أحدث المقالات





 
سلوى فاضل
 

هل يرغب المرجع السيد محمد حسين فضل الله أن يتم واجباته العقيدية على أتم وجه قبل أن يداهمه طارئ ما؟ هل يرغب في إصلاح ما اعوج من عقائد لدى شيعته؟ والسؤال: هل يخاف من تيارات متطرفة تأخذ بالشيعة إلى مهاوي التشدد كما هي حال بعض السُنة؟ أم أن الاطلاع والدراسة العميقين يوصلان الباحث المتخصص إلى أن ما يتم تركيبه كهالة دينية عقيدية لدى المنتمين لدى مذهب ما هو في حقيقته ليس أساساً، بل شوائب علقت واستمرت وترسّخت حتى باتت من الأصول التي إن حاول أحد ما تغييرها أو نقدها علق في فخ تهمة الاعتداء على المذهب؟ من خلال نشره كتاباً جديداً حول الولاية التكوينية حيث يقول بالحرف: «إن القول بالولاية التكوينية ينافي التوحيد الخالص، ولكن لا يُلزم القائلون بها أنهم مشركون أو غلاة» .

ما هي الولاية التكوينية إذاً؟ هي: «إن الله تعالى قد أعطى الأئمة ولاية على تدبير شؤون الكون أو قسماً منها للنبي محمد (ص) وآل بيته الأطهار وقد ذهب فريق من العلماء إلى القول بها والاعتقاد بصحتها، فيما ذهب فريق آخر إلى القول ببطلانها والأقوى عندنا هو القول ببطلانها» .

حال السيد فضل الله كحال العديد من المفكرين الآتين من قلب بيئاتهم، الذين يحاولون تشذيب المذهب وتنقيته من شوائب علقت به، إلا أن سلاح التضليل جاهز وحاضر ليفتك بالشخص المُحارَب كلياً.

هذا السلاح الأمضى لدى أتبــاع المذاهب ينتـشر انتشار النار في الهشيم، خاصة أن الحديث يؤكد أن: «الدين لعق على ألسنة الناس، يحوطونه ما درّت معايشهم».

الجرأة التي يتمتع بها السيد تنفذ اليوم بذكاء من وراء أبواب كف الحرب الإعلامية عنه، وكف لغة التهييج ضده، فهو وإن أطلق في الماضي البعيد مواقفه، التي سميت اليوم بالجديدة كل الجدة لدى شيعة أهل البيت، من العديد من القضايا التي سكت عنها المحاربون له في وقت من الأوقات، إلى أن جاء إعلانه المرجعية لنفسه ليقف من لا يرغب له الدخول إلى تابو المرجعية التي ترغب في عصرنا الحالي بقيادة العالم الشيعي بعصا واحدة.

قرع السيد منذ الستينيات أبواب النقد وشرّع كل الشبابيك ليقرأ الشيعي كل شيعي من جديد، وليحكّ عقله وليتخلى عن موروثات تضغط على وجدانه ولا فكاك منها لأن علماء مشهورين يقولون بها، إلا أن أسبقية البعض في تحريك المياه الراكدة، أقول، انه شجعه على طرق الأبواب وبقوة ليخرج الوهم والأوهام من كثير من جوارير المذهب.

لكن لماذا لم يطرق النقد أبواب المذهب الثاني، أي السُّنة، الأبرز لدى المسلمين؟ لماذا لم تدفع بمفكريهم إلى أن يسيروا معه، على درب النقد البنّاء والتغيير المتدرج؟ لماذا لم تترافق مع من يرغبون في تحريك المياه الراكدة في مذاهب المسلمين حملات النقد والتصحيح؟ أليست الوحدة الإسلامية تفترض المؤاخاة في النقد وتهشيم الخرافات والأوهام؟

لا بد أن لكل مسلم أن يعلم أن طريق التجديد والتغير والتحديث صعبة ومرهقة ومدفوعة الثمن مسبقا. إلا أن التطرق إلى محظور الولاية التكوينية في هذا الظرف من لفٍ لطيات وأوراقٍ لأتباع تيارات المذهب الشيعي على بعض، ضربة معلم.

فالشيعة اليوم أشد ما يرغبون به هو إظهار صورة الوحدة داخل المذهب بأجمل ثيابها وأحلى حللها وأنضر أوجهها. لكن الناقد الكبير، الذي يسكنه الإصلاح والتغيير لا يمكنه الركون إلى لحظات تواطؤ عمياء، تُشترى فيها كل الأصوات لمصلحة الصورة العائلية الجميلة والبشوشة.

ويحاول الشيعة المتطرفون على الدوام، أن ينبشوا كل تهجمات السّنة المتطرفين أيضا من كتبهم ومواقعهم الإلكترونية لينشروها، مؤكدين من وراء ذلك أنهم مستهدفون، وأنهم أقلية في عالم سنّي متوحش. لكن الغريب أن حرب السّنة ضد الشيعة لم تتوقف عند التهجم على أفكار تُطلق حول أهل البيت وولايتهم، بل تعدتها إلى بثّ خوفهم من انتشار المذهب الشيعي بين أتباعهم. وهي قصة تشبه إلى حد كبير قصة الحمل والذئب على رأس نهر جار.

من هنا لم يلاقِ أحد من السّنة السيد، وهو أمر محزن جدا له بالتأكيد، بمعنى أن لا شخصية مرجعية سنّية لها ثقل كثقله تناولت الفكر السني بما يتضمن من ترهات ضد الشيعة.

يخرّب السيد في كتابه الجديد (نظرة إسلامية حول الولاية التكوينية) هيكل المعتقدات القائم لدى أبرز علماء الشيعة والسّنة، ولدى عموم جمهوره الذي (أي الجمهور) وإن رفضها البعض علنا إلا انه ضمنيا قد تربى عليها ورضعها مع حليب الأمهات.

والسؤال: هل سيغفر الشيعة في مختلف أنحاء العالم للسيد مقولته حول الولاية التكوينية؟ ربما يكون شيعة لبنان من أقل المواجهين، إلا من اتبع مرجعيات إيرانية وعراقية متشددة، إضافة إلى المرجعيات الكويتية التي تفتح الفضاء على محاضرات تضرب فكر السيد التجديدي والنقدي كليا.

أما بالنسبة للسنّة فإن هذا القول يطيح الأفكار المسبقة للسنّة عن الشيعة التي رضعــوها أيضا من أمهات الكتب التي يغذيها التطرف والتكفير واتهامات الغلو والرفض والتقديس وغيرها، المموّلة أحسن تمويل لإطاحة كل تقارب وحدوي، يدفع بالعقلانيين إلى التبصر وإلى إعادة قراءة المذهب الشيعي قراءة صحيحة من مصادر علمية.

لن يكون علماء المذهبين راضين عن سماحته بالتأكيد، لكن يصعب عليهم مهاجمته مباشرة، لكونه يضرب لهم أسس بنائهم التفريقي. وهذا ما يجمع المتضررين من التخندق والتمذهب والتشتت، والداعين سياسيا إلى تغيير الخطاب القائم، وتوحيد الأبناء على قضية مهمة وهي قضية فلسطين التي لا تغيب عن خطابات السيد.

هل سيقدّر الجمهور السيد في وقت آخر؟ ومن سيكون الباني الثاني في سلسلة البناة العقلانيين للمذهب الشيعي؟

إذاً تتلخص جلّ دعوته في الاتجاه من باب الخرافات إلى باب العقل من خلال عرض كل ما لدينا من أفكار على القرآن، فإن وافقه قبلنا به وإن رفضه رفضناه. 

 




Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً