للحقوق، إلا إذا كان التصرّف ناشئاً عن رضا أصحابها. فالحكم هو عدم جواز التدخّل والتصرّف. ولا يوجد فرق بين العين والملك وغيرها. وكلمة المال التي وردت في الحديث لا خصوصية لها، وجاءت من باب التغليب. أضف إلى ذلك أنّ الأمور الآنفة الذكر هي ذات قيمة، وتعدّ من الأموال. وكما أنّ المعيار في الحرمة هو نسبة وإضافة المال إلى «امرئ» فإنّه في الحقوق المعنوية ـ بكونها ذات قيمة وماليّة ـ تكون الإضافة في رأي العقلاء عن طريق الاعتبار. وإذا لم تتحقّق الإضافة فإنّ مبحث الحق المعنوي لا يرد فيها. وعلاوةً على حكم الحديث فإنّ حكم العقلاء في حدّ ذاته كافٍ لأن يكون التدخّل والتصرّف بدون إذنٍ في موارد الحقوق المعنوية ـ والتي ورد أحد مصاديقها في السؤال ـ ظلماً وكاشفاً عن الحرمة الشرعية؛ لأنّ المشرِّع جلّ وعلا ليس بظالم، ولا يحكم بظلم.

الاستدلال الثالث لإثبات الحق في مورد الحقوق المعنوية الرائجة: في عصرنا الحديث يعتبر العرف والعقلاء التدخّل والتصرّف فيها بدون إذن أصحابها أمراً منكراً. وكل أمر منكر؛ بحكم الآية الشريفة: ﴿وَيَنْهَاكُم عَنِ المُنْكَرِ (الأعراف: 157)، محكومٌ بالحرمة. وفي مسألة تعريف الحقوق المعنوية فإنّه بغضّ النظر عن كونها اصطلاحاً، ويجب الرجوع إلى علماء الاصطلاح عند السؤال عنها، فهي لا تتعدّى كونها موضوعاً واحداً لا يتمّ بيانه في علم الفقه، ولكن علم الفقه يبيّن حكم الموضوع والأمور ذات الصلة بالأفعال والأعمال.

ففي الجواب المذكور تمّ بيان جميع موارد الحقوق المعنوية. والأساس في علم الفقه هو معرفة الحكم، وعلى المكلّف إيجاد الموضوع الاصطلاحي (المصداق)، وتطبيق الحكم عليه([41]).

بعد كلّ هذه الآراء التي تطرّقنا لها فإنّ الإمام الخميني له رأي آخر في مسألة حق التأليف وحق الطبع. فهو يرى أنّ هذا الحق (حق التأليف) ليس حقّاً شرعياً، حيث إنّ الشخص الذي يشتري كتاباً يصبح مالكاً له، ويحقّ له التصرّف فيه بنحو الملكية كيف يشاء، واستناداً لحديث: «الناس مسلّطون على أموالهم» فلا يمكن لأحدٍ أن يمنعه من التصرّف فيه.

قال الإمام الخميني: الثالث: ما يُسمّى عند البعض بحق الطبع ليس شرعياً. فلا يجوز سلب تسلّط الناس على أموالهم بلا تعاقد وتشارط. فمجرّد طبع كتاب والتسجيل فيه بأنّ حق الطبع والتقليد محفوظ لصاحبه لا يوجب شيئاً، ولا يُعدّ عقداً مع غيره، فجاز لغيره الطبع والتقليد، ولا يجوز لأحدٍ منعه عن ذلك…

وكذلك فهو لا يعتقد بثبوت حق المخترع، وحقّ الاختصاص التجاري([42]).

ويبدو أنّ هذا المورد من موارد تحديد الموضوع وتشخيصه، والذي يتمّ من خلال العرف. وليس من شأن الفقيه أن يخوض في تعيين الموضوع والمصداق، بل إنّ واجبه هو بيان الحكم الشرعي في ما يتعلّق بالحقوق المعنوية.

وحسب رأي العقلاء فإنّه إذا تمّ عرض نتاجٍ ما في الأسواق (كتاب، فنّ، فيلم، وما شابه) فللمشتري الحق في الانتفاع من النسخة التي اشتراها فقط. ونوع الانتفاع أيضاً واضح، وخصوصاً عندما يكون شرط عدم النسخ وغيره قد دُوِّن عليها.

(p)     الملكية المعنوية من وجهة نظر علم القانون والحقوق

هل أنّ العلقة الحاصلة بين مبدع النتاج الفنّي أو الفكري وبين نتاجه هي نوع من الحقّ أو نوع من الملكية؟

لا يقبل البعض تحقّق الملكية في مورد الحقوق المعنوية. فهم يعتقدون أنّ الخصوصيّات والعناصر الثلاثة اللازمة لتحقّق الملكية غير موجودة في الحقوق المعنوية، أي إنّ الملكية حقٌّ مُطلقٌ وخاصٌّ ودائم. فحسب رأيهم إنّ متعلّق الملكية هو الأعيان والمصاديق المادّية والخارجية، وليس المتعلّق هو الحقوق المعنوية. وكذلك فإنّ الاستمرار والإطلاق والخصوصية لا تصدق في هذه الموارد. لذلك فإطلاق الملكية على الحقوق المعنوية ليس أمراً حقيقيّاً.

ومن جانب آخر فإنّ الملكية عبارة عن حقّ ماليّ محض، بينما الحقوق المعنوية ذات اعتبارين: اعتبار مالي؛ واعتبار غير مالي (متعلّق بشخصية المنتج).

الدوام والاستمرار هو أمرٌ كامنٌ في ذات الملكية، أي إنّ الملكية ثابتة دائماً لصاحب الملك، ولكن الحقوق يتمّ دعمها عادةً في برهة زمنية خاصّة. في حق الملكية يكون اختصاص الاستثمار ثابتاً، ولكن في مورد الحقوق المعنوية لا يمكن تصوّر الاختصاص عادةً([43]).

ومن ناحية أخرى فإنّ البشرية تشاطر مبدع النتاجات الفكرية في جانبين:

أولاً: من باب المصلحة العامّة، حيث إنّ تطوّر البشرية رهنٌ لرواج الأفكار.

ثانياً: من باب أنّ صاحب هذا الفكر يعتبر مَديناً للمجتمع الإنساني؛ لأنّ نتاجه الفكري ليس إلاّ حلقة من سلسلة طويلة، فإذا كان قد أعان الحلقات التالية له فإنه يجب أن يعلم بأنّه كان قد استعان قبل ذلك بالحلقات السابقة له. وهذا يدلّ على أنّ الحق المعنوي ليس حقّاً دائمياً وأزلياً([44]).

وفي جواب السؤال الذي ذكرناه قيل:

1ـ يعتبر استعمال اصطلاح الملكية للحقوق الفكرية استعمالاً حقيقيّاً بحتاً. وبالتحديد فإنّ الملكية تصدق على هكذا نتاجات فكرية، حيث إنّه بالنسبة لسائر موارد الملكية يكون دور الإنسان في حدود كونه واسطةً، ولا يتعدّى إيجاد تغييرات طفيفة.

2ـ تعود جذور اختصاص الملكية بالأعيان إلى الأزمنة المنصرمة. ولم تكن الحقوق المعنوية حينها بالمستوى الذي هي عليه اليوم، من حيث السعة والتنوّع، ولم يكن أصحابها في ذلك الحين مهتمّين بالبُعد المادّي لنتاجاتهم.

3ـ إنّ عناصر الاستمرار والاختصاص والإطلاق هي بلا ريب من المفاهيم النسبية؛ لأنّه لم يتمّ تصوّرها مسبقاً، وسوف لن يتمّ تصوّرها أبداً بمعناها الحقيقي، في أيّ زمان، ومن قِبَل أيّ شخص. فلو سلّمنا بكون هذه المفاهيم نسبية، وبالاتّكاء على عرف زماننا هذا، والذي أقرّ بها، فسوف يكون من الممكن تحقّق معنى لها.

4ـ إنّه لا يمكن إنكار دور البشرية في مجال النتاجات الفكرية، إلا أنّه في نفس الوقت لا يمكن إنكار جهود الناس، والتباين الموجود في القابليّات، والقوى الذهنية، ومدى درك الإنسان للأمور المختلفة في الحياة. فكما أنّه بإمكان إنسان أن ينال مزايا كبيرة خلال مدّة قصيرة في المجال الاقتصادي؛ نتيجة مساعيه وجهوده وقابليّاته، إلى درجة أنّ المجتمع يعترف بها رسميّاً، فكذلك لا يصحّ أن يُحرَم إنسان آخر من المنافع المادّية لنتاجه الحاصل إثر قابليّته الخاصّة في إبداع النتاج الفنّي أو الفكري.

فنستنتج ممّا ذُكر أنّ مفهومي الحق والملك يعتبران من المسائل الاعتبارية والعرفية. ويمكن القول: إنّ العلقة بين المبدعين وبين نتاجاتهم، سواءٌ كانت نوعاً من الحق أم نوعاً من الملك، لا تأثير لها؛ لأنّه على أية حالٍ لا يكون الحق إلا رتبةً من الملكية.

(q)     النتيجة النهائية

1ـ تعتبر جميع العناوين التالية: حق التأليف، حق النشر، براءة الاختراع، حق التصميم، الإبداع، حقّ تسجيل العلامات التجارية والبضائع أو الشركات، وما إلى ذلك، من الحقوق المعنوية في مجتمعاتنا البشرية.

2ـ تكون هكذا حقوق ذات عوض مالي. وكذلك تترتّب عليها فوائد مالية.

3ـ تدخل هكذا حقوق ضمن نطاق ممتلكات الإنسان.

4ـ إن بيع وشراء هكذا حقوق في عرف العقلاء أمرٌ صحيحٌ. والشارع المقدّس لم يَقُمْ فقط بعدم ردعها، بل إنّه أيّدها.

5ـ لا يحق لأيّ أحدٍ أن يتصرّف في الحقّ المعنوي أو الفكري، أو يقوم بنسخه، بدون إذن صاحبه.

الهوامش

(*) أستاذ مساعد في الفقه والحقوق في جامعة قم، من إيران.

([1]) لنكرودي، مبسوط در ترمينولوﮊي 3: 1712.

([2]) كاتوزيان، مقدمة حكم حقوق ومطالعة در نظام حقوقي إيران: 271.

([3]) لنكرودي، المصدر السابق 3: 1707.

([4]) البوطي، قضايا فقهية معاصرة 1: 96.

(5) Trade mark

([6]) الأنصاري، المكاسب: 79.

([7]) كاتوزيان، المصدر السابق: 271.

([8]) السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد 8: 271.

([9]) محمدي، شرح المكاسب 4: 11.

([10]) الخراساني، حاشية بر مكاسب 1: 151.

([11]) محمدي، شرح المكاسب 4: 11.

([12]) محمدي المصدر السابق 4: 11.

([13]) الخراساني، حاشية بر مكاسب 1: 55.

([14]) الإصفهاني «الكمباني»، الحاشية على المكاسب: 10.

([15]) بحر العلوم، بلغة الفقيه 1: 13.

([16]) نهج الفقاهة: 6 ـ 7.

([17]) بحر العلوم، التعليقة على بلغة الفقيه 1: 33.

([18]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 54.

([19]) الأنصاري، المكاسب: 79.

([20]) الشهيد الأول، القواعد والفوائد 6: 132.

([21]) الأنصاري، المكاسب: 351.

([22]) الخميني، كتاب البيع 2: 11 و25.

([23]) بدران أبو العينين، تاريخ الفقه الإسلامي ونظرية الملكية والعقود: 305.

([24]) الإصفهاني «الكمباني»، الحاشية على المكاسب: 57؛ الحكيم، نهج الفقاهة: 6 ـ 7.

([25]) الخميني كتاب البيع 1: 32.

([26]) الخميني، كتاب البيع 1: 31.

([27]) الأنصاري، المكاسب: 79.

([28]) المجلسي، بحار الأنوار 2: 272.

([29]) الخميني، كتاب البيع 1: 127.

([30]) النوري، مستدرك الوسائل 13: 230.

([31]) الحر العاملي، الوسائل 5: 120، باب 3، ح1.

([32]) الحر العاملي، الوسائل 9: 540، باب 3، ح7.

([33]) المصدر السابق 19: 10، باب 1، ح3.

([34]) محمد فاضل اللنكراني، جامع المسائل 2: 422.

([35]) المصدر السابق 2: 402.

([36]) محمد فاضل اللنكراني، مجمع المسائل 2: 288 ـ 289.

([37]) محمد فاضل اللنكراني، المصدر نفسه.

([38]) إسكندري، فقد البنوك والحقوق الجديدة من محاضرات الأستاذ محمد السند: 277 ـ 280.

([39]) الشيرازي، الفقه كتاب الحقوق 100: 428 ـ 501.

([40]) الروحاني، المسائل المستحدثة 2: 92.

([41]) صانعي، الاستفتاءات القضائية 2: 43؛ مجمع المسائل.

([42]) الخميني، كتاب البيع 2: 596.

([43]) مدني، مباني وكليات علم حقوق: 226.

([44]) إسماعيلي، رابطه آثار فكري با پديد آورندگان أز ديدگاه حقوق إسلامي: 144.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً