دراسة فقهية في الصلاة مع أهل السنة
أزمة تناقض الشعار مع المفردات التفصيلية ــــــــ
كثيراً ما نرى الخطباء والعلماء يتكلمون حول الوحدة ويأتون بعبارات جميلة وأنيقة حتى يظنّ السامع أنّه بعد هذه المحاضرات والخطابات لن يبقى أيّ خلاف بين المسلمين بل بين الموحّدين، بينما نرى الخلاف الواسع في العمل ونتأكّد أنّهم في الشعار يقولون أشياء لا يلتزمون بها في العمل أبداً؛ فمن أرفع شعارات الوحدة التمسك بالآيات القرآنية نظير: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103)، أو الآيات التي تُعرِّف التفرّق عذاباً كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} (الأنعام: 65). أو استفادة الأولوية من الآيات التي تدعو أهل الكتاب للوحدة؛ إذ أَمَر اللهُ رسوله بدعوة أهل الكتاب إلى أن يجتمعوا حول كلمة التوحيد بقوله: {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} (آل عمران: 64)، فمن المجموع نفهم أن المسلمين يجب أن يكونوا متحدين بل يكونوا نفساً واحدة ويداً واحدة.
لكن عمليّاً لا نرى أثراً لهذه الشعارات؛ فالسُّنّي مثلاً يصلّي في مكان والشيعي في مكان آخر في مسجد واحد، أو يصلّي السنّي ابتداءً وبعده يصلّي الشيعة أو بالعكس. أو يرى كل واحد بطلان صلاة صاحبه؛ لذا إمّا لا يصلّي أحدُهما خلف الآخر ولا يقتدي به أو لو اقتدى في بعض الأحيان به يحسّ بقَلَقٍ في نفسه ويتمنّى مكاناً فارقاً أو نشاطاً كاملاً يحرّكه نحو إعادة الصلاة. فكل واحدٍ منّا بل وكل ناظر خارجي غيرنا يرى تغايراً محسوساً بين تلك الشعارات وهذه الأعمال. فعلى هذا إمّا أنّ فهمنا لآيات الوحدة كان غلطاً وخطأ أو أنّ هذه الأعمال بهذه الصورة التي نعملها لم يأمر بها الشارع بل أَمَرنا بغيرها مما يتناسب مع الشعارات القرآنية الصريحة.
والذي ينبغي أن يقال: إنه لا مجال لتخطئة فهمنا للآيات القرآنية؛ لأنّها نصّ أو كالنصّ في موضوع الوحدة بين المسلمين، تؤيدها الروايات الكثيرة الموجودة في كتب الفريقين؛ فعلينا أن نلتزم بالخيار الثاني؛ فإمّا نقول بأن الأمور التي صارت موجباً للخلاف بين المسلمين في الصلاة لم تكن من الواجبات وتركها لم يكن من المبطلات أو نقول: إن هذه الأمور واجبة أو محرّمة عندما لا يجتمع السنة والشيعة في مكان واحد للصلاة، أما في حالة الاجتماع فتسقط عن الاعتبار لأجل الاجتماع.
ونظير ذلك أننا ندري بأن الركوع ركنٌ في الصلاة، وزيادته عمداً أو سهواً مبطلة لها، لكن في الجماعة لا تبقى هذه الزيادة مبطلة؛ فإن رَفع المأموم رأسه من الركوع ورأى أنّ الإمام ما زال في الركوع جاز له بل استحبّ أن يرجع إليه ويكون معه. فبهذا القياس يمكن أن يقال: إنّ بعض الأمور يمكن أن يكون واجباً أو حراماً إذا لم تكن الفِرَق الإسلامية مجتمعة، أمّا مع الاجتماع للصلاة في مكان واحد ـ كأيام الحج ـ فكثير من الأمور الاختلافية تسقط عن الاعتبار([1]). ونتيجة ذلك أنّه عندما يكون الإنسان في بلاده وبين أهل مذهبه يجب عليه أن يعمل مطابقاً لمذهبه؛ لأنه يراه الحقّ، لكن عندما يكون في بلاد يشيع فيها مذهب غيره فالأمور التي تكون خاصّة بمذهبه تسقط عن الاعتبار، ويستحب بل يجب أن يعمل طبقاً للمذهب الشائع الموجود في الساحة رعايةً للوحدة والاتحاد.
المعنى الصحيح للتقية ـــــــ
وهذا ما يظهر من المذهب الشيعي فيما يسمّى بالتقيّة، إذ ليس لها معنى سوى هذا؛ فالتقية ليست لخوف القتل أو الضرب أو غيرهما من الأضرار الجسمية فحسب، بل قد تكون لحفظ الدين ووحدة المسلمين؛ لذا نرى في الروايات «أن تسعة أعشار الدين في التقيّة ولا دين لمن لا تقيّة له»([2]) و «أيّ شيء أقرّ لعيني من التقيّة، إن التقية جُنّة المؤمن»([3]) «التقيّة تُرس المؤمن والتقيّة حرز المؤمن ولا إيمان لمن لا تقيّة له»([4]) «ما على وجه الأرض شيء أحبّ إليَّ من التقيّة، يا حبيب! إنه من كانت له تقيّة رفعه الله، يا حبيب! من لم تكن له تقيّة وضعه الله»([5]) «التقيّة من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقيّة له»([6]) «اتقوا على دينكم واحجبوه بالتقيّة، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له»([7]) وغير ذلك من الروايات، فأيّ باحثٍ يدقّق في هذه الأحاديث يرى هذه التعابير غير متناسبة مع حفظ النفس عن الظالم أو السلطان الجائر أو شابههما، ولا أحد يقول بأن ياسر وسميّة أبوا عمار لا دين لهما لأنهما تركا التقيّة، أو أنّ زيد بن علي بن الحسين لا دين له؛ لأنه ترك التقية، أو الذين ذهبوا لزيارة قبر الحسين واستشهدوا في طريقه في زمن المتوكّل العباسي لا دين لهم؛ لأنهم تركوا التقية!!
بلى، هذه الأحاديث تناسب حال من ترك التقية وصار عمله هذا موجباً لتفرقة صفوف المسلمين، أو صار سبباً لاستيلاء الكفّار على بلاد المسلمين، أو لتضعيفهم وانحطاطهم الثقافي والاقتصادي حتى لا يستطيعون ـ كما اليوم ـ أن يدافعوا عن قبلتهم الأولى بل الثانية؛ فأئمتنا^ حيث كانوا يرون هذه المصائب اتفقوا على الأمر بالتقية والعمل بها؛ فحضروا في صلوات أهل السنّة، وعادوا مرضاهم، وشيعوا جنائزهم و.. وأمروا شيعتهم بذلك. وبجملة واحدة: أصرّ الأئمة^ على توحيد الكلمة لتبقى كلمة التوحيد. أمّا غيرهم مثل الخلفاء ومن حذا حذوهم فلم ينظروا سوى إلى مصالح السلطة الظاهرية ولم يدرسوا مصائب الفرقة والتمزق، لهذا لم يعتنوا بالوحدة بل أخذوا مخالفيهم وسجنوهم وقتلوهم و.. ممّا اضطرّ الشيعة لإبداء أنفسهم سنّةً؛ حفظاً لنفوسهم عن الهلكة، وشيئاً فشيئاً تغيّر هدف التقية من حفظ الدين إلى حفظ النفس، ودخل في الكتب الفقهية المتأخرة ليصبح قريناً للاضطرار، مع أنهما عنوانان مستقلان، فالاضطرار حكم ثانوي لحفظ النفس عن الهلكة يجري في كل شيء، أمّا التقية فقد وضعت لحفظ الدين؛ فعند الإضرار بأحكام الدين المنصوصة أو المقطوع بها لا تقية؛ ولهذا قال الصادق×: «وثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج»([8])، وقال: «لا دين لمن لا تقية له والتقية في كل شيء إلاّ في النبيذ والمسح على الخفين»([9])، لأن هذه الأحكام ممّا صرّح به القرآن والسّنة النبوية.
فأئمتنا^ فسحوا المجال في كلّ الأعمال من الصلاة والصوم والحج و.. ورُوي عنهم عشرات من الأحاديث في كل واحد من هذه المجالات؛ وبهذا علّموا الشيعة كيفية التعامل مع إخوانهم المسلمين، بحيث يعملوا بواجبهم ويحضروا في جماعات أهل السنّة، كما علّموهم إذا تزاحم الأمر أن يمارسوا التقية بهذا المعنى لها؛ فحفظ جانب التقية واتحاد المسلمين مقدّم على العمل على طبق المذهب.
وكأنموذج، ننظر إلى الروايات التي أَمرتْنا بالحضور في صلواتهم وعلّمتنا كيفية الصلاة معهم.
استحباب الحضور في صلوات أهل السنة ، الأدلّة والنصوص ـــــــ
من الأعمال المستحبة الأكيدة الحضور في مساجد أهل السنّة والصلاة معهم وفي الصف الأوّل، وتفقّد حالهم؛ وإليك بعض الروايات:
1 ـ خبر حمّاد بن عثمان، عن أبي عبدالله× أنّه قال: «من صلّى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول الله’ في الصّف الأول»([10]). وسند الحديث جيدٌ؛ إذ محمد بن الحسين هو الصدوق المعروف، وكتابه في الحديث معروف أيضاً سمّاه «من لا يحضره الفقيه» والحديث مذكور فيه([11]). وفي المشيخة ذكر الأسانيد وقال: ما كان فيه عن حماد بن عثمان فقد رويته عن أبيt عن سعد بن عبدالله والحميري جميعاً عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عثمان([12])، فالسند صحيح، وهذا الحديث بعينه نقله الكليني في الكافي والشيخ الطوسي في التهذيب بأسانيد صحيحة.
2 ـ قال: وقال الصادق×: «إذا صلّيت معهم غفر لك بعدد من خالفك»([13]). وهذا السند لا بأس به؛ لأنّه وإن لم يذكر سند الحديث لنا لكنّه لما قال: قال الصادق× ولم يقل: رُوِي عن الصادق، يظهر لنا أن السند كان عنده تاماً بحيث كان يصح منه ـ وهو رجل تقّي صدوق ـ أن ينسب الخبر إلى الصادق.
3 ـ خبر إسحاق بن عمار الفطحي الثقة([14]) بمضمون قريب، لكن الراوي الثاني هو جعفر بن المثنى الذي لم يذكر بمدح ولا ذم، بل قالوا: كوفي واقفي([15])، فالسند غير موثق.
4 ـ خبر عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: «أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ، ولا تحملوا النّاس على أكتافكم فتذلّوا، إنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} ثم قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلّوا معَهم في مساجدهم».
5 ـ خبر عبدالله بن سنان الآخر، عن أبي عبد الله× أنّه قال: «ما من عبد يصلّي في الوقت ويفرغ ثمّ يأتيهم ويصلّي معهم وهو على وضوء إلاّ كتب الله له خمساً وعشرين درجة». وسند الصدوق إلى ابن سنان صحيح.
6 ـ خبر نشيط بن صالح، عن أبي الحسن الأوّل× قال: «قلت له: الرجل منّا يصلّي صلاته في جوف بيته مغلقاً عليه بابه ثمّ يخرج فيصلّي مع جيرته تكون صلاته تلك وحده في بيته جماعة؟ فقال: الذي يصلّي في بيته يضاعف الله له ضعفي أجر الجماعة تكون له خمسين درجة، والذي يصلّي مع جيرته يكتب له أجر من صلّى خلف رسول الله، ويدخل معهم في صلاتهم فيخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتهم». وهو سند صحيح كما قال المجلسي في ملاذ الأخيار.
والروايات في هذا الباب كثيرةٌ، من يريد فليراجع في مظانّه كأبواب صلاة الجماعة في كتاب الوسائل، وأيضاً باب فضل المساجد في كتاب التهذيب، ونظائر هذه الأبواب في كتب الحديث الشيعية، وعلى أيّ حال فالتواتر الإجمالي بل المعنوي في هذا المجال موجود.
لكنّ النقطة الأساسية في هذا المجال: لِمَ هذا المقدار من الثواب العظيم في الصلاة معهم؟ لماذا الصلاة خلفهم تساوي الصلاة خلف رسول الله؟ ولماذا يكون المصلّى خلفهم كالشاهر سيفه في سبيل الله؟ أليست العلّة الأساسية هي حفظ الوحدة الإسلامية، ومن ثمّ حفظ الإسلام الذي جاء به رسول الله وشيّد بنيانه وسدّد ثغوره ثم بعد موته صار مطمعاً للأعداء ومجالاً لقتل الأولياء؟! فأئمتنا أمروا شيعتهم بالصبر على المظالم والحضور معهم في الجماعات، قال الصادق× في ذيل قوله تعالى: {أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا} (القصص: 54)، قال: «صبروا على التقية»، وفي ذيل قوله تعالى: {وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} (القصص: 54)، قال: «الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة»([16]).
نعم كل شخص لاحظ نفسه يرى أنه من أشقّ الأعمال أن يصلّي خلف من ضربه أو أهانه أو قتل صديقه و.. لكن الصبر الجميل هو هذا الصبر، حتّى يبقى أساس الإسلام، فبهذا التوضيح يكون الثواب مناسباً للعمل.
هل الصلاة مع أهل السنة كصلاة الجماعة المعروفة عند الشيعة؟ ـــــــ
لا شك أنّنا نصلي صلاة الجماعة كل يوم ثلاث مرات أو خمس مرات في المدن الشيعية والقرى وفي المساجد كلها أو أكثرها، ونعرف أحكام صلاة الجماعة وآدابها وشروط الإمام وغيرها، فإمام الجماعة في مذهبنا مثلاً يجب أن يكون رجلاً عدلاً إمامياً مرضيّ المذهب ويتحمل عنا القراءة في الركعتين الأوليين من الجهورية وإن لم يَصِل صوته إلينا، فيجوز بل يستحب لنا أن نقرأ الفاتحة والسورة. وفي الصلوات الإخفاتية يجوز لنا السكوت لكن يستحب أن نذكر الله، فلا يجوز لنا أن نقرأ فاتحة الكتاب أو السورة في الركعتين الأوليين في الصلوات الإخفاتية وفي الجهرية عند سماع صوت الإمام، ويجب علينا متابعة الإمام في أفعاله أيضاً، ولا يجوز لنا أن نتقدّم الإمام في الصف أبداً.
لكنّ أهل السنة لا يشترطون العدالة في الإمام، ولا أن يكون من أهل السنّة أو من أهل فرقة خاصّة؛ فالشافعي يكون إماماً للحنبلي وبالعكس فالاعتبار بالإسلام، والمأموم يستحب بل يجب عليه أن يقرأ فاتحة الكتاب؛ ففي الإخفاتية يقرأ مع قراءة الإمام، وفي الجهرية يقرأ عند سكوته قبل الشروع في فاتحة الكتاب أو بعد إتمامها ويجب السكوت عليه حين قراءة الإمام. وفي اختلاف المذاهب هل يكون الاعتبار بفعل الإمام؟ عندهم خلاف، وفي جواز التقدّم على الإمام وعدمه أيضاً خلاف.
والهدف من ذكر هذه المقدمة أنه يجب علينا أن نجمع بين العمل بفقهنا والحضور معهم في الجماعة، كما أنّهم بأنفسهم يعملون بمذاهبهم ويدخلون في الجماعة. والعمل بمذهبنا لا يُنافي الدخول معهم في الجماعة بل أئمتنا^ كانوا يرغّبون أصحابهم بالحضور معهم فيها بل في الصف الأوّل كما مرّ.
وينبغي أن يعرف أنّه كما تختلف صلاة المسافر عن صلاة المقيم ولكلٍّ أحكام خاصّة به، كذلك الصلاة معهم وفي جماعتهم تختلف عن صلاة الجماعة خلف الإمام العادل الشيعي، فلكلٍّ أحكام خاصّة؛ فيجب على الذي يريد أن يشارك في جماعتهم تعلّم أحكامها.
كيفيّة صلاة الجماعة مع أهل السنّة ـــــــ
ينبغي أن يعرف أنه لا يجب على المصلّي قصد الوجه في صلاته؛ فعندما يصلي الظهر وهو في السفر لا يجب أن ينوي أنه مسافر وأنه يصلي ركعتين وأن هاتين الركعتين بدلٌ عن الأربع التي يصليها المقيم، بل يكفي له أن يصلّي ركعتين للظهر، وهكذا الأمر يكون في الصلاة مع أهل السنّة، لا يجب عليه أن ينوي أنّه يصلي فرادى أو يصلّي جماعة أو يصلّي صلاة الوحدة أو غيرها، بل يكفي أن يصلي معهم بأن يركع معهم ويسجد معهم ويعمل بواجبه في كل مرحلة؛ فيدخل معهم في الصف وينوي صلاته ويفتحها بالتكبير ويقرأ الحمد والسورة إخفاتاً، ثم يركع معهم ويستمرّ في صلاته حتى ينتهي، وإن فرغ من الحمد والسورة قبل الإمام في الصلوات الإخفاتية فيشتغل بالتسبيح والتنزيه حتى يركع الإمام، وإن لم يفرغ منهما حتّى ركع الإمام فيتمّ الحمد ويركع مع الإمام، ثم ينظر إن فرغ من الحمد وكان مشتغلاً بالسورة فصلاته صحيحة، وإن لم يستطع أن يفرغ من الحمد ويصل إلى ركوع الإمام يستأنف صلاته.
وفي الصلوات الجهرية يقرأ فاتحة الكتاب وسورةً صغيرة عندما يسكت الإمام مثلاً قبل الشروع في القراءة أو بعد الفراغ من الحمد، ويمكن له أن يقرأ الفاتحة بتبع الإمام ويقرأ سورةً صغيرة بعد الفراغ من الحمد حين سكوت الإمام، ثم يسمع قراءة الإمام القرآن ثم يركع معه، فإن فعل هذا فصلاته صحيحة بلا ريب؛ ويدلّ عليه بعض الأخبار، مثل:
1 ـ خبر عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن× عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدي بصلاته والإمام يجهر بالقراءة، قال: اقرأ لنفسك وإن لم تسمع نفسك فلا بأس. وسند الحديث صحيح، ومراده اقرأ خلفه إخفاتاً حتّى إن كان الإخفات بنحو حديث النفس بحيث لا تسمع صوتك أيضاً فلا بأس به. فالمهم نفس الحضور بينهم والصلاة معهم وكِلاهُما حاصل.
2 ـ خبر الحلبي، عن أبي عبدالله×، قال: إذا صلّيت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع. وسنده صحيح أو مصحّح بإبراهيم بن هاشم، وكلمة: «من لا يقتدى به» إشارة إلى ما شرحناه سابقاً من أن الصلاة معهم تختلف عن صلاة الجماعة التي نصلّيها خلف إمام شيعي عادل؛ فعندما نصلّي خلف الإمام العادل المرضيّ يقال: «الصلاة خلف من يقتدى به» وهي صلاة الجماعة المعروفة عندنا. وعندما نصلّي خلف غير الإمامي أو غير العادل فهو الذي يقال فيه: «الصلاة خلف من لا يقتدى به»، فالحضور معهم في الجماعات والصلوات يختلف عن صلاة الجماعة عملاً وشرطاً وثواباً، فمن ناحية العمل ـ كما في هذا الخبر وسائر الأخبار ـ يجب علينا أن نقرأ فاتحة الكتاب وسورةً أُخرى. ومن ناحية الشروط لا يجب أن يكون الإمام عادلاً أو مرضيّ المذهب، ومن ناحية الثواب يكون الثواب كالصلاة خلف رسول الله، ويكون المصلي كالشاهر سيفه في سبيل الله. والحكمة تكمن في وحدة المسلمين وإبقاء شوكتهم، وقطع أيادي الأجانب ومطامعهم عنهم.
3 ـ خبر إبراهيم بن شيبة قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني× أسأله عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين× وهو يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرم المسح وهو يمسح، فكتب×: «إن جامعك وإيّاهم موضع فلم تجد بدّاً من الصلاة فأذّن لنفسك وأقم، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح».
وناقل الحديث والمكاتب هو إبراهيم بن شيبة الذي لم يذكر بمدح ولا ذم، وأحاديثه عن الأئمة قليلة جداً، فالذي نفهمه من مكاتباته أنه شيعي صالح المذهب، إلاّ أن يعتمد على أحمد بن محمد بن أبي نصر الذي روى هذه المكاتبة عنه، وعلى كل حالّ فمضمون هذا الخبر مؤيد بأخبار كثيرة؛ فلا بأس به.
4 ـ خبر محمّد بن إسحاق ومحمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله×، قال: يجزيك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس، ورواه الصدوق مرسلاً. ورواه الكليني أيضاً مسنداً.
وهذا الحديث مرسل، ولا ندري من الذي نقل عنه محمد بن أبي حمزة، وهو محمد بن أبي حمزة الثمالي الثقة، وفي سند الحديث ابن أبي عمير الذي قيل في شأنه أنّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة، ومضمون الحديث مسانخ لسائر الأحاديث. فمن مجموع القرائن تطمئن النفس بصدور مثل هذا الخبر عن الإمام.
5 ـ خبر أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن× قال: «قلت له: إنّي أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أؤذّن وأقيم، ولا أقرأ إلاّ الحمد حتّى يركع، أيجزيني ذلك؟ قال: نعم يجزيك الحمد وحدها». وسنده غير قابل للاعتماد، ونظيره خبر أحمد بن عايذ؛ وعلى أيّ حال مضمونه مطابق للبقية؛ فالظن بل الاطمئنان بصدور هذا المضمون عن أئمتنا^ موجود.
وبهذا نكون نقلنا خمسة أحاديث: اثنان منها صحيح السند وواحد حسن، واثنان في سندهما كلام، لكنّ الجميع بمضمون واحد، والحاصل وجوب القراءة خلف من لا يقتدى به، وعليه فالصلاة معهم ليست بصلاة الجماعة، ولو فرض أنّها جماعة فهم ملتزمون بالقراءة خلف إمامهم كما في أحاديثهم وفتاواهم، فيجب علينا أن نقرأ خلفهم كما أنّهم بأنفسهم يقرؤون.
أما أحاديثهم فننقل بعضها من كنز العمال: 1 ـ إذا كنت مع الإمام فاقرأ بأمّ القرآن قبله وإذا سكت. 2 ـ من لم يقرأ مع الإمام فصلاته خِداج. 3 ـ لا تقرؤا بشيء من القرآن إذا جهرتُ إلاّ بأمّ القرآن. 4 ـ هل تقرؤون خلفي شيئاً من القرآن؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلاّ بأمّ القرآن سراً في أنفسكم.
وفي مضمونه أحاديث كثيرة في الباب نفسه.
فقراءة أم الكتاب عندهم واجب، لكنّ السورة لما لم يروها واجبةً لم يذكروا أحاديثها بل نقلوا بعض الأحاديث في الباب نفسه تدلّ على عدم جواز غير أمّ الكتاب، وهو ما يظهر أيضاً من الاستثناء في هذه الأخبار. أمّا نحن فنرى وجوب السورة في الركعتين الأوليين؛ لذا وجب علينا أن نقرأ سورةً صغيرة في صورة سعة الوقت فإن ركع الإمام ولا يوجد وقت للسورة يجوز لنا تركها، فنتركها ونركع معهم. كما نترك ـ في غير التقية أيضاً في ضيق الوقت ـ السورة وتكفينا الفاتحة وحدها.
أما فتاواهم، فالشافعية قالوا: يفترض على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام. والحنفية قالوا: إن قراءة المأموم خلف إمامه مكروهة تحريماً في السرية والجهرية. والمالكية قالوا: القراءة خلف الإمام مندوبة في السرية مكروهة في الجهرية إلاّ إذا قصد مراعاة الخلاف فيندب. والحنابلة قالوا: القراءة خلف الإمام مستحبة في الصلاة السرية وفي سكتات الإمام في الصلاة الجهرية، وتكره حال قراءة الإمام في الصلاة الجهرية. وفي حاشية المغني لابن قدامة الحنبلي: «فصل: وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة في حق الإمام والمنفرد في الصحيح من المذهب وهو قبول مالك والأوزاعي والشافعي». وفيه أيضاً: «يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة سكتة يستريح فيها ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة كي لا ينازعوه فيها وهذا مذهب الأوزاعي والشافعي وإسحاق وكرهه مالك وأصحاب الرأي… لنا… قال أبو سلمة بن عبدالرحمن: للإمام سكتتان فاغتنموا فيها القراءة بفاتحة الكتاب، إذا دخل في الصلاة، وإذا قال: ولا الضالين».
أقول: كما يظهر من الفقه على المذاهب الأربعة، ثلاث منهم قالوا بوجوب القراءة أو ندبه، والحنفية الذين لم يقولوا بوجوب القراءة خلف الإمام بل كرهوها، هم الذين لم يقولوا بوجوب الفاتحة في الصلاة بل يقولون: إنّ قراءة بعض القرآن من أيّ سورة كان يكفي فلا اعتناء بخلافهم.
ولنعم ما قال ابن قدامة: يستحبّ أن يسكت الإمام عقيب الحمد حتّى يقرأ فيه من خلفه كيلا ينازعوه. فلو كان ابن قدامة موجوداً في زماننا كان يقول للإمام أن يسكت سكتتان حتّى يقرأ الشيعة الذين هم أتباع العترة الطاهرة الحمدَ والسورة حتّى لا يكون خلاف.
فالذي نستنتجه من رواياتنا استحباب الصلاة معهم، وظهر أيضاً من رواياتنا ورواياتهم وفتاوى فقهائهم وفقهائنا وجوب قراءة الحمد، فالطوسي في النهاية يقول: «وإذا صليت خلف من لا تقتدي به قرأت خلفه على كل حال سواء جهر بالقراءة أو لم يجهر». وقال الصدوق في المقنع: «واعلم أنه لا يجوز أن تصلّي خلف أحد إلاّ خلف رجلين أحدهما: من تثق بدينه وورعه وآخر من تتقي سوطه وسيفه وشناعته على الدين، فصلّ خلفه على سبيل التقية والمداراة. وأذِّن لنفسك وأَقِم وأقرأ لها غير مؤتمّ»([17]).
أقول: مرّ في أوّل البحث أن التقية كانت لحفظ الإسلام والدين. وهذا هو الذي يرشدنا إليه الثواب العظيم للصلاة مع المخالفين، لكن انقلب مفهومها عمّا كان وصار سبباً لحفظ النفس؛ فلهذا أفتى الصدوق بالصلاة خلف من تتقي سوطه ولم يأت بدليل، مع أن الروايات التي مرّت ونقلها هو نفسه في الفقيه عامة وغير مرتبطة بحالة الخوف على النفس. والذي يهمّنا حكمه بأنه يجب القراءة خلفه ولا يكتفي بقراءته. وقال العلامة الحلّي في تذكرة الفقهاء، مسألة 588: «لو كان الإمام ممن لا يقتدي به، لم يجز الائتمام به، فإن احتاج إلى الصلاة خلفه جاز أن يتابعه في الأفعال، لكن لا ينوي الاقتداء به، ويقرأ مع نفسه، وإن كانت الصلاة جهرية، للضرورة، وتجزئه صلاته»([18]). وقال المحقق الحلي: «ولو كان الإمام ممن لا يُقتدى به وجبت القراءة»([19]). وقال النجفي في شرح عبارة الشرائع: «كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافاً بينهم كما اعترف به في المنتهى وعن السرائر، بل نسبه في الحدائق إلى عمل الأصحاب تارة وبزيادة «كافة»»([20]).
أقول: ما نستفيده من عبارة الجواهر أن وجوب القراءة خلف أهل السنة إجماعي أو قريب من الإجماع؛ إذ لم يظهر من أحد من فقهائنا خلافه، بل إنهم بين من لم يتعرّض للمسألة كالمفيد في المقنعة والسيد ابن زهرة في الغنية، وبين من تعرّض لها، فلم نجد فقيهاً واحداً في كل الأعصار يفتي بالصلاة معهم بدون قراءة الحمد، بل صرح بعضهم بعدم الخلاف كالحلّي في السرائر قال: «فأما من يؤتم به على سبيل التقية ممن ليس بأهل للإمامة فلا خلاف في وجوب القراءة خلفه»([21]).
والنتيجة الإفتاء بالصلاة معهم بدون القراءة مخالف للأخبار والإجماع ومخالف لأقوال أهل السنّة أيضاً فلا وجه له.
وقفة مع نصوص المنع عن الصلاة مع أهل السنّة ـــــــ
تحدثنا سابقاً عن الروايات الآمرة بالصلاة مع أهل السنة، لكن توجد بعض الروايات الناهية عن الصلاة خلفهم، لذا ننقلها ثم نبحث فيها.
1 ـ خبر ناصح المؤذّن قال: قلت لأبي عبد الله×: إنّي أُصلّي في البيت وأخرج إليهم، قال: اجعلها نافلة ولا تكبّر معهم فتدخل معهم في الصلاة، فإنّ مفتاح الصلاة التكبير.
وفي سند الرواية ناصح المؤذن الذي لم يرو عنه غير هذا الخبر في الكتب الأربعة، ولم يُذكر بمدح ولا بذم، فالسند فيه شخص مجهول فلا اعتناء به.
2 ـ خبر عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله× قال: قلت: إنّي أدخل المسجد وقد صلّيت فأُصلّي معهم فلا (ولا) احتسب بتلك الصّلاة؟ قال: لا بأس؛ فأمّا أنا فأُصلّي معهم وأُريهم أني أسجد وما أسجد.
وفي سند الحديث القاسم بن عروة الذي لم يذكر بمدح ولا ذم، ولم يصل السيد الخوئي إلى توثيقه؛ فهذا الحديث أيضاً فيه ضعف.
3 ـ خبر عبيد الله الحلبيّ، عن أبي عبد الله× قال: إذا صلّيت وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت فاخرج، فإن شئت فصلّ معهم واجعلها تسبيحاً.
وهنا، أولاً: هذا الخبر التام السند، مخالف لصحاح كثيرة مثل: «يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء» أو «لا ينبغي للرجل أن يدخل معهم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة بل ينبغي له أن ينويها وإن كان قد صلى فإنّ له صلاة أُخرى» ومثل «صلّ معهم يختار الله أحبّهما إليه» أو «يصلي معهم ويجعلها فريضة» وأكثرها صحيح سنداً أو موثق.
ثانياً: بقرينة سائر الروايات يمكن حمل هذه الرواية على الناصبي، بمعنى أن يكون الإمام ناصبياً وعدواً لأهل البيت؛ فالصلاة معه غير جائزة وتجب إعادتها.
4 ـ خبر زرارة قال: سألت أبا جعفر× عن الصلاة خلف المخالفين، فقال: ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر.
والسند صحيح، لكنّ هذا الخبر لا يدلّ على عدم جواز الصلاة مع المخالفين، بل يطالب المصلي معهم أن يأتي بكل أفعال صلاته من القراءة والسورة وغيرهما، ومعناه أن الإمام لا يتحمل عن المأموم شيئاً فلا يدل على عدم الصلاة معهم ولا يدلّ على عدم الحضور في جماعتهم.
5 ـ خبر عليّ بن سعد البصري قال: قلت لأبي عبد الله×: إنّي نازل في قوم بني عدي ومُؤذّنهم وإمامهم وجميع أهل المسجد عثمانيّة يبرؤون منكم ومن شيعتكم وأنا نازل فيهم، فما ترى في الصلاة خلف الإمام؟ فقال×: «صلّ خلفه واحتسب بما تسمع، ولو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار وأخبرته بما أفتيتك فتأخذ بقول الفضيل وتدع قولي قال عليّّ: فقدمت البصرة فأخبرت فضيلاً بما قال، فقال: هو أعلم بما قال، ولكنّي قد سمعته وسمعت أباه يقولان: لا تعتد بالصلاة خلف الناصبيّ، واقرأ لنفسك كأنّك وحدك».
وفي السند علي بن سعد البصري الذي لم يذكر بمدح ولا بذم، كما أن كلامه× كان حول المتبرّئين من عليّ والأئمة فلا ينطبق على أهل السنّة في عصرنا الذين هم محبّون لأهل بيت النبي’ ويرون المحبّة أجراً للنبي: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}.
6 ـ خبر إبراهيم بن عليّ المرافقيّ وعمر بن ربيع، عن جعفر بن محمد× ـ في حديث ـ أنّه سأل عن الإمام إن لم أكن أثق به أُصلّي خلفه وأقرأ؟ قال: «لا، صلّ قبله أو بعده، قيل له: أفأُصلّي خلفه وأجعلها تطوّعاً؟ قال: لو قبل التطوّع لقبلت الفريضة، ولكن اجعلها سبحة». لكنّ أحمد بن محمد بن يحيى الخارقيّ الوارد في سند الرواية غير موجود بهذا الاسم في الكتب الرجالية، فيمكن أن يكون الخارق تصحيف الحازي أو الحازني كما في التهذيب، وبهذا الاسم موجود لكنّه مجهول. أمّا إبراهيم بن علي المرافقي فمجهول أيضاً، والراوي عنه هل هو الحسن بن الحسين كما في التهذيب، أو هو الحسين بن الحسن كما في الوسائل؟ فعلى أي حال في سند الحدث مجاهيل لا يمكن الاعتماد عليه.
فهذه خمس روايات ناهية عن الصلاة معهم ضعيفة السند، والصحيح السند منها غير ناهٍ؛ فالجمع بين الروايات هو أن نصلي معهم لكن نقرأ فاتحة الكتاب كما هم يقرؤون، وإن أمكننا قراءة السورة أيضاً ومتابعتهم في سائر الأمور فهو جيد؛ وبهذا أفتى الشيخ الطوسي والمحقق الحلي والعلاّمة الحلي وابن إدريس وغيرهم كما مرّ.
فقهيات ناتجة عن الصلاة مع أهل السنّة جماعة ـــــــ
1 ـ قراءة الإمام سور العزائم الموجبة للسجود ـــــــ
قد يقرأ الإمام سورة العزائم في الصلاة كما هو المتعارف الآن في صلاة الصبح يوم الجمعة، ثم يسجد عند وصوله إلى آية السجدة ثم يتمّ الصلاة. وهنا ينبغي أن نصلّي معهم إذا حضرنا في المسجد، ونسجد عند استماع آية السجدة ثم بعد انتهاء الصلاة يجب علينا أن نستأنف صلاتنا. وينبغي لهم أن يراعوا فتوى فقهائنا ويتركوا قراءة العزائم في الصلاة حتّى تكون الصلاة صحيحةً على كل المذاهب.
2 ـ صلاة الإمام والمأمومين المسافرين تماماً ـــــــ
إنّ أهل السنّة لا يرون وجوب القصر في صلاة المسافر، بل يقولون بالتخيير بين القصر والإتمام، وإمامهم يصلي صلاة تامّة لأنه غير مسافر، والمصلّون يصلّون تماماً لأنّهم مخيّرون؛ فما تكليفنا هنا؟
الواجب علينا هنا أن نتشهد في الثانية ونسلّم، ويكفي أن يقال في السلام: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، ثم وبدون حركة وتلفّت الوجه عن القبلة نقوم ونكبر مرة أُخرى لصلاة أُخرى قضاءً أو أداءً أو نفلاً، ونقرأ الفاتحة ونركع معهم ونسجد وهكذا حتّى تنتهي الصلاة. وأيضاً يتخيّر المسافر في الحرمين الشريفين بين القصر والإتمام فيمكن تنسيق العمل معهم طبقاً لذلك، علماً أن في هذه المسألة خلافاً بين الفقهاء الشيعة المعاصرين.
3 ـ مشكلة الخلاف في ما يسجد عليه في الصلاة ـــــــ
إنّ أهل السنّة لا يوجبون السجود على الأرض أو يتوقفون في السجود على ما ينبت منها، وفُرُش المسجد ليست من جنس ما يجوز السجود عليه، وهم لا يسمحون بوضع التربة للسجود، وبعضهم ينسب ذلك إلى الشرك، وهنا عند حضورنا في مساجدهم والصلاة معهم يفوتنا شرط من شروط السجود، وببطلان السجدة تبطل صلاتنا، إذاً فقد يقال: يجب علينا أن نجتنب جماعتهم والحضور في مساجدهم والصلاة معهم.
لكنّي أقول:
أولاً: في المسجدين الشريفين توجد أماكن كثيرة مفروشة بالأحجار؛ فيمكن لنا أن نصلّي عليها ونسجد على ما يجوز السجود عليه عندنا.
ثانياً: ينبغي لهم أن يعملوا بما قاله ابن قدامه الحنبلي في كتاب المغني: يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة سكتة يستريح فيها ويقرأ فيها من خلفه كي لا ينازعوه فيها، فكما رجّح للإمام أن يسكت حتّى يقرأ الآخرون الحمد وبذلك ينتهي النزاع فينبغي لهم ـ وهم الذي يدّعون أنهم لا يحبون شقّ عصا المسلمين ـ أن يفرشوا المساجد بطريق يبقى موضع السجود مفروشاً بالحجر أو بالحصير أو شبههما من نبات الأرض غير المأكول ولا الملبوس حتّى يسجد كل المسلمين عليه، ويعمل كل مذهب بما يجب عليه فعله، ومن الجدير بالذكر أن نعلم أن السجود على الأرض أو ما ينبت منها عندنا واجب وعندهم ـ على ما في رواياتهم الكثيرة ـ إمّا واجب أو مستحب مؤكّد، وهذا يقرّب الأمور ويوفر المناخ للتوافق، ولهذا ننقل بعض رواياتهم في هذا المضمار من كتبهم المعتبرة:
1 ـ في صحيح البخاري عن ميمونة قالت: كان رسول الله’ يصلّي وأنا حِذاءَه… وكان يصلّي على الخُمرة.
2 ـ في صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله’: ناوليني الخمرة من المسجد قالت: قلت: إني حائض..
3 ـ وجاء هذا الحديث بلفظ آخر عن عائشة قالت: أمرني رسول الله’ أن أناوله الخمرة من المسجد فقلت: إني حائض..
وقال النووي في شرحه: «الخمرة: بضم الخاء وإسكان الميم، قال الهروي وغيره: هي هذه السجادة وهي ما يضع عليه الرجل جزءاً من وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة من خوص… وقال الخطابي: هي السجادة يسجد عليها المصلي.. وسميّتْ خمرة؛ لأنها تخمر الوجه، أي تغطيه، وأصل التخمير: التغطية، ومنه خمار المرأة، والخَمْر: لأنّها تغطّي العقل..».
وعليه فالخمرة مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات ولا تكون الخمرة إلاّ في هذا المقدار، وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها، وقد تكررت في الحديث.
أقول: يظهر من هذه الأحاديث الواردة في الصحيحين «أن رسول الله’ كان يصلي على الخمرة». وكلمة «كان يصلي» تدلّ على الاستمرار، أي كان هذا دَيدَنه بحيث عندما كان في المسجد كان يأمر أهله أو جاريته كي تأتي له بالخمرة؛ فالسجود على الخمرة أو على الحصير سنّة نبوية.
4 ـ في صحيح مسلم، في باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على الحَصير والخمرة والثوب، جاء بأحاديث تدلّ على أن الرسول’ صلّى على الحصير، فالسجود عليها من السنّة، وأورد حديث ميمونة «كان’ يصلي على خمرة».
فبعد هذه الأحاديث الصريحة النّاقلة للسنة، على الذين يقولون بجواز السجود على الفرش والموكيت([22]) أن يأتوا بالدليل؛ إذ الرسول نفسه يقول: «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي»، وهو صلّى على الحصير والخمرة، فالسجود عليها جائز بل مستحب بل واجب، ولو أتوا بالدليل مع ذلك هم تاركون للسنة النبوية؛ لأنّ النبي كان يسجد على الخمرة المنسوجة، وكان في وقته قادراً على السجود على غيرها؛ فيجب عليهم أن يتركوا مخالفة السنّة ويلتزموا بالسنّة.
5 ـ في سنن ابن ماجة، باب الحائض تتناول الشيء من المسجد، عن عائشة قالت: قال رسول الله’: ناوليني الخمرة من المسجد. فقلت: إني حائض، فقال: ليست حيضتك في يدك.
6 ـ وفيه أيضاً حديث ميمونة زوج النبي’ الذي نقلنا سابقاً، وحديث أبي سعيد قال: صلّى رسول الله’ على حصير.
7 ـ وفيه أيضاً، عن عمرو بن دينار، قال صلّى ابن عباس ـ وهو بالبصرة ـ على بساطه، ثم حدث أصحابه أن رسول الله’ كان يصلي على بساطه.
ومن الحديث الأخير يظهر أن رسول الله وأصحابه كانوا يصلون على الأرض بلا فراش ولا حصير، فابن عباس صلّى على بساطه، وقال: كان رسول الله’ يصلّي على بساطه، ومراده من البساط الحصير.
8 ـ وفيه أيضاً، عن عبد الله بن عبد الرحمن، قال: جاءنا النبي’ فصلّى بنا في مسجد بني عبد الأشهل، فرأيته واضعاً يديه على ثوبه إذا سجد. وعنه عن أبيه عن جده «أن رسول الله’ صلّى في بني عبد الأشهل وعليه كساء متلفف به يضع يديه عليه يقيه بَرد الحصى».
وكما يظهر من هذه الأحاديث، فالسجود على الأرض والتراب كان ثابتاً، وفي حالة الاضطرار مثل البرد الشديد كان ’ يضع يديه على الثوب، ومع ذلك سجد على الأرض أو الخمرة؛ فمن يجوّز السجود على الفرش يطالب بالدليل، وليس لديه شيء يأتي به.
9 ـ وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال: كان رسول الله’ يصلّي على الخمرة، ونفس الحديث ذكر في موضع آخر أيضاً وفيه عن ابن عمر، أن النبي’ قال لعائشة: ناوليني الخمرة من المسجد فقالت… وفيه عن ابن عمر: «كان النبي’ يصلي على الخمرة». وفيه عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله’ يدخل على أم سليم فتبسط له نطعاً فيقيل عليه فتأخذ من عرقه فتجعله في طيبها وتبسط له الخمرة فيصلي عليها.
أقول: «النطع بساط من الأديم» فلو كانت الصلاة عليه جائزةً لم يكن هناك مبرّر لبسط الخمرة له حتّى يصلّي.
10 ـ وفيه أيضاً عن عائشة قالت: قال رسول الله’: ناوليني الخمرة من المسجد قالت…. ونظيره حديث آخر، وفيه أيضاً، وحدّثتني عائشة: أن رسول الله’ كان في المسجد فقال للجارية: ناوليني الخمرة، قالت: أراد أن يبسطها فيصلي عليها، قالت: إنّها حائض… وأيضاً نظيره حديث آخر.
أقول: هذا الحديث يفسّر إجمال بعض الأحاديث السابقة واللاحقة القائلة: «ناوليني الخمرة» إذ لم يذكر فيها لماذا كان الرسول يطلب الخمرة، وهذه الرواية تشرح أنه كان يريد الخمرة للصلاة عليها.
وفيه أيضاً «ناوليني الخمرة» وفي موضع آخر: «ناوليني الخمرة من المسجد»، وفيه أيضاً عن عائشة «أن النبي’ كان يصلي على الخمرة». وعن أم سلمة: «أن رسول الله’ كان يصلي على الخمرة». وعن ميمونة بنت الحرث قالت: «كان رسول الله’ يصلي على الخمرة»، وفيه حدثنا عبد الله بن شداد بن الهاد، قال: سمعت خالتي ميمونة بنت الحرث زوج النبي’ أنّها كانت تكون حائضاً وهي مفترشة بحذاء مسجد رسول الله’ وهو يصلي على خمرته إذا سجد أصابني طرف ثوبه.
أقول: يظهر منها أن له خُمرة خاصة كان يصلي عليها وكان ديدنه الصلاة عليها. وفيه أيضاً، عن أم سليم عن النبي’ كان يأتيها فيقبل عندها فتبسط له نطعاً فيقيل عندها وكان كثير العرق فتجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير، قالت: «وكان يصلي على الخمرة».
أقول: الظاهر أنَّ كلمة (عن النبي) تصحيف والصحيح «أن النبي».
وبعد نقل هذه الروايات من طرق أهل السنة، وهي روايات روتها: عائشة وميمونة وأم سلمة وأم سليم وابن عباس، يظهر أن السجود على الخمرة كان من ديدن النبي، سيما بعد الانتباه إلى دلالة تركيب «كان يفعل كذا» على الاستمرار، فعلينا أن نتمسّك بسنته ونسجد على الخمرة.
والروايات المرتبطة بالسجود على الأرض والحصير وما شابه ذلك ليست منحصرة بروايات الخمرة والحصير، بل في السنن الكبرى للبيهقي باب الكشف عن الجبهة عن السجود، جاءت الأحاديث التالية:
1 ـ عن خباب بن الأرث، قال: شكونا إلى رسول الله’ شدّة الرمضاء في جباهنا وكُفّنا فلم يشكنا.
2 ـ وعن جابر بن عبد الله قال: كنت أصلّي مع رسول الله’ صلاة الظهر فأخذ قبضة من الحصى في كفي حتّى تبرد وأضعها بجبهتي إذا سجدت من شدة الحرّ.
أقول: مراده من أضعها بجبهتي أي أضع جبهتي عليها فيكون مضمونه كخبر بشر بن الفضل… فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه.
3 ـ فيه أيضاً أن رسول الله’ رأى رجلاً يسجد بجنبه وقد اعتم على جبهته فحسر رسول الله’ عن جبهته.
4 ـ عن عياض بن عبد الله القرشي قال: رأى رسول الله’ رجلاً يسجد على كور عمامته فأومأ بيده، أرفع عمامتك وأومأ إلى جبهته.
5 ـ وفيه عن ابن أبي ليلى عن علي× قال: إذا كان أحدكم يصليّ فليحسر العمامة عن جبهته.
وفيه روايات أخرى بهذه المضامين، وقد فتح باباً آخر سمّاه «باب من بسط ثوباً فسجد عليه» وذكر فيه أحاديث تدلّ على جواز طرح الثوب والسجود عليه إذا كان الحرّ أو البرد شديد؛ منها: عن أنس قال: كنّا إذا صلينا مع النبي’ فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهة من الأرض من شدّة الحر طرح ثوباً ثم سجد عليه. وفي خبر آخر عن أنس بهذا المضمون، ثم قال: «ورواه البخاري في الصحيح بقريب من هذا اللفظ عن أبي الوليد».
أقول: والحاصل من أخبار أهل السنة ـ وفيها قول النبي وفعله وقول الصحابة وعملهم ـ الحكم بوجوب مباشرة الجبهة الأرض. فلا يبقى وجه للسجود على الفرش والموكيت وأمثال ذلك، فعلى المتولّين لأمر المساجد والمتولّين للحرمين الشريفين أن يفرشوا المساجد بحيث يمكن للمصلين من أيّ مذهب كانوا أن يعملوا بواجبهم أيضاً، ويتمكّن المسلمون الذين لا يرون السجود على الأرض واجباً أن يسجدوا كما كان رسول الله’ يسجد.
رأي فقهاء أهل السنة في السجود على الأرض ـــــــ
1 ـ في المغني لابن قدامة: فصل؛ ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء.. ثم نقل الأقوال المخالف والمؤالف في المسألة ثم قال: «والمستحب مباشرة المصلي بالجبهة واليدين ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة، قال أحمد: لا يعجبني إلاّ في الحرّ والبرد. وكذلك قال إسحاق، وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة».
2 ـ وفي حاشية المغني: «مسألة: لا تجب عليه مباشرة المصلي بشيء منها إلاّ الجبهة على إحدى الروايتين… وفي رواية أُخرى يجب عليه مباشرة المصلي بالجبهة ذكرها أبو الخطاب، وروى الأثرم قال: سألت أبا عبد الله عن السجود على كور العمامة فقال: لا يسجد على كورها، ولكن يحسر العمامة، وهو مذهب الشافعي».
3 ـ وفي كتاب «الأم» لمحمد بن إدريس الشافعي: «لو سجد على بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك له… ولو سجد على رأسه ولم يمس شيئاً من جبهته الأرض لم يجزه السجود، وإن سجد على رأسه فماس شيئاً من جبهته الأرض أجزأه السجود ـ إن شاء الله تعالى ـ ولو سجد على جبهته ودونها ثوب أو غيره، لم يجزه السجود إلاّ أن يكون جريحاً فيكون ذلك عذراً».
هذا هو كلام الشافعي، لكنّ عبد الرحمن الجزيري ـ مؤلّف الفقه على المذاهب الأربعة ـ قال: «ويشترط في صحة السجود أن يكون على يابس تستقر جبهته عليه، كالحصير والبساط، بخلاف القطن المندوب الذي لا تستقر الجبهة عليه، فإنه لا يصح عليه السجود… ولا يضرّ أن يضع جبهته على شيء ملبوس أو محمول له يتحرك بحركته، وإن كان مكروهاً باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية».
فمن عبارته يفهم أن الشافعية يجوّزون الصلاة على البساط والفرش من أيّ جنسٍ ونوعٍ كان. فهل للشافعية رأي آخر غير موجود في كتاب الأم أو يقصد من الأرض معنى يشمل الفرش والبساط أو أخطأ عبد الرحمن الجزيري في فهم مذهب الشافعي؟ احتمالات، والذي يظهر من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي ـ الذي وضع لنقل المسائل الخلافية بين الشيعة وأهل السنة ـ أنّ الشافعية يجوّزون السجدة على البساط من أيّ جنسٍ كان؛ إذ قال: «لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس من قطن أو كتان مع الاختيار، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وأجازوا السجود على القطن والكتاب والشعر والصوف وغير ذلك.. دليلنا إجماع الفرقة؛ فإنّهم لا يختلفون في ذلك، وأيضاً طريقة الاحتياط؛ فإنّه لا خلاف أنه إذا سجد على ما قلناه أن صلاته ماضية… وروى الفضل..».
أقول: إن كان قول الشافعي مطابقاً لقولنا كان عليه أن يستثنيه. وكيف كان فسنّة سيد المرسلين تُساعدنا على أن نسجد على الأرض أو الحصير.
وعليه وبما أن الشيعة والشافعية يرون وجوب مباشرة الجبهة الأرض، والحنابلة يرونها مستحبةً، والأحاديث الكثيرة في هذا المجال موجودة، فيجب مراعاة حال المسلمين، ولله درّ ابن قدامه لو كان حياً كان يأمر بجمع الفرش عن موضع السجود ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة.
هذا سنيّاً، أمّا على المستوى الشيعي فالأدلّة الوافية على هذا الحكم موجودة، ولا يمكن المناقشة فيها، وهي ـ كما ذكر الشيخ الطوسي ـ ثلاثة: 1 ـ إجماع الفرقة. 2 ـ طريقة الاحتياط، بمعنى أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقينية. 3 ـ الروايات المعتبرة.
وبما أن السنّة النبوية أيضاً كانت كاشفة عن سجود النبي’ على الأرض والخمرة، وبما أننا فرقة من فرق المسلمين، وأئمتنا ـ وهم أسباط النبي وفيهم محمد بن علي باقر علم الأوّلين والآخرين، وفيهم جعفر بن محمد الصادق ـ قالوا بوجوب مباشرة الجبهة الأرض أو ما أنبتته الأرض بشرط أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً، فعلى المتولّين لأمر المساجد أن يفرشوها بحيث يكون السجود على الأرض لنا ممكناً، حتّى ندخل معهم في الصلاة ونعمل بواجبنا، كما هم يدخلون ويعملون بواجبهم، أو نعمل نحن بواجبنا وهم يعملون بالسنّة المتواترة.
وأختم هذه النقطة بالإشارة إلى بعض الروايات عن أهل البيت في هذا المجال:
1 ـ قال أبو عبد الله، جعفر بن محمد الصادق×: «لا تسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان»([23]).
2 ـ قال أبو عبد الله×: دعا أبي بالخمرة فأبطأتُ عليه فأخذ كفّاً من حصا فجعله على البساط ثم سجد([24]).
3 ـ قال أبو الحسن الرضا×: «لا تسجد على القير ولا على الصاروج»([25]).
4 ـ قال أبو عبد الله×: «السجود على الأرض فريضة وعلى الخمرة سنّة»([26]).
5 ـ سأل زرارة أبا جعفر× (أ) اسجد على الزفت؟ فقال: «لا ولا على الثوب الكرسف ولا على الصوف ولا على شيءٍ من الحيوان ولا على طعام ولا على شيء من ثمار الأرض ولا على شيء من الرياش»([27]).
6 ـ عن أحدهما‘ قال: «لا بأس بالقيام على المصلّي من الشعر والصوف، إذا كان يسجد على الأرض، فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه».
إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة أو الظاهرة في وجوب السجود على الأرض، وبما أن أئمتنا^ أعلم بمذاق الرسول’ وسيرته وهم أفتوا بوجوب السجود على الأرض ولم يسجدوا إلاّ على الأرض أو الخمرة؛ فعلى المسلمين أن يتابعوهم ويسجدوا على الأرض.
نتيجة البحث ـــــــ
نستنتج من جملة البحث السابق أنّه يستحب لنا مؤكّداً أن نصلّي مع أهل السنّة وفي مساجدهم وجماعاتهم، ويجب علينا أن نقرأ خلفهم «سورة الفاتحة» إخفاتاً وإن وجدنا فرصة فنقرأ سورة صغيرة أيضاً ونركع ونسجد معهم.
وينبغي لنا أن نصلّي بحيث نعمل بواجبنا الشرعي المطابق لأقوال أئمتنا الطاهرين، فمثلاً نسجد في مكان من المسجد يكون مفروشاً بالأحجار أو الحُصُر أو نصنع سجادات بحيث يكون أمامها حصير منسوج بمقدار ما يصح السجود عليه. وأحسن من الكل أن يسأل العلماء والقادة من الشيعة متولي الحرمين الشريفين أن يفرشوا المساجد بما يصحّ السجود عليها على طبق كل المذاهب؛ حتّى يدخل الكل في الصلاة ونذوق طعم الوحدة ونُري أعداءنا القدرة المركزة الواحدة؛ لعلهم ينصرفون عن المؤامرات القائمة على شعار: «فرّق تسد».
الهوامش
(*) باحث وأستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية بمدينة إصفهان.
([1]) هذا هو الذي نقبله مما يسمّونه في عصرنا بتعدّد القراءات؛ فالأمور التي تكون كالنص في الدين أو نطق بها القرآن بالصراحة لا مجال لتعدّد القراءات فيها، بل يمكن أن يقال: إنه لا يوجد فيها قراءات متعدّدة؛ إذ كل الفِرَق ملتزمون بالنصوص وبالسيرة القطعية، أمّا غيرها مما لا يكون كالنص، فالتعدّد فيها ممضيّ، وعمل كل فرقة صحيح إذ كانوا بالإنفراد، وعند الاجتماع يعملون بالمشتركات أو الأقلّية يتّبعون الأكثرية. فنحن كشيعة الجعفرية نتّبع قراءة جعفر بن محمد عن الدين عندما نكون في بلادنا وبعيدون من أجواء أهل السنّة ونعمل بقراءتهم عن الدين عندما نكون بينهم كمكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة. وتوضيح هذا مرّ منّا في الرسالة المسماة به «الربط بين التقية وتعدّد القراءات» فراجع.
([2]) وسائل الشيعة، باب 24 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح2.
([10]) المصدر نفسه، الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة، ح1.
([11]) الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1: 382، ح1125.
([13]) وسائل الشيعة، الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة، ح2.
([15]) الخوئي، معجم رجال الحديث 3: 62.
([16]) وسائل الشيعة، باب 24 من أبواب الأمر بالمعروف، ح1، والسند صحيح أو مصحّح لأجل إبراهيم بن هاشم.
([17]) الطوسي، المبسوط 1: 158.
([18]) الحلي، تذكرة الفقهاء 4: 318.
([19]) الحلي، شرائع الإسلام 1: 123.
([20]) النجفي، جواهر الكلام 13: 195.
([21]) ابن إدريس الحلي، السرائر 1: 284.
([22]) نوع من السجاد تُنسج بالألياف الصناعية.