أحدث المقالات

ترجمة: الشيخ علي محسن

تقديم

اعتاد الباحثون والمؤلفون الذين درسوا مسائل الوقف وتحليل جوانبه، كلهم أو جلهم، منذ الأدوار السابقة وحتى عصرنا الحالي، اعتادوا على التطرق إلى هذا البحث من زاويتين اثنتين؛ فبينما تعامل الفقهاء بطريقتهم الخاصة وبأدواتهم الفقهية مع مسائل من قبيل: أحكام الواقف الحقوقية، صيغة الوقف، العين الموقوفة، الموقوف عليه، شرائط الوقف، نجد بعضاً آخر يتعرض لجوانب في هذا البحث من زاويةٍ تاريخية، كمسألة أوّل واقفٍ في تاريخ الإسلام، أو الوقف في البلدان الإسلامية أو في مدنٍ من العالم الإسلامي، كوقف الأزهر أنموذجاً.

وفيما عدا الطريقتين المذكورتين، فإن بحث الوقف كان محلاً للاعتناء ـ أحياناً ـ في ثنايا مصادر علم الاجتماع، أعني من ناحية دراسة آثار الوقف، وما له من مردودات على الصعيد الاجتماعي.

وفي وقتنا الحالي، نجد أنه قد ازدادت العناية بمعالجة موضوع الوقف من هذه الناحية، ولا سيما من منظور علم الاجتماع الحقوقي، وقد ترافق ذلك مع ظهور بعض الدراسات الأولية التي قام بها المستشرقون في هذا المجال. هذه الدراسات والأبحاث التي تحمل هذا الطابع في مجال الوقف، تحتل في سلّم الأهمية ـ مع تطويرها والرقي بها ـ درجةً مقنعة ومرضية إلى حد كبير. ويمكن في هذا السياق تسليط الضوء على موضوعات متعددة، وما نراه ضرورياً وهاماً منها دراسةٌ مستقلة حول انتقادات المستشرقين وتحليلاتهم.

إلا أن الذي تبرز الحاجة إليه أكثر، هو الدراسات والأبحاث التي تتناول مسائل الوقف من زاويةٍ كلامية ومعرفية، فهذا النحو من الدراسات لم يتمّ التعرض له سوى في ثنايا بعض الكتب وبشكلٍ ضعيف بما يفتقر إلى الجدّية اللازمة. ولعل هذا الضعف ـ الذي يمكن ملاحظته في الدراسات الفقهية والتاريخية المتعلّقة بقضية الوقف على الصعيدين: الكمي والكيفي ـ ناشئٌ عن عدم نضوج المباحث الكلامية للوقف أو عن عدم إتقانها.

ومقالتنا هذه، تسعى إلى إعادة التوسّع في بعض المجالات والحقول من خلال الاستعانة بهذه النظرة، وإن كانت هذه المقالة ـ بالتأكيد ـ لا تدّعي حتمية نتائجها ونهائيّتها، ولا أن ما يجيء فيها من كلام هو رأيٌ جامع أو قول فصل.

حقيقة الوقف في الفقه الإسلامي

عرّف الوقف في النصوص الإسلامية ـ كما في كلمات الفقهاء ـ بأنه خيرٌ وبر وإحسان تحصل به الفائدة ويعود به النفع على المصالح الاجتماعية والإنسانية، وهو ما يشكل ـ لوحده ـ دليلاً عقلياً ناهضاً وكافياً لإثبات مشروعيته. وقد اعتبر هؤلاء أن الوقف يفقد شرعيّته لو كان مترافقاً مع المعصية أو مع الإضرار بالآخرين([1])، كما واشترطوا في الواقف أن يكون واجداً لأهلية التبرع([2]).

إن المحبة بوصفها نوعاً ـ ومثلها الرحمة والتعاون وطلب الخير ـ تشكل جزءاً من أخلاق البشر وخصالهم. ويعد الوقف واحداً من تجليات هذه الخصال وطريقاً موصلاً إليها، ولذلك كان له وجودٌ في الأديان والأمم كافة، قبل الإسلام وبعده؛ فلقد تحدث المؤرخون عن أوقاف إبراهيم الخليل، ووصفوها بأنها إحدى أشهر الأوقاف التي عرِفت في مرحلة ما قبل الإسلام([3]). كما أنّ الكهنة ورجال الدين من الزرادشتيين كانوا يستعينون على إدارة معابدهم وصوامعهم وهياكل نيرانهم بالنذورات والموقوفات التي كانت تصل إليهم، وكذا كان المسيحيون واليهود يستفيدون من الموقوفات في إدارة معيشة أساقفتهم وحاخاماتهم([4]).

من هنا، لم يكن للوقف بنظر فقهاء المسلمين حقيقة شرعية([5])، ولم يكن من أحكام الإسلام التأسيسية، وإنما هو سيرةٌ عملية جرت عليها الأديان والملل السابقة، وقد أمضاها الإسلام وأكّد عليها بوصفها عملاً خيرياً ومقبولاً([6]).

وإذا ما التفتنا إلى هذا كلّه، يظهر لنا أن بروز الوقف بوصفه أمراً إنسانياً أشدّ وأوضح بكثيرٍ من بروزه بوصفه أمراً له ارتباط ما بشريعة خاصة، أو ابتكره الشرع واستحدثه بعد أن لم يكن، ولذلك نجد أن المناطات والطرائق التي ينبغي أن تكون حاكمةً عليه إنما هي مناطات السيرة العقلائية وطرائق العرف لا غير. وعلى هذا الأساس أيضاً يمكن النظر إلى الوقف بوصفه بحثاً له رصيده الضخم من المصالح والاعتبارات العقلائية.

الوقف وأهداف الدين هل يُساء استخدام الوقف في العالم الإسلامي؟!

يعتبر الوقف من الأمور التي تمهّد الطريق وتهيئ السبيل لتحقق أهداف الدين ومقاصد الشريعة، فلو نظرنا للدين بوصفه البرنامج الذي أعِد للارتقاء بالأبعاد الإنسانية والبشرية ولتأسيس المجتمع المثالي، كان الوقف بالتأكيد جزءاً لا يتجزأ من هذا البرنامج وواحداً من مكوّناته الأساسية، وأمراً لازماً لنيل هذه الأهداف وتحقيقها؛ لهذا السبب أفتى الفقهاء بعدم صحّة الوقف الذي يكون لمعونة قطّاع الطريق، لما فيه من تخريب إنساني واجتماعي([7])؛ كما قالوا بعدم شرعية الوقف على الكنيسة أو للمعونة على الزنا أو شرب الخمر أو على كتب التوراة والإنجيل([8]). كما جعلوا عدم الإعانة على الإثم والمعاصي في عداد شروط صحة الوقف([9]).

وفي واقع الأمر، فإن أهداف الواقف لابد لها وأن تبقى داخل فلك مقاصد الشريعة، والفقهاء لا يتعرضون لاستنباط الأحكام فيما يتعلّق بالوقف إلا بعد أخذ هذا الأمر واعتباره أصلاً موضوعاً ومفروضاً. كما يجب على الأطراف المعنيين بتنفيذ عملية الوقف ـ أعني بهم ما يعم شخص الواقف والموقوف عليه والمشرف على العملية أو الحاكم ـ أن يأخذوا بعين الاعتبار الأهداف العليا للشريعة، مراعين ما يمكن تحقيقه والوصول إليه منها، ليقدموا ـ بعد إجراء الموازنة فيما بينها ـ على ترجيح أولاها وعلى تقديم أكثرها أهميةً؛ فبعض المتشرعة ضيعوا الأوقاف بتوجيهاتهم، بل وأحياناً باستنباطاتهم؛ وإنه ليتسنى لجميعنا أن نرى في بعض الأحيان الاستضعاف والفقر الشديد والمدقع يعششان في منطقةٍ ما على الرغم من وفور أوقافها وكثرتها. أجل لقد سجّلت لنا صفحات التاريخ مثل هذا النوع من سوء الإدارة أو فقل: من سوء الاستغلال.

وعلى سبيل المثال، كانت أوقاف طهران ـ قديماً ـ تحت تصرف الملا علي الكني، ثم انتقلت بعد وفاته ـ وبأمرٍ من ناصر الدين شاه ـ إلى صهره الذي كان إماماً للجمعة، والذي كان كسلفه يستخدم عوائد هذه الأوقاف ـ البالغة آنذاك ما يقارب 24 ألف تومانٍ ـ في مصارفه الشخصية، مما جعل الطلاب في حالة شكوى دائمة منه([10]).

إن القرب من الله ونيل السعادة على الصعيدين: الفردي والاجتماعي، واللذين يشكلان هدف الدين الأسمى، إنما ينالان ويكتسبان في ضوء أسسٍ تدلي بدلو العون والمساعدة من كافة النواحي: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وليس الوقف سوى وسيلة مساعدة على إيجاد هذه الأسس وتوفيرها وتهيئتها، فالعمل به على خلاف مؤداه ومقتضاه، سيكون ـ بالتأكيد ـ مخالفاً لمبادئ الدين غير منسجمٍ معها، حتى لو كان نابعاً من توجيهاتٍ شرعية.

وفي الحقبة الأخيرة، نجد المطالبين بإلغاء الوقف يستدلّون على ذلك بتعارضه مع المصالح الاجتماعية ومع العدالة والرشد الاجتماعيين([11])، مع علمنا بأن الوقف لو كان موافقاً لمقاصد الشريعة ومراعياً لها، فإن نتيجته الحتمية والدقيقة هي الوصول إلى الرشد والعدالة والمصالح الاجتماعية.

وتتنوّع الأهداف التي يحدّدها الإسلام للوقف إلى أهدافٍ شخصية وأخرى اجتماعية. يقول أبو حامد الغزالي: الوقف يمحو الذنوب والمعاصي، ويوجب الدخول في أمان الله وحفظه([12])، وهو ما يمكن عدّه من جملة الأهداف الشخصية للوقف. كما أنّنا نعلم أن تكديس الثروات ومراكمتها إلى ما يفوق الحدّ المعقول ظاهرتان مستمرتان، ونعلم أيضاً أن عدم الالتزام بالضوابط الدينية والموازين الأخلاقية حالٌ قائم وسط الأغنياء وأصحاب الأموال أكثر من غيرهم، من هنا يأتي الوقف ليكوّن إحدى السبل التي تمنح الواقف شيئاً من الصحّة والسلامة الروحية، ونفحةً من الاطمئنان المعنوي والنفسي، ممّا من شأنه أن يجنبه الوقوع في المعاصي والذنوب. وقد أشير إلى هذا الأمر في العديد من آيات القرآن الكريم، ومن بينها آية الكنز المعروفة، وأيضاً في جملةٍ من الروايات([13]).

ويقول النبي ’ ـ حول اعتبار الثروات هدفاً وغاية لا وسيلة ومعبر ـ:: «إن الدنانير الصفر والدراهم البيض مهلكاكم كما أهلكا من كان قبلكم»([14]).

إن الاتجاه الذي يسود عالمنا المعاصر ينحو اليوم منحى الاهتمام بالوقف بما له من أهداف اجتماعية، وعلى رأس قائمة هذه الأهداف كل من: العدالة الاجتماعية وتقليل أو إعدام الفوارق الطبقية وتنمية الثروات العامة والإصلاح الاقتصادي والرفاهية الشاملة والتعاون الاجتماعي.

ويبدو أن هذه التأثيرات هي التي حوّلت الأنظار اليوم إلى الأهداف الاجتماعية للوقف بدل الأهداف الشخصية، وهو ما أدى ـ تلقائياً ـ إلى حصول تطورٍ في الوعي المعاصر لحقيقة الوقف وتعامله معه. وهو تطوّر يأتي في سياق التحول المعرفي الذي بدأ ينظر إلى الدين نظرة اجتماعية، أي أنّه يتوخى منه نتائج على الصعيد الاجتماعي، ويرى فيه تشكيلاً اجتماعياً له أداؤه الخاص وله طريقة عمله المتميزة.

واستتباعاً لهذه النظرة، يبدو لنا أن إنكار الطبقية الاجتماعية ورفض التدرج في المجتمع الواحد، نابعٌ من صلب الإسلام وكامنٌ في عمقه وفي داخله وصميمه([15])، وإذا أردنا أن نأخذ مصالح الوقف العقلائية والاجتماعية بعين الاعتبار، فلعل بالإمكان أن نستفيد ونستأنس بروايتين وردتا في هذا الصدد، ذكرهما الشيخ الصدوق في علل الشرائع([16]).

وللأسف، فالاهتمام بتحليل العلاقة بين الوقف وبين أهداف الدين ومقاصد الشريعة لم يكن بالمستوى الكافي والمطلوب. فوحده الأستاذ الكبيسي عقد لهذا البحث فصلاً خاصاً في كتابه، اعتبر فيه أن الوقف يأتي تبعاً لمصالح منها: توطيد العلاقات الاجتماعية([17]).

أثر الوقف على العدالة الاجتماعية والثقافة العامة

يرى عددٌ كبير من الفقهاء أن مورد الوقف (الموقوف) يجب أن يكون أبدياً ودائمياً([18])، بل إن بعضهم ادعى الإجماع على لزوم التأبيد؛ فيما خالف آخرون وذهبوا إلى عدم لزومه([19]). لكن حيث لم يخلُ أيّ نظامٍ اجتماعي في وقت من أوقاته من التعددّية الطبقية، كان لابد من توفر مصدرٍ دائم وأبدي للطبقات الفقيرة، وهو ما راعته الشريعة الإسلامية؛ إذ عمد الشارع إلى إمضاء السيرة العقلائية الجارية عبر قيامه باعتبار الوقف صدقةً جارية، وجعله إياه طريقة حمايةٍ أبدية([20]).

وقد وقع الخلاف بين فقهاء المسلمين في وقف الأموال، أهو جائزٌ أم لا؟ وكان دليل المانعين أن المال لا دوام له؛ لأنه قابلٌ للتبديل والتغير كما أنّه في معرض الصرف والزوال([21]).

لقد اعتقد ابن خلدون وابن أرزق أن الإنسان ظالمٌ بطبعه، وأنه ـ على حد تعبيرهما ـ مطبوعٌ على الظلم والقهر([22])، وأنه في حاجةٍ ـ دائماً ـ إلى حاكمٍ يرعاه ويقف في وجه ظلمه وتعدّيه، كما رأى الطباطبائي أن الإنسان مفطورٌ على طلب السلطة والجاه([23]). إلا أن الوقف طريقٌ للحل ووسيلة للتخفيف من هذا الظلم ومن حدّة التمييز الطبقي في المجتمع، لأنه يؤدي إلى توزيعٍ عادلٍ للثروات من شأنه أن يمهّد السبيل لتحقيق توازن اجتماعي.

وبعد ظهور الأفكار التجديدية في العالم الإسلامي، طرِحت العدالة شعاراً جديداً في الساحات الاجتماعية والسياسية، ومنذ أوائل القرن التاسع الهجري، التفت العالم الإسلامي إلى ضرورة إجراء القوانين التي تضمن العدالة في المجالات كافّة ومختلف الصعد، فبرز ـ على أثر ذلك ـ اتجاه نحو التقنين وتشكيل النظام والحكومة، وتولد نفورٌ عام من الظلم والاستبداد؛ وكان من نتائجه أيضاً أن عاد مفهوم «العدل التوزيعي» الذي توارثناه عن أرسطو، ليطفو ـ بعد أن اتخذ لنفسه حلةً جديدة ـ على السطح، وليلقى قبولاً وترحيباً، إلا أنه تسلّل إلى أذهان المفكرين من المسلمين ترافقه مسالك الغرب ونظرياته ورؤاه.

وفي هذه الأثناء، وجد ـ ولا يزال ـ طرازٌ من التفكير ذي الطابع الإفراطي صِيْغ في قالب الاشتراكية، ويدأب أصحاب هذه الذهنية الإفراطية على السعي لحمل الإسلام، بقوانينه المشبعة بالعدالة، على قبول الاشتراكية. ومن بين هؤلاء: الأستاذ «السباعي»، الذي كتب في الوقف يقول: إن مراد الحقوقيين ورجال القانون ـ من ناحية قانونية ـ من الوقف «إخراج الملك أو المال وإزالته عن ملك صاحبه الأصلي واختياره، بنحوٍ لا يبقى له تعلقٌ بشخصٍ واحد، وتصبح منافعها متعلقةً ومحدودة بالأشخاص المقصودين للواقف والداخلين تحت مرمى لحاظه وشعاع نظره»، ولا نقصد بالتأميم شيئاً غير هذا([24]).

ولدى تحليل كلام السباعي هذا، كتب الأستاذ «عنايت» يقول: «الحمى هو أن يحمي قطعةً من الأرض لمواشٍ معينة، ويمنع سائر الناس من الرعي فيها. ومن المعروف أن النبي’ قد خصّ الخليفة الثاني عمراً بأراضٍ كي يحميها، إلا أن الأمر المستور الذي لم يتم الالتفات إليه في هذا الأصل، هو حاجات الفئات الأضعف من الناس»([25]) . بل حتى الوقف الذري ـ وهو الوقف على الأهل والذرية ـ يعتبره السباعي في الفصل الذي عقده للحديث عن الوقف، وسيلةً لحماية ذرية الواقف وتحصينها من الفقر والفاقة([26]).

إن توزيع الثروة والتوازن الاجتماعي والتكافل والتعاضد في المجتمع، هذه العمليات الثلاث التي تمثل نتيجةً طبيعية للوقف، تشكل البنى التحتية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. لقد أشير في الكثير من الأبحاث إلى نتائج الوقف ومفاعيله ومردوداته على الصعيدين: الاجتماعي والاقتصادي، وجرى التوصل إلى نتائج إيجابيةٍ في هذا المضمار([27])؛ فالغاية المنشودة من توزيع الثروة أن لا يبلغ التفاوت في مستوى معيشة الأفراد في المجتمع الإسلامي حداً يتحول معه المجتمع إلى مجتمعٍ طبقي([28]).

إن تمركز الأموال والثروات في أيدي فئةٍ قليلة من الناس يشكل أرضيةً خصبة لانتشار الفساد والرذائل الخلقية كالمفاخرة والمباهاة وأخلاقيات الهيمنة والتسلّط والاستبداد والتكبر، وهو ما يؤدي لاحقاً إلى إرباك توازن المجتمع، ثم في نهاية المطاف إلى إزالة التعاضد والتكافل الاجتماعيين وتعميق الصراعات والنزاعات الاجتماعية. ولهذا اتخذ الإسلام لنفسه آلياتٍ ووسائل محددة لتوزيع الثروة، بدءاً بالزكاة والخمس والمنع من الاحتكار، ووصولاً إلى مثل الإنفاق والهبة والوقف والصدقة([29]).

إن العلاقة القائمة بين الوقف والعدالة الاجتماعية وإن لم يبحث عنها في الكتب الفقهية والتاريخية القديمة، إلا أن عدداً من المؤلفات الجديدة جرى التعرض فيها لهذه النقطة بالذات([30]).

لقد كان الوقف على امتداد التاريخ الإسلامي، عاملاً مساعداً ساهم في إعلاء شأن الثقافة، وكانت له اليد الطولى في تطوّر العلوم والارتقاء بمستوى الرأي العام؛ فليس جزافاً ولا مكابرة ما يقال من أن الوقف يمثل بالنسبة إلى الحضارة الإسلامية الركن والمستند([31]). من هنا فبين الوقف وأهداف الإسلام ـ وهي رفع مستوى العلم والتعقل ـ تطابقاً وانسجاماً تامين. والمتتبع لكتب التاريخ يتعثر بالكثير من الروايات والأخبار التي يمكن إدراجها في إطار البيانات الكثيرة التي تحكي آثار الوقف الإيجابية وتتحدث عن النتائج الخيرة التي يتركها. فقد ذكروا ـ مثلاً ـ أن أبا المنصور، أحد وزراء آل بويه، قام بوقف مكتبته الشخصية على طلبة العلم، وهي التي اشتملت على تسعين ألف مجلد من الكتب([32]). كما أتت المصادر التاريخية بوفرةٍ على ذكر التأثير الإيجابي الذي يتركه الوقف على عملية بناء المؤسسات التعليمية والتربوية وإدارتها، وفيما يلي نستعرض بعض النماذج، على سبيل المثال لا الحصر؛ فقد كانت الأبنية الموقوفة التي يتم تشييدها لأغراضٍ وأهدافٍ تعليمية تفتح أبوابها للناس فتعج بهم وتمتلئ، وهذا «بيت الحكمة» مثلاً، وهو المؤسسة التعليمية الرسمية الأولى التي شيدت بأمرٍ من المأمون الذي لم يشأ لها أن تكون منحازةً ومختصة بالخلفاء ولا أن تكون محجوبةً إلا عن أيدي كبراء الدولة وأعيانها ووجهائها، بل أراد لها أن تكون في متناول العموم وتحت تصرفهم، ونظراً للقيمة والمرتبة التي تضفيها مثل هذه المؤسسات على شخصيات الأدباء، عمد إلى استحداث أوقاف دائمية تهدف إلى مؤازرتهم وإعانتهم وتحرص على تقدّمهم، بعيداً عن التقديمات والعطايا والصلات الاعتباطية([33]).

يقول ابن الجوزي: لأجل إدارة شؤون المدرسة النظامية ببغداد، ألحق بها الأماكن التي تجاورها وتحيط بها، من السوق والدور والأراضي الزراعية، وتم وقفها عليها([34]). كما أحصى محمد عبده أوقاف المدرسة النظامية فوجدها تبلغ ما قيمته خمسة عشر ألف دينارٍ([35]). وحرّر الأستاذ محمد داغ فصلاً في كتابه تحت عنوان: «الأوقاف ودورها وأهميتها في التربية والتعليم»، نقل فيه العديد من الروايات التاريخية الواردة بهذا الشأن([36]).

أما وقف المكتبات، فذاك له قصّته الخاصة والمطولة، وأثره البالغ والكبير على نشر العلم وارتقاء الوعي العام والنهوض به([37]). فقد خصّص الأستاذ (سبنا) أثناء تحليله لتاريخ الأوقاف في إصفهان قسماً من هذه الدراسة للكلام عن المراكز التربوية والتعليمية الموقوفة في إصفهان([38]).

وفي وقتنا الحاضر ـ وفي إيران على وجه الخصوص ـ نجد أن الصبغة الاجتماعية للوقف قد بهت لونها وزال عنها بريقها، لتبرز فيها أكثر ـ وعلى حساب ذلك ـ الناحية المعيشية والمعمارية، حيث نجد أكثر النشاطات التي تمارسها إدارات الأوقاف قد انحصرت في دفع المصاريف على وفق ما تتطلّبه الحاجات المادية واليومية لواحدة فقط من فئات الناس، ولم تتجاوز في حدها الأقصى الإنفاق لصالح تشييد أبنيةٍ جديدة أو لإعادة ترميم أبنية قديمة؛ فالمؤسسات التي تدير الأوقاف وتعنى بشؤونها تحولت إلى تركيبةٍ مؤلفة في أحسن الأحوال من هيئة للإغاثة، كلجنة الإمداد، ومن شركةٍ معمارية. ولو أننا أنعمنا النظر جيداً لاستطعنا أن نفهم أن الأهداف التي رسمها الإسلام للوقف تتسم بشمولية أكثر وعمق؛ فالرسالة التي يفترض بالوقف أن يؤديها لها دورٌ أساس أكبر مما عليه المؤسّسات اليوم([39]).

 

معرفة هدف الواقف، قيمة الوقف في ذاته لا في دوافعه

لا شك في أن أغراض الناس من الوقف ودوافعهم إليه تختلف فيما بينهم، والواقع شاهدٌ بذلك ومصدّق له، لكن السؤال يكمن فيما أنه هل يتعين في الوقف أن يكون بقصد القربة إلى الله وبدافعٍ من الشرع، بحيث يكون فاقداً للمشروعية لولا ذلك، أم لا؟!

ذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنبلية إلى عدم شرطية القربة في جوازه([40]). كما أن أكثر فقهاء الشيعة على عدم اعتباره في الوقف، حتى في العام منه([41]). والذين قالوا بشرطيته فيه، عادوا ليختلفوا فيما بينهم في أن هذا الشرط هل هو من قبيل الشرط المقوّم الداخل في الحقيقة والذي يعدّ جزءاً منها، أم أنه شرطٌ خارج عن حقيقة الوقف؟ من هنا قالوا بالفرق بين الوقف الخيري والوقف غير الخيري([42]). كما أن بعضهم نوّع دوافع الواقف إلى خمسة أصناف: دينية واجتماعية وواقعية وغريزية([43]). فيما جعل آخرون الأصناف ثلاثةً فقط: الدينية والغريزية والنسبية؛ واستشهد للدوافع النسبية بالرواية الواردة عن النبي-: «إن من الذنوب ذنوباً لا يغفرها إلا الهم للعيال»، كما جعلوا الدافع الغريزي عبارةً عن شعور الإنسان بحبه لنوعه ولنفسه([44]).

والذي يبدو أن الوقف عملٌ مهم في حد ذاته، وأن الحسن الذي يتصف به فعلي وليس فاعلياً، وإن كان ليتصف بالكمال أكثر على فرض المجيء به بداعي القربة، بل وليكون متصفاً بالحسن الفاعلي أيضاً؛ ولعل مقصود الشارع من وراء عدم اشتراط قصد القربة في مشروعية الوقف أن يفشو الإتيان بهذا العمل الخيّر، وأن يكثر القيام به في مجتمعنا الإسلامي، حتى ولو كان دافع البعض نحوه أمراً مذموماً، كالتظاهر والمراءاة وكسب الجاه وطلب الشهرة، هذا كله إذا لم يكن يشتمل على معصيةٍ أو فسق.

ولو أن الإدارات المسؤولة عن الوقف اعتمدت على هذه النظرة في عملية ترويجها للوقف وتشجيعها عليه، لأمكنها أن تلاقي نجاحاً أكبر مما لو اتبعت طريقة التكتم على أسماء الواقفين والإبقاء عليها مستورةً ومخفية، بل إن الفقه الإسلامي قد بحث أيضاً عن الوقف على أهل الذمة إذا كان بدافعٍ من الإنسانية وحكم بصحّته وبشرعيته؛ بل أجمع الفقهاء على أن شرط (الإسلام) ليس في عداد الشروط المعتبرة في الموقوف عليه، في حين جعلوا (عدم المعصية) و(نية الخير والإحسان) من جملة الشروط اللازمة([45]). كما لا يشترط في الواقف أن يكون مسلماً، بل يقبل الوقف مطلقاً ولو من الكافر([46]).

 

الوقف والمصالح الاجتماعية بين التعارض والانسجام، نظريات متباينة

يعتقد بعض الباحثين اليوم بضرورة إلغاء الوقف، ويتعاملون معه ـ سيما الوقف الذري (الأهلي) ـ بحساسيةٍ مفرطة، معتبرينه غير متلائم مع المصالح الاجتماعية([47])؛ فقد جاء في تقرير الأستاذ محمد أبو زهرة حول الوقف الذري([48]) في مصر: «كان الأمراء والأعيان من ملاك الأراضي الشاسعة وأصحاب الأموال الكثيرة يتعرضون غالباً، وبين الفينة والفينة، لهجوم الآخرين عليهم، الذين كانوا يعمدون ـ لو تمّت لهم الغلبة ـ إلى استلاب أموالهم ومصادرتها، فكان أولئك يلجأون لأجل الحفاظ عليها إلى وقفها على أولادهم أو على نسائهم»([49]).

وفي مطلع القرن الثامن عشر، أصدر محمد علي باشا فرماناً منع فيه من استحداث أوقاف جديدة، وتم ذلك بتأييد من الشيخ محمد الجزايرلي، مفتي الحنفية آنذاك، الذي اعتبر أن هذا المنع إنما يستند إلى المصالح الشرعية([50]). ثم في القرن التاسع عشر، تزايدت المساعي التجديدية التي قام بها أشخاصٌ أمثال: قاسم أمين، علي علوية، أحمد رمزي، وأحمد يوسف الجندي([51])، من دعاة التجديد، مما أدى إلى اندلاع كثيرٍ من السجالات الحقوقية داخل الأوساط والمحافل الحقوقية والفقهية والبرلمان المصري، اختتمت في العام 1946م بفوز أنصار الوقف وإقرار مرسوم قانونٍ برقم 48. وفيما بعد، ومع اقتدار الدولة الجديدة واكتسابها القدر الكافي من الخبرة والتجربة، أعيد بعث النشاط والروح في قوانين الوقف، مع إبطال المحتوى الذي جاء في مرسوم الوقف الأهلي([52]).

وهكذا في لبنان، فقد عقدت أيضاً دراساتٌ حقوقية، وقع نتيجتها اختلافٌ في الآراء([53]). ومع عدم وصولهم إلى إلغاء الوقف، إلا أنهم توصلوا إلى إقرار قوانين جزائية تمنع استغلاله وسوء الاستفادة منه. وهذا أيضاً ما حصل مؤخراً في كل من شبه القارة الهندية واليمن وإفريقيا، حيث نستطيع أن نعثر أيضاً على نموذج لهذه الدراسات مع ما يرافقها من توترٍ واضطراب([54]).

ونجد في الآونة الأخيرة من يقول: إنّ إضفاء الترتيب والتنظيم على النظام الاجتماعي إذا كان يعتبر واحداً من رسالات الدين وأهدافه، فإن الوقف بأنواعه ـ كلاً أو بعضاً ـ لمِما يتنافى مع النظام الاجتماعي، ومن ثم مع رسالة الدين وروحه. ذلك أن كثيرين تمكنوا عبر الوقف من مخالفة القوانين الاجتماعية والأنظمة المتعلّقة بالضرائب أو العدالة الاقتصادية والاجتماعية، بل استطاعوا بالطريقة نفسها تعزيز مكانتهم الاجتماعية ومضاعفة قدراتهم وطاقاتهم المالية، مما أدى إلى تفاقم الشرخ واتساع الهوة بين طبقات المجتمع، وإلى المزيد من الظلم والاستضعاف.

والذي يقف سبباً وراء نظرية إلغاء الوقف وطرحها على مستوى واسعٍ في المجتمعات الإسلامية، هو الممارسات السيئة للوقف، فقد أدّى ذلك في العديد من البلدان الإسلامية إلى حصول تجاذب بين تيار يعارض الوقف ويناهضه وآخر يقرّه ويوافق عليه؛ وقد تمسك التيار المؤيد بأدلةٍ شرعية وعقلية واستحسانات، من نوع أن الوقف في أصل تشريعه يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتحصين العوائل والأسر من الفقر والحاجة، والمحافظة على الكيان الأسري وضمان التكافل والتعاضد الاجتماعيين. أما الاستفادة السيئة منه والانتهاكات الحاصلة نتيجة ذلك، فما هي ـ عند هؤلاء ـ إلا حالات نادرة يجب منعها ويتحتّم علينا مواجهتها.

إلا أن دعاة إلغاء الوقف قالوا: إن الوقف غدا وسيلةً من وسائل السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخرج عن خدمة الناس وسبيل راحتهم إلى خدمة الحكّام، كما أنّ آثاره السلبية لم تقف عند فشله في توفير مستلزمات العدالة الاجتماعية ومتطلباتها، بل تجاوزه إلى ما هو أبعد؛ حيث نراه يساهم بشكلٍ كبير في تعميق الهوة وتوسيع الفاصلة بين طبقات المجتمع، ويكوّن مناخاً مساعداً على نشر الاعتبارات السلبية والقيم المرفوضة من قبيل التفاخر والاستكبار([55]).

وقد أسفرت هذه الأزمة حول شرعية الوقف في مصر ـ نهاية المطاف ـ عن إقرار قوانين جديدة، مع قيامهم بإلغاء الوقف الأهلي وتعطيله([56]).

أما في إيران، فتعتبر موقوفات النظام البهلوي إحدى أكبر الموقوفات قبل الثورة الإسلامية، ورغم أنّها ـ ووفقاً لِما جاء في سند وقفها الذي اشتمل على عشرة مواد وبندين اثنين ـ أسّست لأغراضٍ خيرية ولإعانة المحرومين وتقديم يد العون لهم، لكنّ الأموال الطائلة التي كانت تدرّها كان يتم صرفها ـ عمليّاً ـ لترسيخ السلطة السياسية وتقويتها، وقد اشترِط في سند وقفها أن لا يتولاها بعد الشاه وزوجته فرح، إلا أحد أفراد العائلة المالكة فلا تخرج عنهم([57]).

لم يقدم المطالبون بإصلاح قوانين الوقف على ذلك لكفرهم بالدين أو معاندتهم لأحكام الشريعة، بل رغبة منهم في تطبيق الروح الصريحة التي تلهج بها قوانين الشريعة، ولتحقيق الأمان والرفاهية الاجتماعيين، والحيلولة دون استغلاله بشكلٍ سيء([58]).

الوقف، بنية شعبية أم منصب حكومي؟!

يمكن العثور على هذا الموضوع في أكثر الكتب التي عالجت موضوع الوقف تحت عنوان: «الرقابة والولاية على الأوقاف». وقد اشترط الفقهاء في من له الرقابة والإدارة على الموقوفات أن يكون مسلماً، وأوجبوا على كلّ من الواقف والموقوف عليه، مع رعاية الترتيب، أن يتصدى لذلك، بمعنى أن إدارة الوقف في عهدة الواقف نفسه ومن مسؤوليته هو؛ فعليه إما أن يبادر بنفسه لذلك أو يوكل مهمة إدارته والنظارة عليه إلى شخص آخر؛ فإذا لم يتيسر ذلك كانت مسؤولية إدارته والنظارة عليه على عاتق الموقوف عليه، فإما أن يبادر هو بنفسه لذلك أو يعين ناظراً عليه من قبله. أما في المرتبة الثالثة، وعند عدم تمكن كل من الواقف والموقوف عليه من التصدّي للرقابة والإشراف، يحين الوقت للحاكم الشرعي ليقوم بنفسه بتعيين من يتولّى الإدارة([59]).

وعلى هذا الأساس، يتعين للمحافظة على الموقوفات والاستفادة المثلى منها أن يكون هناك ـ أولاً ـ إدارةٌ عليها وإشراف، لا تنحصر ـ ثانياً ـ بأحد، بل تقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى على عاتق من يشتركون حقيقةً في هذا الأمر([60]).

وقد عمدت بعض الدول إلى جعل الوقف حكومياً، فقامت على إثر ذلك باستحداث جهازٍ ضخم وواسع النطاق لإنجاز أموره والشؤون المتعلقة به، مما أدى بالكثير من الأموال الموقوفة، أو المداخيل والمردودات التي تنتج عنها إلى أن تتحول ليتمّ صرفها بطريقةٍ بيروقراطية، وكان ذلك ـ مع اقترانه بإهدار الموقوفات وتضييعها ـ ما جعل رغبة الناس الذين شاهدوا ذلك كله وإلى بجانبه تقصير المتولّين الحكوميين في المحافظة على الموقوفات وصيانتها أو إنمائها.. جعلها تفتر عن الوقف، فيحجمون عنه وعن ممارسته([61]).

وفيما اعتبر المشرّع الوقف مناخاً لتحقيق العدالة والإحسان في المجتمع، كان لإضفاء الصبغة الحكومية عليه دور في الحيلولة دون تحقق الوقف وانتشار ثقافته والرغبة به في المجتمع، على العكس من إبقاء صفته الشعبية الجماهيرية، حيث تضمن استتباعه نتائج كثيرةً وعلى درجةٍ بالغة من المطلوبية. نعم، في البلدان الغربية ثمة إداراتٌ خاصة تعنى بالرقابة على عملية إجراء الموقوفات وتنفيذها، شبيهة بالبلديات التي يتم انتخابها من قبل الشعب بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة، فالذي يتولّى ـ في الواقع ـ أعمال الوقف في تلك البلدان ليسوا أفراداً بل مجموعة من هيئات الأمناء.

ونجد في الفقه الإسلامي نفسه، أنهم لا يشترطون في صحّة الوقف وأصل انعقاده أن يكون بإذن الحاكم الشرعي، ويعلّلون ذلك بما في الوقف من جهات انتفاعٍ عامة، وبكلمةٍ أخرى: بجهة كونه شعبياً([62]).

وكيفما كان، فللولاية على الوقف أبعاد كثيرة مختلفة بيّنت في الفقه الإسلامي، محصّلها أنه لا حاجة إلى نظارة الحكومة وإشرافها على الوقف باستثناء بعض الموارد الضرورية([63])، ونعني بهذه الموارد الضرورية الموارد التي يكون الوقف فيها متعلقاً بالأموال العامة، أو تلك التي يقع فيها التنازع والخلاف فتحتاج إلى الحاكم الشرعي لفضّ النزاع وحلّ الخصومات.

 

الوقف والإنتاجية

يعتبر «العقل» و«الأمانة» من جملة الشروط التي وقع الاتفاق([64]) على لزوم توفرها في ولاة الوقف، وقد زاد بعضهم على ذلك شرطين آخرين، هما: العدالة والكفاءة([65]). وليس المقصود بالعقل هنا أن يكون الوالي عالماً خبيراً وضليعاً بالمباحث النظرية، إنما أن تكون لديه القدرة على حسن التصرف والاستفادة المثلى، مع كونه مجهزاً بالعلوم الحية التي ربما تناله الحاجة إليها، كعلم الاقتصاد، وبالخبرة اللازمة التي تمكّنه من الاعتناء بالأولويات والضرورات، ومن ثمّ تقديمها وأخذها بعين الاعتبار. وأيضاً أن يكون لديه القدر الكافي من الاطلاع فيما يرتبط بالاستثمار بوسائله المطلوبة والمرغوبة. بل لقد ادعي الإجماع على جواز التبديل في العين الموقوفة بشرط ملاحظة المصلحة واعتبارها([66]). ومن هذا المنطلق، يمكن إعادة النظر في مسألة فقهية تقول: «متى بطل رسم المصلحة الموقوف عليها، رجعت العين الموقوفة إلى ملك الواقف وخرجت عن الوقف»([67]).

أما «الكفاءة»؛ فعرّفت بالخبرة والقدرة على التشخيص، وهي غير منحصرة ولا مختصة بالذكور([68]). وقد عرف الوقف في الروايات ـ كما في كلمات الفقهاء ـ بأنه «حبس الأصل وسبل الثمرة»([69])، أو «وسبل (تسبيل) المنفعة»([70]). وتعني كلمة (سبل) الطريق أو الطرق التي تؤدي إلى إيجاد الثمار واستحداث المنافع واستجلاب الفائدة، فتدلّ ـ ضمناً ـ على طلب ازدياد المنافع وتكثيرها([71]). ففي أية عينٍ موقوفة توجد طرقٌ ووسائل مختلفة يمكن اعتمادها في كيفية استغلالها وفي عملية الاستفادة منها والانتفاع بها، ولا يمكن أن يتم التعرف على أفضل هذه الوسائل إلا من خلال عمليةٍ تخصصية؛ من هنا يبدو لنا أن اشتراط (سبيل المنفعة) وأخذه في التعريف أمرٌ على درجة عالية من الأهمية، إذ كيف يصحّ أن يصار إلى جعل الانتفاع بالموقوفات في معرض التداول مع انعدام التخصّص وفقدان الخبرة اللازمة والكافية؟! بل الواجب في حقها ـ أي الموقوفات ـ السعي لتحقيق ربحها وتحصيل الفائدة منها في حدّهما الأعلى، ليتم بعد ذلك صرفها من خلال طرق الوقف وفي موارده، وذلك لا يكون إلا بعد اعتماد الأساليب والوسائل والجهات التي اختبرت سابقاً وجرت معاينتها من قبل أهل الخبرة والاختصاص.

وللوقف عندهم تقسيمان؛ لأنهم يصنفونه تارةً إلى أصنافٍ ثلاثة: أولها خيري، وهو الإنفاق في سبيل الخير، كما في وقف مستشفى مثلاً، والثاني ديني، وهو (الوقف لأجل أفعالٍ عبادية ودينية). والثالث هو الوقف الذري، وهو (الوقف على أشخاصٍ بعينهم)([72]). ويصنفونه تارةً أخرى إلى أربعة أنواعٍ: الوقف العام، والخاص، ووقف الانتفاع، ووقف المنفعة([73]).

والملاحظ أنهم في جميع هذه الأصناف والأنواع يعتبرون زيادة الربح والوصول إلى الحد الأعلى الذي يمكن للاستفادة أن تبلغه، يعتبرونهما شرطين لازمين في كل واحدٍ من هذه الأنواع والأصناف بلا استثناء. ويجري هذا حتى بالنسبة إلى الوقف الديني، كبناء مسجد للعبادة، فإن الوقف في صورة ركود المسجد وعدم الانتفاع به، أو الانتفاع به لا بالدرجة المطلوبة واللازمة، إن الوقف في هذه الصورة لا ينسجم ولا يتماشى مع ما أخذ في تعريف الوقف وما اعتبر في أصل حقيقته ومع ما هو المطلوب والمرجوّ منه.

وللأسف الشديد، كثيراً ما نشاهد مكاناً يتم وقفه على المسجدية، فيصار لذلك إلى تشييد بناءٍ فخم فيه، لكن أبوابه تبقى موصدةً ومغلقة في أغلب الأوقات، ولا تفتح ـ على امتداد الليل والنهار ـ إلا ساعةً أو ساعتين، ورغم ذلك، فإن بعض الصلوات تقضى ولا تؤدى في وقتها المخصّص لها، لانعدام الأماكن المخصّصة للصلاة والعبادة. وما علينا لكي ندرك بُعد هذا النموذج عن المستوى المطلوب سوى القيام بمقارنته بمشهد المسجد الذي وقفه النبي في المدينة، وكان مهيئاً للصلاة وللعلم معاً، ومجهزاً أيضاً ليكون ملجأ ومبيتاً للمشرّدين والفقراء ممن لا مأوى لهم.

لقد شبّه القرآن الكريم الإنفاق بالحبّة التي تعطي سبع أضعافها، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} (البقرة: 261)، وبهذه الآية المباركة، ضمن القرآن للمنفِق مضاعفة أمواله وزيادتها، لكن لعلّ الآية الشريفة ـ من جهة أخرى ـ بصدد الإشارة إلى معنى آخر ـ وللآيات بطونٌ متعددة ـ وهو أن الأوقاف والصدقات يمكن لنا أن نضاعفها ونزيد عليها، وذلك لا يتسنى إلا بالسعي لاتباع الوسائل المعقولة والمطلوبة التي توصلنا إلى الربح وتمكّننا من بلوغ الحد الأعلى للانتفاع والاستفادة؛ فإن عدد (السبعة) لم يؤخذ في الآية الشريفة بخصوصيته، بل استعمل كنايةً عن الكثرة.

وعلى كل حالٍ، فالواجب أن يتم التعامل مع كل عينٍ من الأعيان الموقوفة والنظر إليها بوصفها وحدةً من الوحدات الاقتصادية الخاصة أو المعنوية التي ينبغي استغلالها والاستفادة منها بأكبر قدر ممكن.

الهوامش

(*) باحث في الحوزة والجامعة، ومشرف وكاتب في العديد من الموسوعات الإسلامية، من إيران.

([1]) محمد شفيق العاني، أحكام الأوقاف: 9، بغداد، الشركة الإسلامية للطباعة، 1375ﻫ.

([2]) عباس طه المحامي، أسرار التشريع الإسلامي وفلسفته، مجلة الأزهر، المجلد السادس، 1354ﻫ.

([3]) محمد شفيق العاني، أحكام الأوقاف: 4.

([4]) محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف: 7، مصر، 1959م؛ محمد عبيد عبد الله الكبيسي، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية: 1: 21 ـ 32؛ مينودخت مصطفوى رجائي، وقف در إيران: 13 ـ 34؛ محمد إبراهيم جناتي، وقف از ديدكاه اسلام، ميراث جاويدان، عدد 5؛ محمد سلام مدكور، موجز الوقف: 5 ـ 7، القاهرة، 1961م.

([5]) الإمام الخميني، كتاب البيع: 3: 81؛ محمد مهدي النراقي، مستند الشيعة (الطبعة الحجرية)، كتاب الوقف.

([6]) محمد بن محمد عمادي أفندي الحنفي، رسالة في جواز وقف النقود: 8، إعداد أبي الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني؛ رضا شيرواني شيري، وقف در ميان ملت هاى جهان ومذاهب اسلامى، ميراث جاويدان، عدد 5؛ الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام: 28: 31.

([7]) محمد شفيق العاني، أحكام الأوقاف: 65.

([8]) المحقق الحلي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: 2: 214، مؤسسة الأعلمي، طهران.

([9]) محمد شفيق العاني، أحكام الأوقاف: 23.

([10]) مرتضى راواندى، تاريخ اجتماعى ايران: 2 ـ 4/763.

([11]) محمد الكبيسي، مشروعية الوقف الأهلي ومدى المصلحة فيه، ندوة مؤسسة الأوقاف في العالم العربي الإسلامي: 19 ـ 49.

([12]) كيمياى سعادت: 1: 204 ـ 205.

([13]) أورد العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان نكاتٍ بديعة ولطيفة في ذيل آية الكنـز، أنظر: ترجمة تفسير الميزان: 18: 90 ـ 117، وفيما يتعلق بروايات الكنـز راجع: قاموس القرآن 6: 151 ـ 153.

([14]) محمد باقر الصدر، اقتصادنا: 638، الطبعة الثانية، ط مكتب الإعلام الإسلامي (بوستان كتاب)، قم، 1425ﻫ.

([15]) أنظر: مقالة <الدين والطبقات الاجتماعية> تأليف غريب سيد أحمد، في مجموعة <الدين في المجتمع العربي>، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1990م.

([16]) الشيخ الصدوق، علل الشرائع: 2: 12، 17، دار الحجة للثقافة، قم، 1416ﻫ.

([17]) محمد عبيد عبد الله الكبيسي، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية: 1: 133 فما يليها، وقد قام أحمد صادقي لكدر بطبع هذا الكتاب في مجلدين بعنوان: احكام وقف در شريعت اسلام (طهران، انتشارات اداره كل حج واوقاف استان مازندران، 1366).

([18]) أنظر على سبيل المثال كتاب: الخلاف 5: 34، ضمن سلسلة الينابيع الفقهية، إعداد: علي أصغر مرواريد.

([19]) أنظر: هاشم معروف الحسني، الوصاية والأوقاف: 157 ـ 162، دار القلم، بيروت.

([20]) روِي عن مسلم وغيره: <إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له>. أنظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير 1: 437، ح850؛ وثمة رواياتٌ بنفس المضمون من طرق الشيعة تجدها في: بحار الأنوار: 100: 181 ـ 187، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403ﻫ.

([21]) للوقوف على أقوال أهل السنّة أنظر: محمد بن محمد عمادي أفندي الحنفي، رسالة في جواز وقف النقود؛ وللوقوف على أقوال الشيعة راجع: جواهر الكلام 28: 19.

([22]) مقدمة ابن خلدون وبدائع السلوك في طبائع الملوك. وقد جاء تحليل نظريات هاتين الشخصيتين في كتاب: مفهوم العدل في الإسلام، تأليف: مجيد خدوري، الفصل الثامن: العدل الاجتماعي، ط دار الحصاد، دمشق، 1998م.

([23]) أنظر مقالة: <نظريه علامه طباطبايى در باب توحش طبعى وتمدن فطرى انسان> المطبوعة ضمن كتاب: شريعت در آينه معرفت: 401 ـ 425، ط رجاء، طهران، 1372.

([24]) مصطفى السباعي، اشتراكية الإسلام: 38، 89 ـ 100، دمشق، 1958.

([25]) حميد عنايت، انديشه سياسى در اسلام معاصر: 256، ترجمه بهاء الدين خرمشاهى، ط خوارزمي، طهران، الطبعة الثالثة، 1372.

([26]) اشتراكية الإسلام: 329 ـ 329.

([27]) وفيما يلي نشير إلى تقريرين أشارا إلى النتائج الإيجابية للوقف في المغرب، وهما: <الوقف الإسلامي وأثره في الحياة الاجتماعية في المغرب>، السعيد بوركيه، ندوة مؤسسة الأوقاف في العالم العربي والإسلامي؛ و<دور الأوقاف المغربية في التكافل الاجتماعي>، محمد المنوني، في المجموعة عينها.

([28]) مباني الاقتصاد الإسلامي: 410، مكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة، طهران، سمت، 1371.

([29]) لدى الأستاذ <محمد شوقي فنجري> مقالةٌ جامعة في مجال العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات باسم: <الإسلام وعدالة التوزيع>، ندوة الاقتصاد الإسلامي: 325 ـ 370، بغداد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1403ﻫ.

([30]) الوقف وسيلةٌ لتحقق العدالة الاجتماعية، مقالةٌ من تأليف: محمد شاطئ، تم إلقاؤها في ندوة المحاضرات بمكة المكرمة؛ الوقف الإسلامي والدور الذي لعبه في النمو الاقتصادي والاجتماعي، تأليف: عبد الملك أحمد السيد، وقد تم إلقاؤها في المؤتمر الدولي الثاني للاقتصاد الإسلامي بإسلام آباد، 1405ﻫ.

([31]) أنظر: مقدمه اى بر فرهنك وقف، أبو سعيد أحمد بن سلمان، طهران، سازمان أوقاف، غير مؤرخة.

([32]) آل بويه وأوضاع زمان ايشان: 533، علي أصغر فقيهي.

([33]) أحمد شلبي، تاريخ آموزش در اسلام: 286 ـ 287، ترجمة محمد حسين ساكت؛ وانظر أيضاً: بيت الحكمة في عصر العباسيين: 203 ـ 208، خضر أحمد عطاء الله.

([34]) المنتظم 8: 256.

([35]) الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية: 98.

([36]) تاريخ تعليم وتربيت اسلام: 277 ـ 281، محمد داغ وحفظ الرحمن الرشيد أيمن، ترجمة علي أصغر كوشافر.

([37]) أنظر للمطالعة حول هذا البحث كتاب: كتابخانه هاى عمومى عربى در قرون وسطى، تأليف: أسد الله علوي؛ وقد ذكِر في المقال التالي عددٌ من النكات التي يمكن أن تكون مفيدةً في هذا المجال، وهي بعنوان:Background Of The History Of Muslim Libraries, By Ruth S. Machensen. The American Journal Of Senetic Languages And Literatures, 51 january 1935. p: 123.

([38]) نبذةٌ تاريخية عن أوقاف إصفهان، عبد الحسين ﺳﭙﻨﺎ، إصفهان، إدارة أوقاف إصفهان، غير مؤرخة.

([39]) لك أن تراجع إحصائيات الوقف في إيران، ومن بينها: ﻧﮕﺎهى به وقف وآثار اقتصادى واجتماعى آن: 100، مصطفى سليمى فر.

([40]) السعيد بوركيه، الوقف الإسلامي وأثره في الحياة الاجتماعية: 234 ـ 235.

([41]) الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 64.

([42]) محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف: 92 ـ 105.

([43]) محمد الكبيسي، مشروعية الوقف الأهلي ومدى المصلحة فيه، ندوة مؤسسة الأوقاف في العالم العربي الإسلامي: 19 ـ 49.

([44]) المحقق الحلي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 2: 214.

([45]) محمد كمال الدين إمام، الوصايا والأوقاف في الفقه الإسلامي: 219.

([46]) الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 2: 69.

([47]) محمد الكبيسي، مشروعية الوقف الأهلي ومدى المصلحة فيه، ندوة مؤسسة الأوقاف في العالم العربي الإسلامي: 20.

([48]) لأجل الوقوف على الوقف الذري وأنواعه راجع: أحكام الوقف، زهدي يكن، صيدا، المكتبة العصرية (غير مؤرخ)، وكذا: أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، محمد الكبيسي.

([49]) محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف: 25، مصر، 1959م.

([50]) محمد كمال الدين إمام، الوصايا والأوقاف في الفقه الإسلامي: 164.

([51]) المصدر نفسه: 165.

([52]) المصدر نفسه: 166.

([53]) المصدر نفسه: 167 ـ 168.

([54]) نورمان أندرسون، تحولات حقوقى جهان اسلام: 234، بترجمة قنواتي وآخرين.

([55]) أنظر: محمد الكبيسي، مشروعية الوقف الأهلي ومدى المصلحة فيه: 19 ـ 49.

([56]) محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف: 25.

([57]) أنظر: مينودخت مصطفوى رجائي، وقف در ايران: 158.

([58]) نورمان أندرسون، تحولات حقوقى جهان اسلام: 233.

([59]) للاطلاع على الرؤى المختلفة للفقه السني والشيعي في هذا الإطار، أنظر: محاضرات في الوقف: 354 ـ 365، محمد أبو زهرة؛ وأيضاً: وقف از ديدكاه مبانى اسلامي، محمد إبراهيم جناتي، ميراث جاويدان، عدد رقم 5.

([60]) معجم الفقه الحنبلي المستخلص من كتاب المغني لابن قدامة 2: 1061، الكويت، وزارة الأوقاف، 1393ﻫ.

([61]) تعرض عباس طه المحامي لبيان بعض حماقات وتقصيرات المتولّين للوقف في مقالته: <أسرار التشريع الإسلامي وفلسفته>، نور الاسلام، السنة السادسة، 1354.

([62]) محمد جواد مغنية، الفصول الشرعية على مذهب الشيعة: 63، بيروت، دار الثقافة، 1974م.

([63]) أنظر: هاشم معروف الحسني، الوصاية والأوقاف: 241 ـ 243.

([64]) محمد شفيق العاني، أحكام الأوقاف: 65.

([65]) وهبة الزحيلي، الوصايا والوقف في الفقه الإسلامي: 232.

([66]) سعدي أبو جيب، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي 3: 1373، دمشق وبيروت، دار الفكر ودار الفكر المعاصر، 1418ﻫ.

([67]) هاشم معروف الحسني، الوصاية والأوقاف: 241 ـ 243.

([68]) وهبة الزحيلي، الوصايا والوقف في الفقه الإسلامي: 232.

([69]) أنظر على سبيل المثال: كتاب الخلاف للشيخ الطوسي، المطبوع ضمن سلسلة الينابيع الفقهية: 6: 34، إعداد: علي أصغر مرواريد.

([70]) جواهر الكلام 3: 28، باهتمام علي آخوندي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، غير مؤرخ.

([71]) الظاهر أن كاتب هذه المقالة قرأ كلمة (سبل) المأخوذة في التعريف بضم الحرفين الأولين، أي: (سبل)، بقرينة أنه في المتن الفارسي فسرها بقوله بعدها مباشرةً: (سبيل)، ومن هنا فسرها بالطريق أو الطرق. والصحيح، أنها بفتح السين وتسكين الباء مصدرٌ كالتسبيل مادةً ومدلولاً، كما هو ظاهرٌ، وكما هو المثبت في أغلب كتب الفقه التي تعرضت لهذا التعريف للوقف، وعليه، فجميع ما ذكره الكاتب من دلالة هذه الكلمة على إرادة تكثير المنافع وتزايدها لا أساس له من الصحة (المترجم).

([72]) جرجس جرجس، معجم المصطلحات الفقهية والقانونية: 322، بيروت، الشبكة العالمية للكتاب، 1996م.

([73]) محمد إبراهيم جناتي، وقف از ديدكاه مبانى اسلام: 50، ميراث جاويدان، العدد 5.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً