بين التصوّف والتشيّع
أ. محمد دهقاني(*)
مدخل ــــــ
يشكل مفهوم «الولاية» محور المنظومة الفكرية لدى المتصوفة. فالكثير من المكونات يمكن إقصاؤها من دون أن تتسبب في أضرار على جوهر المنظومة، بينما لو أقصينا عنصر الولاية، وعلاقة المريد بالمراد، فسوف لن يبقى من التصوف شيء.
ولمفهوم «الولاية» في الفكرالصوفي ذات الأهمية التي لمفهوم «الإمامة» في التشيع.
والتشيع ـ الذي يعني الاتباع ـ مبنيٌّ على الطاعة المطلقة للإمام. ومَنْ أنكر «الإمامة» فقد بات منكراً لحقيقة التشيع.
وما تدور حوله فقرات هذه الدراسة هو استعراض لعنصر الولاية في التصوف، ومقارنته بعنصر الإمامة في التشيع، لنصل في النهاية إلى النتيجة التي تمخضت عن دمج هذين العنصرين، ليتبلورا في دولة ستشهدها إيران لاحقاً، عرفت بالدولة الصفوية.
الولاية عند المتصوّفة ــــــ
من وجهة نظر الصوفية فإن «الولي» هو قطب عالم الإمكان، ولولاه لساخت الأرض والسماوات ومَنْ عليها، ولتداعى الكون برمّته. ولذلك فإن تصور الكون خالياً من الولي يعد لدى الصوفية من المحالات.
و«الولي» عندهم هو الإنسان الكامل الواصل إلى الحق، والبالغ مرتبة روحية لا يدانيه فيها أحد من الناس المعاصرين له. ويطلقون عليه «القطب»؛ لاعتماد الكون عليه. فلو فني القطب فني معه الكون بأسره. ولهذا اعتقدوا بأن الأرض لا تخلو من «قطب» أو «ولي»، فإذا ارتحل الولي حلّ محله (مباشرة) ولي آخر.
ويتميز الولي بالخفاء، فهو لا يعلن عن شخصيته أو يجاهر بها، وإنما يزاول حياته كشخص عادي، ويخالط الناس كأي فرد منهم.
ومع أنه يحمل عبء هداية الناس وإرشادهم إلا أنه لا يمتلك صلاحية دعوة الناس إلى نفسه، والترويج لها جهاراً.
وتعتقد المتصوِّفة أنّ الأولياء مخفيون، لا يعلم أمرهم إلا الله، ولا يعرفهم غيره؛ ويستندون في ذلك إلى الحديث القدسي المشهور عندهم: «أوليائي تحت قبابي، لا يعرفهم غيري»([1]).
وإذا كان هذا هو حال الولي فكيف يتسنى له القيام بمهمة هداية الناس وإرشادهم؟
إن مهمة «الولي» الإرشادية ليست مهمة عامة تشمل جميع الناس، وإنما تنحصر مهمته في خصوص مَنْ طلب الهداية والإرشاد، وعندئذ يتبنى الولي هذا الشخص، ويعتني به، ويتولى مهمة إعداده الروحي.
و«الطلب» من المفاهيم الصوفية المهمة. وما لم يتحصَّل هذا «الطلب» لدى المرء فليس بإمكانه معرفة الطريق إلى الحقيقة. وهذا ما قصده مولانا ـ الشاعر جلال الدين الرومي ـ عندما ذكر أن «العطش» أهم من «الماء» فقال: «لا تطلب الماء واطلب العطش، حتى يفيض عليك الماء من كل صوب، من فوق رأسك، ومن تحت قدميك».
ويصور مولوي هذا الموضوع في كتابه «فيه ما فيه» بقوله: «بمجرد أنك وجدت نفسك تمتلك رأس المال، أي الطلب، فلا تقف عنده، وحاول جاهداً أن تضيف إلى طلبك طلباً كثيراً. ففي الحركة بركة، وإن لم تفعل فإنك تخسر ما عندك من رأس المال. وأنت لست أدنى مرتبة من الأرض. فالأرض تتحرك وتهتز، وتنقلب بالمعول، وبذلك تنبت وتعطي من كل زوج بهيج، لكنها إن تركت ولم تحرث ستتصلب وتشتد. فإنك إن وجدت في نفسك الطلب فجدّ بالسعي ذهاباً وإياباً، ولا تُقلْ: ما الفائدة من وراء هذا السعي؟ فالفائدة سوف تظهر تباعاً من خلال ذهابك وإيابك»([2]).
لكن السؤال المهم هو كيف يتبلور عنصر «الطلب»، الذي هو في الحقيقة العنصر الذي يأخذ بيد السالك نحو «الولي»، كيف يتبلور ويظهر في صاحبه؟
في أغلب الأحيان ينشأ «الطلب» من خلال طرق خفية؛ فأحياناً ينشأ من خلال الإلهام الباطني؛ وفي أحيان أخرى ينشأ نتيجة حوادث وأمور خارجية تقع للسالك، فتوجد فيه نوعاً من التحول أو التبدل conversion. وبحول الله وقوته ولطفه وعنايته يتسنى للسالك العثور على «الشيخ» أو «المراد»([3]).
ويُعدّ مفهوم «العناية» من الركائز الأخرى التي يتكئ عليها الفكر الصوفي. والمراد من «العناية» هو اللطف الأزلي المقدَّر من قبل الله سبحانه، الذي يختص بطائفة من الناس ولا يشملهم جميعاً.
والتوفر على هذا العنصر، أي «العناية»، لا يخضع إلى منطق أو سلوك محدد، أو على الأقل هو خارج عن نطاق السلوك والمنطق البشري. ولذلك يعبر عنه الصوفية بـ «العناية غير المعلَّلة» ويريدون بذلك خلوّها من العلل، وعدم معرفة السبب من شمولها لبعض الخلق وعدم شمولها لآخرين([4]).
وعلى كل حال فعندما تشمل «العناية» الإلهية أحداً من الناس سوف يقع في طريق الهداية، ويتحول بشكل لا إرادي إلى حلقة في سلسلة الهداية، التي يتصل أحد طرفيها بـ «الولي»، ليكون هذا الشخص من الآن فصاعداً خاضعاً لتربية وإعداد الولي نفسه.
ومن ميزات «الولي» المهمة هي اطّلاعه على مكنونات ضمائر أتباعه ومريديه الذين يشرف على تربيتهم، فهو ملمٌّ بما في نفوسهم، ولا تخفى عليه بواطنهم. وهذا يمكِّنه من العمل على هداية كل واحد من مريديه، بقدر استعداده، وبقدر ما يملكه من مقوِّمات.
إذاً فالهداية التي يقوم بها الولي تتم بصورة فردية، وليس هناك ثمة دستور أو منهج يسير عليه كافة المريدين؛ ليهتدوا من خلاله، أو ليصلوا عبره إلى طريق الهداية، وبالتالي إلى غايتهم ومقصودهم النهائي.
ومما تقدم يمكننا حصر خصائص الولاية الصوفية بالأمور التالية:
1ـ إن «الولي» لديهم شخص مخفيٌّ، لا يجاهر بنفسه، ولا يدعو لها بشكل علني.
2ـ الحاجة / الطلب يوجد انجذاباً في قلب السالك يجره ويهديه باتجاه المراد / الولي.
3ـ يقوم الولي بالهداية بصورة فردية، آخذاً بنظر الاعتبار استعداد كل واحد من مريديه.
ويمكن تصوير نموذج الولاية الصوفية من خلال الرسم البياني التالي:
فالمسافة بين كل واحد من المريدين وبين مصدر الهداية، الذي هو الولي، غير متساوية. يعني لو فرضنا أن «الولي» تحيط به مجموعة من الدوائر المتداخلة، وكل سالك استقر على محيط أحد هذه الدوائر، وبدأ حركته من النقطة التي استقر عليها باتجاه مصدر الهداية، الذي يشكل قطب الدوائر كلّها، أي الولي، فسوف يقطع كل سالك أو مريد (أو طالب هداية) شعاعاً مختلفاً ينطلق من محيط الدائرة المتعلقة به إلى المركز، وبذلك تتعدد الأشعة، وتختلف الطرق التي يسكلها كل واحد من المريدين، ولا ينطبق أحدها على الآخر، فلا يسلك مريدان طريقاً واحداً أو مسلكاً مشتركاً، فكل مسلك باتجاه مصدر الهداية يختلف عن المسلك الآخر في الطول والنوع، وربما يتقلص هذا الاختلاف إلى درجة يصعب التمييز بين المسلكين، إلا أن ذلك لا ينفي وجود التفاوت بينهما.
وبعد أن يجتاز السالكون هذه الطرق المختلفة فإنهم يصلون في النهاية إلى مقصد واحد، وهو مركز الدائرة، أي «الولي». ومن هنا ذهب المتصوفة إلى أن «الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق».
وبهذه الصورة التي نشاهدها أعلاه نستطيع أن نجزم بأن الاتجاه الصوفي لا يتمتع ببعد اجتماعي، وإنما هو يركز بصورة أكبر على الفرد بشكل مستقل.
الولاية في المذهب الشيعي، مقارنة ومقاربة ــــــ
لكن لو تحولنا إلى الولاية لدى الشيعة لوجدنا أن «الولي» أو «الإمام» تتسع ولايته لتشمل كافة المسلمين. فهو يعلن عن نفسه للجميع، ويعرِّفها لهم. فهو ـ على حد قولهم ـ يتمتع بـ«الظهور»، وأحكامه سارية على الجميع، والكل ملزم بتنفيذها. كما على كل واحد من الشيعة معرفة إمام زمانه، ومن ثم اتباعه.
إذاً مسألة «الطلب» هنا ـ أي لدى الشيعة ـ غير مطروحة، ويحل محلها «التكليف» و«الوظيفة». ونقطة الانطلاق نحو الهداية هي ذات «الولي» أو «الإمام». والهداية هنا تتم بصورة جماعية وفردية على السواء، فعندما يصدر الإمام حكماً ما فالجميع ملزم بتنفيذ هذا الحكم.
ويمكن رسم نموذج الولاية لدى الشيعة على النحو التالي:
أما نظرية الحكم أو «الدولة» في نموذج «الولاية» الصوفية فهي غائبة تماماً.ونلاحظ من خلال هذا المخطط أن الولاية لدى الشيعة هي اجتماعية أكثر من كونها فردية، خلافاً لما وجدناه لدى المتصوِّفة. ففي هذا النموذج تحتل «الطاعة» مجالاً أوسع بكثير مما تحتله «الإرادة». وهذا أمر يبدو طبيعياً جداً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الهدف الذي تبتغي الولاية الشيعية تحقيقه، وهو إقامة الدولة العالمية؛ فإن أكثر ما تحتاجه الدولة هو «الطاعة».
الفرق الجوهري الآخر بين النموذجين هو في علاقة «الولي» بالله سبحانه من جهة، وبالناس من جهة أخرى، لدى كلٍّ منهما.
فـ «الولي» عند المتصوفة غير مصون من الخطأ، وليس هناك ضمان يبقيه في نفس المرتبة القربية من الله سبحانه. فهو في علاقته بالله محتاط وحذر جداً؛ فإن من شأن أقل انحراف عن جادة الصواب إقصاءه من مقام القرب والولاية. ولذلك فإن كثيراً من الأعمال المباحة، أو حتى المستحبة للآخرين، تُعتبر مكروهةً لـ«الولي»، وربما تعد لديه من السيئات. وعندهم بهذا الصدد روايات وأحاديث كثيرة. اشتهر من بينها: «حسنات الأبرار سيئات المقربين»([5]).
لكن «الولي» أو «الإمام» لدى الشيعة مصونٌ من الخطأ، ويصطلحون عليه بـ«المعصوم». وإضافة لذلك فإنه مطَّلع على خزانة علم الله اللامتناهي، فلا يمكن أن نتصور وقوع الخطأ منه، سواء في القول أو الفعل. فكل قول أو فعل يصدر عنه فهو عين الحقيقة والصواب، ولا يحق للعقل البشري المحدود الاعتراض عليه.
وبناءً على ذلك فإن علاقة «الإمام» بالناس ـ لدى الشيعة ـ تتبلور في ولايته المطلقة عليهم، سواء الولاية التكوينية أو التشريعية، فله الحق في التصرف بأرواح الناس وأموالهم.
وعلى الرغم من التصرف الذي تقره المتصوِّفة لـ«الولي» في روح ومال «المريد» إلا أن ذلك التصرف ليس تصرفاً قهرياً، وإنما يخضع لإرادة «المريد» نفسه، وعلى «المراد» مراعاة كل جوانب الحيطة والحذر في ذلك([6]).
وبالإضافة إلى ذلك فإن تصرف «المراد» بروح ومال «المريد» إنما هو من أجل تربية المريد، أي التربية الفردية فحسب، وليس لهذا التصرف غاية اجتماعية أو سياسية على الإطلاق.
ومن هذا المنطلق ينطلق المتصوِّفة في تكريسهم للعزلة والرياضة الروحية والابتعاد عن الدنيا وملذاتها (التي من أبرزها المشاغل السياسة والمناصب الحكومية).
والحاصل أن نموذج الولاية الصوفية لم يُصَغْ ولم يُعَدّ من أجل إدارة الدولة وممارسة الحكم، بخلاف ما عليه نموذج الولاية الشيعية، الذي يهدف لإقامة حكومة عالمية شاملة، تحقق السعادة للفرد والمجتمع على السواء.
ومما يجدر ذكره أن كلا النموذجين قد يوظَّفان توظيفاً سيئاً مخالفاً لما يبتغيانه، وذلك إذا تحوّلا من النظرية إلى التطبيق.
فعلى الرغم مما تهدف إليه نظرية الولاية الشيعية من تحقيق الدولة العالمية الشاملة، التي تسود كافة أرجاء الأرض، إلا أنها إذا ما خرجت إلى حيِّز التطبيق فإنها تتمظهر بصورة المعارض للدولة، والمناهِض لنظرية الحكم؛ وذلك لأن الشيعة يخصون الولاية بالإمام الغائب، الذي لا يتيسر ظهوره «في الوقت الحاضر»، كما لا يعلم إلى متى سيدوم غيابه، وكل حكومة تقام في زمن الغيبة فإنها تعد «غاصبة»، وعلى أبناء الشيعة الوقوف في وجهها والتصدي لها، وفي حال خافوا الضرر على أنفسهم أو مالهم فليس عليهم سوى مداراتها ومسايستها، عملاً بمبدأ التقية، إلى أن تزول.
أما نظرية «الولاية» لدى المتصوفة فبالرغم من أنها لم تُصَغْ لإدارة البلاد وإقامة الحكم فيها إلا أن واقعها التطبيقي يمنح «الشيخ» أو «الولي» صلاحيات واسعة جداً، بحيث تمكنه من إنشاء الحكومة وإدارتها بكل سهولة([7]). وهذا ما حدث بالفعل؛ إذ شهد تاريخ إيران قيام دولتين صوفيتين، هما: دولة الفدائيين (سربداران)؛ والدولة الصفوية.
والجدير بالذكر هو أن الدمج بين «ولاية» المتصوِّفة و«ولاية» الشيعة قد تجسد إلى حد كبير في الدولة الصفوية. فالشاه فيها يمثل «المرشد الكامل»([8])، الذي يقع على عاتقه هداية الناس وإرشادهم نحو الخير والصلاح. وهذا الجانب يتطابق مع الولاية الشيعية. أما الولاية الصوفية فتتجسد في شخص الشاه من ناحية كونه لا يرتجي من الناس «الطاعة» فحسب، وإنما التحوُّل إلى مريدين له.
ومنذ ذلك الحين أصبحت الولاية الظاهرية على الخلق، التي يبتني عليها الفقه الشيعي ويقوِّمها في الوقت نفسه، والولاية الباطنية، التي هي محور الفكر الصوفي، تتجسّدان في شخص الشاه، وتمنحانه نفوذاً واسعاً، وسلطةً لا حصر لها.
ونظراً للنموذج الصوفي للولاية فإن على الشاه الذي يسعى ويحرص على هداية الناس أن يكون مطلّعاً على ضمائر وبواطن الناس، الذين هم رعيته ومريدوه في الوقت نفسه.
ولكي يبرهن على ولايته الروحية والباطنية فلابد أن يكون الشاه «جاسوس القلوب»؛ وذلك أن هذه الفقرة كانت من المعتقدات السائدة لدى المتصوِّفة، وكانوا يعبرون عن ذلك بأن الأولياء «جواسيس القلوب»([9]).
ومن أجل أن يثبت الشاه أنه من جملة الأولياء الموسومين بـ «جواسيس القلوب» كان لابد له من بثّ جواسيسه بين الناس، وكان يلزمهم أن يطّلعوا على أدق تفاصيل حياة الناس، وقد يصل به الأمر أحياناً ليقوم هو بنفسه بالتجوال ليلاً متنكِّراً. وقد أثار ذلك فضول العامة، بحيث بدأت الأساطير والقصص تحاك حول سلوك الشاه الغريب هذا([10]).
ومن جهة أخرى فقد كان من العسير على الشاه القيام بهداية الناس كلٌّ على حدة وبشكل منفرد، فكان لابد للجهاز الحاكم للدولة الصفوية من إيجاد الحل لهذه المشكلة، وقد توصل أخيراً إلى حلٍّ مفاده أنّ الناس يسيرون بشكل جماعي ـ من حيث يشعرون أو لا يشعرون ـ نحو الحقيقة التي ينشدها الشاه.
وبذلك كانت الروحانية الصفوية تُعَدُّ الذراع الإرشادي الأيمن «المرشد الكامل» للشاه، وتعينه على إرشاد الناس وهدايتهم.
ومنذ ذلك الوقت أُقصي عنصرا الطلب والحاجة، ولم يعد لهما دور في مسألة الهداية.
فقد كان الشاه يقف على رأس الهرم، ويرمي بشباك الهداية في بحر المجتمع؛ ليصطاد السمك التائه، الذي هو الرعية الضالة والعامة من الناس؛ ليسوقهم نحو الحقيقة التي يبتغيها هو.
وعلى هذا النحو تمكنت الدولة الصفوية من تفريغ نموذجي الولاية: الشيعي؛ والصفوي، من محتواهما، وبالتالي توظيفهما في عكس ما كانا يهدفان له.
فلقد أصبح التشيع، الذي عارض التوقيت، ولم يحدد وقتاً لدولة العدل والقسط المتعلقة بالإمام الغائب؛ وذلك من أجل معارضة كل حكومة تقام قبل الغيبة، مساهماً في دعم وإسناد حكومة دنيوية، على خلاف الهدف الذي كان ينشده.
أما التصوف، الذي كانت دعوته تنصبُّ على تربية الإنسان وتهذيبه وإعداده روحياً بوصفه فرداً محدَّداً، فقد تحوّل الآن إلى مشروع لهداية المجتمع بأسره.
لقد تمكنت الدولة الصفوية من خلال توظيف هذا الدمج بين النموذجين أن تصمد لقرنين من الزمن، لكن النهاية البائسة أثبتت مرة أخرى بأن الخلط والدمج بينهما على هذا النحو من شأنه جرّ الويلات على الدول والحكومات التي توظفه براغماتياً.
الهوامش
______________________________
(*) باحث إسلامي.
([1]) حول شهرة هذا الحديث لدى الصوفية راجع: باقر صدري نيا، موسوعة التراث الصوفي: 166، سروش، طهران، 1380هـ ش (فارسي).
([2]) مولانا جلال الدين محمد البلخي، فيه ما فيه: 247، تصحيح: بديع الزمان فروزانفر، الشركة الخاصة لناشري الكتب الإيرانية، طهران، بي تا.
([3]) «وبمجرد أن وضع المريد الصادق قدمه على طريق الطلب، وأقبل على جذبات العناية، وأدار ظهره لمألوفات الطبع ومستلذات النفس، واتجه بكله لجناب العزة، عندئذ يفيض عليه جناب العزة جمال الشيخ الكامل الواصل، لينعكس في مرايا قلبه» (نجم الرازي، مرصاد العباد: 240، باهتمام: محمد أمين رياحي، مؤسسة النشر العلمية والثقافية، طهران، الطبعة الثانية، 1365).
([4]) فيه ما فيه: 212 ـ 213. وبهذا الصدد يقول نجم الدين الرازي، في مرصاد العباد: «في البدء تكون الهداية، لكن ليس بواسطة الأنبياء، ولا بالاستعانة بالشيخ المراد، وإنما جوهرها الطلب، الذي يكمن في بواطن القلوب، والذي يتكون بواسطة العناية» (مرصاد العباد: 227).
([5]) موسوعة التراث العرفاني: 220.
([6]) راجع بهذا الصدد: عز الدين محمود الكاشاني، مصباح الهداية: 220 ـ 228، تصحيح: جلال الدين همايي، هما، طهران، الطبعة الخامسة، 1376.
([7]) لقد قرن مشايخ الصوفية منذ البدء إمكانياتهم وقدراتهم الروحية بما يتمتع به الملوك والزعماء من النفوذ والسيطرة. وقد عملوا جاهدين على تحقيق مثل ذلك النفوذ. وكثيراً ما طمحوا لذلك. وأبرز ملامح ذلك الطموح هو ما نجده من إطلاق اسم الملك أو السلطان على مشايخ الصوفية المتأخرين.
([8]) سيوري، راجر، إيران در عصر صفوي (إيران في العهد الصفوي): 2، 90، 97، ترجمة: كامبيز عزيزي، منشورات المركز، طهران، الطبعة العاشرة، 1381.
([9]) نقرأ في كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف، للكلاباذي (380هـ)، نقلاً عن أبي عبد الله الأنطاكي: إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق؛ فإنهم جواسيس القلوب، يدخلون في أسراركم، ويخرجون من هممكم (الكلاباذي، التعرف لمذهب أهل التصوف: 24، المكتبة الثقافية الدينية، مصر، بي تا).
وقد اطّرد ذكر هذا القول في كتب المتصوفة. واعتبره البعض من جملة الأحاديث. ويجدر بي هنا أن أبعث بشكري وتقديري لصديقي العزيز السيد شهروز خنجري الذي مكنني من العثور على مصدر هذا القول.
([10]) لقد كان تجوال الشاه عباس في شوارع وأزقة مدينة إصفهان متنكراً في الليل مثاراً لفضول العامة، ومصدراً لحكاياتهم وأساطيرهم التي راجت كثيراً، والتي لازال البعض يتداول نقلها إلى يومنا هذا (إيران في العهد الصفوي: 99).